الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري في سنة خمس وستين وستمائة، وتولى عمارتها الأمير عز الدين أيبك الأقرم.
قناطر الجيزة: قال في كتاب عجائب البنيان: أن القناطر الموجودة اليوم في الجيزة من الأبنية العجيبة. ومن أعمال الجبارين، وهي نيف وأربعون قنطرة، عمرها الأمير قراقوش الأسديّ، وكان على العمائر في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، بما هدمه من الأهرام التي كانت بالجيزة، وأخذ حجرها فبنى منه هذه القناطر وبنى سور القاهرة ومصر وما بينهما، وبنى قلعة الجبل، وكان خصيا روميا سامي الهمة، وهو صاحب الأحكام المشهورة والحكايات المذكورة، وفيه صنف الكتاب المشهور المسمى بالفاشوش في أحكام قراقوش، وفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة تولى أمر هذه القناطر من لا بصيرة عنده، فسدّها رجاء أن يحبس الماء، فقويت عليها جرية الماء، فقويت عليها جرية الماء فزلزلت منها ثلاث قناطر وانشقت، ومع ذلك فما روى ما رجا أن يروي، وفي سنة ثمان وسبعمائة رسم الملك المظفر بيبرس الجاشنكير برمّها، فعمر ما خرب منها وأصلح ما فسد فيها، فحصل النفع بها. وكان قراقوش لما أراد بناء هذه القناطر بنى رصيفا من حجارة، ابتدأ به من حيز النيل بإزاء مدينة مصر، كأنه جبل ممتدّ على الأرض مسيرة ستة أميال، حتى يتصل بالقناطر.
ذكر البرك
قال ابن سيده: البركة مستنقع الماء، والبركة شبه حوض يحفر في الأرض. انتهى.
وقد رأيت بخط معتبر ما مثاله: وملؤا البركة ماء، فنصب الماء وكسر الراء وفتح الكاف والتاء.
بركة الحبش: هذه البركة كانت تعرف ببركة المغافر، وتعرف ببركة حمير، وتعرف أيضا باصطبل قرّة، وعرفت أيضا باصطبل قامش، وهي من أشهر برك مصر، وهي في ظاهر مدينة الفسطاط من قبليها، فيما بين الجبل والنيل، وكانت من الموات، فاستنبطها قرّة بن شريك العنبسيّ أمير مصر وأحياها وغرسها قصبا، فعرفت باصطبل قرّة، وعرفت أيضا باصطبل قامش، وتنقلت حتى صارت تعرف ببركة الحبش. ودخلت في ملك أبي بكر الماردانيّ فجعلها وقفا، ثم أرصدت لبني حسن وبني حسين ابني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، فلم تزل جارية في الأوقاف عليهم إلى وقتنا هذا.
قال أبو بكر الكنديّ في كتاب الأمراء: وقدم قرّة بن شريك من وفادته في سنة ثلاث وتسعين فاستنبط الإصطبل لنفسه من الموات وأحياه وغرسه قصبا، فكان يسمى اصطبل قرّة، ويسمى أيضا اصطبل القامش، يعنون القصب، كما يقولون قامش مروان.
وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر. وكان الإصطبل للأزد فاشتراه منهم الحكم بن أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، فبناه وكان يجرى على الذي يقرأ في المصحف الذي وضعوه في المسجد الذي يقال له مصحف أسماء، من كراه في كل شهر ثلاثة دنانير، فلما حيزت أموالهم، يعني أموال بني أمية، وضمت إلى مال الله، حيز الإصطبل فيما حيز وكتب بأمر المصحف إلى أمير المؤمنين أبي العباس السفاح، فكتب أن أقرّوا مصحفهم في مسجدهم على حاله، وأجروا على الذي يقرأ فيه ثلاثة دنانير في كل شهر من مال الله تعالى.
وقال القضاعيّ: بركة الحبش كانت تعرف ببركة المغافر وحمير، وتعرف باصطبل قامش، وكانت في ملك أبي بكر محمد بن عليّ الماردانيّ، بجميع ما تشتمل عليه من المزارع والجنان خلا الجنان التي في شرقيها، وأظنها الجنان المنسوبة إلى وهب بن صدقة، وتعرف بالحبش، فإني رأيت في شرط هذه البركة أن الحدّ الشرقيّ ينتهي إلى الفضاء الفاصل بينها وبين الجنان المعروفة بالحبش، فدلّ على أن الجنان خارجة عنها.
