الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 109:
الأحكام الخاصة بالتعجب
أشهر أحكامه ما يأتي:
1-
وجوب اعتبار فعليه جامدين بعد صياغتهما للتعجب1. "مع أنهما في أصلهما الثلاثي قبل التعجب مشتقان حتمًا" ولهذا لا يجوز أن يتقدم عليهما "المتعجب منه"2، فلا يصح: العلم ما أنفع!! والجهالة ما أضر!! بتقديم المعمولين: "العلم والجهالة". كما لا يصح: بالعلم أنفِع!! وبالجهالة أضرِرْ!!
ولا يصح أن تلحقهما علامة تذكير، أو تأنيث، أو إفراد، أو تثنية، أو جمع؛ فلا بد من بقائهما على صيغتهما في كل الأحوال من غير زيادة ولا نقص، ولا تغيير في ضبط الحروف. ولكن إذا اتصل بآخرهما ضمير بارز يعود على المتعجب منه وجب أن يكون هذا الضمير مطابقًا لمرجعه، نحو: الزارع ما أنفعه!، والزارعة ما أنفعها! والجنديان ما أشجعهما! والوالدات ما أشفقهن! و
…
و
…
2-
وجوب إفراد فاعلهما المستتر3، وتذكيره، فلا يكون لغير المفرد المذكر، وإذا كان ضميرًا مستترًا فهو واجب الاستتار.
3-
امتناع الفصل بين فعل التعجب ومعموله إلا بشبه الجملة، أو
1 كما سبق في ص342، 346، 349، وفي عدم تصرفهما يقول ابن مالك:
وفي كلا الفعلين قِدْمًا لَزِما
…
منْعُ تصرُّف بحُكِمٍ حُتِما
وقد سبقت الإشارة لهذا البيت بمناسبة أخرى في ص346.
2 لأن الجامد لا يتقدم عليه معموله، في الأغلب -كما سيجيء البيان في رقم 2 من هامش ص400.
3 أما غير المستتر فلا يسري عليه هذا الحكم كالذي في قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} . وقد سبق إعراب هذه الآية في ص344، وستذكر لمناسبة أخرى في ص360، وفي رقم 4 من هامش ص361.
بالنداء؛ أو "كان" الزائدة بالإيضاح الآتي بعد1. فلا يجوز: "ما أضيع -حقًا- المودة عند من لا وفاء له، وما أبعَد -يقينًا- المجاملة ممن لاحياء عنده". ويجوز: "ما أضيع -في بلادنا- المودة عند من لا وفاء له! وما أبعد -بيننا- المجاملة ممن لا حياء له! ". كما يجوز: السماحة تدفع إلى أداء الحقوق، والشح يصد عنها؛ فأكرم -يا أخي- بها! وأقبِحْ يا زميلي به! "
…
ومن أمثلتهم في الفصل بالجار والمجرور قولهم: "ما أهون على النائم القرير سهر المسهَّد المكروب
…
"2 وقول الشاعر:
بني تغلب، أَعْزِزْ عَليَّ بأن أرى
…
دياركمو أمست وليس بها أَهْلُ
وبالظرف قول الشاعر:
أقيمُ بدارِ الحزمِ ما دام حزمُها
…
وَأَحْرِ -إِذا حالتْ- بأن أَتَحَوَّلا
ويشترط في شبه الجملة الذي يجوز الفصل به أن يكون متعلقًا بفعل التعجب3 -كالأمثلة السالفة- فلو كان متعلقًا بمعمول فعل التعجب أو بغير فعل التعجب. لم يصح الفصل به -ففي مثل: "ما أحسنَّ الحليم عند دواعي الغضب!. وما أشجع الصابر على الكفاح! " لا يجوز: "ما أحسنَ عند دواعي الغضب الحليم، ولا: ما أشجع على الكفاح الصابر"؛ لأن الظرف متعلق بكلمة: "الحليم"، والجار والمجرور متعلقان بكلمة:"الصابر".
