المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الزبيب، وأنشأ بها منظرة لجلوس الخليفة يوم تقدمة الأسطول ورميه، - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌ذكر حارات القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر واقعة العبيد

- ‌ذكر أبي عبد الله الشيعي

- ‌ذكر الأمراء البرقيّة ووزارة ضرغام

- ‌ذكر وزارة أبي الفتح ناصر الجيوش يأنس الأرمني

- ‌ذكر الأمير حسن بن الخليفة الحافظ

- ‌ذكر قدوم الأويراتية

- ‌ذكر اخطاط القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر كافور الإخشيدي

- ‌ذكر مقتل الخليفة الظافر

- ‌ذكر الدروب والأزقة

- ‌ذكر الخوخ

- ‌ذكر الرحاب

- ‌ذكر الدور

- ‌ذكر الحمامات

- ‌ذكر القياسر

- ‌ذكر الخانات والفنادق

- ‌ذكر الأسواق

- ‌الشارع خارج باب زويلة

- ‌ذكر العوائد التي كانت بقصبة القاهرة

- ‌ذكر ظواهر القاهرة المعزية

- ‌ذكر ميدان القبق

- ‌ذكر برّ الخليج الغربي

- ‌ذكر الأحكار التي في غربيّ الخليج

- ‌ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام

- ‌ذكر ميدان القمح

- ‌ذكر أرض الطبالة

- ‌ذكر حشيشة الفقراء

- ‌ذكر أرض البعل والتاج

- ‌ذكر ضواحي القاهرة

- ‌ذكر منية الأمراء

- ‌ذكر كوم الريش

- ‌ذكر بولاق

- ‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني

- ‌ذكر خارج باب زويلة

- ‌ذكر خارج باب الفتوح

- ‌ذكر الخندق

- ‌ذكر خارج باب النصر

- ‌الريدانية

- ‌ذكر الخلجان التي بظاهر القاهرة

- ‌ذكر خليج مصر

- ‌ذكر خليج فم الخور وخليج الذكر

- ‌ذكر الخليج الناصريّ

- ‌ ذكر القناطر

- ‌ذكر خليج قنطرة الفخر

- ‌ذكر قناطر الخليج الكبير

- ‌ذكر البرك

- ‌ذكر الماردانيّ

- ‌ذكر بساتين الوزير

- ‌ذكر المعشوق

- ‌ذكر الجسور

- ‌وقد وجد بخط المصنف رحمه الله في أصله هنا ما صورته

- ‌ذكر الجزائر

- ‌ذكر الروضة

- ‌ذكر قلعة الروضة

- ‌ذكر السجون

- ‌ذكر المواضع المعروفة بالصناعة

- ‌ذكر الميادين

- ‌ذكر قلعة الجبل

- ‌ذكر بناء قلعة الجبل

- ‌ذكر صفة القلعة

- ‌ذكر النظر في المظالم

- ‌ذكر خدمة الإيوان المعروف بدار العدل

- ‌ذكر العلامة السلطانية

- ‌ذكر جيوش الدولة التركية وزيّها وعوايدها

- ‌ذكر الحجبة

- ‌ذكر أحكام السياسة

- ‌ذكر المياه التي بقلعة الجبل

- ‌ذكر ملوك مصر منذ بنيت قلعة الجبل

- ‌ذكر من ملك مصر من الأكراد

- ‌ذكر دولة المماليك البحرية

- ‌ذكر دولة المماليك الجراكسة

الفصل: الزبيب، وأنشأ بها منظرة لجلوس الخليفة يوم تقدمة الأسطول ورميه،