وذكر ابن يونس في تاريخه: أن في قبليّ بركة الحبش جنانا تعرف بقتادة بن قيس بن حبشيّ الصدفيّ شهد فتح مصر، والجنان تعرف بالحبش، وبه تعرف بركة الحبش، وذكر بعض هذا الشرط أنّ الحدّ البحري ينتهي إلى البئر الطولونية وإلى البئر المعروفة بموسى بن أبي خليد، وهذه البئر هي البير المعروفة بالنعش. ورأيت في كتاب شرط هذه البركة أنها محبسة على البئرين اللتين استنبطهما أبو بكر الماردانيّ في بني وائل بحضرة الخليج والقنطرة المعروفة، أحدهما بالفندق والأخرى بالعتيق، وعلى السرب الذي يدخل منه الماء إلى البئر الحجارة المعروفة بالروا، التي في بني وائل، ذات القناطر التي يجرى فيها الماء إلى المصنعة التي بحضرة العقبة التي يصار منها إلى يحصب، وهي المصنعة المعروفة بدليله، وعلى القنوات المتصلة بها التي تصب إلى المصنعة ذات العمد الرخام القائمة فيها، المعروفة بسمينة، وهي التي في وسط يحصب. ويقال أن هناك كانت سوق ليحصب، وذكر في هذا الشرط دارا له في موضع السقاية المعروفة بسقاية زوف، وشرط أن تنشأ هذه الدار مصنعة على مثل هذه المصنعة المقدّم ذكرها، المعروفة بسمينة، وهي سقاية زوف اليوم، وعلى القناة التي يجري فيها الماء إلى مصنعة ذكر أنّه كان أنشأها عند البئر المعروفة اليوم ببئر القبة، والحوض الذي هناك بحضرة المسجد المعروف بمسجد القبة، وكانت هذه المصنعة تسمى ريا، وجعل هذا الحبس أيضا على البئر التي له بالحبانية بحضرة الخندق، وذكر أنها تعرف بالقبانية، وأن ماءها يجري إلى المصنعة المقابلة للميدان من دار الإمارة في طريق المصلى القديم، ثم إلى المصنعة التي تحت مسجده المقابل لدار عبد العزيز، ثم إلى المصنعة المقابلة لمسجد التربة المجاورة لمسجد الأخضر، وتاريخ هذا الشرط شهر رمضان
سنة سبع وثلاثمائة، وجعل ما يفضل عن جميع ذلك مصروفا في ابتياع بقر وكباش تذبح ويطبخ لحمها، ويبتاع أيضا معها خبز برّ ودراهم وأكسية وأعبية ويتصدّق بذلك على الفقراء والمساكين بالمغافر وغيرها من القبائل بمصر، وكان بناؤه السقايتين اللتين بالموقف والسقايات التي بالمغافر وبزوف وبيحصب وبني وائل، وعمل المجاري في سنة أربع، وقيل في سنة ثلاثمائة وقد حبس أبو بكر على الحرمين ضياعا كان ارتفاعها نحو مائة وألف دينار، ومنها سيوط وأعمالها وغيرها. انتهى.
وفي تواريخ النصارى: أن الأمير أحمد بن طولون صادر البطريق ميخائيل بطرك اليعاقبة على عشرين ألف دينار، فباع النصارى رباع الكنائس بالاسكندرية وأرض الحبش بظاهر مصر والكنيسة المجاورة للمعلقة بقصر الشمع بمصر لليهود. قلت هكذا في تواريخهم، ولا أعلم كيف ملكوا أرض الحبش، فلعلّ الماردانيّ هو الذي اشتراها، ثم وقفها.
وقال ابن المتوج: بركة الحبش هذه البركة مشهورة في مكانها، وقد اتصل ثبوت وقفها عند قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد بن سعد الله بن جماعة رحمة الله عليه، على أنها وقف على الأشراف الأقارب والطالبيين نصيف، بينهما بالسوية، النصف الأوّل على الأقارب والنصف الآخر على الطالبيين، وثبت قبله عند قاضي القضاة بدر الدين أبي المحاسن يوسف بن الحسن السنجاريّ أن النصف منها وقف على الأشراف الأقارب بالاستفاضة، بتاريخ ثالث عشر ربيع الأوّل سنة أربعين وستمائة، وهم الأقارب الحسينيون، وهو إذ ذاك قاضي القضاة بالقاهرة والوجه البحريّ، وما مع ذلك من البلاد الشامية المضافة إلى ملك الملك الصالح نجم الدين أيوب، وثبت عند قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله تعالى، وكان قاضي القضاة بمصر والوجه القبليّ، وخطيب مصر بالاستفاضة أيضا، أن البركة المذكورة وقف على الأشراف الطالبيين بتاريخ التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، وبعدهما قاضي القضاة وجيه الدين البهنسيّ في ولايته، ثم نفذهما بعد تنفيذ وجيه الدين المذكور في شعبان سنة ثلاث عشرة وسبعمائة قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن جماعة، وهو حاكم الديار المصرية، خلا ثغر الإسكندرية، ويأتي أصل خبر هذه البركة مبينا مشروحا من أصلها في مكانه إن شاء الله تعالى.
