المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المبحث الثالث الحديث الحسن: ‌ ‌تعريف الحسن وبيان معناه اللغوي والاصطلاحى ‌ ‌الحسن لغة: قال الليث: - الموسوعة الحديثية - ديوان الوقف السني - جـ ١

[عبد اللطيف الهميم]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأولكيفية تعامل الموسوعة مع الأحاديث (تصحيحًا أو تضعيفًا) وبيان أنها الحكم الفيصل بين الفقهاء

- ‌المبحث الثانيالهدف من الموسوعة وتأثيرها على الأمة

- ‌المبحث الثالثآلية العمل في الموسوعة:

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة جردِ مواردِ الموسوعةِ

- ‌المرحلة الثانية: فرزُ وتصنيفُ البطاقاتِ المجرودةِ

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة النسخ

- ‌المرحلة الرابعة:- فهارس الموسوعة

- ‌المبحث الرابعأهمية مشروع الموسوعة:

- ‌المبحث الخامسأبعاد الموسوعة:

- ‌المبحث السادسمنهج الموسوعة:

- ‌المبحث السابعموارد الموسوعة الأساسية:

- ‌المبحث الثامنمَوْضُوْع الموسوعة:

- ‌المبحث التاسعفهارس الموسوعة:

- ‌المبحث العاشرفوائد الموسوعة:

- ‌المبحث الحادي عشرفوائد جمع الطرق:

- ‌المبحث الثاني عشرالجديد في الموسوعة:

- ‌المبحث الثالث عشرالسبب في تسمية الموسوعة:

- ‌المبحث الرابع عشرتاريخ بدء بالعمل في الموسوعة:

- ‌المبحث الخامس عشرتنسيق الموسوعة:

- ‌المبحث السادس عشرتعليمات الموسوعة:

- ‌المبحث السابع عشرمسانيد الموسوعة:

- ‌الفصل الثانيمنهج الموسوعة في التعامل مع رجال الإسناد:

- ‌المبحث الأوللمحة تاريخية عن التدوين في علم الرجال:

- ‌المبحث الثانيمفهوم الطبقات:

- ‌المبحث الثالثدلالة العلامات والرقوم في كتب الرجال

- ‌المبحث الرابعالمقبول:

- ‌المبحث الخامسالمستور

- ‌الفصل الثالث [*]:التعريف بأمور مهمة في المصطلح:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأولتعريف الإسناد لغةً واصطلاحًا:

- ‌المطلب الأول: تعريف السند والإسناد لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف السند اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثالث: أهمية الإسناد

- ‌المبحث الثاني الرواية والدراية في علم الحديث:

- ‌شروط وضوابط رواية الحديث:

- ‌المبحث الثالثالحديث الحسن:

- ‌تعريف الحسن وبيان معناه اللغوي والاصطلاحى

- ‌الحسن لغة:

- ‌المبحث الرابع: التدليس:

- ‌المطلب الأول: تدليس الإسناد

- ‌المطلب الثاني: تدليس الشيوخ

- ‌المطلب الثالث: تدليس التسوية

- ‌المطلب الرابع: تدليس العطف:

- ‌المطلب الخامس: تدليس السكوت:

- ‌المطلب السادس: تدليس القطع:

- ‌المطلب السابع: تدليس صيغ الأداء:

- ‌المطلب الثامن حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ:

- ‌المطلب التاسع حكم الْحَدِيْث المدلس:

- ‌المبحث الخامس [*] التفرد:

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌نموذج آخر للتفرد:

- ‌المبحث السادس: [*] زيادات الثقات:

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: تعريفها

- ‌المطلب الثَّانِي: أقسام زيادة الثِّقَة

- ‌المطلب الثّالِث: حكم زيادة الثقة

- ‌المطلب الرابع نماذج من زيادة الثِّقَة

- ‌النموذج الأول:

- ‌المبحث السابع [*]: النكارة:

- ‌الفصل الرابع فوائد مهمة

الفصل: ‌ ‌المبحث الثالث الحديث الحسن: ‌ ‌تعريف الحسن وبيان معناه اللغوي والاصطلاحى ‌ ‌الحسن لغة: قال الليث:

‌المبحث الثالث

الحديث الحسن:

‌تعريف الحسن وبيان معناه اللغوي والاصطلاحى

‌الحسن لغة:

قال الليث: الحسن نعت لما حسن، تقول: حسن الشيء حسنًا، وقال الله عز وجل {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}

(1)

، وقريء:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}

(2)

.

