المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 115: تعدد النعت، وقطعه "أ" تَعَدُّدُ النعت في الحالات التي يكون - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 115: تعدد النعت، وقطعه "أ" تَعَدُّدُ النعت في الحالات التي يكون

‌المسألة 115:

تعدد النعت، وقطعه

"أ" تَعَدُّدُ النعت في الحالات التي يكون فيها عامله واحدًا:

1-

إذا تعدد النعت، والمنعوت فغير متعدد -لأنه واحد- وجب تفريق النُعوت1، مسبوقة بواو العطف2 أو غير مسبوقة، إلا الأول، فلا يُسبَق بها. نحو: لا شيء يقبُح في العين كرؤية عالم مختال، مغرُورٍ، أو: عالمٍ زَرِيِّ وضيعٍ، ويصح: كرؤية عالم مختال ومغُرور، أو: عالم زريّ ووضيع3

وتمتنع واو العطف إذا كان المعنى المراد لا يتحقق بنعت واحد، ولا يستفاد إلا من انضمام نعت إلى آخر فينشأ من مجموعهما المعني المقصود: نحو: الفصول أربعة: أطيبها الربيع البارد الحارّ، أي: المعتدل في درجة حرارته وبرودته، ولا يجوز البارد والحارّ؛ لأن المعنى المراد -وهو: الاعتدال- لا يؤخذ لا من اشتراك الاثنين في تأديته، وانضمام كل منهما إلى الآخر: فكلاهما جزء يتمم نظيره،

1 أي: ذكرها واحدًا واحدًا؛ على غبر صورة المثنى والجمع؛ إذ يمتنع أن يكون النعت مثنى، أو جمعًا والمنعوت واحدًا. وسيتكرر هنا لفظ "المفرِّق". و"التفربق" مرادًا به هذا التعدد على صورة فردية، ليس فيها علامة التثنية أو الجمع الاصطلاحين. فإن كانت الكلمة دالة على التثنية أو على الجمع بدون تفريق الأفراد أو بتفريق فهي المتعددة. فعندنا كلمتان اصطلاحيتان؛ هـ:"تفريق، وتعدد". فالتفريق خاص بذكر الأفراد واحدًا فواحدًا، والتعدد يكون مثله أو بذكرها على هيئة التثنية أو الجمع. "وانظر ما يختص بالنعت المتعدد لواحد لأهميته، ص488".

2 ويجوز اختيار حرف عطف غير "الواو"، يناسب السياق، إلا:"حتى"، و"أم".كما سيجيء في ص497 وفيها بيان مفيد يختص بعطف النعوت.

وإذا وقع النعت بعد الواو أو غيرها من حروف العطف المناسبة، فإنه يترك اسم النعت وأحكامه ويصير معطوفًا يجري عليه اسم المفعول وكل أحكامه -كما سيجيء في ص498-.

3 ومن التعدد بغير عطف، النعت بكلمتي:"فطنّ" وفَعَّال في فول المتنبي:

لا يدرك المجدّ إلا سيدٌ فَطِنٌ

لما يَشُق على السادات، فعَال

ص: 481

ويلازمه في تكوين المعنى الكامل المقصود منهما معًا. والكلمتان هنا بمنزلة كلمة واحدة ذات قطرين: لا يصح أن يَفْصِل بين شطريها حرف عطف أو غيره. ومثل: شرب المريض الدواء الحلو المرّ، أي: المتوسط في حلاوته ومرارته. ومثل: اشتريت صوفًا ناعمًا خشنًا، ومثل: هذا زجاج صُلب هّشّ

2-

وإذا تعدد النعت والمنعوت متعددٌ بغير تفريق، وبغير أن يكون اسم إشارة فإن كانت النعُوت متحدة في لفظها ومعناها معًا وجب عدم تفريقها، وأن تكون مثناة أو جمعًا على حسب منعوتها. نحو: ما أعجب الهرمينِ القديمينِ!. ولا يصح: ما أعجب الهرمين القديم والقديم. ونحو: ما أجمل الزهرات اليانعات، ولا يصح: اليانعة، واليانعة، واليانعة.

فإن كانت النعوت مختلفة في لفظها ومعناها معًا أو في أحدهما وجب التفريق بالواو العاطفة؛ فمثال الاختلاف في اللفظ والمعنى قول الشاعر:

بكيْتُ، وما بُكَا رجلٍ حزينٍ

على رُبْعينِ؛ مسلوبٍ1، وبالٍ

وقول أحد المؤرخين

ولما انتهت الموقعة بهزيمة الأعداء بحثنا عن قادة جيشهم، فعرفنا القادة: القتيلّ، والجريح، والأسيرَ، والمذهولَ من هول ما رأى وسمع

ومثال الاختلاف في اللفظ دون المعنى: أبصرت سيارتين: ذاهبة ومنطلقةً قاومت طوائف؛ باغيةً، ومعتديةً، وظالمةً.

ومثال المختلفة في المعنى دون اللفظ. تنصحت رجلين هاويًا وهاويًا2؛

1 مسلوب: مأخوذ من صاحبه. والكلمة نعت. وتصلح أن تكون عطف بيان، لكن الأفضل في المشتق أن يكون نعتًا، وفي الجامد أن يكون عطف بيان.

كما في صفحة465، وفي رقم 1 من هامش ص483، وكما سيأتي في بابه ص551 و552.

2 وفي هذا النعت المتعدد المختلف وفي منعوته المتعدد بقول ابن مالك:

ولَعْتُ غَيْر إذل وَاحِدٍ إذا اخْتَلَفُ

فعاطِفًا فَرِّقُهُ لَا إِذا ائتَلَفُ

أي: أن النعت المتعدد المختلف في لفظه ومعناه معًا. أو: في أحدهما، يجب أن تفرقه بالعطف إذا كان المنعوت متعددًا. أما إذا ائتلف النعت اتفق معناه ولفظه" فلا تفرقه. "فرقة عاطفًا: أي: حالة كونك عاطفًا، مستعملًا في التفريق حرف العطف، وهو هنا: الواو، ليس غير -كما شرحنا، وكما يأتي في ص497".

ص: 482

فإحدى الكلمتين فعلها: "هَوِىَ" بمعنى: "أَحَبَّ" والأخرى فعلها: "هَوَى" بمعنى سقط على الأرض. ولا بد من قرينة تدل على هذا الاختلاف المعنوي. ومثل: عرفت رجالًا؛ كاسية، وكاسية، وكاسية، بمعنى: كاسية غيرها: وبمعنى: مكسوة، وبمعنى: غنية.

