المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشارع خارج باب زويلة - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌ذكر حارات القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر واقعة العبيد

- ‌ذكر أبي عبد الله الشيعي

- ‌ذكر الأمراء البرقيّة ووزارة ضرغام

- ‌ذكر وزارة أبي الفتح ناصر الجيوش يأنس الأرمني

- ‌ذكر الأمير حسن بن الخليفة الحافظ

- ‌ذكر قدوم الأويراتية

- ‌ذكر اخطاط القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر كافور الإخشيدي

- ‌ذكر مقتل الخليفة الظافر

- ‌ذكر الدروب والأزقة

- ‌ذكر الخوخ

- ‌ذكر الرحاب

- ‌ذكر الدور

- ‌ذكر الحمامات

- ‌ذكر القياسر

- ‌ذكر الخانات والفنادق

- ‌ذكر الأسواق

- ‌الشارع خارج باب زويلة

- ‌ذكر العوائد التي كانت بقصبة القاهرة

- ‌ذكر ظواهر القاهرة المعزية

- ‌ذكر ميدان القبق

- ‌ذكر برّ الخليج الغربي

- ‌ذكر الأحكار التي في غربيّ الخليج

- ‌ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام

- ‌ذكر ميدان القمح

- ‌ذكر أرض الطبالة

- ‌ذكر حشيشة الفقراء

- ‌ذكر أرض البعل والتاج

- ‌ذكر ضواحي القاهرة

- ‌ذكر منية الأمراء

- ‌ذكر كوم الريش

- ‌ذكر بولاق

- ‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني

- ‌ذكر خارج باب زويلة

- ‌ذكر خارج باب الفتوح

- ‌ذكر الخندق

- ‌ذكر خارج باب النصر

- ‌الريدانية

- ‌ذكر الخلجان التي بظاهر القاهرة

- ‌ذكر خليج مصر

- ‌ذكر خليج فم الخور وخليج الذكر

- ‌ذكر الخليج الناصريّ

- ‌ ذكر القناطر

- ‌ذكر خليج قنطرة الفخر

- ‌ذكر قناطر الخليج الكبير

- ‌ذكر البرك

- ‌ذكر الماردانيّ

- ‌ذكر بساتين الوزير

- ‌ذكر المعشوق

- ‌ذكر الجسور

- ‌وقد وجد بخط المصنف رحمه الله في أصله هنا ما صورته

- ‌ذكر الجزائر

- ‌ذكر الروضة

- ‌ذكر قلعة الروضة

- ‌ذكر السجون

- ‌ذكر المواضع المعروفة بالصناعة

- ‌ذكر الميادين

- ‌ذكر قلعة الجبل

- ‌ذكر بناء قلعة الجبل

- ‌ذكر صفة القلعة

- ‌ذكر النظر في المظالم

- ‌ذكر خدمة الإيوان المعروف بدار العدل

- ‌ذكر العلامة السلطانية

- ‌ذكر جيوش الدولة التركية وزيّها وعوايدها

- ‌ذكر الحجبة

- ‌ذكر أحكام السياسة

- ‌ذكر المياه التي بقلعة الجبل

- ‌ذكر ملوك مصر منذ بنيت قلعة الجبل

- ‌ذكر من ملك مصر من الأكراد

- ‌ذكر دولة المماليك البحرية

- ‌ذكر دولة المماليك الجراكسة

الفصل: ‌الشارع خارج باب زويلة

الآن سوق الماطيين، فلما نقل أمير الجيوش باب زويلة إلى حيث هو الآن، اتسع ما بين سوق الشرايحيين المذكور وبين باب زويلة الكبير، وصار الآن فيه سوق الغرابليين، وفيه عدّة حوانيت تعمل مناخل الدقيق والغرابيل، ويقابلهم عدّة حوانيت يصنع فيها الأغلاق المعروفة بالضبب، وما بعد ذلك إلى باب زويلة، فيه كثير من الحوانيت يجلس ببعضها عدّة من الجبانين لبيع أنواع الجبن المجلوب من البلاد الشامية، وأدركنا هناك إلى أن حدثت المحن من ذلك شيئا كثيرا يتجاوز الحد في الكثرة، وفي بعض تلك الحوانيت قوم يجلسون لعلاج من عساه ينصدع له عظم أو ينكسر أو يصيبه جرح يعرفون بالمجبرين، وهناك منهم بقية إلى يومنا هذا، وبقية الحوانيت ما بين صيارفة وبياعي طرف ومتعيشين في المآكل وغيرها.

فهذه قصبة القاهرة، وما في ظاهر باب زويلة فإنه خارج القاهرة والله تعالى أعلم.

‌الشارع خارج باب زويلة

هذا الشارع هو تجاه من خرج من باب زويلة، ويمتدّ فيما بين الطريق السالك ذات اليمين إلى الخليج «1» ، وبين الطريق المسلوك فيه ذات اليسار إلى قلعة الجبل. ولم يكن هذا الشارع موجودا على ما هو عليه الآن عند وضع القاهرة، وإنما حدث بعد وضعها بعدّة أعوم على غير هذه الهيئة، فلما كثرت العمائر خارج باب زويلة بعد سنة سبعمائة من سني الهجرة صار على ما هو عليه الآن، فأما أوّل أمره: فإن الخليفة الحاكم بأمر الله أنشأ الباب الجديد على يسرة الخارج من باب زويلة، على شاطىء بركة الفيل، وهذا الباب أدركت عقده عند رأس المنجبية بجوار سوق الطيور، ثم لما اختطت حارة اليانسية وحارة الهلالية صار ساحل بركة الفيل قبالتها، واتصلت العمائر من الباب الجديد إلى الفضاء الذي هو الآن خارج المشهد النفيسيّ، فلما كانت الشدّة العظمى في خلافة المستنصر وخربت القطائع والعسكر، صارت مواضعها خرابا إلى خلافة الآمر بأحكام الله، فعمر الناس حتى صارت مصر والقاهرة لا يتخللهما خراب، وبنى الناس في الشارع من الباب الجديد إلى الجبل عرضا حيث قلعة الجبل الآن، وبنى حائط يستر خراب القطائع والعسكر، فعمر من الباب الجديد طولا إلى باب الصفا بمدينة مصر، حتى صار المتعيشون بالقاهرة والمستخدمون يصلون العشاء الآخرة بالقاهرة ويتوجهون إلى سكنهم في مصر ولا يزالون في ضوء وسرج وسوق موقود من الباب الجديد خارج باب زويلة إلى باب الصفا، حيث الآن كوم الجارح، والمعاش مستمرّ في الليل والنهار.

