المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 117: ج- العطف بنوعيه العطف نوعان: عطف بيان، وعطف نسق1، وفيما - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 117: ج- العطف بنوعيه العطف نوعان: عطف بيان، وعطف نسق1، وفيما

‌المسألة 117:

ج- العطف بنوعيه

العطف نوعان: عطف بيان، وعطف نسق1، وفيما يلي بيانهما:

1-

عطف البيان:

نسوق بعض الأمثلة لإيضاح هـ:

1-

قال أحد المؤرخين "طَرَقَ الحسينُ بنُ عليّ –رضي الله عنهما– باب سيد كريم في قومه؛ هو: "امرؤ القيس الكلبيّ" وخطب بنته: "الرَّبَاب" فرحب به أبوها، وملأت الفرحة جوانب نقسه؛ لعلمه أن هذه المصاهرة ستربطه ببيت الرسول: "محمد" عليه السلام، وتسجل له شرفًا خالدًا على الأيام.. وتمَّ الزواج، وأنجبت الرَّبَاب فكان من ذريتها: الأديبةُ المتفقهة "سُكَينةُ" إحدى شهيرات النساء في الصدر الأول والتي قيل فيها2:

كانت "سكَيْنةُ" تملأُ الدُّنيا

وتهزأ بالرواةِ

رَوَتِ الحديث وفسّرتْ

آيَ الكتابِ البينات

"

فلو أن المؤرخ قال: طرق "الحسين" باب سيد كريم لتَساءلنا: من هو "الحسين"؟ ولشعرنا أن هنا الاسم –برغم أنه معرفة بالعَلِمية– يحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتبيين يزيل عن حقيقة صاحبه، وعن ذاته3 شائبة الإبهام،

1 سيجيء في ص555.

2 القائل هو الشاعر: أحمد شوقي.

3 المقصود بصاحبه، أو بذاته المستقلة، أو بحقيقته، شيء واحد؛ هو: ذاته الأصلية بكيانها الحسي، أو المعنوي، لا الأوصاف العارضة التي تطرأ على تلك الذات، ولا يمكن أن تعقل بنفسها منفصلة عن تلك الذات. "راجع إيضاح هذا في ص542 و543 وهامشهما، وكذلك رقم 2 من هامش ص438".

ص: 538

إذ لا ندري أهو الحسين بن علي، أم غيره؛ لاشتراك هذا الاسم بين أفراد متعددة، كل منها يسمىك "الحسين". لكن حين قيل:"الحسين بن عليّ" زالت تلك الشائبة بسبب كلمة: "ابن" الجامدة1 التي وضحت المقصود، وعينت المراد، والتي معناها هنا معنى:"الحسين" لأن "الحسين" المقصود هو "ابن علي"، و"أين عليّ" المقصود هو:"الحسين" فالمراد من الكلمتين ذات واحدة، ولكن الثانية أوضحت الأولى –كما قلنا– مع أنها تخالفها لفظًا، لا معنى وذاتًا.

وكذلك خطب: "بنته" فإن كلمة: "بنت" هنا معرفة؛ بإضافتها إلى الضمير، لكنها –بالرغم من تعريفها– مُغَشَّاة بشيء من الشيوع والإبهام يجعلنا لا ندري حين نسمعها: أيُّ بنات الرجل هي؟ أتكون ذات "الرَّبَاب" أم ذات غيرها؟.... فلما قال: "الرباب" تحدد الغرض، وتعينت ذات واحدة دون غيرها؛ بسبب كلمة:"الرباب" الجامدة التي أزالت الابهام، وأوضحت المراد، وبين معناها الذي هو معنى:"البنت" لأن حقيقة البنت المقصودة هنا في الكلام هي حقيقة "الرباب" وذات "الرباب" المقصودة هي ذات البنت التي يدور بشأنها الكلام. فهما مختلفتان لفظًا، مع اتفاقهما معنّى وذاتًا.

ومثل هذا يقال في كلمة "الرسول" السالفة. فما حقيقة الرسول المراد؟ وما ذاته؟ إنّ كلمة: "الرسول" برغم تعريفها هنا "بأَلْ" تحتاج إلى تعيين أكمل وإيضاح وأشمل؛ لانطباقها على عدد من الأفراد. فلما جاء اسم: "محمد"2 تم به التعيين الذاتي، وزال ما قد يحوم حول مدلول "الرسول" من شيوع وإبهام؛ بفضل كلمة:"محمد" التي عينت ذاته؛ لأنها بمعناها تمامًا، والمراد منها ذات واحدة.

ومثل هذا كلمة: "الأديبة". فهذه الكلمة –برغم تعريفها هنا "بأل"– لا تدل دلالة دقيقة على ذات واحدة معيَّنة دون غيرها، وإنما تصدق على أدبيات متعددات، فلما جاء بعدها كلمة بمعناها، هي:"سُكَيْنة" الجامدة تركز المراد: في ذات أديبة واحدة معينة، لا ينصرف الذهن إلى سواها، وهي الذات

1 غير المشتقة.

2 رددنا في مناسبات مختلفة أن المشتق إذا صار علمًا دخل في عداد الأسماء الجامدة، وخضع لأحكامها وحدها.

ص: 539

المقصودة التي تدل عليها كل واحدة من الكلمتين.

فنلحظ مما سبق أن كل كلمة من الكلمات التي عرضناها "وهي: "ابن"، الرباب، محمد، سُكَيْنة.." جامدة، قد أزالت عن المعرفة التي قبلها ما يشوبها من غموض، وشيوع، وأوْضحت المقصود منها إيضاحًا لا يكاد يترك أثرًا لإبهام أو اشتراك، وهي في الوقت نفسه بمعنى تلك المعرفة دون لفظها فمدلولها ذات واحدة، بالرغم من اختلاف لفظها.

