المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 112: أفعل التفضيل - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌المسألة 112: أفعل التفضيل

‌المسألة 112: أفْعَلُ التفضيل

1

يتضح معناه من الأمثلة الآتية:

إن كلمة: "أكبر" –في المثال الأول– تدل على أمرين معًا؛ هما: اشتراك الشمس والأرض في معنى معين؛ هو: "الكبر"، وأن الشمس تزيد على الأرض في هذا المعنى.

وكلمة: "أقدم" –في المثال الثاني– تدل على أمرين معًا؛ هما: اشتراك الأهرام والقاهرة في معنى معين؛ هو: "القدم" وأن الأهرام تزيد عليها في هذا المعنى.

وكلمة: "أوسع" –في المثال الثالث– تدل على اشتراك المحيطات واليابسة في معنى معين؛ هو: السعة، والمحيطات تزيد عليها فيه....

ومثل هذا يقال في الباقي

وفي نظائره.

فكل كلمة من هذه الكلمات المشتقة -ونظائرها- تسمى: "أفعل

1 ربما كان الأنسب أن يذكر مع المشتقات. ولكنا وضعناه هنا اتباعًا لترتيب ابن مالك في: "ألفيته".

2 جمع: هرم؛ بناء فرعوني قديم، له شكل هندسي؛ خاص.

3 الماضي: سرع، مثل: صغر.

ص: 394

التفضيل1" وتعريفه: "أنه اسم، مشتق، على وزن:"أفعل" يدل –في الأغلب2– على أن شيئين اشتركا في معنى، وزاد أحدهما على الآخر فيه". فالدعائم أو الأركان التي يقوم عليها التفضيل الاصطلاحي –في أغلب حالاته– ثلاثة:

1-

صيغة: "أفعل"، وهي اسم، مشتق.

2-

شيئان يشتركان في معنى خاص.

3-

زيادة أحدهما على الآخر في هذا المعنى الخاص.

والذي زاد يسمى: "المفضل"، والآخر يسمى:"المفضل عليه"، أو:"المفضول". ولا فرق في المعنى والزيادة فيه بين أن يكون أمرًا حميدًا، أو ذميمًا2.

وبدل أفعل التفضيل -في أغلب صوره– على الاستمرار والدوام3، ما لم توجد قرينه تعارض هذا، فشأنه في الدوام والاستمرار شأن الصفة المشبهة على الوجه المشروح في بابها4.

طريقة صياغته:

يصاغ "أفعل التفضيل" من مصدر الفعل الذي يراد التفضيل في معناه، بشرط أن يكون هذا الفعل مستوفيًا كل شروط "التعجب" التي عرفناها5 في

1 هذه التسمية اصطلاحية، أي: الصيغة التي على وزان: "أفعل"؛ لتدل على التفضيل أو المفاضلة؛ "وهي: الزيادة في أمر حسن أو قبيح؛ كما سيجيء عند تعريفه". أما "التفضيل" غير الاصطلاحي فليس له ضوابط معينة، وإنما هو متروك لبراعة المتكلم، ومقدرته البلاغية التي تمكنه من اختيار الألفاظ والأساليب الدالة على المفاضلة بين شيئين في أمر، وزيادة أحدهما على الآخر في هذا الأمر، من غير استخدام الطريقة الاصطلاحية.

"2، 2" في الزيادة والتفصيل ص406 بيان مفيد عن المقصود بالاشتراك، وعن الزيادة، وأن "أفعل" التفضيل قد يفيد البعد لا الاشتراك، ثم أمور أخرى هامة.

3 نص على هذا صاحب التسهيل "راجع هامش ص238".

4 في ص281 م104.

5 ص349.

ص: 395

بابه.... "بأن يكون فعلًا ثلاثيًا1، متصرفًا، تامًا، مبنيًا للمعلوم2.... و...... و.... و....." فالشروط التي يجب توافرها لصياغة "أفعل التفضيل" هي –نفسها– الشروط التي لا بد من توافرها لصوغ "فعلي التعجب"؛ مثل الأفعال: سمع، عدل، فهم، بعد، بقي، خبث.... و.... ومن الأخيرين جاء:"أبقى –وأخبث" في قول الشاعر:

الخيرُ أبقى3، وإن طال الزمان به

والشر أخبث ما أوعيت من زاد

فإن كان الفعل غير مستكمل الشروط، وكان السبب هو جموده أو عدم قبول معناه للمفاضلة "كالفعل: مات، فنى، عدم

" لم يجز التفضيل منه مطلقًا؛ "بطريق مباشر، أو غير مباشر"؛ لأنه بجموده لا مصدر له4 ولأنه بعدم قبوله المفاضلة يفقد الأساس الذي يقوم عليه التفضيل في أغلب حالاته.

أما إن كان السبب فقد شرط آخر غير الشرطين السابقين فإن4 صياغة "أفعل" تمتنع من مصدره مباشرة5، وتصاغ –كالتعجب– من مصدر

1 إن كان الفعل رباعيًا على وزن: "أفعل" ففيه الخلاف السابق في التعجب ص349. ومن المسموع الذي فعله رباعي قولهم: "هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم بالمعروف". وهذان شاذان عند من يمنع ذلك مطلقًا، وعند من يمنعه إذا كانت الهمزة للنقل. أما قولهم: هذا المكان أقفر من غيره فشاذ عند من يمنعه مطلقًا، لأن همزته ليست للنقل.

2 مع ملاحظة الخلاف في أمر المبني للمجهول، ونتيجته، وأثر ذلك في الحكم؛ على الوجه الذي سبق تمحيصه في ص350 مع الرجوع إلى البحث الهام الذي يعارض أن يكون في اللغة العربية أفعال ملازمة البناء للمجهول دائمًا "وقد تقدم في ج2 م67 ص102".

3 أصل الكلام: أبقى من غيره، فالمفضل عليه محذوف؛ طبقًا لما سيجيء في ص430.

