الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم الأحد رابع عشر ذي القعدة وجلس على سرير الملك بها، وكان قد خطب له قبل قدومه، فضبط الأمور وقام بأعباء المملكة أتم قيام، وجمع الأموال التي أتلفها أخوه، وقبض على الأمراء ونظر في عمارة أرض مصر، وحارب عربان الصعيد، وقدّم مماليكه وأقامهم أمراء، وبنى قلعة الروضة وتحوّل من قلعة الجبل إليها وسكنها، وملك مكة وبعث لغزو اليمن، وعمر المدارس الصالحية بين القصرين من القاهرة، وقرّر بها دروسا أربعة للشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة، وفي أيامه نزل الفرنج على دمياط في ثالث عشري صفر سنة سبع وأربعين وعليهم الملك روادفرنس «1» وملكوها، وكان السلطان بدمشق، فقدم عند ما بلغه حركة الفرنج ونزل أشموم «2» طناح وهو مريض، فمات بناحية المنصورة مقابل الفرنج، في يوم الأحد رابع عشر شعبان منها، وكانت مدّة سلطنته بعد أخيه تسع سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما، فقامت أمّ ولده خليل واسمها شجرة الدرّ «3» بالأمر، وكتمت موته واستدعت ابنه توران شاه من حصن كيفا وسلمت إليه مقاليد الأمور. فقام من بعده ابنه.
السلطان الملك المعظم غياث الدين توران شاه: وقد سار من حصن كيفا في نصف شهر رمضان فمرّ على دمشق وتسلطن بقلعتها في يوم الاثنين لليلتين بقيتا منه، وركب إلى مصر فنزل الصالحية طرف الرمل لأربع عشرة بقيت من ذي القعدة، فأعلن حينئذ بموت الصالح ولم يكن أحد قبل ذلك يتفوّه بموت السلطان، بل كانت الأمور على حالها والخدمة تعمل بالدهليز والسماط يمدّ وشجرة الدرّ تدبر أمور الدولة، وتوهم الكافة أن السلطان مريض ما لأحد عليه سبيل، ولا وصول، ثم سار المعظم من الصالحية إلى المنصورة، فقدمها يوم الخميس حادي عشريه، فأساء تدبير نفسه وتهدّد البحرية حتى خافوه، وهم يومئذ جمرة العسكر، فقتلوه بعد سبعين يوما في يوم الاثنين تاسع عشري المحرّم سنة ثمان وأربعين وستمائة، وبموته انقضت دولة بني أيوب من ديار مصر بعد ما أقامت إحدى وثمانين سنة وسبعة عشر يوما، وملك منهم ثمانية ملوك.
ذكر دولة المماليك البحرية
وهم الملوك الأتراك، وكان ابتداء أمر هذه الطائفة، أنّ السلطان الملك الصالح نجم
الدين أيوب، كان قد أقرّه أبوه السلطان الملك الكامل محمد ببلاد الشرق، وجعل ابنه العادل أبا بكر وليّ عهده في السلطنة بمصر، فلما مات قام من بعده العادل في السلطنة، وتنكر ما بينه وبين ابن عمه الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود بن العادل أبي بكر بن أيوب، وهو نائب دمشق، فاستدعى الصالح نجم الدين من بلاد الشرق ورتب ابنه المعظم ثوران شاه على بلاد الشرق، وأقرّه بحصن كيفا، وقدم دمشق وملكها، فكاتبه أمراء مصر تحثه على أخذها من أخيه العادل، وخامر عليه بعضهم، فسار من دمشق في رمضان سنة ست وثلاثين، فانزعج العادل انزعاجا كبيرا وكتب إلى الناصر داود صاحب الكرك، فسار إليه ليعاونه على أخيه الصالح، فاتفق مسير الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب من حماه وأخذه دمشق للملك العادل أبي بكر بن الملك الكامل محمد، في سابع عشري صفر سنة سبع وثلاثين، والملك