قال الفيروز آبادي في "القاموس"، في مادة (حَسُنَ). الحسن بالضم: الجمال ج محاسن على غير قياس وحسن ككرم، ونصر، فهو حاسن، وحسن، وحسين، كأمير، وغراب، ورمان ج حُسَّان وحُسَّانون.

إطلاق المحدثين (الحسن) بالمعنى اللغوي:

وقد أطلق كثير من المحدثين لفظ (الحسن) واختلفت مقاصدهم في إطلاقه.

فتارة يطلقونه ويريدون به الغريب المستنكر ومن ذلك قول الخطيب البغدادى، وقد نقل بإسناده إلى إبراهيم النخعي أنه قال:"كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه، أو أحسن ما عنده"، قال أبو بكر: "عني إبراهيم بالأحسن: الغريب لأن الغريب؛ غير المألوف يستحسن أكثر

(1)

البقرة: 83.

(2)

قوله: "حسنًا" قرأه حمزة والكسائي بفتح السين والحاء، جعلاه صفة لمصدر محذوف وقرأه الباقون بضم الحاء وإسكان السين على أنها لغة في الحسن. الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/ 250.

ص: 131

من المشهور المعروف، وأصحاب الحديث يعبرون عن المناكير بهذه العبارة".

ولهذا قال شعبة بن الحجاج ثم ساق إسناده إلى أمية بن خالد، "قال: قيل لشعبة مالك لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان، وهو حسن الحديث؟. فقال: من حسنها فررت"

(1)

.

ويظهر جليًا من النص الأخير أن السائل أراد بالحسن الغريب الصحيح، وأن شعبة أراد به الغريب المستنكر.

ذلك أن عبد الملك بن أبي سليمان واق قال فيه الحافظ: "صدوق له أوهام"

(2)

.

فالسائل أطلق الحسن على الغريب الصحيح إطلاقًا لغويًا حسب اعتقاده في عبد الملك وشعبة أطلق الحسن بمعنى الغريب المستنكر حسب تخوفه من أوهام عبد الملك إذ أنه وهم بأحاديث

(3)

.

(1)

الجامع لأخلاق الراوي وأداب السامع (2/ 100 - 101).

والجرح والتعديل (1/ 146) وإسناده إلى شعبة جيد.

(2)

التقريب: (4184).

(3)

ومن ذلك أنه وهم بحديث الشفعة، وبحديث آخر هو ما رواه الطحاوي (شرح المعاني/23)، والدارقطنى (سننه 1/ 64) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء، عن أبي هريرة - في الإناء يلغ فيه الكلب أو الهر - قال:"يغسل ثلاث مرات".

أقول: إن رواية عبد الملك بن أبي سليمان هذه تفرد بها، وقد نص النقاد على أنه أخطأ بها، وقد خالفه الثقات بذلك؛ فقد روى الدارقطني 1/ 66 من طريق حماد بن يزيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - في =

ص: 132

ونقل الرامهرمزي بإسناده إلى عبد الله بن داود أن سفيان الثوري كان إذا كان الحديث حسنا لم يكد يحدث به

(1)

.

وبإسناده إلى ثابت البناني أنه قال: "لولا أن تصنعوا بي ما صنع بالحسن لحدثتكم بأحاديث مؤنقة"

(2)

(أي حسانا معجبة) كما في "تهذيب اللغة"

(3)

.

= الكلب يلغ في الإناء - قال: "يراق ويغسل سبع مرات". قال الدارقطني: "صحيح موقوف".

وهذه الرواية هي الصحيحة، وتؤيد المرفوع هو ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات". أخرجه عبد الرزاق (330)، والحميدي (968)، وأحمد 2/ 265، والبخاري 1/ 54 (172)، ومسلم 1/ 161 (279)، وأبو داود 1/ 19 (71) و (37)، وابن ماجه 1/ 30 (363)، والترمذي 1/ 151 (91)، والنسائى 1/ 77، وابن خزيمة (96).

وكل هذا يدل على خطأ عبد الملك لمخالفته الحديث المرفوع ولمخالفته ما صح من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة كما تقدم؛ وأن هذا من أصح الأسانيد (الباعث الحثيث: 24). وانظر في تخطئة عبد الملك فتح الباري 1/ 277، وشرح الدارقطني 1/ 66، وتحفة الأحوذى 1/ 302.

(1)

المحدث الفاصل (ص 563 - 564). والحسن هنا الغريب المستنكر.

(2)

المحدث الفاصل: 564.

(3)

(9/ 323).