وقد يجب الفصل بالجار ومجروره المتعلقين بفعل التعجب إذا كان معمول فعل التعجب مشتملًا على ضمير يعود على المجرور، نحو: ما أليقَ بالطبيب أن يترفق!، وما أحق بالمريض أن يصبر!
…
فالمصدر المؤول من "أنْ والفعل" هو معمول لفعل التعجب، ومشتمل على ضمير يعود على المجرور
…
4 ومنه قول الشاعر:
1 في الحكم الثامن؛ ص361.
2 سبق هذا المثل في آخر رقم 2 من هامش ص286.
3 قد يتعدى فعل التعجب إلى مفعوله بحرف جر معين تبعًا لفعله الأصلي قبل التعجب. وسيأتي بيان هذا في الزيادة ص363.
4 في الحكمين السابقين يقول ابن مالك باختصار في ختام الباب: =
خَليلَيَّ ما أَحْرَى بذي اللُّبُ أنْ يُرى
…
صَبورًا، ولكنْ لا سبيلَ إلى الصبْرِ
4-
عدم جواز العطف مطْلقًا. على فاعل "أفْعَلَ" في التعجب وكذلك لا يجوز اتباعه، فالتوابع كلها ممنوعة إذا كان هو المتبوع وحده. أما إن كان المتبوع هو الجملة التعجبية كلها "فعلها وفاعلها" فلا يمتنع؛ فيصح عطف جملة جديدة على الجملة التعجبية؛ كقول الشاعر:
أولئك قومي بارك الله فيهمُو
…
على كل حال ما أَعفَّ وأَكْرَما
…
فقد عطفت الجملة الثانية "المكونة من الفعل الماضي: "أكرم" وفاعله" على الجملة التعجبية التي تسبقها "والتي تتكون من الماضي "أعفَّ" وفاعله". وكما يجوز الاتباع بالعطف بجملة يجوز الاتباع بالتوكيد اللفظي بجملة تؤكد الجملة التعجبية كلها توكيدًا لفظيًا. ويجوز الإبدال منها كذلك "بدل جملة من جملة". أما الاتباع بالنعت فلا يصح؛ لأن المتبوع "وهو: المنعوت" لا يكون جملة.
5-
وجوب أن يكون المعمول "أي: المتعجَّب منه" معرفة، أو نكرة مختصة، فمثال المعرفة ما تقدم من الأمثلة الكثيرة، وقول الشاعر:
ما أصعبَ الفعلَ لمن رامَه!
…
وأَسهلَ القَوْلَ على من أَرَاد!
ومثال النكرة المختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما مما يفيد الاختصاص: ما أسعد رجلًا عرف طريق الهدى فسار فيه! وما أشقى إنسانًا تبين الرشد من الغي، فانصرف عن الرشد، واتبع الضلال!
=
وفِعْلُ هَذَا البَابِ لَنْ يُقَدَّمَا
…
مُعْمُولُهُ، وَوَصْلَهُ به الْزَمَا
أي: معمل الفعل في هذا الباب لا يتقدم على فعله. والزم وصل المعمول بفعله، بحيث لا يفصل بينهما فاصل إلا ما أشار إليه في البيت الأخير التالي:
وَفصْلُهُ بظَرْفٍ اوْ بِحًرْفِ جَرْ
…
مُسْتَعْمَلٌ، والْخُلْفُ فِي ذَاكَ اسْتَقَرْ
أي: أن الفصل بشبه الجملة مستعمل في الكلام المأثور، والخلاف بين النحاة ثابت في أمر القياس عليه. ولكن الرأي الرشيد جواز القياس عليه. وكذا الفصل بالنداء فيه خلاف، والصواب جوازه. وهل يجوز الفصل بالظرف ومعه الجار والمجرور؟ في هذا خلاف: والأرجح المنع.
ولولا هذا الشرط لكان التعجب لغوًا؛ إذ لا فائدة من قولنا: ما أسعد رجلًا
…
ما أشقى إنسانًا
…
ويتساوى في هذا الحكم معمول "أفْعَلَ وأفْعِلْ".