واذا كان المنعوت المتعدد اسم إشارة لم يجز في نعته المتعدد التفريق لأن نعت أسماء الإشارة لا يكون مختلفًا عنها في المطابقة اللفظية؛ فلا يصح مررت بهذين الطويل والقصير على اعتبارهما نعتين1.

3-

إذا تعدد النعت والمنعوت متعدد متفرق فإن كانت النعوت متحدة في ألفاظها ومعانيها وجب عدم تفريقها؛ مثل: سافر محمود، وعلي، وحامد المهندسون. وان كانت مختلفة وجب أحد أمرين.

إمَّا تقديم المنعوتات المتفرقة كلها متوالية، يليها النعوت كلها متوالية متفرقة أيضًا ومرتبة؛ بحيث يكون النعت الأول للمنعوت الأخير؛ والنعت الثاني للمنعوت الذي قبل الأخير، وهكذا، حتى ينتهي الترتيب بأن يكون النعت الأخير للمنعوت الأول "فملخص هذه الطريقة: أن يكون كل نعت مقصورًا على أقرب منعوت إليه".

وإما: وضع كل نعت عقب منعوته مباشرة.

فعلى الطريقة الأولى نقول: ما أعظمَ الثمار التي نجنيها من الكتب، والصحف، والمجلات، والإذاعة، والمؤلفين

البارعين، المختارةِ، الرفيعة، الصادقة، النافعة،.... فكلمة "البارعين" نعت للمؤلفين، وكلمة "المختارة": نعت للإذاعة و"الرفيعة": نعت للمجلات، و"الصادقة": نعت للصحف، و"النافعة": نعت للكتب.

1 أما على اعتبارهما بدلًا، أو عطف بيان فقد يصح. لما أشرنا إليه -في رقم 1 من هامش ص482– من أن الأفضل في النعت الاشتقاق، بخلاف البدل والبيان. مع ملاحظة أن المعني يختلف في كل اعتبار، إذ فائدة: النعت غير فائدة البدل، أو العطف

ص: 483

وعلى الطريقة الثانية نقول: ما أعظم الثمار التي نجنيها من الكتب النافعة. والصحف الصادقة، والمجلات الرفيعة، والإذاعة المختارة، والمؤلفين البارعين. وللمتكلم أن يختار من الطريقتين ما يراه أنسب للمقام بشرط أمن اللبس، بحيث يتعين كل نعت لمنعوته، دون اشتباه.

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

مما يتصل بهذه الحالة: نعت معمولين عاملهما واحد..... والحكم -كما سطروه- هو: أنه إذا اتحد عمله ونسبته المعنوية إليهما في المعنى جاز الإتباع والقطع بشرطه1؛ كقام محمود وعليّ العاقلان، أو العاقلَين. وإن اختلف العمل والنسبة؛ -كأكرم محمود عليًَا العاقلين- وجب القطع. وكذا إن اختلفت النسبة المعنوية دون العمل؛ كأعطيت الولدَ أباه العاقلان2.

وإن اختلف العمل دون النسبة؛ -نحو: مخاصمةُ الأخ أخاه النبيلان مؤلمة- وجب القطع على الرأى الأغلب.

فملخص الرأي أنه يجب القطع في جميع الصور إلا واحدة يجوز فيها القطع وعدمه؛ هي: التي يتحد فيها عمل العامل، ونسبته المعنوية إليها.

ومن أمثلة القطع الجائز ما ورد في كلام فصحاء العرب3، ومنه قول حاتم الطائي:

إنْ كنت كارهة معيشتنا

هاتا4 فحُلّي في بني بدرِ

الضاربون لَدَى أعنتهم

والطاعنون وخيلهم تجري

وقول الخِرْنِق القيسية:

لا يَبْعَدَنْ5 قومي الذين همُو

سمّ العُداة، وآفة الجُزُرِ

النازلين بكل معترك

والطيبين معاقد الأزُر

1 شرط القطع "وتفصيل الكلام على: "القطع" معروض في الصفحة التالية، وما بعدها".

2 إن المعمولين مفعولان، ولكن أحدهما بمنزلة الفاعل في المعنى لأنه الأخذ، والأخر بمنزلة المفعول؛ لأنه المأخوذ.

3 راجع الكامل للمبرد "ج2 ص8".

4 هذه.

5 لا يبعدن: لا يهلكن. وهذا دعاء لهم بالسلامة وطول العمر.

ص: 485

ب- تعدد النعت، والمنعوت، والعامل، وما يترتب على هذا من الاتباع1 والقطع:

1 المراد بالإتباع هنا: أن يكون النعت مماثلًا للمنعوت في رفعه، ونصبه، وجره. أما القطع فتمهد لتوضيحه بالأمثلة الآتية -وأما أحكامه الخاصة بالنعت فستجيء في ص488:

أ- في مثل: جاء محمد العالمُ، -بالرفع -يصح إعراب كلمة:"العالم" نعتًا مرفوعًا: كالمنعوت، وعلامة رفعه الضمة. ويصح لسبب بلاغي "سنعرفه في آخر هذا الهامش، وفي ص492". أن يقال: جاء محمد العالم. بالنصب. ولا يجوز الجر -وفي هذه الحالة تعرب كلمة: "العالم": مفعولًا به لفعل محذوف تقديره: أمدح، أو: أخص، أو ما شاكل ذلك مما يناسب الغرض. وبهذا الإعراب الجديد ننتقل الكلمة من حالة النعت التي كانت عليها إلى حالة أخرى مخالفة لها، ولا تسمى فيها نعتًا، فقد انقطعت صلتها بالنعت؛ ولهذا يسونها "نعتًا مقطوعًا" أو "منقطعًا". يريدون أنها كانت في أصلها الأول نعتًا، ثم انقطعت منه، وانصرفت عنه الى شيء آخر؛ فتسميتها الآن:"نعتًا" فقط تسمية غير حقيقية. وكذلك المنعوت. وإنما يصح تسميتها: "نعتًا منقطعًا". باعتبار الماضي؛ إذ كانت نعتًا في أول أمرها، ثم انقطعت عنه الآن. وضبطها الجديد وتغيير إعرابها السابق هما دليلان على القطع الذي قطع منه تحقيق الغرض البلاغي المشار إليه. فلا بد في القطع من ضبط جديد، وإعراب جديد كذلك، بحيث يختلفان عن الضبط والإعراب السابقين قبل إحداثه.