الصالح نجم الدين أيوب يومئذ على نابلس، فانحلّ أمره وفارقه من معه حتى لم يبق معه إلّا مماليكه، وهم نحو الثمانين، وطائفة من خواصه نحو العشرين، وأما الجميع فإنهم مضوا إلى دمشق وكان الناصر داود قد فارق العادل وسار من القاهرة مغاضبا له إلى الكرك، ومضى إلى الصالح نجم الدين أيوب وقبضه بنابلس في ثاني عشر ربيع الأول منها وسجنه بالكرك، فأقام مماليك الصالح بالكرك حتى خلص من سجنه في سابع عشري شهر رمضان منها، فاجتمع عليه مماليكه وقد عظمت مكانتهم عنده، وكان من أمره ما كان حتى ملك مصر، فرعى لهم ثباتهم معه حين تفرّق عنه الأكراد، وأكثر من شرائهم وجعلهم أمراء دولته وخاصته وبطانته والمحيطين بدهليزه، إذا سافر وأسكنهم معه في قلعة الروضة، وسماهم البحرية، وكانوا دون الألف مملوك، قيل ثمانمائة، وقيل سبعمائة وخمسون، كلهم أتراك. فلما مات الملك الصالح بالمنصورة أحس الفرنج بشيء من ذلك، فركبوا من مدينة دمياط وساروا على فارسكور، وواقعوا العسكر في يوم الثلاثاء أوّل شهر رمضان سنة سبع وأربعين، ونزلوا بقرية شرمشاح، ثم بالبرمون، ونزلوا تجاه المنصورة، فكانت الحروب بين الفريقين إلى خامس ذي القعدة، فلم يشعر المسلمون إلّا والفرنج معهم في المعسكر، فقتل الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ، وانهزم الناس، ووصل روادفرنس ملك الفرنج إلى باب قصر السلطان، فبرزت البحرية وحملوا على الفرنج حملة منكرة حتى أزاحوهم وولوا، فأخذتهم السيوف والدبابيس وقتل من أعيانهم ألف وخمسمائة، فظهرت البحرية من يومئذ واشتهرت، ثم لما قدم الملك المعظم توران شاه أخذ في تهديد شجرة الدرّ ومطالبتها بمال أبيه، فكاتبت البحرية تذكرهم بما فعلته من ضبط المملكة حتى قدم المعظم، وما هي فيه من الخوف منه، فشق ذلك عليهم، وكان قد وعد الفارس أقطاي المتوجه إليه من المنصورة لاستدعائه من حصن كيفا بإمرة، فلم يف له، فتنكر له وهو من أكابر البحرية، وأعرض مع ذلك عن البحرية وأطرح جانب الأمراء وغيرهم حتى قتلوه، وأجمعوا على أن يقيموا بعده في السلطنة سرّية أستاذهم.
الملكة عصمة الدين أم خليل شجرة الدر الصالحية: فأقاموها في السلطنة وحلفوا لها في عاشر صفر، ورتبوا الأمير عز الدين أيبك التركمانيّ الصالحيّ أحد البحرية مقدّم العسكر، وسار عز الدين أيبك الروميّ من العسكر إلى قلعة الجبل، وأنهى ذلك إلى شجرة الدرّ، فقامت بتدبير المملكة وعلمت على التواقيع بما مثاله والدة خليل، ونقش على السكة اسمها ومثاله، المستعصمة الصالحية ملكة المسلمين والدة المنصور خليل خليفة أمير المؤمنين، وكانت البحرية قد تسلمت مدينة دمياط من الملك روادفرنس بعد ما قرّر على نفسه أربعمائة ألف دينار، وعاد العسكر من المنصورة إلى القاهرة في تاسع صفر وحلفوا لشجرة الدرّ في ثالث عشره، فخلعت عليهم وأنفقت فيهم الأموال، ولم يوافق أهل الشام على سلطنتها، وطلبوا الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز صاحب حلب فسار إليهم بدمشق وملكها، فانزعج العسكر بالقاهرة، وتزوّج الأمير عز الدين أيبك التركمانيّ بالملكة شجرة الدرّ، ونزلت له عن السلطنة وكانت مدّتها ثمانين يوما. وملك بعدها.
