المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 123: د- البدل 1: تعريف: يتضح تعريفه مما يأتي: لو سمعا من - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 123: د- البدل 1: تعريف: يتضح تعريفه مما يأتي: لو سمعا من

‌المسألة 123:

د- البدل 1:

تعريف: يتضح تعريفه مما يأتي:

لو سمعا من يقول: "عدل الخليفة" لفهما المراد، وكادت الفائدة المعنوية تتم، لولا ما يشوبها من بعض النقص الواضح؛ إذ تتطلع النفس إلى معرفة هذا الخليفة، واسمه، وتتعدد الخواطر بشأنه؛ أأبو بكر هو، أم عمر، أم عثمان، أم علي

و

؟

فلو أن المتكلم قال: عدل الخليفة "عمر" –مثلا- ما شعرنا بذلك النقص المعنوي: لأن "عمر" هو المقصود الأساسي بالحكم الذي في هذه الجملة، "أي: هو الذي ينسب العدل إليه"، فليس لفظ "الخليفة" هو المقصود الأصيل بهذا الحكم، وبهذه النسبة.

وكذلك لو قلنا: اتسع مجال الحضارة في زمن: "ابن الرشيد"، لكانت الجملة مفيدة. لكن السامع -بالرغم من هذه الإفادة- يشعر بنقص معنوي كبير تدور بسببه أسئلة متعددة: من ابن الرشيد هذا؟ ما اسمه؟ ما زمنه؟

أهو الأمين، أم المأمون، أم غيرهما

؟

فإذا قلنا: اتسع مجال الحضارة في زمن ابن الرشيد المأمون اكتملت الإفادة من هذه الناحية المعينة، وزال النقص بسبب ذكر::"المأمون"، الذي هو المقصود الأصيل من الحكم السابق، ومن نسبة اتساع المجال إليه.

فكلمة: "عمر" تسمى: "بدلا"، وكذلك كلمة:"المأمون"، واشباههما من كل كلمة تكون هي المقصودة في الجملة بالحكم بعد كلمة سبقتها؛ لتمهد الذهن للمتأخرة عنها، وتوجه الخاطر إليها، وليس بين الكلمتين

1 هذا هو الاسم المشهور. ويرد -أحيانًا- في بعض المراجع القديمة، وعلى لسان بعض النحاة الأوائل باسم:"الترجمة، أو: التبيين، أو: التكرير"

ولا قيمة لهذا الاختلاف. القائم على مجرد الاصطلاح المختلف –أحيانًا- باختلاف العصور.

ص: 663

رابط لفظي يتوسط بالربط بينهما. ولهذا يقولون في تعريف البدل:

"إنه التابع1 المقصود وحده بالحكم المنصوب إلى تابعه، من غير أن تتوسط –في الأغلب2- واسطة لفظية بين التابع والمتبوع".

ومن هذا التعريف يتضح الفرق بين البدل والتوابع الأخرى: فالنعت والتوكيد وعطف3 البيان، ليست مقصودة بالحكم، وإنما هي مكملة له بوجه من الوجوه التي سبقت في أبوابها. وعطف النسق لا بد فيه من الواسطة، وهي أداة العطف. هذا إلى أن ما بعد هذه الأداة قد يكون مخالفا في الحكم لما قبلها فلا يكون مقصودا به، وقد يشاركه في الحكم ولكنه لا ينفرد به فلا يكون هو المقصود وحده4

والأغلب في "البدل" أن يكون جامدا، ومن القليل الجائز أن يكون مشتقا5. فإذا أمكن إعراب المشتق شيئا آخر يصلح له، كان أولى6.

1 سبق في أول باب النعت ص434 بيان معنى التابع والمتبوع "والأحكام المهمة الخاصة بالتابع، ومنها؛ الفصل بينه وبين المتبوع إلا أن كان المتبوع أحد الموصولات؛ إذ لا يفصل بين الموصول وصلته بتابع مطلقًا -طبقًا للبيان الذي سبق في ج1 م27 ص348 باب الموصول-.

ومنها: عدم انتقال البناء من المتبوع إلى التابع مطلقا.

2 يلاحظ أن عدم الواسطة اللفظية في البدل هو الأغلب، لأن البدل من المجرور يجوز أن يكون بواسطة إعادة العامل وهو حرف الجر الداخل على البدل منه، كالكلام الجارة في قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} وقوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} .

فقد أعيدت اللام مع كلمتي: "من وأولنا" وهذه الإعادة في البدل أمر جائز، لا واجب، وهي مختصة بحروف الجر وحدها. وسيجيء لها بيان مناسب في ص655.

3 الموازنة بين البدل وعطف البيان مدونة في ص546.

4 ويتضح من التعريف السابق أيضا: أن الحرف وحده لا يقع بدلا؛ لأنه لا يصلح للحكم. فالبدل والمبدل منه إما اسمان معا، وإما فعلان معا، وإما اسم وفعل، وإما جملتان معا، وإما أحدهما جملة والآخر غير جملة

كل ذلك لى حب البيان الذي سيجيء.

ويقول ابن مالك في تعريف البدل:

التابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمى. "بدلا"

5 راجح الصبان ج2 أول باب: الإضافة، عند الكلام على:"الإضافة غير المحضة".