ص: 133

وقال ابن عدي: "يزيد بن عطاء مع لينه هو حسن الحديث وعنده غرائب، ومع لينه يكتب حديثه"

(1)

.

وقال الحافظ العراقي رحمه الله: "قلت: قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن، وأرادوا حسن اللفظ لا المعنى الاصطلاحي، فروى ابن عبد البر في كتاب "بيان آداب العلم، حديث معاذ بن جبل مرفوعا" تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية".

قال ابن عبد البر: "وهو حديث حسنٌ جدًّا، ولكن ليس له إسناد قوي".

قال العراقي: "فأرادَ بالحسن: حسن اللفظ قطعا، فإنه من رواية موسى بن محمد البلقاوي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، والبلقاوي هذا كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلي إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه، وعبد الرحيم بن زيد العمي متروك الحديث أيضًا"

(2)

.

وتارة يطلقونه على الصحيح كما ثبت ذلك عن الإمام الشافعي والإمام أحمد والعجلي وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة والبخاري على أن أبا حاتم ويعقوب بن شيبة والبخاري اختلف إطلاقهم

(3)

.

فتارة يطلقونه على الصحيح، وتارة على رواية المجهول والضعيف، وستأتي الأدلة على ذلك إن شاء الله.

وقد عقد القاضي الحسن بن عبد الرحمان الرامهرمزى المتوفى سنة

(1)

الكامل: (7/ 2728).

(2)

التقييد والإيضاح، ص 60، وانظر: جامع بيان العلم: (1/ 65).

(3)

النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 424 - 426.

ص: 134

360 هـ في كتابه "المحدث الفاصل"

(1)

بابا خاصا لما يطلق عليه "الغريب والحسن"، وساق فيه آثارًا تدل على كراهية أهل الحديث لما يسمى بالغريب والحسن ويظهر أن معناهما واحد عندهم.

قال رحمه الله: "باب من كره أن يروي أحسن ما عنده" وساق فيه آثارًا المشار إليها.

وساق الخطيب البغدادي بابا لما أشرنا إليه في "الجامع"

(2)

بعنوان: استحباب رواية المشاهير والصدوف عن الغرائب والمناكير.

وقال ابن الصلاح رحمه الله في معرفة أنواع علم الحديث

(3)

:

"الثامن: في قول الترمذي وغيره: "هذا حديث حسن صحيح

(4)

إشكال، لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين ذلك القصور وإثباته؟ وجوابه: أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه: إنه حديث حسن صحيح، أى أنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قد ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس، ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي، الذي نحن بصدده فاعلم ذلك والله أعلم".

(1)

ص: (561 - 565).

(2)

(2/ 100 - 101).

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 110 بتحقيقنا.

(4)

للعلماء في هذه المسألة أجوبة واعتراضات ومناقشات. انظر: الاقتراح: 174، ونكت الزركشي 1/ 368، ومحاسن الاصطلاح: 114، والتقييد والإيضاح: 58، ونكت ابن حجر 1/ 475، والبحر الذي زخر 3/ 1209.

ص: 135

وهو بمعنى قول الخطيب: "لأن الغريب غير المألوف يستحسن أكثر من المشهور المعروف" وقال الحافظ ابن حجر معقبًا على قول شيخه العراقي، وقد وجد التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي، قال الحافظ:"أقول: قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي".

قال إبراهيم النخعي: "كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه".

وقيل لشعبة: "كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟ ".

قال: "من حسنها فررت".

ووجد "هذا من أحسن الأحاديث إسنادا". في كلام علي بن المديني، وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم، ويعقوب بن شيبة، وجماعة، لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده.

فأما ما وجد في ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل، فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاص ذلك"

(1)

.

ثم ضرب مثلين فيهما إطلاق الشافعي لفظ الحسن على الصحيح ومثالا لإطلاق أحمد الحسن على الصحيح.

ومثالا لإطلاق أبي حاتم الحسن مع احتماله المعنى اللغوى والإصلاحي.

وذكر أن علي بن المديني أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في "مسنده"، "وعلله" وأن ظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي وذكر مثالين عن البخاري وحملهما على المعنى الاصطلاحى.

(1)

النكت لابن حجر على ابن الصلاح: (1/ 424).

ص: 136

والشاهد من كلام الحافظ قوله: "فأما ما وجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاص ذلك".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والأحاديث التي تروى في هذا الباب - وهو السؤال بنفس المخلوقين - هي من الأحاديث الضعيفة الواهية، بل الموضوعة.

