الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثالث
الإضافة
…
المسألة 93: الإضافة 1
تقسيمها:
تنقسم قسمين؛ محضة، "وتسمى: معنوية أو حقيقية"، وغير محضة،
1 فيما يلي إيضاح لمدلولها النحوي الدقيق، ولبعض المصطلحات التي تتصل بها:
أ- في جملة مثل: "الوالد، منصف"، أو:"أنصف الوالد" يكون المراد هو: الحكم على الوالد بالإنصاف أي: إسناد الإنصاف إليه، وإن شئت فقل: نسبة الإنصاف إليه.
وفي جملة أخرى مثل: "الصفح حسن" أو: "يحسُن الصفح" يكون المراد أيضا هو: الحكم على الصفح بالحُسن، أي: إسناد الحسن إليه، أو: نسبته له. وكذلك لو قلنا: "الحقوق غير مستريح" أو: "الحقود لا يستريح"، فإن المراد هو الحكم بعدم الراحة على الحقود، أي: إسناد عدم الراحة إليه، أو: نسبة عدم الراحة له، ونفيها عنه، وهكذا الشأن في كل جملة اسمية أو فعلية، مثبتة أو منفية؛ فالمراد من الجملة لا بد أن يكون هو:"الحكم"، أي:"الإسناد"، أي:"النسبة". وهذه الألفاظ الثلاثة متحدة في مدلولها الذي هو: "المعنى المفهوم من الجملة؛ إثباتًا أو نفيًا". ويعبر عنه النحاة بأنه: "الربط المعنوي بين طرفي الجملة ربطًا يقتضي أن يقع على أحدهما معنى الآخر، أو ينفى عنه".
ويجري على ألسنتهم كثيرًا ذكر: "النسبة الأساسية" أو: "النسبة الكلية"؛ يريدون بها ذلك المعنى، أو: الربط المعنوي الذي لا يمكن أن تخلو منه جملة مستقلة بمعناها -كالجملة غير الشرطية- ولا أن تسمى جملة إلا به. وقد يختصرون فيقولون: "النسبة". دون وصفها بصفة "الأساسية" أو بـ "الكلية"؛ لاصطلاحهم على أنها المقصودة عند الإطلاق؛ أي: عند حذف الوصف والتحديد.
ب- على ضوء ما سبق نفهم أن المراد الأصيل من الجملة الحقيقية المستقلة هو: "النسبة الأساسية" أو: "الكلية".
لكن الملحوظ عند سماع جملة مثل: "أقبل ضيف" أن تتعدد الاحتمالات الذهنية في أمر هذا الضيف: ما اسمه؟ ما بلده؟ ما صلته بنا؟ ما غرضه؟ ما شأنه؟
…
و
…
و
…
كل هذا وأكثر منه لا يفهم من هذه الجملة وحدها، ولا تدل عليه النسبة الأصلية فيها، ومن ثم كانت الجملة في حاجة إلى زيادة لفظية تؤدي إلى زيادة معنوية؛ كأن نقول: أقبل ضيف عظيمٍ، فننسب العظمة للضيف. فهذه نسبة أيضًا، ولكنها نسبة جزئية أو فرعية، ليست أصيلة كالسابقة، إذ لا يتوقف -في الغالب- =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= على هذه النسبة الجزئية أو: الفرعية، المعنى الأساسي للجملة، ولا يختل بحذفها؛ فمن الممكن -غالبًا- الاستغناء عنها عن الزيادة اللفظية التي جلبتها.
وكذلك لو قلنا: أقبل الضيف مبتسمًا، أو فرحت بالضيف يومًا
…
أو غير هذا من الزيادات اللفظية الفرعية التي منها: الحال، والتمييز، والمفعولات، والتوابع، وغيرها من سائر "المكملات" التي تزداد على طرفي الجملة الأصلية؛ فتكسبها معنى جزئيًا جديدًا، قد يمكن الاستغناء عنه.
والنحاة يسمون هذه النسبة الجزئية، أو الفرعية:"القيد"، أو:"النسبة التقييدية" يريدون بها: "النسبة التي جاءت لإفادة التقييد"، أي: لإفادة نوع من الحصر، والتحديد، ذلك أن اللفظ قبل مجيئها كان عامًّا مطلقًا يحتمل أنواعًا وأفرادًا كثيرة؛ فجاءت التكملة "أي: القيد" فمنعت التعميم والإطلاق الشاملين، وجعلت المراد محددًا محصورًا في مجال أضيق من الأول، ولم تترك المجال يتسع لكثرة الاحتمالات الذهنية التي كانت تتوارد من قبل.
ج- من أمثلة التكملات كلمة: "الغرفة" في نحو: "أضاء مصباح الغرفة" فلو لم نذكر هذه الكلمة لكانت الجملة في حاجة إلى زيادة لفظية تتبعها زيادة معنوية جزئية، تزيل التعميم والإطلاق عن المراد من كلمة:"مصباح"؛ إذ لا ندري: أهو مصباح للغرفة، أم للطريق، أم للمصنع، أم للنادي
…
؟ فلما جاء القيد -وهو كلمة: "الغرفة"- أزال تلك الاحتمالات، وقصر الفهم على واحد منها، فأفاد التقييد، بأن جعل العام المطلق محدودًا محصورًا. ومثل هذا: قرأت أدب العرب- تمتعت بأدب العرب
…
و
…
فقد تبع الزيادة اللفظية الجزئية زيادة معنوية جزئية.
ومما يلاحظ أن التكملة "أي: القيد" مجرورة في أمثلة هذا القسم: "ج" لا تفارق الجر مطلقًا. أما في غيرها فقد تكون التكملة مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، أو مجزومة
…
على حسب حاجة الجملة. وتسمى التكملة الجزئية التي تلازم الجر دائمًا: "المضاف إليه" ويسمى اللفظ الذي قبلها، والذي جاءت لتقييده، وتحديد مدلوله:"المضاف" ويطلق عليهما معًا: "المتضايفان" و"الإضافة" هي الصلة المعنوية الجزئية التي بين المتضايقين، "وهما: المضاف، والمضاف إليه": ويقول النحاة في تعريفها:
"إنها نسبة تقييدية بين اسمين، تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورًا دائمًا". نعم، قد يكون المضاف إليه جملة -كما سيجيء البيان في ص 28، وله إشارة في ص 78 و83 و84، ولكن الجملة في هذه الحالة بمنزلة المفرد، أي: الاسم الواحد؛ فمحلها الجر، أما المضاف فلا بد أن يكون في جميع حالاته اسما يعرب على حسب الحاجة، ولا يصح أن يكون فعلًا، أو حرفًا، أو جملة "انظر ص7 ج".
مما تقدم نعلم؛ أن التكملة تسمى: "القيد"، أو: التنبية "التقييدية" وليست مقصورة على الإضافة، بل تشمل جميع المكملات. وأن التكملة في الإضافة تسمى:"المضاف إليه" ولا بد أن يسبقه: "المضاف"، وكلاهما لا بد أن يكون اسمًا واحدًا، وقد يكون المضاف إليه" جملة بمنزلة =
"وتسمى: لفظية، أو مجازية1 -ولها ملحقات2-".
فالأولى: ما كان فيها الاتصال بين الطرفين قويًّا؛ وليست على نية الانفصال3؛ لأصالتها، ولأن المضاف -في الغالب- خال من ضمير مستتر يفصل بينهما.
والأكثر أن يكون المضاف في الإضافة المحضة واحدًا مما يأتي:
1-
اسم من الأسماء الجامدة الباقية على جمودها4، كالمصادر5، وأسماء
= الاسم الواحد أي: المفرد -كما سبق- وكذلك نعلم أن المضاف إليه مجرور دائمًا، أما المضاف فلا يلازم حالة إعرابية واحدة؛ بل يعرب على حسب حالة الجملة التي يكون فيها.
والأغلب في المضاف أن يكون معربًا. وقد يكون اسمًا مبنيًّا، مثل:"حيث"، و"إذا" الشرطية، و"كم" الخبرية، "كما سنعرف في هذا الباب"، ومثل بعض أنواع مبنية على فتح الجزأين من المركب المزجي العددي في نحو: هذه خمسةَ عشرَ محمد؛
طبقًا لما هو مذكور في باب العدد- ج4 م164 ص 400.
"ملاحظة": يتردد في النحو اسم: "الشبيه بالمضاف" وهو يختلف اختلافًا واسعًا عن "المضاف". وتفصيل الكلام على هذا الشبيه، وعلى أحكامه، مدون في ج1 م56 باب:"لا" النافية للجنس، عند الكلام على حكم اسمها، ص691.
1 يريدون "بالمحضة": التي بين طرفيها قوة اتصال وارتباط، وليست على نية الانفصال؛ لأصالتها، ولأنها لا يفصل بين طرفيها "وهما: المضاف والمضاف إليه" ضمير مستتر كالضمير الذي يفصل في الإضافة غير المحضة؛ فيجعلها كأنها غير موجودة؛ بسبب وجود هذا الفاصل الملحوظ، وإن كان مستترًا -كما سيجيء- في ص34 عند الكلام عليها.........
ويريدون "بالمعنوية": أنها تحقق الغرض المعنوي الذي يراد منها تحقيقه، وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف، أو التخصيص -كما سيأتي في ص23- ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر سنعرفه بعد في ص16.
ويريدون بالحقيقية: أنها تؤدي الغرض المعنوي السابق حقيقة، لا مجازًا -والمجاز الممنوع هنا هو الآتي في ص33 وليس هو المعروف في البلاغة- ولا حكمًا أو تقديرًا. "وهذا خير ما يفسر به وصفها بالحقيقية".....
وستجيء إشارة لكل هذا بمناسبة أخرى في "ص 23، 33".
2 ستجيء الملحقات في ص40-د.
3 يتضح المراد من "نية الانفصال"، ومن خلو الكلام من الضمير المستتر بما يجيء في ص34.
4 أي: غير المؤولة بالمشتق.
5 وسيجيء في باب النعت عند الكلام على وقوع المصدر نعتًا، أن هناك مصادر مسموعة أضيفت إلى معرفة، فلم تكتسب منها التعريف بسبب أنها مصادر مؤولة بالمشتق؛ فإضافتها غير محضة. "انظر ص464".
المصادر1، وكثير من الظروف، والجوامد الأخرى، نحو: لا يَتِم حسن الكلام إلا بحسن العمل -لو استعان الناس كعون النمل ما وجد بينهم شقي، ولا محروم- عند الشدائد تعرف الإخوان. لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه-
ومن الأمثلة للجوامد المضافة، الباقية على جمودها، الكلمات: أرض، بعض، جسم، فؤاد، في قول الشاعر:
أيها الراكب الميمم2 أرضي
…
اقر3 من بعضيَ السلام لبعضي
إن جسمي -كما علمت- بأرض
…
وفؤادي ومالكيه بأرض
ب- المشتقات الشبيهة بالجوامد؛ "وهي المشتقات التي لا تعمل مطلقًا4، ولا تدل على زمن معين" كصيغ أسماء الزمان، والمكان، والآلة، مثل الكلمات: مسكن، مزرعة، محراث، منجل، مذارة، مَغْرب
…
في نحو: "الفلاح كالنحلة الدءوب النافعة؛ يغادر مسكنه قبل الشروق، قاصدًا مزرعته؛ يعمل فيها ويكد؛ فلا تراه إلا قابضًا على محراثه، أو منحنيًا على فأسه، أو حاصدًا بمنجله، أو مذريًا بمذراته، أو متعهدًا زروعه. و
…
ويظل على هذا الحال حتى المغرب؛ فيرجع من حيث أتى، دون أن يعرج على ملعب، أو ملهى، أو مقهى يسهر فيه، ثم يقضي الليل هادئًا نائمًا حتى يوافيه الصباح الجديد".
ويدخل في هذا النوع: المشتقات التي صارت أعلامًا؛ وفقدت خواص الاشتقاق، وبسبب استعمالها الجديد في التسمية5؛ مثل الأعلام: محمود، حامد، حسن
…
1 سبق الكلام على اسم المصدر وإيضاح خصائصه في ج2 ص174 م75. وسيجيء الكلام عليه وعلى المصدر في باب خاص بهما. "ص 181 و207".
2 القاصد.
3 المراد: اقرأ، سهلت الهمزة؛ -بأن صارت ألفًا، أي: اقرأ ثم بنى فعل الأمر على حذف هذه الألف كالشأن في كل فعل أمر معتل الآخر؛ فإنه يبنى على حذف حرف العلة.
4 سيجيء لها إشارة أخرى في ص30 من هذا الجزء عند الكلام على المشتقات "اسم الفاعل و
…
و
…
".
5 كما سيجيء في هامش ص182.
ج- المشتقات التي لا دليل معها على نوع الزمن الذي تحقق فيه معناها1؛ نحو: قائد الطيارة مأمون القيادة؛ فإن كلمة: "قائد" اسم فاعل مضاف، وليس في الجملة دليل على نوع زمن القيادة؛ أهو الماضي، أم الحال، أم الاستقبال؟ وكذلك كلمة "مأمون" التي هي اسم مفعول.. "وتسمى هذه المشتقات الخالية من الدلالة الزمنية: بـ"المشتقات المطلقة الزمن2".
د- المشتقات الدالة على زمن ماضٍ3 فقط؛ نحو: عابر الصحراء أمس كان مملوء النفس أمنًا واطمئنانًا.
هـ- أفعل التفضيل -على الرأي المشهور4- وهو من المشتقات التي لها بعض5 عمل- مثل: أعجبت بشوقي، أشهر الشعراء في عصره، وقولهم: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا.
و إضافة الوصف إلى الظرف مع وجود القرينة الدالة على المضي أو على الدوام؛ مثل: أزال ساطعُ الصباح البهيج حالكَ الليل البهيم، وكقوله تعالى عن نفسه:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
1 كما سيجيء في "ب" من ص40.
2 سيجيء الكلام عليها في أبوابها الخاصة، من هذا الجزء، ولها إشارة في ص30.
3 لا يكفي دلالتها على الزمن الماضي وحده، بل لا بد مع ذلك أن تفقد العمل؛ لفقد بعض شروطه. "وستجيء في ص238".
4 راجع الصبان والتصريح -وغيرهما- في هذا الموضع، ثم حاشية ياسين على التصريح ج2 باب:"أفعل التفضيل"، وعند الكلام على إضافته للنكرة. ويرى شارح المفصل "ج3 ص4" ومن معه أن إضافته غير محضة، ويطيل الإيضاح لهذا، ويؤكده.
5 كعمله الجر في المضاف إليه، والنصب في تمييزه، ولأنه يرفع الفاعل، ولا ينصب المفعول به؛ ففي مثل:"مررت برجل أفضل القوم" ما سمع فيه أفعل التفضيل مضافًا إلى المعرفة مع أن المفضل نكرة يعرب أفعل التفضيل بدلًا من المفضل، لا صفة له، بناء على الرأي الأشهر السالف؛ لكيلا تقع المعرفة نعتًا للنكرة. نعم إن البدل المشتق قليل؛ كما يقول الصبان عند كلامه على الإضافة غير المحضة، ولكنه جائز مع قلته ومخالفته للأكثر، "كما في ص38" ويعرب نعتا بناء على الرأي الآخر؛ لأنه لم يكتسب التعريف من المضاف إليه
…
وإذا أضيف: "أفعل" المراد به التفضيل، وجب أن يكون بعضًا من المضاف إليه، وفردًا من جنسه، نحو: محمد أفضل الناس، أو: أفضل القوم، فلا يصح: الحصان أفضل الطيور، ولا الطائر أفضل الخيول، كما سيجيء تفصيل هذا في ص402 من بابه.
والثانية: ما يغلب أن يكون فيها المضاف وصفًا1، عاملًا، دالًا على الحال، أو الاستقبال، أو الدوام. "ويسمى هذا الوصف: بـ"المشبه للفعل المضارع في العمل والدلالة الزمنية"، وينحصر في اسم الفاعل، واسم المفعول، بشرط أن يكونا عاملين، دالين على الحال، أو الاستقبال. وفي الصفة المشبهة في الرأي الراجح بين آراء أخرى قوية2 ولا تكون إلا للدوام غالبًا؛ نحو:"استجب لطالب الحق اليوم"، قبل أن ينتزعه بعامل القوة غدًا"- "إذا شاهدت غلامًا مشرد النظرات، موزع الفكر، مسلوب الهدوء، فاعلم أنه بائس يستحق العطف، أو جان يستحق الزراية" –"عظيم القوم من يهوى عظيمات الأمور".
ويلحق بالإضافة غير المحضة بعض إضافات أخرى سيجيء الكلام عنها في موضعه المناسب3 عند تناول ما سبق من بالإيضاح.
ولا بد في جميع حالات الإضافة المحضة وغير المحضة من أن يكون المضاف اسمًا4 وكذا المضاف إليه. وقد يقع المضاف إليه -أحيانًا- جملة؛ فيكون في حكم المفرد -كما سنعرف-5.
الأحكام المترتبة على الإضافة 6:
يترتب على الإضافة بنوعيها أحكام؛ فبعضها واجب، وبعضها جائز. وأشهر الأحكام الواجبة أحد عشر7:
1 ومن غير الغالب أن يكون المضاف غير وصف؛ كبعض الصور المتعددة الآتية في: "د" ص40 وما بعدها، ومنها الصورة التي تستعمل في مدح شخص، أو: ذمه، أو: الدعاء عليه، وهي "في ص46":"لا أبا لفلان" –على اعتبار زيادة اللام بين المتضايفين- وتفصيل الكلام عليها في ج1 م8 في الأسماء الستة.
2 انظر ص37، 29، 307.
3 في "د" من ص40. بما يسمى بالأنواع الشبيهة بالإضافة غير المحضة.
4 كما أشرنا في هامش ص2 ويجيء في ص7.
5 في ص28، 84.
1 للأحكام التفصيلية الآتية ملخص مناسب في ص70.
2 هذه الأحكام حتمية "أي: واجبة المراعاة والتطبيق" أما الأحكام الأخرى الجائزة فأشهر أربعة، ستذكر بعدها مباشرة في الزيادة والتفصيل ص62.
الأول: أن يكون "المضاف إليه" مجرورًا دائمًا1، ولا فرق بين أن يكون مجروًا في اللفظ؛ "نحو قول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتى العزائم
…
وتأتي على قدر الكرام المكارم
ونحو: من وثق بأعوان السوء لقي منهم شر المصائب
…
" ومجرور المحل2؛ نحو: من التمس تقويم ما لا يستقيم كان عابثًا، وإخفاقه محققًا. ونحو: نعم العربي؛ يسرع للنجدة حين يدعوه الداعي.. و.. فكلمة: "ما" مضاف إليه مبنية على السكون في محل جر. والضمير "الهاء" -في إخفاقه- مضاف إليه مبني على الضم في محل جر. والجملة المضارعية: "يدعو" مضاف إليه في محل جر.
وإذا كان المضاف إليه هو: "ياء المتكلم"3 فإنه يستوجب أحكامًا أخرى غير الكسر، ستجيء في باب خاص به4.
أما المضاف فلا بد أن يكون اسمًا -كما سبق- ويعرب على حسب حالة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو غير ذلك
…
والكثير أن يكون معربًا، ومنه ما يكون مبنيًا، ولا يمنعه البناء من أن يكون مضافًا؛ مثل: حين، حيث، إذ، إذا، لدن
…
و
…
5 وغيرها مما سيمر بعضه في هذا الباب
…
والمضاف هو عامل الجر في المضاف إليه6- تبعًا للرأي المشهور.