2-

كتب أحد الأدباء إلى خطيب:

"عرفتك قبل اليوم عذبَ الكلام. حُلوَ الحديث، وسمعتك الليلة خطيبًا بارعًا عبقريًا

ولقد أصغيتُ إلى قلتَ؛ فإذا كلمةٌ، "خطبةٌ" اسْتهوت الأفئدةَ، وأداءٌ، "تمثيل" خلَب الألبابَ، وجرْسٌ، "نغَمٌ" جسَّم المعانيَ، وكشف للعيون دلالات الألفاظ؛ حتى كدنا نراها بيننا تروح وتغدو

".

فلو أن الكتب كتب: "أصغيت إلى ما قلت فإذا "كلمة"

" لذهبت لنا الظنون، مذاهب عدة في الذات المرادة من هذه الكلمة المصوغة بصيغة النكرة. أهي ذات كلمة واحدة؟ أهي شعر أم نثر؟ أخطبة أم مقالة.... ولكن الكاتب ازال كثير من الظنون حين قال بعد ذلك: "خطبة" ومعناها هنا. والمراد من ذاتها هو معنى: "كلمة" وذاتها فتحدّد المراد من: "كلمة" بعض التحديد، وحُصِرَتْ النكرة في دائرة أضيق من الدائرة الأولى الواسعة الإبهام والشيوع. وصارت النكرة مختَصة بعد أن كانت مطلقة كاملة الإبهام والشيوع. وكذلك كلمة: "أداء"؛ فإنها نكرة مطلقة، قد يراد منها ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء في استيفاء المعاني

أو

؛ فجاءت بعدها كلمة: "تمثيل" التي هي بمعناها هنا، فحددت بعض التحديد المراد من حقيقة الأداء وذاته، وقللت الاحتمالات في فهم المراد من تلك النكرة، أو: بعبارة أخرى: خصّصتْها، وقيدت شمولها بعض التقييد. ومثلها كلمة:"نَغَم" بعد النكرة: "جَرْس".

فكل كلمة من الثلاث: "خطْبة، تمثيل، نَغَمْ، وأمثالها، هي كلمة

ص: 540

جامدة، وقد خَصُّصَت النكرة التي قبلها بعض التخصيص، وحددت شيوعها وإبهامها بعض التحديد. وهي في الوقت نفسه بمعناها، دون لفظها؛ فالمراد منها ذات واحدة.

وكل واحدة من هذه الثلاث، ومن الأربعة التي سبقتها في المثال الأول –ونظائرها- تسمى: عطف بيان، ويقولون في تعريفه:

إنه تابع1 جَامد –غالبًا– يخالف متبوعه2 في لفظه3، ويوافقه في معناه المراد منه

الذات4، مع توضيح الذات إن كان المتبوع معرفة، وتخصيصها5 إن كان نكرة6

1 ولا بد في هذا التابع "عطف البيان" أن يكون اسما ظاهرًا؛ كما يأتي في رقم 2 وطبقًا للبيان الآتي في ص550. وقد سبق شرح معنى "التابع" وبيان أحكامه العامة وترتيبه مع نظرائه.... أو باب النعت، "ص434". ومن أحكامه المدونة هناك جواز الفصل بين التابع والمتبوع بشيء مما أوردناه مفصلًا، بشرط ألا يكون المتبوع أحد الموصولات؛ إذ لا يجوز الفصل بين الموصول وصلته بتابع مطلقًا –كما أشرنا هناك، وكما هو مبين تفصيلًا في موضعه الخاص ج1 م27. ص341-.

2 والصحيح أن متبوعة لا يكون ضميرًا؛ فإن جاء ضميرًا وجب إعراب التابع بدلًا. وليس عطف بيان –كما سبق في رقم 1، وكما سيجيء في رقم 5 من هامش ص543، وفي ص550-.

3 لابد من المخالفة اللفظية؛ فلو اتحد لفظًا ومعنى لم يصلح أن يكون عطف بيان؛ لأن الشيء لا يوضح نفسه، ولا بينهما. راجع حاشية الصبان ج3 عند آخر بيت في باب:"تابع المنادى". وستجيء إشارة لهذا في ج4 ص41 م130".

4 لأن معناه ومدلوله هو الذات نفسها لا أمر عرضي طارئ عليها –كما أوضحنا في ص521 و423-

5 سبق في أول باب النعت –ص438– وفي غيره معنى إيضاح المعرفة، وتخصيص النكرة، بما ملخصه أن المعرفة تدل على معين. ولكنها –بالرغم من ذلك– قد يصيبها شيء من الشيوع بسبب تعدد مدلولها. فأحمد، ومحمد، وعلي، والنابغة

معارف، لكن مدلول كل منها متعدد يحتاج أحيانًا إلى ما يزيل عنه الإبهام والشيوع، ويوضح المراد دون غيره. وهذا هو:"الإيضاح الموضح". أما النكرة فمدلولها شائع كامل الشيوع. نحو رجل، طائر، حيوان

فما يجيء لتحديد شيوعها وتقليله يسمى: "المخصص" إلا أن الإيضاح والتخصيص يكونان في النعت بأمور معنوية عرضية طارئة على الذات، دون الذات نفسها، بخلافهما في عطف البيان؛ فينصبان على الذات نفسها –كما شرحنا، وكما سيجيء هنا، ثم في رقم 2 من هامش ص554-.

3 وقد يكون للمدح مثل: "البيت" في قوله تعاى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} .

ص: 541

أوجه التشابه والتخالف بين عطف البيان 1 والتوابع الأخرى:

من التعريف السابق يتبين أن عطف البيان يشبه بعض أنواع النعت الحقيقي في إيضاح المتبوع أو تخصيصه، على الوجه المشروح في باب النعت "وقد يشبهه في القطْع" –كما أسلفنا– والفارق بينهما أن النعت الحقيقي لا بد من اشتماله على ضمير مستتر يعود على المنعوت، وأن الغالب على النعت الحقيقي:"الاشتقاق" وأنه لا يوضح ولا يخصص الذات الأصلية لمنعوته بلفظ يدل عليها مباشرة، وتكون هي المرادة منه، وإنما يوضح منعوته بصفة عرضية وأمر طارئ على الذات، كالفهم، والحسن، والطول، والقصر.