ولا يوجد في أئمة الإسلام من احتج بها ولا أعتمد عليها مثل الحديث الذي يروى، عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده: أن أبا بكر الصديق أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أتعلم القرآن، ويتفلت منى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل: اللهم إني أسألك بمحمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وبموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك

الحديث" ذكره رزين العبدري في "جامعه"، ونقله ابن الأثير في "جامع الأصول"

(1)

ولم يعزه لا هذا ولا هذا إلى كتاب من كتب المسلمين لكن قد رواه من صنف في "عمل اليوم والليلة" كابن السني، وأبي نعيم وفي مثل هذه الكتب أحاديث كثيرة موضوعة لا يجوز الإعتماد عليها في الشريعة باتفاق العلماء، ورواه أبو موسى المديني من حديث زيد بن الحباب، عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، وقد: هذا حديث حسن مع أنه ليس بالمتصل

قال أبو موسى: "وعبد الملك ليس بذاك".

قال شيخ الإسلام: "قلت: عبد الملك بن هارون بن عنترة من

(1)

جامع الأصول 4/ 302.

ص: 137

المعروفين بالكذب، قاله يحيى بن معين

(1)

، وقال السعدي: دجال كذاب. وقال أبو حاتم: يضع الحديث

(2)

"

(3)

.

إن إطلاق أبي موسى المديني الحسن هنا إطلاق لغوي القصد منه الاستنكار والاستغراب. ولا مجال للقول بأنه يقصد به المعنى الاصطلاحي لاسيما وقد جرح عبد الملك بن هارون.

أما تعريف الحسن اصطلاحا

(4)

: فلم يعرفه القدامى من أئمة الحديث أي من قبل الإمام الترمذي، لأنهم كانوا لشدة إحتفائهم وإعتنائهم بالحديث وقوة

(1)

تاريخ يحيى بن معين رواية الدوري (بتحقيق أحمد محمد نور)(3/ 349).

(2)

التوسل والوسيلة (ص: 88 - 89)، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت.

(3)

هكذا نقله شيخ الإسلام وعبارة "يضع الحديث" لم أقف عليها من كلام أبي حاتم الرازي وإنما قال: "متروك الحديث ذاهب الحديث" الجرح والتعديل 5/ 374، وربما أراد شيخ الإسلام قول ابن حبان في كتابه المجروحين (2/ 115): يضع الحديث.

(4)

انظر في الحسن: إرشاد طلاب الحقائق (1/ 137 - 152)، والتقريب:(42 - 49)، والاقتراح:(162)، والمنهل الروي:(35)، والخلاصة:(38)، والموقظة:(26)، واختصار علوم الحديث:(37)، والتذكرة:(14)، ومحاسن الاصطلاح:(103)، والتقييد والإيضاح:(43)، ونزهة النظر:(91)، والنكت على ابن الصلاح (1/ 385)، والمختصر:(73)، وفتح المغيث (1/ 61)، وألفية السيوطي:(15 - 19) ، وتوضيح الأفكار (1/ 154)، وظفر الأماني:(174)، وقواعد التحديث:(105).

والحديث الحسن: وسطٌ بين الصحيح والضعيف، قال ابن القطّان في "بيان الوهم والإيهام" (1118):"الحسن معناه الذي له حال بين حالي الصحيح والضعيف وبنحوه قال عقيب (1173). وقال عقيب (1432): "ونعني =

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بالحسن: ما له من الحديثا منْزلة بين منْزلتى الصحيح والضعيف، ويكون الحديث حسنًا هكذا؛ إما بان يكون أحد رواته مختلفًا فيه، وثقّه قوم وضعّفه آخرون، ولا يكون ما ضعّف به جرحًا مفسرًا، فإنّه إن كان مفسرًا قدّم على توثيق من وثّقه، فصار به الحديث ضعيفًا"؛ ولما كان كذلك عَسُر على أهل العلم تعريفه.

قال الحافظ ابن كثير: "وذلك لأنّه أمر نسبيٌّ، شيء ينقدح عند الحافظ، ربّما تقصر عبارته عنه"(اختصار علوم الحديث: 37).