الزبيب، وأنشأ بها منظرة لجلوس الخليفة يوم تقدمة الأسطول ورميه، فأقرّ إنشاء الحربيات والشلنديات بصناعة الجزيرة، وكان لهذه الصناعة دهليز ماد بمساطب مفروشة بالحصر العبدانية بسطا وتازيرا، وفيها محل ديوان الجهاد، وكان يعرف في الدولة الفاطمية أن لا يدخل من باب هذه الصناعة أحد راكبا إلّا الخليفة والوزير إذا ركبا في يوم فتح الخليج عند وفاء النيل، فإن الخليفة كان يدخل من بابها ويشقّها راكبا والوزير معه حتى يركب النيل إلى المقياس، كما قد ذكر في موضعه من ذا الكتاب، ولم تزل هذه الصناعة عامرة إلى ما قبل سنة سبعمائة، ثم صارت بستانا عرف ببستان ابن كيسان، ثم عرف في زمننا ببستان الطواشيّ، وكان فيما بين هذه الصناعة والروضة بحر، ثم تربى جرف عرف موضعه بالجرف، وأنشئ هناك بستان عرف ببستان الجرف، وصار في جملة أوقاف خانقاه المواصلة، وقيل لهذا الجرف بين الزقاقين، وكان فيه عدّة دور وحمّام وطواحين وغير ذلك، ثم خرّب من بعد سنة ست وثمانمائة، وخرب بستان الجرف أيضا، وإلى اليوم بستان الطواشي فيه بقية، وهو على يسرة من يريد مصر من طريق المراغة، وبظاهره حوض ماء ترده الدواب، ومن وراء البستان كيمان فيها كنيسة للنصارى. قال ابن المتوّج: وكان مكان بستان ابن كيسان صناعة العمارة، وأدركت فيه بابها، وبستان الجرف المقابل لبستان ابن كيسان كان مكانه بحر النيل، وإن الجرف تربى به.

‌ذكر الميادين

ميدان ابن طولون: كان قد بناه وتأنق فيه تأنقا زائدا، وعمل فيه المناخ وبركة الزئبق والقبة الذهبية، وقد ذكر خبر هذا الميدان عند ذكر القطائع من هذا الكتاب.

ميدان الإخشيد: هذا الميدان أنشأه الأمير أبو بكر محمد بن طفج الإخشيد أمير مصر، بجوار بستانه الذي يعرف اليوم في القاهرة بالكافوريّ، ويشبه أن يكون موضع هذا الميدان اليوم حيث المكان المعروف بالبندقانيين وحامة الوزيرية، وما جاور ذلك. وكان لهذا البستان بابان من حديد قلعهما القائد جوهر عند ما قدم القرمطيّ إلى مصر يريد أخذها، وجعلهما على باب الخندق الذي حفره بظاهر القاهرة قريبا من مدينة عين شمس، وذلك في سنة ستين وثلاثمائة وكان هذا الميدان من أعظم أماكن مصر، وكانت فيه الخيول السلطانية في الدولة الإخشيدية.

ميدان القصر: هذا الميدان موضعه الآن في القاهرة، يعرف بالخرنشف، عمل عند بناء القاهرة بجوار البستان الكافوريّ، ولم يزل ميدانا للخلفاء الفاطميين، يدخل إليه من باب التبانين الذي موضعه الآن يعرف بقبو الخرنشف، فلما زالت الدولة الفاطمية تعطل وبقي إلى أن بنى به الغز اصطبلات بالخرنشف، ثم حكر وبني فيه، فصار من أخطاط القاهرة.

ميدان قراقوش: هذا الميدان خارج باب الفتوح.

ص: 345

ميدان الملك العزيز: هذا الميدان كان بجوار خليج الدكر، وكان موضعه بستانا. قال القاضي الفاضل في متجددات ثالث عشري شهر رمضان، سنة أربع وتسعين وخمسمائة:

خرج أمر الملك العزيز عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، بقطع النخل المثمر المستغل تحت اللؤلؤة بالبستان المعروف بالبغدادية، وهذا البستان كان من بساتين القاهرة الموصوفة، وكان منظره من المناظر المستحسنة، وكان له مستغل، وكان قد عنى الأوّلون به لمجاورته اللؤلؤة، وأطلال جميع مناظرها عليه، وجعل هذا البستان ميدانا وحرث أرضه وقطع ما فيه من الأصول. انتهى.

ثم حكر الناس أرض هذا البستان وبنوا عليها، وهو الآن داثر فيه كيمان وأتربة انتهى.