ب وفي مثل: رأيت محمدًا العالمَ -بالنصب -نعرب كلمة: "العالم" نعتًا منصوبًا؛ تبعًا لنصب المنعوت، ويجوز: رأيت محمدًا العالمُ -بالرفع، وفي هذه اصورة الجديدة التي يدعو لها داع بلاغي، العرب كلمة:"العالم" خبرًا، لمبتدأ محذوف، والتقدير –مثلًا-: هو العالم. ولا يصح إعراب "العالمُ" المرفوعة نعتًا مطلقًا. لكن يصح تسميتها: "نعتًا مقطوعًا"، أو:"منقطعًا"، لما بيناه، ولا يصح القطع إلى الجر.

ج وفي مثل: انتفعت من محمد العالِم –بالجر– نعرب "العالم" نعتًا مجرورًا. ولكن يجوز –لسبب بلاغي- إبعاده عن النعت؛ بأن نرفعه، أو ننصبه؛فنقول: انتفعت من محمد العالم، أو: العالمَ، على اعتباره في حالة رفعه خبرًا لمبتدأ محذوف. وفي حالة نصبه مفعولًا به لفعل محذوف؛ فيكون الضبط والإعراب الجديدان دليلين على القطع -كما تقدم- ولا يجوز القطع إلى الجر مطلقًا.

فموجز القول:

1-

أن النعت يتبع منعوته في نوع إعرابه.

2-

ولا يجوز -لسبب بلاغي- أن يتخلى النعت عن مهمته ليعرب شيئًا آخر تشتد الحاجة إليه، ويخالف نوع إعراب المنعوت.

3-

في هذه الحالة التي يتخلى فيها ينصب باعتباره مفعولًا به لفعل محذوف، بشرط أن يكون المنعوت السابق مرفوعًا أو مجرورًا. وقد يرفع باعتباره خبرًا لمبتدأ محذوف، بمشرط أن يكون السابق منصوبًا أو مجرورًا، أي: أن المنعوت السابق إن كان مرفرعًا فالواجب نصب النعت المقطوع، وأن كان منصوبًا فالواجب رفع النعت المقطوع، وان كان مجرورًا جاز في النعت المقطوع الرفع أو النصب. فلا بد عند القطع من اختلاف نوع حركة النعت المنقطع عن نوع حركة المنعوت السابق؛ =

ص: 486

1-

إذا تعدد النعت بغير تفريق، وتعدد المنعوت، والعامل، وكانت المنعوتات المتعددة، متفرقة، متحدة في تعريفها وتنكيرها1 والعوامل المتعددة متحدة في معناها، وعملها، جاز في النعوت الإتباع والقطع: نحو حضر الصديق، وحضر الضيف الطبيبان. أو: الطبيبين. ونحو: نظرتُ القمرَ وأبصرت المِرّيخ المستديران. أو المستديران. ولا فرق في هذه العوامل بين المتحدة في ألفاظها والمختلفة -كما في المثالين- لأن المهم أن يتفقا معنى وعملًا.

ويجب القطع إن اختلفت العوامل معنى، أو عملًا، أو هما معًا. فمثال الاختلاف المعنوي فقط: أقبل الضيفُ، وانصرف الزائرُ السائحينِ، ونحو: جَمَدت عينُ الحزين وجمدت

عين القاسي المشاهدتين المأساة. "إذا كانت "جمدت" الأولى بمعنى: جفت دموعها بسبب البكاء الكثير. والثانية بمعنى: لم تبك؛ من القسوة".

ومثال اختلافهما في العمل فقط: مررت بالضيف ولاقيت الزائر الغريبان.

= منعًا للبس بين الغرض القديم والجديد، واسترشادًا بالضبط والإعراب الجديدين على القطع.

أما السبب البلاغي للقلع فيكاد ينحصر في توجيه الذهن إلى النعت المنقطع. وتركيزه فيه؛ وإبراز معناه لأهمية خاصة تستدعي هذا التوجيه. ولا سيما إذا تعددت النعوت وطالت الجملة. "راجح مجمع البيان لعلوم القرآن، ج1 ص6". بل إن القطع بحكمه وحكمته يظل باقيًا إذا تعددت النعوت وفصل بينهما بحرف عطف فصارت بعد هذا الفصل بالعاطف معطوفات لا نعوتًا. كما سيجيء في رقم 10 من ص661

واذا كان النعت المنقطع في أصله مسوقًا لغرض المدح، أو الذم، أو الترحم، فإن عامله المحذوف بعد القطع لا يمح ذكره؛ لأنه من العوامل الواجبة الحذف، سواء أكان مبتدأ، أم فعلًا -كما سيجيء في ص490- أما إن كان النعت المنقطع مسبوقًا لغرض آخر غير ما سبق فإن عامله يجوز حذفه وذكره. ومن الأغراض الأخرى: أن يكون القصد من القطع تقوية التخصيص إذا كان وقوعه بعد نكرة؛ نحو: مررت بعصفور في عشه مغردٌ، أو مغردًا. أو تقوية الإيضاح إذا كان وقوعه بعد معرفة؛ نحو: طربت للبحتري الشاعرُ أو الشاعرَ

وقد تقدم في ص437 بيان الغرض الأساسي الأصيل من النعت. وكذلك سبق بيان لكل هذه بمناسبة أخرى في باب المبتدأ والخبر ج1 ص375 وسيجيء له مناسبة أخرى في هذا الباب".

1 لامتناع أن تكون النكرة نعتًا للنكرة ويشترط كذلك ألا يكون أو المنعوتات اسم إشارة، نحو: جاء هذا وجاء على فلا يصح العاقلان: لأن، نعت اسم الإشارة لا يفصل منه. كما سبق في هاش ص435 وفي "ج" من ص465.

ص: 487

ومثال اختلافهما في المعنى والعمل: قابلت الرسول وسلمت على الزميل الظريفان1.