"4، 4" يرى بعض النحاة أن الفعل المنفي كالجامد لا يجيء منه التفضيل مطلقًا –بطريقة مباشرة أو غير مباشرة– لأن المصدر المؤول يكون في حالة النفي معرفة؛ فلا يصح أن يكون تمييزًا لكن التحقيق صحة مجيء التفضيل فيه بالطريقة غير المباشرة؛ إما لصحة مجيء كلمة: "عدم" قبله وإما لصحة تنكير، فليس من اللازم أن يكون معرفة في كل الأحوال.

5 ومن الشاذ استعمال كلمتي: "خير" و "شر" في التفضيل؛ لأن صيغتهما الحالية الظاهرة تخالف صيغته، نحو: الكسب القليل خير من البطالة، والبطالة شر من المرض. وقولهم:"خير الناس أنفعهم للناس، وشرهم أقربهم إلى الإساءة والعدوان" وقول الشاعر:

إذا كان وجه العذر ليس ببيّن

فإن اطراح العذر خير من العذر

ويقول الآخر: =

ص: 396

فعل آخر مناسب للمعنى، مستوفٍ للشروط، ويوضع بعد صيغة "أفعل" مصدر الفعل الأول –الذي لم يكن مستوفيًا للشروط- منصوبًا على التمييز. فمثلًا الفعل: تعاون، لا.... يصاغ من مصدره "أفعل" التفضيل مباشرة؛ لأنه فعل خماسي؛ فنصوغه بطريقة غير مباشرة" بأن نأخذه من مصدر فعل آخر مناسب "مثل: كَبِر، كَشُر، نفع...." ونجعل بعده مصدر الفعل

=

وشر العالمين ذوو خمول

إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا

وخير الناس ذو حسب قديم

أقام لنفسه حسبًا جديدًا

أي: أخيرًا وأشر؛ حذفت همزتها لكثرة الاستعمال حذفًا شاذًا. ومن الجائز إرجاعها عند استعمالهما، فقد ورد الكلام الفصيح مشتملًا عليها. وفعلهما المسموع "خار يخير، وشر يشر" ويرى بعض اللغويين أنهما اسمان جامدان لا فعل لواحد منهما فمجيء التفضيل منهما شاذ عنده. ففيهما على هذا الرأي شذوذان صوغهما من الجامد، وسقوط همزتهما. أما على الرأي الأول –وهو الصحيح– ففيهما شذوذ واحد؛ هو سقوط همزتهما، لأن لكل منهما فعلًا وقد اجتمع في آية قرآنية استعمال كلمة "خير" لغير التفضيل، ثم للتفضيل، في قوله تعالى:{.... إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} .

ومثلهما في حذف الهمزة شذوذًا: "حب" في قول القائل: "وحب شيء إلى الإنسان ما منعا"، أي: أحب شيء. وجاء في ص60 من مجلة المجمع اللغوي القاهري: "عدد البحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة الثلاثين، لسنة 1963-1964" ما نصه على لسان أحد الأعضاء: "قالوا إن الهمزة حذفت في التفضيل من كلمتي: "خير وشر" لكثرة الاستعمال، وذلك ادعاء لا دليل عليه، ولا يتناسب مع معاني لفظي: "خير وشر" لأنهما يفيدان التفضيل أو الزيادة بماتهما، كما تفيد ذلك ألفاظ كثيرة بوضعها اللغوي: مثل زائد، وناقص، وعالٍ، وسافل.... وإن استعمال هاتين الكلمتين في معنى "أفعل" إنما كان على معنى الاستغناء بهما عن بناء وزن "أفعل" من مادتهما؛ لأن قصد المفاضلة الذي يصاغ له "أفعل" قد حصل من أصل المادة حيث لو بنى منها وزن "أفعل" لكان تحصيلًا للحاصل، أو تفضيلًا على تفضيل، وهذا هو ظاهر كلام ابن مالك في الكافية" ا. هـ.

ولا أثر لهذا الرأي يترتب عليه حكمًا خاصًا. سوى الحكم بمنع استعمال: "أخير، وأشر" بغير حجة قوية؛ إذ كيف يمتنع استعمالهما ولكل منهما فعل ثلاثي يصح صوغ التفضيل من مصدره قياسًا كسائر الأفعال الثلاثية الصالحة لذلك؟ وأيضًا فاللفظان مسموعان بصيغة التفضيل ولا اعتراض على استعمال الكلمة المسموعة بنصها الوارد. وفوق هذا فالكلمات التي سبقت هنا لتأييد المنع "ومنها: زائد ناقص، عالٍ، سافل.." كلمات يصح صوغ التفضيل من مصادرها قطعًا. فلا دليل فيها على المنع

وشذ كذلك صوغ "أفعل" من اسم العين، "أي: من الاسم الدال على ذات، وشيء مجسم" فقد ورد: هو أحنك البعيرين" أي: أكثرهما أكلا؛ فبنوا "أفعل" من شيء مجسم: هو، الحنك. كما شذ قولهم: هذا الكلام أخصر من ذاك فبنوه من الفعل: "اختصر" المبني للمجهول، الزائد على ثلاثة؛ فاجتمع فيه شذوذان.. وهكذا،.. وكل ما جاء مخالفًا للشروط فإنه يحكم عليه بالشذوذ؛ فيستعمل كما ورد من غير أن يقاس عليه غيره.

ص: 397

الأول "وهو التعاون" تمييزًا منصوبًا؛ فنقول: فلان أكبر تعاونًا من أخيه، أو: أكثر تعاونًا، أو: أنفع تعاونًا، أو: أقل. أو: أضعف،

أو ما شاكل هذا مما يساير المعنى.

والفعل: "خضر" لا يصاغ من مصدره مباشرة "أفعل" للتفضيل؛ لأنه يدل على لون ظاهر؛ فنصوغه –بالطريقة السالفة، "غير المباشرة"– من مصدر فعل آخر مناسب، ونجعل بعد "أفعل" مصدر الفعل الأول، وهو:"الخضرة" منصوبًا على التمييز. فنقول: ورق الليمون أشد خضرة من ورق القصب....1.