1 ومعناه يخالف معنى المضاف؛ لأن الإضافة -ولا سيما المحضة- تقتضي مغايرة المتضايفين في مدلولهما؛ "كما سيجيء، في رقم 6 من هامش ص40" إلا بعض الحالات هناك، ولا بد أن يكون المضاف إليه اسمًا، ولو تأويلًا؛ كما في هامش ص2 وفي ص6.
2 يكون مجرورًا في اللفظ إذا كان معربًا، ويكون مجرور المحل إذا كان مبنيا؛ كالضمائر، والموصولات، و
…
أو كان جملة، فالمبني والجملة كلاهما في محل جر.
3 الإضافة لياء المتكلم المحذوفة أو المنقلبة ألفًا تسمى "الإضافة المقدرة".
أما الإضافة للياء المذكورة فنوع من "الإضافة الظاهرة". -كما سيجيء في "ب" من ص173. وهذا تقسيم آخر للإضافة.
4 ص169.
5 لما تقدم في إشارة في آخر "ج" من هامش ص2.
6 قلنا في الجزء الثاني "باب حروف الجر، هامش ص 338 م89" إن جر الاسم بالإضافة هو سبب من أسباب ثلاثة أصيلة، كل واحد منها يوجب جره، أولها: جره بحرف الجر، =
الثاني: وجوب حذف نون المثني، ونون جمع المذكر السالم، وملحقاتهما -إن وقع أحدهما مضافًا مختومًا بتلك النون. فمثال حذفها من آخر المثنى المضاف قول الشاعر:
العين تعرف من عيني محدثها
…
إن كان من حزبها أو من أعاديها
ومثال حذفها من آخر الملحق بالمثنى1 قول الشاعر:
بدت الحقيقة غير خافٍ أمرها
…
واثنا2 عليٍّ يشهدان بما بدا
ومثال حذفها من جمع المذكر: الجنود حارسو الوطن، باذلو أرواحهم
= وثانيها: جره بالإضافة، وثالثها: جزء بالتبعية لمتبوع مجرور، كأن يكون التابع نعتًا، أو: معطوفًا، أو: توكيدًا، أو بدلًا، والمتبوع في كل تلك الحالات مجرور، فيجب جر التابع محاكاة له.
وهناك سببان آخران للجر؛ أحدهما الجر على: "التوهم"؛ ومن صواب الرأي إهماله، وعدم الاعتداد به "كما قلنا في ج1 ص 609 م 49 حيث توضيحه، وتفصيل الكلام عليه".
والآخر الجر على: "المجاورة"؛ والواجب التشدد في إغفاله، وعدم الأخذ به مطلقًا. "كما أشرنا في الموضع السابق وفي ج2 م82 ص323 وص401 م89". أما الداعي لاتخاذه سببًا للجر فورود أمثلة قليلة جدًا، وبعضها مشكوك فيه-، قد اشتملت على جر الاسم من غير سبب ظاهر لجره، إلا مجاورته لاسم مجرور قبله مباشرة؛ منها:"هذا حجر ضب خرب"، بجر كلمة:"خرب"، مع أنها صفة "لحجر" ولا تصلح صفة "لضب"؛ لأن الضب لا يوصف بأنه خرب، ومنها:
"يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم
…
" بجر كلمة: "كل"، مع أنها توكيد لكلمة: "ذوي" المنصوبة؛ إذ لو كانت توكيدًا لكلمة: "الزوجات" لقال كلهن. وقد تأول النحاة المثال الأول بأن أصله: هذا حجر ضب خرب الحجر منه، أو خرب جحره، ثم حذف ما حذف، وبقي ما بقي، واشتد الجدل في نوع المحذوف وصحة الحذف وعدم صحته، على الوجه المبين في المطولات "ومنها همع الهوامع ج2 ص55" وقالوا ف المثال الثاني إنه خطأ أو ضرورة.
واتفق كثير من أئمة النحاة على أن الجر بالمجاورة ضعيف، أو ضعيف جدًا. وجاء في "المحتسب" لابن جني -ج2 ص297- ما نصه:"إن الخفض بالجوار –أي: بالمجاورة- في غاية الشذوذ" ا. هـ بل جاء في كتاب "مجمع البيان" لعلوم القرآن" -ج3 ص335 ما نصه: "إن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزًا في كلامهم..". ا. هـ، أي: في كلام العرب؛ وعلى هذا لا يصح القياس عليه، ولا يستعمل إلا في المسموع "كما جاء في خزانة الأدب، للبغدادي، ج2 ص324".
1 من الملحق بالمثنى: "اثنان" و "اثنتان" وقد سبق تفصيل الكلام على المثنى وملحقاته في ج1 ص76 م9.
2 أي: عيناه، أو: صاحباه.
في حمايته. ومثال حذفها من الملحق1 به قولهم: أحب الناس للمرء أهلوه؛ فلا يقض سني حياته في معاداتهم، أو مقاطعتهم. وقول بعضهم يصف شهرًا من شهور الصيف: لقد اشتدت وقدته، وتأجج سعيره، وأحرقتنا ثلاثوه، وكان الأصل2 قبل الإضافة: عينين، اثنان، حارسون، باذلون، أهلون، سنين، ثلاثون.
فإن كانت النون الأخيرة ليست للتثنية ولا لجمع المذكر السالم، ولا لملحقاتها لم يجز حذفها من المضاف؛ كالنون التي في آخر المفرد، مثل: سلطان، حنان، وكالتي في آخر جمع التكسير، مثل: بساتين، رياحين؛ تقول: سلطان الضمير أقوى من سلطان القانون، حنان الآباء والأمهات لا يسمو إليه حنان أحد، كان العرب القدامى مفتونين ببساتين الشام ورياحينها، يكثرون القول في وصفها، والتغني بمباهجها.
1 ومن الملحق بجمع المذكر السالم: أرضون، سنون، عالمون، أهلون،
…
و
…
"وقد سبق الكلام على هذا الجمع وملحقاته في ج1 ص81 م11".
2 يجب أن يحذف مع نون المثنى وجمع المذكر حرف اللام الذي يقع فاصلًا بينها وبين ياء المتكلم الواقعة مضافًا إليه، في مثل: هذان أستاذاي، وهؤلاء أستاذِيَّ.
ومثل قول الشاعر:
خليليَّ إن المال ليس بنافع
…
إذا لم ينل منه أخر وصديق
وقولهم: إن مكرسِيَّ أهل تفضل لا أنساه.
والأصل: استأذن لي، أستاذون لي، خليلين لي، مكرمين لي، ثم حذفت اللام مع النون. وقيل أنها حذفت للتخفيف. وسواء أكان هذا أم ذاك فلا بد من حذف اللام مع النون، فلا قيمة للخلاف.. و
…
كما سيأتي في باب: "المضاف للياء". "رقم1 من هامش ص178".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
1-
هناك حالة يجوز فيها حذف النون وعدم حذفها من آخر المثني وجمع المذكر السالم، مع عدم إضافة كل منهما. وتحقق هذه الحالة في الإضافة غير المحضة حين يكون المضاف وصفًا عاملًا بعده معموله. والغالب1 في هذا الوصف أن يكون صلة "أل"؛ نحو: اشتهر المتقنان العمل، اشتهر المتقنون العمل
…
فعند إثبات النون في الوصف -كما في المثال- يتحتم إعراب كلمة: "العمل" مفعولًا به للوصف. وعند حذفها، مثل اشتهر المتقنا العمل، اشتهر المتقنو العمل يجوز في كلمة:"العمل" أمران:
أحدهما: الجر على اعتبارها مضافًا إليه، والوصف قبلها هو المضاف، حذفت من آخره نون التثنية، أو الجمع؛ بسبب إضافته.
والثاني: النصب على اعتبارها مفعولًا به للوصف، حذفت النون من آخره للتخفيف، لا للإضافة؛ إذ الوصف في هذه الصورة ليس مضافًا، وإنما حذفت من آخره "النون" -بالرغم من عدم إضافته-؛ متابعة لبعض القبائل التي تجيز حذفها من آخر المثني، وجمع المذكر السالم، بشرط أن يكون كل منهما وصفًا عاملًا يغلب1 أن يكون صلة "أل" وبعده مفعوله غير مجرور؛ كما شرحنا.
"1، 1" لأنها قد تحذف في حالات أخرى "سبق بيانها في ج1 م56 ص691 باب: لا النافية للجنس".
وإنما قلنا: الغالب في الوصف أن يكون صلة "أل" اعتمادًا على ما قاله الصبان هنا وفي الجزء الأول في باب: الإعراب؛ عند الكلام على حركة نون المثنى والجمع" حيث صرح فيهما بأن الوصف صلة. ومعلوم أن الوصف لا يكون صلة إلا لأل، أما غير الغالب فعدم وقوعه صلة لها، وهذا يفهم من كلامه في باب الإعراب السالف في الموضع المشار له. كما يفهم من ج2 آخر باب الإضافة عند كلامه على مواضع الفصل بين المتضايفين بشبه الجملة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لكن من الخير إهمال هذه الصورة اليوم، وعدم محاكاتها –وإن كانت محاكاتها جائزة، لما قد تحدثه من لبس وإبهام ينافيان الغرض الصحيح من اللغة، وما يجب أن توصف به. وإنما عرضناها، كما نعرض نظائر لها في بعض الأحيان، للسبب الذي نردده كثيرًا، وهو: الاستعانة بها على فهم الوارد منها. في النصوص القديمة، دون الموافقة على محاكاتها.
الثالث: وجوب حذف التنوين إن وجد في آخر المضاف قبل إضافته؛ كقولهم: بناء الظلم إلى خراب عاجل، وكل بنيان عدل فغير منهدم. فقد حذف التنوين من الكلمات المعربة: "بناء، كل، بنيان، غير
…
"، وبسبب الإضافة. ولو زالت الإضافة لعاد التنوين.
الرابع: وجوب حذف "أل" من صدر المضاف، بشرط أن تكون زائدة1 في أوله للتعريف، أو لغيره، وأن تكون الإضافة محضة، نحو: بلادنا تاج الفخار للشرق، وهي درة عقده. والأصل: البلاد، التاج، الدرة، العقد. فحذفت "أل" من أول كل مضاف.
فإن كانت "أل" غير زائدة؛ "نحو: ألف، وألباب"2 لم تحذف.
أما إن كانت الإضافة غير محضة، فيجب حذف "أل" أيضًا إلا في الحالات الأربع التالية3:
أ- أن توجد في المتضايفين معًا "أي: في المضاف والمضاف إليه، معًا"؛ نحو: الوالدان هما الرحيما القلب، العلماء هم المؤسسو الحضارة.
ب- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه، ويكون المضاف إليه مضافًا إلى اسم مبدوء بها؛ نحو: أعاون المؤسسي نهضة البلاد، وأعتقد أنهم الرائدو خير الوطن.
ج- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه ويكون المضاف إليه مضافًا
1 أي: بشرط أن تكون غير لازمة، واللازمة -هنا- هي المعدودة من بنية اللفظ، أي: من حروفه التي لا بد من وجودها ليؤدي المراد الأصيل منه، كالتي لا تفارق الأعلام مطلقًا؛ مثل:"ألكن، ألفيّ، وألطاف، وإلهام، وألوان، وألحان"- أعلاما
…
2 جمع: لب، بمعنى: عقل.
3 مما تجب ملاحظته: أن "الإضافة" تعتبر محضة لا يجوز فيها وجود "أل" في "المضاف" إذا كان المضاف "المشتق" دالًّا على الزمن الماضي فقط مع عدم استيفائه لبقية الشروط اللازمة للإعمال، "والتي يجيء بيانها في ص246؛ -كما سبق في ص5 و6"- فلا يصح: جاء العابر النهر أمس. فلا بد لصحة الجمع بين "أل" و"الإضافة" في المشتق العامل "كاسم الفاعل و
…
" أن يكون عاملًا زمنه للحال أو الاستقبال أو الاستمرار الذي يشمل الأزمنة الثلاثة؛ نحو: انظر العابر النهر الآن، انظر العابر النهر غدًا، إن الله المدبر الأمور.
إلى ضمير يعود على لفظ مشتمل عليها، نحو: المجد أنتم المدركو قيمته، والفضل أنتم الباذلو غايته.
د- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه بشرط أن يكون المضاف مثني أو جمع مذكر سالمًا؛ نحو: أنتما الصانعا معروف، أنتم الصانعو معروف. ومنه قول الشاعر:
وما لكلام الناس فيما يريبني
…
أصول، ولا للقائليه أصول
وفي غير هذه الحالات الأربع الخاصة بالإضافة غير المحضة يجب حذف "أل" كما قلنا. ففي كلمات مثل: العزيز، الشاهد، السارق، الأفضل
…
و
…
وأشباهها نقول فيها عند إضافتها: عزيز قومه مطاع فيهم، شاهد زور أكبر ضررًا من سارق مال. أفضل مواهب المرء عقله
…
و
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
1-
الكوفيون يجيزون في الإضافة المحضة دخول "أل" على المضاف، بشرط أن يكون اسم عدد، وأن يكون المضاف إليه هو المعدود، وفي أوله "أل" أيضًا؛ فلا بد من وجودها فيهما معًا، نحو: قرأت الثلاثة كتب في السبعة الأيام. وحجتهم في هذه الإجازة السماع عن العرب، وورود عدة أمثلة صحيحة تكفي عندهم للقياس عليها. والبصريون لا يجيزون هذا، مستندين في المنع إلى أن العدد مع المعدود هو ضرب من المقادير، والمقادير لا يجوز فيها ما سبق؛ فكما لا يصح أن يقال: اشتريت الرطل الفضة، -بالإضافة- لا يصح كذلك أن يقال: الثلاثة الكتب -بالإضافة- حملًا للنظير على نظيره، وقياسًا للشيء على ما هو من بابه. فَعِلَّة المنع عندهم:"التنظير".
والحق أن حجة الكوفيين هي الأقوى؛ لاعتمادها على السماع الثابت، وهو الأصل والأساس الذي له الأولوية والتفضيل؛ فلا مانع من الأخذ له لمن شاء غير أن المذهب البصري أكثر شهرة، وأوسع شيوعًا؛ فمن الخير الاكتفاء بمحاكاته؛ لتماثل أساليب البيان اللغوي، وتتوحد، حيث يحسن التماثل والتوحد1.
ب- في مثل: "جاء المكرمك". من كل وصف عامل مبدوء: بـ"أل" ومفعوله ضمير بعده2- يعرب هذا الضمير "وهو هنا: الكاف"
1 وهذا ما دعانا إلى استحسان الرأي البصري، والاقتصار عليه عند الكلام على المعرف "بأل" إذا أريد إضافته. "البيان، والصور المتعددة، ج1 ص320 م32".
2 ومنه قول الشاعر:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
…
وأن أشهد اللذات، هل أنت مخلدي؟
ومثل البيت الأخير من أبيات "شوقي" التالية، يخاطب أبا البنات، الذي لم يرزق بنين:
إن البنات ذخائر من رحمة
…
وكنوز حب صادق، ووفاء
الساهرات لعلة، أو كبرة
…
والصابرات لشدة وبلاء
…
والباكياتك حين ينقطع البكا
…
والزائراتك في العراء النائي
"الكبرة: الشيخوخة، العراء النائي: الخلاء والفضاء البعيدان. والمراد بهما: المقابر".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مفعولًا به في محل نصب، ولا تصح الإضافة؛ لوجود "أل" في صدر المضاف؛ إذ هذه الصورة ليست من الصور السالفة1 التي تباح فيها الإضافة مع وجود:"أل" في المضاف.
ويتعين في الضمير "الكاف" الجر المحلى بالإضافة إن كان الوصف مجردًا من: "أل" في مثل: "جاء" مكرمك"، لفقد التنوين؛ إذ لم نقل: جاء مكرم إياك. أما إن كان مفعول الوصف ظاهرًا بعده فإن آثار الإضافة ستظهر عليه جلية؛ وتتبين بجره، مع حذف التنوين من الوصف المضاف، وإلا فلا إضافة فينصب المفعول به بعد الوصف
…
ومثل الضمير "الكاف" في وجوب النصب: الضمير "الهاء" في: "أوضعه" من قولهم المأثور: "لا عهد لي بألأم قفًا منه، ولا أوضعه". بفتح العين -كما وردت سماعًا- فـ"الهاء" هنا مثل "الكاف" في المثال السابق. إلا أن "الكاف" مفعول به، و"الهاء" مشبه بالمفعول به هنا؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب مفعولًا به. وليست كلمة "أوضع" مضافة، و"الهاء" مضافة إليها؛ لأنها لو كانت مضافة لوجب جرها بالكسرة لا بالفتحة التي سمعت بها. على أنه لا مانع من جرها في استعمالنا الآن على الإضافة2.
وفي مثل: "مررت برجل أبيض الوجه لا أحمره"، يجوز جر:"أحمر" بالفتحة؛ على اعتباره معطوفًا على كلمة "أبيض"، و"الهاء" بعده في محل نصب؛ على "التشبيه بالمفعول به" للصفة المشبهة:"وهي أحمر" ويجوز جر: "أحمر" بالكسرة: على اعتباره معطوفًا على أبيض أيضًا، مضافًا، و"الهاء" مضاف إليه، مبنية على الضم في محل جر3.
1 في ص 12 وما بعدها.
2 لهذه المسألة اتصال وثيق بالحكم الهام الذي يجيء في ص422، باب:"أفعل التفضيل" خاصًا به إذا كان معطوفًا على "أفعل" آخر.
2 وقد نص على هذا صاحب المغني ونقله عنه الصبان في هذا الموضع من الباب.
الخامس: وجوب اشتمال الإضافة المحضة على حرف جر أصلي1، مناسب، اشتمالًا أساسه التخيل والافتراض، لا الحقيقية والواقع؛ فيلاحظ وجوده، مع أنه غير موجود إلا في التخيل، أو: في النية2 -كما يقولون-.
والغرض من هذا التخيل: الاستعانة بحرف الجر على توصيل معنى ما قبله إلى ما بعده؛ كالشأن في حرف الجر الأصلي3، وأيضًا الاستعانة على كشف الصلة المعنوية بين المتضايفين، "وهما: المضاف والمضاف إليه"، وإبانة ما بينهما من ارتباط محكم، وملابسة "أي: مناسبة" قوية لا تتكشف ولا تبين إلا من معنى حرف الجر المشار إليه4. بشرط أن يكون هذا الحرف خفيًّا متخيّلا، مكانه بين المضاف والمضاف إليه، وأن يكون أحد ثلاثة أحرف أصلية؛ هي: "من"، "في"، "اللام"5.
1 أما غير المحضة فالصحيح أنها لا تشتمل على حرف جر "خفي ملحوظ". وقيل: إنها تشتمل على "اللام"، والأول هو الأرجح الذي يجب الاقتصار عليه.
2 هذا تعبير النحاة.
3 أوضحنا هذا في باب حروف الجر، ج2 م89 ص340.