ص: 182

ووقف القاضي الرئيس المختار العدل زكيّ الدين أبو العباس أحمد بن مرتضى بن سيد الأهل بن يوسف، حصة من البستان الكبير المعروف يومئذ بالمخاريق الكبرى، الكائن فيما بين القاهرة ومصر بعدوة الخليج على الفربات، وشرط أنّ الناظر يشتري في كل فصل من فصول الشتاء من قماش الكتان الخام أو القطن ما يراه، ويعمل ذلك جبابا وبغالطيقا محشوّة قطنا، وتفرّق على الأيتام الذكور والإناث الفقراء غير البالغين بالشارع الأعظم، خارج باب زويلة، فيدفع لكل واحد جبة واحدة أو بغلطاقا، فإن تعذر ذلك كان على الأيتام المتصفين بالصفات المذكورة بالقاهرة ومصر وقرافتيهما، وكان هذا الوقف في سنة ستين وستمائة.

فلما كثرت العمائر خارج باب زويلة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون بعد سنة سبعمائة، صار هذا الشارع أوّله تجاه باب زويلة وآخره في الطول الصليبة التي تنتهي إلى جامع ابن طولون وغيره، لكنهم لا يريدون بالشارع سوى إلى باب القوس الذي بسوق الطيوريين، وهو الباب الجديد، وبعد باب القوس سوق الطيوريين، ثم سوق جامع قوصون وسوق حوض ابن هنس وسوق ربع طفجي، وهذه أسواق بها عدّة حوانيت، لكنها لا تنتهي إلى عظم أسواق القاهرة، بل تكون أبدا دونها بكثير، فهذا حال القصبة والشارع خارج باب زويلة، وقد بقيت عدّة أسواق في جانبي القصبة، ولها أبواب شارعة وفيها أسواق أخر في نواحي القاهرة، ومسالكها سيأتي ذكرها بحسب القدرة إن شاء الله تعالى.

سويقة أمير الجيوش: هذه السويقة الآن فيما بين حارة برجوان وحارة بهاء الدين، كانت تعرف بسوق الخروقيين فيما بعد زوال الدولة الفاطمية، وفي هذا السوق عمر الأمير مازكوج الأسدي مدرسته المعروفة الآن بالأكجية، وأدركت الناس إلى هذا الزمن الذي نحن فيه لا يعرفون هذا السوق إلّا بسوق أمير الجيوش، ويعبّرون عنه بصيغة التصغير، ولا أعرف لهم مستندا في ذلك، والذي تشهد به الأخبار أن سوق أمير الجيوش هو السوق الذي برأس حارة برجوان، ويمتدّ إلى رأس سويقة أمير الجيوش الآن، وهذه السويقة من أكبر أسواق القاهرة، بها عدّة حوانيت، فيها الرفاءون والحباكون، وعدّة حوانيت للرسامين، وعدّة حوانيت للفرّايين، وعدّة حوانيت للخياطين، ومعظمها لسكن البزازين والخلعيين، وفيها عدّة من بياعي الأقباع، ويباع في هذا السوق سائر الثياب المخيطة والأمتعة من الفرش ونحوها. وهو شارع من شوارع القاهرة، يسلك فيه من باب الفتوح وبين القصرين وباب النصر إلى باب القنطرة وشاطيء النيل وغيره، وكان ما بعد هذا السوق إلى باب القنطرة معمور الجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع الظرائف والمغازل والكتان والأنواع من المأكل والعطر وغيره، وقد خرب أكثر هذه الحوانيت في سني المحنة وما بعدها، ولسويقة أمير الجيوش عدّة قياسر وفنادق والله أعلم.

سوق الجملون الصغير: هذا السوق يسلك فيه من رأس سويقة أمير الجيوش إلى باب

ص: 183

الجوانية وباب النصر ورحبة باب العيد، وهو مجاور لدرب الفرحية، وفيه المدرسة الصيرمية، وباب زيادة الجامع الحاكمي، وكان أوّلا يعرف بالأمراء القرشيين بني النوري، ثم عرف بالجملون الصغير، وبجملون ابن صيرم، وهو الأمير جمال الدين شويخ بن صيرم، أحد الأمراء في أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، وإليه تنسب المدرسة الصيرمية، والخط المعروف خارج باب الفتوح ببستان ابن صيرم، وأدركت هذا الجملون معمور الجانبين من أوّله إلى آخره بالحوانيت، ففي أوّله كثير من البزازين الذين يبيعون ثياب الكتان من الخام والأزرق وأنواع الطرح وأصناف ثياب القطن، وينادي فيه على الثياب بحراج حراج، وفيه عدّة من الخياطين، وعدّة من البابية المعدّين لغسل الثياب وصقالها، وبآخره كثير من الضبيين بحيث لو أراد أحد أن يشتري منه ألف ضبة في يوم لما عسر عليه ذلك، فلما حدثت المحن خرب هذا السوق بخلوّ حوانيته، وصار مقفرا من ساكنيه، ثم إنه عمر بعد سنة عشر وثمانمائة، وفيه الآن نفر من البزازين وقليل ممن سواهم.