1 ومن المسموع من الألوان: "أسود من حلك الغراب""أبيض من اللبن"، وكل هذا الشاذ عندهم؛ يحفظ ولا يقاس عليه. وحكم الشذوذ هنا غير مفهوم ما دامت الكلمة نفسها قد استعملت صيغتها نصًا في المفاضلة اللونية؛ فهل يراد عدم التوسع في استعمالها في سواد شيء أو بياض شيء غير الشيء الذي وردت فيه نصًا؟ نعم، وهذا تضييق لا داعي له. بل إن منع التفضيل من كل ما يدل على لون تضييق لا داعي له أيضًا، ولا سيما بعد ورود السماع به واشتداد الحاجة إلى القياس على ذلك الوارد، بسبب ما كشف عنه العلم في عصرنا، ودلت عليه التجربة الصادقة من تعدد الدرجات في اللون الواحد، وفي العاهة الواحدة، وتفاوتها تفاوتًا واسع المدى كالمعروف اليوم في البياض، والحمرة، والخضرة، والسواد.... وسائر الألوان. وكذلك المعروف عند الأطباء في العاهات، كعاهة العمى -مثلا– فمنه عمى الألوان، وعمى الضوء.... و

وكذا أكثر العاهات. وكل ما سبق يقتضي التفضيل بين درجات اللون الواحد –أحيانًا– والعاهة الواحدة أو العيب الواحد أيضًا. ومثل هذا يقال في التعجب –كما سبق في بابه-.

والحجة التي يحتجون بها لمنعه –"وهي: أن صيغة الصفة المشبهة القياسية للألوان؛ فيلتبس الأمر بين المعنيين" –حجة واهية يكن دفعها بالقرائن، ومنها:"من" الداخلة على المفضل عليه في مثل: فلان أبيض من فلان، وهذا الزرع أخضر من ذاك؛ فيكاد يمتنع اللبس في هذا النوع من التفضيل الذي يشتمل أسلوبه على كلمة:"من" هذه. نعم قد تشتبه أحيانًا بكلمة: "من البيانية" ولكن هذا الاشتباه يمكن دفعه أيضًا، والتغلب عليه بالقرينة التي تزيله.

وكذلك الشأن في النوعين الآخرين من أنواع "أفعل التفضيل" وهما: المقرون بأل"، و"المضاف" فإن احتمال اللبس فيهما قليل، وهو على قلته مما يمكن دفعه بالقرينة التي تحدد الغرض، وتوجه –في كل ما سبق– إلى أحد المعنيين دون الآخر؛ كما يحصل في غير هذا الباب، وبخاصة بعد موافقتهم على قياسية المعنوي "الذي سيجيء الكلام عليه بعد هذا مباشرة"، ومن ثم كان المذهب الكوفي الذي يبيح الصياغة من الألوان والعيوب والعاهات أقرب للسداد واليسر. وعليه قول المتنبي: -وهو كوفي –في الشيب:

اِبْعَدْ، بَعِدْت بياضًا لا بياض له

لأنت أسود في عيني من الظلم

=

ص: 398

والفعل: عرج، لا يصاغ –مباشرة– من مصدره "أفعل"؛ لأنه فعل يدل على عيب ظاهر، وإنما نصوغ "أفعل" بالطريقة السالفة "غير المباشرة"؛ فنقول: هذا الفتى أوضح عرجًا من غيره.

وبهذه المناسبة نذكر أن الأفعال الدالة على الألوان والعيوب لا يصاغ من مصدرها "أفعل التفضيل" مباشرة إذا كانت الألوان والعيوب حسية ظاهرة. أما إن كانت معنوية داخلية فيصح أن يصاغ منها مباشرة؛ مثل: فلان أبله من فلان، أو: أحمق من فلان، أو: أرعن منه، أو: أهوج منه، أو: أخرق منه، أو أعجم منه، أو: أبيض سريرة منه، أو: أسود ضميرًا منه و.... و....1،.

يتبين من كل ما تقدم أننا نتوصل بالطريقة "غير المباشرة" إلى التفضيل إذا فقد الفعل المتصرف القابل للمفاضلة، بعض الشروط الأخرى –ولا مانع من استخدام هذه الطريقة أيضًا مع الفعل المستوفي– وهي نفسها التي أوصلتنا إلى التعجب مما لم يستوف فعله بعض الشروط. وقد سبق شرحها في بابه فنستعين بها هنا على الوجه السالف لتوصلنا إلى التفضيل كذلك.

= جاء في شرح العكبري لديوان المتنبي "ج4 ص35" عند شرح البيت السالف ما نصه: "وما قول أصابنا الكوفيين في جواز "ما أفعله"، في التعجب من البياض والسواد خاصة من دون سائر الألوان فالحجة لهم في مجيئة؛ نقلًا وقياسًا. فأما النقل فقول طرفة، وهو إمام يستشهد بقوله:

إذا الرجال شتوا واشتد أكلهمو

فأنت أبيضهم سربال طباخ

فإذا كان يرتضى قوله فالأولى أن يرتضى قوله في كل ما يصدر منه، ولا ينسب هذا إلى شذوذ وقول الآخر:

جارية في درعها الفضفاض

أبيض من أخت بني إباض

وأما القياس فإنما جوزناه في السواد والبياض لكونهما أصل الألوان ومنهما يتركب سائر الألوان. إذا كانا هما الأصلين للألوان كلها جاز أن يثبت لهما ما لم يثبت لسائر الألوان" ا. هـ.

والحق أن الاقتصار على هذين اللونين لا معنى له بعد ما قدمنا. "انظر رقم 2 من هامش ص351".

1 راجع حاشية "ياسين" على شرح التصريح، أول باب:"أفعل التفضيل".

ص: 399

ومما تجب ملاحظته: أن صيغة "أفعل التفضيل"، ومعناها، وأحكامها، تختلف اختلافًا كثيرًا عن صيغتي "التعجب" ومعناهما، وأحكامهما في أمور عرضنا لها هنا وهناك. ومنها: أن المصدر هنا ينصب على اعتباره، تمييزًا، وينصب هناك على اعتباره مفعولًا به1....

