الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حارة كتامة «1» : هذه الحارة مجاورة لحارة الباطليّة، وقد صارت الآن من جملتها.
كانت منازل كتامة بها عند ما قدموا من المغرب مع القائد جوهر، ثمّ مع العزيز، وموضع هذه الحارة اليوم حمام كواي وما جاورها مما وراء مدرسة ابن الغنام حيث الموضع المعروف بدرب ابن الأعسر إلى رأس الباطلية، وكانت كتامة هي أصل دولة الخلفاء الفاطميين.
ذكر أبي عبد الله الشيعي
هو الحسن «2» بن أحمد بن محمد بن زكريا الشيعي من أهل صنعاء اليمن، ولي الحسبة في بعض أعمال بغداد، ثمّ سار إلى ابن حوشب «3» باليمن، وصار من كبار أصحابه، وكان له علم وفهم وعنده دهاء ومكر، فورد على ابن حوشب موت الحلوانيّ داعي المغرب ورفيقه، فقال لأبي عبد الله الشيعي: إنّ أرض كتامة من بلاد المغرب قد خرّبها الحلوانيّ وأبو سفيان، وقد ماتا، وليس لها غيرك؛ فبادر فإنّها موطّأة ممهّدة لك. فخرج من اليمن إلى مكّة، وقد زوّده ابن حوشب بمال، فسأل عن حجّاج كتامة فأرشد إليهم واجتمع بهم، وأخفى عنهم قصده، وذلك أنه جلس قريبا منهم فسمعهم يتحدّثون بفضائل آل البيت فحدّثهم في ذلك وأطال، ثمّ نهض ليقوم فسألوه أن يأذن لهم في زيارته فأذن لهم، فصاروا يتردّدون إليه لما رأوا من علمه وعقله، ثمّ إنهم سألوه أين يقصد؟ فقال: أريد مصر، فسرّوا بصحبته، ورحلوا من مكّة وهو لا يخبرهم شيئا من خبره وما هو عليه من القصد. وشاهدوا منه عبادة وورعا وتحرّجا وزهادة، فقويت رغبتهم فيه واشتملوا على محبّته واجتمعوا على اعتقاده، وساروا بأسرهم خدما له. وهو في أثناء ذلك يستخبرهم عن بلادهم ويعلم أحوالهم ويفحص عن قبائلهم وكيف طاعتهم للسلطان بإفريقية، فقالوا له: ليس له علينا طاعة، وبيننا وبينه عشرة أيام، قال: أفتحملون السلاح؟ قالوا: هو شغلنا. وما برح حتّى عرف جميع ما هم عليه. فلمّا وصلوا إلى مصر أخذ يودّعهم، فشقّ عليهم فراقه وسألوه عن حاجته بمصر فقال: ما لي بها من حاجة، إلا أنّي أطلب التعليم بها. قالوا: فأمّا إذا كنت تقصد هذا فإنّ بلادنا أنفع لك وأطوع لأمرك، ونحن أعرف بحقّك؛ وما زالوا به حتّى أجابهم إلى المسير معهم، فساروا به إلى أن قاربوا بلادهم، وخرج إلى لقائهم أصحابهم، وكان عندهم حسّ كبير من التشيّع واعتقاد عظيم في محبّة أهل البيت كما قرّره الحلوانيّ، فعرّفهم القوم خبر
أبي عبد الله، فقاموا بحقّ تعظيمه وإجلاله، ورغبوا في نزوله عندهم، واقترعوا فيمن يضيفه، ثمّ ارتحلوا إلى أرض كتامة فوصلوا إليها منتصف الربيع الأوّل سنة ثمان «1» وثمانين ومائتين، فما منهم إلا من سأله أن يكون منزله عنده، فلم «2» يوافق أحدا منهم وقال: أين يكون فجّ الأخبار؟ فعجبوا من ذلك ولم يكونوا قطّ ذكروه له منذ صحبوه «3» فدلّوه عليه، فقصده وقال: إذا حللنا به صرنا نأتي كلّ قوم منكم في ديارهم ونزورهم في بيوتهم؛ فرضوا جميعا بذلك. وسار إلى جيل ايلحان «4» وفيه فج الأخيار، فقال هذا فج الأخيار وما سمّي إلا بكم، ولقد جاء في الآثار «5» للمهديّ هجرة ينبو بها عن الأوطان ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان، قوم اسمهم مشتقّ من الكتمان، ولخروجكم في هذا الفجّ سمّي فجّ الأخيار، فتسامعت به القبائل وأتته البربر من كلّ مكان، وعظم أمره حتى أنّ كتامة اقتتلت عليه مع قبائل البربر، وهو لا يذكر اسم المهدي ولا يعرّج عليه، فبلغ خبره إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية، فقال أبو عبد الله لكتامة: أنا صاحب النذر «6» الذي قال لكم أبو سفيان والحلوانيّ، فازدادت محبّتهم له وعظم أمره فيهم، وأتته القبائل من كلّ مكان، وسار إلى مدينة تاصروق «7» ، وجمع الخيل وصيّر أمرها للحسن بن هارون كبير كتامة، وخرج للحرب فظفر وغنم، وعمل على تاصروق خندقا، فرجعت إليه قبائل من البربر وحاربوه فظفر بهم، وصارت إليه أموالهم، ووالى الغزو فيهم حتّى استقام له أمرهم، فسار وأخذ مدائن «8» عدّة، فبعث إليه ابن الأغلب بعساكر كانت له معهم حروب عظيمة وخطوب عديدة وأنباء كثيرة آلت إلى غلب أبي عبد الله وانتشار أصحابه من كتامة في البلاد، فصار يقول: المهديّ يخرج في هذه الأيام ويملك الأرض، فيا طوبى لمن هاجر إليّ وأطاعني. وأخذ يغري الناس بابن الأغلب «9» ، ويذكر كرامات المهدي وما يفتح الله له، ويعدهم بأنّهم يملكون الأرض كلّها.
وسير إلى عبيد الله بن محمد «10» رجالا من كتامة ليخبروه بما فتح الله له وأنه ينتظره، فوافوا عبيد الله بسلمية من أرض حمص، وكان قد اشتهر بها وطلبه الخليفة المكتفي، ففرّ
منه بابنه أبي القاسم وسار إلى مصر، وكان لهما قصص مع النوشزيّ «1» عامل مصر حتّى خلصا منه ولحقا ببلاد المغرب. وبلغ ابن الأغلب زيادة الله خبره مسير عبيد الله، فأزكى له العيون وأقام له الأعوان حتّى قبض عليه بسلجماسة، وكان عليها اليسع بن مدرار، وحبس بها هو وابنه أبو القاسم. وبلغ ذلك أبا عبد الله وقد عظم أمره، فسار وضايق زيادة الله بن الأغلب، وأخذ مدائنه شيئا بعد شيء، وصار فيما ينيف على مائتي ألف، وألحّ على القيروان حتّى فرّ زيادة الله إلى مصر، وملكها أبو عبد الله، ثم سار إلى رفادة فدخلها أوّل رجب سنة ست وتسعين ومائتين، وفرّق الدور على كتامة وبعث العمال إلى البلاد، وجمع الأموال ولم يخطب باسم أحد.
فلما دخل شهر رمضان سار من رفّادة «2» فاهتزّ لرحيله المغرب بأسره وخافته زنانة وغيرها، وبعثوا إليه بطاعتهم، وسار إلى سلجماسة «3» ، ففرّ منه اليسع بن مدرار واليها، ودخل البلد فأخرج عبيد الله وابنه من السجن وقال: هذا المهديّ الذي كنت أدعوكم إليه.