سوق المحايريين: هذا السوق فيما بين الجامع الأقمر وبين جملون ابن صيرم، يسلك فيه من سوق حارة برجوان ومن سوق الشماعين إلى الركن المخلق ورحبة باب العيد، وهو من شوارع القاهرة المسلوكة، وفيه عدّة حوانيت لعمل المحاير التي يسافر فيها إلى الحجاز وغيره، وكان فيه تاجران قد تراضيا على ما يشتريانه من المحاير المعرّضة للبيع، ولهذا السوق موسم عظيم عند سفر الحاج وعند سفر الناس إلى القدس.

وبلغني عن شيخ كان بهذا السوق أنه أوصى بعض صبيانه فقال له: يا بنيّ لا تراع أحدا في بيع، فإنه لا يحتاج إليك إلّا مرّة في عمره، فخذ عدلك في ثمن المحارة، فإنك لا تخشى من عوده مرّة أخرى إليك، وسوف إذا عاد من سفره إما إلى الحجاز أو القدس فإنه يحتاج إلى بيعها، فتراقد عليه في ثمنها واشترها بالرخيص.

وكذلك يفعل أهل هذا السوق إلى اليوم، فإنهم لا يراعون بائعا ولا مشتريا، إلا أن سوقهم لم يبق كما أدركناه، فإنه حدث سوق آخر يباع فيه المحاير بسوق الجامع الطولوني، وصار بسوق الخيميين أيضا صناع للمحاير، وبلغني أنّ بالمحايريين هذا أوقف أهل مصر امرأة من جريد مؤتزرة، بيدها ورقة فيها سب الخليفة الحاكم بأمر الله ولعنه، عندما منع النساء من الخروج في الطرقات، فعندما مرّ من هناك حسبها امرأة تسأله حاجة. فأمر بأخذ الورقة منها، فإذا فيها من السب ما أغضبه، فأمر بها أن تؤخذ، فإذا هي من جريد قد ألبس ثيابا وعمل كهيئة امرأة، فاشتدّ عند ذلك غضبه وأمر العبيد بإحراق مدينة مصر فأضرموا فيها النار. ولم أقف على هذا الخبر مسطورا، وقد ذكر المسبحيّ حريق الحاكم بأمر الله لمصر ولم يذكر قصة المرأة.

الصاغة: هذا المكان تجاه المدارس الصالحية بخط بين القصرين. قال ابن عبد

ص: 184

الظاهر: الصاغة بالقاهرة كانت مطبخا للقصر، يخرج إليه من باب الزهومة، وهو الباب الذي هدم وبني مكانه قاعة شيخ الحنابلة من المدارس الصالحية، وكان يخرج من المطبخ المذكور مدّة شهر رمضان ألف ومائتا قدر من جميع الألوان في كل يوم، تفرّق على أرباب الرسوم والضعفاء، وسمّي باب الزهومة، أي باب الزفر، لأنه لا يدخل باللحم وغيره إلا منه، فاختص بذلك. انتهى.

والصاغة الآن وقف على المدارس الصالحية، وقفها الملك السعيد بركة خان المسمى بناصر الدين محمد ولد الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري على الفقهاء المقرّرين بالمدارس الصالحية.

سوق الكتبيين: هذا السوق فيما بين الصاغة والمدرسة الصالحية، أحدث فيما أظن بعد سنة سبعمائة، وهو جار في أوقاف المارستان المنصوري، وكان سوق الكتب قبل ذلك بمدينة مصر تجاه الجانب الشرقي من جامع عمرو بن العاص في أوّل زقاق القناديل، بجوار دار عمرو، وأدركته وفيه بقية بعد سنة ثمانين وسبعمائة، وقد دثر الآن فلا يعرف موضعه، وكان قد نقل سوق الكتبيين من موضعه الآن بالقاهرة إلى قيسارية كانت فيما بين سوق الدجاجين المجاور للجامع الأقمر، وبين سوق الحصريين المجاور للركن المخلق، وكان يعلو هذه القيسارية ربع فيه عدّة مساكن، فتضرّرت الكتب من نداوة أقبية البيوت وفسد بعضها، فعادوا إلى سوق الكتب الأوّل حيث هو الآن، وما برح هذا السوق مجمعا لأهل العلم يتردّدون إليه. وقد أنشدت قديما لبعضهم:

مجالسة السوق مذمومة

ومنها مجالس قد تحتسب

فلا تقربنّ غير سوق الجياد

وسوق السلاح وسوق الكتب

فهاتيك آلة أهل الوغى

وهاتيك آلة أهل الأدب

سوق الصنادقيين: هذا السوق تجاه المدرسة السيوفية، كان موضعه في القديم من جملة المارستان، ثم عرف بفندق الدبابليين، وقيل له الآن سوق الصنادقيين، وفيه تباع الصناديق والخزائن والأسرّة مما يعمل من الخشب، وكان ما بظاهرها قديما يعرف بسكن الدجاجين، وأدركناه يعرف بسوق السيوفيين، وكان فيه عدّة طباخين لا يزال دخان كوانينهم منعقدا لكثرته. حتى قال لي شيخنا قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الحنفي:

أن قاضي القضاة جلال الدين جاد الله قال له: هذا السوق قطب دائرة الدخان، وفي سوق الصنادقيين إلى الآن بقية.

سوق الحريريين: هذا السوق من باب قيسارية العنبر إلى خط البندقانيين، كان يعرف قديما بسقيفة العداس، ثم عمل صاغة القاهرة، ثم سكن هناك الأساكفة.

