الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطلب: الجماع
الفرع الأول: حكم صوم من جامع متعمداً في نهار رمضان
من جامع متعمداً في نهار رمضان فسد صومه.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أن الشارع علق حل الرفث إلى النساء وهو الجماع إلى تبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر وهو وقت بداية الصيام، ثم يجب إتمام الصيام والإمساك عن ذلك إلى الليل فإذا وجد الجماع قبل الليل فإن الصيام حينئذ لم يتم فيكون باطلا.
ثانيا: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل فقال: هلكت يا رسول الله قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق: المكتل - قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك)). أخرجه البخاري ومسلم (1)
ثالثا: الإجماع:
انعقد الإجماع على حرمة الجماع في نهار رمضان وعلى كونه مفطرا، وممن نقل ذلك ابن المنذر (2)، وابن قدامة (3)، وابن تيمية (4).
الفرع الثاني: ما يترتب على الجماع في نهار رمضان
يترتب على الجماع في نهار رمضان الأمور التالية:
أولا: الكفارة
تجب الكفارة على المجامع في قول عامة أهل العلم (5)، فيعتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً.
الدليل:
(1) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له.
(2)
قال ابن المنذر: (لم يختلف أهل العلم أن الله عز وجل حرم على الصائم في نهار الصوم الرفث، وهو الجماع)((الإشراف)) (3/ 120).
(3)
قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً، في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل، أو دون الفرج فأنزل، أنه يفسد صومه إذا كان عامدا)((المغني)) (3/ 25).
(4)
قال ابن تيمية: (ومعلومٌ أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض)((مجموع الفتاوى)) (25/ 244).
(5)
قال ابن تيمية: (أوجب على المجامع كفارة الظهار فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع). ((مجموع الفتاوى)) (25/ 249). وقال الكاساني: (ولا خلاف في وجوب الكفارة على الرجل بِالجماعِ)((بدائع الصنائع)) (2/ 98). وقال النووي: (من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به بسبب الصوم لزمته الكفارة وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود والعلماء كافة إلا ما حكاه العبدرى وغيره من أصحابنا عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة أنهم قالوا لا كفارة عليه كما لا كفارة عليه بإفساد الصلاة)((المجموع)) (6/ 344). ونحوه في ((المغني لابن قدامة)) (3/ 25).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمواقع أهله في رمضان: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا)). أخرجه البخاري ومسلم (1)
والكفارة المذكورة على الترتيب في قول جمهور أهل العلم من الحنفية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ثانيا: القضاء
ويلزم المجامع في نهار رمضان أيضا مع الكفارة قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بالجماع (6)، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم (7) من الحنفية (8)، والمالكية (9) والشافعية (10)، والحنابلة (11).
الفرع الثالث: ما يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعة
يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعةً، القضاء، والكفارة، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (12)، والمالكية (13)، والشافعية (14) - إلا أن الشافعية أوجبوا القضاء دون الكفارة -، والحنابلة (15).
- أما القضاء فلأنه فاتها الصيام بلا عذر فوجب عليها القضاء.
- وأما الكفارة فقياساً على الرجل؛ لأن الأحكام الشرعية تستوي فيها المرأة مع الرجل، ما لم يدل دليل عل خلافه، والمرأة هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل.
- ولأن الكفارات لا يُتشارك فيها، فكل منهما حصل منه ما ينافي الصيام من الجماع، فكان على كل منهما كفارة.
الفرع الرابع: حكم من جامع ناسياً
(1) رواه البخاري (6711)، ومسلم (1111).
(2)
((الهداية للمرغيناني)) (1/ 125)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 328).
(3)
((المجموع للنووي)) (6/ 345)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 442).
(4)
((الفروع لابن مفلح)) (5/ 54)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 228).
(5)
((المحلى لابن حزم)) (6/ 197).
(6)
وذلك لأنه أفسد صومه الواجب فلزمه القضاء كالصلاة، ولأنه إذا وجب على المفطر بعذر- كالمرض أو السفر وغيرهما- القضاء، فلأن يجب على المجامع من باب أولى؛ لأنه غير معذور.
(7)
((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد)) (1/ 275).
(8)
قال السرخسي: (وإن جامعها متعمدا فعليه أن يتم صوم ذلكَ اليوم بالإمساك تشبها بِالصائمِين، وعليه قضاء ذلكَ اليوم والكفارة أما وجوب القضاء فقول جمهور العلماء)((المبسوط)) (3/ 66). وقال الكمال ابن الهمام: (فعليه القضاء استدراكا للمصلحة الفائتة والكفارة)((فتح القدير)) (2/ 336).
(9)
((المدونة الكبرى)) (1/ 284، 285)، ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 342).
(10)
قال النووي: (يجب على المكفر مع الكفارة قضاء اليوم الذي جامع فيه هذا هو المشهور من مذهبنا)((المجموع)) (6/ 344).
(11)
((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 221)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 325).
(12)
((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 98)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 327).
(13)
((المدونة)) (1/ 268، 285) و ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 433).
(14)
((المجموع للنووي)) (6/ 331).
(15)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 27)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 57)، ((كشاف القناع للبهوتي)(2/ 325).
من جامع ناسياً، فصومه صحيح ولا يلزمه شيء، ذهب إلى ذلك الحنفية (1)، والشافعية (2)، وهو قول طائفة من السلف (3)، واختاره ابن تيمية (4)، وابن القيم (5)، والصنعاني (6)، والشوكاني (7).
الأدلة:
أولا: من السنة:
1 -
ما ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: ((من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة)). (8)
وجه الدلالة:
أن الفطر هنا أعم من أن يكون بأكل أو شرب فيشمل الجماع.