أما عطف البيان فإنه يوضح أو يخصص الذات نفسها، لا بأمر عرضي طارئ عليها2: وإنما بلفظ يدل عليها مباشرة وهو عين معناها، فهو بمنزلة التفسير للأول باسم آخر مرادف له يكون أشهر منه في العرف والاستعمال من غير أن يتضمن حالة من الحالات العرضية التي تطرأ على الذات وتوصف بها. ولهذا يغلب أن يكون عطف البيان جامدًا أي: غير مشتق فيكون العلم المجرد، والكنية. فلا ضمير فيه؛ لأن الغالب عليه الجمود –كما سبق– ومن الجائز ألا يتحقق فيهما هذا الفارق الأغلبي إذ يصح –بقلة– وقوع النعت جامدًا مؤولًا بالمشتق. ووقوع عطف البيان مشتقًا، ولكن الأولى مراعاة الأغلب الأفصح.

كما يتبين أن عطف البيان قد يشابه التوكيد اللفظيّ بالمرادف في بعض الصور مثل: "تبْرٌ ذَهَبٌ" في أن كلًا منهما كمتبوعه في معناه، دون لفظه. إلاّ أن الغرض من عطف البيان هو: الإيضاح أو التخصيص3. أما الغرض من التوكيد اللفظي -بتكرار اللفظ أو مرادفه- فأمر آخر، وأوضحناه في بابه4، وعلى

1 إذا كان المتبوع كنية لوحظ في عطف البيان ما سبقت الإشارة إليه "أ" من ص429.

2 سبقت الإشارة الموضحة لهذا في النعت في رقم 2 من هامش ص438.

3 بمعناهما السالف في رقم 5 من هامش الصفحة الماضية، والذي سيجيء أيضًا في رقم 2 من هامش ص544. "وراجع ص71 ج3 من شرح المفصل".

4 ص525. وبينهما فروق أخرى ستجيء في ص550 منها أن عطف البيان لا يكون فعلًا ولا جملة.. وغير هذين مما سنذكره

ص: 542

ملاحظة هذا الغرض الذي تدل عليه القرائن يتعين أحدهما في موضع لا يصلح له الآخر.

أما المشابهة بين عطف البيان وبدل الكل من الكل1 "من ناحية معناهما، وإعرابهما، وقطعهما2 وجمودهما، دون لفظهما". فغالبة3، ولا يصح في أكثر حالاتهما أن يحب محل الآخر من غير أن يتأثر الكلام بهذا التغيير –كما سيجيء في باب البدل- نحو: ما أعجبَ ملكة النحل؛ "اليعسوبَ". تدير مملكتها بحزم ومهارة، وتراقب رعيتها بيقظة واهتمام، ولا تستقر في قصرها "خَلِيَّتِها"، إلا فترات قصيرة للراحة والهدوء.

فكلمة: "اليَعسوب"، عطف بيان، أو بدل كل من كل، من النحلة، وكلمة:"خلي" عطف بيان، أو بدل كل من كل، من: قصْر4

حكم عطف البيان:

عطف البيان تابع يطابق متبوعهُ5: في أربعة أمور محتومة6، ولا بدّ أن يكون اسمًا ظاهرًا7 في جميع أحواله:

أولها: في ضبطه الإعرابيّ "من ناحية الرفع، والنصب، والجر". ويجوز فيه القطع8؛ كالنعت.

وثانيهما: في تعريفه وتنكيره9.

1 وهو الذي يكون فيه التابع مطابقًا في المعنى لمتبوعه تمام المطابقة

مع اختلافهما لفظًا –في الغالب– كما سيجيء في بابه. وتفصيل الكلام عليه في ص546.

2 مع مراعاة ما يختص بقطع البدل، وسيجيء في "هـ" من ص677.

3 راجع التحقيق في ص549، 550.

4 نعيد هنا ما سبقت الإشارة إليه "في رقم 1 من هامش ص527" وهو أن التشابه الظاهري قد يقع –أحيانًا– بين ألفاظ بدل الكل، وعطف البيان، والتوكيد اللفظي طبقًا للبيان في رقمي 1، 2 من هامش ص643 وفيهما طريقة التفريق.

5 ويلاحظ ما سبق في رقم 2 من هامش ص541 وما سيجيء في ص550 وهو أن متبوعه لا يكون ضميرًا –في الرأي الأصح– فإن جاء ضميرًا وجب إعراب التابع بدلًا –وسيجيء هنا أيضًا-.

6 وتجري عليه فوق ذلك جميع الأحكام العامة المشتركة التي تجري على التوابع الأربعة التي سبقت ارشادة لها في هامش ص434 م114.

7 راجع الملحوظة الخاصة ببيان هذا في ص550.

8 سبقت الإشارة لهذا في هامش ص502 أما بيان القطع وأحكامه ففي ص486 و488.

9 الصحيح أن هذا هو الأغلب؛ إذ عطف البيان قد يكون كالمتبوع، ومن أمثلته قوله =

ص: 543

وثالثها: في تذكيره وتأنيثه.