6-
جواز حذف المعمول المتعجب1 منه في إحدى حالتين؛ "سواء أكان منصوبًا بأفْعَلَ، أم مجرورا بالباء بعد أفْعِلْ".
أولاهما: أن يكون ضميرًا يدل عليه دليل بعد الحذف؛ كقول الشاعر:
جزى اللَّهُ عني -والجزاء بفضله-
…
ربيعةَ، خيرًا. ما أَعَفَّ! وأَكْرَمَا!
أي: ما أعَفَّها وأكرَمها. وقول الآخر:
أرى أمَ عمْرو دَمْعُها قَدْ تَحَدَّرَا
…
بكاءً على عَمُرٍو. وما كان أصبرا!
أي: أصبرها.
ثانيتهما: أن تكون صيغة التعجب هي: "أفْعِلْ" وقد حذف معمولها المجرور وحذف معه حرف الجر، وقبلها صيغة للتعجب على وزن:"أفْعِلْ" أيضًا، ولهذه الصيغة الأولى معمول مذكور، مماثل للمعمول المحذوف مع حرف الجر
…
وقد عطفت الصيغة الثانية مع فاعلها على الأولى مع فاعلها: عطف جملة على جملة2؛ كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 3، أي: وأَبصِرْ بهم. ونحو: أحسِنْ بصاحب المروءة وأكرِمْ!؛ أي: وأكرِم بصاحب المروءة، وقول الشاعر:
أَعْزِزْ بنَا!، وأَكْفِ! إِنْ دُعينا
…
يَوْمًا إلى نَصْرِةَ مَنْ يَلينَا4
1 سبقت الإشارة في "ب" من ص347 إلى ما يتردد في هذا الباب من قولهم: "المتعجَّب منه"، وأنهم يريدون: المعمول الذي له صلة بالأمر الذي يدعو للتعجب.
2 لم يشترط بعض النحاة شيئا من هذا كله، واكتفى باشتراط وجود قرينة تدل على المحذوف، وقالوا هذا الرأي أحسن وأوجه.
2 سبق هذا المثال لمناسبة أخرى في ص344، وفي رقم 3 من هامش ص357.
3 وإلى هذا أشار ابن مالك ببيت سبق شرحه في ص346، هو:
وحذْفَ ما مِنْه تَعجَّبْتَ اسْتَبحْ
…
إِنْ كَانَ عِنْد الحذفِ معناه يَضِحْ
7-
تجرد فعل التعجب -في الأغلب1- من الدلالة على زمن؛ لأن الجملة التعجبية كلها إنشائية محضةُ، الغرض منها إنشاء التعجب، فتركت الدلالة الزمنية، وانسلخت منها، واقتصرت على تحقيق الغرض الذي أُنشئت من أجله، وهو "الإنشاء غير الطلبي"، المقصود منه إعلان التعجب، كما أسلفنا2.
8-
جواز الفصل بين "ما" التعجبية وفعل التعجب بـ"كان" الزائدة3 كقول الشاعر يحن إلى أهله ورفاقه:
ما كان أَجملَ عهدَهم وفعالهَم!
…
من لي بعهدٍ في الهناءِ تصَرّما؟
وقول الآخر:
ما كان أَحوجَ ذا الجمالَ إِلى
…
عَيْب يُوَقِّيهِ من الْعَينِ
وقد تقع "كان" التامة المسبوقة بما المصدرية بعد صيغة التعجب؛ نحو: ما أحسن ما كان الإنصاف4.
1 قلنا: "في الأغلب" لوجود حالة قد يدل فيها على الزمن هي المشار إليها في رقم 3 من هامش ص342
…
2 انظر رقم 3 من هامش ص342 حيث الحالة التي يدل فيها على الزمن. وهامش ص353، ورقم الآتي هنا.
3 سبق تفصيل الكلام على زيادتها، وما يستتبعه من أحكام في ج1 ص418" م44، وفي هامش ص39 منه.