وقال ابن دقيق العيد: "وفي تحرير معناه اضطرابٌ". (الاقتراح: 162). وذلك لأنّه من أدق علوم الحديث وأصعبها؛ لأنّ مداره على من اختُلف فيه، وَمَن وهم في بعض ما يروي. فلا يتمكن كل ناقدٍ من التوفيق بين أقوال المتقدّمين أو ترجيح قولٍ على قولٍ إلا من رزقه الله علمًا واسعًا بأحوال وقواعد هذا الفن ومعرفةٍ قوية بعلم الجرح والتعديل، وأمعن في النظر في كتب العلل، ومارس النقد والتخريج والتعليل عمرًا طويلًا، ومارس كتب الجهابذة النقاد حتى اختلط بلحمه ودمه، وعرف المتشددين والمتساهلين من المتكلمين في الرجال، ومن هم وسطٌ في ذلك؛ كي لا يقع فيما لا تحمد عقباه؛ ولذلك قد الحافظ الذهبى:"ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدةً تندرج كل الأحاديث الحسان فيها؛ فأنا على إياسٍ من ذلك، فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسنٌ أو ضعيفٌ أو صحيحٌ؟ ". (الموقظة: 28).

وللحافظ ابن حجر محاولة جيدة في وضعه تحت قاعدة كليةٍ فقد قال في النخبة: "وخبر الآحاد بنقل عدلٍ تامّ الضبط، متصل السند غير معللٍ ولا شاذ: هو الصحيح لذاته

فإن خفّ الضبط، فالحسن لذاته". (النخبة 29، 34). =

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهى محاولةٌ جيدةٌ. وقد مشى أهل المصطلح على هذا من بعده. وحدّوا الحسن لذاته: بأنه ما اتصل سنده بنقل عدلٍ خف ضبطه من غير شذوذٍ ولا علةٍ". وشرط الحسن لذاته نفس شرط الصحيح، إلا أنّ راوي الصحيح تامّ الضبط، وراوى الحسن لذاته خفيف الضبط. وسمّي حسنًا لذاته؛ لأنّ حسنه ناشئ عن توافر شروط خاصّة فيه، لا نتيجة شيء خارج عنه.

وقد تبين لنا: أنَّ راوي الحسن لذاته هو الراوي الوسط الذي روى جملة من الأحاديث، فأخطأ في بعض ما روى، وتوبع على أكثر ما رواه؛ فراوي الحسن: الأصل في روايته المتابعة والمخالفة وهو الذى يطلق عليهِ الصدوق، لأنّ الصدوق هو الذي يهم بعض الشئ فنزل من رتبة الثقة إلى رتبة الصدوق. فما أخطأ فيه وخولف فيه فهو من ضعيف حديثه، وما توبع عليه ووافقه من هو بمرتبته أو أعلى فهو من صحيح حديثه أما التى لم نجد لها متابعة ولا شاهدًا فهي التي تسمّى بـ (الحسان)؛ لأنّا لا ندري أأخطأ فيها أم حفظها لعدم وجود المتابع والمخالف؟

وقد احتفظنا بهذه الأحاديث التي لم نجد لها متابعًا ولا مخالفًا وسمّيناها حسانًا؛ لحسن ظننا بالرواة؛ ولأنّ الأصل في رواية الراوي عدم الخطأ، والخطأ طارئ؛ ولأنّ الصدوق هو الذى أكثر ما يرويه مما يتابع عليه، فجعلنا ما تفرد به من ضمن ما لم يخطأ فيه تجوزًا؛ لأن ذَلِكَ هوَ غالب حديثه، ولاحتياجنا إليه في الفقه، وبمعنى هذا قول الخطّابي:"وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء"، ولا بأس أن نحد ذَلِكَ بنسبة مئوية فكأنّ راوي الحسن من روى - مثلًا لا حصرًا - مائتي حديث، فأخطأ في عشرين حديثًا وتوبع في ثمانين. فالعشرون التي أخطأ فيها من ضعيف حديثه، والثمانون التى توبع عليها من صحيح حديثه، أما المائة الأخرى وهي التي لم نجد لها متابعًا ولا مخالفًا فهي =

ص: 140

معرفتهم لصحيحه من سقيمه، وشاذه من منكره، ومضطربه، وغير ذلك من أنواع علوم الحديث في غنية عن التعاريف التي اهتم بها المتأخرون مع