6 تصل بهذا ويوضحه ما سبق في: "ج" من ص464 وما سيجيء في ج4 م130 أحكام تابع المنادى، ووصف اسم الإشارة:

ص: 664

الغرض من البدل:

الغرض الأصيل هو -في الغالب- الحكم السابق وتقويته بتعيين المراد، وإيضاحه، ورفع الاحتمال عنه. لأن هذا الحكم ينسب أولا للمتبوع فيكون ذكر المتبوع تمهيدا للتابع الذي سيجيء، وتوجيها للنفس لاستقباله بشوق ولهفة. فإذا استقبلته وعرفته استقبلت معه الحكم وعرفته أيضا؛ فكان الحكم قد ذكر مرتين؛ وفي هذا تقوية للحكم وتوكيد1. ولأجل تحقيق هذا الغرض لا يصح أن يتحد لفظ البدل والمبدل منه إلا إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح؛ فلا يصح في مثل: يا سعد سعد أنت زعيم موفق إعراب: كلمة "سعد" الثانية بدلًا2.

أقسام البدل الأربعة المشهورة -وكل منها هو المقصود وحده بالحكم-:

أولها: بدل كل من كل3، ويسمى "بدل المطابقة"، أو:"بدل المطابق من مطابقه".وضابطه: أن يكون الثاني مطابقًا. أي: مساويا

1 لهذا يقولون أن البدل في حكم تكرير العامل. أما قولهم: إن المبدل منه في حكم المطروح أي: المهمل الذي يمكن الاستغناء عنه" فالمراد منه أن هذا شأنه –الغالب- من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. بدليل صحة: ضربت الرجل يده، إذ لو لم يعتد بالرجل أصلا ما كان للضمير مرجع "راجع شرح التصريح".

وقال الزمخشري في المفصل: "مرادهم بكون البدل في نية طرح الأول -أي: في نية طرح المبدل منه- هو أنه مستقل بنفسه، لا متمم لمتبوعه؛ "فليس كالتأكيد، والصفة، والبيان". إلا إهدار الأول. ألا ترى أنك لو أهدرت الأول في نحو: محمد رأيت غلامه رجلًا صالحًا لم يستقم كلامًا" ا. هـ. كلام صاحب المفصل نقلًا عن حاشية الصبان آخر عطف البيان ثم قال الصبان بعد المثال السالف: بخلافه في البيان. ا. هـ.

ويؤيد هذا ما سيجيء في رقم "و" من ص678.

2 "راجع حاشية الصبان في آخر باب تابع المنادى. وسيجيء إشارة لهذا في "ج" من ص677 وفي ج4 ص41 م130" وكذلك لا يصح أن يكون البدل أو المبدل منه حرفا -كما تقدم-

3 من بدل الكل نوع اسمه: "بدل التفصيل" سيجيء في ص684 وله بعض "أحكام في "هـ" ص677. وإذا كان، "المبدل منه" كنية لوحظ فيه وفي "البدل" ما سبق في "أ" من ص444.

ص: 665

للأول في المعنى تمام المطابقة مع اختلاف لفظيهما في الأغلب1 فهما واقعان على ذات واحدة: وأمر واحد نحو: "أشرقت الغزالة، الشمس؛ فأنارت الدنيا"0، فالشمس بدل كل من كل، والمبدل منه: هو الغزالة، ومعنى الثاني –هنا- معنى الأول تماما. ومثله" الدنيار من تبر؛ ذهب، والدرهم من لجين فضة"، فكلمة:"ذهب" بدل مطابق من: "لجين". النوع من البدل لا يحتاج لرابط يربطه بالمتبوع2..

ومن الأمثلة أيضا: قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة:"صراط" الثانية يدل كل من كل من الأولى لأن صراط الذين انعم الله عليهم هو عينه الصراط المستقيم؛ فالكلمتان بمعنى واحد تماما. وقول الشاعر:

1 الأغلب اختلافهما في اللفظ. وقد يتفقان بشرط أن يفيد الثاني زيادة بيان وإيضاح -كما تقدم في الصفحة السالفة، وكما يجيء في:"ج" ص 677- ومن أمثلة اتفاقهما قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ

} .

وقوله تعالى في سورة الشورى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وبسبب توافق اللفظين يتشابه بدل الكل والتوكيد اللفظي في الصورة اللفظية الظاهر، وقد يصعب التفريق بينهما أحيانا في الصورة اللفظية الظاهرة. غير أن الصعوبة تزول ويتيسر تمييز أحدهما من الآخر بأمرين مجتمعين معا:

أولهما: الغرض المعنوي الذي ينفرد بتأيته كل منهما، وهذا الفرض ترشد إليه وتعينه القرائن وتحدده. وثايهما: الأحكام الأخرى التي يختص بها كل مهما دون صاحبه

وقد يكون "البدل" عاما في ظاهره لكنه خاص في المراد منه؛ كما في الاستثناء التام غير الموجب حيث يجوز في المستثنى النصب والبدل، نحو: ما تخلف السباقون إلا واحدا، أو واحد. فإذا تقدم المستثنى "البدل" فإن الحكم يتغير؛ فيزول عنه اسمه، ويعرب على حسب حاجة الجملة؛ ويفقد المستثنى منه الذي تأخر اسمه، ويعرب "بدلا" من الاسم السابق، ويصير الكلام: ما تخلف إلا واحد السباقون. فالسباقون: "بدل" من واحد، وهو بدل "كل من كل"؛ لأن المتأخر عام أريد به خاص -كما أسلفنا- وبيان هذه المسألة وتفصيل الكلام عليها مدون في مكانها المناسب؛ وهو بابه الاستثناء ج2 رقم 4 من هامش ص398 م81، عند الكلام على المستثنى بإلا.

1 الأمثلة الثلاثة السالفة صالحة لبدل الكل، ولعطف البيان، والتوكيد اللفظي بالمرادف. وإنما تكون التفرقة بينها بالغرض المراد تحقيقه من كل، طبقا لما سلف من الأغراض المدونة في أبوابها وبملاحظة الفوارق والأحكام التي تميز كل نوع، وتختص به -كما سبقت الإشارة هنا في رقم 1-.

