الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: [*] زيادات الثقات:
تمهيد:
الزيادات الواقعة في المتون أو الأسانيد لَها أهمية بلغة عِنْدَ علَمَاء الحَدِيْث؛ إذ أن لَهَا عندهم مجال نظرٍ وبحثٍ واسع، وَلَمْ يَكُنْ أمرها عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ اعتباطيًا.
= تركت الناس؟ " فقلت: تركت بمكان كَذَا وكذا، فأناخ راحلته فنَزل، ثُمَّ ذهب فتوارى عني، فاحتبس بقدر ما يقضي الرجل حاجته، ثُمَّ جاء فَقَالَ: "أمعك ماء؟ " قلت: نعم، فصببت علَى يديه فغسل وجهه، ومسح رأسه، وعليه جبة شامية قَدْ ضاقت يداها، فأدخل يده من تحت الجبة، فرفعها عن يديه، ثُمَّ غسل يديه ووجهه، ومسح عَلَى رأسه وخفيه ثُمَّ قَالَ: "ألك حاجة؟ "، قلت: لا، قال فركبنا حَتى أدركنا الناس".
الثالث: إن حَدِيث الإسماعيلى دارت قصته علَى الامام الجهبذ عَبْد الرحمان بن مهدي، وكَدْ سبق النقل عَنْه أنه أعل الْحَدِيْث بتفرد أبي قيس، فلو كانت هَذِه القصة ثابتَة والواقعة صَحِيْحة لما جعل الحمل علَى أبي قيس، وكذلك فإن جهابذة الْمُحَدثيْنَ قَدْ عدوه فردًا لأبي قيس فلو كَانَ حَدِيْث الإسماعيلي ثابتًا لما جزموا بما جزموا.
وفي الْحَدِيْث أمر آخر، وَهوَ أن راويه عن المغيرة فضلة بن عمرو ويقال: ابن عمير، ويقال: ابن عبيد، لَمْ أجد من وثقه إِلَّا أن ابن حبان ذكره في الثقات 5/ 296، وأورده البخاري في تاريخه الكبير 7/ 124 (558)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 7/ 77. وَلَمْ يذكرا فِيْهِ جرحًا ولا تعديلًا، ومن كَانَ حاله هكذا فهو في عداد المجهولين، والله أعلم.
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع «الخامس»
ثُمَّ إن الزيادات الواردة في المتون أو الأسانيد قَدْ كشفت عن قدرات المتكلمين فِيْهَا، وأبانت عن قدرات محدثي الأمة وصيارفة الحَدِيْث في النقد والتعليل والكشف والتصحيح والتضعيف.
والزيادات الواردة في بَعْض الأماكن دُوْنَ بَعْض نَوْع من أنواع الاختلاف سَوَاء كَانَ في المَتْن أم في السَّنَد. ومَعْرِفَة الزيادات هِيَ إحدى قضايا علل الحَدِيْث الَّتِي مرجعها إلى الاختلاف بالروايات. واختلاف الرواة في بَعْض الأحايين سندًا أو متنًا أمرٌ طبيعيٌّ ولا غرابة فِيهِ، إذ إن الرواة يبعد أنْ يكونوا جميعًا في مستوى واحد من التيقظ والضَّبْط والحفظ، وليسوا في مستوى واحد من الاهتمام والتثبت والدقة، واختلاف المقدار قَدْ يَكُون مداه طويلًا من حِيْن لقي الأحاديث من أصحابها إلى حيْنَ أدائها، إذ إن شرط الضَّبْط أن يَكُون من حِيْن التحمل إلى حِيْن الأداء
(1)
، وما دامت المواهب متفاوتة حفظًا وضبطًا فإن الاختلاف في الزيادات واردٌ لا محالة، فالرواة مِنْهُمْ من بلَغَ أعلى مراتب الحفظ والإتقان، ومنهم دُوْنَ ذَلِكَ ومنهم أدنى بكثير.
ثُمَّ إن الرواة كثيرًا مَا يشتركون في سَمَاع الحَدِيْث الواحد من شيخ واحد، فحين يحدِّثون بهذا الحَدِيْث بَعْدَ فترة من الزمن يَكُون الاختلاف بينهم بحسب مقدار حفظهم وتيقظهم وتثبتهم.
علَى أن أحد الرواة الثِّقات لَوْ زاد زيادة لَمْ تكن عِنْدَ البقية فإن ذَلِكَ لا يقْدَح بصدقه وعدالته وضبطه، قَالَ الحافظ ابن حجر:"إن الواحد الثِّقَة إذا كَانَ في مجلس جَمَاعَة، ثُمّ ذكر عن ذَلِكَ المجلس شيئًا لا يمكن غفلتهم عَنْهُ، وَلَمْ يذكره غيره، إن ذَلِكَ لا يقْدَح في صدقه"
(2)
.
(1)
انظر: فتح الباقي 1/ 14 ط العلمية، 1/ 97 طبعتنا، ونزهة النظر:83.
(2)
فتح الباري 1/ 18.
إلَّا إذا كثر ذَلِكَ مِنْهُ فإنه مجال بحث ونظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ، فمن أكثر من ذَلِكَ فَهُوَ مكثر من المخالفة، وكثرة المخالفة منافية للضبط، إذ ان الضَّبْط يعرف بموافقة الرّاوِي للثقات الضابطين
(1)
. ومن ذَلِكَ مَا نقل عن الإمام أحمد بن حَنْبَل في ترجمة حجاج بن أرطاة، فَقَدْ قَالَ أبو طالب عن أحمد بن حَنْبَل: كَانَ من الحفاظ، قِيلَ: فَلِمَ لَيْسَ هُوَ عِنْدَ الناس بذاك؟ قَالَ: لأن في حديثه زيادة علَى حَدِيث الناس، لَيْسَ يكاد لَهُ حديثٌ إِلَّا فِيهِ زيادة
(2)
.
ثُمَّ إن مَعْرِفَة الزيادات تَكُون بجمع الطرق والأبواب
(3)
والزيادات الَّتِي هِيَ مجال نظر وبحث إنما هِيَ الَّتِي تَكُون من بَعْد الصَّحَابَة، أما من الصَّحَابَة فهى مقبولة اتفاقًا
(4)
.
والزيادات في الأحاديث تَكُون من الثِّقات ومن الضعفاء، والزيادة من الضَّعِيف غَيْر مقبولة؛ لأن حديئه مردود أصلًا سَوَاء زاد أم لَمْ يزد
(5)
. أما الزيادة من الثِّقَة فهي مجال بحثنا هنا، وَقَدْ قسمت الْحَدِيْث عَنْهَا في مطالب.
(1)
انظر: المنهل الرَّوي: 63، والمقنع في علوم الحَدِيْث 1/ 248.
(2)
تهذيب الكمال 2/ 58.
(3)
فتح الباقي 1/ 211 ط العلمية، 1/ 251 طبعتنا.
(4)
فتح الباقي 1/ 211 ط العلمية، 1/ 251 طبعتنا.
(5)
لأن من شروط صِحَّة الحَدِيْث العدالة والضَّبْط، والضَّعِيف إما مقدوح بعدالته أو بضبطه إِلَّا أن بَعْض الضعفاء قَدْ يقبل حديثهم بالمتابعات والشواهد. انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 76 ط نور الدين، 175 طبعتنا، وفتح الباقي 1/ 206، و 1/ 247 طبعتنا.