ومتى تمت صيغة؛ "أفعل" على الوجه السالف صارت اسمًا جامدًا؛ ويترتب على جموده أمران:

أولهما: ألا توجد له صيغة أخرى تدل على التفضيل الاصطلاحيّ؛ فليس له بعد هذه الصياغة ماض، ولا مضارع، ولا مصدر، ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول.... ولا شيء آخر من المشتقات أو غير المشتقات؛ لأن التفضيل الاصطلاحي مقصور على صيغة:"أفعل" وحدها وهي جامدة؛ كما أوضحنا، ولا يتقدم عليها شيء من معمولاتها –طبقًا لما يلي2-.

1 وفي صياغة "أفعل" يقول ابن مالك في باب خاص عقده باسمه:

صغ من مصوغ منه للتعجب:

"أفعل" للتفضيل، وأب اللذ أبي

أي: صغ "أفعل" الدلالة على التفضيل من مصدر الفعل الذي يصاغ منه التعجب. وامنع هنا الصياغة من مصدر الفعل الذي منع الصوغ منه هناك "فمعنى: ائب اللذأبي: امنع الذي منع" ثم قال:

وما به إلى تعجب وصل

لمانع به إلى التفضيل صل

يريد: ما يتوصل به –من طريق غير مباشر بسبب مانع يمنع التعجب المباشر– صل به إلى التفضيل عند وجود مانع.

2 وهذا حكم في كل العوامل الجامدة –كما سبق في ص357، وفي رقم 2 من هامشها– إلا بعض حالات معدودة نصوا عليها في مواضعها الخاصة بمناسباتها، ومنها الحالة الآتية في ص401 وأخرى في هامش ص404 توجب التقدم.

ومنها: جواز التقديم على "أفعل التفضيل" للضرورات الشعرية –ونحوها مما يدخل في حكم الضرورة– إذا كان معموله شبه جملة، كالذي في قول القائل:

وللحلم أوقات وللجهل مثلها

ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب

والأصل: أقرب إلى الحلم.. "والجهل هنا: الغضب والانتقام".

ص: 400

ثانيهما: ألا يتقدم عليه –في حالة الاختيار- شيء من معمولاته، إلا حالة واحدة1 سيجيء الكلام عليها في القسم الأول الآتي.

أقسامه، وحكم كل قسم:

هو ثلاثة أقسام:

1-

مجرد من "أل" والإضافة.

2-

مقترن "بأل".

3-

مضاف.

فأما القسم الأول المجرد من "أل" والإضافة فمثل: "أفضل"، و"أنفع" في قول بعضهم لظريف: لا أدري! أجدك أفضل من مزحك، أم مزحك أنفع من جدك. ومثل:"أحسن" في قول الشاعر:

وإني رأيت الضر أحسن منظرًا

من مرأى صغير به كبر.....2

وحكم هذا القسم أمران:

1-

وجوب إفراده وتذكيره في جميع حالاته.

2-

ووجوب دخول "من" جارة للمفضل عليه "أي: للمفضول".

أ- فأما الأمر الأول "وهو: وجوب إفراده وتذكيره". فيقتضي أن تكون صيغته واحدة في كل استعمالاته ولو كان مسندًا لمؤنث، أو لمثنى، أو لجمع، فلا بد أن تلازم هذه الحالة دائمًا؛ نحو: الجمل أصبر من غيره على العطش –الجملان أصبر من غيرهما -.... الجمال أصبر من غيرها

1 في ص403 رقم 2 وهناك حالة أخرى سبق عرضها موضحة مفصلة "في باب "الحال" ج2 م84 ص303 "د". وكذلك في رقم 3 من هامش ص300 من ذلك الجزء والباب" وملخصها: وهذا الملخص لا يغني عن الأصل السابق –أن أفعل التفضيل قد يقضي حالين؛ أحداهما تدل على أن صاحبها في طور من أطواره أفضل من نفسه أو غيره في الحال الأخرى. فالأحسن أن تتقدم إحداهما على عاملها "وهو أفعل التفضيل" وتتأخر الثانية عنه؛ نحو: الحقل قطنا أنفع منه قمحًا –الفدان عنبًا أحسن منه قطنًا– المتعلم تاجرًا أقدر منه زراعًا. وأجاز بعض النحاة تأخير الحالين معًا عن أفعل التفضيل بشرط أن تقع بعده الأولى مفصولة من الثانية بالمفضل عليه

راجع ج2.

2 ومثل قول الشاعر:

الموت أحسن بالنفس التي ألفت

عز القناعة، من أن تسأل القوتا

ص: 401

- الناقة أصبر من غيرها، الناقتان أصبر من غيرهما، النوق أصبر من غيرهن.

ب- وأما الأمر الثاني وهو: دخول: "من"1 جارة للمفضل عليه "أي: للمفضول" فأمر واجب أيضًا، بشرط أن يكون قصد التفضيل باقيًا. ولهذا كان وجودها دليلًا على إرادة التفضيل، وعدم انسلاخ "أفعل" عنه. وهي مختصة بهذا القسم وحده، وبدخولها على المفضول دون غيره، ولا وجود لها في القسمين الآخرين –كما سيجيء عند الكلام عليهما– ولا يجر المفضول غيرها من حروف الجر. ومن الأمثلة –غير ما سبق– قول المتنبي:

وما ليل بأطول من نهار

بظل بلحظ حسادي مشوبًا

وما موت بأبغض من حياة

أرى لهمو معي فيها نصيبًا

ودخول حذفهما معًا، بشرط وجود دليل عليهما؛ كقوله تعالى:{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ، أي: والآخرة خير من الدنيا، وأبقى منها. وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله تعالى:{أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} ، أي: أعز نفرًا منك. وقول الشاعر:

ومن يصبر يجد غب صبره

ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم

أي: ألذ من جني النحل.

وإذا حذفا من اللفظ كانا ملحوظين في النية والتقدير؛ وصارا بمنزلة المذكورين2.