وأركبه هو وابنه ومشى بسائر رؤساء القبائل بين أيديهما وهو يقول: هذا مولاكم ويبكي من شدّة الفرح حتى وصل إلى فسطاط «4» ضرب له، فأنزل فيه وبعث في طلب اليسع فأدركه، وحمل إليه فضربه بالسياط وقتله، ثمّ سار المهدي إلى رفادة فصار بها في آخر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين.
ولما تمكّن قتل أبا عبد الله وأخاه في يوم الاثنين للنصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين، فكان هذا ابتداء أمر الخلفاء الفاطميين، وما زالت كتامة هي أهل الدولة مدّة خلافة المهدي عبيد الله وخلافة ابنه القاسم القائم بأمر الله وخلافة المنصور بنصر الله إسماعيل بن القاسم وخلافة معدّ المعز لدين الله ابن المنصور، وبهم أخذ ديار مصر لما سيّرهم إليها مع القائد جوهر «5» في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، وهم أيضا كانوا أكابر من قدم معه من الغرب في سنة اثنين وستّين وثلثمائة. فلما كان في أيّام ولده العزيز «6» بالله نزار اصطنع الدّيلم والأتراك، وقدّمهم وجعلهم خاصّته، فتنافسوا وصار بينهم وبين كتامة تحاسد إلى أن مات العزيز «7» بالله، وقام من بعده أبو عليّ المنصور الملقّب بالحاكم بأمر الله، فقدّم
ابن عمار «1» الكتامي وولّاه الوساطة وهي في معنى رتبة الوزارة، فاستبدّ بأمور الدولة وقدّم كتامة وأعطاهم، وحطّ من الغلمان الأتراك والديلم الذين اصطنعهم العزيز، فاجتمعوا إلى برجوان «2» وكان صقلبيا وقد تاقت نفسه إلى الولاية فأغرى المصطنعة بابن عمّار حتّى وضعوا منه، واعتزل عن الأمر، وتقلّد برجوان الوساطة، فاستخدم الغلمان المصطنعين في القصر، وزاد في عطاياهم وقوّاهم، ثمّ قتل الحاكم ابن عمّار وكثيرا من رجال دولة أبيه وجدّه، فضعفت كتامة وقويت الغلمان.
فلما مات الحاكم «3» وقام من بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله علي، أكثر من اللهو ومال إلى الأتراك والمشارقة، فانحطّ جانب كتامة، وما زال ينقص قدرهم ويتلاشى أمرهم حتّى ملك المستنصر «4» بعد أبيه الظاهر، فاستكثرت أمّه من العبيد حتّى يقال إنهم بلغوا نحوا من خمسين ألف أسود، واستكثر هو من الأتراك، وتنافس كلّ منهما مع الآخر فكانت الحرب التي آلت إلى خراب مصر وزوال بهجتها إلى أن قدم «5» أمير الجيوش بدر الجمالي «6» من عكّا وقتل رجال الدولة وأقام له جندا وعسكرا من الأرمن، فصار من حينئذ معظم الجيش الأرمن، وذهبت كتامة وصاروا من جملة الرعيّة بعد ما كانوا وجوه الدولة وأكابر أهلها.
حارة الصالحية: عرفت بغلمان الصالح طلائع «7» بن رزبك، وهي موضعان:
الصالحيّة الكبرى والصالحيّة الصغرى، وموضعهما فيما بين المشهد الحسيني ورحبة الأيدمري وبين البرقيّة، وكانت من الحارات العظيمة، وقد خربت الآن وباقيها متداع إلى الخراب. قال ابن عبد الظاهر: الحارة الصالحية منسوبة إلى الصالح طلائع بن رزيك، لأنّ غلمانه كانوا يسكنونها، وهي مكانان، وللصالح دار بحارة الديلم كانت سكنه قبل الوزارة، وهي باقية إلى الآن وبها بعض ذرّيته، والمكان المعروف بخوخة الصالح نسبة إليه.
حارة البرقية: هذه الحارة عرفت بطائفة من طوائف العسكر في الدولة الفاطمية، يقال