الميدان الصالحيّ: هذا الميدان كان بأراضي اللوق من برّ الخليج الغربيّ، وموضعه الآن من جامع المطباخ بباب اللوق إلى قنطرة قدادار التي على الخليج الناصريّ، ومن جملته الطريق المملوكة الآن من باب اللوق إلى القنطرة المذكورة، وكان أوّلا بستانا يعرف ببستان الشريف ابن ثعلب، فاشتراه السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، بثلاثة آلاف دينار مصرية، من الأمير حصن الدين ثعلب بن الأمير فخر الدين إسماعيل بن ثعلب الجعفريّ، في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وجعله ميدانا وأنشأ فيه مناظر جليلة تشرف على النيل الأعظم، وصار يركب إليه ويلعب فيه بالكرة، وكان عمل هذا الميدان سببا لبناء القنطرة التي يقال لها اليوم قنطرة الخرق على الخليج الكبير لجوازه عليها، وكان قبل بنائها موضعها موردة سقائي القاهرة، وما برح هذا الميدان تلعب فيه الملوك بالكرة من بعد الملك الصالح إلى أن انحسر ماء النيل من تجاهه، وبعد عنه، فأنشأ الملك الظاهر ميدانا على النيل.

وفي سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك التركمانيّ الصالحيّ النجميّ، قال له منجمه أنّ امرأة تكون سببا في قتله، فأمر أن تخرب الدور والحوانيت التي من قلعة الجبل بالتبانة إلى باب زويلة، وإلى باب الخرق وإلى باب اللوق إلى الميدان الصالحيّ، وأمر أن لا يترك باب مفتوح بالأماكن التي يمرّ عليها يوم ركوبه إلى الميدان، ولا تفتح أيضا طاقة، وما زال باب هذا الميدان باقيا وعليه طوارق مدهونة إلى ما بعد سنة أربعين وسبعمائة، فأدخله صلاح الدين بن المغربيّ في قيسارية الغزل التي أنشأ هناك، ولأجل هذا الباب قيل لذلك الخط باب اللوق، ولما خرب هذا الميدان حكر وبني موضعه ما هنالك من المساكن، ومن جملته حكر مرادي، وهو على يمنة من سلك من جامع الطباخ إلى قنطرة قدادار، وهو في أوقاف خانقاه قوصون وجامع قوصون بالقرافة، وهذا الحكر اليوم قد صار كيمانا بعد كثرة العمارة به.

ص: 346

الميدان الظاهريّ: هذا الميدان كان بطرف أراضي اللوق يشرف على النيل الأعظم، وموضعه الآن تجاه قنطرة قدادار من جهة باب اللوق، أنشأه الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ الصالحيّ، لما انحسر ماء النيل وبعد عن ميدان أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وما زال يلعب فيه بالكرة هو ومن بعده من ملوك مصر، إلى أن كانت سنة أربع عشرة وسبعمائة، فنزل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون إليه وخرّب مناظره وعمله بستانا من أجل بعد البحر عنه، وأرسل إلى دمشق فحمل إليه منها سائر أصناف الشجر، وأحضر معها خولة الشام والمطعمين، فغرسوها فيه وطعموها، وما زال بستانا عظيما، ومنه تعلم الناس بمصر تطعيم الأشجار في بساتين جزيرة الفيل، وجعل السلطان فواكه هذا البستان مع فواكه البستان الذي أنشأه بسرياقوس تحمل بأسرها إلى الشراب خاناه السلطانية بقلعة الجبل، ولا يباع منا شيء البتة، وتصرف كلفهما من الأموال الديوانية، فجادت فواكه هذين البستانين وكثرت حتى حاكت بحسنها فواكه الشام لشدجة العناية والخدمة بهما، ثم إنّ السلطان لما اختص بالأمير قوصون أنعم بهذا البستان عليه، فعمر تجاهه الزريبة التي عرفت بزريبة قوصون على النيل، وبنى الناس الدور الكثيرة هناك سميا لما حفر الخليج الناصري، فإن العمارة عظمت فيما بين هذا البستان والبحر وفيما بينه وبين القاهرة ومصر، ثم إنّ هذا البستان خرب لتلاشي أحواله بعد قوصون، وحكرت أرضه وبنى الناس فوقها الدور التي على يسرة من صعد القنطرة من جهة باب اللوق يريد الزريبة، ثم لما خرب خط الزريبة خرب ما عمر بأرض هذا البستان من الدور، منذ سنة ست وثمانمائة والله تعالى أعلم.