4 يرى بعض النحاة أن الإضافة المحضة ليست على تقدير حرف خفي، ولا على ملاحظة وجوده مع اختفائه وحجته: أنه لو كان هناك حرف خفي ملحوظ ما وقع فرق في المعنى بين: كتاب محمد، وكتاب لمحمد؛ فيتساوى المعنينان، مع أنهما غير متساويين في الواقع، لأن كلمة:"كتاب" الأولى معرفة، والثانية نكرة؛ وفرق كبير في المعنى بين المعرفة والنكرة.
وقد دفعوا حجته بمنع المساواة؛ قائلين: إن المراد من كون الإضافة على معنى حرف -كاللام مثلًا- مجرد ملاحظة معنى "اللام". وهذه الملاحظة المجردة لا تمنع من تعريف المضاف، ولا من تخصيصه، على الوجه الآتي في الحكم السادس ص23 ما دام حرف الجر مختفيًا لا يظهر في الجملة بين المتضايفين. أما إذا ظهر بينهما فإن الأمر يتغير؛ فتخلو الجملة عندئذ من اسم المضاف والمضاف إليه؛ لأن كلا منهما يفقد اسمه هذا بسبب ظهور حرف الجر، ويزول ما كان يكتسبه المضاف من المضاف إليه من تعريف أو تخصيص؛ حيث لا يوجد الآن إضافة مطلقًا.
فمجرد الملاحظة لا يستلزم المساواة التامة بين "كتاب محمد" و "كتاب لمحمد" من كل وجه، إذ المراد من "كتاب محمد"، بمعنى:"كتاب لمحمد" ملاحظة معنى "اللام" فقط دون التصريح بها، ودون منع تعريف أو غيره مما يستفيده المضاف من المضاف إليه. فالأمر مقصور على مجرد تفسير جهة الإضافة في المثال المذكور وأشباهه؛ من ناحية الملك، أو: الاختصاص، ونحوه، ليس غير.
5 وبسبب هذا الأثر المعنوي، مزيدًا عليه الأثر الموضح في الحكم السادس التالي ص23، سميت "إضافة معنوية"- كما سبق في رقم 1 من هامش صفحة 3، وكما سيجيء في صفحة رقم 24.
وإنما انحصر الاختيار في هذه الثلاثة؛ لأنها -دون غيرها- أقدر على تحقيق الغاية المعنوية؛ فالحرف: "من" يدل على أن المضاف بعض المضاف إليه.." والحرف: "في" يدل على أن المضاف إليه يحوي المضاف كما يحوي الظرف المظروف
…
والحرف: "اللام" يدل على ملكية المضاف إليه للمضاف، أو اختصاصه به بنوع من الاختصاص
…
فمثال: "من" قول أعرابية لابنها الخارج إلى القتال، وقد رأته متزينًا:
حرام على من يروم انتصارا
…
ثياب الحرير، وحلي الذهب
أي: ثياب من الحرير، وحلي من الذهب. ومثال "في" قول الشاعر:
ولقد ظفرت بما أردت من الغنى
…
بكفاح صبح، واجتهاد مساء
أي: بكفاح في صبح، واجتهاد في مساء. ومثال "اللام" قول الشاعر في وصف الصحف:
لسان البلاد، ونبض العباد
…
وكهف الحقوق، وحرب الجنف1
أي: للبلاد، للعباد، للحقوق، للجنف.
ومن الواجب التنبه لما قلناه من أن الحرف الجار -في الأمثلة السالفة وأشباهها- لا وجود له في الحقيقة الواقعة، ولا في التقدير الذي يقوم مقامها، وإنما وجوده مقصور على التخيل، ومجرد النية. ولهذا لم يعمل الجر في المضاف إليه -في الرأي المشهور- ولم يحتاجا معًا إلى عامل يتعلقان به؛ إذ التعلق لا يكون إلا للجار والمجرور الحقيقيين الأصليين. وبالرغم من أن هذا الحرف خيالي محض فإن التصريح به جائز في أكثر الإضافات المحضة2
…
ولكن أيصلح كل حرف من تلك الأحرف الثلاثة لكل إضافة محضة؛ بحيث يصح أن يحل هذا الحرف محل ذاك، والعكس، بغير ضابط ولا اشتراط شيء، أم أن الأمر في الاختيار مقيد بشرط خاص، وخاضع لضابط معين؟.
وبعبارة أخرى: أيباح استعمال كل واحد من الأحرف الثلاثة في كل إضافة
1 الميل عن الحق، الظلم.
2 سيجيء في قسم "أ" ص21 بعض الصور التي لا يصح فيها التصريح بحرف الجر.
محضة، أم أن لكل إضافة محضة حرفًا واحدًا يناسبها، ولا يصلح لها سواه؟.
نعم لكل واحدة منها حرف يناسبها، ولا يجوز اختيار غيره، وإلا فسد المعنى المراد، ولهذا قالوا: إذا صلح لواحدة أكثر من حرف جر وجب أن يختلف المعنى باختلاف الأحرف الجارة الصالحة؛ لأن لكل حرف من الثلاثة معنى خاصًّا به، لا يؤديه غيره، فلا يمكن أن تتفق المعاني في إضافة واحدة مع اختلاف هذه الأحرف.
وفيما يلي بيان الضابط الذي يراعى عند اختيار أحد الأحرف الثلاثة: "وقد جرى الاصطلاح النحوي عند اختيار حرف منها أن يذكر اسم الحرف؛ فيقال: الإضافة على معنى "من"1، أو: الإضافة على معنى: "في"، أو الإضافة على معنى: "اللام".
1-
تكون الإضافة على معنى: "من"، إن كان المضاف إليه جنسًا عامًا يشمل المضاف، ويصح إطلاق اسمه على المضاف، وإن شئت فقل: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، مع صلاحية المضاف لأن يكون مبتدأ خبره المضاف إليه2، من غير فساد للمعنى، مثل: ثياب حرير، حلي ذهب
…
فالحرير: مضاف إليه، وهو جنس عام، يشمل أشياء كثيرة؛ منها الثياب، وغيرها. والذهب جنس عام يشمل أشياء متعددة، منها الحلي وغيره، فالمضاف في الحالتين -ونظائرهما- بعض مما يشمله المضاف إليه، ولو سمي باسم المضاف إليه لكانت التسمية صحيحة، ولو وقع المضاف مبتدأ خبره المضاف إليه ما فسد المعنى، فيصح؛ الثياب حرير، الحلي ذهب..
1 هي "من البيانية" التي سبق بيانها وبين أحكامها الأخرى في باب حروف الجر ج2 ص338 م90.
2 إلا في المسألة التي في هامش الصفحة التالية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
من الإضافة التي على معنى: "من": إضافة الأعداد إلى المعدودات؛ نحو: اشتريت أربعة كتب. ويدخل في هذا النوع إضافة العدد إلى عدد آخر؛ نحو: عندي من الكتب ثلاثمائة1.
ومنها: إضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: بعت فدان قطن.
وإذا كانت الإضافة على معنى "مِن" جاز في المضاف إليه أوجه إعرابية أخرى، فيجوز أن يعرب بدلًا، أو عطف بيان، وتزول بوجودهما الإضافة وتكون حركة آخره تابعة لحركة المتبوع الذي كان مضافًا في الأصل. كما يجوز أيضًا -إن كان نكرة- نصبه على الحال أو التمييز بعد الاستغناء عن الإضافة؛ ففي مثل: هذه ساعة فضة، يصح إعراب:"فضة" مضافًا إليه مجرورًا، والمضاف هو كلمة:"ساعة" خبر مرفوع، مجرد من التنوين. ويصح في كلمة:"فضة" إعرابها بدلًا، أو عطف بيان، فتكون مرفوعة، تبعًا لكلمة "ساعة" المرفوعة، والتي يجب أن يرجع إليها التنوين في هذه الصورة بعد زوال الإضافة. ويصح أيضًا إعراب كلمة "فضة" حالًا أو تمييزًا؛ فيجب نصبها كما يجب تنوين كلمة:"ساعة" في هذه الصورة أيضًا، بعد زوال الإضافة.
ولكل صورة إعرابية من الصور الصحيحة السالفة معنى يختلف عن الآخر؛ لأن المعنى الذي يؤديه البدل أو عطف البيان يغاير ما يؤديه الحال أو التمييز، وكذا ما يؤديه هذان.
1 عرفنا أنهم اشترطوا في الإضافة التي على معنى: "من" أن يكون المضاف إليه جنسًا المضاف
…
، وأن يصح وقوع المضاف إليه خبرًا عن المضاف. لكن هذا لا يتحقق في إضافة العدد للعدد؛ إذ لا يصلح أن يقال: "الثلاث مائة
…
" غير أنهم قالوا إن إضافة العدد للعدد هي على معنى "من" ولا يضر عدم صحة الأخبار في الظاهر؛ لأن المراد بالمضاف إليه هنا الجمع فيشمل المضاف. فالمقصود من المائة "وهي المفرد المضاف إليه" المئات؛ فكأنك تقول: الثلاث مئات
…
وبهذا التأويل يتحقق الشرط السالف.
وقد يقال: لا داعي للتأويل والتقدير ما دامت العرب قد نطقت بهذا
…
ب- تكون الإضافة على معنى: "في" إن كان المضاف إليه ظرف زمان أو مكان واقعًا فيه المضاف1: نحو: يحرص كثير من الناس على رحلة الشتاء إلى المشاتي، ورحلة الصيف إلى السواحل البحرية. أى: رحلة في الشتاء، ورحلة في الصيف. ونحو: قول شوقي في وصف الظبي:
"عروس البيد، الفاتن كالغيد
…
إذا شرع في السماء روقيه2، خلته دمية محراب، أو شجيرة عليها تراب". يريد: عروس في البيد، دمية في محراب
…
ج- تكون الإضافة على معنى "اللام" إن كان معناها هو الذي يحقق القصد، دون معنى:"من" أو "في"؛ كالإضافة التي يراد منها بيان الملك، أو الاختصاص، في مثل: يضع العربي يده في يد أخيه، ويعاهده على النصر والتأييد والفداء. أي: يد له في يد لأخيه. وقول شوقي يخاطب أبا الهول3:
أبا الهول، أنت نديم الزمان
…
نجي الأوان4، سمير العصر5
أي: نديم للزمان -نجي للأوان- سمير للعصر، فالإضافة في هذه الصورة وأشباهها على معنى:"اللام" ولا تصلح أن تكون على معنى "من" أو: "في".
والغالب في اللام الملحوظة أن تكون لبيان الملك أو الاختصاص6. فإن صلح في مكانها ملاحظة حرف آخر وجب أن يقوم المعنى على ملاحظة الحرف الذي يحقق القصد؛ لأن لكل حرف -كما أشرنا7- معنى يؤديه؛ فالحرف الذي يؤدي المعنى الذي يريده المتكلم يكون هو الحرف المطلوب.
1 ليس من اللازم أن يكون المضاف إليه ظرفًا حقيقيًا للزمان أو المكان تنطبق عليه شروطهما، وإنما الغرض أن يكون وعاء للمضاف، وغلافًا يحتويه. ويكفي أن تكون الظرفية مجازية.
2 قرنيه: -تثنية: قرن-.
3 تمثال فرعوني من أقدم آثار الفراعين، وأروعها صورة، وأكملها إتقانًا، رأسه رأس إنسان وجسمه جسم أسد.
4 الزمن الحديث.
5 بمعنى: الدهر. أو: جمع عصر.
6 انظر رقم "1" في الصفحة التالية، وقد سبق شرح هذا في الجزء الثاني، باب: "حرف الجر. ص364 م90.
7 في ص18.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
1-
قد تكون الإضافة على معنى: "اللام" ولكن لا يصح التصريح1 بهذا الحرف، مثل: يوم السبت، يوم الأحد،
…
و
…
ومثل: علم الحساب، علم الهندسة،
…
و
…
وفي هذه الحالة يكتفي من اللام بتحقيق الغرض من مجيئها؛ وهو: إفادة الاختصاص.
وهناك صور أخرى لا يصح التصريح فيها باللام إلا إذا تغير لفظ المضاف، وحل محله لفظ آخر يرادفه أو يقاربه؛ ومن هذه الصور: ذو مال، عند علي، -مع الوالد- كل رجل.. فتصير بعد التغيير الذي لا يفسد المعنى: صاحب مال، مكان علي، مصاحب الوالد، أفراد الرجل.
2-
الأصل أن تكون النسبة الإضافية قوية، أي: أن تكون الصلة المعنوية بين المضاف والمضاف إليه وثيقة، والربط بينهما محكمًا بحيث يظهر ويتحقق جليًّا معنى الحرف:"من" أو: "في" أو: "اللام" على حسب القصد. وهذه الإضافة تسمى: "الإضافة قوية الملابسة""أي: قوية المناسبة".
وقد تقوم دواعٍ بلاغية تقتضي أن تكون الصلة بين المضاف والمضاف إليه ضعيفة، لكنها واضحة مفهومة، ويعبرون عنها بأنها "الإضافة لأدنى ملابسة"2، ومن أمثلتها: "قمر القاهرة
ساحر، شمس حلوان3 رائعة". فقد أضيف القمر إلى القاهرة، ونسب إليها، إضافة على معنى "اللام" فأين ما تفيده الإضافة التي على معنى "اللام" من الملك أو الاختصاص؟
…
إن صلة القمر بمدينة القاهرة ضعيفة لا تستحق تلك الإضافة، ولا هذه النسبة؛ إذ يشاركها فيها آلاف من البلاد الأخرى؛ فلا داعي لاستئثارها بالقمر. غير أن
1 أشرنا لما يأتي في رقم 2 من هامش ص17.
2 وهي جائزة في السعة والضرورة. "أي: في النثر والشعر، وملحقاته
…
".
3 إحدى ضواحي القاهرة، جنوبًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هناك داعيًا بلاغيًّا اقتضى هذه النسبة وتخصيص القمر بالقاهرة؛ هو: إفادة أنه يمنحها ما لا يمنح سواها، ويضفي عليها جمالًا قلَّ أن تفوز به مدينة أخرى، فكأنه خاص بها، مقصور عليها. ومثل هذا يقال في المثال الثاني وأشباهه1.
1 كقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} . فقد أضيف الضحا إلى: "ها" التي هي ضمير العشية، فالتقدير: كأنهم لم يلبثوا إلا عشية، أو ضحا العشية. ولا صلة هنا تربط المضاف بالمضاف إليه ربطًا معنويًا قويًا يحقق معنى الحرف إلا صلة واهية؛ هي: أن الضحا أول النهار والعشية آخره؛ فبينهما أزمنة أخرى، لكل زمان منها اسمه الخاص. ولكن البلاغة اقتضت إغفال هذه الأزمنة، وإجراء إضافة لأدنى ملابسة بين المضاف والمضاف إليه، وكقولهم:"نجم الأحمق"؛ وهو نجم كان إذا أشرق ورآه بعض الحمقى، هدأ واستراح، وخفت حدة حمقه. وكذلك ما جاء في "الكامل" للمبرد "ج1 ص243"، ومن قول الشاعر:
أهابوا به؛ فازداد بعدًا، وصدَّه
…
عن القرب منهم ضوء برق ووابله
فقد أضاف الشاعر كلمة: "وابل" إلى ضمير "البرق"؛ فكأنه أضافها إلى البرق نفسه؛ قائلًا "وابل البرق" مع أن "الوابل" ليس للبرق، قال المبرد: قد يضاف ما كان كذلك على السعة كقول الشاعر:
حتى أنخت قلوصى في دياركمو
…
بخير من يحتذي نعلًا وحافيها
فأضاف "الحافي" إلى "النعل" وهو يريد: حاف منها.
السادس: استفاد المضاف من المضاف إليه تعريفًا أو تخصيصًا؛ بشرط أن تكون الإضافة محضة؛ فيستفيد الأول من الثاني، ويبقى الثاني على حالة1 لم يفقد شيئًا بسبب الاستفادة منه.
وإيضاح هذا: أنه -في الإضافة المحضة- إذا كان المضاف نكرة: وأضيف إلى معرفة -فإنه يكتسب منها التعريف مع بقائها معرفة؛ كقولهم: كلام المرء عنوان لعقله، وعقله ثمرة لتجاربه. فالكلمات:"كلام، عقل، تجارب" هي في أصلها نكرات، لا تدل كلمة منها على معين، ثم صارت معرفة بعد إضافتها إلى المعرفة، واكتسبت منها التعيين الذي يزيل عن كل واحدة منها إبهامها وشيوعها. ومثل كلمة:"يد" المضافة للمعرفة في قول الشاعر:
الغنى في يد اللئيم قبيح
…
قدر قبح الكريم في الإملاقِ
فإن كان المضاف معرفة باقية على التعريف لم يصح -في الأغلب- إضافته إلى المعرفة2؛ لأنه لا يستفيد منها شيئًا، ولهذا السبب لا يصح أيضًا إضافة المعرفة الباقية على تعريفها إلى النكرة.
أما إذا كان المضاف نكرة وأضيف إلى نكرة فإنه يكتسب منها -مع بقائها على حالها- "تخصيصًا" يجعله من ناحية التعيين والتحديد في درجة بين المعرفة والنكرة؛ فلا يرقى في تعيين مدلوله إلى درجة المعرفة الخالصة الخالية من الإبهام والشيوع، ولا ينزل في الإبهام والشيوع إلى درجة النكرة المحضة الخالية من كل تعيين وتحديد. ومن أمثلته قولهم:"فلان رجل مروءة، وكعبة أمل، وغاية فضل"
…
فالكلمات: "رجل، كعبة، غاية"
…
نكرات محضة قبل إضافتها، فلما أضيفت إلى النكرة قلت أفراد كل مضاف بعد الإضافة؛
1 إذا توالت الإضافات، نحو: هذا بيت والد محمود، وقرأت أكثر قصائد ديوان شعر المتنبي
…
انتقل التعريف أو التخصيص من المضاف إليه الأخير إلى الذي قبله، فالذي قبله حتى يصل إلى المضاف الأول.
"راجع الصبان ج1 آخر باب أداة التعريف. وكذا المفصل ج6 ص34".
2 قد يصح إضافة العلم بعد تنكيره، وإزالة علميته، لداعٍ من الدواعي التي تقتضي إضافته. وفي ج1 ص204 م23 بيان هذا وتفصيله.
فكلمة: "رجل" تدل على أفراد لا حصر لها؛ منها رجل مروءة، رجل علم، رجل حرب
…
إلى غير هذا من رجال لا عدد لهم، فإذا قلنا:"رجل مروءة" انحصر الأمر في نوع معين من أفراد الرجل، ولم يبق مجال لدخول أفراد أخرى؛ كرجل علم، أو حرب، أو زراعة، أو
…
وكذا كلمة: "كعبة" و "غاية" وأشباهها؛ فكل كلمة من هذه الكلمات قد اكتسبت نوعًا من "التخصيص" أفادها بعض التجديد الذي خفف من درجة إبهامها وشيوعها، وإن كانت لم تستفد التعريف الكامل، ولم تبلغ في التعيين درجة المعرفة الأصلية
…
واستفادة المضاف من المضاف إليه التعريف1 أو التخصيص على الوجه المشروح هي الأثر المعنوي الثاني الذي ينضم إلى الأثر المعنوي الناشئ من الحكم الخامس2، فيحدث من انضمامها معًا إدراك السبب الحقيقي في تسمية هذا النوع من الإضافة المحضة:"بالإضافة المعنوية" كما أشرنا من قبل3.