ص: 666

إن النجوم نجوم الأفق أصغرها

في العين أذهبها في الجو إصعادا

فكلمة: "نجوم" الثانية بدل كل من كل،. من الأولى؛ لأن المراد من نجوم الأفق هو عين المراد من كلمة:"نجوم" الأولى. ومثل هذا قول الآخر:

إن الأسود أسود الغاب همتها

يوم الكريهة في المسلوب لا السلب1

وقد تقدم الارتباط بين بدل الكل وعطف البيان2

ثانيها: بدل بعض من كل، "أو: بدل جزء من كل". وضابطه: أن يكون البدل جزءا حقيقيا3 من المبدل منه"سواء أكان هذا الجزء اكبر من باقي الأجزاء، أم أصغر منها، أم مساويا" وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه؛ فلا يفسد المعنى بحذفه

4 نحو: أكلت

البطيخة ثلثها، والبرتقالة ثلثيها. ونحو: اعتنيت بوجه الطفل، عينيه. ونظفت فمه، أسنانه.

والأعم الأكثر إن يشتمل هذا البدل على رابط يربطه بالمتبوع، وأهم الروابط هو "الضمير"5 فإن كان الرابط الضمير وجب أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما6

ومن الجائز -مع قلته- الاستغناء عن هذا الضمير في إحدى حالات ثلاث.

1 الغنيمة التي يأخذها الغالب من المغلوب.

2 في ص546.

3 جزء الشيء هو الذي يدخل في تكوين هذا الشيء دخولا أساسيا، لا عرضيا، بحيث لا يوجد الكل كاملا بغير جزئه، كالرأس، أو العنق، أو: القلب،

بالنسبة للإنسان، وكالعين، أو: الفم أو: الجبهة.. بالنسبة للوجه، وكالشفتين، أو: الأسنان

بالنسبة للفم

و

أما الأمور العرضية والأوصاف الطارئة

فكالعلم، أو الفهم، أو: البياض، أو: الحمرة. وبسبب الجزئية الأصيلة اختلف بدل "البعض" عن "بدل الاشتمال -كما سيجيء في ص670.

4 يشترط لصحة بدل البعض -كما يقول الصبان- صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه فيصح جدع السارق أنفه، ولا يصح: قطع السارق أنفه؛ لأنه لا يقال: قطع السارق. على معنى قطع أنفسه، وإرادة هذا المعنى. فلا بد في البدل الجزئي من دلالة ما قبله دلالة إجمالية. يوضح هذا صاحب "الهمع" بأنه لو حذف البال لامكن الاهتداء إليه مما قبله من غير أن يختل الكلام بحذفه -وقد أشرنا لهذا ف:"و" من ص678-.

5 لأنه أقوى في الإيضاح، وكشف المراد، وإبعاد اللبس، وهذه أسمى خصائص اللغة.

6 ولا فرق بين أن يتصل الضمير بالبدل مباشرة -كالأمثلة المتقدمة. وأن يتصل بلفظ آخر له صلة بالبدل؛ نحو: احتفيت بالفائزين؛ ثلاثة منهم.

ص: 667

أ- وجود "أل" التي تغنى عنه في إفادة الربط، وتقوم مقامه عند أمن اللبس، نحو: إذا رأيت الوالد فقبله، اليد، أي: فقبله يده، أو اليد منه1

ب- أن يكون البدل بعضا والمبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام غير موجب، "حيث يصح في المستثنى: إما النصب على الاستثناء" وإما الإتباع على البدلية من المستثنى منه –كما تقدم في باب المستثنى2"؛ نحو: ما تعب السباحون إلا واحدا أو واحد؛ فوجود "لا" يغني عن الرابط؛ لدلالتها على أن المستثنى بعض من المستثنى منه3.

ج- أن يجيء بعد البدل سرد بقية أجزاء المبدل منه، بحيث يكون سردها وافيا يشملها جميعا، ويستوفي كل أجزاء المتبوع؛ مثل: الكلمة أقسام ثلاثة؛ اسم، وفعل، وحرف، فلفظة:"اسم" بدل بعض من ثلاثة، أو من أقام. وهذا البال خال من الرابط؛ لأن البدل وما بعده قد جمع كل أجزاء المبدل منه، وذكرت في الكلام مستوفاة4. ومن الأمثلة قول الشاعر:

أداوي جحود القلب بالبر والتقى

ولا يستوي القلبان: قاس وراحم

فكلمة: "قاس" بدل خال من الرابط؛ لأنه مع ما بعده يشتمل على كل ما للمبدل منه. وليس للمبدل منه هنا سوى هذين النوعين.

ثالثها: بدل الاشتمال، ولتوضيحه نسوق المثال التالي:

إذا قلت: أعجبتني الوردة، جاز للسامع أن ينسب الإعجاب إلى لونها أو رائحتها، أو تنسيق أوراقها أو

لأن الإعجاب يحتمل هذه المعاني العرضية مفردة، ومجتمعة، ويشتمل عليها ضمنا. فإذا قلت: أعجبتني الوردة رائحتها

، تعين معنى واحد من تلك المعاني العرضية التي يتضمنها العامل: "

1 انظر ما يتصل بهذا في رقم 2 من هامش ص676.

2 في ج2 م81 ص297.

3 راجع حاشية الصبان، أول باب الاستثناء.