1 ومعناها هنا: الابتداء أو المجاوزة، فإذا كانت للابتداء فهي لابتداء الارتفاع إذا كان السباق للمدح؛ نحو: النشيط أفضل من الخامل، ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق الذم؛ نحو: المنافق أضر من العدو. وإذا كانت للمجاوزة فمعناها أن المفضل جاوز المفضول في الأمر المحمود أو المذموم

و"من" هذه غير "من" التي تجيء للتعدية المجردة "أي: التعدية التي لا دلالة معها على التفضيل مطلقًا؛ لأنه غير مراد" ومن صورها ما يجيء في "الملاحظة" الخاصة: ص405.

2 يقول ابن مالك في "أفعل التفضيل المجرد، ووصله بالحرف: "من" لفظًا أو: تقديرا":

وأفعل التفضيل صله أبدا

تقديرًا، أو لفظًا بـ"من" إن جردا

ثم يقول في بيت سيعاد ذكره لمناسبة أخرى في ص416:

وإن لمنكور بضف أو جردا

ألزم تذكيرًا وأن يوحدا

ص: 402

وأكثر مواضع حذفها حين يكون "أفعل" خبر مبتدأ، أو خبر ناسخ، أو مفعولًا ثانيًا لفعل ناسخ "مثل ظن وأخواتها

" أو مفعولًا ثالثاً لفعل ينصب ثلاثة "كالفعل: وأرى.." نحو: قرع الحجة بالحجة أنفع

وهو بالعالم أليق....- ربما كان ازدراء السفيه أنجع في إصلاحه

-.

فلو طالعت أحداث الليالي

وجدت الفقر أقربها انتيابا1

وأن البر خير في حياة

وأبقى بعد صاحبه ثوابًا

أعلمت الجازع احتمال المشقة أجدر بأصحاب العزائم والهمم

ويقل حذفهما إذا كان "أفعل" حالًا. نحو: توالت النغمات أنعش للقلب وأندى للفؤاد، وأذهب للأسى

ومثل قول الشاعر:

دنوب –وقد خلناك كالبدر –أجملا

فظل فؤادي في هواك مضللًا

يريد: دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك كالبدر، فكلمة "أجمل" حال من الفاعل:"التاء". وهذا النوع من الحذف –على قلته– قياسي تجوز محاكاته. وكذلك يقل حذفهما إن كان "أفعل" نعتًا لمنعوت محذوف مع عامله لقرينة، نحو: اتجه

أوسع مساحة، وأكثر خصبًا، وأرحب للغريب صدرًا. والأصل: اتجه، واقصد بلدًا أوسع مساحة

و

والأحسن عدم جواز القياس على هذا النوع؛ لكثرة الحذف فيه، وتوقع اللبس في فهمه

2-

ومن الأحكام: وجوب تقديمها أحيانًا على عاملهما وحده، وهو:"أفعل" دون تقديمها على الجملة كلها. وإنما يجب التقديم على عاملهما إذا كان المجرور اسم استفهام؛ كهذا السؤال: فلان ممن أفضل؟ والأصل: فلان أفضل ممن؟ أو كان المجرور مضافًا إلى اسم استفهام، نحو: فلان من ابن من أفضل؟

1 ترددًا على الناس، ذهابًا ومجيئًا إليهم.

ص: 403

والأصل فلان أفضل من ابن من؟ ولا يجوز التقديم في غير حالتي الاستفهام السالفتين1 إلا للضرورة الشعرية كقول القائل:

وإن عناء أن تناظر جاهلا

فيحسب –جهلا– أنه منك أعلم

وقول الآخر:

إذا سايرت أسماء يومًا ظعينة2

فأسماء –من تلك الظعينة أملح

والأصل: "أعلم منك" وأيضًا "فأسماء أملح من تلك الظعينة". فقد تقدم الحرف "من" مع مجروره، مع أن الكلام خبري، وليس إنشائيًا استفهاميًا3

3-

ومنها: امتناع الفصل بينهما وبين "أفعل" إلا بمعمولة، أو:"لو" وما يتبعها، أو: النداء –فمثال الفصل بالمعمول قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، وقول الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على المرء من وقع الحسام المهند

قول الآخر:

لولا العقول لكان أدنى4 ضيغم

أدنى5 إلى شرف من الإنسان6

1 هناك حالة أخرى يتقدم فيها معمول "أفعل التفضيل" على عامله أفعل التفضيل. وقد سردنا ملخصها في رقم 1 من هامش ص401، وقلنا إن هذا الملخص لا يغني عن البيان والتفصيل المذكورين في باب الحال، "ج2 م84 ص303 "د" ورقم 3 من هامش ص300 هناك".

2 المرأة في هودجها، "تكريمًا وصيانة لها".

3 وفي تقديم "من" مع مجرورها في حالتي الاستفهام يقول ابن مالك في بيتيه السابع والثامن –وسيذكران لمناسبة أخرى في ص419:

وإن تكن بتلو "من" مستفهما

فلهما كن أبدا مقدما -7

كمثل: ممن أنت خير؟ ولدى

إخبار التقديم نزرا وردا -8

أي: أن تكن مستفهمًا بالاسم التالي: "من"، وهو مجرورها، فتقدمهما وجوبًا في كل الحالات. ثم قال: ورد التقديم نزرًا "أي نادرًا" في حالة الإخبار. أي في حالة الكلام الخبري، لا الإنشائي الذي شرحناه.

ومما يلاحظ أن المثال الذي في البيت الثاني معيب؛ للسبب الموضح في الصفحة الآتية:

4 أقل.

5 أقرب.

6 سيذكر هذا البيت لمناسبة أخرى في ص433.

ص: 404

ومثال الفصل بكلمة: "لو" وما يتبعها قول الشاعر:

ولفوك أطيب –لو بذلت لنا-

من ماء موهبة1 على خمر

ومثال النداء: أنت على أداء المهام الجسام أقدر –يا صديقي– من صفوة الأخلاء.