= من قبيل (الحسن)، ومن حاله كهذا: عاصم بن أبي النجود، فقد روى جملة كثيرة من الأحاديث فأخطأ في بعض وتوبع على الأكثر فما وجدنا لهُ به متابعًا فهو صحيح، وما وجدنا لهُ به مخالفًا أوثق منه عددًا أو حفظًا فهوَ من ضعيف حديثه، وما لم نجد لهُ متابعًا ولا مخالفًا فهوَ (حسن)، خلا روايته عن أبي وائل، وزر بن حبيش، وانظر: كتابنا كشف الإيهام الترجمة (328)، وممن حاله كحال عاصم:"عبيدة بن حميد الكوفي، وسليمان بن عتبة، وأيوب بن هانئ وداود بن بكر بن أبي الفرات، ومحمد بن عمرو بن علقمة، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، ويونس بن أبي إسحاق، وسماك بن حرب"، وهذا الرأى وإن كان بنحو ما انتهى أبيه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلا أننا لم نجد من فصّله هكذا، وهو جدير بالقبول والتداول بين أهل العلم، وقد يتساءل إنسانٌ بأن من قيل فيهم: صدوق أو حسن الحديث قد اختلف المتقدمون في الحكم عليهم تجريحًا وتعديلًا، وجواب ذلك: أنّ الأئمة النقاد قد اطّلعوا على ما أخطأ فيه الراوي وما توبع عليه فكان المُجَرِّح رأى أن ما خولف فيه الراوي هو الغالب من حديثه، والمُعَدِّل كذلك رأى أن ما توبع عليه هو غالب حديثه فحكم كلٌّ بما رأه غالبًا، غير أنا نعلم أنَّ فيهم متشددين يغمز الراوي بالجرح وإن كان خطؤه قليلًا، ومنهم متساهلين لا يبلي بكثرة الخطأ، وعند ذلك يؤخذ بقول المتوسطين المعتدلين.

ولذا نجد الحافظ ابن عدي في الكامل، والإمام الذهبي في الميزان يسوقان أحيانًا ما أنكر على الراوي الوسط ثم يحكمان بحسن رواياته الأخرى، والله أعلم.

ص: 141

الفوارق الكبيرة بين المتقدمين والمتأخرين، كما أنهم لم يعرفوا بقية المصطلحات.

وقد جرى على منوال المتقدمين من بلغتنا مؤلفاتهم في علوم الحديث مثل القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (260 - 360 هـ)، في كتابه "المحدث الفاصل".

والحاكم أبي عبد الله النيسابوري (321 - 405 هـ).

والحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (392 - 463 هـ) في كتابه: "الكفاية".

فلم يعرفوا الحديث الحسن.

والمشهور أن أول من عرف الحديث الحسن.

هو الإمام الترمذي رحمه الله وتعريفه ينطبق على الحسن لغيره.

قال رحمه الله: "وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه"

(1)

.

ولم ينسب هذا التعربف إلى أهل الحديث، ولم يتجاوز به كتابه "الجامع" إلى مؤلفات غيره من أئمة الحديث.

وعرفه الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (319 - 388 هـ) فقال: "ثم اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام:

حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم.

فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته.

(1)

جامع الترمذي (5/ 758)، كتاب العلل الصغير.

ص: 142

والحسن ما عرفه مخرجه

(1)

واشتهر

(2)

رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء"

(3)

.

وثارت حول هذا التعريف للحسن اعتراضات كثيرة من علماء الحديث وفنونه.

وعرفه الحافظ أبو الفرج عبد الرحمان بن على بن الجوزي (510 - 597 هـ)، بأنه:"الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل ويصلح للعمل"

(4)

.

قال ابن الصلاح بعد أن ساق هذه التعاريف: "قلت: كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي، والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح، وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسما

(5)

:

أ - أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق،

(1)

مخرجه: بفتح الميم والراء، بمعنى محل خروجه، وهو رجله الراوون له؛ لأنه خرج منهم (قواعد التحديث: 219) قال البقاعى "أي رجاله الذين يدور عليهم، فكل واحد من رجال السند مخرج خرج منه الحديث" النكت الوفية 59 / ب.

(2)

انظر في ضبط هذه الجزئية المقنع 1/ 83، والتقييد:43.

(3)

معالم السنن مع مختصر المنذري وتهذيب ابن القيم لأبي داود: (1/ 11)، وهذا التعريف نقله الإمام المزي في تهذيب الكمال 1/ 71.

(4)

الموضوعات (1/ 35).

(5)

اعترض على ابن الصلاح في تقسيمه هذا باعتراضات، أوردها الزركشي مع أجوبة عنها فانظر نكته 1/ 313 - 317.

ص: 143

ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روى مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.

ب - القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا، وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي، فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك"

(1)

.

ولم تشف هذه التعريفات كلها القاضي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة (639 - 733).

