الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: رؤية الهلال
الفرع الأول: طلب رؤية الهلال
يشرع ترائي الهلال في اليوم التاسع والعشرين ليلة الثلاثين (1)، ومن أهل العلم من يعبر باستحباب ذلك (2) ومنهم من يعبر بأنه فرض كفاية (3).
الأدلة:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (4)
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحصوا هلال شعبان لرمضان)) (5).
3 -
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام)) (6).
4 -
وقد حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته على رؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه (7):
1 -
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)) (8).
2 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر، فرأيته وليس أحدٌ يزعم أنه رآه غيري - قال - فجعلت أقول لعمر أما تراه؟ فجعل لا يراه - قال - يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي)). أخرجه مسلم (9).
الفرع الثاني: العدد المعتبر في الرؤية
(1) وذلك احتياطاً للصوم وحذراً من الاختلاف.
(2)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 4)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 300).
(3)
((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 313)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 284).
(4)
رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
(5)
رواه الترمذي (687)، والحاكم (1/ 587)، والبيهقي (4/ 206). قال الترمذي: لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية والصحيح لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال البيهقي: ثابت، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 153)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 407)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 317) كما قال في المقدمة، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(6)
رواه أحمد (6/ 149)(25202)، وأبو داود (2325)، والحاكم (1/ 585). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الدارقطني في ((السنن)) (2/ 354): إسناده حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/ 289): رواته ثقات محتج بهم في الصحيح، وقال ابن الملقن في ((الإعلام)) (5/ 182): إسناده على شرط الصحيح، وقال ابن حجر في ((الدراية)) (1/ 276): على شرط مسلم.
(7)
قال ابن عثيمين: (ترائي الهلال: هلال رمضان، أو هلال شوال، أمرٌ معهودٌ في عهد الصحابة رضي الله عنهم
…
ولا شك أن هدي الصحابة رضي الله عنهم أكمل الهدي وأتمه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 37).
(8)
رواه أبو داود (2342)، وابن حبان (8/ 231)(3447)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/ 165)(3877)، والبيهقي (4/ 212)(8235). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 236)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (380) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (1/ 342).
(9)
رواه مسلم (2873).
يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدلٍ واحد، وهو مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، وطائفةٍ من السلف (3)، وهو اختيار ابن باز (4)، وابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)) (6).
ثانياً: القياس
قياساً على الأذان، فالناس يفطرون بأذان الواحد، ويمسكون بأذان الواحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)). أخرجه البخاري ومسلم (7).
الفرع الثالث: اشتراط قوة البصر مع العدالة
يُشترَطُ في الرائي مع عدالته، قوةُ بصره (8).
الأدلة:
1 -
عموم قوله تعالى حكايةً عن إحدى ابنتي صاحب مدين: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص: 26]
2 -
عموم قوله تعالى: قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [النمل: 39]
وجه الدلالة من الآيتين:
أن القوة والأمانة شرطان أساسيان في العمل، ومن ذلك الشهادة، إذ لابد فيها من الأمانة التي تقتضيها العدالة، ولابد فيها من القوة التي يحصل بها إدراك المشهود به.
الفرع الرابع: من رأى هلال رمضان وحده ولم يشهد برؤيته، أو شهد ولم تقبل شهادته
المسألة الأولى: حكم من رأى الهلال وحده
من رأى هلال رمضان وحده، ولم يشهد برؤيته، أو شهد ولم تقبل شهادته، فقد اختلف فيه أهل العلم هل يصوم وحده أم لا؟ على قولين:
(1)((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 411)، ((المجموع للنووي)) (6/ 277).
(2)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 47)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 416).
(3)
قال ابن قدامة: (وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن المبارك)((المغني)) (3/ 47).
(4)
قال ابن باز: (والهلال يثبت بشاهدٍ واحدٍ في دخول رمضان، شاهدٍ عدلٍ، عند جمهور أهل العلم)((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 61).
(5)
((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 312).
(6)
رواه أبو داود (2342)، وابن حبان (8/ 231)(3447)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/ 165)(3877)، والبيهقي (4/ 212)(8235). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 236)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (380) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (1/ 342).
(7)
رواه البخاري (622)، ومسلم (1092) من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه البخاري (623)، ومسلم (1092) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(8)
قال ابن عثيمين: (ويشترط مع العدالة أن يكون قوي البصر، بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه، فإن كان ضعيف البصر لم تقبل شهادته وإن كان عدلاً؛ لأنه إذا كان ضعيف البصر وهو عدل، فإننا نعلم أنه متوهم)((الشرح الممتع)) (6/ 315)، وانظر ((شرح صحيح مسلم لابن عثيمين)) (4/ 26).
القول الأول: يصوم مع الناس (1)، إذا صاموا، ولا يبني على رؤيته، وهذا قولٌ لبعض السلف (2)، ورواية عن أحمد (3)، واختيار ابن تيمية (4)، وابن باز (5).
الدليل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (6).
وجه الدلالة:
أن المعتبر في الصيام أو الإفطار هو الذي يثبت عند الناس، والشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته، لا يكون هذا صوماً له، كما لم يكن للناس.
القول الثاني: يصوم بناءً على رؤيته (7)، وهو قول أكثر أهل العلم (8) واتفقت عليه المذاهب الفقهية: الحنفية (9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12)، والظاهرية (13)، وهو اختيار ابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185].
ثانيا: من السنة:
عموم حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا .. )). أخرجه مسلم (15).
وجه الدلالة:
أنه قد أمر بالصيام عند رؤية الهلال، ومن رآه لوحده داخلٌ في عموم الأمر بذلك.
المسألة الثانية: من رأى هلال رمضان وحده وهو في مكان ناءٍ ليس فيه أحد
من رأى هلال رمضان وحده وهو في مكانٍ ناءٍ ليس فيه أحد، فإنه يصوم، ويبني على رؤيته، ولا يرد عليه الخلاف السابق، ونص عليه ابن تيمية (16)، وابن باز (17)، وابن عثيمين (18).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185]
ثانياً: من السنة:
(1) وذلك لأن الهلال هو ما هل واشتهر بين الناس، لا ما رئي.
(2)
نقل ابن المنذر هذا القول عن عطاء، وإسحاق ((الإشراف)) (3/ 114).
(3)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 47).
(4)
قال ابن تيمية: (والثالث - أي من الأقوال -: يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال)((مجموع الفتاوى)) (25/ 114).
(5)
قال ابن باز: (وإذا رأى الهلال شخص واحد ولم تقبل شهادته لم يصم وحده ولم يفطر وحده في أصح قولي العلماء، بل عليه أن يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس)((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 64).
(6)
رواه الترمذي (697) واللفظ له، والدارقطني (2/ 366). قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 159)، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 283): إسناده حسن، وصححه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 280).
(7)
وذلك لأنه إذا لزمه الصوم لرؤية غيره وهي رؤية مظنونة، فلَأَن يلزمه من رؤيته هو، وهي متيقَّنة، أولى وأحرى.
(8)
قال ابن عبد البر: (لم يختلف العلماء فيمن رأى هلال رمضان وحده، فلم تقبل شهادته أنه يصوم؛ لأنه متعبد بنفسه لا بغيره، وعلى هذا أكثر العلماء، لا خلاف في ذلك إلا شذوذ لا يُشتغَلُ به)((التمهيد)) (14/ 355).
(9)
((الهداية للميرغيناني)) (1/ 120)، ((حاشية ابن عابدين))، (2/ 388).
(10)
((التمهيد)) (14/ 355)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 387).
(11)
((المجموع للنووي)) (6/ 280).
(12)
((الفروع لابن مفلح)) (4/ 421)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 277).
(13)
((المحلى لابن حزم)) (6/ 235).
(14)
قال ابن عثيمين: ( .. ولكن إذا كان في البلد، وشهد به عند المحكمة، ورُدَّتْ شهادته، فإنه في هذه الحال يصوم سرًّا؛ لئلا يعلن مخالفة الناس)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 74 - 75).
(15)
رواه مسلم (1081).
(16)
((مجموع الفتاوى)) (25/ 117 - 118).
(17)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 73).
(18)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 74 - 75).
عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا .. )). أخرجه مسلم (1)
فمن رآه لوحده داخلٌ في عموم الأمر بذلك.
الفرع الخامس: اتفاق المطالع واختلافها
إذا رأى أهل بلدٍ الهلال، فقد اختلف أهل العلم هل يلزم الناس بالصوم بناءً على رؤية هذا البلد، أم أن لكل بلدٍ رؤية مستقلة؟ على أقوال، منها:
القول الأول: يجب الصوم على الجميع مطلقاً، وهو قول الجمهور من الحنفية (2)، والمالكية (3)، والحنابلة (4)، وهو اختيار ابن تيمية (5)، وابن باز (6)، والألباني (7)، وصدر على وَفقه قرار المجمع الفقهي (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185]
وجه الدلالة:
أن الخطاب يشمل جميع الأمة، فإذا ثبت دخول الشهر في بلد، وجب على الجميع صومه.
ثانياً: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته)). أخرجه البخاري ومسلم (9).
وجه الدلالة:
أن الحديث قد أوجب الصوم بمطلق الرؤية لجميع المسلمين، دون تحديد ذلك بمكانٍ معين.
القول الثاني: لا يجب الصوم على الجميع مع اختلاف المطالع، وإنما يجب على من رآه أو كان في حكمهم بأن توافقت مطالع الهلال، وهذا قول الشافعية (10)، وهو قول طائفةٍ من السلف (11)، واختاره الصنعاني (12)، وابن عثيمين (13).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185]
وجه الدلالة:
أن الذين لا يوافقون في المطالع من شاهده، لا يُقال إنهم شاهدوه حقيقة ولا حكماً، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده.
ثانياً: من السنة:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)). أخرجه البخاري ومسلم (14).
وجه الدلالة:
(1) رواه مسلم (1081).
(2)
((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 83)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 313).
(3)
((الذخيرة للقرافي)) (2/ 490)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 381).
(4)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 5)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 193).
(5)
((مجموع الفتاوى)) (25/ 104).
(6)
قال ابن باز: (أما المطالع فلا شك في اختلافها في نفسها، أما اعتبارها من حيث الحكم فهو محل اختلاف بين العلماء، والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعيًّا في أي بلد ما؛ لعموم الأحاديث كما تقدم، وهو قول جمع كثير من أهل العلم)((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 78 - 79).
(7)
قال الألباني: (فهو الحق الذي لا يصح سواه ولا يعارضه حديث ابن عباس .... ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلدٍ أو إقليمٍ، من غير تحديد مسافةٍ أصلاً)((تمام المنة للألباني)) (ص 398).
(8)
((مجلة المجمع الفقهي)) (3 - 2/ 1085).
(9)
رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
(10)
((المجموع للنووي)) (6/ 273)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 422).
(11)
نقل ابن المنذر هذا القول عن عكرمة، وإسحاق، والقاسم، وسالم. ((الإِشراف)) (3/ 112).
(12)
قال الصنعاني: (في < h6> المسألة أقوالٌ ليس على أحدها دليلٌ ناهضٌ، والأقرب لزوم أهل بلدٍ الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها)((سبل السلام)) (2/ 151).
(13)
قال ابن عثيمين: (وهذا القول هو القول الراجح، وهو الذي تدل عليه الأدلة)((الشرح الممتع)) (6/ 310).
(14)
رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل الأمر في الصوم بالرؤية، ومن يخالف من رآه في المطالع، لا يقال إنه رآه لا حقيقةً ولا حكماً.
2 -
عن كريب ((أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا تكتفي - شك يحيى بن يحيى، أحد رواة الحديث، في نكتفي أو تكتفي - برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم). أخرجه مسلم (1).
ثالثاً: القياس:
فهناك اختلافٌ في التوقيت اليومي بين المسلمين بالنص والإجماع، فإذا طلع الفجر في المشرق، فلا يلزم أهل المغرب أن يمسكوا، ولو غابت الشمس في المشرق، فليس لأهل المغرب الفطر.
فكما أن المسلمين مختلفون في الإفطار والإمساك اليومي، فلا بد أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري.
الفرع السادس: الرؤية عبر الوسائل الحديثة
المسألة الأولى: حكم الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال
لا يجوز الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال؛ وذلك لأن الأقمار الصناعية تكون مرتفعةً عن الأرض التي هي محل ترائي الهلال (2).
المسألة الثانية: حكم استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال
يجوز استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال كالدربيل وهو المنظار المقرِّب، ولكنه ليس بواجب (3)، فلو رأى الهلال عبرها من يُوثَقُ به فإنه يُعمل بهذه الرؤية، وهو اختيار ابن باز (4)، وابن عثيمين (5)، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء (6)، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي (7).
الدليل:
عموم ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)). أخرجه مسلم (8)
وجه الدلالة:
أن هذه الرؤية تحصل باستعمال المراصد الفلكية.
الفرع السابع: من اشتبهت عليه الأشهر
المسألة الأولى: ما يلزم الأسير ونحوه من الاجتهاد والحالات المترتبة على اجتهاده
(1) رواه مسلم (1087).
(2)
انظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 62).
(3)
وذلك لأن الظاهر من السنة: الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها.
(4)
قال ابن باز: (أما الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها، بل تكفي رؤية العين، ولكن من طالع الهلال بها وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلمٌ عدل، فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب)((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 69).
(5)
قال ابن عثيمين: (ولا بأس أن نتوصل إلى رؤية الهلال بالمنظار، أو المراصد)) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 62). وقال ابن عثيمين أيضاً: (وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك لما كانوا يصعدون المنائر في ليلة الثلاثين من شعبان، أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 36).
(6)
انظر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم 108 بتاريخ 12/ 11/1403 بشأن إنشاء مراصد يُستعان بها عند رؤية الهلال.
(7)
من قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية التي عقدت في جدة عام (1985م) ودورته الثالثة التي عقدت في عمّان عام (1986م)((موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي)).
(8)
رواه مسلم (1081).
من عمي عليه خبر الهلال والشهور، كالسجين والأسير بدار الحرب وغيرهما، فإنه يجتهد ويتحرى الهلال (1)، ويصوم شهراً، وهذا قول عامة الفقهاء (2)، فهو مذهب الحنفية (3)، والمالكية (4). والشافعية (5)، والحنابلة (6)(7)، وقد حكى الماوردي إجماع السلف على ذلك (8).
- فإن صام مجتهداً بما غلب على ظنه، فله أربع حالات:
1 -
أن يتبين له أن صومه وافق شهر رمضان، فصومه صحيح، ولا إعادة عليه؛ قياساً على من اجتهد في القبلة، وصلى وبان له صواب الاجتهاد، فإنه يجزئه، فكذلك الحال في الصوم إذا أدى هذه العبادة باجتهاد، فوجب إذا بان له صواب اجتهاده، أن يجزيه.
2 -
أن يستمر الإشكال عليه، فلا يعلم هل وافق الشهر أو تقدمه أو تأخره، فيجزئه ولا إعادة عليه؛ وذلك لأن الظاهر من الاجتهاد صحة الأداء، ما لم يتيقن الخطأ، وقد أدى ما عليه.
3 -
أن يتيبن له أن صومه كان قبل رمضان، فعليه الإعادة، وهو قول أكثر الفقهاء (9)؛ وذلك لأنه تعين له يقين الخطأ، فوجب أن يلزمه القضاء، كما لو بان له أداء الصلاة قبل الوقت، فإنه تلزمه الإعادة.
4 -
أن يتبين له أنه صام بعد نهاية شهر رمضان، فهذا يجزئه، ولا إعادة عليه (10) إلا فيما لا يصح صيامه كالعيدين (11)، فإن عليه أن يعيد الأيام التي لا يصح صيامها، وهو قول عامة الفقهاء (12)؛ وذلك لأن القضاء قد استقر في ذمته بفوات الشهر، ثم وافق صومه زمان القضاء.
المسألة الثانية: حكم صوم الأسير ونحوه من غير اجتهاد
إن صام الأسير ونحوه من غير اجتهاد، فلا يصح صومه، وعليه الإعادة، حتى وإن تبين له أن صومه وافق رمضان (13)، وهو قول الشافعية (14)؛ وذلك لأنه شرع في العبادة شاكًّا من غير مستند شرعي، فتعدى حدود الله تعالى، وفعل ما لم يُؤذَن له فيه.
(1) وذلك لأنه مأمورٌ بصوم رمضان، وطريق الوصول إليه في هذه الحالة غير ممكنٍ إلا بالتحري والاجتهاد. قال ابن قدامة:(من كان محبوساً أو مطموراً، أو في بعض النواحي النائية عن الأمصار لا يمكنه تعرف الأشهر بالخبر، فاشتبهت عليه الأشهر، فإنه يتحرى ويجتهد، فإذا غلب على ظنه عن أمارةٍ تقوم في نفسه دخول شهر رمضان، صامه)((المغني)) (3/ 50). وقال النووي: (الأسير ونحوه إذا اشتبهت عليه شهور يتحرى ويصوم بما يظهر بالعلامة أنه رمضان)((المجموع)) (6/ 287).
(2)
قال ابن قدامة: (
…
فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 50). انظر ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((المجموع للنووي)) (6/ 289).
(3)
((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 233)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 312).
(4)
((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 417)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 245).
(5)
((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((المجموع للنووي)) (6/ 288).
(6)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 50)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 427).
(7)
قال ابن تيمية: ( .. فإنه يجتهد ويتحرى في معرفة عين الشهر ودخوله، كما يتحرى في معرفة وقت الصلاة، وجهة القبلة، وغير ذلك عند الاشتباه؛ لأنه لا يمكنه أداء العبادة إلا بالتحري والاجتهاد، فجاز له ذلك كما يجوز في الصلاة)((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (1/ 159)
(8)
((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((المجموع للنووي)) (6/ 289)
(9)
قال ابن قدامة: (الحال الثالث: وافق قبل الشهر فلا يجزئه في قول عامة الفقهاء)((المغني)) (3/ 50). قال النووي: (أن يصادف صومه ما قبل رمضان فينظر إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف لتمكنه منه في وقته (وإن) لم يبن الحال إلا بعد مضي رمضان فطريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أحدهما) القطع بوجوب القضاء (وأصحهما) وأشهرهما فيه قولان (أصحهما) وجوب القضاء (والثاني) لا قضاء) ((المجموع)) (6/ 286). انظر ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 245).
(10)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 50)، ((المجموع للنووي)) (6/ 289)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 245).
(11)
قال ابن قدامة: (فإن دخل في صيامه يوم عيد لم يعتد به، وإن وافق أيام التشريق، فهل يعتد بها؟ على روايتين: بناء على صحة صومها على الفرض)((المغني)) (3/ 51). وقال أيضاً: (أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه، محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة)((المغني)) (3/ 51).
(12)
قال ابن قدامة: (الثاني: أن ينكشف له أنه وافق الشهر أو ما بعده، فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء)((المغني)) (3/ 50).
(13)
((المجموع للنووي)) (6/ 288)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/ 162).
(14)
قال النووي: (فإن صام بغير اجتهاد ووافق رمضان لم يجزئه بلا خلاف)((المجموع للنووي)) (6/ 284).