4 وقيل: إن الضمير مقدر، والتقدير: اسم منها، وفعل منها، وحرف منها. ولا أثر للخلاف بين الرأيين. لأن نتيجتهما واحدة: هي خلو التابع من رابط ظاهر في الكلام.

"ملاحظة" إذا كان المبدل منه متعددا والبدل غير واف بالعدد تعين قطع البدل بالتفصيل الذي سنذكره في "هـ" من ص677. "راجع الصبان في أول باب عطف البيان".

ص: 668

أعجب"، واتجه القصد إلى هذا المعنى دون باقي المعاني التي يشتمل عليها العامل إجمالا، والتي تنطبق على الوردة وتتصل بها، من غير أن يدخل واحد منها في ذات الوردة، وفي تكوينها المادي "الجسمي"، أي: من غير أن يكون واحد منها جزءا حقيقيا أساسيا لا توجد الوردة إلا به، فليست رائحة الوردة جزءا أصيلا في تكوينها المادي يتوقف عليه وجود الوردة، وليس لونها، أو تنسيق ورقها جزءا أساسيا كذلك، وإنما هي أمور عرضية طارئة على ذاتها المادية، قد تلازم الذات أولا تلازمها. وبقاء الذات أو فناؤها ليس متوقفا عليها؛ فمن الممكن أن توجد الوردة وأن تبقى من غير أن يكون لها رائحتها، أو لونها، أو تنسيق ورقها، أو غير هذا من المعاني والأوصاف الطارئة التي تندمج تحت لفظ العامل: "أعجب".

فالرافعة في الأسلوب السابق هي التي تسمى: "بدل اشتمال" و"المبدل منه" هو: "الوردة"، والعامل هو:"أعجب". ويقولون في بدل الاشتمال:

"إنه تابع يعين أمرا عرضيا. ووصفا طارئا من الأمور والأوصاف المتعددة التي تتصل بالمتبوع، ويشتمل عليها معنى عامله إجمالا بغير تفصيل1".

ومن هذا التعريف يتبين أن بدل الاشتمال مقصود لتعيين أمر في متبوعه، وأن هذا الأمر غرضي طارئ، وليس جزءا أصيلا من المتبوع2. وأن أساس الاشتمال وموضعه الحق هو "العامل" بمعناه، لا التابع ولا المتبوع.

ومن الأمثلة لهذا البدل: بهرني عمر عدله، راقني معاوية حلمه، سرتني عائشة علمها ودينها. فالكلمات: عدل: حلم علم

بدل اشتمال كل واحدة منها تعين أمرا خاصا في المتبوع. وهو أمر عرضي لا يدخل في تكوين الذات تكوينا ماديا أصيلا. وهذا الأمر العرفي الطارئ يندرج

1 وهذا الاشتمال قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم، أو غير مكتسب مع ملازمته لصاحبه زمنا، كالحسن، أو عدم ملازمته: كالكلام. وأيضا قد يكون الاشتمال الظرف على المظروف؛ كالثوب، وتارة لا يكون، كالفرس

2 وبسبب هذا يختلف بدل الاشتمال عن بدل البعض اختلافا واسعا.

ص: 669

مع أمور عرضية أخرى تحت العامل، ويشتمل عليها معنى هذا العامل إجمالا.

ولا بد في بدل الاشتمال من ضمير يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما، وهذا الضمير قد يكون مذكورا كما ني الأمثلة السالفة، وقد يكون مقدرا؛ كقوله تعالى:{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ 1 النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} ، والتقدير:"النار فيه". فحذف الجار والمجرور، والمجرور هو الضمير الرابط، ويصح أن يكون القدير: ناره ذات الوقود. ثم حذف الضمير، ونابت عنه "أل" في الربط2".

وبدل الاشتمال -كبدل البعض- لا بد لصحته من صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه وعدم فساد المعنى بحذفه3.

رابعها: البدل المباين للمبدل منه -ويسمى: "بدل المباينة"- وهو ثلاثة أنواع لا بد في كل منها أن يكون هو المقصود بالحكم4، وأن يقوم دليل "أي: قرية" يوضح المراد منه، ويمنع اللبس5. وهذا القسم بأنواعه الثلاثة لا يحتاج إلى ضمير -أو غيره- يربطه بالمتبوع.

أ- بدل الغلط: وهو الذي يذكر فيه المبدل منه غلظا لسانيا، ويجيء البال بعده لتصحيح الغلط. وذلك بأن يجري اللسان بالمتبوع من غير قصد،

1 أصل الأخدود: الشق أو الحفرة في الأرض. ويراد به هنا: شق أحدثه قبل الإسلام بعض الملوك الطغاة في الفرس واليمن والشام ليحرقوا فيه من يخالفهم، ويخرج من دينهم إلى النصرانية، أو غيرها من الأديان السماوية.

2 ما الداعي لأن يقال: حذف الضمير، ونابت عنه "أل" في الربط؟ أليس الأفضل أن نتبع الرأي الذي يجعل الرابط هو الضمير؛ وأنه قد يصح الاستغناء "بأل" أو غيرها، كما سبق البيان في ص669؟ على أن هذا الاختلاف شكل يسير.

3 لهذا بيان في حاشية: "ياسين" على التصريح، مضمونه: أنه يشترط في بدل الاشتمال تحقق أمرين، أحدهما: إمكان فهم معناه عند حذفه؛ ومن ثم كان "أعجبني علي آخوه" بدل إضراب، لا بدل اشتمال، إذ لا يصح الاستغناء عنه بالأول.

