الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الهدف من الموسوعة وتأثيرها على الأمة
إن أثقالَ الأمر لا يطيقها المهازيلُ، والمرءُ إذا كانَ لديهِ متاعٌ ثقيلٌ يريد نقلهُ لمْ يستأجرْ أطفالًا أو مرضى أو خوارينَ إنما ينتقي له ذوي الكواهل الصلبةِ، والمناكبِ الشدادِ كذلكَ الحياةُ لا ينهضُ برسالاتها الكبرى، ولا ينقلها من طورٍ إلى طور إلا رجالٌ أشداءٌ أبطالٌ.
وإن البواعثَ التي تسوقُ المرءَ إلى عملٍ ضخمٍ كهذا أو تدفعهُ إلى إجادتهِ وتغريهِ بتحملِ التعبِ فيهِ وبذل الكئير من أجلهِ من جهب ومالٍ هو الثوابُ غيرِ المقطوع وأنهُ إن شاءَ اللهُ تعالى عبادةٌ متقبلةٌ.
لذا ومنْ هذه المنطلقاتِ الصالحةِ فإن عملنا في هذهِ الموسوعةِ التاريخيةِ الضخمةِ الشاملةِ والجامعةِ لسنةِ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هوَ عملٌ صادقٌ لا ريبةَ فيهِ؛ لأنهُ وليد اليقين، ولا هوى معهُ؛ لأنهُ قرينُ الإخلاصِ، ولا عوجَ عليهِ؛ لأنهُ نبعٌ من الحقِ، ونجاحُ الأمم في أداءِ رسالتها يعودُ إلى جملةِ ما يقدمهُ بنوها من أعمالٍ صادقةٍ، فإن كانتْ ثروتها من صدقِ العملِ كبيرةً، سبقت سبقًا بعيدًا.
وأىُ عملٍ بهذهِ الضخامةِ لا بدَ أنَّ هناكَ أهدافًا من ورائهِ ومنْ تلكَ الأهداف:
أوَلًا: بيانُ أنَّ حقائقَ هذا الدينِ من أصولٍ أو فروعٍ ليستْ طقوسًا تنقل بالوراثةِ أو تعاويذَ تشيعُ بالإيهامِ، كلا إنها حقائقُ تستخرجُ منْ كتابٍ حكيمٍ، ومنْ سنةٍ واعيةٍ، وسبيلُ استقرائها لا يتوقفُ على القراءةِ المجردةِ بلْ لابدَّ من أمةٍ تتوفرُ فيها الإفهام الذكيةُ والأساليبُ العاليةُ والآدابُ الكريمةُ، وهذا كفيلٌ بتكوينِ مجتمعٍ بعيدٍ عن الخرافاتِ، منزهٍ عن الأوهام والمساخرِ، لا مجتمعٍ
يفيضُ بالشعوذةِ، وتتركزُ فيهِ الأراصيفُ والترهاتُ، وتحكمه تقاليدُ غامضةٌ ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان.
ثانيًا: بناءُ منهجيةٍ علميةٍ راقيةٍ ومتزنةٍ بعيدةٍ عنْ أي طرف، واعتبار مظاهر الطيش والتعدى انفلاتًا من الإسلام، قالَ عنترةُ:
لا يَحْمِلُ لقدَ مَنْ تَعلُوْ بِهِ الرُتَبُ وَلَا ينَالُ العُلَا مَنْ طَبْعُهُ الغَضَبُ.
ثالثًا: لقد أنشأ العملُ في الموسوعةِ جيلًا معتنيًا بالدفاعِ عن السنةِ، عن طريقِ البحث في سندها ومتنها، بتعرفِ أحوالِ رواتها وتمييزِ صحيحها من سقيمها، ووفقوا إلى سلوك طريق الوسطيةِ، وطريقِ الاعتدال البعيدِ عن التعصبِ الأعمى والتحاملِ الذميم.
رابعًا: إن مما يثلجُ الصدرَ ويفتحُ بابَ الأملِ في هذا العملِ أنهُ سارَ على القواعدِ العلميةِ الصحيحةِ التي وضعها علماء الأمةِ لمعرفةِ من يقبلُ ومن لا يقبلُ من الرواةِ، وما يقبلُ وما يردُ من الأحاديثِ، وبهذا ميزَ الصحيحُ من السقيمِ، ونالتِ السنةُ ما لمْ يعهد في شريعةٍ من الشرائعِ.
خامسًا: إن لهذهِ الموسوعةِ الدور الأكبر والأمثل في تحطيم القيودِ ونفضِ غبارِ الجهالةِ، وتمزيقِ عصابةِ العمايةِ عن العيونِ عن طريقِ الاهتمام الواسع بالسنةِ النبويةِ المشرَّفةِ ونشرها وتخريجها تخريجًا علميًا شاملًا.
سادسًا: إن هذا العملَ يعدُ فاتحةَ خيرٍ لأعملٍ موسوعيةٍ أخرى كبيرة كموسوعةٍ في الرجالِ وأخرى في الزوائدِ وأخرى في التفسيرِ، وغيرها من الأعمالِ الكبيرةِ التي تسهلُ لطالبِ العلمِ وللباحثِ المادةَ العلميةَ الرصينةَ والأدلةَ القويةَ والنقاشَ الهادئ والموضوعيةَ في استنتاج الأحكام.
ثامنًا: توحيد الأمة على مرجعيةٍ علميةٍ واحدةٍ تتسمُ بالاتزان والموضوعيةِ، ومدعمة بالدليل القوي والحجة المقنعة.
وأخيرًا فإن العملَ في الموسوعةِ كانَ شاقًا من جهةٍ، ويتطلب الدقةَ من جهةٍ أخرى، واضحًا حينًا ومعقدًا أحيانًا. ومعَ هذا فقدْ تتابعَ البحثُ والتمحيصُ فيهِ بروحٍ علميةٍ يحدوها الصبرُ، وتعللها ومضاتُ الأملِ بغيةَ الوصولِ إلى الحقيقةِ وكشفِ اللبسِ.
وقدْ أصبحت محافظةُ الأنبارِ وبفضلِ الله ومنّهِ في ظلِ هذا العمل الضخم من أنشطِ محافظاتِ القطرِ من حيثُ الاعتناء بالسنةِ النبويةِ المطهرةِ ونشرها ونالت مكانةً متميزةً وبارزةً على المستويينِ العربي والعالمي، وهذا ما لمسناهُ عن طريقِ المراسلاتِ الكثيرةِ والاستفسارات العديدةِ من مؤسسات وشخصيات بارزةٍ متلهفةٍ لهذا العملِ ومتابعةٍ لهُ بهِ ومتفائلةٍ بهِ خيرًا.