أحكام خاصة بالقطع في هذا الباب:

لا يصح القطع مطلقًا، إلا بعد تحقق شرط أساسي: هو: أن يكون المنعوت متعينًا بدون النعت؛ سواء أكان النعت واحدًا أم أكثر. وعلى هذا الأساس تقوم الأحكام الآتية:

1-

لا يجوز القطع2 إذا كان النعت وحيدا3. والمنعوت نكرة محضة: لشدة حاجتها إليه، لتتخصص به. نحو: كرمت جنودًا أبطالًا.

2-

إذا تعدد النعت لواحد، وكان المنعوت نكرة محضة وجب إتباع النعت الأول لها: لتستفيد به تخميصًا هي في شدة الحاجة إليه، ولا يجوز قطعه. أما ما عداه فيجوز فيه الإتباع والقطع؛ نحو: أقبل رجلٌ شجاعٌ، أمين تَقيّ؛ فيجب رفع كلمة:"شجاع" إتباعًا للمنعوت: "رجل" لأنه نكرة محضة. ويجوز في كلمتي: "أمين" و"تَقَيّ" الرفع إتباعًا للمنعوت، أو: النصب على القطع باعتبار كل منصوب منهما مفعولًا به لفعل محذوف.

والاتباع هنا واجب في النعت الأول وحده؛ ليقع به التخصيص -كما قلنا- ويجوز في الباقي الأمران، سواء أكان المنعوت قد تعين مسماه أم لم يتعين؛ لأن المقصود من نعت النكرة هو تخصيصها -لا تعيينها- وقد تحقق التخصيص بإتباع النعت الأول لها.

1 وفي نعت معمولين لعاملين متحدين في المعنى والعمل يقول ابن مالك مشيرًا بالإتباع، تاركًا الحكم الثاني وهو القطع:

وَلَعْت مَعْمُولَيْ وَحِيدَي معُنَى

وَعَمَلٍ – أَتْبِعِ بِغَيْرِ اسُتِثْنا

يريد: أتبع بغير استثناء نعت معمول عاملين وحيدين في معنى وفي عمل معًا، أي: متحدين فيهما.

2 إلا في ضرورة الشعر.

3 أي: منفردًا غير متعدد.

ص: 488

3-

إذا تعدّدت النعوت لواحد معرَف فإن تعين مسماه بدونها كلها جاز إتباعها جميعًا، وقطعها جميعًا، واتباع بعضها وقطع بعض آخر1، بشرط تقديم النعت التابع على النعت المقطوع؛ نحو: عرفت الإمام أبا حنيفة، المجتهدَ؛ الذكيَّ، العبقريَّ.... فيصح في النعوت الثلاثة النصب على الاتباع، والرفع على القطع، ويجوز النصب على الاتباع في بعض منها، والرفع على القطع في غيره، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب تقديم النعت التابع على المقطوع.

وإن لم يتعين مسماه إلا بالنعوت كلها مجتمعة وجب اتباعها، وامتنع القطع؛ نحو: غاب المصري حافظ، الضابط، الشاعرُ، النَّاثِرُ، بالرفع؛ تبعًا للمنعوت:"حافظ" إذا كان هناك ثلاثة2 غيره كل منهم اسمه: "حافظ"، وأحدهم ضابط فقط، والآخر شاعر فقط، والثالث شاعر فقط، فلا يتعين الأول تعيينًا يميزه من هؤلاء الثلاثة إلا بالنعوت المتعددة مجتمعة، وإتباعها له.

وأن تعيَّن ببعضها دون بعض وجب إتْباع الذي يتعين به، وجاز في غيره الإتباع والقطع، مع وجوب تقديم التابع على المقطوع3....

1 يجوز في بعضها المقطوع أن يكون منه ما ينقطع إلى الرفع، ومنه ما ينقطع إلى النصب، طبقًا للبيان الآتي في رقم.5 ص490.ـ

2 أو أكثر.

3 وفي النعوت المتعددة التي تتلو منعوتًا يفتقر إلى ذكرهن في تعيين مسماه فيجب إتباعها له، يقول ابن مالك:

وَإِنْ نُعوتٌ كَتُرَتُ وقَدْ تَلَتْ

مفْتَقِرًا لِذِكْرِهِنَّ أُتْبِعتْ

أي: إن كثرت وتعددت النعوت التي تجيء بعد سنوات -غير معين، لأنه غير معرفة- محتاج إليهن في تعيين مسماه، أتبعت له، أي: وجب إتباعها في نوع حركته الإعرابية.

ثم قال:

واقْطَعُ أَو اتْبعْ إِنْ يَكُنْ مَعَيَّنًا

بدونها – أَوْ بعْضِهَا، لقْطَعْ مُعْلِنًا

أي: إن كان المنعوت معينًا بدونها كلها فاقطع أو اتبع النعوت كلها. وكذلك إن كان معينًا ببعضها فقط أو اقطع هذا الجزء فقط، وأتبع ما عداه.

ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان حركة النعت المقطوع وعامله فقال:

وارْفَعْ أَوِ انْصِبْ إِنْ قَطعْت، مضْمِرًا

مُبتَدأ أَوْ ناصِبًا لَنْ يظْهرا

يعني أن المقطوع برفع أو ينصب؛ فالرفع، على إضمار مبتدأ، خبره المقطوع. والأكثر أن يكون هذا المبتدأ المحذوف ضميرًا، والنصب عل تقدير عامل محذوف ينصبه "كالفعل مثلًا" والنعت المقطوع يُعرب مفعولًا به لهذا العامل. والعامل في الحالتين "مبتدأ كان أو فِعلًا" لن يظهر، لأنه محذوف وجوبًا، واقتصر على هذا من غير أن يذكر التفصيل الذي سردناه.

ص: 489

4-

إذا لم يتعدد النعت وكان المنعوت معَرفًا بأننه جاز في النعت الإتباع والقطع. نحو: أنت الشريك الوديع، برفع كلمة:"الوديع"، إتباعًا أو نصبها على القطع.-والمنعوت هنا متعين؛ بسبب الخطاب-.

ولا يجوز القطع إن كان النعت للتوكيد2، أو: كان من الألفاظ التي أكثرت العرب من استعمالها نعتًا بعد كلمات معينة2،

أو كان نعتًا لاسم إشارة؛ نحو: أهلكَ الله بعض الأمم بالرجفة الواحدة -جاء القوم الجَمَّاءَ الغفيرَ3- امتدحت هذا الوفيَّ.