وثانيهما: حسن الكلام واستقامته على تقدير حذفه، وافتراض أن البدل غير مذكور، ولهذا امتنع:"أسرجت عليا فرسه" لأنه -بالرغم من فهم معناه في الحذف- لا يستعمل مثله، ولا يحسن. فلو ورد مثل هذا الكلام لكان بدل غلط؛ فبدل الاشتمال كبدل الجزء في هذا، -كما أشرنا في678-.

4 وهذا هو الشأن في كل نوع من أنواع البدل.

5 انظر ما يختص بمنع اللبس في الصفحة الآتية.

ص: 670

ثم ينكشف هذا الغلط والخطأ للمتكلم سريعا؛ فيذكر البدل، ليتدارك به الخطأ اللساني ويصححه. فالغلط إنما هو في ذكر المبدل منه، لا في البدل، نحو:"أعظم الخلفاء العباسيين: "المأمون" بن "المنصور"، "الرشيد". فالحقيقة: أن "المأمون" هو ابن "الرشيد"، ولكن المتكلم جرى لسانه بالخطأ، فذكر انه ابن المنصور؛ فأسرع وأصلح الخطأ بذكر الصواب، قائلا: "الرشيد". فالرشيد؛ بدل من المتبوع، الذي ذكر خطأ لسانيا. وليس "الرشيد" هو: الغلط؛ وإنما هو تصحيح للغلط الكلامي السالف الذي ذكر بغير قصد ولا تنبه. فكلمة: "الرشيد" بدل من "المنصور" بدل غلط، أي: بدلا مقصودا من شيء غير مقصود ذكر غلطا -كما أوضحنا- ولا يحتاج هذا البدل إلى ضمير يربطه بالمتبوع1 ولا ورود لهذا النوع في القران الكريم منسوبا إلى الله2

ب- بدل النسيان: هو الذي يذكر فيه المبدل منه قصدا. ويتبين للمتكلم فساد قصده: فيعدل عنه، ويذكر البدل الذي هو الصواب؛ نحو:"صليت أمس العصر، الظهر، في الحقل، فقد قصد المتكلم النص على صلاة العصر، ثم تبين له أنه نسي حقيقة الوقت الذي صلاه، وأنه ليس العصر؛ فبادر إلى ذكر الحقيقة التي تذكرها؛ وهي: "الظهر" فكلمة: "الظهر" بدل مقصود من كلمة: "العصر" بدل نسيان. والفرق بين هذا البدل وسابقه أن الغلط يكون من اللسان. إما النسيان فمن العقل.

وهذا النوع كسابقه لا يحتاج إلى ضمير يعود على المتبوع، ولا إلى رابط آخر2.... ولا ورود لهذا النوع في القرآن الكريم منسوبا إلى الله 1

ج- بدل الإضراب3: وهو الذي يذكر فيه المبدل منه قصدا. ولكن

"1، 1" انظر الملاحظة التي في ص676.

"2، 2" إذ يستحيل وقوع "الغلط والنسيان" من المولى -جل شأنه- ويستحيل نسبة أحدهما إليه؛ لبطلان هذه النسبة بداهة.

3 يسمى أيضًا: بدل "البداء" -بفتح الباء والدال- أي: الظهور. لأن المتكلم بعد أن ذكره أولًا بدا له "أي: ظهر له" أن يذكر الثاني. والإضراب المقصود هنا هو: الإضراب الانتقالي -وقد سبق شرحه في ص623-.

ص: 671

يضرب عنه المتكمل "أي: ينصرف عنه ويتركه مسكوتا عنه" من غير أن يتعرض له بنفي أو إثبات -كأنه لم يذكره- ويتجه إلى البدل. نحو: سافر في قطار، سيارة. فقد نص المتكلم على القطار أولا، ثم اضرب عنه تاركا أمره، ونص على السيارة بعد ذلك، فهي بدل مقصود من القطار. ولا يحتاج هذا البدل إلى ضمير يعود إلى المتبوع، ولا إلى غيره من الروابط.....1

1 وفي الأقسام الأربعة السابقة يقول ابن مالك:

مطابقا، أون: بعضا، أو ما يشتمل

عليه يلفى، أو: كمعطوف ببل

"تقدير البيت: يلغى البدل مطابقا، أو بعضا، أو ما يشتمل عليه، أو كمعطوف ببل" وقد تضمن هذا البيت بدل المطابقة بالنص الصريح وهو: "مطابقا". وبدل البعض بالنص الصريح، وهو:"بعا" كما تضمن بدل الاشتمال بقوله: "أو ما يشتمل عليه""وكلمة: مطابقا مفعول ثان ليلغى".

يريد: أو: شيئا يشتمل على البدل اشتمالا معنويا "وهو يؤيد: العامل والمتبوع على الوجه الذي شرحناه". ويريد بالمعطوف بالحرف الذي يشبه "بل": بدل المباينة؛ لأنه بأنواعه الثلاثة لا يخلو من الإضراب الانتقالي لا الإبطالي. "وقد سبق شرح الاثنين عند الكلام على "بل" العاطفة -ص623- وأوضحنا أن الانتقالي هو الذي يفيد الانتقال من غرض إلى غرض آخر" ويبين ابن مالك المراد من شبيه "بل" فيقول:

وذا للاضراب اعز قصدا صحب

ودون قصد غلط به سلب

"ذا، أي: هذا الذي يشبه: "بل" اعز: انسب".

