الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: الإسلام
تمهيد
يشترط لوجوب الصوم: الإسلام، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (1).
والإسلام ضده الكفر؛ فالكافر لا يُلزَم بالصوم ولا يصح منه.
الأدلة:
1 -
قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54]
وجه الدلالة: أنه إذا كانت النفقات لا تقبل منهم لكفرهم مع أن نفعها متعدٍّ، فالعبادات الخاصة أولى ألَّا تقبل منهم، والصوم من العبادات الخاصة، فلا يُقبَل من كافر.
2 -
قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23]
أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر (2).
الفرع الأول: إسلام الكافر الأصلي (غير المرتد)
المسألة الأولى: إذا أسلم الكافر الأصلي، فهل عليه قضاء ما فاته من الصيام الواجب زمن كفره؟
إذا أسلم الكافر الأصلي (أي غير المرتد)، فلا يلزمه قضاء ما فاته من الصيام الواجب زمن كفره، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن تيمية (3).
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (4)[الأنفال: 38]
ثانيا: من السنة:
1 -
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال عمرو: فقبضت يدي. قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط.
قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي. قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟)). أخرجه مسلم (5).
2 -
وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يأمر من أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات.
المسألة الثانية: إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان، فهل يلزمه قضاء الأيام الماضية من رمضان؟
(1) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان وقد بلغه وجوب صيامه وهو مسلم)((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع))، وانظر ((المحلى)) (6/ 160).
(2)
((تفسير القرطبي)) (13/ 21 - 22)، وانظر ((تفسير الطبري)) (19/ 256 - 257). قال ابن كثير:(فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فُرِضَ أنهم مخلصون فيه لله - فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم، قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا *الفرقان: 23*، وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا *النور: 39*)((تفسير ابن كثير)) (1/ 385).
(3)
قال ابن تيمية: (لا يقضي الكافر إذا أسلم، ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء)((مجموع الفتاوى)) (22/ 46).
(4)
قال النووي: (فإن أسلم لم يجب عليه القضاء؛ لقوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف؛ ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيراً عن الإسلام)((المجموع)) (6/ 252).
(5)
رواه مسلم (121).
إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان فلا يلزمه قضاء الأيام الماضية من رمضان (1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (2): الحنفية (3)، والمالكية (4) والأصح عند الشافعية (5)، ومذهب الحنابلة (6)، (7).
الدليل:
قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38]
المسألة الثالثة: إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان، فعليه أن يصوم ما بقي من الشهر
إذا أسلم الكافر في أثناء شهر رمضان، فعليه أن يصوم ما بقي من الشهر، بغير خلاف (8).
وذلك لأنه صار من أهل الوجوب، فيلزمه الصوم (9)
المسألة الرابعة: إذا أسلم الكافر أثناء يوم من رمضان، فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم
(1) وذلك لأنه لا يوجه إليه الأمر بالصيام حينها، فلم يكن من أهل وجوب الصيام، وعليه فلا يلزمه قضاؤه.
(2)
قال القرطبي: (وقد اختلف العلماء في الكافر يسلم في آخر يوم من رمضان، هل يجب عليه قضاء رمضان كله أو لا؟ وهل يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه؟ فقال الإمام مالك والجمهور: ليس عليه قضاء ما مضى، لأنه إنما شهد الشهر من حين إسلامه)((الجامع لأحكام القرآن للقرطبي)) (2/ 300). وقال المرداوي: (لو أسلم الكافر الأصلي في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء ما سبق منه بلا خلاف عند الأئمة الأربعة)((الإنصاف)) (3/ 282).
(3)
((المبسوط للسرخسي)) (3/ 74)، ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 127 - 128).
(4)
([86] ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 495)((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 413).
(5)
((المجموع للنووي)) (6/ 252).
(6)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 46)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 429). قال ابن قدامة:(وبهذا قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي)((المغني)) (3/ 46).
(7)
نقل ابن المنذر هذا القول عن: الشعبي وقتادة ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (3/ 137).
(8)
قال الشوكاني: ((
…
الحديث الأول يدل على وجوب الصيام على من أسلم في رمضان، ولا أعلم فيه خلافا) ((نيل الأوطار)) (4/ 200).
(9)
قال الماوردي: (أما الكافر إذا أسلم في أيام من شهر رمضان، فعليه صيام ما بقي؛ لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) *البقرة: 185* ((الحاوي الكبير)) (3/ 462).
إذا أسلم الكافر أثناء يوم من رمضان، فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم (1)، ولا يجب عليه قضاؤه (2)، (3)، وهو مذهب الحنفية (4)، واختاره ابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185]
وجه الدلالة: أن الكافر بإسلامه صار من أهل الشهادة للشهر، فوجب عليه الإمساك.
ثانياً: من السنة:
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أنْ أذِّن في الناس أنَّ من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء)). أخرجه البخاري ومسلم (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضي الله عنهم بالإمساك نهاراً، ولم يأمرهم بالقضاء، وذلك لما أوجب الله عز وجل صوم يوم عاشوراء في أول الأمر.
الفرع الثاني: إسلام الكافر المرتد
المسألة الأولى: إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته
إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته (7)، وهو قول الجمهور من الحنفية (8)، والمالكية (9)، والحنابلة (10).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38]
فإن الآية تتناول كل كافر سواء كان أصليًّا أم مرتدًّا (11).
ثانياً: من السنة:
(1) وذلك لأنه صار من أهل الوجوب حين إسلامه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.
(2)
قال ابن قدامة: (وقال مالك وأبو ثور وابن المنذر لا قضاء عليه لأنه لم يدرك من زمن العبادة ما يمكنه التلبس بها فيه فأشبه ما لو أسلم بعد خروج اليوم، وقد روي ذلك عن أحمد)((المغني)) (3/ 46).
(3)
وذلك لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب؛ ولأن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب، فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب عليه القضاء.
(4)
((المبسوط للسرخسي)) (3/ 74)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 339).
(5)
قال ابن عثيمين: (يلزمه أن يمسك بقية اليوم الذي أسلم فيه؛ لأنه صار الآن من أهل الوجوب فلزمه، وهذا بخلاف ارتفاع المانع فإنه إذا ارتفع المانع، لم يلزم إمساك بقية اليوم، مثل أن تطهر المرأة من حيضها في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك بقية النهار، وكذلك لو برأ المريض المفطر من مرضه في أثناء النهار، فإنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا اليوم قد أبيح له فطره، مع كونه من أهل الالتزام أي مسلماً بخلاف الذي طرأ إسلامه في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك ولا يلزمه القضاء)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 97).
(6)
رواه البخاري (2007)، ومسلم (1135).
(7)
وذلك لأن في إلزامه بقضاء ما ترك تنفيراً له من العودة إلى الإسلام. كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات لعدم خطاب الكفار بالشرائع فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه.
(8)
قال ابن نجيم: (ومنها أنه لا يجب عليه شيء من العبادات عندنا لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه)((البحر الرائق لابن نجيم)) (5/ 137)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 121).
(9)
((الكافي لابن عبد البر)) (2/ 1090).
(10)
قال المرداوي: (وإن كان مرتداً فالصحيح من المذهب أنه يقضي ما تركه قبل ردته ولا يقضي ما فاته زمن ردته)((الإنصاف للمرداوي)) (1/ 391).
(11)
قال ابن تيمية: (قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف يتناول كل كافر)((الفتاوى الكبرى)) (2/ 23).
1 -
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال عمرو: فقبضت يدي. قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط.
قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟)). أخرجه مسلم (1).
ثالثاً: فعل الصحابة رضي الله عنهم:
فالصحابة رضي الله عنهم لم يأمروا من أسلم من المرتدين في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بقضاء ما تركوا من الصوم، وهم أعلم الناس بشريعة الله بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام.
المسألة الثانية: إذا أسلم المرتد، وعليه صوم قبل ردته، فهل يلزمه قضاؤه
إذا أسلم المرتد، وعليه صوم قبل ردته، فقد اختلف أهل العلم هل يلزمه قضاؤه أم لا؟ على قولين:
القول الأول: يجب عليه القضاء (2)، وهو قول الجمهور من الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الدليل:
قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
…
[البقرة: 217]
وجه الدلالة:
أنه جعل الموت على الكفر شرطاً في حبوط العمل (6)
القول الثاني: لا يجب عليه القضاء، وهو قول المالكية (7).
الدليل:
حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((الإسلام يهدم ما كان قبله)). أخرجه مسلم (8).
وجه الدلالة:
أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وهو بتوبته قد أسقط ما قبل الردة، فلا يطالبُ بقضائه.
المسألة الثالثة: حكم من ارتد أثناء صومه
من ارتد في أثناء الصوم، بطل صومه، وعليه القضاء إذا أسلم (9).
الدليل:
الإجماع:
حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (10)، والنووي (11).
(1) رواه مسلم (121).
(2)
وذلك أن ترك العبادة معصية، والمعصية تبقى بعد الردة.
(3)
((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (4/ 251).
(4)
((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 443)، ((المجموع للنووي)) (3/ 5).
(5)
((الإنصاف للمرداوي)) (1/ 278)، ((الفروع لابن مفلح)) (1/ 401).
(6)
((أضواء البيان للشنقيطي)) (3/ 462).
(7)
((المدونة الكبرى)) (2/ 227)، ((حاشية العدوي)) (2/ 412).
(8)
رواه مسلم (121).
(9)
وذلك لأن المرتد كان من أهل الوجوب حين تعيَّن الإمساك، لذلك كان عليه القضاء إذا أسلم. كما أن الصوم عبادة من شرطها النية، فأبطلتها الردة.
(10)
قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم، أنه يفسد صومه، وعليه قضاء ذلك اليوم، إذا عاد إلى الإسلام، سواء أسلم في أثناء اليوم، أو بعد انقضائه)((المغني)) (3/ 24).
(11)
قال النووي: (لو حاضت في بعض النهار أو ارتد بطل صومهما بلا خلاف)((المجموع)) (6/ 347).