ورابعهما: أنه لا بد أن يطابقه في أربعة أمور من عشرة1

كما في الأمثلة التي سلفت2

وقد يقع عطف البيان بعد أيْ "بفتح الهمزة

= تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} ؛ وقوله تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} ويصح تخالفهما تعريفًا وتنكيرًا بشرط أن يكون التابع هو المعرفة، ليتحقق الغرض من "عطف البيان" وقد نص على صحة التخالف بعض النحاة –ومنهم الرضي، كما جاء في "الصبان" آخر هذا الباب– ولكنهم لم يقيدوا المخالفة بتعريف التابع أو تخصيصه، وهذا الإطلاق غير مفهوم، إلا عند من يقول:"إن النكرة تخصص متبوعها" والتخصيص نوع من البيان والإيضاح طبقًا للبيان الذي يجيء في رقم 2 من هامش الصفحة التالية. غير أن تمثيل الرضى؛ هناك "فيما نقله عند الصبان لجواز وقوع عطف البيان نكرة" قد يدل على أنه يقصد النكرة المختصة. وهذا هو الأحسن. ويؤيده ما ورد في حاشية "ياسين" في باب "البدل" عند الكلام على منع بدل الاسم الظاهر من الضمير بدل كل من كل؛ بحجة نقصان الاسم الظاهر في تعريفه عن الأول "المتبوع" حيث قال ما نصه: "أما نقصان تعريف الثاني عن تعريف الأول فلا يضر؛ كما في إبدال النكرة الموصوفة من المعرفة؛ نحو: مررت بمحمد رجل عاقل، إذ رب نكرة تفيد ما لا تفيده المعرفة، وإن اشتملت المعرفة على فائدة التعريف التي خلت عنها النكرة" ا. هـ. ويلاحظ أن التمثيل جاء بنكرة مختصة، وأن الكلام خلا من النص على اشتراط اختصاصها، كما يلاحظ أن الرأي السالف أحد آراء متعددة أشرنا إليها في هامش ص456 حيث يصح في المثال الذي عرضه "ياسين" أن يكون عطف بيان، وأن يكون غير ذلك؛ طبقًا لما هو مدون هناك.

1 العشرة هي: علامات الإعراب الثلاث، التعريف والتنكير، التذكير والتأنيث، الإفراد والتثنية والجمع.

2 فيما سبق من تقسيم العطف إلى نوعين يقول ابن مالك في أول باب خاص عقده بعنوان: العطف.

العَطْفُ، إمَّا ذو بيان، أَو نَسَقْ

والغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ

انظر الكلام على معنى "أو" المراد منهما "إما" في ص615.

والذي سبق في التقسيم هو "ذو البيان" أي: صاحب البيان ويقول في تعريفه:

فذُو البَيَان تابعٌ شِبْهُ الصَفةْ

حقِيقَةُ القَصْدِ به مُنْكَشِفَهْ

يريد: أن عطف البيان تابع، يشبه الصفة "النعت" فليس هو الصفة؛ لأن بينهما فوارق متعددة، منها: أن عطف البيان يبين حقيقة متبوعه، ويكشف ذاته المقصودة. أما النعت فيبين معنى عارضًا في متبوعه، أو في سببيه، ففي مثل "كلمت الرجل العالم" تبين كلمة:"العالم"، "وهي: النعت" معنى من المعاني العارضة التي تتصف لها ذات العالم، فقد تتصف بالعلم، أو: بالأدب، أو بالاختراع

أو

أما عطف البيان فلا يبين صفة من الصفات التي تطرأ على الذات، وإنما يبين الذات نفسها. سواء أكانت ذاتًا حسية. أم معنوية؛ أي: يبين ما يسمى: =

ص: 544

وسكون الياء"، التي هي حرف تفسير1، فلا يتغير من حكمه شيء؛ نحو: هذا الخاتم لجين، أي: فضة. وفي هذه الصورة يتعين عطف البيان أو بدل الكل؛ إذ لا يقع سواهما بعد: "أي" التفسيرية.

= حقيقة الشيء، ومادته الأصلية –كما شرحناها من قبل– في ص542 فنقول كلمت الرجل، إبراهيم فكلمة:"إبراهيم" بينت ذات الرجل، وحقيقته الأصلية، لا وصفًا طارئًا من أوصافه، ولذا تسمى "عطف بيان"، لأنها بينت الحقيقة المقصودة، أو ذات الحقيقة، ثم قال في حكمه:

فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاق الأَوَّلِ

مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوِلِ النَّعْتُ وَلِي

أي: أعطه من موافق الأولى "المتبوع" مثل ما تولاه النعت من موافقة منعوته، وهو الأمور السابقة. "فمعنى: أولينه: أعطه، ومعنى: ولى: تولى وأخذ"، ثم نص على أن عطف البيان ومتبوعه يتماثلان تعريفًا وتنكيرًا، وأنهما يكونان من هذا النوع، أو ذاك، ولا يقتصران على أحدهما.

فَقَدْ يكُونَانِ مُنكَّرِيْنِ

كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَيْنِ

وهو بهذا النص الصريح يرد على من يقول: إن عطف البيان لا يكون إلا معرفة؛ بحجة أن الغرض منه البيان والإيضاح، وهو من شأن المعرفة لا النكرة؛ إذ النكرة المجهولة، والمجهول لا يبين المجهول وأن ما تنوهمه من النكرات عطف بيان فليس به؛ ولكنه بدل كل من كل

و.... والرأي الراجح المقبول أنه يكون نكرة أيضًا، لأن النكرة تخصص متبوعها، والتخصص نوع من البيان والإيضاح. كما سبق في رقم 4 من الهامش السابق؛ فعندهم أن الأخص قد يبينه ويوضحه ما ليس بأخص. هكذا يقولون. وهو مقبول أحيانًا لاطباقه على بعض الصور الواردة والأساليب الصحيحة؛ مثل:"يا إحسانُ رجلٌ" إذا كان "إحسان" أو ما ماثله علم من الأعلام المشتركة بين الذكور والإناث، فلم لم يذكر بعده كلمة:"رجل" التي توضح ذاته لوقع لبس في حقيقته؛ أو هو رجل أم امرأة

أو....

1 انظر رقم 1 من هامش ص556 ورقم 4 من هامش 547 ويصح إعراب ما يقع بعد "أي" التفسيرية "بدل كل" إلا في المسائل التي يفترقان فيها "وسيجيء في باب البدل".