قول الشاعر:

لم ألف أخبث –يا فرزدق– منكمو

ليلًا، وأخبث بالنهار نهارًا

فلا يجوز الفصل بينهما بأجنبي "وهو الذي ليس معمولًا لأفعل" ولا بشيء غير ما سبق؛ ولهذا حكموا بالخطأ أو الشذوذ على مثل: ممن أنت أفضل؛ لأن الجار والمجرور: "ممن" متعلقان "بأفضل"2، و"أنت" مبتدأ خبره:"أفضل" وقد فصل المبتدأ بين "أفضل" والجار مع مجرورة، مع أن المبتدأ أجنبي من أفضل، "أي: ليس معمولًا له".

"ملاحظة": قد يصاغ "أفعل التفضيل" من مصدر فعل يتعدى بحرف الجر "من"؛ كالفعل: قرب، بعد

فعند التفضيل يجيء هذا الحرف مع مجروره، إما متقدمين على "من" الجارة للمفضول ومتوسطين بينها وبين "أفعل"؛ نحو: المجرب أقرب من الصواب من الناشئ، وإما متأخرين عنهما؛ نحو: المجرب أقرب من الناشئ من الصواب3

1 نقرة في جوف الصخر يخزن فيها الماء ليبرد.

2 ويجب تقديمها عليه وحده في هذه الصورة.

3 وهذا النوع الخاص بالتعدي يخالف النوع الذي سبق في ص402 وهو الخاص بدخول "من" على المفضل عليه –كما ستجيء الإشارة لهذا في ص412.

ص: 405

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- عرفنا1 أن: "أفعل التفضيل" يدل –في الأغلب– على اشتراك شيئين في معنى خاص، وزيادة أحدهما على الآخر فيه..، و.... فما ضابط الاشتراك؟!

ليس للاشتراك ضابط معين يحدد أنواعه، وإنما يكفي أن يتم على وجه من الوجوه يكون به واضحًا ومفهومًا للمتخاطبين، ولو كان اشتراكًا ضديًا، أو تقديريًا، كقول إنسان في عدوين له: هذا أحب إلى من ذلك. وفي نوعين من الشر: هذا أحسن من هذا. يريد في المثال الأول: هذا أقل بغضًا عندي، ويريد في المثال الثاني: هذا أقل شرًا من الآخر؛ فليس في نفس المتكلم قدر مشترك من الحب والحسن لهذا، أو لذاك. وإنما القدر المشترك هو الكره والقبح اللذان يضادان الحب والحسن. فالاشتراك إنما هو في أمر مضاد في معناه لمعنى:"أفعل" المذكور في الجملة، مع تفاوت النصيب بينهما، ووجود الزيادة في أحدهما وحده؛ فأحدهما عدو خفيف العداوة أو القبح، والآخر: شديدهما، فالزيادة موجودة ولكنها في أحد الأمرين المشتركين في معنى: مضاد لمعنى أفعل.

ومن غير الغالب ألا يكون بينهما اشتراك مطلقًا إلا على نوع جائز من التأول توضحه القرائن؛ كقولهم: الثلج أشد بياضًا من المسك، الصيف أحر من الشتاء، السكر أحلى من الملح، العسل أحلى من الخلّ. يريدون: أن بياض الثلج أشد في ذاته من سواد المسك في ذاته، والصيف حرارته أشد من الشتاء في برده، والسكر في حلاوته أقوى من الملح في ملوحته، والعسل حلاوته أشد من الخل في حموضته، وهكذا

؛ فليس بين كل اثنين مما سبق اشتراك في المعنى إلا في مطلق الزيادة المجردة، ودرجتها الذاتية المقصورة على صاحبها

؛ فالصلة بين كل اثنين مقصورة على هذه الزيادة المجردة، وبينهما بعد ذلك تباين تام يختلف عن التضاد السابق الذي يقوم بجانبه

1 في ص395 وأشرنا في رقم 2 من هامشها إلى أهمية ما يأتي هنا في الزيادة والتفصيل.

ص: 406

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نوع من الاشتراك في أمر يتصف به الاثنان، وإن كان هذا الأمر مخالفًا معنى "أفعل".

ب- من الأساليب الصحيحة: فلان أعقل من أن يكذب –وأمثال هذا- فهل معناه تفضيل فلان في العقل على الكذب؟ وهذا معنى فاسد؛.

خير ما يقال في هذا وأمثاله: أن "أفعل التفضيل" يفيد هنا أمرين معًا؛ هما إفادة البعد عما بعده، وأن سبب هذه الإفادة هو المعنى اللغوي الأساسي المفهوم من مادة "أفعل" المعروض في الجملة الأصلية، فالمراد: فلان أبعد الناس من الكذب؛ بسبب عقله. وفي مثل: فلان أجل من الرياء، وأعظم من الخيانة

يكون المقصود: فلان أبعد الناس من الرياء؛ بسبب جلاله، وأبعد من الخيانة بسبب عظمته

ومثل هذا يقال في بيت الشاعر:

الحق أكبر من أن تستبد به

يد، وإن طال في ظلم تماديها

فالغرض إعلان البعد عن تلك الأشياء مع بيان سبب البعد. وأفعل التفضيل في تلك الأساليب ونظائرها يفيد ابتعاد الفاضل من المفضول، ولا تكون "من" تفضيلية جارة للمفضول، وإنما هي مع مجرورها متعلقان "بأفعل" الذي هو بمعنى: متباعد؛ لأنها حرف الجر الذي يتعدى به الفعل "بعد" وباقي المشتقات التي من مادته؛ ومنها هنا: "أفعل" لتضمنه معنى "أبعد: بمعنى: "بعد" فهي متعلقة به من غير أن يدل على تفضيل؛ كنظيرتها في قولنا: أنا بعيد من الظالمين، بمعنى: متباعد.

وقيل إنه مستعمل في بعض مدلوله دون بعض؛ فهو يدل على زيادة البعد، دون أن يكون هناك مفضول حقيقي، ولا "من" الداخلة عليه

ومضمون الرأيين واحد1....