السلطان الملك المعز عز الدين أيبك الجاشنكير التركمانيّ الصالحيّ «1» : أحد المماليك الأتراك البحرية، وكان قد انتقل إلى الملك الصالح من أولاد ابن التركمانيّ، فعرف بالتركمانيّ، ورقّاه في خدمه حتى صار من جملة الأمراء ورتبة جاشنكيره «2» ، فلما مات الصالح وقدّمته البحرية عليهم في سلطنة شجرة الدرّ، كتب إليهم الخليفة المستعصم من بغداد يذمّهم على إقامة امرأة، ووافق مع ذلك أخذ الناصر لدمشق، وحركتهم لمحاربته، فوقع الاتفاق على إقامة أيبك في السلطنة، فأركبوه بشعار السلطنة في يوم السبت آخر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة، ولقبوه بالملك المعز، وجلس على تخت الملك بقلعة الجبل، فورد الخبر من الغد بأخذ الملك المغيث عمر بن العادل الصغير الكرك والشوبك، وأخذ الملك السعيد قلعة الصبيبة، فاجتمع رأي الأمراء على إقامة الأشرف مظفر الدين موسى بن الناصر، ويقال المسعود يوسف بن الملك المسعود يوسف، ويقال طسز، ويقال أيضا اقسيس بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، شريكا للمعز في السلطنة، فأقاموه معه وعمره نحو ست سنين، في خامس جمادى الأولى، وصارت المراسيم تبرز عن الملكين، إلّا أن الأمر والنهي للمعز، وليس للأشرف سوى مجرّد الاسم، وولى المعز الوزارة لشرف الدين أبي سعيد هبة الله بن صاعد الفائزيّ، وهو أوّل قبطيّ وليّ وزارة مصر، وخرج المعز بالعساكر وعربان مصر لمحاربة الناصر يوسف في
ثالث ذي القعدة، وخيم بمنزلة الصالحية وترك الأشرف بقلعة الجبل، واقتتل مع الناصر في عاشره، فكانت النصرة له على الناصر، وعاد في ثاني عشره، فنزل بالناس من البحرية بلاء لا يوصف ما بين قتل ونهب وسبي، بحيث لو ملك الفرنج بلاد مصر ما زادوا في الفساد على ما فعله البحرية، وكان كبراؤهم ثلاثة، الأمير فارس الدين أقطاي، وركن الدين بيبرس البند قداريّ، وبليان الرشيديّ، ثم في محرّم سنة تسع وأربعين خرج المعز بالأشرف والعساكر فنزل بالصالحية وأقام بها نحو سنتين، والرسل تتردّد بينه وبين الناصر، وأحدث الوزير الأسعد هبة الله الفائزيّ مظالم لم تعهد بمصر قبله، فورد الخبر في سنة خمسين بحركة التتر على بغداد، فقطع المعز من الخطبة اسم الأشرف وانفرد بالسلطنة وقبض على الأشرف وسجنه، وكان الأشرف موسى آخر ملوك بني أيوب بمصر، ثم إن المعز جمع الأموال فأحدث الوزير مكوسا كثيرة سماها الحقوق السلطانية، وعاد المعز إلى قلعة الجبل في سنة إحدى وخمسين وأوقع بعرب الصعيد وقبض على الشريف حصن الدين ثعلب بن ثعلب، وأذلّ سائر عرب الوجهين القبليّ والبحريّ وأفناهم قتلا وأسرا وسبيا، وزاد في القطيعة على من بقي منهم حتى ذلوا وقلوا، ثم قتل الفارس أقطاي، ففرّ منه معظم البحرية، بيبرس وقلاون في عدد كثير منهم إلى الشام وغيرها، ولم يزل إلى أن قتلته شجرة الدرّ في الحمام ليلة الأربعاء رابع عشري ربيع الأوّل سنة خمس وخمسين وستمائة، فكانت مدّته سبع سنين تنقص ثلاثة وثلاثين يوما، وكان ظلوما غشوما سفاكا للدماء، أفنى عوالم كثيرة بغير ذنب وقام من بعده ابنه.