وقد يتعين أن يكون ما بعد "أي" بدلًا وليس عطف بيان، ذلك أن عطف البيان لا يكون متبوعه ضميرًا وقع المتبوع ضميرًا وجب إعراب التابع بدلًا، لا عطف بيان. "راجع حاشية ياسين في باب النسب عند الكلام على النسب إلى ما حذفت فاؤه، أو عينه.....".

"ويقول صاحب المغني" عند الكلام عليها ما نصه الذي نقلناه –في رقم 1 من هامش ص556- وهو: "وتقع تفسيرًا للجمل أيضًا؛ كقول الشاعر:

وترمينى بالطرف، أي: أنت مذنب

ا. هـ. والجملة التفسيرية بعدها لا محل لها من الإعراب.

ص: 545

الارتباط بين عطف البيان وبدل الكل من الكل 1:

أشرنا2 إلى أن المشابهة غالبة بين عطف البيان وبدل الكل من الكل، في ناحية معناهما، وإعرابهما، وقطعهما3، وجمودهما، دون حروفهما، والأحسن القول بأن المشابه بينهما كاملة فيما سبق، لا غالبة، إذ التفرقة بينهما قائمة على غير أساس سليمن فمن الخير توحيدهمان لما في هذا من التيسير، ومجاراة الأصول اللغوية العامة. أما الرأي الذي يفرق بينهما في بعض حالات فرأى قام على التخيل، والحذف، والتقدير، من غير داع، ومن غير فائدة ترتجى. ومن السداد إهماله وإغفاله4.

على أنا نشير هنا إلى بعض الصور التي يتحتم فيها العطف البياني بناء على ذلك الرأي؛ ويمتنع بدل الكل، مُرَددين بعد ذلك عدم الالتفات إلى الرأي السالف. منها5:

1-

أن يكون التابع مفردًا، معرفة: منصوبًا، والمتبوع منادى، مبنيًا على الضم مثل: يا صَديقُ عليًّا6. فيجب عندهم إعراب: "عليًا" عطف بيان، ولا يصح إعرابه بدل كل؛ لأن البدل لا بد أن يلاحَظ معه في التقدير تكرار العامل الذي عمل في المتبوع، بحيث يصح أن يوجد هذا العامل قبل التابع وقبل المتبوع معًا، من غير أن يترتب على التكرار فساد لم يصح إعراب الكلمة "بدل

1 قد يكون من المستحسن تأخير مبحث الارتباط بين عطف البيان وبدل الكل إلى ماب عد الانتهاء من البدل، ولكنا في تقديم سايرنا ابن مالك حيث تعرض لهذا الارتباط وللموازنة في باب عطف البيان.

2 في ص543. وأنظر في ص549 و550.

3 انظر ما يختص بقطع البدل في "هـ" ص667.

4 انظر رقم 1 من هامش ص533 حيث الرأي السديد لبعض الثقات.

5 انظر الزيادة والتفصيل –ص549– حيث بيان الضابط العام الذي يشمل كل الصور الممنوعة عندهم.

6 وهذا الإعراب بالنصب جائز في النداء بشروط تذكر في بابه، ج4 –على اعتبار "عليًا"– المنصوبة عند استيفاء الشروط تصلح "بدلًا" من كلمة "صديق" المبينة لفظًا، المنصوبة محلًا؛ لأنها منادى مبني على الضم في محل نصب.

ص: 546

كل"ووجب الاقتصار على إعرابها "عطف بيان" فقط. وهذا معنى قولهم: "إن البدل على نية تكرار العامل". فتقدير الكلام في المثال السالف: يا صديق عليًا؛ بتكرار العامل، وهو "يا" ووجوده قبل المتبوع حقيقة، وقبل التابع تخيلًا. وهذا التكرار يؤدي إلى خطأ النصب في كلمة "عليًّا" المذكورة؛ لأنها في التخيل: منادى مفرد علم؛ فيجب بناؤها على الضم؛ طبقًا لأحكام المنادى، ولا يجوز نصبها. إلا على اعتبارها عطف بيان1؛ لأن عطف البيان لا يلاحظ فيه تكرار العامل، ولا أنه مقدّر قبل التابع، وإنما يكتفي بوجوده قبل المتبوع فقط. فإعراب الكلمة المذكورة: "عليًّا" بدلًا، يؤدي عندهم إلى فساد نحويّ يجب توقيه، بالعدول عن البدل إلى عطف البيان، أو غيره إن أمكن.

2-

أن يكون التابع خاليًا من "أل" والمتبوع مقترنًا بها مع إعرابه مضافًا إليه، والمضاف اسم مشتقٌ، إضافتُه غير محضة2؛ نحو: نحن المكرمُو النابغةِ هند؛ فيجب –عندهم– إعراب "هند" عطف بيان، لا بدلًا؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، وملاحظة وجوده قبل التابع كوجوده قبل المتبوع، كما أسلفنا وعلى هذا يكون الأصل المتخيَّل للمثال هو: نحن المكرمو النابغة، المكرمو هند، فلو أعربنا كلمة:"هند" التي في المثال الأصلي بدلًا لأدى الإعراب إلى فساد؛ هو: أن يكون المضاف مشتقًا مقترنًا "بأل"، والمضاف إليه غير مقرون بها؛ لأن الإضافة غير محضة؛ يمتنع فيها مثل هذا، إلا بوجود بعض المسوغات3 التي تصححها. والجملة هنا خالية من كل مسوغ –في رأيهم-.

ولا سبيل عندهم للفرار من الفساد إلا بإعراب "هند" عطف بيان، لا بدلًا؛ إذ عطف البيان لا يشترط فيه صحه تكرار العامل4

1 وهو منصوب مراعاة لمحل المنادى المتبوع، لأن كلمة:"على" مبنية على الضم في محل نصب –كما قلنا.

2 سبق شرحها وتفصيل الكلام عليها في هذا الجزء "ص1 و3 وما بعدهما".