ج- يجب تصحيح عين أفعل التفضيل إذا كانت قبل التفضيل مستحقة للإعلال، ونحو: الأديب أقوم لسانًا، وأبين قولًا من غيره، فيجب أن تسلم الواو والياء.

1 وهناك بعض آراء أخرى عرض لها "المغني" في "الباب الخامس من الجزء الثاني، عند كلامه على الجهة الرابعة من جهات الاعتراض.

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

د- إذا كان أفعل التفضيل المجرد1 واجب الأفراد والتذكير فما بال العرب تقول: مر بنا سرب من الظباء، بعده أسراب أخر؛ فيأتون بكلمة:"أخر" مجموعة ومؤنثة؛ "إذ هي جمع، مفرده: "أخرى"، "وأخرى" مؤنث لكلمة "آخر" الذي أصله "أأخر" على وزن: "أفعل" المذكر الدال على التفضيل؛ فهو من القسم المجرد". فلم كانت "أخر" مجموعة ومؤنثة في المثال السالف –وأشباهه– مع أن القاعدة تقتضي الإفراد والتذكير، وأن يقال: أسراب "آخر""التي أصلها: "أأخر" كما أسلفنا"2.

أجاب النحاة: إن كلمة: "أخر" ليست مما نحن فيه؛ لأسباب ثلاثة مجتمعة:

أولها: أنها في استعمالاتها الصحيحة المختلفة –ومنها المثال السالف وأشباهه– لا تدل على التفضيل؛ "أي: لا تدل على المشاركة والزيادة" وإنما تدل على المغايرة المحضة، والمخالفة المجردة من كل معنى زائد عليها. فالكلام الذي تكون فيه يقتضي معنى المغايرة وحدها، لا معنى المفاضلة، أو نحوها. وهذا شأنها في الاستعمالات الواردة، فمعنى سرب آخر وأسراب أخر هو: سرب مغاير، وأسراب مغايرات، بدون تفضيل فيهما.

وثانيهما: أنها –في كلام العرب– لا يقع بعدها: "من" الجارة للمفضول، لا لفظًا ولا تقديرًا.

وثالثها: أنها –في كلامهم الفصيح تطابق وهي نكرة3.

1 سبق الكلام عليه، في ص401.

2 أي: أن الأصل أن يقال مثلًا: هذا ظبي آخر "وأصلها: أأخر" وهذه ظبية آخر "أأخر" لكنهم تركوا الأصل، وقالوا: ظبية أخرى؛ فأتوا بكلمة: "أخرى" التي هي المفردة المؤنثة لكلمة: آخر.

والأصل أيضًا أن يقال: هذان ظبيان آخر "وأصلها: أأخر، وهاتان ظبيتان آخر" ولكنهم تركوا الأصل وقالوا: آخران، في تثنية المذكر، وأخريان في تثنية المؤنث.

وكذلك الأصل أن يقال: هؤلاء ظباء آخر "أأخر" وهؤلاء ظبيات آخر "أأخر".

لكنهم تركوا الأصل أيضًا، وقالوا: أخر، التي هي جمع مؤنث، مفرده: أخرى.

3 أي: أنها لو كانت التفضيل وهي نكرة، لوجب عدم مطابقتها؛ كي تساير المسموع الكثير.

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلهذه الأمور الثلاثة لا تكون من القسم الأول الذي يدور فيه الكلام؛ بل إنها ليست للتفضيل مطلقًا2 –كما تقدم؛ وإنما هي كلمة معدولة، "أي: محولة" عن كلمة: "آخر" التي أصلها "أأخر" جاءت لتؤدي معنى ليس فيه تفضيل، ذلك أن العرب حين أرادوا استخدام كلمة: "آخر" في معناها الأصلي –وهو المغايرة المحضة الخالية من معنى التفضيل– عدولوا بها عن وزنها الأول؛ بأن أدخلوا عليها شيئًا من التغيير، وحولوها إلى هذا الوزن الجديد؛ وهو: "أخر" لتؤدي معنى خاليًا من التفضيل لا يمكن أن تؤديه إذا بقيت على الصيغة الأولى. ويقول السيوطي1، قولًا أشبه بهذا؛ نصه:

"كان مقتضى جعل "أخر" من باب "أفعل التفضيل" أن يلازمه في التنكير لفظ الإفراد والتذكير. وألا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع، إلا معرفًا، كما كان أفعل التفضيل؛ فمنع هذا المقتضى، وكان بذلك معدولًا عما هو به أولى؛ فلذلك منع من الصرف"2....

فالذي دعا النحاة لهذا التحليل والتعليل هو ما رأوه من جمعها وتأنيثها مع انطباق أوصاف القسم الأول عليها -في الظاهر- فلجئوا إلى مسألة العدول والتحويل ليتغلبوا على هذه العقبة ويجعلوا قاعدة: "أفعل التفضيل المجرد" مطردة.

قد يكون كلامهم سائغًا من الوجهة الجدلية المحضة، لكنه من الوجهة الحقيقية مردود، ذلك أن العرب لا تعرف شيئًا مما قالوه، ولم يدر بخلدها قليل أو كثير منه حين نطقوا بالتعبير السابق وأشباهه. فإبعادًا لهذا التكلف ومسايرة للأمر الواقع، يحسن الأخذ ببعض مما قاله النحاة -بحق- وهو: أنها ليست للتفضيل فلا تنطبق عليها أحكامه، أو أنها خالفت القاعدة؛ فهي من الشاذ

"1، 1" الهمع ج2 ص104.

2 يقول العكبري –في كتابه: "إملاء ما من به الرحمن" ج1 ص456، سورة البقرة ما نصه في كلمة:"أخر""لا تنصرف للوصف والعدل عن الألف واللام؛ لأن الأصل في "فعل" صفة أن تستعمل في الجمع بالألف واللام؛ كالكبرى والكبر، والصغرى والصغر". ا. هـ. وهذه التعليل مردود كغيره بما ذكرناه هنا.