ميدان بركة الفيل: هذا الميدان كان مشرفا على بركة الفيل قبالة الكبش، وكان أوّلا اصطبل الجوق برسم خيول المماليك السلطانية، إلى أن جلس الأمير زين الدين كتبغا على تخت الملك وتلقب بالملك العادل، بعد خلعه الملك الناصر محمد بن قلاون في المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة، فلما دخلت سنة خمس وتسعين كان الناس في أشدّ ما يكون من غلاء الأسعار وكثرة الموتان، والسلطان خائف على نفسه ومتحرّز من وقوع فتنة، وهو مع ذلك ينزل من قلعة الجبل إلى الميدان الظاهريّ بطرف اللوق، فحسن بخاطره أن يعمل إصطبل الجوق المذكور ميدانا عوضا عن ميدان اللوق، وذكر ذلك للأمراء فأعجبهم ذلك، فأمر بإخراج الخيل منه وشرعه في عمله ميدانا، وبادر الناس من حينئذ إلى بناء الدور بجانبه، وكان أوّل من أنشأ هناك الأمير علم الدين سنجر الخازن في الموضع الذي عرف اليوم بحكر الخازن، وتلاه الناس في العمارة والأمراء، وصار السلطان ينزل إلى هذا الميدان من القلعة فلا يجد في طريقه أحدا من الناس سوى أصحاب الدكاكين من الباعة لقلة الناس وشغلهم بما هم فيه من الغلاء والوباء، ولقد رآه شخص من الناس وقد نزل إلى الميدان والطرقات خالية فأنشد ما قيل في الطبيب ابن زهر:

ص: 347

قل للغلا أنت وابن زهر

بلغتما الحدّ والنهايه

ترفقا بالورى قليلا

في واحد منكما كفايه

وما برح هذا الميدان باقيا إلى أن عمّر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون قصر الأمير بكتمر الساقي على بركة الفيل، فأدخل فيه جميع أرض هذا الميدان، وجعله إصطبل الأمير بكتمر الساقي، في سنة سبع عشرة وسبعمائة، وهو باق إلى وقتنا هذا.

ميدان المهاري: هذا الميدان بالقرب من قناطر السباع في برّ الخليج الغربيّ، كان من جملة جنان الزهريّ، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة عشرين وسبعمائة، ومن وراء هذا الميدان بركة ماء كان موضعها كرم القاضي الفاضل رحمة الله عليه.

قال جامع السيرة الناصرية: وكان الملك الناصر محمد بن قلاون له شغف عظيم بالخيل، فعمل ديوانا ينزل فيه كلّ فرس بشأنه واسم صاحبه وتاريخ الوقت الذي حضر فيه، فإذا حملت فرس من خيول السلطان أعلم به وترقب الوقت الذي تلد فيه، واستكثر من الخيل حتى احتاج إلى مكان برسم نتاجها، فركب من قلعة الجبل في سنة عشرين وسبعمائة، وعين موضعا يعمله ميدانا برسم المهاري، فوقع اختياره على أرض بالقرب من قناطر السباع، وما زال واقفا بفرسه حتى حدّد الموضع وشرع في نقل الطين البليز إليه، وزرعه من النخل وغيره، وركب على الآبار التي فيه السواقي، فلم يمض سوى أيام حتى ركب إليه ولعب فيه بالكرة مع الخاصكية، ورتب فيه عدّة حجور للنتاج وأعدّلها سوّاسا وأميرا خورية وسائر ما يحتاج إليه، وبني فيه أماكن ولازم الدخول إليه في ممرّه إلى الميدان الذي أنشأه على النيل بموردة الملح.

فلما كان بعد أيام وأشهر حسن في نفسه أن يبني تجاه هذا الميدان على النيل الأعظم بجوار جامع الطيبرسي زريبة، ويبرز بالمناظر التي ينشئها في الميدان إلى قرب البحر، فنزل بنفسه وتحدّث في ذلك، فكثّر المهندسون المصروف في عينه وصعّبوا الأمر من جهة قلة الطين هناك، وكان قد أدركه السفر للصعيد، فترك ذلك وما برحت الخيول في هذا الميدان إلى أن مات الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، واستمرّ بعده في أيام ابنه الملك الناصر فرج، إلّا أنه تلاشى أمره عما كان قبل ذلك، ثم انقطعت منه الخيول وصار براحا خاليا.