2 -
الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع في بعضها ((هلكت))، وفي بعضها ((احترقت احترقت))، وهذا لا يكون إلا في عامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع.
ثانيا: القياس
القياس على الأكل والشرب ناسياً، فالحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر لكونهما أغلب وقوعا، ولعدم الاستغناء عنهما غالبا.
الفرع الخامس: حكم من تكرر منه الجماع في يوم واحد
من تكرر منه الجماع في يوم واحد يكفيه كفارة واحدة إذا لم يكفر، بلا خلافٍ بين أهل العلم (9)؛ وذلك لأنه أبطل صيام يوم واحد ولم يكفر فتتداخل الكفارات لأن الموجب لها واحد.
- أما إذا تكرر منه الجماع في يوم واحد وكفر عن الأول فلا تلزمه كفارة ثانية، عند الجمهور: أبي حنيفة (10)، ومالك (11)، والشافعي (12)؛ وذلك لأنه لم يصادف صوما منعقدا، فلم يوجب شيئا، بخلاف المرة الأولى، فالجماع الثاني ورد على صوم غير صحيح، فهو لا يسمى صائما.
الفرع السادس: حكم من تكرر منه الجماع في يومين فأكثر
(1)((المبسوط للسرخسي)) (3/ 61)، (فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 338).
(2)
((الأم للشافعي)) (2/ 109)، ((المجموع للنووي)) (6/ 324)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 374).
(3)
نقل ابن المنذر هذا القول عن مجاهد والحسن البصري والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (3/ 109).
(4)
قال ابن تيمية (والمجامع الناسي فيه ثلاثة أقوال فى مذهب أحمد وغيره، ويذكر ثلاث روايات عنه: أحدهما: لا قضاء عليه ولا كفارة وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين والثانية: عليه القضاء بلا كفارة وهو قول مالك، والثالثة: عليه الأمران وهو المشهور عن أحمد، والأول أظهر)((مجموع الفتاوى)) (25/ 226).
(5)
قال ابن القيم: (وطرده أيضا أن من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيا لم يبطل صيامه ولا إحرامه)((إعلام الموقعين)) (2/ 54).
(6)
قال الصنعاني: ( .... الحديث دليلٌ على أن من أكل أو شرب أو جامع ناسيا لصومه فإنه لا يفطره ذلك لدلالة قوله فليتم صومه على أنه صائم حقيقة). ((سبل السلام)) (2/ 160).
(7)
قال الشوكاني: (واعلم أن من فعل شيئاً من المفطرات كالجماع ناسياً فله حكم من أكل أو شرب ناسياً ولا فرق بين مفطر ومفطر)((السيل الجرار)) (1/ 285).
(8)
رواه الحاكم (1/ 595)، والبيهقي (4/ 229) (8330). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 324): إسناده صحيح أو حسن، وقال ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (13/ 220): له متابعة، وحسن إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 87).
(9)
قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا على أن من وطئ في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة)((التمهيد)) (7/ 181). قال ابن قدامة: (فإن كان في يوم واحد [يعني الجماع ثانيا قبل التكفير عن الأول] فكفارة واحدة تجزئه بغير خلاف بين أهل العلم)((المغني)) (3/ 32).
(10)
((المبسوط للسرخسي)) (3/ 69)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 101).
(11)
((المدونة)) (1/ 285)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 519).
(12)
((الأم للشافعي)) (2/ 108)، ((المجموع للنووي)) (6/ 336، 337).
إن تكرر منه الجماع في يومين فأكثر فتلزمه كفارة لكل يوم جامع فيه سواء كفر عن الجماع الأول أم لا، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو قولٌ لجمعٍ من السلف (4)؛ وذلك لأن صوم كل يوم عبادة منفردة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده، لم تتداخل كفاراتها.
الفرع السابع: حكم صوم من وطئ في الدبر
من وطئ في الدبر أفطر وعليه القضاء والكفارة وإليه ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (5)، واالمالكية (6) والشافعية (7) والحنابلة (8)، لأنه وطء؛ فأفسد صوم رمضان وأوجب الكفارة؛ ولأنه يوجب الحد كالجماع ، فكذلك يفسد الصوم ويوجب الكفارة؛ ولأنه محل مشتهى، فتجب فيه الكفارة كالوطء في القبل.
الفرع الثامن: حكم من جامع في قضاء رمضان عامداً
من جامع في قضاء رمضان عامداً فلا كفارة عليه، وقد ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم (9)؛ وذلك لانعدام حرمة الشهر؛ ولأن النص بوجوب الكفارة ورد فيمن جامع في نهار رمضان فلا يتعداه.
(1)((المدونة)) (1/ 285)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (7/ 181).
(2)
((الأم للشافعي)) (2/ 108)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 444).
(3)
((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 326).
(4)
نقل ابن المنذر هذا القول عن: مالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأبي ثور، وعطاء، ومكحول ((الإشراف)) (2/ 124).
(5)
((المبسوط للسرخسي)) (3/ 73)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 338).
(6)
((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 342)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 343).
(7)
((الأم للشافعي)) (2/ 101)، ((المجموع للنووي)) (6/ 341).
(8)
((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 221)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 323).
(9)
((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 124). قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا على أن المجامع في قضاء رمضان عامدا لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده)((التمهيد)) (7/ 181). قال النووي: (لو جامع في صوم غير رمضان من قضاء أو نذر أو غيرهما فلا كفارة كما سبق، وبه قال الجمهور)((المجموع)) (6/ 345).