وهناك ألفاظ مسموعة ملازمة للتنكير في الأغلب؛ لا تفيدها الإضافة المحضة تعريفًا، ولا تخصيصًا في أكثر الاستعمالات؛ ولذا تسمى:"بالألفاظ المتوغلة4 في الإبهام"؛ ومنها: غير، حسب، مثل،
1 سبق شرح النكرة والمعرفة في ج1 ص144 م17 ومن ذلك الشرح السابق نعلم أن المعارف مختلفة في درجة التعريف وقوتها، متفاوتة من هذه الناحية، وأن المضاف إلى معرفة هو درجة المضاف إليه، إلا المضاف للضمير؛ فإنه في درجة العلم على الصحيح.
2 انظر ص16.
3 في رقم 1 من هامش ص3 وفي رقم 5 من هامش 16.
4 سبقت الإشارة للألفاظ المتوغلة في الإبهام "أي: المتعمقة المتغلغلة في داخله" في رقم 3 من هامش ص190 من الجزء الأول "م17" ثم الجزء الثاني في بابي: "الظرف والاستثناء م79 و82 ص280 و321". وقلنا في باب الظرف، ص238 م79 ما ملخصه:"إن اللفظ المتوغل في الإبهام هو: الذي لا يتضح معناه إلا بما يضاف إليه، وأنه في أكثر أحواله لا يستفيد من المضاف إليه تعريفًا، إلا بأمر خارج عن الإضافة؛ كوقوع كلمة: "غير" بين ضدين معرفتين "كما نص على هذا "العكبري" في أول كتابه: "إملاء ما منَّ به الرحمن
…
-أول سورة الفاتحة- ج1 ص5" في مثل: رأيت العلم غير الجهل، وعرفت العالم غير الجاهل، وقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فوقوع كلمة "غير" بين ضدين معرفتين أزال إبهامها؛ لأن جهة المغايرة تتعين بخلاف خلوها من ذلك في مثل: أبصرت رجلًا غيرك. فكل رجل سواك هو غيرك؛ فلا تعيين ولا تخصيص
…
وبهذه المناسبة نعرض لكلمة "غير" من ناحية دخول "أن" عليها أو عدم دخولها فننقل ما جاء في المصباح المنير، في مادة "غير" ونصه: "تكون وصفًا للنكرة، تقول: جاءني رجل غيرك. وقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} إنما وصف بها المعرفة؛ لأنها أشبهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= فعوملت معاملتها، ووصف بها المعرفة. ومن هنا اجترأ بعضهم فأدخل عليها الألف واللام، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخل ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام. ولك أن تمنع الاستدلال وتقول: الإضافة هنا ليست للتعريف، بل للتخصيص. والألف واللام لا تفيد تخصيصًا فلا تعاقب إضافة للتخصيص ولا تدخله الألف واللام
…
". ا. هـ.
وجاء في الصبان -عند الكلام على ما يسيمه بعض النجاة: "الإضافة شبه المحضة" وما كان منها شديد الإبهام لا يقبل التعريف، كغير، ومثل، وشبه
…
- ما نصه وقد نقله عن غيره: "ينبغي أن هذه الكلمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فيما استثني لا تتعرف "بأل" أيضًا؛ لأن المانع من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها "بأل". ونقل الشنواني عن السيد أنه صرح في حواشي الكشاف بأن "غير" لا تدخل عليها "أل" إلا في كلام المولدين" ا. هـ. وسيجيء الكلام عليها بمناسبة أخرى في ص131.
وكذلك الشأن في كلمة: "مثل" إذا أضيفت لمعرفة بغير وجود قرينة تشعر بمماثلة خاصة؛ فإن قولنا: "مثل محمد" يشمل أفرادًا لا عداد لها؛ منها واحد في طوله، وآخر في عمله، وثالث في علمه، ورابع في حسنه، و.... و.... وهكذا مما لا آخر له". فالإضافة للمعرفة لا تعرفها، ولا تزيل إبهامها؛ ولهذا وقعت نعتًا للنكرة في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا؛ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أما إن أضيفت إلى معرفة، وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة فإنها تتعرف، نحو: راقني هذا الخط، وسأكتب مثله. وهذا معنى قولهم: إذا أريد بكلمة "غير" و"مثل" مغايرة خاصة، ومماثلة خاصة حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في كلمة: "غير" إذا وقعت بين متضادين. وأما قوله تعالى: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} حيث وقعت كلمة "غير المتوسطة بين المتضادين" المضافة للمعرفة صفة لنكرة –فتعرب هنا بدلًا، وإن كانت جامدة، ولا داعي لإعرابها صفة "راجع الكعبري، في أول الفاتحة، ثم الأشموني والصبان، أول باب الإضافة، عند الكلام على الإضافة غير المحضة".
"ملاحظة": تصدى لبحث هذه المسألة مؤتمر المجمع اللغوي المنعقد بالقاهرة في دورته الخامسة والثلاثين "شهر فبراير سنة 1969"، وارتضى الرأي القائل: إن كلمة "غير" الواقعة بين متضادين تكتسب التعريف من المضاف إليه المعرفة، ويصح في هذه الصورة التي تقع فيها بين متضادين وليست مضافة أن تقترن بأل فتستفيد التعريف. وفيما يلي النص الحرفي لقرار المجمع منقولًا من مجلته "الجزء الخامس والعشرين الصادر في نوفمبر سنة 1969 ص202" بناء على اقتراح لجنة الأصول بالمجلس التي تقول:"تختار اللجنة -وفاقًا لجماعة من العلماء- أن كلمة: "غير" إذا وقعت بين ضدين لا قسيم لهما، تتعرف بإضافتها إلى الثاني منهما إذا كان معرفة. وإذا كانت "أل" تقع في الكلام معاقبة للإضافة فإنه يجوز دخول "أل" على "غير" فتفيدها التعريف في مثل الحالة التي تعرفت فيها بالإضافة إذا قامت قرينة على التعيين
…
". ا. هـ.
واللفظ المتوغل في الإبهام لا يصلح -في أكثر حالاته- لأن يكون نعتًا أو منعوتًا، ومنه:"قبل" و "بعد"، ما عدا بعض ألفاظ منها "غير" و "سوى" فيصلحان للنعت -كما سيجيء في باب: النعت، ص466.
بقي أن نذكر ما قرره النحاة بشأن الألفاظ المبهمة التي لم تستفد التعريف من المضاف إليه المعرفة. فسيبويه والمبرد يقولان: إن الإضافة في هذه الحالة غير محضة، فائدتهما التخفيف، وما يتصل به مما عرفناه، وما يجيء مفصلًا في ص30. وغيرهما يقول: إنها محضة ومعنوية تفيد التخصيص، وإن كانت لا تفيد التعيين.
ناهيك1"
…
فإنها نكرات "في أغلب حالاتها" وإن أضيفت لمعرفة؛ نحو: غيرك، حسبك، مثلك
…
ومنها: المعطوف على مجرور "رب"، والمعطوف على التمييز المجرور بعد "كم"، نحو: رب ضيف وأخيه هنا -كم رجل وكتبه رأيت- وسبب ذلك أن المجرور بعد "رب" و "كم" لا يكون إلا نكرة؛ فما عطف عليها فهو نكرة كذلك؛ لأنه في حكم "المعطوف عليه" من ناحية أن عامل الجر فيه هو العامل في المعطوف عليه، فكلا "المعطوف والمعطوف عليه" لا بد أن يكون نكرة، أو في حكم النكرة؛ ليصلح معمولًا للعامل المشترك.
وقيل: إن المعطوف في الحالتين السالفتين يكتسب التعريف من المضاف إليه المعرفة، ولا داعي للتمسك بتنكيره بسبب العامل:"رب" أو "كم"؛ لما تقرر2 من أن التابع قد يغتفر فيه ما لا يغتفر في المتبوع. وسبق3 أن الأخذ بهذا الرأي أولى.
ومنها: كلمة: "وحْد" و"جهْد"، و"طاقة" في مثل قولهم:"يحترق الحاسد وحده، ويتمنى جهده أن تزول نعمة المحسود، ويجتهد طاقته أن يلحق به النقائض والعيوب". وهي -في أكثر استعمالاتها- أحوال مؤولة. والحال في أصله لا يكون إلا نكرة، وتأويل تلك الكلمات:"منفردًا"، "جاهدًا"، "مطيقًا"4.
وإلى هنا انتهى الكلام على "الإضافة المحضة"، من ناحية ما يكسبه المضاف
= هذا، ومن الألفاظ السماعية المتوغلة في الإبهام: شبهك "بكسر فسكون أو بفتح الأول والثاني"، ضربك، تربك، نحوك، ندك؛ وكلها بمعنى: نظيرك في علم أو سن، أو نحوهما، خدنك، بمعنى: صاحبك: "شرعك، قدك، قطك" والثلاثة، بمعنى حسبك. ولا يقاس على هذه الألفاظ غيرها مما لم يرد به السماع. وهناك أمور خاصة تتعلق بالظروف المبهمة وأحكامها سبقت في ج2 ص203 و78 ص238 م79، وسيجيء هنا بعض أحكام مناسبة تختص بالمبهم ص66 و80 و87.
1 معناها في مثل: ناهيك السفر
…
، السفر ناهيك عن التطلع لغيره؛ لكفايته. وقد سبق بيان معناها وإعرابها في ج1 ص326 م33.
2 انظر ج1 ص444 م48 وج2 ص262 م81.
3 هنا وفي ج1 م90 ص405.
4 سبقت لها الإشارة في ج2 ص297 م84.
من التعريف أو التخصيص، وننتقل إلى "غير المحضة" للكلام عليها من هذه الناحية1:
1 فيما سبق يقول ابن مالك مختصرًا:
نونًا تلي الإعراب، أو تنوينا
…
مما تضيف، احذف، كطور سينا
أي: احذف مما تضيفه: "نونًا" تلي الإعراب "وهي نون المثنى، ونون جمع المذكر السالم، وملحقاتهما. وتقع بعد علامة الإعراب؛ لأنها تقع بعد ألف المثنى، ويائه، وبعد واو جمع المذكر السالم، ويائه. وهذه الحروف هي علامة إعرابهما".
وكذلك احذف: "التنوين" الذي في آخر الاسم الذي تريد إضافته. ومثَّل لحذف التنوين من المضاف بكلمة: "طور" عند إضافتها إلى كلمة: "سينا" و"الطور" اسم جبل في صحراء "سينا" أو: "سيناء"، وهي من الحدود المصرية في الشمال الشرقي، ثم قال:
والثانيَ اجررْ، وأنو:"من" أو: "في" إذا
…
لم يصلحِ إلا ذاك. و: "اللام" خُذا
لِمَا سوى ذينك. واخصص أولا
…
أوَ أعطمه التعريف بالذي تلا
يريد: اجرر الثاني دائمًا، وهو المضاف إليه. وعند جره وإتمام الإضافة انو وتخيل وجود الحرف "من" أو "في" إذا لم يتحقق المعنى المراد إلا على نية أحدهما. فإن لم يصلح أحدهما فخذ -بعد ذلك- اللام، وانوها في كل موضع سوى الموضع الصالح لأحد ذينك الحرفين. أي: أن اللام لا تنوي في الموضع الذي يصلح له الحرف "من" أو "في". وقد عرفنا أن هذه الحروف لا تجر المضاف إليه، ولا تحتاج معه إلى عامل يتعلقان به. وإنما الذي يجره هو المضاف.
ثم قال: اخصص الأول "وهو المضاف" أو: عرفه بالذي تلاه، "وهو المضاف إليه". يريد: أن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه. وهذا كله في الإضافة المحضة؛ فيتخصص المضاف النكرة بالمضاف إليه النكرة، ويتعرف المضاف النكرة بالمضاف إليه المعرفة. أما المعرفة الباقية على تعريفها فلا تضاف لمعرفة ولا لنكرة. وقد سبق شرح هذا مفصلًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يادة وتفصيل:
إذا كانت الإضافة "محضة" والمضاف إليه جملة، فإن هذه الجملة في حكم المفرد المضاف إليه، لأنها تؤول بمصدر لفعلها، مضاف إلى فاعله إن كانت الجملة الفعلية، وبمصدر خبرها مع إضافته إلى مبتدئه إن كانت اسمية. ولا يحتاج هذا المصدر المؤول إلى أداة سبك، فالأولى: أزورك حين يوافق الوالد. وتأويلها: أزورك حين موافقة الوالد. والثانية: أزورك حين الوالد موافق، وتأويلها: أزورك حين موافقة الوالد.
ويترتب على ما سبق أن المصدر الناشئ من التأويل يكون معرفة إن أضيف لمعرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف لنكرة1. نعم إن الجمل نكرات في حكمها2 ولكن لا ينظر لهذا هنا، ووقوع الجملة صفة للنكرة المحضة في كل الأحوال لا يقدح في هذا؛ لأنها صفة باعتبار ظاهرها، وقطع النظر عن تأويلها بمصدر مضاف للمعرفة أو نكرة.
2 وستجيء إشارة لهذا ولفائدة الإضافة للجملة –وشروط هذه الجملة- في ص84 وفي رقم 2 من هامش ص78 وقد سبقت أيضًا في آخر باب الموصل ج1 ص295 م29.
2 إيضاح هذا في باب النعت عند الكلام على وقوع الجملة نعتًا "في ص480" أما الحكم على الجملة نفسها بأنها نكرة أو معرفة ففي "و" من ص480، لهذا إشارة في ج2 هامش ص311م 84، وفي باب:"النكرة والمعرفة" ج1 ص142 م17.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عودة إلى الإضافة غير المحضة:
عرفنا1 أن الإضافة غير المحضة: هي التي يغلب أن يكون المضاف فيها "وصفًا2 عاملًا"، "وزمنه للحال، أو الاستقبال، أو الدوام". ومتى اجتمع الأمران -الوصفية العاملة، والزمنية المعينة كان المضاف مشتقًا يشبه مضارعه في نوع الحروف الأصلية التي تتكون منها صيغتهما، وفي المعنى، والعمل، وكذلك في نوع الزمن غالبًا، وهذا كله يتحقق في المضاف إذا كان اسم فاعل يعمل عمل فعله، أو اسم مفعول كذلك، فكلاهما وصف عامل، زمنه للحال أو للاستقبال على حسب المناسبات، كما يتحقق في الصفة المشبهة3 الأصلية أيضًا؛ لأنها تعمل عمل فعلها اللازم، وتفيد في أكثر حالاتها الدوام والاستمرار، وهذان يقتضيان أن تشتمل دلالتها على الأزمنة الثلاثة:"الماضي، والحال، والمستقبل"، إذ لا يتحقق معنى الدوام والاستمرار بغير عناصره الأساسية الثلاثة. فلا يمكن أن تكون للماضي وحده -وإلا كانت إضافتها محضة- ولا للمستقبل وحده. وكذلك لا يمكن أن تخلو من الدلالة على زمن الحال؛ فلا بد أن تشتمل الدلالة على الثلاثة؛ المضي والحال والاستقبال، إلا أن دلالتها على الحال أقوى تحققًا ووجودًا من دلالتها على غيره، وبسبب هذا كانت إضافتها غير محضة في رأي كثير من النحاة4.
أما باقي المشتقات غير ما ذكرناه هنا بقيوده؛ من اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة؛ فإضافته محضة، لانطباق شروطها عليه، دون شروط الأخرى. فمثال اسم الفاعل: يشكو راكب الباخرة اليوم بطئها بالنسبة للطائرة. وغدًا يشكو راكب الطائرة بطئها بالنسبة "للصاروخ"؛ فكلمة: "راكب" في الجملتين مضافة. وهي في الأولى اسم فاعل للزمن الحالي، وفي الثانية اسم
1 في ص6.
2 أي: اسمًا مشتقًا.
3 في هذا الجزء –ص281- باب خاص بها؛ يبين خصائصها وأحكامها التي منها: أنها لازمة كفعلها، وأنها تدل على الحال دائمًا وتدل معه على غيره –كما سيجيء- لأنها تفيد الدوام في أكثر أحوالها، والدوام يستلزم الحال، مزيدًا عليه زمن آخر.
4 بيان الرأي الحق في هذه المسألة في ص37.
فاعل للزمن المستقبل. وكقولهم: من تراه جاحد النعمة الساعة تراه فاقدها غدًا. ويدخل في اسم الفاعل صيغ1 المبالغة العاملة أيضًا؛ كقولهم: في هذا الشهر يتفرغ فلان للعبادة؛ فتراه صوام الفم نهارًا عن الطعام، حذر اللسان من اللغو، حبيس النفس عن الهوى. ومثال اسم المفعول: مجهول القدر اليوم قد يصير معروف المكانة غدًا.. ومثال الصفة المشبهة قولهم:
عزيز النفس من يأبى الدنايا
فإن فقد المضاف أحد الشرطين كانت الإضافة محضة؛ كأن يفقد الوصفية لكونه اسمًا جامدًا، غير مؤول بالمشتق؛ كالمصدر في نحو: بذل الودَّ والنصيحة لمن لا يستحقها كبذر الحب في الصخر الأصم. أو يفقد العمل دون الوصفية بسبب أنه من المشتقات التي لا تعمل مطلقًا؛ "كأسماء الزمان، والمكان والآلة". أو يكون في أصله من المشتقات العاملة، ولكنه فقد شرطًا من شروط العمل؛ فلا يعمل؛ كاسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا للماضي2 الخالص دون دلالة على الحال والاستقبال، نحو: باذل الخير أمس يسعد اليوم بما قدم، وماضي أعماله عنوان صفحته التي كان بها مسرورًا أو محزونًا.
أثر الإضافة غير المحضة:
لا تأثير لها في المعني في أغلب الأحيان؛ لأنها ليست على نية حرف من حروف الجر الثلاثة التي يفيد كل منها الفائدة التي أوضحناها فيما سلف3 ولأنها لا تكسب المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا، والتعريف والتخصيص
1 لها بحث خاص يجيء في ص257.
2 وكذلك إن لم يدلَّا على زمن مطلقًا، فعند عدم دلالتها على الزمن وخلو الأسلوب مما يدل عليه تكون إضافتهما محضة، كما تقدم في ص5.
3 في ص16، والذي يدل على أنها ليست على نية حرف الجر إمكان الاستغناء عنها في كل أسلوب من أساليبها من غير أن يتأثر معناه، -في الأغلب- ومن غير أن تزاد عليه كلمة، أو تنقص منه، أو يتغير ترتيب كلماته. ويتلخص هذا الاستغناء، بألا نطلق على الوصف اسم:"المضاف" ولا نطلق على معموله اسم المضاف إليه؛ وإنما نعرب الوصف على حسب حاجة الجملة، من غير تسميته مضافًا، ولا نجعل المضاف إليه المجرور معمولًا للوصف؛ إما فاعلًا له مرفوعًا، وإما مفعولًا به على حسب حاجة الوصف، ويزول الجر السابق. فهذه الإضافة غير لازمة، ولا دائمة، ولا يتأثر في الأغلب –المعنى المعين بوجودها أو بالعدول عنها؛ بل إن العدول عنها هو الأصل "كما في ص34" لأن الوصف شبيه بالفعل، يعمل عمله، من الرفع أو النصب، والفعل لا يعمل الجر، فكذا ما يشبهه؛ بخلاف المحضة فهي لازمة لأداء المعنى المراد، ولا سبيل للمحافظة عليه إلا بتغيير يتناول الأسلوب في كلماته، أو ترتيبها، أو فيهما معًا.