قال: فمن جملة الأوقاف بركة الأشراف المشهورة ببركة الحبش، وهذه البركة حدودها أربعة، الحدّ القبليّ ينتهي بعضه إلى أرض العدوية، يفصل بينهما جسر هناك وباقية إلى غيطان بساتين الوزير، والحدّ البحريّ ينتهي بضعه إلى أبنية الآدر التي هناك المطلة عليها، وإلى الطريق، وإلى الجسر الفاصل بينها، وبين بركة الشعيبية. والحدّ الشرقيّ إلى
حدّ بساتين الوزير المذكورة، والحدّ الغربيّ ينتهي إلى بعضه إلى بحر النيل وإلى أراضي دير الدين وإلى بعض حقوق جزيرة ابن الصابونيّ وجسر بستان المعشوق الذي هو من حقوق الجزيرة المذكورة، وهذه البركة وقف الأشراف الأقارب والطالبيين نصفين بينهما بالسوية، والذي شاهدته من أمرها أني وقفت على أسجال قاضي القضاة بدر الدين أبي المحاسن يوسف السنجاريّ رحمة الله تعالى تعالى عليه تاريخه ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربعين وستماة، وهو حين ذاك حاكم القاهرة والوجه البحريّ على محضر شهد فيه بالاستفاضة، أن نصف هذه البركة وقف على الأشراف الأقارب الحسينيين، وثبت ذلك عنده، ورأيت أسجال الشيخ قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله على محضر شهد فيه بالاستفاضة، وهو حين ذلك قاضي مصر والوجه القبليّ، وأشهد عليه أن ثبت عنده أن البركة المذكورة جميعها وقف على الأشراف الطالبيين، وتاريخ اسجالة التاسع والعشرون من شهر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، ثم نفذهما جميعا في تاريخ واحد قاضي القضاة وجيه الدين البهنسيّ، وهو قاضي القضاة حين ذاك، ثم نفذهما قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن جماعة، وهو قاضي القضاة بالديار المصرية، واستقرّ النصف من ربع هذه البركة على الأشراف الأقارب مع قلتهم، والنصف على الأشراف الطالبيين مع كثرتهم، وتنازعوا غير مرّة على أن تكون بينهم الجميع بالسوية، فلم يقدروا على ذلك، وعقد لهم مجل غير مرّة فلم يقدروا على تغييره، وأحسن ما وصفت به بركة الحبش قول عيسى بن موسى الهاشميّ أمير مصر وقد خرج إلى الميدان الذي بطرف المقابر فقال لمن معه: أتتأملون الذي أرى، قالوا وما الذي يرى الأمير؟ قال: أرى ميدان رهان وجنان نخل وبستان شجر ومنازل سكنى وذروة جبل وجبانة أموات ونهر أعجاجا وأرض زرع ومراعي ماشية ومرتع خيل وساحل بحر وصائد نهر وقانص وحش وملاح سفينة وحادي إبل ومفازة رمل وسهلا وجبلا، فهذه ثمانية عشر منتزها في أقلّ من ميل في ميل، وأين هذه الأوقاف من وصف بعضهم قصر أنس بالبصرة في قوله:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي
…
لا بدّ من زورة من غير ميعاد
زره فليس له شيء يشاكله
…
من منزل حاضر إن شئت أوبادي
تلقى به السفن والأعياس حاضرة
…
والضب والنون والملاح والحادي
وقال:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي
…
وحبذا أهله من حاضر بادي
تلقى قراقرة والعيس واقفة
…
والضب والنون والملاح والحادي
هكذا أنشدهما أبو الفرج الأصبهانيّ رحمه الله تعالى في كتاب الأغاني، ونسبهما لابن عيينة بن المنهال بن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة، شاعر من ساكني
البصرة، وقيل أن اسمه عذرة، وقيل اسمه أبو عيينة، وكنيته أبو المنهال، وكان بعد المائتين، وأنشد أبو العلاء المعرّي في رسالة الصاهل والساحج:
يا صاح ألمم بأهل القصر والوادي
…
وحبذا أهله من حاضر بادي
ترى قراقرة والعيس واقفة
…
والضب والنون والملاح والحادي