يريد: انسب الذي يشبه "بل" إلى الإضراب إن صحبه القصد، وكان المتكلم مريدًا له، "والإضراب هنا هو: الإضراب الانتقا". وإن لم يقصده المتكلم فهو "بدل غلط". وقد بين بعد هذا أن البدل نفسه ليس بموضع الغلط، وإنما جاء ليسلب الغلط ويزيله. "والتقدير: وغلط دون قص سلب بالبدل". واقتصر ابن مالك على نوعين من البدل المباين: هما: "الغلط"» والإضراب"، وترك "النسيان" ولكن البيت التالي المشتمل على مثال لكل نوع -قد يتسع النسيان، قال:

كزره خالدا، وقبله اليدا

واعرفا حقه، وخذ نبلا مدى

"خالد: اسم رجل النبل" جمع: نبلة، وهي: السهم الذي يصاد به الطيور وغيرها من الناس وطائر الحيوان. المدى، جمع مدية، وهي: السكين". "فخالد" بدل كل من الهاء التي في الفعل قبله مباشرة. و"اليد": بدل جزء من الهاء التي قبله في الفعل "أي: يده، أو اليد منه" و"حق" بدل اشتمال من الهاء التي قبله مباشرة، ومدى: بدل غلط، أو نسيان، أو إضراب، من "نبلا". فالبدل هنا يحتمل الثلاثة.

ص: 672

والأحسن عدم الالتجاء إلى هذا النوع من البدل قدر الاستطاعة: لأن احتمال اللبس فيه كبير1....

"ملاحظة": سبق أن أنواع البدل المباين الثلاثة تحتاج إلى قرينة توضح وتمنع اللبس. وأحسن منها أن يتقدم على كل نوع -مباشرة- حرف العطف "بل" المفيد للإضراب. لأن وجود هذا الحرف يؤدي إلى إعراب ما بعده معطوفا لا بد لا. وبهذا يمتنع احتمال أنه نعت، ذلك الاحتمال الذي قد يتسرب إلى الوهم قبل مجيء الحرف:"بل" وبمجيئه تنتقل المسالة من البدل إلى العطف.

1 سبق تفصيل الكلام عليه في ص623 من "باب العطف".

ص: 673

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- المشهور من أنواع البدل هو الأربعة التي شرحناها. وزاد بعض النحاة نوعا خامسا سماه: "بدل الكل من البعض"، واستدل له بأمثلة متعددة تؤيده، منها قوله تعالى في التائبين الصالحين:{فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} ، فجنات بدل كل من الجنة، والأولى جمع، والثانية مفرد، ولهذا كان البدل كلا والمبدل منه بعضا. ومنه قول الشاعر:

رحم الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطلحات

فكلمة: طلحة "بدل كل" من "أعظم" التي هي جزء من "طلحة"، وكذلك قول الشاعر:

كأني غداة1 البين2 يوم تحملوا3

لدى سمرات4 الحي ناقف حنظل5

فكلمة "يوم" بدل كل من "غداة": مع أنه يشملها، وهي جزء منه6

ب- حكم البدل:

البدل أحد التوابع؛ فلا بد إذ يوافق متبوعه في حركات الإعراب، وفي بعض الأشياء المشتركة التي سبق النص عليها7. أما موافقته إياه في غير ذلك فيجري فيها التفصيل الآتي:

1-

فمن جهة التنكير والتعريف لا يلزم أن يوافق متبوعه فيهما؛ فقد يكونان

1 أول النهار.

2 الفراق.

3 سافروا وارتحلوا.

4 جمع "سمرة" -بفتح فضم، ففتح- وهي شجرة الطلح "نوع من شجر الموز".

5 أي: جامع حنظل. وجامعه تدمع عيناه.

6 قال صاحب الهمع -ج2 ص127- ما نصه: "والمختار -خلافا للجمهور- إثبات بدل الكل من البعض؛ نوروده في الفصيح" ا. هـ. وسرد لتأييد رأيه الأمثلة السالفة.

7 في ص434.

ص: 674

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

–معا- معرفتين؛ كقراءة قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} بجر كلمة "الله"؛ على اعتبارها بدلا من كلمة: "العزيز". وقد يكونان نكرتين؛ كقوله تعالى {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا 1 حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} . وقد تبدل المعرفة من النكرة كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} .

وقد تبدل النكرة من المعرفة، كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ 2

} والمفهوم من كلامهم أن تكون هذه النكرة مختصة -لا محضة- لأن النكرة المختصة الخالية من فائدة التعرف -نحو: مررت بمحمد رجل عاقل- قد تفيد ما لا تقيده المعرفة المشتملة على فائدة التعرف3. ومما يؤيد هذا أن الغرض من البدل -كما عرفا فيما سبق- لا يتحقق بالنكرة المحضة.

2-

ومن جهة الإفراد والتذكير وفروعهما، فإن بدل الكل من الكل يطابق متبوعه فيها جميعا

ما لم يمنع مانع من التثنية أو الجمع، كأن يكون أحدهما مصدرا لا يثنى ولا يجمع؛ كالمصدر الميمي4؛ مثل: قوله تعالى في الآية السالفة: "مفازا، حدائق

"وكقصد التفصيل، في قول الشاعر:

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلت5

وأما غيره من أنواع البدل فلا يلزم موافقته فيها6.

والغالب أن البدل يرتبه به ما بعده ويعتمد عليه؛ فيطابقه في حالتي التذكير

1 فوزا، أو: مكان فوز.

2 انظر رقم 1 من هامش ص456.

3 راجع حاشية ياسين في آخر باب البدل.

4 سبقت الإشارة لهذا في 231.

5 بطلت حركتها، ووقفت.

6 انظر ص546 وما بعدها، وص668، عند الكلام على:"ثانيها".