3 سبق بيان هذه المسوغات في ص12.

4 وفي صلاحية عطف البيان لأن يكون "بدل كل من كل" إلا في الصورتين السالفتين –وأشباههما– يقول ابن مالك: =

ص: 547

هذا رأي المانعين. وفيه ما فيه من إرهاق وتعسير بغير طائل؛ لأن المعنى واضح على البدلية؛ كوضوحه على عطف البيان، وليس أحدهما أبلغ من الآخر، ولا أكثر تداولًا واستعمالًا، ولا مخالفًا لأصل لغوي واقعيّ. ففيم الحذف، والتقدير، والنية، والملاحظة..؟ وبخاصة مع ما سجله النحاة في هذا الباب –وغيره– من أنه قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل؛ أي: قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع1. وذكروا لتأييد هذا أمثلة كثيرة فصيحة. فليس من ضرر مطلقًا ألا يصلح العامل في بعض المواضع لوقوعه قبل التابع، كهذا الموضع: إنما الضرر في عدم صحة وقوعه قبل المتبوع وحده. فلم العناء؟ وفيم التعسير؟

=

وَصَالِحًا لِبَدَلِيَّة يُرَى

في غَيْر نَحْو: يلا غُلَامُ يعْمُرا

ونَحْو: بشْر تابع البَكْريِّ

وليْس أَن يُبْدَلَ بالمرضِيّ

يريد: أن عطف البيان يصلح للبدلية في غير الصورة التي تشبه في تركيبها: يلا غلامُ يعمر –علم شخص– والألف الأخيرة زائدة للشعر -" حيث وقعت "يعمر" منصوبة مراعاة لمحل المنادى المبني على الضم في محل نصب. فلو أعربت: "يعمر" بدلًا لكان التقدير: يا غلام يا يعمر؛ على نية تكرار العامل؛ فتنصب الكلمة مع أن نصبها مع ندائها غير جائز؛ فيتعين إعرابها عطف بيان، فرارًا من هذا الخطأ.

ويشير إلى المسألة الثانية بكلمة "بشر" التابعة لكلمة: "البكري" في قول الشاعر "المراد الفقمي":

أَنا ابنُ التارك البَكْريِّ بشْرِ

عليه الطيرُ ترقُبه وُقُوعا

فالتابع: هو: "بشر" والمتبوع هو: "البكري" المضاف إليه، المقترن "بأل" والمضاف الذي إضافته غير محضة "بدلًا" لكان التقدير على نية تكرار العامل هو:"أنا ابن التارك البكري، التارك بشر"، فيضاف الوصف المقرون بأل إلى غير لمقرون بها وغير الصالح هنا، وأن يكون مضافًا إليه. وهذا غير جائز في الإضافة غير المحضة. وللفرار من هذا تعرب عندهم:"بيانًا".

1 راجع حاشية الأمير ج1 في الكلام على الحرف: "ب" ووجوب تنكير مجروره. وكذلك "الهمع" ج1 ص215 عند الكلام على: "لدن"، والصبان: ج4 –باب عوامل الجزم– عند الكلام على نوع فعل الشرط والجواب، بل إن الصبان "ج2 باب الإضافة، عند الكلام على "أيْ" ينتقل النص التالي: "إنا نقول: يغتفر كثيرًا في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل" فيصرح بأن هذا الاغتفار كثير.

ص: 548

نعم قد يكون التفرقة بينهما سائغة في بعض صور، ولكن من ناحية أهرى دقيقة غير تلك التي تصدى لها المانعون؛ هي أن لعطف البيان غرضًا معنويًا هامًا؛ هو: إيضاح الذات نفسها، أو تخصيصها على الوجه الذي شرحناه1 أما بدل الكل فله غرض آخر يختلف عن هذا تمامًا؛ هو الدلالة على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة، وفرد معين واحد في حقيقته –كما سيجيء في بابه– ولا يضر أن يختلفا في المفهوم بعض الاختلاف اليسير ما دامت حقيقة الذات المقصودة واحدة؛ كالاختلاف الذي في نحو عرفت سعيدًا أخاك2، ولا شأن لبدل الكل بالإيضاح والتخصيص، فحيث اقتضى المقام إيضاح حقيقة الذات أو تخصيصها –والإيضاح والتخصيص هنا ذاتيان، "أي: يقعان وينصبان على الذات"– فاللفظ عطف بيان ليس غير، بشرط أن تجتمع فيه بقية الشروط الواجبة في عطف البيان، ومنها: مطابقته للمتبوع في الأمور الأربعة السالفة؛ ولهذا كانت كلمة: "سيد" الثانية عطف بيان في قول الشاعر:

إذا سيد منَّا مَضى لسبِيلِه

أقام عمودَ الدين آخَرُ سيدُ

وحيث اقتضى المقام الدلالة على ذات المتبوع نفسها بلفظ آخر يساويه تمامًا في المدلول فاللفظ "بدل كل من كل"، وبخاصة إذا فقد اللفظ شرطًا من شروط عطف البيان.

هذه هي ناحية التفرقة الحقة التي يجب الاقتصار عليها؛ نزولًا على أحكام اللغة، وتقديرًا لخصائصها، وكشفًا لأسرارها، بل إن هذه التفرقة نفسها قد يمكن رفضها3.

1 في ص542 وفي رقم 2 من هامش ص544. وانظر البيان كاملًا في ص679.

2 فلذات "الأخ" هي ذات "سعيد"، ولكن هذا المعنى الزائد غير مقصود مطلقًا في عطف البيان، إذ لو قصد لصارت الكلمة نعتًا مؤولًا بالمشتق. والفرق كبير في المعنى والحكم بين النعت وعطف البيان.