4 "ما" مصدرية، "كان" فعل ماضٍ تام، بمعنى: وُجد وظهر، الإنصاف" فاعلها. والمصدر المؤول مفعول فعل التعجب. والتقدير: ما أحسن وجود الإنصاف في الماضي. فإن قصد الاستقبال جيء، بالفعل التام:"يكون" بدلًا من الفعل: "كان ". ووجود الفعل الماضي "كان". والمضارع: "يكون" يقيد التعجب بزمن معين، وهذا -وإن كان قليلًا جائز؛ فمن الجائز تقييد فعل التعجب بزمن ماضٍ والمجيء بالفعل "كان"، أو:"أمسى" للنص على هذا التقييد بالمضي، وبكلمة:"الآن" أو ما بمعناها للنصّ على التقييد بالزمن الحالي، وبالفعل "يكون" ونحوه. كالظروف المستقبلة للدلالة على الاستقبال، ومنه قوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} والمهم وجود قرينة تدل على التقييد المقصود. وبغير التقييد تتجرد الجملة التعجبية من الدلالة الزمنية "كما رددنا في هامش ص342، 349، 353 و
…
- "راجع الأشموني والصبان آخر هذا الباب".
وقد تقع "كان" بلفظ الماضي زائدة بين "ما" التعجبية وفعل التعجب. والأحسن في هذه الصورة أن تكون مهملة لا عمل لها مطلقًا، ولا فائدة منها إلا الدلالة على أن زمن التعجب ماضٍ "طبقًا للبيان والتفصيل السابقين في ج1 م44 "زيادة كان" وكذلك م4 عند الكلام بل الأفعال.
9-
جواز حذف الباء الداخلة على معمول "أَفْعِلْ" بشرط أن يكون ما تجره مصدرًا مؤولًا من "أن المصدرية". و"الفعل"، أو "أن" مع معموليها1، نحو: أحببْ أن تكون المقدَّم، وقول الشاعر:
أَهْوِنْ عليَّ إِذا امتلأَتَ من الكَرَى
…
أَنِّي أبيتُ بليلةِ الملسوع
والأصل: بأن تكون
…
وبأني
…
1 يرى بعض النحاة "كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص344، وكما سبق في ج2 ص135 م71" أن حذف "الباء" ممنوع هنا قبل المصدر المؤول من "أنَّ" ومعموليها؛ بحجة أنه غير مسموع بخلاف حذفها قبل المصدر المؤول من "أنَّ والفعل والفاعل" فهو مسموع إلى الحد الذي يبيح القياس عليه. وهذا رأي رفضه آخرون -ورأيهم حق- لأن حذف حرف الجر مطَّرد قبل: "أنْ وأنَّ" المصدريتين؛ فلا معنى لإخراج "أنَّ" هنا، وبخاصة مع وجود أمثلة مسموعة، ولو قليلة؛ لأن قلتها في موضع بعينه لا تقدح في الاطِّراد المستمد من أغلب الحالات.
لكن إذا حذفت "باء الجر" أتلاحظ وتقدر بعد الحذف، فيعرف ما بعدها على اعتبارها كالمذكورة، أم لا تلاحظ ولا تقدر؛ فيعرب ما بعدها على اعتبار عدم وجودها وعدم ملاحظتها؟ قولان. ولعل الأول هو الأنسب؛ لمسايرته الحالات الأخرى التي ليست للتعجب، فيكون الأمر مطردًا في التعجب وغيره.
ومن الضرورات الشعرية المستقبحة التي لا يرتضيها كثير من النحاة -حذف "باء الجر" من المتعجب منه إذا لم يقع بعدها "أنّ"، أو "أنْ" وإذا حذفت -مع الاستقباح- فما حكم الاسم الظاهر بعدها؟ قيل: يرفع؛ لأنه في الأصل بمنزلة الفاعل، وقيل: ينصب؛ لأنه بمنزلة المفعول به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
1-
عرفنا1 أن صيغة: "أفْعَلَ" تحتاج إلى معمول بعدها منصوب، يعرب مفعولًا به، وأن صيغة:"أَفْعِلْ" تحتاج إلى معمول بعدها مجرور بالباء، وأنهما يحتاجان -أحيانًا- إلى شبه جملة بعدهما، وقد يفصل شبه الجملة بينهما وبين معمولهما
…
و....