ص: 185

قال ابن عبد الظاهر: وكانت الصاغة قديما فيما تقدّم مكان الأساكفة الآن، وهو إلى الآن معروف بالصاغة القديمة، وكان يعرف بسقيفة العداس، كذا رأيت في كتب الأملاك، وعرف هذا السوق في زماننا بالحريريين الشراربيين، وعرف بعضه بسوق الزجاجين، وكان يسكن فيه أيضا الأساكفة، فلما أنشأ الأمير يونس الدوادار القيسارية على بئر زويلة بخط البندقانيين في أعوام بضع وثمانين وسبعمائة، نقل الأساكفة من هذا الخط، ونقل منه أيضا بياعي أخفاف النساء إلى قيساريته وحوانيته المذكورة.

سوق العنبريين: هذا السوق فيما بين سوق الحريريين الشراربيين وبين قيسارية العصفر، وهو تجاه الخرّاطين، كان في الدولة الفاطمية مكانه سجنا لأرباب الجرائم يعرف بحبس المعونة، وكان شنيع المنظر ضيقا لا يزال من يجتاز عليه يجد منه رائحة منكرة، فلما كان في الدولة التركية وصار قلاوون من جملة الأمراء الظاهرية بيبرس، صار يمرّ من داره إلى قلعة الجبل على حبس المعونة هذا فيشمّ منه رائحة رديئة ويسمع منه صراخ المسجونين وشكواهم الجوع والعري والقمل، فجعل على نفسه أنّ الله تعالى جعل له من الأمر شيئا أن يبني هذا الحبس مكانا حسنا، فلما صار إليه ملك ديار مصر والشام هدم حبس المعونة وبناه سوقا ليسكنه بياعي العنبر، وكان للعنبر إذ ذاك بديار مصر نفاق، وللناس فيه رغبة زائدة، لا يكاد يوجد بأرض مصر امرأة وإن سفلت إلّا ولها قلادة من عنبر، وكان يتّخذ منه المخادّ والكلل والستور وغيرها، وتجار العنبر يعدّون من بياض الناس، ولهم أموال جزيلة، وفيه رؤساء وأجلّاء، فلما صار الملك إلى الملك الناصر محمد بن قلاون جعل هذا السوق وما فوقه من المساكن وقفا على الجامع الذي أنشأه بظاهر مصر جوار موردة الخلفاء المعروف بالجامع الجديد الناصري، وهو جار في أوقافه إلى يومنا هذا، إلّا أن العنبر من بعد سنة سبعين وسبعمائة كثر فيه الغش حتى صار اسما لا معنى له، وقلّت رغبة الناس في استعماله، فتلاشى أمر هذا السوق بالسنة لما كان، ثم لما حدثت المحن بعد سنة ست وثمانمائة قلّ ترفّه أهل مصر عن استعمال الكثير من العنبر، فطرق هذا السوق ما طرق غيره من أسواق البلد، وبقيت فيه بقية يسيرة إلى أن خلع الخليفة المستعين بالله العباسي بن محمد في سنة خمس عشرة وثمانمائة، وكان نظر الجامع الجديد بيده وبيد أبيه الخليفة المتوكل على الله محمد، فقصد بعض سفهاء العامّة يكاتبه بتعطيل هذا السوق، فاستأجر قيسارية العصفر ونقل سوق العنبر إليها، وصار معطلا نحو سنتين، ثم عاد أهل العنبر إلى هذا السوق على عادتهم في سنة ثمان عشرة وثمانمائة.

سوق الخرّاطين: هذا السوق يسلك فيه من سوق المهامزيين إلى الجامع الأزهر وغيره، وكان قديما يعرف بعقبة الصباغين، ثم عرف بسوق القشاشين، وكان فيما بين دار الضرب والوكالة الآمرية وبين المارستان، ثم عرف الآن بسوق الخرّاطين، وكان سوقا كبيرا

ص: 186

معمورا لجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع المهد الذي يربى فيه الأطفال، وحوانيت الخرّاطين، وحوانيت صناع السكاكين، وصناع الدوى، يشتمل على نحو الخمسين حانوتا، فلما حدثت المحن تلاشى هذا السوق، واغتصب الأمير جمال الدين يوسف الاستادار منه عدّة حوانيت، من أوّله إلى الحمام التي تعرف بحمام الخرّاطين، وشرع في عمارتها، فعوجل بالقتل قبل إتمامها، وقبض عليها الملك الناصر فرج فيما أحاط به من أمواله وأدخلها في الديوان.

فقام بعمارة الحوانيت التي تجاه قيسارية العصفر من درب الشمسي إلى أوّل الخرّاطين القاضي الرئيس تقيّ الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر، فلما كملت جعلها الملك الناصر فيما هو موقوف على ترتبته التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق خارج باب النصر، وأفرد الحمّام وبعض الحوانيت القديمة للمدرسة التي أنشأها الأمير جمال الدين يوسف الأستادار برحبة باب العيد، وما يقابل هذه الحوانيت هو وما فوقه وقف على المدرسة القراسنقرية وغيرها، وهو متخرّب متهدّم.