أثران معنويان لا صلة للإضافة غير المحضة بجلبهما للمضاف، وعلى هذا لا نصيب لها من التأثير المعنوي الذي "للمحضة".
والدليل على أنها لا تفيد "المضاف" تعريفًا دخول "رب" عليه مع إضافته للمعرفة1. مثل: "رب مخرج الزكاة، مسرور بإخراجها -قد أبطل ثوابها بالمن والأذى". فلو أن المضاف؛ وهو: مخرج- اكتسب التعريف من المضاف إليه ما دخلت عليه "رب"؛ لأنها لا تدخل إلا على النكرات2.
وشيء آخر؛ هو أن هذا المضاف إلى المعرفة يصح أن يقع نعتًا للنكرة، فكيف يقع نعتًا للنكرة إذا صح أنه يكتسب من المضاف إليه التعريف ويصير معرفة، والمعرفة لا تكون نعتًا للنكرة3؟ ومن الأمثلة لوقوعه نعتًا للنكرة: أتخير للصداقة زميلًا مخلص المودة، مأمون العثرات. باذل الجهد في الإخاء4.
كما أن الدليل على أنها لا تفيد المضاف تخصيصًا هو أن الأصل قبل
1 ومن الأدلة أيضا وقوع المضاف لمعرفةٍ حالًا في الإضافة غير المحضة -مع أن الحال المطردة لا تكون إلا نكرة- كقول المتنبي بلسان عجوز وَفِيّ:
خلقت ألوفًا؛ لو رجعت إلى الصبا
…
لفارقت شيبي موجع القلب باكيًا
2 سبق تفصيل الكلام عليها في ج2 ص381 م90. وبعض الأمثلة المأثورة يجيء هنا في هامش ص35.
3 ومثلها الاسم النكرة الذي دخله التخصيص فإنه يقع نعتًا للمعرفة في الصحيح.
إلا مسألة يصح أن يقع فيها المشتق الذي إضافته غير محضة، وكذلك غيره من النكرات، نعتًا للمعرفة، هي أن يكون المنعوت منادى، نكرة مقصودة، ونعتها نكرة "كالوصف المضاف إضافة غير محضة
…
" نحو: يا ساكت مستمع الخطيب الآن، أو المستمع الخطيب الآن. فالمشتق نعت ونكرة، مع أن المنعوت نكرة مقصودة معرفة بالقصد والنداء. فاختلف النعت والمنعوت تعريفًا وتنكيرًا، وقد قالوا: إن هذا الاختلاف في المسألة السالفة مقبول؛ لأن تعريف النكرة المقصودة تعريف غير أصيل، فهو طارئ، والتعريف الطارئ الذي كتعريفها يتسامح فيه، فتوصف بالمعرفة أو بالنكرة، ولا يصح هذا في غيرها من المعارف "راجع التصريح ج2 باب النداء عند الكلام على القسم الثاني، وكذا الخضري والصبان، باب: تابع المنادى. وستجيء لهذا إشارة في باب النعت هنا، ص550، وفي ج4 باب حكم تابع المنادى م130 رقم 8 من هامش ص42".
4 في باب النعت، أمثلة مأثورة، عند الكلام على النعت بالمشتق ب ص465.
الإضافة في مثل: "أتخير زميلًا مخلص المودة، باذل الجهد،
…
" هو: مخلصًا المودةَ
…
باذلًا الجهدَ
…
بنصب كلمتي "المودة" و"الجهد" مفعولين للوصف، والمفعول به يخصص الوصف؛ فتخصيص الوصف ثابت ومتحقق قبل أن يصير مضافًا ويصير مضافًا إليه مجرورًا.
أ- وإنما فائدتها: "التخفيف اللفظي"؛ بحذف نون المثنى، وجمع المذكر السالم وملحقاتها من آخر المضاف إذا كان وصفًا عاملًا. وكذلك حذف التنوين من آخره؛ فكل من النون والتنوين يحدث ثقلًا على اللسان عند النطق بالوصف مع معموله من غير إضافتهما. فإذا جاءت الإضافة زال الثقل، وخف النطق. يتضح هذا الثقل في مثل: "أنتما خطيبان الحفل غدًا، وساحران الألباب فيه
…
ولا أشك أن سامعين الخطاب، وعارفين الفضل سيعجبون بكم أشد الإعجاب" وفي مثل: "تخيرت زميلًا، مخلصًا المودة، باذلًا الجهد
…
".
ويختفي الثقل حين نضيف الوصف إلى معمولة، ونحذف النون والتنوين من آخر الوصف المضاف؛ فنقول:"أنتما خطيبا الحفل غدًا، وساحر الألباب فيه، ولا أشك أن سامعي الخطاب، وعارفي الفضل -سيعجبون أشد الإعجاب". كما نقول: "تخيرت زميلًا مخلص المودة، باذل الحهد
…
".
ب- وقد تكون فائدتها الفرار من القبح الذي يلازم بعض الصور الإعرابية الجائزة مع قلتها وضعفها. فمن الجائز الضعيف في أساليب الصفة المشبهة أن نقول: الصديق سمح الطبع، عف اللسان، مخلص المودة، بإعراب كلمة:"الطبع" المرفوعة فاعلًا للصفة المشبهة قبلها. وكلمة: "اللسان" فاعلًا مرفوعًا للصفة المشبهة قبلها. وكذلك كلمة: "المودة" وأشباهها. ففي هذا الإعراب الجائز نوع من القبح جعله ضعيفًا؛ هو: خلو أسلوب الصفة المشبهة من ضمير يعود إلى الاسم الذي يقع عليه معناها ومدلولها1. ومن الجائز نصب تلك الكلمات الثلاث المرفوعة، وإعرابها: "شبيهة بالمفعول به" وليست مفعولًا به؛
1 لأن أسلوب الصفة المشبهة في أكثر الاستعمالات الفصيحة لا يكاد يخلو من هذا الضمير الذي يعد بمنزلة الرابط بين الصفة والمشبهة وما تجري عليه. "أي بين الصفة المشبهة وما ينطبق عليه مدلولها ومعناها". كما سيجيء في بابها ص309 و310 – م105.
لأن الصفة المشبهة تصاغ من الفعل اللازم؛ فهي كفعلها لا تنصب المفعول به فإذا وقع بعدها معمولها وكان نكرة منصوبًا أعرب "تمييزًا"، أو:"شبيهًا بالمفعول به"، وإن كان معرفة أعرب شبيهًا بالمفعول به؛ كالكلمات الثلاثة السالفة؛ فإنها لا تصلح تمييزًا؛ لعدم تنكيرها. فضبطها بالنصب -مع جوازه- يؤدي إلى ما يسمى:"الشبيه بالمفعول به". وهذا النوع قد يختلط أمره على كثير؛ فيقع في وهمهم أنه مفعول به، مع أنه ليس بالمفعول به الصريح.
وإذا كان الرفع والنصب قبيحين في تلك الكلمات -ونظائرها- فإن الجر بالإضافة خالٍ من ذلك القبح، وفيه ابتعاد عما يستكره1 كقول الشاعر:
وإذا جميل الوجه لم
…
يأت الجميل فما جماله؟
ولما كانت فائدة هذه الإضافة مقصورة على التخفيف بحذف التنوين ونوني المثنى وجمع المذكر السالم، من آخر المضاف، وعلى التحسين المترتب على إزالة القبح، وهما أمران لفظيان -سميت:"إضافة لفظية"؛ لوقوع أثرها المباشر على الألفاظ دون المعاني؛ إذ أنها -في الأغلب- لا تؤثر في المعاني؛ كما سبق "فلا تفيد المضاف تعريفًا، ولا تخصيصًا، ولا تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثة المعروفة
…
" وقد يسمونها –لهذا-: "الإضافة المجازية"2؛ لأنها لغير الغرض الحقيقي من الإضافة، وهو الغرض المعنوي الذي أوضحناه.
أما تسميتها: "بغير المحضة" فلأن المضاف فيها لا بد أن يكون في
1 هذا تعليل نحوي. وهو –على حسنة المصنوع- ليس مقنعًا. والتعليل الحق هو الاستعمال العربي المأثور، الذي يتغلب فيه الجر على الرفع والنصب في تلك الأمثلة ونظائرها. أما العرب أهل اللغة الأصيلة فلا علم لهم بشيء مما نحن بصدده، "من مفعول، وشبهه، وعائد ورابط، وصفة مشبهة،
…
و
…
" ولو أنهم نطقوا بالمعمول مرفوعًا أو منصوبًا أكثر من نطقهم به مجرورًا لكان التعليل الحق -لاستحسان الرفع والنصب- هو محاكاة العرب ليس غير.
2 كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص3 وفي ص23، ويقولون: ليس المراد "بالمجازية" أنها بمعنى "المجاز" المعروف في البلاغة، الذي يحتاج إلى علاقة وقرينة
…
وإنما المراد أنها إضافة في الظاهر والصورة، لا في الحقيقة والمعنى.
الأغلب1 وصفًا عاملًا -كما سبق- وأكثر الأوصاف العاملة يرفع ضميرًا مستترًا عند الإضافة. وهذا الضمير المستتر -برغم استتاره- يفصل بين الوصف المضاف، ومعموله المضاف إليه، ويجعل الإضافة غير خالصة الاتصال، وغير متمكنة من أداء مهمتها بسبب الفاصل؛ إذ الأصل الغالب في الإضافة الأصيلة ألا يقع بين طرفيها فاصل يضعف قوة الارتباط والاتصال بينهما.
وشيء آخر؛ هو أنه يمكن العدول عن الإضافة اللفظية، بالرجوع إلى الأصل الذي كان قبلها من غير أن يتأثر المعنى -في الأكثر- وذلك بجعل المضاف إليه معمولًا مرفوعًا، أو منصوبًا، على حسب حاجة الوصف بعد إزالة تلك الإضافة؛ ولهذا يصفونها بأنها على:"نية الانفصال، يريدون: أنها في النية والتقدير ليست موجودة، وليست ملحوظة؛ لأن الذي يلحظ ويعتبر موجودًا تتجه إليه النفس هو الأصل الأصيل؛ ففي مثل: "الصديق خالص النصح" -بالإضافة- يكون التقدير الملحوظ في النفس هو: "الصديق خالص النصح"، والمعنيان متحدان. ولكن الأسلوب الثاني الخالي من الإضافة هو الأصل الذي يُنوَى ويلاحظ؛ بسبب اعتبار الوصف شبيهًا بالفعل في بعض نواحيه التي منها العمل. والفعل يرفع دائمًا، وقد يرفع وينصب، وهو في كل حالاته لا يعمل الجر، فالأنسب فيما يشبهه أن يكون كذلك، والمخالفة -لداعٍ أقوى- هي مخالفة للأصل، والداعي لها أمر طارئ له اعتباره، ولكنه لا ينسينا الأصل الأول المكين، ومن ثم كان هو الملحوظ مع وجود الإضافة غير المحضة، وكانت معه على نية الانفصال2.
مما تقدم يتضح -مرة أخرى- السبب في تسمية النوع الأول: "بالإضافة المحضة"، أو:"المعنوية"، أو:"الحقيقية"3 وما يترتب على هذا من آثار مختلفة، منها: عدم زيادة "أل" في أول المضاف، في حين يجوز -أحيانًا-
1 انظر رقم 1 من هامش ص6.
2 ينطبق على هذا التعليل ما سبق في رقم 1 من هامش الصفحة الماضية.
3 سبق إيضاح آخر لهذا في رقم 1 من هامش ص3 وفي ص24 وص30.
زيادتها في المضاف إذا كانت الإضافة غير محضة؛ كما شرحنا1.
1 في ص12. وفيما سبق من الأحكام يشير ابن مالك إلى بعضها تاركًا بعضًا آخر؛ فيقول:
وإن يشابه المضاف "يفعل"
…
وصفًا- فعن تنكيره لا يعزل
كرُبَّ راجينا عظيم الأملِ
…
مروع القلب، قليل الحيلِ
يريد: أن المضاف إذا كان وصفًا مشبهًا: "يفعل" "أي: مشبهًا الفعل المضارع في العمل والدلالة على الحال والاستقبال
…
"، فإنه لا يعزل عن التنكير؛ أي: لا يفارق التنكير مطلقًا؛ سواء أكان مضافًا إلى معرفة أم نكرة؛ لأن هذه الإضافة لا تفيد تعريفًا ولا تخصيصًا، وضرب لهذا أمثلة تؤيد ما يقول: هي: "رب راجينا" فالمضاف -وهو كلمة "راج"- اسم فاعل لم يكتسب التعريف بإضافته إلى الضمير: "نا" بدليل، دخول "رب" على هذا المضاف؛ وهي لا تدخل إلا على النكرات. ومن الأمثلة الواردة قول شاعرهم:
يا رب غابطنا لو كان يطلبكم
…
لاقى مباعدة منكم وحرمانا
وكذلك المضاف: "عظيم"؛ فإنه صفة مشبهة، أضيفت إلى المعرفة بعدها؛ فلم تكسب منها التعريف؛ بدليل أن كلمة:"عظيم" هذه تعرب نعتًا لكلمة: "راج" النكرة، ولا يمكن أن تكون المعرفة نعتًا للنكرة -إلا في مسألة سبقت في رقم 3 من هامش ص31، وكذلك:"مروع"؛ فإنها اسم مفعول مضاف للمعرفة بعده، ولم يكتسب منها التعريف؛ بدليل إعرابه صفة لكلمة:"راج" النكرة. كما سبق. ومثله كلمة: "قليل" فإنها صفة مشبهة مضافة للمعرفة بعدها، ولم تكتسب منها التعريف؛ بدليل إعرابها نعتًا لكلمة:"راج". ومثلها: "هديًا" في قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} . ثم بين أن الإضافة التي من هذا النوع تسمى: "لفظية"، وأما التي من النوع الآخر فتسمى:"محضة" و"معنوية"؛ فاللفظية: لا تفيد تعريفًا ولا تخصيصًا، بخلاف الأول حيث يقول:
وذي الإضافة اسمها: "لفظية"
…
وتلك "محضة" ومعنوية
وأوضح بعد هذا أن زيادة: "أل" جائزة في أول المضاف الذي إضافته لفظية-، بشرط أن تزاد أيضًا في الثاني "أي: في المضاف إليه" أو في الذي أضيف إليه الثاني
…
يقول:
ووصل "أل" بذا المضاف مغتفرْ
…
إن وصلت بالثان؛ كالجعد الشعَرْ
أو بالذي له أضيف الثاني
…
كزيد الضاربُ رأس الجاني
ساق مثالين؛ أحدهما مثل: "راقني عناية الجعدِ الشعرَ بتصفيفه"، للمضاف المبدوء "بأل" "وهو: الجعد"؛ وللمضاف إليه: المبدوء بها أيضًا "وهو: الشعر"؛ فهي داخلة عليهما معًا.
والآخر؛ وهو: "زيد الضارب رأس الجاني" المضاف المبدوء "بأل""وهو: الضارب"، وللمضاف إليه، الخالي منها مباشرة "وهو: رأس" ولكنه مضاف، وبعده المضاف إليه: "الجاني" المبدوء بها
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= ثم ذكر بعد هذا حالة أخرى يصح أن يكون فيها المضاف وحده مبدوءًا بـ "أل"؛ وهي الحالة التي يكون فيها المضاف وصفًا مثنى، أو جمعًا اتبع سبيل المثنى "أي: تحققت فيه الشروط الواجبة في المثنى"؛ وهو جمع المذكر السالم؛ يقول:
وكونها في الوصف كافٍ إن وقعْ
…
مثنىً أو جمعا، سبيله اتبعْ
يريد: يكفي وقوع "أل" في صدر المضاف الذي إضافته غير محضة بدون اشتراط شيء آخر سوى اشتراط أن يكون ذلك المضاف وصفًا مثنى، أو جمعًا تحققت فيه شروط التثنية "وهو جمع المذكر السالم". وقد ترك بقية الحالات الأخرى التي تدخل فيها "أل" على المضاف إذا كانت الإضافة غير محضة؛ وما يتبع هذا من شروط وتفصيلات أوضحناها في الصفحة السابقة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
1-
في هذا الجزء أبواب خاصة بالمشتقات، لكل منها باب مستقل شامل، وسنكتفي هنا بلمحة موجزة تناسب ما نحن فيه، ولا تغني عن الرجوع إلى تلك الأبواب.
اسم الفاعل: اسم مشتق، يدل على أمرين معًا:"معنى مجرد، وصاحب هذا المعنى". ولا بد في اسم الفاعل أن يشتمل على حروف مضارعه الأصلية، وأن يماثله في ترتيبها، وترتيب حركاتها، وسكناتها؛ مثل: قاعد ويقعد، ذاهب ويذهب، منصت وأنصت، متعلم ويتعلم
…
وهو يفيد حدوث معناه، ولا يفيد الدوام أو الثبوت، إلا إذا تخلى عن دلالته الخاصة، وانتقل إلى اختصاص آخر؛ وهو: اختصاص "الصفة المشبهة". وهي: اسم مشتق؛ يدل على أمرين معًا: "معنى مجرد، ولكنه ثابت دائم. أو كالدائم، وصاحب هذا المعنى". فدلالتها على الزمن شاملة أنواعه الثلاثة، بسبب ذلك الدوام1، ولا بد أن تشتمل على الحروف الأصلية لمضارعها، ولكنها -في الغالب- لا تماثله في ترتيب الحركات والسكنات إلا إذا كانت في الأصل اسم فاعل أريد به الدوام2. فمثال الصفة المشبهة الأصيلة: فَرِحٌ ويفرح، حَسَنٌ ويحسن، بليغٌ ويبلغ
…
ومثال الصفة المشبهة التي كانت في أصلها اسم فاعل يفيد الحدوث، ثم أريد بها الدوام والثبوت بعد ذلك كلمة: بَاسِم، مشرق، محارب؛ في مثل: فلان باسم الثغر، مشرق الوجه، محارب الطغيان.
وإذا كانت الصفة المشبهة دالة على ثبوت معناها ودوامه -غالبًا- فإن زمنها بمقتضى هذه الدلالة لا بد أن يشمل –كما سبق3- الماضي، والحال، والمستقبل. فكيف تكون إضافتها "غير محضة"، مع أننا اشترطنا في "غير المحضة": أن يكون الزمن فيها الحال، أو الاستقبال؟.
الحق: أن إضافتها قد تكون محضة في بعض الصور، وغير محضة في
1 كما سبق في ص29.
2 كما سيجيء في هامش ص238 وفي ص342 و308.
3 في هذه الصفحة وكذا في ص29 حيث الإيضاح.
أخرى1؛ فقد قالوا: إن الاستمرار "أو: الدوام" يحتوي على الأزمنة الثلاثة دائمًا. لكن قد توجد قرينة تقوي جانب الزمن الماضي على غيره -وللقرينة المقام والاعتبار الأول دائمًا- فتضاف الصفة وتعمل الجر مع تلك القرينة؛ إذ تتغلب الإضافة، وتكتسب الصفة التعريف من المضاف إليه؛ ككلمة:"مالك" في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
…
فكلمة: "مالك" وصف مشتق؛ زمنه يشمل الماضي، والحال، والمستقبل؛ لأن الله مُتَّصف بصفة التملك في جميع الأزمان. وقد وجدت قرينة تدل على تغليب الزمن الماضي؛ فصارت الإضافة بسببها محضة2؛ وهذه القرينة هي: أن كلمة: "مالك" نعت للفظ الجلالة: "الله" وهو أعرف المعارف، فلا يمكن أن يكون نعته نكرة؛ فلا بد أن تكون كلمة:"مالك"، معرفة. فمن أين جاءها التعريف؟ لا سبيل لاكتسابها التعريف إلا من المضاف إليه، وقد اكتسبه أيضًا من الإضافة إلى ما بعده. وكل هذا يقتضي أن تكون إضافة الصفة هنا محضة.
