الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
المستور
المستور لغة: الخفي، ومنه: سَتَرَ الشيءَ يَسْتُرُهُ سِتْرًا: أخفاه
(1)
.
وفي الاصطلاح: فقد شاب تعريف المستور شيء من الاضطراب
(2)
، إلا أن الراجح في تعريفه: أنه الذي علمت عدالته في الظاهر، وجهلت في الباطن
(3)
.
وغير خاف عنك أن هذا التعريف ليس على صناعة الحدود، بل هو بالرسم أشبه، ومن أجل ضبطه بضابط يجعله أكثر وضوحًا، اختار الحافظ ابن حجر تعريفًا آخر له، فقال:((إن روى عنه اثنان فصاعدًا ولم يوثق فهو مجهول الحال، وهو المستور))
(4)
، وردد هذا في مقدمة تقريبه فقال:((من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال))
(5)
وبهذا يظهر أن أركان الراوي المستور عند الحافظ اثنان:
(1)
لسان العرب (4/ 343) مادة (ستر).
(2)
توضيح الأفكار (1/ 182).
(3)
علوم الحديث (ص 101)، وانظر: النفح الشذي (1/ 278، 279). علمًا أن الحافظ العراقي نازعه في جواز تسميته بالمستور، ورده السيوطي. ينظر: شرح التبصرة والتذكرة (1/ 328، 329)، وشرح ألفية العراقي للسيوطي (ص 246).
(4)
نزهة النظر (ص 135).
(5)
تقريب التهذيب (1/ 25).
1 -
أن يكون له من الرواة اثنان فأكثر.
2 -
أن لا يوجد فيه توثيق من أحد.
فاشتراط الحافظ الراويين فأكثر جريًا منه على قاعدة الجمهور في أن ما يرفع جهالة العين رواية راويين فأكثر
(1)
، وعدم وجود التوثيق يقدح في النفس عند تفرد المستور، ومذهب الحافظ في رواية المستور عدم الحكم فيها بحكم كلي بالرد أو القبول، بل هي موقوفة إلى استبانة حاله
(2)
. فإذا اعتضدت روايته بما يصح الاعتضاد به ترقت إلى الحسن لغيره، وإن عدمت المتابعة ردت، لكن ليس لوجود ما يقتضي الرد، بل لعدم وجود ما يقتضي القبول.
لقد برزت لدى الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب" الشخصية النقدية الشمولية، فكان لا يفرط في قول ناقد أي ناقد كان، ولا يترك حالة وُصِف بها الراوي دون تشخيص، وأن حصلت من الراوي مرة واحدة وشخصها ناقد واحد، كالخطأ والوهم والتدليس والإغراب والتفرد والغلط وغيرها، مشيرًا إلى وجود لتلك الحالة في حديث الراوي، ومنبهًا إلى ضرورة تفتيش حديثه، وإقران الحافظ تلك الألفاظ بأحكامه تنفع الباحث أيما نفع، إذ تنبهه إلى تلك الأوهام أو الأخطاء الحاصلة في حديث الراوي من أجل أن يتقيها وينتفع بذلك عند المخالفة والمعارضة، إذ أَنه لو ترك الحكم على إطلاقه، لاغتر به كثير من أهل الصنعة فكيف بعوام الناس؟؟
إلا أنه راعى في تعبيره عن ذلك كثرة الوقوع وقلتها، فتارة يستعمل الفعل المضارع الذي يدل على الاستمرارية، وهو يعني كثرة وقوع ذلك من
(1)
الكفاية (ص 150).
(2)
نزهة النظر (ص 136)، و (ص 52 من طبعة العتر).
الراوي كان يقول: يهم، أو يغرب، أو يخطئ،
…
الخ، وتارة يستعمل لفظة ((كثير)) وهي أبلغ من استعمال الفعل المضارع في إثبات الكثرة، كأن يقول: كثير الخطأ، أو كثير الوهم، أو غيرها، ويستعمل لفظة ((ربما)) دلالة على قلة وقوع ذلك من الراوى.
وبهذا يتضح أن نهج الحافظ نهج سديد صائب، أملته عليه ضرورة العمل وهي الاختصار، فلم يكن المقام في كتابه هذا يتسع لبيان مواطن الوهم والخطأ وغيرها، فكان يكتفي بالإشارة إلى ذلك عملًا بالقاعدة القائلة:((ما لا يدرك كله لا يترك جلّه)).