ومن الأمثلة لهذه الثلاثة أيضًا: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4 -يسرني رؤية الشَعْرَى العَبُورِ5- ما أكبر تقديرنا لهذا النابغِ.

5-

قلنا6 إن النعت المقطوع لا بد أن يخالف في حركته المنعوت السابق؛ فإن كان المنعوت مرفوعًا وأردنا قطع النعت لداع بلاغي قطعناه إلى النصب

1 وقد شرحنا في رقم 6 من ص439 -؛لأنت القطع ينافي التوكيد.

2 المراد: أن هناك كلمات يشيع استمعالها نعتًا لمنعوتات خاصة معينة في الغالب؛ ككلمتي "العَبُور" و"الغَفير" في الأساليب الفصيحة الشائعة؛ حيث يقول العرب: "جاء" القوم الجَمَّاءَ الغَفِيرَ، وسرتني الشَعْرَى العَبُورْ" فقد وقعت الكلمتان -وما أكتر وقوعهما نعتين لمنعوتين معينين، قل أن يستعملا نعتًا لغيرهما. فليس المراد أن تلك المنعوتات لا تستعمل إلا منعوتة، ولا أن نعتها لا يكون إلا من بين تلك الكلمات، وإنما المراد أن تلك الألفاظ إذا وقع بعدها وصف أو ما يشبهه فهو نعت لها، لا أنها يلزم لها النعت دائمًا.

3 الجماء، مؤنث الأجيم، بمعنى الكثير. الغفير: الذي يستر الأرض ويغطي وجهما بكثرته. وهذا تعبير قديم سبق أن شرحناه. وتناولنا نواحي التأنيث والتذكير والإعراب وغيره في ج2 ص278 م84 "باب الحال".

4 النعت هنا للتوكيد؛ لأنه يدل على التثنية، وهي مفهومة من المنعوت، فهو يؤكدها.

5 لأن العرب تكاد تقتصر في استعمال "العبور" نعتًا الحالة التي يكون المنعوت فيها هو كلمة: الشعرى.

6 ص486 و488 وفيهما الشروط والتفاصيل لذلك.

ص: 490

مفعولًا به لفعل محذوف، تقديه: أمدح أو أذم، أو

على حسب السياق، وان كان المنعوت منصوبًا وأردنا قطع النعت قطعناه إلى الرفع على اعتباره خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره -مثلًا-: هو. ولا يجوز القطع إلى الجر مطلقًا فيهما. وإذا. كان المنعوت مجرورًا واقتضى المقام القطع قطعناه إلى الرفع أو النصب على الإعرابيين السابقين. ولا بد في جميع حالات القطع آن يكون المنعوت متَعيِّنًا.-كما قلنا-.

وإذا تعددت النعوت، وكان المنعوت المتعيِّن مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا جاز فينما عند قطعها أن يكون بعضها منقطعًا إلى الرفع، وبعض آخر إلى النصب، إذ ليس من اللازم أن تنقطع النعوت كلها إلى الرفع فقط، أو إلى النصب فقط: وإنما اللازم ألا تنقطع إلى الجر، وألا يتفق نوع حركتها مع نوع حركة المنعوت1 السابق، نحو: ما أسفت لشيء، قدر أسفي للزميل المتعلمِ، المتكاسلِ، الخاملِ، المستهين

فيجوز في هذه النعوت قطعها إما إلى الرفع فقط، وإما إلى النصب فقط وإما توزيعها بين هذا وذاك.

وإذا كان النعت المقطوع مرفوعًا لأنه خبر مبتدأ، أو منصوبًا لأنه مفعول به لفعل محذوف فإن هذا المحذوف واجب الحذف لا يصح ذكره بشرط أن يكون النعت في أصله لإفادة المدح، أو: الذم، أو: الترحم، فان كان في أصلا لغرض آخر جاز حذف العامل وذكره2. وقد سردنا أول الباب3 الأغراض المختلفة التي يؤديها النعت.

6-

مما تجب ملاحظته أن جملة النعت المقطوع "وهي: الجملة المكونة من المبتدأ المحذوف وخبره الذي كان في أصله نعتًا، أو من الفعل المحذوف وفاعله" جملة مستقلة مستأنفة. وقد تسبقها "الواو" أحيانًا، وهذه "الواو" زائدة للاعتراض قبل النعت المقطوع، سواء أكان مقطوعًا إلى الرفع، أم إلى النصب.

1 لأن تغير الضبط وما يؤدي إليه من تغيير الإعراب هو الدال على القطع -كما عرفنا- فيمتنع اللبس بين الغرض السابق، والغرض البلاغي الجديد والبيان في هامش ص486 وما بعدها.

2 كما أشرنا لكل ما ذكر في رقم 3 من هامش ص486 وعرضنا هناك الأمثلة الموضحة.

3 ص438.

ص: 491

ويرى بعض النحاة أن هذه الجملة المشتملة على النعت المقطوع ليست مستقلة ولا مستأنفة، وإنما هي "حال" إذا وقعت بعد معرفة محضة، و"نَعْت" إذا وقعت بعد نكرة محضة، وتصلح للأمرين إذا وقعت بعد نكرة مختصة، فشأنها كغيرها من الجمل التي تعرب "حالًا" بعد المعارف المحضة، و"نعتًا" بعد النكرات المحضة، وتصلح للأمرين بعد النكرة المختصة. والرأي الأول1 أقْوَم وأحْسنُ.

7-

سبب القطع بلاغي محض -كما قلنا2- هو التشويق، وتوجيه الأذهان بدفع قويّ إلى النعت المقطوع؛ لأهمية فيه تستدعي مزيدًا من الانتباه إليه، وتقلق الفكر به، وانه حقيقي بالتنويه وإبراز مكانته. وجعلوا الأمارة على هذا كله إضمار العامل، وتكوين جملة جديدة، الغرض منها: إنشاء المدح أو الذم أو الترحم،

أو

فهي جملة إنشائية من نوع الجمل الإنشائية غير الطلبية3.

وإذا كان سبب القطع بلاغيًا -ولا بدّ من قيام هذا السبب- فمن البلاغة أيضًا ألا نلجأ إلى استخدام القطع مع من يجهله! فيحكم بالخطأ على الضبط الحادث بسببه.