ولو أعربنا كلمة: "مالك" بدلًا، أو: عطف بيان؛ لكان في هذا الإعراب -مع جوازه- عدول عن الظاهر الشائع؛ وهو: إعراب المشتق نعتًا، لا بدلًا، ولا عطف بيان؛ إذ يغلب على الأول الاشتقاق، وعلى الأخيرين الجمود -كما تقدم3- هذا إلى أن إضافة الوصف إلى الظرف الدال بالقرينة على المضي أو على الدوام محضة4، عند جمهور النحاة.
أما إذا تغلب جانب الحال أو الاستقبال، بأن قامت قرينة تؤيد أحدهما فالإضافة غير محضة؛ فلا يتعرف بها الوصف، ولا يتخصص، ويجوز إزالتها، وإعمال الوصف في معموله عملًا آخر غير الجر؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى:
1 انظر ص6 و307.
2 لما سبق في: "د" من ص5 من أن إضافة المشتق الماضي الزمن محضة.
3 في رقم 5 من هامش ص5 ويجيء في ص665.
4 وقد سبقت الإشارة لهذا في "و" ص5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{فَالِقُ الإِصْبَاحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} 1؛ فجعل الليل سكنًا أمر لا يقتصر على زمان دون آخر؛ فقد وقع في الماضي، وهو يقع الآن، وسيقع بعد ذلك، غير أن الكلام فيه ما يقوي جانب الحال والمستقبل على الماضي، ويجعل الإضافة غير محضة؛ هو أن المحضة تقتضي -غالبًا- أن يكون المضاف اسمًا جامدًا، أو في حكم الجامد، فلا يعمل؛ وهذا يؤدي إلى اعتبار كلمة:"جاعل" في حكم الجامد، فلا تنصب مفعولًا به، ولا مفعولين، وإلى إعراب كلمة:"سكنا" المنصوبة، مفعولًَا به لعامل محذوف، تقديره "يجعل"، أو ما يماثله، وكأن الأصل: جاعل الليل يجعله سكنًا. وفي كل هذا عدول عن النسق الظاهر، والإعراب الواضح الذي يدخل الوصف "جاعل" هو وفعله في سلك الألفاظ العاملة التي تنصب مفعولين. وقد أضيف الوصف إلى أحدهما، ونصب الثاني مباشرة، فلا حاجة إلى تأول وتقدير يبعدان عن هذا السنن الواضح.
وشيء آخر؛ هو: أن زمن الوصف في الآية دائم مستمر؛ يشمل الماضي والحال، والمستقبل. ولكن هذا الدوام الزمني ليس متصل الأجزاء بغير انقطاع، وإنما يتخلله انقطاع يزول، ثم يعود مرة فأخرى؛ فحين يجعل الله الليل سكنًا يكون الليل موجودًا، وحين لا يجعله سكنًا يختفي. ثم يجعله مرة أخرى؛ ثم يزيله، ثم يعيده؛ وهكذا دواليك؛
…
فالاستمرار موجود حقًّا؛ ولكنه على ما وصفنا من توالي الإيجاد والإزالة بغير توقف، ومن تجدد الظهور والاختفاء بغير انقطاع2، أما الدوام المتصل على حالة واحدة، هي: جعل الليل سكنًا في جميع لحظات الزمان وأوقاته - فلا وجود له.
ولما كان الانقطاع والتجدد هما من خصائص الفعل المضارع، وزمن المضارع هو الحال أو الاستقبال كان الوصف "المشتق" الذي يشاركه فيهما شبيهًا به من الناحية المعنوية، ومحمولًا عليه في ناحية أخرى، هي
1 شيئًا يستريح إليه المتعب بالنهار، ويسكن للراحة والاطمئنان فيه. "انظر ج"ص"40".
2 وهذا يسمى: الاستمرار المتجدد، أو الاستمرار التجددي، وله إشارة أخرى في رقم 4 من هامش ص247، وفي رقم 2 من هامش ص282.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدلالة الزمنية أيضًا. أي: أنه شبيه به في الدلالة على التجدد والحدوث، وفي الدلالة الزمنية المعينة. وإذا كانت دلالة الوصف الزمنية على هذه الشاكلة فإن إضافته غير محضة1.
ب- إذا كان الوصف المضاف مطلق الزمن؛ أي: لا دليل معه يبين نوعًا من أنواع الزمن الثلاثة كانت إضافته محضة؛ نحو: "صاحب السلطان كراكب السفينة"2
…
فلا قرينة في المثال تدل على ربط المعنى المقصود بزمن معين؛ ماضٍ، أو حال، أو مستقبل، أو ما يشمل الثلاثة
…
"وقد سبقت الإشارة لهذا"3.
ج- أشرنا4 إلى أن إضافة الوصف إلى الظرف نوع من الإضافة المحضة، وأوضحنا شرط ذلك؛ كالمثال السابق:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي: مالك الأمر والنهي في يوم الدين. بخلاف: "جاعل الليل سكنًا"؛ لأن الليل مفعول به، في الأصل قبل الإضافة، وليس ظرفًا، وإلا فسد المعنى5.
د- من الإضافة غير المحضة ما يأتي من الأنواع الملحقة بها6؛ وهي:
1-
إضافة الاسم إلى اسم آخر كان قبل الإضافة نعتًا للمضاف؛
1 كل ما سبق تعليل خيالي -مقبول هنا- للأمر الواقع المستمد من الكلام العربي. والعلة الأولى هي الكلام العربي نفسه، وأنه يسير على النظام الذي سبق تعليله، برغم أن العرب لا تعرف اصطلاح الإضافة المحضة، ولا غير المحضة.
2 يريدون بذلك: أن راكبها لو سلم من الغرق لم يسلم من الفرق. أي: من الخوف.
3 في "ج" من ص5.
4 في "و" ص5. وفي ص38.
5 إذ المراد -عند أصحاب هذا الرأي- جعل الليل نفسه بظلامه وانقطاع الحركة والعمل فيه، وبخصائصه الأخرى هو للسكن، لا أن السكن واقع فيه. "وسبقت إشارة للآية في آخر ص38".
6 وبعض صوره لا يختلف فيه معنى المتضايفين، مع أن الأصل في الإضافة بنوعيها، ولا سيما المحضة -كما سبق في رقم 1 من هامش ص7- أن يختلف فيها معنى المتضايفين، ومدلولهما. ويدور الجدل في الأنواع التي سنذكرها -وهي التي أشرنا إليها عابرة في تلك الصفحة وسنفصلها هنا، وبعد الفراغ من تفصيلها نعرض -في ص47 وما بعدها- للجدل وموضوعه، ونبدي الرأي فيه، وفي كل ما تناوله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"وهذا ما يعبرون عنه بأنه إضافة الاسم المنعوت إلى نعته". كقولهم: "صلاة الأولى" تذهب الخمول. كان الخلفاء السابقون يقصدون "مسجد الجامع"؛ ليذيعوا على الناس ما يريدون إذاعته. إني أحرص على "ديانة القيِّمة"؛ لأسعد.
والأصل: الصلاة الأولى، أو: صلاة الساعة الأولى. المسجد الجامع أو: مسجد الوقت الجامع، الديانة القيِّمة، أو ديانة الملة القيِّمة1.
2-
إضافة الاسم إلى اسم آخر كان قبل الإضافة منعوتًا للمضاف. فصار بعدها هو المضاف إليه. "أي: إضافة النعت إلى منعوته" كقوله تعالي: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} . وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} والأصل في الآيتين: اليقين الحق، فتقدمت الصفة على الموصوف، وصارت مضافًا، وصار الموصوف مضافًا إليه مجرورًا. ومثله ما جاء في خطبة قائد بين جنوده: "إن العدو لن يعبأ بكم إلا إذا أحس منكم صادق الجهاد، وعظيم البلاء، وملأتم قلبه فزعا، وضربتموه كما تضرب عوادي الوحوش، وطردتموه كما تطرد غرائب الإبل، وتركتم جنوده بين صريع وأسير
…
" أي: الجهاد الصادق. البلاء العظيم، الوحوش العوادي، الإبل الغرائب
…
3-
إضافة المسمى إلى الاسم2؛ نحو: شهر3 رجب معظَّم في
1 في الأمثلة السالفة حذف المضاف إليه المنعوت، وأقيم النعت مقامه، فصار مضافًا إليه. "انظر ما يتصل بهذا في ص50".
2 وعكسه "وهو إضافة الاسم إلى المسمى" مثل إضافة: "لدن وعند" طبقًا لما سيجيء في ص119.
3 جاء في التصريح –ج2 باب التوكيد عند الشاهد: "يا ليت عدة حول كله رجب"
ما نصه: "قال الدنوشري: هل "رجب" منصرف، وكذلك "صفر" أو لا؟ قال سعد الدين في حاشيته على الكشاف: إن أريد بهما معين فهما غير منصرفين وإلا فمنصرفان. قال ناصر الدين اللقاني: وكأن وجه ذلك أن المعين معدول عن الرجب وعن الصفر، كما قالوا في "سحر" إنه معدول عن السحر فيما أريد به "سحر" بعينه؛ ففيهما العلمية والعدل. وقد يقال: إن المانع هو العلمية والتأنيث باعتبار المدة". ا. هـ، وستجيء إشارة لهذا في باب الممنوع من الصرف ج4 ص196 م147.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجاهلية والإسلام. شجر التفاح كثير في الشام. وهذه هي إضافة: "البيان أو: "الإضافة البيانية" التي يقصد منها إيضاح الأول وبيانه بالثاني1، وهي كثيرة في استعمالنا؛ كإضافة الأيام والعلوم إلى أسمائها؛ مثل: يوم الخميس. يوم الجمعة. علم الحساب. علم الهندسة
…
ولها أمثلة أخرى وردت في المطولات، منها قولهم: لقيته ذات مرة، أو ذات ليلة. مررت به ذات يوم. داره ذات اليمين، أو؛ ذات الشمال. مشينا ذا صباح2
…
ومن المفيد المهم أن ننقل هنا ما دونه ابن يعيش شارح المفصل3 خاصًا بهذا. قال ما نصه "مع حذف بعض الأمثلة، اكتفاء ببعض":
"اعلم أنهم قد أضافوا المسمى إلى الاسم مبالغة في البيان؛ لأن الجمع بينهما آكد "أقوى" من إفراد أحدهما بالذكر. وفي ذلك دليل من جهة النحو على أن الاسم عندهم غير المسمى؛ إذ لو كان إياه لما جاز إضافته إليه، وكان من إضافة الشيء إلى نفسه. فالاسم هو اللفظ المعلق على الحقيقة؛ عينا كانت تلك الحقيقة، أو معنى؛ تمييزا لها باللقب مما يشاركها في النوع،
1 فرق بعض النحاة بين الإضافة التي "للبيان"، والإضافة البيانية؛ بأن التي للبيان يكون بين جزأيها عموم وخصوص مطلق، وأن "البيانية" يكون بين جزأيها عموم وخصوص من وجه. وهذا الخلاف شكلي؛ لا أثر له؛ لأنه محصور في المراد من اصطلاح معين عند كل فريق. هذا وقد سبق "في ج1 ص19 م2" معنى العموم والخصوص المطلق والوجهي.
2 "ذا" و "ذات" -ولهما بيان آخر خاص بإضافتهما، في ص74- من الظروف غير المتصرفة بشرط إضافتهما للزمان، دون غيره؛ فيلتزمان النصب على الظرفية الزمنية إلا على لغة ضعيفة رفضها جمهور النحاة. ومن الأمثلة التالية ما يساير هذه اللغة. كما أن "ذات" قد تضاف إلى كلمة:"اليمين" أو "الشمال" وهما من الظروف المكانية، فتصير ظرفا مكانيًا متصرفًا ومنصرفًا. وقد تكون اسمًا محضًا مستقلًا، معناه حقيقة الشيء وماهيته، والنسب إليها:"ذووي" باعتبارها أصلها، أو:"ذاتي" باعتبار لفظها الحالي. "طبقا لما سبق في ج1 م26 ص358، أما البيان التفصيلي ففي باب النسب ج4 م178 ص554".
3 في ج3 ص12.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمسمى تلك الحقيقة؛ وهي ذات اللقب، أي: صاحبته1. فمن ذلك قولهم: "لقيته ذات مرة"، والمراد: الزمن المسمى بهذا الاسم الذي هو: مرة. ومثله: "ذات ليلة، ومررت به ذات يوم، وداره ذات الشمال، وسرنا ذا صباح" كل هذا معناه وتقديره: داره شمالًا، وسرنا صباحًا
…
، بالطريق التي ذكرناها. إلا أن في قولنا: ذا صباح، وذات مرة –تفخيما للأمر. "ومن ذلك قول الشاعر:
عزمت على إقامة ذي صباح
…
لأمر ما يسود من يسود
المراد: على إقامة صاحب هذا الاسم، وصاحبه هو: صباح؛ فكأنه قال: على إقامة: صباح
…
ومثله قول الكميت:
إليكم ذوي آل النبي تطلعت
…
نوازع من قلبي ظماء وألبب2
فالمراد: يا آل النبي، أي: يا أصحاب هذا الاسم الذي هو آل النبي، ولو قال:"يا آل النبي" لم يكن فيه ما في قوله: "يا ذوي آل النبي" من المدح والتعظيم. وفائدة هذا الأسلوب ظاهرة؛ لأنه لما قال: يا ذوي آل النبي جعلهم أصحاب هذا الاسم؛ وهو آل النبي. ومن كان صاحب هذا الاسم كان ممدوحًا معظمًا لا محالة
…
ومثله قول الأعشى:
فكذَّبوها بما قالت: فصحبهم
…
ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا3
أي: صبحهم الجيش الذي يقال له: آل حسان.
ومثله قول الآخر:
1 بمعنى أنها الذات المختصة به، المرادة منه.
2 الألبب جمع: لب، والقياس: ألب بالإدغام الذي منع منه ضرورة الشعر".
3 "يزجي = يسوق. الشرع: كعنب، جمع شرع؛ بكسر فسكون، وهو الثأر والوتر".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا ما كنت مثل ذوي عدي
…
ودينار، فقام على ناعي
أي: مثل كل واحد من الرجلين المسميين "عديًا"، و"دينارًا"
…
"وحكي عن العرب: هذا ذو زيد، ومعناه: هذا صاحب هذا الاسم، وقد كثر ذلك عندهم. وربما لطف1 هذا المعنى على قوم، فحملوه على زيادة. "ذي"، و"ذات". والصواب ما ذكرناه" ا. هـ.
وهذا كلام جليل في إيضاح تلك الأساليب التي أضيف فيها المسمى إلى الاسم؛ لتحقيق غرض بلاغي هام، كالإيضاح مع التوكيد.
ومن أمثلتها الواردة أيضًا قولهم: "اذهب بذي تسلم. اذهبا بذي تسلمان. اذهبوا بذي تسلمون
…
". أي: اذهب بسلامتك التي تلازمك ولا تفارقك. اذهبا بسلامتكما. اذهبوا بسلامتكم"2.
4-
إضافة الموصوف إلى اسم قائم مقام الصفة؛ كقول الشاعر:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم
…
بأبيض، ماضي الشفرتين يماني
…
3
أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم؛ فحذف الصفتين، وجعل الموصوف خلفًا عنهما في الإضافة. ويرى بعض النحاة أن البيت ونحوه هو من إضافة الشيء إلى ملابسه4 بعد تنكير العلم، وإضافته إضافة محضة من غير حاجة لتأويل بما ذكر5. والرأيان صحيحان.
1 خفي ودق.
2 وسيجيء الإيضاح الأوفى لهذا، والإعراب، في المكان المناسب، ص95.
وكذلك سبقت الإشارة لكلمة: "ذا" و "ذات" وما يتصل بهما لمناسبة في باب الظرف "ج2 ص210، 215، 229 م79"، ولمناسبة أخرى في ج1 "بابي الأسماء الستة، والموصول" وفي باب الموصول الكلام على جمع "ذو" وإفرادها وعلى "ذو" الطائية التي بمعنى "الذي" وفروعه، وحكمها.
3 سبق هذا البيت في الجزء الأول "م23 ص265" لمناسبة أخرى هناك؛ وهي بيان السبب في إضافة العلم أحيانا، أو في تعريفه بإحدى وسائل التعريف، مع أن الأصل في العلم أن يكون معرفة.
4 أي: ما له به نوع اتصال لأدنى ملابسة. وقد سبق بيان هذا النوع في رقم 2 من ص21.
5 إيضاح هذا في باب العلم ج1 ص207 م22.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
5-
إضافة المؤكَّد إلى المؤكِّد، وأكثر ما يكون ذلك في أسماء الزمان المبهمة "أي: التي لا تحدد ببدء وانتهاء معرفين؛ مثل كلمة: حين، وقت، زمن، أيام
…
ونحوها مما سبق الكلام عليه في الجزء الثاني، باب:"الظروف"، نحو: إذا اشتدت وقدة الصيف أسرع الناس إلى سواحل البحار؛ ليقيموا بها ما وسعهم الأمر، وحينئذ ينعمون بجو معتدل، وهواء رطب منعش
…
أي: حين إذ يقيمون
…
ينعمون؛ فحذفت الجملة المضارعية الأولى، وهي المضاف إليه، وعوض عنها التنوين. فالمؤكد هو:"الحين" وهو زمن مبهم. والمؤكِّد هو: "إذ" الظرفية المضافة إلى الجملة المضارعية المحذوفة1. والمراد من لفظ: "الحين" المبهم هو المراد من لفظ: "إذ" المخصصة بالجملة التي أضيفت إليها، فالظرف الزمني الثاني مؤكد للأول؛ لاتفاق معناهما، والمراد منهما، مع مجيئه بعده2..
ويرى بعض النحاة -بحق- أن مثل هذا يعد من إضافة العام إلى الخاص، لا المؤكد إلى المؤكد، لتخصيص الظرف الثاني -كما قلنا- بالجملة التي أعربت مضافًا إليه، وهي الجملة المضارعية التي حذفت وقام مقامها التنوين عوضًا عنها
…
ومن النادر أن تكون إضافة المؤكد إلى المؤكد في غير أسماء الزمان المبهمة؛ كقول الشاعر:
فقلت أنجوا عنها نجا الجلد إنه
…
سيرضيكما منها سنام وغاربه3
1 مع ملاحظة أن الظرف لا يسمى ظرفًا -اصطلاحًا- إلا إذا كان منصوبًا "لفظًا أو محلًّا" على الظرفية. فإذا صار مضافًا إليه، أو مبتدأ، أو شيئًا آخر غير النصب على الظرفية، فإنه لا يسمى في الاصطلاح ولا يعرب ظرفًا.