سوق الجملون الكبير: هذا السوق بوسط سوق الشرابشيين، يتوصل منه إلى البندقانيين وإلى حارة الجودرية وغيرها، أنشئ فيه حوانيت سكنها البزازون، وقفه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون على تربة مملوكه بلبغا التركمانيّ عند ما مات في سنة سبع وسبعمائة، ثم عمل عليه بابان بطرفيه بعد سنة تسعين وسبعمائة، فصارت تغلق في الليل، وكان فيما أدركناه شارعا مسلوكا طول الليل، يجلس تجاه صاحب العسس، الذي عرفته العامة في زماننا بوالي الطوف، من بعد صلاة العشاء في كل ليلة، وينصب قدّامه مشعل يشعل بالنار طول الليل، وحوله عدّة من الأعوان وكثير من السقائين والنجارين والقصارين والهدّادين بنوب مقرّرة لهم، خوفا من أن يحدث بالقاهرة في الليل حريق فيتداركون إطفاءه، ومن حدث منه في الليل خصومة، أو وجد سكران، أو قبض عليه من السرّاق، تولى أمره والي الطوف وحكم فيه بما يقتضيه الحال. فلما كانت الحوادث بطل هذا الرسم في جملة ما بطل، وهذا السوق الآن جار في وقف

«1» .

سوق الفرّايين: هذا السوق يسلك فيه من سوق الشرابشيين إلى الأكفانيين والجامع الأزهر وغير ذلك. كان قديما يعرف بسوق الخروقيين، ثم سكن فيه صناع الفراء وتجّاره، فعرف بهم، وصار بهذا السوق في أيام الملك الظاهر برقوق من أنواع الفراء ما يجلّ أثمانها وتتضاعف قيمها، لكثرة استعمال رجال الدولة من الأمراء والمماليك لبس السمور والوشق والقماقم والسنجاب، بعد ما كان ذلك في الدولة التركية من أعز الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يلبسها، ولقد أخبرني الطواشي الفقيه الكاتب الحاسب الصوفيّ زين الدين مقبل الروميّ الجنس المعروف بالشامي، عتيق السلطان الملك الناصر الحسين بن محمد بن قلاون: أنه

ص: 187

وجب في تركة بعض أمراء السلطان حسن قباء بفرو قاقم، فاستكثر ذلك عليه وتعجب منه، وصار يحكى ذلك مدّة لعزّة هذا الصنف واحترامه، لكونه من ملابس السلطان وملابس نسائه، ثم تبذلت الأصناف المذكورة حتى صار يلبس السمور آحاد الأجناد وآحاد الكتاب، وكثير من العوام، ولا تكاد امرأة من نساء بياض الناس تخلو من لبس السمور ونحوه، وإلى الآن عند الناس من هذا الصنف وغيره من الفرو شيء كثير.

سوق البخانقيين: هذا السوق فيما بين سوق الجملون الكبير وبين قيسارية الشرب الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى عند ذكر القياسر. وباب هذا السوق شارع من القصبة، ويعرف بسوق الخشيبة تصغير خشبة، فإنه عمل على بابه المذكور خشبة تمنع الراكب من التوصل إليه، ويسلك من هذا السوك إلى قيسارية الشرب وغيرها. وهو معمور الجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع الكوافي والطواقي التي تلبسها الصبيان والبنات، وبظاهر هذا السوق أيضا في القصة عدّة حوانيت لبيع الطواقي وعملها، وقد كثر لبس رجال الدولة من الأمراء والمماليك والأجناد ومن يتشبه بهم للطواقي في الدولة الجركسية، وصاروا يلبسون الطاقية على رؤوسهم بغير عمامة، ويمرّون كذلك في الشوارع والأسواق والجوامع والمواكب لا يرون بذلك بأسا بعد ما كان نزع العمامة عن الرأس عارا وفضيحة، ونوّعوا هذه الطواقي ما بين أخضر وأحمر وأزرق وغيره من الألفوان، وكانت أوّلا ترتفع نحو سدس ذراع، ويعمل أعلاها مدوّرا مسطحا، فحدث في أيام الملك الناصر فرج منها شيء عرف بالطواقي الجركسية، يكون ارتفاع عصابة الطاقية منها نحو ثلثي ذراع، وأعلاها مدوّر مقبب، وبالغوا في تبطين الطاقية بالورق والكتيرة، فيما بين البطانة المباشرة للرأس والوجه الظاهر للناس، وجعلوا من أسفل العصابة المذكورة زيقا من فرو القرض الأسود يقال له القندس، في عرض نحو ثمن ذراع، يصير دائرا بجبهة الرجل وأعلى عنقه، وهم على استعمال هذا الزيّ إلى اليوم، وهو من أسمج ما عانوه، ويشبه الرجال في لبس ذلك بالنساب لمعنيين، أحدهما أنه فشا في أهل الدولة محبة الذكران، ليستملن قلوب رجالهنّ، فاقتدى بفعلهنّ في ذلك عامة نساء البلد. وثانيهما ما حدث بالناس من الفقر ونزل بهم من الفاقة، فاضطرّ حال نساء أهل مصر إلى ترك ما أدركنا فيه النساء من لبس الذهب والفضة والجواهر ولبس الحرير، حتى لبسن هذه الطواقي وبالغن في عملها من الذهب والحرير وغيره، وتواصين على لبسها، ومن تأمل أحوال الوجود عرف كيف تنشأ أمور الناس في عاداتهم وأخلاقهم ومذاهبهم.

سوق الخلعيين: هذا السوق فيما بين قيسارية الفاضل الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وبين باب زويلة الكبير، وكان يعرف قديما بالخشابين، وعرف اليوم بالزقيق تصغير زقاق، وعرف أيضا بسوق الخلعيين، كأنه جمع خلعيّ، والخلعيّ في زماننا هو الذي يتعاطى بيع الثياب الخليع، وهي التي قد لبست، وهذا السوق اليوم من أعمر أسواق القاهرة لكثرة ما يباع فيه من ملابس أهل الدولة وغيرهم، وأكثر ما يباع فيه الثياب المخيطة، وهو معمور

ص: 188

الجوانب بالحوانيت، ويسلك فيه من القصبة ليلا ونهارا إلى حارة الباطلية. وخوخة أيدغمش وغير ذلك، وفي داخل القاهرة أيضا عدّة أسواق وقد خرب الآن أكثرها.