حذف النعت أو المنعوت، أو هما معًا:

أ- قد يحذف النعت أحيانًا حذفًا قياسيًا إذ كان معلومًا بقرينة تدل عليه بعد حذفه؛ كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ، والأصل:"كل سفينة صالحة"؛ بقرينة قوله: "أن أعيبها؛ فهي تدل على أنها قبل هذا خالية من العيب، أي: صالحة للانتفاع بها، وبقرينة أخرى؛ هي: أن الملك الغاصب لا يغتصب ما لا نفع فيه.

1 لأن هذه الجملة الجديدة إنشائية للمدح أو الذم أو غيرهما. -كما سيجيء بعد هذا مباشرة- والجملة الإنشائية لا تكون نعتًا –إلا مع التأويل الذي سبق في هامش ص474– ولا تكون حالًا.

2 تقدم البيان في رقم 3 من هاش ص487.

3 وقد سبقت الإشارة لهذا في ج1 ص464 م39.

ص: 492

ومثل قول الشاعر أخذَ نصيبه من غنائم الحرب فلم يرض به:

وقد كنتُ في الحروبِ ذا تُدْرَإِ1

فلمْ أعْطَ شيئًا ولم أُمْنَعِ

والتقدير: فلم أعطَ شيئًا نافعًا؛ بدليل قوله: ولم أمْنع، وبدليل الأمر التاريخيّ المعروف، وهو أنه أخذ –فِعْلًا- نصيبًا، وبكنه لم يقنع به.

ومثل قول الشاعر يصف فتاة بالجمال:

وربُّ أَسيلةِ2 الخدَّيْنِ بِكْرٍ

مهَفْهفة3، لها فرعٌ، وجيدُ

المراد: لها فرع فاحم4، وجيد طويل، والقرينة: أن مدح الفتاة بالجمال لا يكون بأمر عامّ يشاركها في مثله آلاف من نظيراتها، فليس من المدح وصفها بمجرد فرع لها، وجيد، فهذان أمران ملازمان كل فتاة، وإنما يكون المدح بأوصاف وبمزايا خاصة تتحقق في كل منهما؛ كشدة سواد الشعر، أو نعومته، أو طوله....، أو.... وكطول الجيد باعتدال، أو استدارته، وعدم غلظه كذلك5....

ب- حذف المنعوت6:

يجب حذف المنعوت في كل موضع اشتهر فيه النعت اشتهارًا يغنى عن المنعوت غَناءً تامًّا؛ بحيث لا يتجه الذهن إليه؛ نحو: جاء الفارس. والأصل: جاء الرجل الفارس؛ أي: راكب الفرس. ومثل: جاء الصاحب، أي: الرجل الصاحب؟ فلا يدور فيهما وفي أشباههما أن يقال: جاء الرجل الفارس، ولا جاء الرجل الصاحب، والنعت في الحالة السابقة لا يسمَّى نعتًا، وإنما يحل محل المحذوف في إعرابه فاعلًا، أو غيرهما

مما كان علية المحذوف قبل حذفه.

1 قوة، وعدة حربية.

2 مصقولة ناعمة

3 رشيقة، ضامرة البطن، دقيقة الخصر.

4 أي: شديد السواد، كلون الفحم.

5 ومن أمثلة حذف النعت قوله عليه السلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". أي: لا صلاة كلمة وقول بعض العرب عن عمر: "كان والله رجلًا

" يريد: رجلًا عظيمًا.... وعن علي: "سمعته يخطب فكان الخطيب...." يريد: الخطيب البارع

أو ما شاكل هذا.

6 أشرنا في ص473 إلى حذف المنعوت، وقلنا إن بسط الكلام عليه هنا.

ص: 493

ويجوز حذفة أيضًا –كما أوضحنا1– إن كان مصدرًا مبَيِّنًا نابت عنه صفته؛ نحو: جلست أحسنَ الجلوس، وأصغيت أيّ2 إصغاء؛ بمعنى: جلست جلوسًا أحسن الجلوس، وأصغيت إصغاء أيّ إصغاء، والأكثر أن تضاف هذه الصفة لمصدر كالمصدر المنعوت بالمحذوف.

ويجوز بكثرة حذف المنعوت -"سواء أكان النعت مفردًا،أم جملة،أم شبه جملة"– بشرط أن يصلح النعت لأن يحل محل المنعوت المحذوف؛ فيعرب إعرابه. فلا يصح حذف المنعوت إن كان فاعلًا، أو مفعولًا، أو مجرورًا، أو مبتدأ وكان النعت جملة أو شبهها؛ لأن الجملة وشبهها لا تقع شيئًا مما سبق، فلو حذف المنعوت وهو أحد الأشياء السالفة لم يوجد في الكلام ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، ولهذا لا يصح حذفه إذا كان الأمر على ما وصفناه3.

أمَّا إن كان المنعوت واحدًا مما سبق والنعت مفردًا، فيجوز حذف المنعوت، لوجود ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، وهو: المفرد. ويشترط لحذفه أيضا أن يكون معلومًا. ومن وسائل العلم به اختصاص معنى النعت به وقصره عليه، مثل: أعجِبتُ براكب صاهلًا، أي: براكب فرسًا صاهلًا؛ لأن الصهيل مختص –في اللغة- بالخيل. وبسبب هذا الاختصاص الصريح يكون الخذف واجبًا عند بعض النحاة لا جائزًا، ورأيهم سديد.

ومن وسائل العلم به أيضًا أن يتقدم على النعت ما يدل على المنعوت المحذوف

1 في ص "110 و111 حيث البيان والتفصيل المفيد" و468.

2 هذا التعبير صحيح حيث وقعت فيه أيّ" نعتًا مضافًا لمصدر. فيجوز حذف المنعوت. وقد سبق الكلام عليه وعلى ما يصح للنيابة عند حذف المصدر المؤكد والمبين "وهو مسجل في موضعه من الجزء الثاني ص173 م75 عند الكلام على حذف المصدر المصريح. وفي ج1 ص262 م26 باب الموصول، عند الكلام على:"أي" أما إن كان المضاف إليه غير مصدر فقد سبق حكمه في ص111 وما بعدها.

3 يعبرون عن هذا: بأن النعت يكون صالحًا لمباشرة العمل، فيكون مفردًا إن كان المنعوت فاعلًا، أو مفعولًا به، مثلًا....، وجملة مشتملة على الرابط إن كان المنعوت خبرًا.

