الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يدل علَى عدم صحة حَدِيْث ابن أبي المخارق أن الحافظ ابن حجر قَالَ: "ولَمْ يثبت عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في النهي عَنْه شيء"
(1)
.
بَعْدَ هَذَا العرض السريع بان لنا واتضح أن التدليس سبب من أسباب الاختلاف لدى الْمُحَدِّثِينَ؛ إِذْ إنه قَدْ يسفر عَنْ سقوط رجلٍ من الإسناد فيخالف الرَّاوِي غيره من الرُّوَاة.
المطلب الثامن حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ:
مضى بنا في الفصل التمهيدي في تعريف التدليس لغة أنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب، وليس من معانيه الكذب، ومع ذَلِكَ فَقَدْ اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله.
فَقَدْ ورد عن بعضم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ:"التدليس أخو الكذب"
(2)
، وقالَ أيْضًا:"لأن أزني أحب إليّ من أن أدلس"
(3)
.
ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ كثيرًا، قَالَ أبو بكر البزار:"التدليس ليس بكذب، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد"
(4)
.
(1)
فتح الباري 1/ 330.
(2)
رَوَاهُ ابن عدي في الكامل 1/ 107، والبيهقي في مناقب الشَّافِعِيّ 2/ 35، والخطيب في الكفاية (508 ت، 355 هـ).
(3)
رَوَاهُ ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل 1/ 173، وابن عدي في الكامل 1/ 107، والخطيب في الكفاية (508 ت، 356 هـ).
(4)
نكت الزركشي 2/ 81.
وَالصَّحِيْح الّذِي عليه الجمهور أنه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حتَّى نرد جميع حديثه، وإنما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ رحمه الله فَقَالَ:"ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه، ولا النصيحة في الصدق، فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق"
(1)
.
ويمكن حمل التشدد الوارد عن شعبة علَى "المبالغة في الزجر عَنْهُ والتنفير"
(2)
.
وإذا تقرر هَذَا، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ؟ للعلماء فِيْهِ أربعة مذاهب:
الأول: لا تقبل رِوَايَة المدلس، سواء صرح بالسماع أم لا، حكاه ابن الصَّلاح عن فريق من أهل الْحَدِيْث والفقه
(3)
، وهذا مبني علَى القَول بأنّ التدليس نفسه جرح تسقط بِهِ عدالة من عُرِف بِهِ
(4)
. وهذا الَّذيْ استظهره علَى أصول مذهب الإمام مالك القاضي عَبْد الوهاب في الملخص
(5)
.
الثاني: قبول رِوَايَة المدلس مطلقًا، وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل
(6)
، وحكاه الزركشي
(1)
الرسالة: 379 الفقرة (1033 و 1034).
(2)
مَعرفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 67، وطبعتنا 159.
(3)
المصدر نفسه. وسبقه بالنقل الْخَطِيْب في كفايته (515 ت، 361 هـ).
(4)
شرح السيوطي علَى ألفية العراقي: 174.
(5)
نكت الزركشي 2/ 87.
(6)
الكفاية (515 ت، 361 هـ).
عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية
(1)
. وبنوا هَذَا علَى ما بنوا علَيْهِ قبول المرسل؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة
(2)
.
الثالث: إذا كَانَ الغالب علَى تدليسه أن يَكُوْن عن الثقات فهو مقبول كيفما كانت صيغة التحديث، وإن كَانَ عن غَيْر الثقة هُوَ الغالب رد حديثه حَتى يصرح بالسماع، حكاه الْخَطيْب عن بعض أهل العلم
(3)
، ونقله الزركشي عن أبي الفتح الأزدي
(4)
.
الرابع: التفصيل بَيْنَ أن يروي بصيغة مبينة للسماع، فيقبل حديثه، وبين أن يروي بصيغة محتملة للسماع وغيره فلا يقبل، وهذا الَّذِيْ علَيْه جمهور أَهْل الْحَديْث وغيرهم
(5)
وصححه جمع، مِنْهم: الْخَطِيْب البغدادي
(6)
وابن الصَّلاح
(7)
وغيرهما.
(1)
نكت الزركشي 2/ 87 - 88، وانظر: تدريب الراوي 1/ 229.
(2)
انظر: الكفاية (515 ت، 361 هـ).
(3)
الكفاية (515 ت، 361 هـ).
(4)
نكت الزركشى 2/ 89.
(5)
جامع التحصيل: 98.
(6)
الكفاية (515 ت، 361 هـ).
(7)
مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 167، وطبعتنا:159.