السلطان الملك المنصور نور الدين عليّ بن المعز أيبك «1» : في يوم الخميس خامس عشري ربيع الأوّل وعمره خمس عشرة سنة، فدبر أمره نائب أبيه الأمير سيف الدين قطز، ثم خلعه في يوم السبت رابع عشري ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة، فكانت مدّته سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام، وقام من بعده.
السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز «2» : في يوم السبت، وأخرج المنصور بن المعز منفيا هو وأمّه إلى بلاد الأشكريّ، وقبض على عدّة من الأمراء، وسار فأوقع بجمع هولاكو على عين جالوت وهزمهم في يوم الجمعة خامس عشري رمضان، سنة ثمان وخمسين، وقتل منهم وأسر كثيرا بعد ما ملكوا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله عبد الله، وأزالوا دولة بني العباس وخرّبوا بغداد وديار بكر وحلب ونازلوا دمشق فملكوها، فكانت هذه الوقعة أوّل هزيمة عرفت للتتر منذ قاموا، ودخل المظفر قطز إلى دمشق وعاد منها يريد مصر، فقتله الأمير ركن الدين بيبرس البندقداريّ قريبا من المنزلة الصالحية في يوم السبت
نصف ذي القعدة منها، فكانت مدّته سنة تنقص ثلاثة عشر يوما، وقام من بعده.
السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس البند قداريّ «1» الصالحيّ «2» :
التركيّ الجنس أحد المماليك البحرية، وجلس على تخت السلطنة بقلعة الجبل في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين، فلم يزل حتى مات بدمشق في يوم الخميس سابع عشري المحرّم، سنة ست وسبعين وستمائة، فكانت مدّته سبع عشرة سنة وشهرين واثني عشر يوما، وقام من بعده ابنه.
السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بركة قان»
: وهو يومئذ بقلعة الجبل ينوب عن أبيه، وقد عهد إليه بالسلطنة وزوّجه بابنة الأمير سيف الدين قلاون الألفيّ، فجلس على التخت في يوم الخميس سادس عشري صفر، سنة ست وسبعين، إلى أن خلعه الأمراء في سابع ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين، وكانت مدّته سنتين وشهرين وثمانية أيام، لم يحسن فيها تدبير ملكه، وأوحش ما بينه وبين الأمراء. فأقيم بعده أخوه.
السلطان الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر بيبرس «4» : وعمره سبع سنين وأشهر، وقام بتدبيره الأمير قلاون أتابك العساكر، ثم خلعه بعد مائة يوم وبعث به إلى الكرم، فسجن مع أخيه بركة بها. وقام من بعده.
السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون الألفيّ العلائيّ الصالحيّ «5» : أحد المماليك الأتراك البحرية، كان قبجاقي الجنس من قبيلة مرج أغلى، فجلب صغيرا واشتراه الأمير علاء الدين آق سنقر الساقي العادليّ بألف دينار، وصار بعد موته إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب في سنة سبع وأربعين وستمائة، فجعله من جملة البحرية، فتنقلت به الأحوال حتى صار أتابك العساكر في أيام العادل سلامش، وذكر اسمه مع العادل على المنابر، ثم جلس على التخت بقلعة الجبل في يوم الأحد العشرين من شهر رجب سنة ثمان وسبعين، وتلقب بالملك المنصور وأبطل عدّة مكوس، فثار عليه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر بدمشق وتسلطن ولقب نفسه بالملك الكامل، في يوم الجمعة رابع عشري ذي الحجة، فبعث إليه وهزمه واستعاد دمشق، ثم قدمت التتر إلى بلاد حلب وعاثوا بها، فتوجه إليهم السلطان بعساكره وأوقع بهم على حمص في يوم الخميس رابع عشري رجب، سنة
ثمانين وستمائة، وهزمهم بعد مقتلة عظيمة وعاد إلى قلعة الجبل، وتوجه في سنة أربع وثمانين حتى نازل حصن المرقب ثمانية وثلاثين يوما وأخذه عنوة من الفرنج، وعاد إلى القلعة، ثم بعث العسكر فغزا بلاد النوبة في سنة سبع وثمانين وعاد بغنائم كثيرة، ثم سار في سنة ثمان وثمانين لغزو الفرنج بطرابلس، فنازلها أربعة وثلاثين يوما حتى فتحها عنوة في رابع ربيع الآخر وهدمها جميعها، وأنشأ قريبا منها مدينة طرابلس الموجودة الآن، وعاد إلى قلعة الجبل وبعث لغزو النوبة ثانيا عسكرا فقتلوا وأسروا وعادوا، ثم خرج لغزو الفرنج بعكا، وهو مريض، فمات خارج القاهرة ليلة السبت سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة، فكانت مدّته إحدى عشرة سنة وشهرين وأربعة وعشرين يوما. وقام من بعده ابنه.
السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل: في يوم الأحد سابع ذي القعدة المذكور، وسار لفتح عكا في ثالث ربيع الأوّل سنة تسعين وستمائة، ونصب عليها اثنين وتسعين منجنيقا وقاتل من بها من الفرنج أربعة وأربعين يوما حتى فتحها عنوة، في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى، وهدمها كلها بما فيها، وحرّقها وأخذ صور وحيفا وعتليت وانطرسوس وصيدا، وهدمها وأجلى الفرنج من الساحل فلم يبق منهم أحد ولله الحمد، وتوجه إلى دمشق وعاد إلى مصر فدخل قلعة الجبل يوم الاثنين تاسع شعبان، ثم خرج في ثامن ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وستمائة بعد ما نادى بالنفير للجهاد، فدخل دمشق وعرض العساكر ومضى منها فمرّ على حلب ونازل قلعة الروم، ونصب عليها عشرين منجنيقا حتى فتحها بعد ثلاثة وثلاثين يوما عنوة، وقتل من بها من النصارى الأرمن وسبى نساءهم وأولادهم، وسماها قلعة المسلمين، فعرفت بذلك، وعاد إلى مصر فدخل قلعة الجبل في يوم الأربعاء ثاني ذي القعدة، وسار في رابع المحرّم سنة اثنتين وتسعين حتى بلغ مدينة قوص من صعيد مصر، ونادى فيها بالتجهز لغزو اليمن، وعاد ثم سار مخفا على الهجن في البريّة إلى الكرك، ومضى إلى دمشق فقدمها في تاسع جمادى الآخرة، وقصد غزو بهنسا وأخذها من الأرمن، فقدموا إليه وسلموها من تلقاء أنفسهم وسلموا أيضا مرعش وتل حمدون، ومضى من دمشق في ثاني رجب، وعبر من حمص إلى سلمية «1» وهجم على الأمير مهنا بن عيسى وقبضه وإخوته وحملهم في الحديد إلى قلعة الجبل، وعاد إلى دمشق ثم رجع إلى مصر فقدم قلعة الجبل في ثامن عشري رجب، ثم توجه للصيد فبلغ الطرّانة، وانفرد في نفر يسير ليصطاد، فاقتحم عليه الأمير بيدار في عدّة معه وقتلوه في يوم السبت ثاني عشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، فكانت مدّته ثلاث سنين وشهرين وأربعة أيام، ثم حمل ودفن بمدرسة الأشرفية «2» وأقيم من بعده أخوه.
السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون «1» : وعمره سبع سنين، وقام الأمير زين الدين كتبغا بتدبيره، ثم خلعه بعد سنة تنقص ثلاثة أيام، وقام من بعده.
السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوريّ: أحد مماليك الملك المنصور قلاون، وجلس على التخت بقلعة الجبل في يوم الأربعاء حادي عشر المحرّم، سنة أربع وتسعين، وتلقب بالملك العادل، فكانت أيامه شرّ أيام لما فيها من قصور مدّ النيل وغلاء الأسعار وكثرة الوباء في الناس، وقدوم الأويراتية «2» . فقام عليه نائبه الأمير حسام الدين لاجين وهو عائد من دمشق بمنزلة العرجاء، في يوم الاثنين ثامن عشري المحرّم سنة ست وتسعين، ففرّ إلى دمشق واستولى لاجين على الأمر، فكانت مدّته سنتين وسبعة عشر يوما، وقدم لاجين بالعسكر إلى مصر وقام في السلطنة:
السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوريّ: أحد مماليك المنصور قلاون، وجلس على التخت بقلعة الجبل وتلقب بالملك المنصور في يوم الاثنين ثامن عشري المحرّم المذكور، واستناب مملوكه منكوتمر فنفرت القلوب عنه حتى قتل في ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة، فكانت مدّته سنتين وشهرين وثلاثة عشر يوما، ودبر الأمراء بعده أمور الدولة حتى قدم من الكرك.
السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون: وأعيد إلى السلطنة مرّة ثانية في يوم الاثنين سادس جمادى الأولى، وقام بتدبير الأمور الأميران سلار نائب السلطنة، وبيبرس الجاشنكير أستادار، حتى سار كأنه يريد الحج، فمضى إلى الكرك وانخلع من السلطنة، فكانت مدّته تسع سنين وستة أشهر وثلاثة عشر يوما، فقام من بعده.
السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير: أحد مماليك المنصور قلاون، في يوم السبت ثالث عشري ذي الحجة، سنة ثمان وسبعمائة، حتى فرّ من قلعة الجبل في يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان، سنة تسع وسبعمائة، فكانت مدّته عشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما. ثم قدم من الشام في العساكر:
السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون: وأعيد إلى السلطنة مرّة ثالثة في يوم الخميس ثاني شوّال منها، فاستبدّ بالأمر حتى مات في ليلة الخميس حادي عشري ذي الحجة، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وكانت مدّته الثالثة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وخمسة وعشرين
يوما، ودفن بالقبة المنصورية على أبيه، وأقيم بعده ابنه.
السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو بكر: بعهد أبيه في يوم الخميس حادي عشري ذي الحجة، وقام الأمير قوصون بتدبير الدولة، ثم خلعه بعد تسعة وخمسين يوما، في يوم الأحد لعشرين من صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وأقام بعده أخاه:
السلطان الملك الأشرف علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاون: ولم يكمل له من العمر ثمان سنين «1» فتنكرت قلوب الأمراء على قوصون وحاربوه وقبضوا عليه كما ذكر في ترجمته، وخلعوا الأشرف في يوم الخميس أوّل شعبان، فكانت مدّته خمسة أشهر وعشرة أيام، وقام الأمير أيدغمش بأمر الدولة، وبعث يستدعي من بلاد الكرم:
السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن قلاون: وكان مقيما بقلعة الكرك من أيام أبيه، فقدم على البريد في عشرة من أهل الكرك ليلة الخميس ثامن عشري شهر رمضان، وعبر الدور من قلعة الجبل بمن قدم معه، واحتجب عن الأمراء ولم يخرج لصلاة العيد، ولا حضر السماط على العادة إلى أن لبس شعار السلطنة، وجلس على التخت في يوم الاثنين عاشر شوّال، وقلوب الأمراء نافرة منه لإعراضه عنهم، فساءت سيرته، ثم خرج إلى الكرك في يوم الأربعاء ثاني ذي القعدة، واستخلف الأمير آق سنقر السلاريّ نائب الغيبة. فلما وصل قبة النصر نزل عن فرسه ولبس ثياب العرب ومضى مع خواصه أهل الكرك على البريد، وترك الأطلاب فسارت على البرّ حتى وافته بالكرك، فردّ العسكر إلى بلد الخليل وأقام بقلعة الكرك، وتصرّف أقبح تصرّف، فخلعه الأمراء في يوم الأربعاء حادي عشري المخرّم، سنة ثلاث وأربعين، فكانت مدّته ثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما. وأقاموا بعده أخاه.
السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل: في يوم الخميس ثاني عشري المحرّم المذكور، وقام الأمير أرغون زوج أمّه بتدبير المملكة مع مشاركة عدّة من الأمراء، وسارت الأمراء والعساكر لقتال الناصر أحمد في الكرك حتى أخذ وقتل، فلما أحضرت رأسه إلى السلطان الصالح ورآها فزع، ولم يزل يعتاده المرض حتى مات ليلة الخميس رابع عشر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة، فكانت مدّته ثلاث سنين وشهرين وأحد عشر يوما. وقام بعده أخوه.
السلطان الملك الكامل سيف الدين شعبان: بعهد أخيه وجلس على التخت من غد، فأوحش ما بينه وبين الأمراء حتى ركبوا عليه، فركب لقتالهم فلم يثبت من معه وعاد إلى القلعة منهزما، فتبعه الأمراء وخلعوه، وذلك في يوم الاثنين مستهلّ جمادى الآخرة سنة سبع
وأربعين وسبعمائة، فكانت مدّته سنة وثمانية وخمسين يوما. فأقيم بعده أخوه.
السلطان الملك المظفر زين الدين حاجي: من يومه، فساءت سيرته وانهمك في اللعب، فركب الأمراء عليه، فركب إليهم وحاربهم فخانه من معه وتركوه حتى أخذ وذبح في يوم الأحد، ثاني عشر رمضان، سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وكانت مدّته سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يوما. وأقيم من بعده أخوه.
السلطان الملك الناصر بدر الدين أبو المعالي حسن بن محمد: في يوم الثلاثاء رابع عشرة، وعمره إحدى عشرة سنة، فلم يكن له من الأمر شيء، والقائم بالأمر الأمير شيخو العمريّ، فلما أخذ في الاستبداد بالتصرّف خلع وسجن في يوم اثنين ثامن عشري جمادى الآخرة، سنة اثنتين وخمسين، فكانت مدّته أربع سنين تنقص خمسة عشر يوما، منها تحت الحجر ثلاث سنين ونيف، ومدّة استبداده نحو من تسعة أشهر. وأقيم من بعده أخوه.
السلطان الملك الصالح صلاح الدين صالح: في يوم الاثنين المذكور، فكثر لهوه وخرج عن الحدّ في التبذل واللعب، فثار عليه الأميران شيخو وطاز وقبضا عليه وسجناه بالقلعة، في يوم الاثنين ثاني شوّال، سنة خمس وخمسين وسبعمائة، فكانت مدّته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام.
وأعيد السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون: في يوم الاثنين المذكور، فأقام حتى قام عليه مملوكه الأمير يلبغا الخاصكيّ وقتله في ليلة الأربعاء، تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين، فكانت مدّته هذه ست سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام.
وأقيم من بعده ابن أخيه السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي بن محمد بن قلاون: وعمره أربع عشرة سنة، في يوم الأربعاء المذكور، وقام بالأمر الأمير يلبغا، ثم خلعه وسجنه بالقلعة في يوم الاثنين رابع عشر شعبان، سنة أربع وستين وسبعمائة.
وأقام بعده السلطان الملك الأشرف زين الدين أبا المعالي شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاون: وعمره عشر سنين، في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان المذكور، ولم يل من بني قلاون من أبوه لم يتسلطن سواه، فأقام تحت حجر يلبغا حتى قتل يلبغا في ليلة الأربعاء عاشر ربيع الآخر، سنة ثمان وستين وسبعمائة، فأخذ يستبدّ بملكه حتى انفرد بتدبيره، إلى أن قتل في يوم الثلاثاء سادس ذي القعدة، سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، بعد ما أقيم بدله ابنه في السلطنة، فكانت مدّته أربع عشرة سنة وشهرين وخمسة عشر يوما.
فقام بالأمر ابنه السلطان الملك المنصور علاء الدين عليّ بن شعبان بن حسين: وعمره