2 ومن الأمثلة أيضًا البيت الآتي في صفحة 56 وهو:
أنجب أيام والداه به
…
إذ نجلاه؛ فنعم ما نجلا
وشرح البيت وموضع الشاهد فيه موضحان هناك
…
3 قاله أعرابي نزل عنده ضيفان، فذبح لهما ناقة. فقالا: إنها مهزولة. فقال لهما البيت
…
ومعنى: انجوا: اسلخا
…
يقال: نجوت الجلد، بمعنى: سلخته و "السنام": الجزء المنحني المرتفع في ظهر البعير والناقة، وهو مقر الدهن، و"الغارب" أعلى الظهر بين السنام والعنق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يريد: اسلخا عن الناقة نجا الجلد -والنجا، بالقصر- هو: الجلد.
6-
إضافة الاسم الملغى1 إلى الاسم المعتبر2؛ كقوله تعالي: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ....} ، ومثل: مررت بكم فألقيت اسم السلام عليكم. والأصل: الجنة التي وعد المتقون
…
- ألقيت السلام عليكم3.
7-
إضافة الاسم المعتبر إلى الاسم الملغى كقول الشاعر:
أقام ببغداد العراق وشوقه
…
لأهل دمشق الشام شوق مبرح4
8-
ومن الإضافة غير المحضة قولهم: "لا أبا لفلان" لوجود الفاصل بين المتضايفين. وقد سبق5 -في مناسبة أخرى- الكلام على هذا الأسلوب من ناحية الإضافة، ومن ناحية إعرابه ومعناه.
9-
ومن الإضافة غير المحضة إضافة صدر المركب المزجي إلى عجزه -مسايرة لبعض اللغات الجائزة فيه- نحو: قامت الطائرة من "أفغانستان" فوصلت إلى "بور سعيد" في بضع ساعات.
1 الزائد الذي يمكن حذفه فلا يتأثر المعنى الأصلي بحذفه.
2 الأصلي الذي لا يمكن حذفه إلا بفساد المعنى.
3 ومن هذا قول لبيد بن ربيعة لبنتيه، حين حضرته الوفاة، ينصح لهما بعدم اللطم، إن هو مات، وبترك الجزع. وحسبهما البكاء المجرد حولًا كاملًا. ثم هو يسلم عليهما
…
يقول:
إلى الحول، ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر
وكذلك: "فنن الغصون" في شعر نقله القرطبي في مقدمة تفسيره "ج1 ص21" جاء فيه:
ما هاج شوقك من هديل حمامة
…
تدعو على فنن الغصون حمامًا
4 وهذه الزيادة على اعتبار ألا توجد بلدة اسمها: "بغداد": ولا أخرى اسمها: "دمشق"، غير هاتين. أما عند علم المتكلم بوجود غيرهما فالإضافة محضة، من نوع إضافة العلم إلى ما يخصصه بعد أن فقد علميته؛ بسبب اشتراكه بين أفرا متعددة.
"كما سبق في باب العلم ج1 م23 رقم2 من هامش ص264".
5 في ج1 ص75 م8 عند الكلام على الأسماء الستة وفي ج1 ص528 م56 باب "لا".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنما كانت الإضافة هنا لفظية؛ لأن كلًّا من الجزأين يكمل الآخر كما يكمل الحرف الواحد في الكلمة الواحدة نظائره فيها، كالخاء، أو الشين، أو الباء
…
في كلمة: "خشب" مثلًا.
وفائدة هذه الإضافة التخفيف الناشئ من التركيب، مع التنبيه إلى شدة الامتزاج1.
10-
ومن الإضافة غير المحضة: "الكنية" على الوجه الذي سبق تفصيله وإيضاحه في الجزء الأول2
…
إلى هنا انتهت تلك الإضافات الملحقة "بغير المحضة". ونعود إلى ما أشرنا إليه3 من الجدل الدائر حولها. ويتركز فيما يأتي:
أمحضة أم غير محضة؟ أهي نوع ثالث مستقل بنفسه، ولكن إضافته "شبيهة بالمحضة"؛ ويجب أن يسمى بهذا الاسم؟
ثم لهذا النوع -عندهم- اعتباران؛ أحدهما الاتصال؛ لأن المضاف غير مفصول من المضاف إليه بالضمير الذي يلاحظ وينوى في الإضافة غير المحضة، كما سلف بيانه. والآخر: الانفصال؛ لأن المعنى لا يصح إلا بتأول
1 كما سيجيء في ج4 باب الممنوع من الصرف
…
- م148 ص217.
2 في الجزء الأول "م23 ص277 عند الكلام على "العلم" ونقلنا بعضه في "أ" من ص429 فقلنا ما نصه في الجزء الأول: "أما الكنية فهي علم مركب تركيبًا إضافيًا بشرط أن يكون صدره "وهو المضاف" كلمة من الكلمات الآتية: "أب، أم"، "ابن، بنت"، "أخ، أخت"، "عم، عمة"، "خال، خالة"
…
وليس منه أب لمحمد، وأم لهند، وغيرهما من كل ما لا إضافة فيه على الوجه السابق
…
".
ثم قلنا في رقم "أ" من ص429 ما نصه: "والكنية -مع تركيبها الإضافي- معدودة من قسم العلم الذي معناه إفرادي؛ فكل واحد من جزأيها لا يدل بمفرده على معنى يتصل بالعلمية؛ فإذا وقع بعدها تابع -كالنعت مثلًا في قولنا: جاء أبو علي الشجاع- فإن النعت "وهو هنا كلمة: "الشجاع" يعتبر في المعنى نعتًا للاثنين معًا، أي: للمضاف والمضاف إليه، ولا يصح أن يكون نعتًا لأحدهما فقط، وإلا فسد المعنى، لكنه يتبع في الإعراب المضاف وحده
…
و
…
" ا. هـ راجع النص كاملًا.
3 في رقم 6 من هامش ص40.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتكلف يخرجان الإضافة عن ظاهرها1. فأيهما الصحيح؟. وبعد كل ما سبق أقياسية هي أم سماعية؟.
لكل رأي أدلته التي يقويها أصحابه بتأويل الأسلوب تأويلًا يبعده عن ظاهره، وبتخريجه إلى حيث يريدون من إثبات رأيهم ودعمه
…
والأمر لا يحتاج إلى هذا العناء الجدلي الذي له أسبابه التاريخية النحوية التي لا تعنينا اليوم؛ فحسبنا أن نترك فضول التأويل والتخريج، ونعول على ظاهر الأسلوب الإضافي تعويلًا لا يعارض المراد منه؛ فنجد تلك الإضافات المتعددة قد انحصرت في قسمين:
أولهما: يكون فيه المضاف والمضاف إليه بمعنى واحد، مع اختلاف لفظهما. أي: أن اللفظين مختلفان، ولكن مدلولهما متحد، كإضافة المسمى إلى الاسم "في مثل: شهر رمضان -شجر البرتقال- علم الهندسة
…
"، ومثل هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا؛ لأن المضاف من حيث المعنى هو نفس المضاف إليه، أو بمنزلته؛ والشيء لا يتعرف ولا يتخصص بنفسه، أو بما هو بمنزلة نفسه؛ فلا يمكن أن تكون الإضافة في هذا القسم "محضة"؛ إذ "المحضة" لا بد أن تفيد المضاف تعريفًا أو تخصيصًا إذا كان غير متوغل في الإبهام، وأن تتضمن معنى حرف من أحرف الجر الثلاثة المعروفة2، و"الإفادة والتضمين"، يقتضيان أن يكون معنى المضاف غير معنى المضاف إليه.
ثانيهما: يكون فيه أحد الاسمين المتضايفين أصليًا والآخر زائدًا "يمكن الاستغناء عنه من غير أن يتأثر المعنى المراد بحذفه" نحو: مررت بكم فألقيت اسم السلام عليكم
…
فكلمة: "اسم" زائدة؛ فلا فائدة منها مستجدة، وإذا كانت كذلك فكيف تعتبر إضافتها محضة؟.
إن الإضافة المحضة تؤثر في الأسلوب تأثيرًا معنويًا؛ لا غنى عنه -كما قلنا- فحيث يمكن الاستغناء عن أحد طرفي الإضافة لا تكون الإضافة محضة.
1 راجع الهمع والصبان.
2 بيانها في: "أ، ب، ج" ص18، 19، 20.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أما قياسية تلك الإضافات الملحقة بغير المحضة، أو عدم قياسيتها، فكثرة النحاة تقصرها على المسموع، ولا تبيح فيها القياس. إلا الكوفيين فيبيحون القياس على المسموع، بشرط اختلاف لفظي المضاف والمضاف إليه، بحجة أن الوارد من تلك الإضافات كثير كثرة تكفي للقياس عليه، وأن الحاجة قد تدعو لاستخدام القياس؛ للانتفاع بفائدة تلك الإضافات المتعددة الأنواع، فإنها لا تخلو من فائدة معنوية –كالإيضاح مع التوكيد-، برغم أن هذه الفائدة المعنوية تختلف -نوعًا ومقدارًا- عن الفائدة المعنوية التي للإضافة المحضة1
…
ورأي الكوفيين سديد مفيد. وفي الأخذ به هنا تيسير محمود تتطلبه حياة الناس كما طلبته قديمًا. لكن من المستحسن -وبخاصة القسم الثاني- أن نأخذ به في أضيق الحدود؛ حين تشتد إليه الحاجة، وتقوم قرينة على بيان المراد منه، بحيث لا يشوبه لبس أو غموض.
وقد صرح بعض كبار النحاة باستحسان الرأي الكوفي، ففي شرح شواهد العيني للبيت المرقوم "448" وهو الذي سبق هنا في الإضافة الخامسة "ص45" وصدره:
"فقلت: انجُوَا عنها نجا الجلد إنه
…
"
ما نصه:
"الشاهد في: "نجا الجلد" حيث أضاف المؤكَّد إلى المؤكِّد؛ لأن "النجا" -بالقصر- هو الجلد. والأحسن ما قاله الفراء: إن العرب تضيف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين كقوله تعالى:
…
{حَقُّ اليَقِينِ} 2.."ا. هـ.
وقال الأشموني عند الكلام على بيت ابن مالك3:
ولا يضاف اسم لما به اتحدْ
…
معنى، وأوِّلْ موهمًا إذا وردْ
ما نصه: "لا يضاف اسم لما اتحد به معني؛ كالمرادف مع مرادفه؛
1 ومع أن السماع يؤيدهم يزيدون فيستخدمون "قياس التنظير" فيقولون: إن العرب أجازت عطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان: كقول قائلهم:
وألقي قولها كذبًا ومينًا
والمين هو الكذب. والأصل في عطف النسق المغايرة. والمضاف والمضاف إليه كالمعطوف والمعطوف عليه؛ لهذا قال: "ياسين" في هذا الموضع من حاشيته على "التصريح": "إنهم استدلوا بالسماع والقياس، ووافقهم في التسهيل" ا. هـ.
ولما تقدم إشارة في رقم 8 من ص660.
2 انظر رقم 4 من هامش ص51.
3 ستجيء له إشارة أخرى في هامش ص65.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والموصوف مع صفته؛ لأن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه؛ فلا بد أن يكون غيره في المعنى؛ فلا يقال، قمح بر، ولا رجل فاضل، ولا فاضل رجل. وإذا جاء من كلام العرب ما يوهم جواز ذلك وجب تأويله؛ فمما أوهم إضافة الشيء إلى مرادفه قولهم:"جاءني سعيد كرز". وتأويله: أن يراد بالأول المسمى، وبالثاني الاسم؛ أي: جاءني مسمى هذا الاسم1. ومما أوهم
1 للاسم مع المسمى حالات مختلفة؛ فقد يكون الاسم هو المسمى نفسه وذاته، وقد يكون غير المسمى، و
…
، عرض لتفصيل الكلام على هذا الموضوع تفصيلًا وافيًا ابن السيد البطليموسي الأندلسي في رسالة خاصة نقلتها:"مجلة المجمع اللغوي بدمشق"، في الجزء الثاني من مجلدها السابع ولأربعين ص333، وعنها نقلنا النص التالي: "الباب الأول: في تبييين كيف يكون الاسم غير المسمى
…
، إن الاسم الذي يقال إنه غير المسمى هو الاسم الذي يراد به التسمية، والعبارة عن المعنى الذي يروم المتكلم تقريره في نفس من يخاطبه. وهذا الاسم هو المراد بقولهم للرجل:"ما اسمك؟ وعرفني باسمك"؛ لأنه ليس يسأله أن يعلمه بذاته ما هي؟ وإنما يسأله يعلمه بالعبارة المعبر بها عنه، المشار بها إلى ذاته. وكذلك قولهم:"محوت اسم علي من الكتاب، وأثبت اسمه في الديوان" فالاسم في هذا كله غير المسمى اضطرارًا؛ لأن اللفظة ليست الشخص الواقع تحتها. والاسم والتسمية في هذا الباب لفظان مترادفان على معنى واحد؛ كما يقال: سيف، وصمصام، وحسام. والاسم ههنا وإنما كان يفيد ما تفيده التسمية فبينهما فرق؛ وذلك أن التسمية مصدر، من قولك: سميت الشيء أسميته تسمية، فأنا: مسمٍّ، وهو: مسمًّى؛ كقولك: سويته، أسويه، تسوية؛ فأنا: مسوٍّ، وهو: مسوٍّي. والاسم ليس بمصدر؛ وإنما يراد به الألفاظ المعبر بها عن الأشياء، كمحمد، وعلي، وجوهر، وعرض. ويدلك على الفرق بينهما أن التسمية تعمل عمل الفعل، والاسم لا يعمل عمل الفعل؛ ألا ترى أنك تقول: عجبت من تسمية زيد ابنه كلبًا؛ كما تقول: عجبت من تسوية زيد الثوب. ولا تقول: عجبت من اسم زيد ابنه كلبًا. وهذا كما تقول: "عجبت من قوت زيد عياله" -بفتح القاف- فإن ضممت القاف لم يجز؛ لأن "القوت -بفتح القاف- مصدر قاته، يقوته، قوتًا. و"القوت" -بضم القاف- الطعام نفسه؛ فجرى مجرى الاسم في الامتناع من العمل؛ لأنه نوع من أنواع الاسم.
ومما جاء من هذا الباب قوله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} يريد: التسميات. ومن ذلك قوله عليه السلام: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة". ولو كان الاسم هنا هو المسمى بعينه لكان الله تسعة وتسعين شيئًا. وهذا كفر بإجماع
…
و
…
و
…
ومن ذلك قول الشاعر:
وسميته يحيي ليحيا، ولم يكن
…
لردِّ قضاء الله فيه سبيلُ
ولو كان الاسم هنا هو المسمى لوجب أن يموت من سمي: "يموت". ويحيا من سمي "يحيي"
…
وهذا النوع كثير في القرآن والحديث وكلام العرب يغني ما ذكرناه منه عن الإكثار منه". ا. هـ. ثم عرض بعد ذلك لأنواع أخرى؛ منها ما يكون فيه الاسم هو المسمى، كلاهما ملازم الآخر لا يفارقه مطلقًا، مثل كلمة: "حي، أو "متحرك". فمن المستحيل أن توجد الحياة بغير الجسد الذي تحل فيه، ومن المستحيل أن توجد الحركة مستقلة بنفسها بغير جسم تظهر فيه. إلى غير ذلك مما عرضه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إضافة الموصوف إلى صفته قولهم: "حبة الحمقاء"، و"صلاة الأولى"، و"مسجد الجامع"، وتأويله أن يقدر موصوف، أي: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع1. ومما أوهم إضافة الصفة إلى الموصوف قولهم: جرد قطيفة2" وسحق عمامة3، وتأويله: أن يقدر موصوف أيضًا، وإضافة الصفة إلى جنسها؛ أي: شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة" ا. هـ. كلام الأشموني.
ثم قال ما نصه:
"أجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بمعناه لاختلاف اللفظين. ووافقه ابن الطراوة، وغيره ونقله في "النهاية" عن الكوفيين، وجعلوا من ذلك ما ورد في الآيات القرآنية من نحو: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} ، {حَقُّ الْيَقِينِ} ، {حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ، وظاهر التسهيل وشرحه موافقته"4. ا. هـ. الأشموني.
ويقول الرضي في شرح الكافية5 -بعد أن شرح مذهب الكوفيين وغيرهم وعرض أمثلة مما سبق- ما نصه: "الإنصاف أن مثله كثير لا يمكن دفعه"6.
1 انظر ما سبق متصلًا بهذا في رقم 1 من ص 40.
2 بمعنى: قطيفة مجردة.
3 بمعنى: عمامة مجردة.
4 ومن الأمثلة القرآنية أيضًا قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} قال "المصباح المنير" في مادة: "عرم" ما نصه: "العرم قيل: جمع "عرمة" مثل كلم وكلمة، وهو: السد، وقيل: السيل الذي لا يطاق دفعه. وعلى هذا فقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} بإضافة الشيء إلى نفسه؛ لاختلاف اللفظين". ا. هـ، وجاء في المصباح المنير أيضًا ما نصه في مادة:"ظهر":
"أفضل الصدقة ما كان على ظهر غنى" المراد: نفس الغنى. ولكن أضيف للإيضاح والبيان؛ كما قيل: "ظهر الغيب، وظهر القلب". والمراد: نفس الغيب، ونفس القلب. ومثله:"نسيم الصبا"، وهي نفس الصبا. قاله الأخفش، وحكاه الجوهري عن الفراء أيضًا. والعرب تضيف الشيء إلى نفسه، لاختلاف اللفظين؛ طلبًا للتأكيد. قال بعضهم: ومن هذا الباب: {حَُّ الْيَقِينِ} ، {وَلَدَارُ الآخِرَةِ}
…
" ا. هـ.
5 ج1ص288.
6 وزاد على هذا قوله: "ولو قلنا: إن بين الاسمين في كل موضع فرقًا لاحتجنا إلى تعسفات كثيرة".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد أطلنا الكلام في أمر الإضافات السالفة لنفصل في أمرها بحكم قاطع -وهو إباحتها- فيُحسَم النزاع، ويوقَف الجدل الذي امتد حتى وصل إلينا عنيفًا، واستخدمه اليوم -بغير حق- بعض الباحثين في إصدار أحكام بالفساد والخطأ على بعض الإضافات الشائعة، مثل:"استرحنا من عناء التعب"، و"نعمنا برغد الرخاء".
السابع: عدم الفصل بين المضاف والمضاف إليه باسم ظاهر، أو بضمير بارز1، أو بغيرهما؛ لأن المتضايفين بمنزلة الكلمة الواحدة ذات الجزأين، لا يصح أن يتوسط بينهما فاصل. غير أن هناك مواضع يجوز فيها الفصل في السعة2؛ فإباحتها في الشعر، وملحقاته، أقوى. ومواضع أخرى يجوز فيها الفصل للضرورة3.
1-
فأما مواضع الفصل في السعة فمنها:
1-
أن يكونا المضاف مصدرًا والمضاف إليه هو فاعله في الأصل قبل الإضافة، والفاصل بينهما إما مفعول به للمصدر4؛ كقول الشاعر:
حملت إليه من ثنائي حديقة
…
سقاها الحجا سقي الرياضَ السحائبِ
والأصل: سقي السحائب الرياض. وقول الآخر:
عَتَوْا إذ أجبناهم إلى السلم رأفةً
…
فسقناهم سوق -البغاثَ- الأجادلِ5
يريد: سوق الأجادلِ البغاثَ، فوقع الفصل في المثالين بين المصدر وفاعله بمفعوله المنصوب.
وإما ظرف للمصدر؛ كقولهم: تَرْكُ يومًا نفسك وهواها، سعيٌ لها في
1 أما المستتر فقد يفصل في الإضافة غير المحضة كما عرفنا في ص34.
2 أي: في النثر المرسل؛ حيث يجد الناثر من فسحة القول، وحرية التعبير، والتصرف ما لا يجده الشاعر، ونحوه المقيد بقيود الشعر، وضوابطه؛ من وزن، وقافية، وخصائص شعرية ترهقه، وتضيق بها حريته في التعبير، ولهذا منحوه أنواعًا من التيسير لم يمنحوها الناثر، وأباحوا أن يقع في الشعر -وملحقاته- بعض أمور معينة لا تباح في النثر المرسل؛ تخفيفًا على الشاعر، ونزولًا على حكم الضرورة. وسموا تلك الأمور المحددة:"الضرورات الشعرية، ونظائرها". ولا شك أن ما يباح في النثر مباح في النظم بالأولوية. هذا، وفريق من البصريين يمنع الفصل بين المتضايفين في السعة، وسيجيء في ص58.
3 أي: الضرورة الشعرية وما يلحق بها، مما أوضحناه في ج4 م148 ص206 باب:"ما لا ينصرف". حيث البيان الكامل للضرورة، وملحقاتها.
4 بشرط أن يكون المفعول غير جملة؛ فلا يجوز: سرني قول:- الدين حق الملحد، أي: قول الملحد: الدين حق.
5 معنى البيت: إن الأعداء عَتَوْا، "أي: أفسدوا" بعد أن رحمناهم، وأجبناهم إلى السلم رأفة بهم. فلم نجد بدًّا أن نطاردهم ونسوقهم أمامنا كما تسوق الأجادل البغاث. "الأجادل: جمع أجدل، ويسمى: الصقر؛ وهو من جوارح الطيور القوية التي تحسن اصطياد الطيور الضعيفة. والبغاث: طائر ضعيف، يصاد، ولا يصيد، ولا ينتفع صائده بشيء منه".
رداها. فقد فصل الظرف: "يومًا" بين المصدر وفاعله، وهما: ترك نفسك
…
1.
2-
أن يكون المضاف اسم فاعل للحال أو الاستقبال، والمضاف إليه هو مفعوله، والفاصل بينهما إما: مفعوله الثاني، وإما الظرف، وإما الجار والمجرور المتعلقان بهذا المضاف، فمثال الفصل بالمفعول الثاني قول الشاعر:
ما زال يوقِنُ من يؤمُّك بالغنى
…
وسواك مانع -فَضْلَهُ- المُحْتَاجِ
أي: مانع المحتاج فضله. والأصل قبل الإضافة مانع المحتاج فضله؛ فاسم الفاعل هنا ناصب مفعولين، ثم أضيف إلى أولهما، وبقي الثاني منصوبًا، ولكنه تقدم وفصل بين المتضايفين. ومثال الظرف قول الشاعر:
وداعٍ إلى الهيجا وليس كِفَاءَهَا
…
كجالبِ -يومًا- حتفِهِ بسلاحِه
والأصل: كجالب حتفه يومًا
…
، ومثال الجار والمجرور المتعلقين به قوله عليه السلام:"هل أنتم تاركو - لي - صاحبي". والأصل: تاركو صاحبي لي.
3-
الفصل بالقسم، أو: بإما، أو: بالجملة الشرطية؛ سواء أكان المضاف شبه فعل2 أم غيره؛ فمثال القسم: شرُّ -والله- البلادِ بلاد لا عدل فيها ولا أمن. ومثال "إما" قول الشاعر:
هما خُطَّتَا3 إما إسار4 ومنة5
…
وإما دَمٌ، والقتل بالحرِّ أجدرُ
أي: هما خطتا إسار
…
وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصلت بينه وبين المضاف إليه كلمة: "إما". ومثال الشرط ما نقل من نحو: هذا غلام -إن شاء الله- أخيك". والأصل: هذا غلام أخيك إن شاء الله.
4-
الفصل بـ"ما" الزائدة حيث يكون المضاف منادى، وحرف النداء هو:"يا"؛ كقول الشاعر:
1 والأصل: ترك نفسك شأنها، وحذف المفعول أو: مضاف لمفعوله وفاعله محذوف، أي: ترك نفسك.
2 المراد به هنا: نوعان -فقط- من الأسماء التي تشبه الفعل في معناه وعمله، هما: المصدر، واسم الفاعل للحال والاستقبال.
3 أصل الكلام: خطتان؛ تثنية خطة، بمعنى: حالة وطريقة.
4 أي: أسر، وهو وقوع المحارب مغلوبًا في يد عدوه المنتصر.
5 امتنان بإطلاق السراح، ومنح الحرية.
يا شاةَ -ما- قُنُصٍ لمن حلت له
…
حرمت عليَّ وليتَهَا لم تحرم
5-
الفصل بالتوكيد اللفظي بشرط أن يكون المضاف منادى قد تكرر لفظه للتوكيد اللفظي، من غير أن يضاف اللفظ الذي جاء للتوكيد، نحو:"يا صلاح، صلاح، الدين الأيوبي، ما أطيب سيرتك"؛ على اعتبار أن كلمة: "صلاح"، الأولى منادى، منصوب، مضاف، وكلمة:"الدين" مضاف إليه، وكلمة:"صلاح" الثانية هي التوكيد اللفظي للأولى، وقد فصلت بين المتضايفين1.
ب- وأما مواضع الفصل المباح في الضرورة فمنها:
1-
وقوع المضاف اسما –مشبها الفعل في العمل، رافعًا بعده فاعله الذي يفصل بينه وبين المضاف إليه؛ كقول الشاعر:
نرى أسهما للموت تصمي2 ولا تنمي3
…
ولا نرعوي4 عن نقض -أهواؤنا- العزم
فقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بكلمة: "أهواؤنا" وهي فاعل المصدر المضاف، والأصل: عن نقض العزم أهواؤنا. أي: عن أن تنقض أهواؤنا العزم.
2-
أن يكون الفاصل بين المضاف والمضاف إليه أجنبيا من المضاف، "أي: أن يكون الفاصل معمولًا لعامل آخر غير هذا المضاف"؛ كالفصل بالفاعل الأجنبي في قول الشاعر:
1 وكان من الجائز أن تنون، ولكن حذف تنوينها بقصد المشاكلة بين الاسمين. ولهذا المثال وأشباهه طرق مختلفة في ضبطة وإعرابه. وبيانها المفصل في موضعها الأنسب من باب المنادى "ج4 ص40 و41 م130"، ومن تلك الطرق اعتبار الاسم المكرر زائدًا زيادة محضة بين المتضايفين لا يوصف فيها بإعراب ولا بناء. عند من يجيز زيادة الأسماء.
2 تصيب فتقتل الصيد، والصائد يراه.
3 أنْمَى الصيادُ الصيد، رماه فأصابه، فذهب الصيد بعيدًا عنه ومات. فمعنى: لا تنمي، لا تخطئ الإصابة القاتلة.
4 لا نرعوي: لا نرجع عن الغي، ولا نرتدع.
أنجب1 أيامَ والداه به
…
إذ نجلاه2؛ فنعم ما نجلا
والأصل: أنجب والده به أيام إذ3 نجلاه
…
فقد فصل الفاعل4 وهو "والداه" بين المضاف: أيام، وبين المضاف إليه وهو:"إذ نجلاه"، والفاصل هنا ليس معمولًا للمضاف.
3-
الفصل بالمفعول الأجنبي؛ كالذي في قول الشاعر يصف فتاة:
تسقي امتياحا5 ندى -المسواكَ- ريقتِهَا
…
كما تضمن ماءَ المزنة الرصفُ6
يريد: أنها تسقي المسواك ندى ريقتها. فقد توسط المفعول به الأجنبي، "وهو: المسواك" بين المضاف والمضاف إليه، وفصل بينهما، مع أنه معمول للفعل: "تسقى" وليس معمولًا للمضاف.
4-
الفصل بالظرف الأجنبي7: كالذي في قول الشاعر يصف رسوم الدار بأنها:
كما خطَّ8 الكتاب بكفِّ -يومًا-
…
يهوديٍّ يقارب9 أو يزيلُ10
1 أنجب الرجل: ولد له ولد نجيب.
2 ولداه، ورزقا به.
3 "أيام"، مضاف، و"إذ" مضاف إليه، من إضافة العام الخاص، أو المؤكِّد للمؤكَّد. "وقد سبق الكلام عليها مع الإشارة لهذا البيت في النوع الخامس ص45" و"إذ" مضاف، والجملة بعدها مضاف إليه.
4 الفاصل في البيت هو الفاعل ومعه الجار والمجرور، فيؤخذ من هذا البيت الذي استشهد به النحاة على الفصل بالفاعل، جواز الفصل بالفاعل فقط، أو به ومعه الجار والمجرور.
5 الامتياح: استخدام السواك لتنظيف الأسنان، ويعرب هنا: حالًا مؤولة، أي: ممتاحة. وهذا الإعراب أحسن من غيره.
6 الحجارة المتراصة المتلاصق بعضها إلى بعض. والماء المتراكم فوقها، أو النافذ منها، يكون أنقى وأصفى من غيره، المفرد: رصفة.
7 أي: الذي ليس معمولًا للمضاف.
8 كتب.
9 أي: يقرب الكلمات والحروف بعضها من بعض.
10 يزيل "بفتح الياء" يباعد ويفرق.
والأصل: كما خط الكتاب يومًا بكف يهودي؛ فوقع الظرف الأجنبي فاصلًا بين المضاف وهو: "كف"، والمضاف إليه، وهو:"يهودي".
5-
الفصل بالجار مع مجروره الأجنبيين، كما في قول الشاعر1:
هما أخوا -في الحرب- من لا أخا له
…
إذا خاف يومًا نبوة، ودعاهما
تريد: هما أخوا من لا أخا له في الحرب. وقول الآخر2:
كأن أصوات -من إشغالهن3، بنا-
…
أواخر الميس4 أصوات الفراريج5
يريد: كأن أصوات أواخر الميس
…
6-
الفصل بنعت المضاف؛ مثل:
ولئن حلفت على يديك لأحلفن
…
بيمين أصدق من يمينك مقسم
أي: بيمين مقسم، أصدق من يمينك.
7-
الفصل بالنداء، كالذي في قول الشاعر:
وفاق6 –كعب7- يجير منقذ لك من
…
تعجيل تهلكة8، والخلد في سقرا9
أي: وفاق بجير يا كعب
…
1 هو لامرأة من بني قيس. كما جاء في الجزء الأول من كتاب: "الموشح" للمرزباني، عند الكلام على الشاعر: أبو حية النميري.
2 هو: ذو الرُّمَّة.
3 مبالغتهن في السير.
4 الميس: شجر تصنع منه الرحال. والمراد هنا: الرحال.
5-
جمع فَرُّوج، وهو فرخ الدجاج. والشاعر يشبه أصوات الرحال وقت سير الإبل المسرعة بأصوات الفراريج. "راجع مجمع البيان، لعلوم القرآن، ج3 ص4".
6 موافقة.
7 يا كعب.
8 هلاك.
9 سقر: جهنم.
وأصل القصة: أن "كعبًا" و"بجيرًا" أخوان، أبوهما:"زهير بن أبي سلمى" الشاعر الجاهلي المشهور. وقد أسلم "بجير" قبل أخيه، فأراد أن يسلم أخوه، فقال شعرًا يحبب إليه الإسلام، ويحذره سوء العاقبة إن خالف، ومنه هذا البيت. ومعناه: موافقة بجير -يا كعب- تنقذك من الهلاك، ومن الخلود في سقر.
تلك أشهر مواضع: "الفصل" -بنوعيه- بين المضاف والمضاف إليه كما رآها كثرة النحاة.
لكن فريقًا من نحاة البصرة لا يبيحون الفصل في السعة، ويقتصرونه على الضرورات. والأخذ برأيهم أفضل؛ حرصًا على وضوح المعاني، وجريًا على مراعاة النسق الأصيل في تركيب الأساليب. فمما لا شك فيه أن الفصل بين المتضايفين لا يخلو من إسدال ستارٍ ما على المعنى لا يرتفع ولا يزول إلا بعد عناء فكري يقصر أو يطول، وأن الأسلوب المشتمل على:"الفصل" غريب على اللسان والآذان، ولا سيما اليوم.
سواء أخذنا بهذا الرأي الأفضل أم بذاك -وكلاهما جائز- فلا مناص لمن يبيح الفصل أن يبيحه حيث تقوم القرينة عليه، ويتضح المعنى معه، في غير إبهام ولا غموض1.
1 وفي الفصل ومواضعه يقول ابن مالك في آخر باب: "الإضافة" أبياته التالية. المختصرة الملتوية "وقدمناها من موضعها الذي في ص؟ لتساير الترتيب المعنوي الأنسب للمسائل المترابطة التي يتمم بعضها بعضًا، على أنا وضعنا هنا على يسار كل بيت رقمه الذي يدل على ترتيبه في الباب؛ كما رتبه الناظم".
فصل مضاف، شبه فعل ما نصب
…
مفعولًا، أو: ظرفًا: أجز. ولم يعب: 34
فصل يمينٍ. واضطرارًا وجدا
…
بأجنبيٍّ، أو: بنعت، أو: ندا -35
التقدير: أجز فصل ما نصبه المضاف الذي يشبه الفعل، حالة كون المنصوب مفعولًا به، أو ظرفًا. "يريد: إذا كان ذلك المنصوب مفعولًا به، أو ظرفًا" فكلمة:"فصل" مفعول للفعل: "أجز". و"فصل" مضاف، وكلمة:"مضاف"، التي بعدها هي المضاف إليه. "شبه" نعت لكلمة: مضاف. و"فعل" مضاف إليه مجرور. "ما" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل للمصدر الذي هو كلمة: "فصل". و"نصب" جملة فعلية، لا محل لها، صلة الموصول. والمفعول ضمير محذوف، والتقدير: نصبه. و"مفعولا"، حال من الضمير المحذوف، و"أو" حرف عطف. "ظرفًا" معطوف على "مفعولًا".
ثم يقول: واضطرارًا وجد الفصل بأجنبي. والمعنى: يجوز الفصل بين المضاف المشبه للفعل، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
من مواضع الفصل للضرورة: الفصل بين المتضايفين بالفعل الزائد "أي: الذي يمكن حذفه مع فاعله1 بغير أن يفسد المعنى" ومنه قول العربي يسأل عن أهله:
بأي -تراهمُ- الأرضين حلوًا؟
…
أبالدبران، أم عسفوا الكفارا
يريد: بأي الأرضين؟ فجملة: "تراهم"2 زائدة، فاصلة بين المتضايفين. ثم يسأل: أحلوا المكان الذي يسمى: الدبران -بفتح الباء- أم قصدوا المكان الآخر المسمى: الكفار؟
وأيضًا الفصل بالمفعول لأجله؛ كقول الشاعر:
أشم كأنه رجل عبوس
…
معاود -جرأةً- وقتِ الهوادي
والأصل: معاود وقت الهوادي؛ جرأة. أي: يعاود الحرب وقت ظهور أعناق الخيل؛ لجرأته في الحرب3.
وكذلك الفصل بلام الجر الزائدة بين المضاف المنادى والمضاف إليه4 كقول الشاعر:
يا بؤس للحرب ضرارًا لأقوامِ
= والمضاف إليه بشيء نصبه ذلك المضاف، لكن بشرط أن يكون هذا الفاصل المنصوب مفعولًا به، أو ظرفا. وقد أوضحنا هذه القاعدة بالشرح والتمثيل، وبالتفصيل المناسب.
ثم بين بعد ذلك أن الفصل بين المتضايفين جائز باليمين. أما في حالة الضرورة فقد وجد الفصل بالأجنبي "وهو الذي ليس معمولًا للمضاف" أو بالنعت، أو بالندا. هذا والنعت والنداء يدخلان في الفصل بالأجنبي؛ ولكنه خصهما بالذكر مبالغة في إيضاحهما. ثم إن تخصيص هذه المسائل بحالة الضرورة يدل على أن ما سرده قبلها يكون في السعة.
1 إن كان له فاعل؛ لأن بعض الأفعال الزائدة لا فاعل له، وإذا حذف الفعل مع فاعله كان المحذوف جملة.
2 ليس من اللازم ما يقولونه من أنها زائدة هنا.
3 أشار الصبان إلى أن صدر البيت ورد مكان العجز في بعض المراجع.
4 سبقت إشارة لهذا عند الكلام على لام الجر ج2 م90 ص367، وهناك تكملة هذا الشطر، وتفصيل الكلام على البيت، وعلى لام الجر.
الثامن: استفادة المضاف من المضاف إليه وجوب التصدير1، وانتقال هذا الوجوب من الثاني للأول. فإذا كان المضاف إليه لفظًا من الألفاظ التي يجب تصديرها في جملتها كألفاظ الاستفهام
…
و
…
فإنه يفقد التصدير حين يصير مضافًا إليه، وينتقل وجوب التصدير إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة الحتمية؛ ولهذا وجب تقديم المبتدأ في مثل: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صباح أي يومٍ السفر؟ والمفعول به في مثل: دعوة أيهم تجيب؟ والجار والمجرور في مثل: من بلاد الأنصار أقبلت؟ وهكذا
…
وأصل الكلام: معك كتاب من؟ السفر صباح أي يوم؟ تجيب دعوة أيهم؟ أقبلت من بلاد أي الأنصار؟ ففي الأمثلة السابقة تقدم وجوبا كل من المبتدأ، والخبر، والمفعول به، والجار مع مجروره
…
و
…
مع أن كل واحد من هذه الألفاظ ليس من الألفاظ الواجبة التصدير لذاتها؛ ولكنه استفاد حق التصدير الواجب من المضاف إليه، وسلبه هذا الحق؛ إذ المضاف إليه هنا أداة استفهام، وأدوات الاستفهام واجبة التصدير بنفسها قبل أن تصير:"مضافًا إليه" فحين صارت مضافًا إليه فقدت هذا التصدير الواجب، وانتقل منها إلى المضاف.
التاسع: وجوب تقديم المضاف، على المضاف إليه، وكذلك على معمولات المضاف إليه، إن وجدت. فلا يجوز أن يتقدم المضاف إليه، ولا شيء من معمولاته "سواء أكانت هذه المعمولات مفردة، أم جملة، أم شبه جملة"، إلا حالة واحدة يجوز فيها تقديم المعمول؛ هي: أن يكون المضاف كلمة: "غير" التي يقصد بها النفي2؛ ففي نحو: "أنا مرشد الغرباء
…
" لا يصح: "أنا الغرباء مرشد
…
" وفي نحو: "أنا مثل كاتب سطورًا"، لا يصح أن يقال: "أنا - سطورا - مثل كاتب" أما في نحو: "أنا غير منكر فضلا-" فيجوز: "أنا - فضلًا - غير منكر"؛ لأنه يجوز: "أنا فضلًا لا أنكر".
ومنه قول الشاعر:
1 بشرط أن يكون المضاف إليه واجب الصدارة.
2 علامتها: أن يصح إحلال حرف نفي وفعل مضارع محل كلمة: "غير" والمضاف إليها، مع استقامة المعنى.