وقال أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسيّ. وفي هذا الوقت من السنة يعني أيام النيل، تكون أرض مصر أحسن شيء منظرا، ولا سيما منتزهاتها المشهورة ودياراتها المطروقة، كالجزيرة والجيزة وبركة الحبش وما جرى مجراها من المواضع التي يطرقها أهل الخلاعة والقصف، ويتناوبها ذوو الآداب والظرف، واتفق أن خرجنا في مثل هذا الزمان إلى بركة الحبش وافترشنا من زهرها أحسن بساط، واستظللنا من دوحها بأوفي رواق، فظللنا نتعاطى من زجاجات الأقدام شموسا في خلع بدور، وجسوم نار في غلائل نور إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء. ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء، فقال بعضهم: وهو أمية المذكور من قوله المشهور:
لله يومي ببركة الحبش
…
واوفق بين الضياء والغبش
والنيل تحت الرياح مضطرب
…
كصارم في يمين مرتعش
ونحن في روضة مفوّفة
…
دبّج بالنّور عطفها ووشي
قد نسجتها يد الغمام لنا
…
فنحن من نسجها على فرش
فعاطني الراح إنّ تاركها
…
من سورة الهمّ غير منتعش
وأثقل الناس كلهم رجل
…
دعاه داعي الهوى فلم يطش
فأسقني بالكبار مترعة
…
فهنّ أشفى لشدّة العطش
وقال أيضا:
علل فؤادك باللذات والطرب
…
وباكر الرّاح بالبانات والنخب
أما ترى البركة الغناء لابسة
…
وشيا من النور حاكته يد السحب
وأصبحت من جديد الروض في ح
…
لل قد أبرز القطر منها كل محتجب
من سوسن شرق بالطلّ محجره
…
وأقحوان شهيّ الظلم والشنب
فانظر إلى الورد يحكي خدّ محتشم
…
ونرجس ظلّ يبدي لحظ مرتقب
والنيل من ذهب يطفو على ورق
…
والرامح من ورق يطفو على ذهب
وربّ يوم نقعنا فيه غلتنا
…
بحاجم من فم الإبريق ملتهب
شمس من الرّاح حيانا بها قمر
…
موف على غصن يهتز في كثب
أرخى ذؤابه وانهزّ منعطفا
…
كصعدة الرمح في مسودة العذب
فاطرب ودونكها فاشرب فقد بعثت
…
على التصابي دواعي اللهو والطرب
وقال:
يا نزهة الرصد المصري قد جمعت
…
من كلّ شيء حلا في جانب الوادي
فذا غدير وذا روض وذا جبل
…
والضب والنون والملاح والحادي
وقال ابراهيم بن الرفيق في تاريخه: حدّثني محمد الكهينيّ، وكان أديبا فاضلا، قد سافر ورأى بلدان المشرق قال: ما رأيت قطّ أجمل من أيام النوروز، والغيطاس، والميلاد، والمهرجان، وعيد الشعانين، وغير ذلك من أيام اللهو التي كانوا يسخون فيها بأموالهم، رغبة في القصف والعزف، وذلك أنه لا يبقى صغير ولا كبير إلّا خرج إلى بركة الحبش متنزها، فيضربون عليها المضارب الجليلة، والسرادقات والقباب، والشراعات، ويخرجون بالأهل والولد، ومنهم من يخرج بالقينات المسمعات المماليك والمحرّرات، فيأكلون ويشربون ويسمعون ويتفكهون وينعمون، فإذا جاء الليل أمر الأمير تميم بن المعز مائتي فارس من عبيده بالعسس عليهم في كل ليلة، إلى أن يقضوا من اللهو والنزهة إربهم وينصرفوا فيسكرون وينامون كما ينام الإنسان في بيته، ولا يضيع لأحد منهم ما قيمته حبة واحدة، ويركب الأمير تميم في عشاري ويتبعه أربعة زواريق مملوءة فاكهة وطعاما ومشروبا، فإن كانت الليالي مقمرة، وإلّا كان معه من الشموع ما يعيد الليل نهارا، فإذا مرج على طائفة واستحسن من غنائهم صوتا، أمرهم بإعادته وسألهم عما عز عليهم، فيأمر لهم به، ويأمر لمن يغني لهم. وينتقل منهم إلى غيرهم بمثل هذا الفعل عامّة ليله، ثم ينصرف إلى قصوره وبساتينه التي على هذه البركة، فلا يزال على هذه الحال حتى تنقضي هذه الأيام، ويتفرّق الناس.
وقال محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي الحنفيّ، وتوفي بدمشق سنة إحدى وخمسين وستمائة، يصف بركة الحبش في أيام الربيع:
إذا زيّن الحسناء قرط فهذه
…
يزينها من كلّ ناحية قرط
ترقرق فيها أدمع الطلّ غدوة
…
فقلت لآل قد تضمنها قرط
وقال ابن سعيد في كتاب المغرب: وخرجت مرّة حيث بركة الحبش التي يقول فيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسيّ عفا الله عنه:
لله يومي ببركة الحبش
…
والأفق بين الضياء والغبش
والنيل تحت الرياح مضطرب
…
كصارم في يمين مرتعش
وعاينت من هذه البركة أيام فيض النيل عليها أبهج منظر، ثم زرتها أيام غاص الماء، وبقيت فيها مقطعات بين خضر من القرط والكتان تفتن الناظر، وفيها أقول: