الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: دعاء القنوت
الفرع الأول: تعريف القنوت لغة واصطلاحاً
أولا: القنوت لغة:
يطلق القنوت لغة على عدة معان منها:
- الطاعة: ومن ذلك قوله تعالى: لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ [البقرة:116]
- الصلاة: ومن ذلك قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]
- طول القيام: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) (1). أي: طول القيام.
ثانيا: القنوت اصطلاحاً:
هو الدعاء في الصلاة في محلٍّ مخصوصٍ من القيام (2).
الفرع الثاني: حكم القنوت والمداومة عليه
المسألة الأولى: حكم القنوت في الوتر
يسن القنوت في الوتر في جميع السنة، وهو مذهب الحنفية (3)، والحنابلة (4)، وقول طائفة من السلف (5) وهو اختيار ابن باز (6)، وابن عثيمين (7).
الدليل:
أن الأحاديث الواردة في الوتر مطلقة غير مقيدة، ومثلها حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت
…
)) الحديث (8)، (9).
وهو مطلق، ليس فيه تقييد بزمن معين، فيبقى على إطلاقه.
المسألة الثانية: حكم المداومة على دعاء القنوت في كل ليلة
(1) رواه مسلم (756).
(2)
((فتح الباري لابن حجر)) (2/ 490).
(3)
((المبسوطللسرخسي)) (1/ 300)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 273)
(4)
((المغني لابن قدامة)) (1/ 447).
(5)
[1200] قال ابن قدامة: (وهذا قول ابن مسعود، وإبراهيم، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن الحسن)((المغني لابن قدامة)) (1/ 447 - 448)
(6)
[1201] قال ابن باز: (القنوت سنة في الوتر، وإذا تركه في بعض الأحيان فلا بأس)((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 32)
(7)
قال ابن عثيمين: (علم – أي النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه دعاء يدعو به في قنوت الوتر، فيدل على أنه سنة، لكن ليس من فعله؛ بل من قوله)((الشرح الممتع)) (4/ 19). وقال أيضا: (القنوت في الوتر سنة، لكن الاستمرار عليه دائماً ليس من السنة)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 176).
(8)
رواه أبو داود في ((سننه)) (1425)، والترمذي في ((سننه)) (464)، ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/ 39). الحديث سكت عنه أبوداود في ((سننه)) (1425)[وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] وقال الترمذي في ((سننه)) (464)،: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (113)[يلزمهما إخراجه] أي البخاري ومسلم، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (2/ 285): روي من طرق ثابتة وقال النووي في ((الخلاصة)) (1/ 455): إسناده صحيح وقال: وجاء في رواية ضعيفة زيادة: (ولا يعز من عاديت) وفي رواية بإسناد صحيح أو حسن قال: (تباركت وتعاليت، وصلى الله على النبي)، وقال ابن حجر العسقلاني في ((نتائج الأفكار)) (2/ 147): حسن صحيح، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/ 140):(حديث قد صححه جماعة من الحفاظ ولا مقال فيه بما يوجب قدحا)، وصححه أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/ 328)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (464).
(9)
(([1204] قال الصنعاني: (والحديث دليل على مشروعية القنوت في صلاة الوتر وهو مجمع عليه في النصف الأخير من رمضان)((سبل السلام)) (1/ 187).
يستحب ترك المداومة على القنوت في كل ليلة، فيستحب أن يقنت أحيانا ويترك القنوت أحيانا، وهو قول الإمام أحمد (1)، واختيار ابن عثيمين (2)، والألباني (3).
وذلك لأن الأحاديث الواردة في إيتاره صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة -؛ أكثرها لا يتعرض لذكر القنوت مطلقاً (4).
ومقتضى الجمع بينها وبين حديث أُبَيّ في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم وما في معناه أن يقال: إنه كان يقنت أحياناً، ويدع أحياناً، فلو كان يقنت دائماً؛ لما خفي ذلك على أكثر الصحابة الذين رووا إيتاره صلى الله عليه وسلم.
الفرع الثالث: محل القنوت
(1) قال المرداوي: (استحب الإمام أحمد ترك القنوت في الوتر تأليفا للمأموم)((الإنصاف)) (2/ 37) ولكن قال عبد الله بن الإمام أحمد: (سألت أبي عن القنوت في السنة كلها أفضل أو النصف من شهر رمضان؟ قال: لا بأس أن يقنت كل ليلة، ولا بأس إن قنت السنة كلها، وان قنت النصف من شهر رمضان فلا بأس)((مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله)) (1/ 96)
(2)
قال ابن عثيمين: (وهذا هو الأحسن؛ أن لا تداوم على قنوت الوتر)((الشرح الممتع)) (4/ 19) وقال أيضا: (وأما القنوت في الوتر فليس بواجب، والذي ينبغي للإنسان أن لا يداوم عليه؛ بل يقنت أحياناً، ويترك أحياناً)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 161) وقال أيضا: (ويجوز أيضاً أن يترك القنوت في الوتر، بل ذلك أولى من أجل أن يبين للناس أن القنوت ليس بواجب)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 166)
(3)
((أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني)) (3/ 970) وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للإفتاء بالسعودية: (القنوت مشروع في الوتر ولا سيما في شهر رمضان، فإن استمر فلا مانع، وإن تركه أحيانا فلا مانع، فالكل خير، ولا ينكر على من استمر ولا على من تركه أحيانا)((مجلة البحوث الإسلامية)) (58/ 88)
(4)
قال ابن القيم: (قال الخلَاّل: أخبرني محمد بن يحيى الكحال، أنه قال لأبي عبد الله في القنوت في الوتر؟ فقال: ليس يُروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء)((زاد المعاد)) (1/ 334 - 335) وقال ابن عبد البر: (لا يصح عن النبي عليه السلام في القنوت في الوتر حديث مسند، وأما عن الصحابة فروي ذلك عن جماعة)((الاستذكار)) (2/ 77) وقال ابن القيم: (وقالوا – أي جمهور العلماء -: لم يكن هذا من فِعله الراتب، بل ولا يثبُت عنه أنه فعله. وغاية ما رُوي عنه في هذا القنوت، أنه علمه للحسن بن علي)((زاد المعاد)) (1/ 283)
القنوت يكون في الركعة الأخيرة، ويجوز قبل الركوع، وبعد الركوع، وهو مروي عن أحمد بن حنبل (1) ووجه عند الشافعية (2) واختاره ابن تيمية (3) وابن حجر (4)، وابن باز (5) وابن عثيمين (6) والألباني (7).
الأدلة:
1 -
عن علقمة ((أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع)) (8).
فالأثر صريحٌ في كون القنوت قبل الركوع
ب- عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري؛ أنه قال: ((خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد؛ لكان أمثل. ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون- يريد: آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجداً)) (9).
وجه الدلالة:
في قوله: ((ثم يكبر ويهوي ساجداً))؛ ففيه أن دعاء القنوت في الوتر كان بعد الركوع، فلو كان الدعاء بعد القراءة لكبر للركوع لا للسجود.
الفرع الرابع: رفع اليدين أثناء القنوت
(1)((المغني لابن قدامة)) (1/ 448) وحكاه ابن المنذر في ((الإشراف)) (2/ 272) عن أنس وأيوب السختياني.
(2)
((المجموع للنووي)) (4/ 15)
(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما القنوت فالناس فيه طرفان ووسط: منهم من لا يرى القنوت إلا قبل الركوع، ومنهم من لا يراه إلا بعده، وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوِّزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما، وإن اختاروا القنوت بعده؛ لأنه أكثر وأقيس). ((مجموع الفتاوى)) (23/ 100).
(4)
قال ابن حجر: (ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح)((فتح الباري)) (2/ 491).
(5)
قال ابن باز: (يقنت في الركعة الأخيرة بعد الركوع، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم القنوت بعد الركوع في النوازل، وجاء القنوت قبل الركوع، جاء هذا وهذا؛ فالأمر واسع، لكن الأكثر والأصح، والأفضل بعد الركوع؛ لأنه الأغلب في الأحاديث). نقلا من كتاب ((صلاة التطوع لسعيد بن وهف القحطاني)).
(6)
قال ابن عثيمين: (موضعُ القُنُوتِ مِن السُّننِ المتنوِّعةِ؛ التي يَفعلُها أحياناً هكذا، وأحياناً هكذا)((الشرح الممتع)) (4/ 20).
(7)
((قيام رمضان للألباني)) (ص21).
(8)
رواه ابن أبي شيبة (2/ 302).
(9)
رواه ابن خزيمة (1100) وأصله في صحيح البخاري، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر ((التلخيص الحبير)) (2/ 515)، وقال الألباني في تخريجه لصحيح ابن خزيمة: إسناده صحيح.
يستحب رفع اليدين في القنوت، وهو مذهب الحنابلة (1)، والصحيح عند الشافعية (2)(3)، واختاره ابن باز (4)، وابن عثيمين (5)، والألباني (6).
الأدلة:
- عن أنس رضي الله عنه في قصة القرَّاء الذين قُتِلوا - قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم - يعني على الذين قتلوهم)) (7). والقنوت في الوتر من جنس القنوت في النوازل.
- عن أبي رافع ((أنه صلى خلف عمر رضي الله عنه فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء)) (8)(9).
الفرع الخامس: مسح الوجه باليدين بعد القنوت
(1)((كشاف القناع للبهوتي)) (1/ 418).
(2)
((المجموع للنووي)) (3/ 500) وقال: (يستحب (أي رفع اليدين) وهذا هو الصحيح عند الأصحاب وفى الدليل).
(3)
وقد نقله ابن المنذر عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعزاه أيضا إلى أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (2/ 273) وينظر ((السنن الكبرى للبيهقي)) (2/ 211).
(4)
قال ابن باز: (يشرع رفع اليدين في قنوت الوتر؛ لأنه من جنس القنوت في النوازل، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه حين دعائه في قنوت النوازل. خرجه البيهقي رحمه الله بإسناد صحيح)((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 51).
(5)
قال ابن عثيمين: (من السنة أن يرفع الإنسان يديه عند دعاء القنوت؛ لأن ذلك وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوته حين كان يقنت في الفرائض عند النوازل (1)، وكذلك صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع اليدين في قنوت الوتر (2)، وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم. فرفع اليدين عند قنوت الوتر سنة، سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، فكلما قنت فارفع يديك) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (14/ 136).
(6)
((أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)(957).
(7)
رواه أحمد (3/ 137)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (4/ 51)(3606)، والبيهقي (2/ 211). قال النووي في ((المجموع)) (3/ 508): إسناده صحيح أو حسن. وقال ابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (1/ 307): إسناده جيد. وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/ 240): إسناده جيد، وعزاه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/ 120) لأحمد بن منيع وقال: ورواته ثقات، وقال الألباني في ((أصل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) (957): إسناده صحيح.
(8)
رواه البيهقي (2/ 212) وقال: (صحيح). وينظر ((رفع اليدين للبخاري)) وقال الألباني في (أصل صفة صلاة النبي)(3/ 958): (وقد ثبت ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب). يعني رفع اليدين.
(9)
فائدة في كيفية رفع اليدين وصفته: قال ابن عثيمين: (قال العلماء: يرفع يديه إلى صدرهِ، ولا يرفَعُها كثيراً؛ لأنَّ هذا الدُّعاءَ ليس دُعاءَ ابتهالٍ يُبالِغُ فيه الإنسانُ بالرَّفْعِ، بل دُعاءُ رَغْبَةٍ، ويبسُطُ يديْهِ وبطونَهما إلى السَّماءِ. هكذا قال أصحابُنَا رحمهم الله. وظاهر كلام أهل العلم: أنه يضمُّ اليدين بعضهما إلى بعض، كحالِ المُستجدي الذي يطلب مِن غيره أن يُعطيه شيئاً، وأمَّا التَّفْريجُ والمباعدةُ بينهما فلا أعلمُ له أصلاً؛ لا في السُّنَّةِ، ولا في كلامِ العُلماءِ)((الشرح الممتع)) (4/ 18) وينظر ((تصحيح الدعاء لبكر أبو زيد)) (ص 115).
ولا يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من دعاء القنوت، وهو قول مالك (1)، ورواية عن أحمد (2)، ووجه عند الشافعية (3)، وهو اختيار البيهقي (4)، والعز بن عبد السلام (5)، وابن تيمية (6)، وابن باز (7)، وابن عثيمين (8)؛ وذلك لأنه لم يصح فيه دليلٌ تقوم به حجة، والأصل في العبادات التوقيف.
الفرع السادس: ألفاظ القنوت وحكم القنوت بغير الوارد
المسألة الأولى: ألفاظ قنوت الوتر
(1) وسئل مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء فأنكر ذلك وقال: ما علمت. ((مختصر كتاب الوتر للمروزي)) اختصار المقريزي (ص152).
(2)
((المغني لابن قدامة)) (1/ 449)((الإنصاف للمرداوي)) (2/ 123).
(3)
((المجموع للنووي)) (3/ 501) وقال: (وهذا هو الصحيح (يعني ترك المسح)، صححه البيهقى والرافعي وآخرون من المحققين).
(4)
قال البيهقي (وأما في الصلاة (يعني مسح الوجه باليدين) فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت، ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله، ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحها بالوجه في الصلاة) ((السنن الكبرى)) (2/ 212)
(5)
قال العز: (لا يمسح وجهه إلا جاهل) نقلا عن ((فيض القدير للمناوي)) (1/ 473).
(6)
قال ابن تيمية: (وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة. وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة)((مجموع الفتاوى)) (22/ 519).
(7)
قال ابن باز: (المسح للوجه لم يرد فيه أحاديث صحيحة وإنما ورد فيه أحاديث لا تخلو من ضعف؛ فلهذا الأرجح والأصح أنه لا يمسح وجهه بيديه. وذكر بعض أهل العلم أنه لا بأس بذلك؛ لأن فيه أحاديث يشد بعضها بعضا وإن كانت ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضا فتكون من قبيل الحسن لغيره كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام في الباب الأخير. فالمقصود أن المسح ليس فيه أحاديث صحيحة، فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء ولا في غيرها من المواقف التي رفع يديه، كموقفه عند الصفا والمروة وفي عرفات وفي مزدلفة وعند الجمار لم يذكروا أنه مسح وجهه بيديه لما دعا، فدل ذلك على أن الأفضل ترك ذلك)((مجموع فتاوى ابن باز)) (26/ 138).
(8)
قال ابن عثيمين: (الأقرب: أنه ليس بسُنَّة (أي مسح الوجه)؛ لأنَّ الأحاديثَ الواردة في هذا ضعيفة، ولا يمكن أنْ نُثبتَ سُنَّة بحديث ضعيف، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن فيه أحاديث كثيرة في «الصحيحين» وغيرهما تثبت أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويرفع يديه ولا يمسحُ بهما وجهه، ومثل هذه السُّنَّة التي تَرِدُ كثيراً؛ وتتوافر الدَّواعي على نَقْلِها إذا لم تكن معلومةً في مثل هذه المؤلَّفات المعتبرة كالصحيحين وغيرهما، فإن ذلك يَدلُّ على أنها لا أصل لها. وعلى هذا؛ فالأفضل أنْ لا يمسح) ((الشرح الممتع)) (4/ 40).
- عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)) (1).
المسألة الثانية: حكم القنوت بغير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) رواه أبو داود في ((سننه)) (1425)، والترمذي في ((سننه)) (464)، ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/ 39). الحديث سكت عنه أبوداود في ((سننه)) (1425) [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] وقال الترمذي في ((سننه)) (464): حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (113)[يلزمهما إخراجه] أي البخاري ومسلم، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (2/ 285): روي من طرق ثابتة وقال النووي في ((الخلاصة)) (1/ 455): إسناده صحيح وقال: وجاء في رواية ضعيفة زيادة: (ولا يعز من عاديت) وفي رواية بإسناد صحيح أو حسن قال: (تباركت وتعاليت، وصلى الله على النبي)، وقال ابن حجر العسقلاني في ((نتائج الأفكار)) (2/ 147): حسن صحيح، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/ 140):(حديث قد صححه جماعة من الحفاظ ولا مقال فيه بما يوجب قدحا)، وصححه أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/ 328)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (464).
يجوز أن يدعو المصلي في قنوت الوتر بما شاء، سواء دعا معه بالوارد المأثور أو لا، وهو ما ذهب إليه أكثر الفقهاء، ونص عليه فقهاء الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وبه أفتت اللجنة الدائمة (4)، وابن عثيمين (5)؛
(1)((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 273)، وانظر ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (1/ 430)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/ 468)
(2)
((المجموع للنووي)) (3/ 497) وقال النووي: (قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: قول من قال يتعين شاذ مردود مخالف لجمهور الاصحاب بل مخالف لجماهير العلماء فقد حكي القاضى عياض اتفاقهم علي أنه لا يتعين في القنوت دعاء الا ما روى عن بعض أهل الحديث أنه يتعين قنوت مصحف ابى بن كعب رضى الله عنه " اللهم إنا تستعينك ونستغفرك إلي آخره .. ).
(3)
قال البهوتي: (قال في الشرح ويقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو معنى ما نقله أبو الحرث يدعو بما شاء واقتصر جماعة على دعاء اللهم اهدنا وظاهره إنه يستحب وإن لم يتعين واختاره أحمد)((كشاف القناع)) (1/ 420) وقال البهوتي أيضا بعد أن ذكر دعاء الحسن: (وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة)((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 240)
(4)
قالت اللجنة الدائمة: (دعاء القنوت في الوتر مستحب لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت)) رواه أهل السنن، ولو ترك المسلم هذا الدعاء أحيانا وفعله أحيانا فلا حرج في ذلك سواء كان في رمضان أو في غيره)) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/ 70 - 71) قالت اللجنة الدائمة:(وإذا زاد الداعي غيره من جوامع الدعاء لا سيما من الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز ذلك؛ لأنه من جنس دعاء القنوت وهو محل للدعاء، وبهذا قال جماعة من أهل العلم)((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/ 72)
(5)
سئل ابن عثيمين: عن حكم الزيادة في دعاء القنوت على الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. فأجاب بقوله: (الزيادة على ذلك لا بأس بها؛ لأنه إذا ثبت أن هذا موضع دعاء ولم يحدد هذا الدعاء بحد ينهى عن الزيادة فيه فالأصل أن الإنسان يدعو بما شاء، ولكن بعد المحافظة على ما ورد. بمعنى أن يقدم الوارد ومن شاء أن يزيد فلا حرج، ولهذا ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم يلعنون الكفرة في قنوتهم مع أن هذا لم يرد فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي بن أبي طالب، وحينئذ لا يبقى في < h6> المسألة إشكال، على أن لفظ الحديث: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر، وهذا قد يقال إن ظاهره أن هناك دعاء آخر سوى ذلك؛ لأنه يقول: "دعاء أدعو به في قنوت الوتر". وعلى كل فإن الجواب أن الزيادة على ذلك لا بأس بها وعلى الإنسان أن يدعو بدعاء مناسب من جوامع الدعاء مما يهم المسلمين في أمور دينهم ودنياهم)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 137) قال ابن عثيمين: (قال الحسن للرسول صلى الله عليه وسلم: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر. ولم يقل علمني دعاء قنوت الوتر .. وهذا يدل على أن قنوت الوتر أوسع من هذا الدعاء؛ لأن (في) للظرفية، والظرف أوسع من المظروف، وهذا يدل أن الدعاء في قنوت الوتر أوسع من هذا، فلا بأس أن يزيد الإنسان على هذا الدعاء في قنوت الوتر، وإن كان وحده فليدع بما شاء، ولكن الأفضل أن يختار الإنسان جوامع الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بجوامع الدعاء، ويدع ما دون ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 138)
وذلك لأنه ورد عن الصحابة أدعية مختلفة في حال القنوت (1).
الفرع السابع: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت
يسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من دعاء القنوت، وهو الصحيح من مذهب الشافعية (2)، والمذهب عند الحنابلة (3)، وقولٌ عند الحنفية (4).
الأدلة:
أنه ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر، ومن ذلك:
- أثر أُبي بن كعب كما في حديث عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: ((وكان يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم ...... )) (5)
- أثر: معاذ الأنصاري رضي الله عنه ((أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت)) (6).
(1)(وليس في القنوت دعاء مؤقت كذا في التبيين والأولى أن يقرأ اللهم إنا نستعينك، ويقرأ بعده: اللهم اهدنا فيمن هديت)((الفتاوى الهندية)) (1/ 111) قال الكاساني: (أما دعاء القنوت فليس في القنوت دعاء موقت كذا ذكر الكرخي في كتاب الصلاة
…
وقال بعض مشايخنا المراد من قوله ليس في القنوت دعاء موقت ما سوى قوله اللهم إنا نستعينك لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على هذا في القنوت فالأولى أن يقرأه ولو قرأ غيره جاز ولو قرأ معه غيره كان حسنا والأولى أن يقرأ بعده ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما في قنوته اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره) ((بدائع الصنائع)) (1/ 273) قال النووي: (السنة في لفظ القنوت اللهم اهدني فيمن هديت وعافنى فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما اعطيت وقني شر ما قضيت فانك تقضى ولا يقضي عليك وإنه لا يذل من واليت تبارك ربنا وتعاليت)((المجموع)) (3/ 495) قال شمس الدين ابن قدامة: (ويستحب أن يقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فروى الحسن بن علي قل: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فانك تقضي ولا يقضى عليك، وانه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت)((الشرح الكبير)) (1/ 721) وقيل لأحمد بن حنبل: تختار من القنوت شيئا؟ قال: (كل ما جاء به الحديث لا بأس به)((مسائل الإمام أحمد لأبي داود)) (ص71)
(2)
((المجموع للنووي)) (3/ 499).
(3)
((الإنصاف للمرداوي)) (2/ 122).
(4)
((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 274)((فتح القدير لابن الهمام)) (1/ 438).
(5)
رواه ابن خزيمة (1100) وقال الألباني: إسناده صحيح.
(6)
رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في ((فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)(107) وقال الألباني معلقاً عليه: (إسناده موقوف صحيح). ومعاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري القاري، قال ابن أبي حاتم في ترجمته في ((الجرح والتعديل)) (8/ 246): هو الذي أقامه عمر رضي الله عنه يصلى بهم في شهر رمضان صلاة التراويح.