ص: 675

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والتأنيث وغيرهما: نحو: إن الغزال عينه جميلة، وإن الفتاة حفنها فاتر، بتأنيث خبر "إن" في المثال الأول، وتذكيره في الثاني، ولولا أن الملاحظ هو البدل لوجب التذكير في الأول والتأنيث في الثاني. ولا بد في مراعاة ذلك الغالب من عدم وجود قرينة تمنع منه، وتدل على غيره1. ومن غير الغالب قول الشاعر:

إن السيوف غدوها ورواحها

تركت هوارن مثل قرن الأعضب2

فقد جاء الفعل: "ترك" مؤنثا مراعاة للمبدل منه، "وهو اسم "إن" لا للبدل.

ج- قلنا3 إنه قد يتحد4 لفظ البدل والمبدل منه إذا كان في لفظ البدل زيادة بيان وأيضاح؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً 5 كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} بنصب كلمة: "كل" الثانية؛ فقد اتصل بها معنى زائد، ليس في المبدل منه؛ هو بيان سبب الجثو، وهو استدعاء كل أمة لتقرأ كتابها. ومن الأمثلة: شاهدنا الجنود، فرحة، الجنود التي انتصرت على أعدائها، ورأينا الأمة تخرج لاستقبالهم، الأمة التي أنجبتهم

د- قد يحذف المبدل منه ويتغنى عنه بالبدل بشرط أن يكون المبدل منه في جملة وقعت صلة موصول: نحو: أحسن إلى الذي عرفت المحتاج، أي: الذي عرفته المحتاج. فكلمة: "المحتاج" يصح أن تكون بدلا من الضمير المحذوف6

هـ- يصح الإتباع والقطع في البدل إذا كان المبدل منه مذكورا مجملا، مضمونه أفراد وأقسام متعددة، تذكر بعده مفصلة -بأن يشتمل الكلام بعده على جميع أقسامه كاملة نحو: مررت برجال، طويل، وقصير،

1 والأحسن التعبير عن هذا المعنى بأسلوب آخر لا يوهم ولا يوقع في لبس.

2 الحيوان المكسور قرنه.

3 في ص667 وهامشها.

4 راجع في الحكم الثالث: "ج" وما بعده "الأشموني". آخر باب: "البدل".

5 قاعدة معتمدة في القعود على ركبتيها.

6 يصح في كلمة: "المحتاج" النصب على البدلية من الضمير المحذوف، والجر على البدلية من اسم الموصول، والرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، تقديره: هو.

ص: 676

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وربعة1

بالرفع، أو النصب: أو الجر في هذا المثال.

فإن كان الكلام غير مستوف أقسام المبدل منه تعين في البدل القطع2 نحو: مررت برجال طويلا وقصيرا، أو: طويل وقصير، بالرفع أو النصب في الكلمتين. إلا عند نية معطوف محذوف، فلا يتعين القطع وإنما يصح الأمران -كما يصح في الأول- وهما: البدل والقطع. ومن الأمثلة لهذا قوله عليه السلام: "اجتنبوا الموبقات، الشرك والسحر" بنصبهما. والتقدير: وأخواتهما

بدليل ذكر هذا المعطوف في حديث آخر.

فإن كان البدل خاليا من التفصيل جاز فيه الأمران أيضا: الإتباع والقطع. نحو: فرحت بعليّ أخوك أو أخاك على القطع فيهما. أو: أخيك على البدل

وسيجيء -في ص684 وما بعدها- إيضاح آخر لبدل التفصيل، وأنه نوع من بدل الكل.

أما تفصيل كلام على القطع وطريقته فقد سبق في باب النعت. ومن المستحسن التخفف من استعماله قدر الاستطاعة.

و يشترط3 في بدل البعض وبدل الاشتمال أن يصح في كل منهما الاستغناء بالمبدل منه، وعدم فساد المعنى أو اختلال التركيب لو حذف البدل، أو اتصل به عامله اتصالا لفظيا ظاهرا ومباشرا، فلا يجوز:"قطعت اللص أنفه، ولا لقيت كل أصحابك أكثرهم، ولا أسرجت القوم دابتنهم"، لعدم صحة الاستغناء بالمبدل منه عن البدل. وكذلك لا يصح مررت بمحمد أبيه، إذ لا يصح أن يقال في هذا المثال -وأشباهه- عند إظهار عامل

1 متوسط بين الطويل والقصير.

2 لكيلا يكون بدل بعض من كل مع خلوه من الرابط، ومما يفنى عن الرابط -كما سبق في ص644 وفي رقم 4 من هامشها.

3 الشرط الآتي هو ما سبقت الإشارة إليه في رقم 4 من هاش ص668 عند الكلام على "بدل البعض" نقلا عن الصبان، وكذا في ص669 عند الكلام على "بدل الاشتمال" نقلا عن ياسين وقلنا في الموضعين السالفين أن مجال الكلام عليه سيكون هنا. ويتصل بهذا ما في رقم 1 من هامش ص666.

ص: 677

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البدل -وهو مررت، أو الباء- وتسليطه على البدل مباشرة: مررت أبيه، بعدية الفعل اللازم، كما لا يقال مررت بأبيه، من غير مرجع للضمير.

ز- الأغلب أن البدل على نية تكرار العامل1، وليس على تكراره حقيقة. بيان هذا: أن

العامل في "البدل منه" هو العامل في "البدل" لكن هذا العامل المشترك بينهما واجب الإظهار والتلفظ به قبل المتبوع وحده. ولا يصح إعادته وتكراره ظاهرا صريحا قبل التابع. وإنما يكفي تخيل وجوده قبل البدل مباشرة. وملاحظة أنه موجود قبله في النية والتقدير؛ لا في الحقيقة والواقع. مع استقامة الأسلوب، وسلامة المعنى بغير حاجة إلى إعادته وتكراره صريحا ظاهرا في الكلام.