قال بعد أن ذكرها مع تعريف ابن الصلاح: "قلت: وفي كل هذه التعريفات نظر:

أما الأول: والثاني: فلأن الصحيح أو أكثره كذلك أيضًا، فيدخل الصحيح في حد الحسن، ويرد على الأول الفرد من الحسن فإنه لم يرو من وجه آخر، ويرد على الثاني: ضعيف عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف.

وأما الثالث: فيتوقف على معرفة الضعف القريب المحتمل وهو أمر مجهول، وأيضا فيه دور؛ لأنه عرفه بصلاحيته للعمل به، وذلك يتوقف على معرفة كونه حسنا.

(1)

معرفة أنواع علم الحديث: 101 وانظر تعليقنا عليه.

ص: 144

وأما الأول من القسمين، فيرد عليه الضعيف والمنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور وروى ملكه أو نحوه من وجه آخر.

ويرد على الثاني وهو أقربها المتصل الذي اشتهر راويه بما ذكر فإنه كذلك وليس بحسن في الاصطلاح".

ثم عرف الحسن بقوله: "قلت: ولو قيل: الحسن كل حديث خالٍ عن العلل وفي سنده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان لكان أجمع لما حددوه وقريبا مما حاولوه ..

(1)

.

وأخصر منه: ما اتصل سنده وانتفت علله في سنده مستور، وله شاهد، أو مشهور غير متقن"

(2)

.

وقال الطيبي

(3)

بعد أن ذكر التعريفات السابقة واعتراضات ابن جماعة عليها وتعريفه للحسن، أقول:"أعلم أن هذا المقام صعب مرتقاه وعقبة كؤودة من استعلى ذروتها، ثم انحدر منها وقف على أكثر اصطلاحات هذا الفن وعثر على جل أنواعه بإذن الله تعالى ولا يمكن الوقوف على الحق إلا بتحرير كلام يفصل بين الصحيح والسقيم والمعوج والمستقيم، فنحن نشرح الحدود على طريق يندفع عنها النظر"، ثم شرح الحدود وناقشها بنفس طويل.

ثم جاء بتعريف جديد فقال: "فلو قيل: هو مسند من قرب من درجة الثقة أو مرسل ثقة وروى كلاهما من غير وجه وسلم عن شذوذ وعلة لكان أجمع وأبعد من التعقيد".

(1)

قال محقق المنهل: حيث النقط ألفاظ انمحت في أصل الكتاب وزالت تماما.

(2)

المنهل الروي ص: (53 - 54).

(3)

الخلاصة: 38 - 43.

ص: 145

وهيهات هيهات من أن يسلم فما مسافة هذا القرب؟ والذي يحتاج إلى أن يأتي من وجه آخر هو الحسن لغيره، فكيف يكون أجمع وقد خرج منه الحسن لذاته أهم نوعي الحسنلا.

وألقى أبو الفتح تقي الدين محمد بن علي بن وهب القشيري المعروف بابن دقيق العبد (625 - 702 هـ)، نظرة فاحصة على هذه التعريفات الثلاثة

(1)

في كتابه "الاقتراح"

(2)

فقال: "اللفظ الثاني الحسن"، وفي تحقيق معناه اضطراب فذكر تعريف الخطابي، ثم قال: وهذه عبارة ليس فيها كبير تلخيص، ولا هي - أيضًا - على صناعة الحدود والتعريفات.

فإن الصحيح - أيضًا - قد عرف مخرجه وأشتهر رجاله فيدخل الصحيح في حد الحسن ثم مضى في عرض وجهات نظره وأخذه ورده فناقش تعريف الترمذي وعرج على تعريف ابن الجوزي فنافشه وذكر تعريف ابن الصلاح، ثم قال: وهذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض الأفاظ، ثم أبدى وجهة نظره بما لا يتسع له المقام ولا يشفي الغليل في الوقت نفسه.

وقال أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري (734 هـ)، متعقبا تعريفات الترمذي والخطابي وابن الجوزي.

وأما كلام الترمذي فقد اعترض عليه الإمام أبو عبد الله بن المواق بأنه لم يميز الصحيح من الحسن، فإنه ما من حديث صحيح إلا وشرطه: ألا يكون شاذا وألا يكون في رجاله متهم بالكذب وقد اعترض غيره بغير هذا الاعتراض.

(1)

أي تعريف الترمذي والخطابي وابن الجوزي.

(2)

(7 - 11).

ص: 146

وكذلك قول الخطابي: ما عرف مخرجه إلى آخره يدخل تحته أيضًا: قسما الصحيح والحسن.