سويقة الصاحب: هذه السويقة يسلك إليها من خط البندقانيين ومن باب الخوخة وغير ذلك، وهي من الأسواق القديمة كانت في الدولة الفاطمية تعرف بسويقة الوزير، يعني أبا الفرج يعقوب بن كلس وزير الخليفة العزيز بالله نزار بن المعز الذي تنسب إليه حارة الوزيرية، فإنها كانت على باب داره التي عرفت بعده في الدولة الفاطمية بدار الديباج، وصار موضعها الآن المدرسة الصاحبية، ثم صارت تعرف بسويقة دار الديباج يعني دار الطراز، ينسج فيها الديباج الذي هو الحرير، وقيل لذلك الموضع كله خط دار الديباج، ثم عرف هذا السوق بالسوق الكبير في أخريات الدولة الفاطمية، فلما ولي صفيّ الدين عبد الله بن شكر الدميري وزارة الملك العادل أبي بكر بن أيوب سكن في هذا الخط، وأنشأ به مدرسته التي تعرف إلى اليوم بالمدرسة الصاحبية، وأنشأ به أيضا رباطه وحمامه المجاورين للمدرسة المذكورة، عرفت من حينئذ هذه السويقة بسويقة الصاحب المذكور، واستمرّت تعرف بذلك إلى يومنا هذا، ولم تزل من الأسواق المعتبرة، يوجد فيها أكثر ما يحتاج إليه من المآكل، لوفور نعم من يسكن هنالك من الوزراء وأعيان الكتاب، فلما حدثت المحن طرقها ما طرق غيرها من أسواق القاهرة فاختلت عما كانت وفيها بقية.

سوق البندقانيين: هذا السوق يسلك إليه من سوق الزجاجين ومن سويقة الصاحب ومن سوق الأبزاريين وغيره، وكان يعرف قديما بسوق بئر زويلة، وكان هناك بئر قديمة تعرف ببئر زويلة برسم اصطبل الجميزة الذي كان فيه خيول الخلفاء الفاطميين، وصار موضعه خط البندقانيين بعد ذلك كما ذكر عند اصطبلات الخلفاء الفاطميين من هذا الكتاب، وموضع هذه البئر اليوم قيسارية يونس والربع الذي يعلوها، وبقي منها موضع ركب عليه حجر وأعدّت لملء السقائين منها، فلما زالت الدولة واختط موضع اصطبل الجميزة الدور وغيرها، وعرف موضع الاصطبل بالبندقانيين، قيل لهذا السوق سوق البندقانيين، وأدركته سوقا كبيرا معمور الجانبين بالحوانيت التي قد تهدّم أعلاها منذ كان الحريق بالبندقانيين في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، كما ذكر في خط البندقانيين عند ذكر الأخطاط من هذا الكتاب، وفي هذا السوق كثير من أرباب المعاش المعدّين لبيع المأكولات من الشواء والطعام المطبوخ وأنواع الأجبان والألبان والبوارد والخبز والفواكه، وعدّة كثيرة من صناع قسيّ البندق، وكثير من الرسامين، وكثير من بياعي الفقاع. فلما حدثت المحن بعد سنة ست وثمانمائة اختلّ هذا السوق خللا كبيرا وتلاشى أمره.

سوق الأخفافيين: هذا السوق بجوار سوق البندقانيين، يباع فيه الآن خفاف النسوان ونعالهنّ، وهو سوق مستجدّ أنشأه الأمير يونس النوروزيّ دوادار الملك الظاهر برقوق في

ص: 189

سنة بضع وثمانين وسبعمائة، ونقل إليه الأخفافيين بياعي أخفاف النساء من خط الحريريين والزجاجين، وكان مكانه مما خرب في حريق البندقانيين، فركب بعض القيسارية على بئر زويلة وجعل بابها تجاه درب الأنجب، وبنى بأعلاها ربعا كبيرا فيه عدّة مساكن، وجعل الحوانيت بظاهرها وبظاهر درب الأنجب، وبنى فوقها أيضا عدّة مساكن، فعمر ذلك الخط بعمارة هذه الأماكن، وبه إلى الآن سكن بياعي أخفاف النساء ونعالهنّ، التي يقال للنعل منها سر موزه، وهو لفظ فارسيّ معناه رأس الخف، فإن سر رأس وموزه خف.

سوق الكفتيين: هذا السوق يسلك إليه من البندقانيين ومن حارة الجودرية ومن الجملون الكبير وغيره، ويشتمل على عدّة حوانيت لعمل الكفت، وهو ما تطعّم به أواني النحاس من الذهب والفضة، وكان لهذا الصنف من الأعمال بديار مصر رواج عظيم، وللناس في النحاس المكفت رغبة عظيمة، أدركنا من ذلك شيئا لا يبلغ وصفه واصف لكثرته، فلا تكاد دار تخلو بالقاهرة ومصر من عدّة قطع نحاس مكفت، ولا بدّ أن يكون في شورة العروس دكة نحاس مكفت.