والسبب في منع التكرار الحقيقي -لا الخيالي- أنه يؤدي إلى تأثير العامل المتكرر في "البدل" تأثيرا جديدا يزحزه عن "البدلية" ويدخله في عداد معموات أخرى لا تصلح "بدل"؛ ففي مثل: نظف الرجل فمه أسنانه، يكون المبدل منه هو "الفم"، والبدل هو:"أسنان" وعاملهما هو: "نظف" المذكور صريحا قبل المتبوع. وتخيلا وتقديرًا -دون تكراره- قبل التابع، وعلى أساس هذا التخيل المجرد، والتقدير المحض يصح أن نفترض أن أصل الكلام هو: نظف الرجل فمه، نظف الرجل أسنانه. وهذا الافتراض لم يفسد المعنى ولا التركيب، إنما أدى إلى توضيح المراد: فلو اعتبرنا العامل الثاني، الملاحظ تخيلًا وتقديرًا -وهو هنا:"نظف"- عاملًا معادًا حقيقة، وتكرارا للأول لأدى هذا إلى أيجاد تركيب جديد، خال من البدل، ولوجب إعراب كلمة:"أسنان" شيئا آخر غير البدل؛ فتكون هنا على الاعتبار الجديد "مفعولا به"، ولا تصلح بدلا، ويترتب على هذا التغيير الإعرابي تغيير معنوي معروف ينشأ من الفرق المعنوي بين البدل، والمفعول به، إذ لكل منهما مهمة تختلف عن مهمة الآخر.

ويستثنى من الحكم السالف صورة يصح فيها الأمران؛ أما تكرار العامل تكرارا لفظيا، وإعادة التلفظ به مرة ثانية، وأما الاكتفاء بتخيل وجوده قبل البدل

1 سبق إيضاح المراد من أن البدل في حكم تكرار العامل، وأن المبدل منه في حكم المطروح "في رقم 1 من هامش ص664. وله إشارة موجزة في ص547".

ص: 678

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والاقتصار على ملاحظته في النية والتقدير1. وهذه الصورة الجائزة -لا الواجبة، كما أسلفنا2- هي التي يكون فيها العامل حرفا من حروف الجر؛ كاللام الجارة في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} ، وفي قوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} ومثل: "من" في قوله تعالى: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} ؛ فقد تكررت اللام وأعيدت صريحة في الآية الأولى "

لكم، لمن

"، وكذلك في الآية الثانية ".. لنا، لأولنا" كما تكررت "من" في الآية الثالثة "من المشركين من الذين

" وهكذا

لكن ما إعراب حرف الجر المكرر؟ وما إعراب الاسم المجرور بعده؟ قيل: إن حرف

الجر المكرر أصلي، باق على عمله، وأنه هو الذي جر الاسم "بدلا" بعده. دون الحرف الأول المتقدم، ودون الحرف آخر مقدار، أو ملحوظ متخيل. بحجة أنه لا داعي للتقدير في هذه الصورة مع وجود عامل مذكور، منطوق به صراحة؛ فإن التخيل أو التقدير إنما يكون في غير هذه الصورة التي ظهر فيها بالعامل المتكرر، ووقع تحت الحس فلا يمكن إغفاله، ولا إنكار وجوده. ولا المطالبة بأن يكون العامل في المبدل منه هو العامل في البدل، إذ لا داعي للتمسك بهذا الحكم حين يكون العامل المتكرر جر، بعده البال مباشرة.

بقي الاعتراض بشيء آخر، هو أن حرف الجر الأصلي لا يجر البدل؛ لأن عمله مقصور على شيء واحد؛ هو جر الاسم جرا مجردا، لا يصح معه اعتبار ذلك الاسم المجرور بدلا أو غير بدل.

قد يندفع هذا الاعتراض بواحد من ثلاثة:

أولها: وهو أقوّاها وأحسنها صحة اعتبار المجرور في هذه الصورة وحدها "بدلًا"؛ بالرغم مما هو مقرر أن التوكيد اللفظي لا يؤثر في غيره، ولا

1 راجع حاشية ياسين على التصريح، بال البلد. عند الكلام على بدل الاشتمال.

2 في رقم 2 من هامش ص664.

ص: 679

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يتأثر به: فلا يصلح عاملا ولا معمولا1.

ثانيها: اعتبار العامل المتكرر توكيدًا لفظيًا محضًا "أي: لا يؤثر ولا يتأثر؛ طبقًا لما سبق تقريره". وأن الاسم المجرور بعده مجرور بالعامل الأول الذي له التأثير في المبدل منه؛ فهو أي: العامل الأول -وحده- مؤثر في التابع والمتبوع معًا، عملًا بالرأي الذي يقول: إن البدل ليس على نية تكرار العامل، وإنما العامل في المبدل منه وفي البدل واحد، لا تكرار له، ولا تخيل لإعادته.

ثالثها: اعتبار البال على نية تكرار العامل، وأن حرف الجر المتكرر هو توكيد لفظي محض، وليس تكرارًا للعامل المتقدم. وبالرغم من وجوده مكررا واعتباره توكيدًا لفظيًا خالصًا بكون الجر بعده بعامل آخر غير ظاهر ولكنه ملحوظ في النية والتقدير.

ولا شك أن الآراء الثلاثة يشوبها الضعف؛ لمخالفة كل منهما للضوابط العامة، ولاعتمادها على النية، والتقدير، والتأويل، ولكن الأول أخفها ضعفًا: ولذا كان أنسبها قبولا.

1 بيان هذا في "أ" ص527 حيث الكلام على أحكام التوكيد اللفظي.

ص: 680