ميدان سرياقوس: كان هذا الميدان شرقيّ ناحية سرياقوس بالقرب من الخانقاه، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وبنى فيه قصورا جليلة وعدّة منازل للأمراء، وغرس فيه بستانا كبيرا نقل إليه من دمشق سائر الأشجار التي تحمل الفواكه، وأحضر معها خولة بلاد الشام حتى غرسوها وطعموا الأشجار، فأفلح

ص: 348

فيه الكرم والسفرجل وسائر الفواكه، فلما كمل في سنة خمس وعشرين خرج ومعه الأمراء والأعيان ونزل القصور التي هناك، ونزل الأمراء والأعيان على منازلهم في الأماكن التي بنيت لهم، واستمرّ يتوجه إليه في كلّ سنة ويقيم به الأيام ويلعب فيه بالكرة إلى أن مات، فعملل ذلك أولاده الذين ملكوا من بعده.

فكان السلطان يخرج في كل سنة من قلعة الجبل بعد ما تنقضي أيام الركوب إلى الميدان الكبير الناصريّ وعلى النيل، ومعه جميع أهل الدولة من الأمراء والكتاب وقاضي العسكر وسائر أرباب الرتب، ويسير إلى السرحة بناحية سرياقوس وينزل بالقصور ويركب إلى الميدان هناك للعب الكرة، ويخلع الأمراء وسائر أهل الدولة، ويقيم في هذه السرحة أياما، فيمرّ للناس في إقامتهم بهذه السرحة أوقات لا يمكن وصف ما فيها من المسرّات، ولا حصر ما ينفق فيها من المآكل والهبات من الأموال، ولم يزل هذا الرسم مستمرّ إلى سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وهي آخر سرحة سار إليها السلطان بسرياقوس، ومن هذه السنة انقطع السلطان الملك الظاهر برقوق عن الحركة لسرياقوس، فإنه اشتغل في سنة ثمانمائة بتحرّك المماليك عليه من وقت قيام الأمير علي باي إلى أن مات.

وقام من بعده ابنه الملك الناصر فرج، فما صفا الوقت في أيامه من كثرة الفتن وتواتر الغلوات والمحن، إلى أن نسي ذلك وأهمل أمر الميدان والقصور وخرب، وفيه إلى اليوم بقية قائمة. ثم بيعت هذه القصور في صفر سنة خمس وعشرين وثمانمائة بمائة دينار، لينقض خشبها وشبابيكها وغيرها، فنقضت كلها، وكان من عادة السلطان إذا خرج إلى الصيد لسرياقوس أو شبرا أو البحيرة أنه ينعم على أكابر أمراء الدولة قدرا وسنّا، كلّ واحد بألف مثقال ذهيبا، وبرذون خاص مسرج ولمجم، وكنبوش مذهب، وكان من عادته إذا مرّ في متصيدانه بإقطاع أمير كبير قدّم له من الغنم والإوز والدجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو همة مثله إليه، فيقبله السلطان منه وينعم بخلعة كاملة، وربما أمر لبعضهم بمبلغ مال.

وكانت عادة الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث يركب في المدينة وخلفه جنيب، وأما أكابرهم فيركب بجنيبين، هذا في المدينة والحاضرة، وهكذا يكون إذا خرج إلى سرياقوس وغيرها من نواحي الصعيد، ويكون في الخروج إلى سرياقوس وغيرها من الأسفار لكلّ أمير طلب يشتمل على أكثر مماليكه، وقدّامهم خزانة محمولة على جمل واحد يجرّه راكب آخر على جمل، والمال على جملين، وربما زاد بعضهم على ذلك. وأمام الخزانة عدّة جنائب تجرّ على أيدي مماليك ركّاب خيل وهجن، وركّاب من العرب على هجن، وأمامها الهجن بأكوارها مجنوبة، وللطبلخانات قطار واحد، وهو أربعة، ومركوب الهجان والمال قطاران، وربما زاد بعضهم، وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه، والجنائب منها ما هو مسرح ملجم، ومنها ما هو بعباءة لا غير، وكان يضاهي بعضهم بعضا في

ص: 349

الملابس الفاخرة والسروح المحلاة والعدد الملحية.