والدكة: عبارة عن شيء شبه السرير يعمل من خشب مطعم بالعاج والأبنوس، أو من خشب مدهون، وفوق الدكة دست طاسات من نحاس أصفر مكفت بالفضة، وعدّة الدست سبع قطع بعضها أصغر من بعض، تبلغ كبراها ما يسع نحو الأردب من القمح، وطول الأكفات التي نقشت بظاهرها من الفضة نحو الثلث ذراع في عرض إصبعين، ومثل ذلك دست أطباق عدّتها سبعة بعضها في جوف بعض، ويفتح أكبرها نحو الذراعين وأكثر، وغير ذلك من المناير والسرج وأحقاق الأشنان والطشت والإبريق والمبخرة، فتبلغ قيمة الدكة من النحاس المكفت زيادة على مائتي دينار ذهبا، وكانت العروس من بنات الأمراء أو الوزراء أو أعيان الكتاب أو أماثل التجار تجهز في شورتها عند بناء الزوج عليها سبع دكك، دكة من فضة، ودكة من كفت، ودكة من نحاس أبيض، ودكة من خشب مدهون، ودكة من صيني، ودكة من بلور، ودكة كداهي: وهي آلات من ورق مدهون تحمل من الصين، أدركنا منها في الدور شيئا كثيرا، وقد عدم هذا الصنف من مصر إلّا شيئا يسيرا. حدثني القاضي الفاضل الرئيس تاج الدين أبو الفداء إسماعيل أحمد بن عبد الوهاب ابن الخطباء المخزوميّ رحمه الله قال: تزوّج القاضي علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة بامرأة من بنات التجار، تعرف بست العمائم، فلما قارب البناء عليها والدخول بها، حضر إليه في يوم وكيلها وأنا عنده، فبلّغه سلامها عليه وأخبره أنها بعثت إليه بمائة ألف درهم فضة خالصة ليصلح بها لها ما عساه اختلّ من الدكة الفضة، فأجابه إلى ما سأل وأمره باحضار الفضة، فاستدعى الخدم من الباب فدخلوا بالفضة في الحال، وبالوقت أمر المحتسب بصناع الفضة وطلائها، فاحضروا وشرعوا في إصلاح ما أرسلته ست العمائم من أواني الفضة وإعادة طلائها بالذهب، فشاهدنا من ذلك منظرا بديعا.

ص: 190

وأخبرني من شاهد جهاز بعض بنات السلطان حسن بن محمد بن قلاوون وقد حمل في القاهرة عند ما زفت على بعض الأمراء في دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون، فكان شيئا عظيما، من جملته دكة من بلور تشتمل على عجائب، منها زير من بلور قد نقش بظاهره صور ثابتة على شبه الوحوش والطيور، وقدر هذا الزير ما يسع قربة ماء، وقد قلّ استعمال الناس في زمننا هذا للنحاس المكفت، وعزّ وجوده، فإن قوما لهم عدّة سنين قد تصدّوا لشراء ما يباع منه وتنحية الكفت عنه طلبا للفائدة، وبقي بهذا السوق إلى يومنا هذا بقية من صناع الكفت قليلة.

سوق الأقباعيين: بخط تحت الربع خارج باب زويلة، مما يلي الشارع المسلوك فيه إلى قنطرة الخرق، ما كان منه على يمنة السالك إلى قنطرة الخرق، فإنه جار في وقف الملك الظاهر بيبرس، هو وما فوقه على المدرسة الظاهرية بخط بين القصرين، وعلى أولاده. ولم يزل إلى يوم السبت خامس شهر رمضان سنة عشرين وثمانمائة، فوقع الهدم فيه ليضاف إلى عمارة الملك المؤيد شيخ المجاورة لباب زويلة، وما كان من هذا السوق على يسرة من سلك إلى القنطرة، فإنه جار في وقف اقبغا عبد الواحد على مدرسته المجاورة للجامع الأزهر، وبعضه وقف امرأة تعرف بدنيا.

سويقة السقطيين: هذا السوق خارج باب زويلة بجوار دار التفاح، أنشأه الأمير اقبغا عبد الواحد وهو جار في وقفه.

سويق خزانة البنود: هذه السويقة على باب درب راشد، وتمتدّ إلى خزانة البنود، وكانت تعرف أوّلا بسويقة ريدان الصقلبي المنسوب إليه الريدانية خارج باب النصر.

سويقة المسعودي: هذه السويقة من حقوق حارة زويلة بالقاهرة، تنسب إلى الأمير صارم الدين قايماز المسعوديّ، مملوك الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل. وولي المسعودي هذا ولاية القاهرة، وكان ظالما غاشما جبارا، من أجل أنه كان في دار ابن فرقة التي من جملتها جامع ابن المغربي، وبيت الوزير ابن أبي شاكر، ثم إن فتح الدين بن معتصم الداودي التبريزي كاتب السر جدّدها في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، لأنه كان يسكن هناك.

ومات المسعوديّ في يوم الاثنين النصف من ذي الحجة سنة أربع وستين وستمائة، ضربه شخص في دار العدل بسكين، كان يريد أن يقتل بها الأمير عز الدين الحلي نائب السلطنة، فوقعت في فؤاد المسعوديّ فمات لوقته.

سويقة طغلق: هذه السويقة على رأس الحارة الصالحية مما يلي الجامع الأزهر، عرفت بالأمير سيف الدين طغلق السلاح دار، صاحب حمام طغلق التي بالقرب من الجامع

ص: 191

الأزهر على باب درب المنصوري، وصاحب دار طغلق التي عرفت اليوم بدار المنصوري في الدرب المذكور، وأوّل ما عمرت هذه السويقة لم يكن فيها غير أربع حوانيت، ثم عمرت عمارة كبيرة لمّا خربت سويقة الصالحية التي كانت مما يلي باب البرقية في حدود سنة ثمانين وسبعمائة، ثم تلاشت من سنة ست وثمانمائة كما تلاشى غيرها من الأسواق، وبقي فيها يسير جدّا.