ص: 494

الذي يحقق المعنى المراد؛ نحو: ألَا ماءَ، ألا باردًا1؟

أو: وجود عامل نحوي يحتاج إلى المنعوت ليكون معموله الذي يَتمّ به المعنى الأنسب، حيث لا يستطيع العمل المباشر في النعت، ولا يجد النعت عاملًا آخر؛ كقوله تعالى:{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، والتقدير: فليضْحكوا ضحكًا قليلًا، وليبكوا بكاءً كثيرًا.... فالفعلان في جملتي:"يضحكوا - يبكوا" محتاجان لمعمولين يتممان هذا المعنى الأنسب، ولا يستطيع منهما أن يؤثر في النعت الذي بعده مباشرة إلا من طريق منعوت محذوف يستقيم به المعنى. ولا يجد كل من النعتين "قليلًا - وكثيرًا" عاملًا له إلا الفعل اللازم قبله، ولكن اتصاله به مباشرة غير سائغ لغويًا؛ فلم يكن بد من تقدير المنعوت المحذوف على الوجه السالف

وأيضًا: يحذف جوازًا إن كان النعت جملة أو شبهها وكان المنعوت مرفوعًا وبعضًا من اسم متقدم عليه، وهذا الاسم المتقدم مجرور "بمن" أو "في" نحو: الأحرار الوطنيون لا ينكر فضلهم أحدٌ؛ فمنهم أنفق ماله في سبيل وطنه، ومنهم أفَنى عمره مناضلًا في الحِفَاظ على حريته، ومنهم قضى نَحْبه دفاعًا عنه. والأصل؛ فمنهم فريق أنفَق

ومنهم فريق أفْنَى عمره

ومنهم فريق قضى نحبه

ومثل قولهم: لما مات عُمَرُ بنُ عبدِ العزيز لم يكن في الناس إلا بَكى أو صرخَ، أو صُرعَ، أو إنسانٌ انعقد لسانه، أو إنسان زاغ بصره

فالمنعوت في الأمثلة السابقة كلها مخذوف، وهو مرفوع، وبعض من كل مجرور بالحرف "مِنْ" أ:"في"؛ ذلك لأن الضمير: "هم" المجرور بِمِنْ

1 من هذا النوع قوله تعالى في نبيه داود: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أي: دروعًا واسعات طويلات تصل إلى الأرض. فالسابغات في أصلها ليست نعتًا مختصًا بشيء معين دون غيره، وإنما تصلح لوصف كل واسع طويل. غير أن تقدم كلمة:"الحديد" قبلها جعل المراد منها في هذا السياق مختصًا بموصوف معين هو: الدروع.

ص: 495

في الأمثلة الأولى "كُلّ" والمنعوت "فريق" بعض منه، والناس المجرور "بفي" في الأمثلة الأخيرة "كل" والمنعوت المحذوف "إنسان" بعض منه1

ج- حذف النعت والمنعوت معًا:

قد يحذفان معًا –وهذا قليل2– إذا قامت القرينة الدالة عليهما؛ كقوله تعالى: في الأشْقَى الذي يدخل النار: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} ، أي: لا يحيا حياة نافعة3. وكقولك للمتعلم الذي لا يَنتفع بعلمه: هذا غير متعلم، أي: غير متعلم تعلمًا مثمرًا.

الترتيب بين النعوت المتعددة:

إن كانت النعوت المتعددة مفردة جاز تقديم بعضها على بعض من غير ترتيب محتوم، فالأمر فيها للمتكلم؛ يقدم ما يشاء ويؤخر، على حسب ما يرى من أهميته. وكذلك إن كان جُمَلًا، أو أشباه جُمَل؛ نحو:"راقني الورد النَّضرُ، العطِرُ، الهبيُّ" –أقبل رجل "وجهُهُ متهللٌ""ثغرهُ باسمٌ"– أبصرت رجلًا في سيارةٍ، على أريكة.

أما إذا اختلفت أنواعها تقديم المفرد على شبه الجملة، وشبه الجملة على الجملة؛ نحو: هذا عصفور حزين، على شجرة، يشكو ما أصابه

وقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}

1 سبقت الإشارة لهذا في 473 وفي حذف النعت والمنعوت يقول ابن مالك مصرحًا بقلة حذف النعت:

وما:مِن المنعُوتِ والنَّعْتِ – عُقِلْ

يَجُوزُ حذْْفُهُ، وفي النَّعت يقِلْ

يريد: ما عقل "أي: عَلم بدليل"، من النعت أو المنعوت يجوز حذفه. وليست درجة حذفهما متساوية في الكثرة، فإن حذف المنعوت أكثر من حذف النعت.

2 وهذه القلة نسبية، لا تمنع من القياس عليها.

3 لأنه لا واسطة بين الحياة والموت. ويصح أن يكون المراد: لا يموت فيها موتًا دائمًا، ولا يحيا حياة نافعة.

ص: 496

وقد تتقدّم الجملة أيضًا على غيرها كقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} 1 وهذا النوع من التقدم فصيح يجوز القياس عليه؛ لوروده في أبلغ الكلام –وهو القرآن– ولكن الأول أكثر.

عطف النعوت المختلفة المعاني بعضها على بعض:

يجوز عطف النعوت بعضها على بعض مع ملاحظة ما يأتي:

1-

أن تكون النعوت المتعددة مختلفة المعاني وليست جُملًا2؛ فلا يصح العطف في مثل: هذا رجل غنيّ ثريّ؛ لأن الثريّ بمعنى الغنيّ، ولو عطف عليه لَعُطِفَ الشيء على آخَر بمعناه، والعطف يقتضي المغايرة المعنوية، غالبًا3. ولا فرق في منع العطف في النعوت المتفقة المعاني بين أن تكون كلها تابعة في إعرابها للمنعوت، وأن تكون مقطوعة، وأن يكون بعضها تابعًا وبعضها مقطوعًا.

أما إذا كانت النعوت المتعددة جُملًا2 فالأفضل عطفها؛ ولاي يشترط اتفاقها في المعنى أو اختلافها؛ نحو: احترمُ رجلًا يترفع عن الصغائر، ويتوقى مواطن السوء، ويُجَنِّب نفسه الهوان.

2-

ألاّ يكون حرف العطف هو: "أم"، أو:"حتى"، إذ لا تُعْطف النعوت بواحد منها4.