وكان من رسوم السلطان في خروجه إلى سرياقوس وغيرها من الأسفار أن لا يتكلف إظهار كلّ شعار السلطنة، بل يكون الشعار في موكبه السائر فيه جمهور مماليكه مع المقدّم عليهم واستاداره، وأمامهم الخزائن والجنائب والهجن، وأما هو نفسه فإنه يركب ومعه عدّة كبيرة من الأمراء الكبار والصغار من الغرباء والخواص، وجملة من خواص مماليكه، ولا يركب في السير برقبة ولا بعصائب، بل يتبعه جنائب خلفه، ويقصد في الغالب تأخير النزول إلى الليل، فإذا جاء الليل حملت قدّامة فوانيس كثيرة ومشاعل، فإذا قارب مخيمه تلقى بشموع موكبية في سمعدانات كفت، وصاحت الجاويشية بين يديه، ونزل الناس كافة إلّا حملة السلاح، فإنهم وراءه، والوشاقية أيضا وراءه، وتمشي الطبر دارية حوله حتى إذا وصل القصور بسرياقوس أو الدهليز من المخيم نزل عن فرسه ودخل إلى الشقة، وهي خيمة مستديرة متسعة، ثم منها إلى شقة مختصرة، ثم منها إلى اللاجوق، وبدائر كلّ خيمة من جميع جوانبها من داخل سور خركاه، وفي صدر اللاجوق قصر صغير من خشب برسم المبيت فيه، وينصب بإزاء الشقة الحمّام بقدور الرصاص، والحوض على هيئة الحمام المبنيّ في المدن، إلّا أنه مختصر. فإذا نام السلطان طافت به المماليك دائرة بعد دائرة، وطاف بالجميع الحرس، وتدور الزفة حول الدخليز في كلّ ليلة، وتدور بسرياقوس حول القصر في كلّ ليلة مرّتين، الأولى منذ يأوي إلى النوم، والثانية عند قعوده من النوم، وكلّ زفة يدور بها أمير جاندار، وهو من أكابر الأمراء، وحوله الفوانيس والمشاعل والطبول والبياتة، وينام على باب الدهليز النقباء وأرباب النوب من الخدم، ويصحب السلطان في السفر غالب ما تدعو الحاجة إليه حتى يكاد يكون معهم مارستان لكثرة من معه من الأطباء وأرباب الكحل والجراح والأشربة والعقاقير، وما يجري مجرى ذلك، وكل من عاده طبيب ووصف له ما يناسبه، يصرف له من الشراب خاناه أو الدواء خاناه المحمولين في الصحبة.

والله أعلم.

الميدان الناصريّ: هذا الميدان من جملة أراضي بستان الخشاب، فيما بين مدينة مصر والقاهرة، وكان موضعه قديما غامرا بماء النيل، ثم عرف ببستان الخشاب، فلما كانت سنة أربع عشرة وسبعمائة هدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون الميدان الظاهريّ، وغرس فيه أشجارا كما تقدّم، وأنشأ هذا الميدان من أراضي بستان الخشاب، فإنه كان حينئذ مطلا على النيل، وتجهز في سنة ثمان عشرة وسبعمائة للركوب إليه، وفرّق الخيول على جميع الأمراء واستجدّ ركوب الأوجاقية بكوا في الزركس على صفة الطاسات فوق رؤوسهم، وسمّاهم الجفتاوات، فيركب منهم اثنان بثوبي حرير أطلس أصفر، وعلى رأس كلّ منهما كوفية الذهب، وتحت كل واحد فرس أبيض بحلية ذهب، ويسيران معا بين يدي السلطان في ركوبه من قلعة الجبل، إلى الميدان، وفي عودته منه إلى القلعة، وكان السلطان إذا ركب

ص: 350