وأما الذى قال فيه ضعف يسير محتمل، فلم يبين مقدار الضعف ما هو؟ ولا أتى بما تبلغ درجته أن يعرض عليه فيه، وبالجملة فأجود هذه التعاريف للحسن ما قاله الترمذي وعليه من الاعتراض ما رأيت، وهو أبو عذرة هذا المنزع ولم يسبقه أحد إلى هذا المراد بالحسن، ولم يعد من بعده مراده

(1)

، واستمر في الشرح والبيان لما أشار إليه رحمه الله.

وقال الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (673 - 748 هـ): "الحسن: وفي تحرير معناه اضطراب"، وساق تعريفات الخطابي والترمذي وأبو الصلاح وأورد عليها اعتراضات ومؤاخذات، ثم قال: "وقد قلت لك إن الحسن ما قصر سنده قليلا عن رتبة الصحيح وسيظهر لك بأمثلة، ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها فأنا على إياس من ذلك، فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح؟.

بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد فيومًا يصفه بالصحة ويومًا يصفه بالحسن ولربما استضعفه.

وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما، ولو انفك لصح باتفاق"

(2)

.

(1)

النفح الشذي: (1/ 268 - 278).

(2)

الموقظة ص (26 - 29).

ص: 147

وأورد الحافظ ابن حجر مناقشة للعلائي والتبريزي لابن دقيق العيد ودافع عنه خلال كلامه ثم قال: "وقد رأيت لبعض المتأخرين في الحسن كلاما يقتضي أنه: الحديث الذى في رواته مقال لكن لم يظهر فيه مقتضى الرد فيحكم على حديثه بالضعف، ولا يسلم من غوائل الطعن فيحكم لحديثه بالصحة".

وقال ابن دحية: "الحديث الحسن هو ما دون الصحيح مما فيه ضعف قريب محتمل، عن راو لا ينتهي إلى درجة العدالة ولا ينحط إلى درجة الفسق، ثم ناقشه الحافظ ثم أورد تعريف ابن جماعة السابق وناقشه من وجوه"

(1)

.

وقال السخاوي: "ولذلك مع اختص غيرها من تعاريفه قيل: أنه لا يطمع في تمييزه، ولكن الحق أن من خاض بحار هذا الفن سهل ذلك عليه كما قاله شيخنا، ولذا عرف الحسن لذاته، فقال: هو الحديث المتصل الإسناد برواة معروفين بالصدق في ضبطهم قصور عن ضبط رواة الصحيح ولا يكون معلولا ولا شاذا".

ومحصله أنه هو والصحيح سواء إلا في تفاوت الضبط، ثم شرح هذا التعريف، ثم قد:"وأما مطلق الحسن فهو الذي اتصل سنده بالصدق الضابط المتقن غير تامهما أو بالضعيف بما عدا الكذب إذا اعتضد مع خلوهما عن الشذوذ والعلة"

(2)

.

والمتأمل يرى أن هذين التعريفين قد سارا في مضمار تلك التعاريف المضطربة.

(1)

النكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/ 404 - 408).

(2)

فتح المغيث ص: (66 - 67) تحقيق الأعظمى.

ص: 148

فتعريف الحافظ غير جامع إذ اقتصر فيه على تعريف الحسن لذاته.

وتعريف السخاوي غير مانع إذ يدخل فيه أنواع من الضعيف الشديد الضعف الذي لا ينجبر.

وهو ما قيل فيه ساقط وهالك وذاهب ومتروك وفيه نظر وسكتوا عنه ولا يعتبر به وليس بالثقة ورد حديثه، أو حديثه مردود وضعيف جدا، وواه بمرة، وقد طرحوا حديثه وارم به، مطرح، ليس بشيء لا يساوي شيئا، وهو من أعلم الناس بهذا وقد تكلم على هذه الألفاظ وشرحها وبين أنها من النوع الذى لا يعتبر به.

وخلاصة المطاف: أن قضية الحديث الحسن من القضايا المهمة والصعبة التي بقيت طائفة بين المتقدمين والمتأخرين أي: بين مصطلح ما قبل التدوين ومصطلح ما بعد التدوين؛ وأن هذا المصطلح كان موجودًا عند المتقدمين أصحاب القرون الثلاثة الأولى؛ إلا أنه كان يستخدم قليلًا؛ وهذا يدلنا على أنه كان معروفًا موجودًا عند المحدثين.

والحسن بنوعيه (الحسن لذاته والحسن لغيره)، مقبول عند المحدثين ومستخدم عندهم وهو فوق الضعيف ودون الصحيح.

ص: 149