3-

وإذا كانت النعوت مختلفة المعاني والمنعوت مُثنى أو جمعًا، وجب –في الأكثر– العطف بحرف الواو دون غيره –كما سبق2- نحو: تحدث الفائزان؛

1 وقول الشاعر في ظالم:

بغَى وللبغى سهامٌ تُنْتظرْ

أَنْفَذُ في الأكباد من وخْز الإبَرْ

"2، 2" أما شبه الجملة ففي حكم المفرد إذا كان متعلقة مفردًا.

3 إلا إذا كان العطف للتفسير الذي يراد به إيضاح الغامض، أو المجهول، كما قد يحصل –أحيانًا– ولا غامض ولا مجهول هنا.

ويحسن العطف عند تباعد المعاني المختلفة كقوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ، وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنُ} بخلافها إذا تقاربت؛ كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ} .

4 سبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص481.

5 في ص482.

ص: 497

العالم والمخترع احترمت المتعلمات، النائرة، والشاعرة، والخطيبة، والماهرة في عملها، والمتفننة في نظامها. فإن كان المنعوت واحدًا لم تجب "الواو" وصح أن يجيء الحرف المناسب أو لا يجيء.

وحرف العطف الذي يستخدم هنا يؤدّي –مع العطف– معنى من المعاني التي اختص بتأديتها على الوجه المشروح في باب: "العطف" من أن الواو تفيد كذا، والفاء كذا، وثم

و

وعندما يتم عطف النعوت تصير "معطوفات"، يَجري عليها اسم "المعطوف" وأحكامه الآتية في بابه، وتتخلى عن اسم:"النعت" وأحكامه الخاصة به1.

تقدم النعت على المنعوت:

لا يجوز تقدم النعت على المنعوت مع بقاء إعاربه نعتًا كما كان قبل التقدم4. فإذا تقدم زال عن كل منهما اسمه؛ فإن كانا معرفتين، وكان النعت صالحًا لمباشرة العامل وجب عنْد تقدمه إعرابه على حسب حاجة الجملة، ويصير –في الغالب: "مُبدَلًا منه"، ويعرب المنعوت بدلًا. ففي مثل: "استعنت بمحمد الماهر في تذليل العقبات؛ فأعانني، وشاركه في هذا عليّ الصديق" نجد كلمتي: "الماهر" و"الصديق" نعتين، وهما متأخرتان، فإذا تقدمنا وقلنا: بالماهر محمد، والصديق عليّ صارتا بدّلين، وصار المنعوتان السابقان مُبدَلًا منهما.

فإذا كانا نكرتين فالغالب –إن لم يوجد مانع آخر– نصب النعت على الحال عند تقدمه، ويزول عنه اسم النعت؛ كما يزول عن المنعوت اسمه، ويصير

1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص481.

2 بل لا يجوز –في الصحيح– تقدم النعت معمول المنعوت إذا كان المنعوت وصفًا عاملًا؛ نحو: ظهر بيننا مبتكرٌ نظريةً علميةً عبقريٍّ. "راجع حاشية ياسين في باب الحال عند الكلام على صاحبها".

ص: 498

اسمه الجديد: "صاحب الحال"؛ ففي مثل: "أينع زهرٌ رائعٌ. وفاح عطرٌ جميل

" نقول: أينع رائعًا زهر، وفاح جميلًا عِطرٌ1

1 سبقت الإشارة "في ج2 م85 –هامش ص374- باب: "الحال" إلى أن نعت النكرة إذا تقدم عليها يعرب حالًا –في الغالب- أي: ما لم يمنع مانع؛ ذلك أن المنعوت النكرة قد يكون –أحيانًا– كالمنعوت المعرفة في إعراب نعته المتقدم بحسب العوامل مع إعراب المنعوت بدلًا أو عطف بيان؛ نحو: مررت بصارخٍ طفلٍ، واستمعت إلى خطيبٍ غلام

والأصل قبل تقديم النعت: مررت بطفل صارخ، واستمعت إلى غلام خطيب فنعت النكرة المتقدم عليها إنما يعرب حالًا في الغالب وليس بالواجب المطرد في جميع الاستعمالات –على الأصح– وبهذا تخرج بعض الصور الممنوعة؛ كالتي ذكرناها. وكالتي في قولنا: جاء رجلٌ أحمرُ، ونحوه مما ليس مستقلًا؛ لأنه من الصفات الثابتة.... –راجع الصبان آخر باب النعت-.

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

متفرقات:

أ- قد يقتضي المعنى أن يقع قبل النعت المفرد: "لا" النافية، أو:"إمَّا". وعندئذ يجب تكرار هذين الحرفين، مع اقترانهما بالواو العاطفة التي تعطف ما بعدهما على النعت الذي قبلهما؛ نحو: زاملت أخًا لا غادرًا، ولا خائنًا

- تخيَّرْ مضيفًا؛ إما ساحليًّا، وإما جبليًّا1

ب- يجوز نعت النعت عند سيبويه، ويمنعه آخرون. الحق أن النعت قد يحتاج إلى نعت أحيانًا، مثل: هذا ورقٌ أبيضُ ناصعٌ. "أي: شديد البياض"، فالورق يشتمل مدلوله على جسم ولون مطلق، والنصاعة إنما هي تحديد للونه

ونحو: هذا وجه مُشرقٌ أيّ إشراق!! ناضرة وجنتاهُ كاملة النَّضرة.

بل إن من النعت ما لا يسمى نعتًا إلا إذا كان موصوفًا؛ وهذا هو: النعت "المُوَطِّىْ" –وقد سبق الكلام عليه2– ومن أمثلته الواردة: ألا ماءً ماءً باردًا.

ج- إذا وقع النعت بعد المركب الإضافي "نحو: أقبل رسول الصديق العالم هذا نجم الدين المضيء

"، فأين المنعوت؟ أو المضاف إليه، أم المضاف؟

سبقت الإجابة مفصلة في مكانها الأنسب. "وهو "ج" ص167 من باب: "الإضافة".

د- سبق الكلام3 على احكام جليلة خاصة بالتوابع، ومنها: حكم الفصل بين التوابع ومتبوعاتها، كالفصل بين النعت والمنعوت.

1 سبق تفصيل الكلام على مواضع تكرار: "لا" في بابها الخاص، آخر الجزء الأول.

2 ص456 رقم 3.

3 في هامش ص435.

ص: 500