3 وهي تفرقة دقيقة لا تكاد تدرك، وغير مقصودة كما أوضحنا في هامش الصفحة السالفة ومن الممكن الاكتفاء بجعل عطف البيان وبدل الكل قسمًا واحدًا. ويكتفي أن علمًا محققًا كالرضي يقول ما نصه:"أنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين الكل من الكل وعطف البيان، بل ما أرى عطف البيان إلا البدل؛ كما هو ظاهر كلام سيبويه.... و..".

"راجع الصبان آخر باب عطف البيان".

ص: 549

ملحوظة: مما يمتاز به عطف البيان من بدل الكل أن عطف البيان لا يكون ضميرًا1، ولا تابعًا لضمير، ولا مخالفًا لمتبوعه في تعريف وتنكير2 –على الرأي الصحيح– ولا يقع جملة، ولا تابعًا لجملة3، ولا فعلًا، ولا تابعًا لفعل، ولا يكون ملحوظًا في النية إحلاله محل الأول –كما شرحنا، ولا يُعّد متبوعه في حكم الطَّرح. ولا يُعَدّ في جملة أخرى مستقلة عن جملة متبوعه4. بخلاف بدل الكل في جميع هذا.

1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 5 من هامش ص541 وفي رقم 5 من هامش ص542.

2 ولما كان الأغلب في عطف البيان –كما في ص543– موافقته لمتبوعه في التعريف والتنكير امتنع إعراب مخصوص "حبذا" عطف بيان؛ لورود أمثلة كثيرة منه نكرة وقد ذكرنا بعضها في رقم 2 من هامش ص381.

3 أي: لا يصح أن يكون متبوعه جملة مع أن البدل يصح أن يكون بدل جملة من جملة كما سيجيء في ص667.

4 انظر أمثلة الحالة الأولى الآتية في الزيادة.

ص: 550

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

الذين يمنعون البدل في المسألتين السالفتين، وفي بعض مسائل أخرى، ويجتمعون أن تكون عطف بيان يضعون لهذه المسائل كلها ضابطًا عامًا ينطبق عليها جميعًا. وسنعرضه فيما يلي؛ ليتبين ما فيه من إرهاق وإعانات لا داعي لهما.

يقولون: يصح في عطف البيان –إذا قصد به ما يقصد ببدل الكل– أن يعرب "بدل كل"، إلا في حالتين:

أولاهما: ألاّ يمكن الاستغناء عن عطف البيان لمانع يَحُول دون صحة بدل الكل.

وثاينهما: ألاّ يمكن إحلال عطف البيان –لو صار بدلًا– محل متبوعه لمانع يحول دون البدلية، ودون وضع البدل مكان المبدل منه

1-

ومن أمثلة الحالة الأولى أن يكون الاسم "التابع"؛ واقعًا بعد جملة تعرب خبرًا، أو: صلة، أو: نعتًا، وليس فيها رابط يربطها بالمبتدأ، إنما الرابط ضمير –أو نحوه– في ذلك الاسم التابع؛ فمثاله بعد الجملة الواقعة خبرًا: هند حضر صالح ولدها. فلو أعَربْنُا كلمة: "ولد". بدلًا –والبدل عندهم على نية تكرار العامل– لكان التقدير: هند حضر صالح، حضر ولدها؛ فتخلو جملة الخبر من الرابط؛ لأن الضمير المتصل بالاسم صار في جملة أخرى مستقلة عن الجملة الخبرية؛ إذ الكلام جملتان: الأولى هي الخبر، ولا رابط فيه، والثانية مستقلة عن الأولى، استئنافية، والضمير الذي بها لا يربط الأولى بمبتدئها.

ومثلًا الجملة الواقعة صلة: أجَاد الذي تكلم عَليُّ خاله. فلو أعربنا كلة: خال "بدلًا" لكان التقدير: أجاد الذي تكلم علي تكلم خاله؛ فتكون الجملة الثانية مستقلة عن الجملة الأولى، وتصير الصلة خالية من الرابط: فلا تصلح أن تكون صلة.

ومثال الجملة الواقعة نعتًا: أجاد رجل تكلم عَلىُّ خاله؛ فإعراب كلمة "خال" بدلًا يقتضي تكرار العامل، وأن الأصل: أجاد رجل تكلم علي

ص: 551

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تكلم خاله؛ فتكون الجملة الأولى الواقعة نعتًا "وهي تكلم عليّ" خالية من الرابط الذي يربطها بالمنعوت؛ وهنا غير جائز. أما الضمير المتأخر فإنه في جملة مستقلة بنفسها لا يصلح رابطًا في الأولى

لاستقلال كلمة جملة بكيانها.

وفي الحق أن المعنى وسلامة الأسلوب لن يتغيرا بإعراب الاسم بدل كل أو عطف في صورة من الصور السابقة الممنوعة عندهم.

2-

ومن أمثلة الحالة الثانية التي لا يصح فيها إحلال البدل محل المبدل منه ما تقدم من أن يكون التابع مفردًا معرفة منصوبًا والمتبوع منادى، مبني على الضم. أو: أن يكون التابع خاليًا من "أل" والمتبوع مقترنًا بها

بالصورة التي شرحناها -وهذان هما الأمران المعروضان أولًا في ص546 وما بعدها-.

ومن أمثلة الأمر الثاني أيضًا: أن يكون المتبوع منادى والتابع اسم إشارة، أو مقرونًا "بأل": نحو: يا إبراهيم هذا، أو يا إبراهيم الحسين، إذ يترتب على إحلال البدل محل المبدل منه في المثال الأول صحة:"يا إبراهيم يا هذا"، مع أن الفصيح أن يكون لاسم الإشارة تابع مقرون "بأل". ويترتب على إحلاله في المثال الثاني صحة:"يا إبراهيم يا الحسين "، مع أن دخول "أل" على المنادى ممنوع.

وكل هذا، وكل ما يأتي مما هو ممنوع عندهم، إنما يقوم على أساس توهمهم أن البدل لا بد أن يكون على نية تكرار العامل. أي على أساس أن يصح وقوع البدل مكان المبدل منه.