سويقة الصوّاني: هذه السويقة خارج باب النصر وباب الفتوح، بخط بستان ابن صيرم، عرفت بالأمير علاء الدين أبي الحسن عليّ بن مسعود الصوّانيّ، مشدّ الدواوين في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري، وقيل بل قراجا الصوّاني، أحد مقدّمي الحلقة في أيام الملك المنصور قلاوون، وكان في حدود سنة إحدى وثمانين وستمائة موجودا، وكانت داره هناك، وكان أيضا في أيام الملك المنصور قلاون، الأمير زين الدين أبو المعالي أحمد بن شرف الدين أبي المفاخر محمد الصوّاني شادّ الدواوين، وكان يسكن بمدينة مصر، والأمير علم الدين سنجر الصوّاني أحد الأمراء المقدّمين الألوف في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، والملك المظفر بيبرس، وهو صاحب البئر التي بالباطلية المعروفة ببئر الدرابزين، وعز الدين أيبك الصوّاني.

سويقة البلشون: هذه السويقة خارج باب الفتوح، عرفت بسابق الدين سنقر البلشون، أحد مماليك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وسلاح درايته، وكان له أيضا بستان بالمقس خارج القاهرة من جوار الدكة يعرف ببستان البلشون.

سويقة اللفت: هذه السويقة كانت خارج باب النصر من ظاهر القاهرة، حيث البئر التي في شمال مصلى الأموات، المعروف ببئر اللفت. تجاه دار ابن الحاجب، كانت تشتمل على عدّة حوانيت يباع فيها اللفت والكرنب، ويحمل منها إلى سائر أسواق القاهرة، ويباع اليوم في بعض هذه الحوانيت الدريس لعلف الدواب.

سويقة زاوية الخدّام: هذه السويقة خارج باب النصر بحريّ سويقة اللفت، كان فيها عدّة حوانيت يباع فيها أنواع المآكل، فلما كانت سن ست وثمانمائة خربت، ولم يبق فيها سوى حوانيت لا طائل بها.

سويقة الرملة: هذه السويقة كانت فيما بين سويقة زاوية الخدّام وجامع آل ملك حيث مصلى الأموات، التي هناك كان فيها عدّة حوانيت مملوءة بأصناف المآكل، قد خرب سائرها ولم يبق لها أثر البتة.

سويقة جامع آل ملك: أدركتها إلى سنة ست وثمانمائة، وهي من الأسواق الكبار، فيها غالب ما يحتاج إليه من الإدام، وقد خربت لخراب ما يجاورها.

ص: 192

سويقة أبي ظهير: كانت تلي سويقة جامع آل ملك أدركتها عامرة.

سويقة السنابطة: كانت هناك، عرفت بقوم من أهل سنباط سكنوا بها، أدركتها أيضا عامرة.

سويقة العرب: هذه السويقة كانت تتصل بالريدانية، خربت في الغلاء الكائن في سنة ست وسبعين وسبعمائة، وأدركت حوانيت هذه السويقة، وهي خالية من السكان إلّا يسيرا، وعقودها من اللبن، ويقال له وما وراءه خراب الحسينية، وكانت في غاية العمارة، وكان بأوّلها مما يلي الحسينية فرن، أدركته عامر إلى ما بعد سنة تسعين وسبعمائة، بلغني أنه كان قبل ذلك في أعوام ستين وسبعمائة يخبز فيه كل يوم نحو سبعة آلاف رغيف، لكثرة من حوله من السكان، وتلك الأماكن اليوم لا ساكن فيها إلّا اليوم، ولا يسمع بها إلّا الصدى.

سويقة العزي: هذه السويقة خارج باب زويلة قريبا من قلعة الجبل، كانت من جملة المقابر التي خارج القاهرة، فيما بين الباب الحديد والحارات وبركة الفيل، وبين الجبل الذي عليه الآن قلعة الجبل، فلما اختطت هذه الجهة كما تقدّم ذكره عند ذكر ظواهر القاهرة، عرفت هذه السويقة بالأمير عز الدين أيبك العزي نقيب الجيوش، واستشهد على عكا عند ما فتحها الأشرف خليل بن قلاوون في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة سنة تسعين وستمائة، وهذه السويقة عامرة بعمارة ما حولها.

سويقة العياطين: هذه السويقة بخط المقس بالقرب من باب البحر، عرفت بالفقير المعتقد مسعود بن محمد بن سالم العياط لسكنه بالقرب منها، وله هناك مسجد بناه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأخبرني الشيخ المعمر حسام الدين حسن بن عمر الشهرزوريّ وكيل أبي رحمه الله: أن النشو ناظر الخاص في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، طرح على أهل هذه السويقة عدّة أمطار عسل قصب، وألزمهم في ثمن كل قنطار بعشرين درهما، فوقفوا إلى السلطان وعيطوا حتى أعفاهم من ذلك، فقيل لها من حينئذ سويقة العياطين، ولفظة عياط عند أهل مصر بمعنى صيّاح، والعياط الصيّاح، وأصل ذلك في اللغة أن العطعطة تتابع الأصوات واختلافها في الحرب، وهي أيضا حكاية أصوات المجان إذا قالوا عيط محيط، وذلك إذا غلبوا قوما، وقد عطعطوا أو عطعط بالذئب إذا قال له عاط عاط، فحرّف عامّة مصر ذلك وجعلوا العياط الصيّاح، واشتقوا منه الفعل فأعرف ذلك.

سويقة العراقيين: هذه السويقة بمدينة مصر الفسطاط، وإنما عرفت بذلك لأن قريبا الأزديّ وزحافا الطائيّ، وكانا من الخوارج، خرجا على زياد ابن أمية بالبصرة، فاتهم زياد بهما جماعة من الأزد، وكتب إلى معاوية بن أبي سفيان يستأذنه في قتلهم، فأمر بتغربهم عن أوطانهم، فسيّرهم إلى مصر وأميرها مسلمة بن مخلد، وذلك في سنة ثلاث وخمسين،

ص: 193