وقد تحتاج صيغة التعجب إلى معمولات أخرى غير التي سبقت؟ كالحال والتمييز، والاستثناء
…
وقد تحتاج إلى معمول مجرور بحرف جر معين2؛ مجاراة لفعلها الأصلي قبل التعجب؛ ويصير الجار والمجرور متعلقين بها. "أي: بصيغة فِعْل التعجب"3. ولكن ما هو هذا الحرف المعين من حروف الجر؟ 4.
إن كان فعل التعجب دالًّا على حب، أو كره، أو ما بمعناهما؛ -كالود، والبغض- فحرف الجر المناسب: هو: "إلى" بشرط أن يكون ما بعد "إلى" فاعلًا في المعنى لا في اللفظ" وما قبلها مفعولًا في المعنى لا في اللفظ؛ نحو: ما أحبَّ العلم إلى النابغين، وما أبغض النقص إلى القادرين!!. ففعل التعجب: "أحبّ" قد نصب مفعوله. واحتاج إلى جارٍّ ومجرور تبعًا لأصله، فجيء بهما. وحرف الجر هو: "إلى" لأن فعل التعجب دالٍّ على "الحب"، وما بعد "إلى" مجرور بها. لكنه فاعل معنوي، لا نحوي؛ لأنّ النابغين
1 في ص341.
2 كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص358.
3 إذا كان المفعول به لصيغة الماضي "أفعل" ضميرًا بعده تمييز؟ فما نوع هذا التمييز؟ أتمييز مفرد أم تمييز جملة؟ وكذلك ما نوع التمييز بعد الضمير المجرور بالباء في صيغة: "أَفِعِلْ به"؟
الإجابة في: "باب التمييز" -ج2 م88 ص343.
4 انظر أمن ص432؛ حيث الكلام على تعدية "أفعل التفضيل" بحرف الجر، فيتبين التشابه والتخالف بين التعجب والتفضيل" في هذه التعدية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والقادرين هم الفاعلون لحب العلم، وبغض النقص. وما قبل إلى:"العلم النقص" هو المفعول المعنوي -لا النحويّ؛ لأنه الذي وقع عليه الحب -والبغض.
ولهذا ضابط سبق بيانه1؛ هو: أن يحذف فعل التعجب ومعه "ما التعجبية" إن وجدت، وبوضع مكانهما فعل آخر من مادته ومعناه، يكون فاعله النحوي هو الاسم المجرور بـ"إلى"، ومفعوله هو الاسم الواقع بينها وبين فعل التعجب. فإن استقام المعنى على هذا صح مجيء "إلى"، وإلا وجب تغييرها. ففي المثال السابق نقول: أحَب، أو: يحب النابغون العلم، ويكره القادرون النقص. وقد استقام المعنى فدلت استقامته على صحة مجيء "إلى".
فإن كان ما بعدها ليس فاعلًا في المعنى. وإنما هو مفعول معنوي وما قبلها هو الفاعل المعنوي وجب الإتيان "بلام الجر". بدلًا من: "إلى"؛ نحو: ما أحبّ الوالدة لمولودها!، فالوالدة هي الفاعل المعنوي -لا النحويّ- الذي فَعَل الحب أو قام به الحب. والمولود هو المفعول المعنوي -لا النحوي- الذي وقع عليه الحبّ؛ لصحة قولنا: أحبت، أو تحب الوالدة مولودها
…
فمعنى: "إلى"، و"اللام"، في مثل هذا الموضع هو: "التبيين، أي: بيان الفاعل المعنوي والمفعول المعنوي، وتمييز كل منهما من الآخر.
ب- إن كان أصل فعل التعجب فعلًا متعديًا بنفسه لواحد فإنه يصير لازمًا يتعدى بحرف جر خاصٌّ هو: "اللام" كذلك، مثل: ما أضرب الناس للجاسوس!!