ومنها: أن يكون التابع مثنى أو جمعًا، مع التفريق فيهما بالعاطف، والمتبوع غير مفرق؛ كقول الشاعر:

أَيا أَخويْنا عَبْدَ شمس ونَوْفلًا

أُعيذُكما بالله أَن تُحدِثَا حرْبًا

فيتعين كونهما عطف بيان؛ لأن التقدير على البدلية: يا عبد شمس ونوفلًا، بنصب كلمة "نوفلًا" مع أن المعطوف المفرد في النداء لا يجوز نصبه، وإنما يجري عليه حكم المنادى المستقل1.

1 لقد صرحوا أن كل عطف بيان يصلح "بدل كل من كل"، واستثنوا من هذا الحكم مسائل، منها المسألة التي جاء هنا البيت شاهدًا لها. لكني ألاحظ أن كلمة:"عبد" من: "عبد شمس" =

ص: 552

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أن يكون المنادى "أي" الموصوفة بما فيه "أل" بعدها، وتابعه خال من "أل"، نحو: يأيها القائد سعيد. فلو أعربت كلمة: "سعيد" بدلًا لكان التقدير: يأيها القائد سعيد، وهذا خطأ؛ لأن تابع "أي" في النداء لا بد أن يكون مقرونًا "بأل" أو اسم إشارة له تابع مقرون بها

ومنها: أن يكون اسم الإشارة المنادى -أو غير المنادى- متبوعًا بما فيه "أل" والتابع خال منها، ولا يوجد ما يعني عنها؛ نحو: يا ذا الرجل غلام حامد، أو جاء هنا الرجل حامد. فلو أعرب:"غلام" أو "حامد" بدلًا لكان التقدير: يا ذا الغلام حامد وجاء هذا الرجل جاء هذا حامد، وتابع اسم الإشارة لا يكون مجردًا من "أل".

ومنها: أن يكون المتبوع مضافًا إليه والمضاف هو: "كِلَا" أو "كِلتا" والتابع مثنى مفرَق؛ نحو: أسرع كلا المتنافسين محمود وحامد أسرعت كلتا المتنافستين فاطمة وزينب فلو أعرب التابع: "وهو: محمود وفاطمة" بالا لكان تقدير الكلام: "أسرع كلا المتنافسين، أسرع كلا محمود وحامد""أسرعت كلتا المتنافستين، أسرعت كلتا فاطمة وزينب"، فيترتب على نية تكرار العامل إضافة كلا وكلتا للمثنى المفرق؛ وهما لا يضافان إليه إلا شذوذًا.

ومنها: أن يكون التابع مثنى مفرقًا، أو جمعًا مفرقًا كذلك، والمتبوع مثنى أو جمعًا غير مفرق في الصورتين. وهو مضاف إليه والمضاف هو:"أيّ". نحو: "بأي الزميلين جعفر وحسن

= هي بدل بعض من: "أخوين" فلا يقع فيها اللبس بين عطفه البيان وبدل الكل؛ لأنها لا تصلح بدل كل. فما المراد من بدل الكل؛ أيكون اللفظ وحده هو البدل الكلي أم هو مع ما عطف عليه، ويؤيد هنا خلوه من الضمير؛ كالشأن في بدل الكل؟ لو صح هذا الاعتبار فلم يعربونه بدل بعض، ويدخلونه في حكمه؟

لم أهتد إلى من تعرض لهذا. ويبدو أنهم يعتبرونه "كُلّ" إذا نظروا له من جهة المعطوفات عليه التي تشمل كل أنواع المبدل منه كاملة. و"بعض" إذا نظروا إليه من غير اعتبار المعطوفات التي تحصر تلك الأنواع. ومثل هذا يقال في بعض الحالات الآتية المسثناة "انظر ص667 و677"

ص: 553

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مررت"، فلو أعرب "جعفر" وما عطف عليه بدلًا من الزميلين لكان التقدير: بأي الزميلين، بأي جعفر وحسن مررت؛ وهنا ممنوع؛ لما فيه من إضافة: "أيّ" للمفرد المعرفة، وهي لا تضاف إليه إلا بالمشرط التي عرفناها عند الكلام عليها في باب "الإضافة"1، وهي غيره محقّقة هنا. ولا يتغير الحكم بإحلال الجمع لمحل المثنى في مواقعه السّالفة

ومنها: أن يضاف "اسمُ التفضيل" إلى عامّ، وبعده تابعه ذو قسمين؛ أحدهما لا يكون المفضل بعضًا منه؛ نحو: الرسل أفضل الناس الرجال والنساء، فلو أعرب التابع بدل لكان التقدير: الرسل أفضل النساء؛ لأن اسم التفضيل إذا بقي على دلالته من التفضيل والزيادة على المضاف إليه وجب أن يكون بعضًا من هذا المضاف إليه –كما سبق في بابه– ولهذا أخطأ من قال: أنا أشعر الإنس والجن، إذا أراد التفضيل على الوجه السالف.

إلى هنا انتهت صُوَر من أشهر الأمثلة للنوع الثاني، وهي –كنظيرتها من صور النوع الأول خيالية، مصنوعة، أساسها توهم أن البدل لا بد أن يكون على نية تكرار العامل، وهذه دعوى لا تستند إلى أساس قوي. والعرب –أصحاب اللغة– لا تدري من أمرها شيئًا؛ ولن يترتب على إهمالها، وعدم التمسك بها فساد في المعنى ولا في التركيب2؛ فالجهد فيها ضائع لا محالة.

1 ص105.

1 بل إن كثيرًا من النحاة يقول: "قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع" كما سلف هنا –ص548– وفي نواحٍ متعددة من أجزاء الكتاب.

وراجع ما سبق في ص546، ثم الرأي الحاسم الذي في رقم 3 من هامش ص549.

ص: 554