وإن كان أصل فعل التعجب فعلًا لازمًا يتعدى إلى معموله بحرف جر معين وجب أن يجاري أصله في التعدي بهذا الحرف إلى معموله؛ نحو: ما أغضب الناس على الخائن. وقول شوقي:
ما أجمل الهجرة بالأحرارِ
…
إنْ ضنّت الأوطان بالقرارِ
لأنه يقال: غضب الله على الكافر
…
جَمُلَ المرء بخُلقه
…
1 ج2 ص345 م9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ج- قد يصاغ فعل التعجب من فعل ينصب بنفسه مفعولين1 مثل "كَسَا"، و"ظن" في نحو: كَسَا الغنيُّ فقيرًا ثيابًا. ظن البخيلُ الجودَ تبذيرًا.
ولفعل التعجب الذي يصاغ من المتعدي لمفعولين أربع حالات2.
الأولى: أن يكتفي بفاعل المتعدي فينصبه مفعولًا به؛ نحو: ما أكسى الغَنِيَّ!!، ما أظَنَّ البخيلَ!! فكلمتا:"الغني والبخيل" كانتا في الأصل قبل التعجب فاعلًا؛ فصارتا بعده مفعولًا به لفعل التعجب الذي اكتفى بهذا المفعول به، واقتصر عليه.
الثانية: أن يزيد على الفاعل السابق الذي صار مفعولًا به، أحد المفعولين الأصليين مجرورًا باللام؛ فنقول: ما أكسى الغنيَّ للفقير!!. ما أظَنَّ البخيلَ للجود!! فكلمتا: "البخيل"، و"الجود" كانتا قبل التعجب مفعولين للفعل المتعدي لاثنين، ثم صارتا بعد التعجب مجرورين باللام، ومتعلقين مع مجرورهما بفعل التعجب.
الثالثة: أن يزيد على الحالة السابقة المفعول الأصلي الثاني؛ فنقول: ما أكسى الغنيَّ للفقير ثيابًا!. ما أظنَّ البخيلَ للجودِ تبذيرًا!.
الرابعة: حذف لام الجر السابقة ونصب الثلاثة مباشرة بشرط أمن اللبس، نحو: ما أكسى الغني الفقيرَ الثيابَ!! وما أَظَنَّ البخيلَ الجودَ تبذيرًا. فإن خيف اللبس أدخلت لام الجر على المفعولين الأصليين؛ نحو: ما أظَن الرجلَ لأخيك، لأبيك، والأصل: ظَنَّ الرجل أخاك أباك.
لكن "أفْعَلَ" في التعجب لا ينصب إلا مفعولًا به واحدًا، وفي الأمثلة السابقة استوفى حقه بنصبه المفعول به الذي كان في الأصل فاعلًا. فما الذي
1 سواء أكان أصلهما المبتدأ والخبر كالفعل: "ظن" أم لم يكن أصلهما ذلك، كالفعل:"كَسَا".
2 كثر الخلاف والاضطراب بين المراجع المطولة بشأن هذه الحالات. وأصفاها -مع إيجازه- ما جاء في شرح "التصريح". وقد نقلنا هنا صفوة ما تضمنته المطولات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نصب المفعول الثاني، إن وجد، وكذلك الثالث؟
إن البصريين يقدرون فعلًا -أو ما يشبهه- ينصب المفعول الثاني إن وجد، وكذلك الثالث؛ ويسترشدون في تقديره بفعل التعجب المذكور قبله؛ فيقولون في تأويلهم:"ما أكسَى الغنيَّ يكسو الفقير!!. أو: ما أكسى الغنيَّ يكسو الفقير ثيابًا!! ". "ما أظَنَّ الغنيَّ؛ يظن الجود
…
-أو ما أظَنَّ الغنيّ يظن الجود تبذيرًا!! "
والكوفيون لا يقدرون محذوفًا ولا يتأولون، ويقولون: حقًا أنّ "أَفْعَلَ" في التعجب لا ينصب إلا مفعولًا به واحدًا، لكنه في هذه الصور وأمثالها ينصب أكثر من مفعول به واحد.
ولا أثر للخلاف في المعنى، ولكن في رأي الكوفيين يسْر وقبول؛ لبعده من التكلف، والحذف، والتقدير.