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذي يحفظ، ولا يقاس عليه. ولا عبرة بما عرضوه من أسباب أخرى؛ فهني أسباب ضعيفة لا تثبت على التمحيص، ومن السهل دفعها، وقد دفعها بعض النحاة فعلًا بما يرهق سرده من غير نفع عملي، فخير لنا أن فقر الواقع، من غير تكلف ولا جدال زائف.

هـ -ونزولًا على قاعدة الإفراد والتذكير السالفة عاب بعض النحاة على أبي نواس ذكر كلمتي: "صغرى" و "كبرى" مؤنثتين للتفضيل، مع أنهما مجردتان في قوله1:

كأن صغرى وكبرى من فقاقعها

حصباء در على أرض من الذهب

والقياس: أصغر وأكبر. لأنهما صيغتان للتفضيل، مجردتان. والقاعدة تقضي بالتزام التذكير والإرادة في هذه الحالة..

ومما قيل في دفع هذا العيب: إن الشاعر لم يقصد التفضيل مطلقًا، ولا الحديث عن شيء أصغر من شيء آخر، أو أكبر منه؛ وإنما قصد صغرى أو كبرى من حيث هي: لا باعتبار موازنتها بغيرها؛ كمن يشاهد طفلة تحاول الركوب فيساعدها ويقول: ساعدتها لأنها: "صغرى"، أي صغيرة، وكمن يشاهد سيدة عجوزًا؛ فيعاونها عن النزول من السيارة ويقول: عاونتها لأنها كبرى؛ أي: كبيرة السن؛ فليس في كلامه هذا، ولا في المقام ما يدل على تفضيل أو موازنة بين اثنين يزويد أحدهما على الآخر في هذا المعنى.

وإذا كان الأمر على ما وصفنا فليس التأنيث لحنًا، لأن "أفعل" إذا كان مجردًا غير مقصود منه التفضيل "فالأكثر فيه عدم المطابقة؛ حملًا على أغلب أحواله، وقد يطابق، لعدم مجيء "من" لفظًا ومعنى. واعتمادًا على هذا السبب في المطابقة يخرج بيت أبي نواس السالف، ومثله قول العلماء العروضيين: "فاصلة صغرى وكبرى"، خلافًا لمن جعله لحنًا2".

1 يصف كأسا مملوءة بشراب ذهبي اللون، تعلوه الفقاقيع.

2 حاشية الخضري مع توضيح بعض كلماتها –"في هذا الباب عند الكلام على أفعل التفضيل المضاف والمقرون بأل". ومثل هذا في شرح التوضيح. وقال الأشموني في هذا الموضع ما نصه: "..... وإذا صح جمع "أفعل التفضيل"؛ لتجرده من معنى التفضيل جاز أن يؤنث؛ فيكون قول ابن هانيء: "كأن صغرى وكبرى من فقاقعها

" صحيحًا ا. هـ.

ص: 410

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا دفع حق، وهو خير من القول بأن في الكلام حذفًا وزيادة يؤديان إلى إخراج الكلمتين من هذا القسم، وإدخالهما في قسم آخر من أقسام "أفعل" التفضيل؛ كقسم المضاف1 إلى المعرفة؛ بحيث يؤدي إلى الحكم بصحتهما، وأن الأصل:"كأن" صغرى فقاقعها وكبرى من فقاقعها"

فكلمة: "من" زائدة "مع أنها –في الغالب– لا تزاد إلا بعد نفي بشرط أن يكون مجرورها نكرة"، و"فقاقعها" الأولى محذوفة للدلالة الثانية عليها، ففي الكلام حذف من جهة، وزيادة من جهة أخرى

وما أشد حاجاتنا إلى إهمال مثل هذا مما لا داعي له.

وأعجب منه قولهم في الدفاع عن الشاعر: "إن أفعل التفضيل المجرد يصح تأويله بما لا تفضيل فيه؛ فيطابق حينئذ كما في المضاف إلى المعرفة"، وقد جاء هذا الكلام في التسهيل"2. ولا أدري: أيغيب عن أحد وجه ضرره وأثره السيئ في اللغة؟ إذ كيف تؤدي اللغة مهامها –وما أجلها– إذا كان من الجائز دون قيد ولا شرط. تأويل اللفظ الذي يشوبه خطأ لغوي تأويلًا يصلح عيبه من غير داعٍ معنوي لذلك؟

1 سيجيء الكلام على المضاف بنوعيه في ص416 و418.

2 ونقله: الهمع، وياسين في حاشيته على التصريح، وكذا الصبان.

ص: 411

القسم الثاني:

أن يكون أفعل التفضيل مقرونًا "بأل". وهذا يوجب أمرين:

أحدهما: أن يكون مطابقًا لصاحبه في التذكير، والتأنيث، والإفراد، وفروعه؛ نحو: قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} –اليد العليا خير من اليد السفلى1. الشقيقان هما الأفضلان –الشقيقان هما الفضليان2 –الأشقاء هم الأفضلون، أو الأفاضل3 –الشقيقات هن الفضليات

والآخر: عدم مجيء "من" الجارة "للمفضل عليه"؛ لأن "المفضل عليه" لا يذكر في هذا القسم4. أما الجارة لغيره فتجيء؛ كالتي في قول الشاعر:

فهم الأقربون من كل خير

وهم الأبعدون من كل ذم

فالجار والمجرور –في الشطرين –لا شأن له بالتفضيل: لأن: "من" المذكورة هي التي تدخل على المجرور للتعدية5، إذ:"الأقرب" و "الأبعد" يحتاجان إلى معمول مجرور "بمن" كفعلها: "قرب وبعد" فليست: "من" بعدهما هي التي تدخل على المفضول، وتجره؛ إنما هي مجرورها نوع آخر.

1 العليا: مؤنث الأعلى، والسفلى: مؤنث الأسفل. والألفاظ الأربعة صيغ تفضيل.

2 تثنية: فضلى، مؤنث: أفضل.

3 انظر رقم 2 من هامش ص414؛ ففيه البيان.

5 إذ تغني عنه "أل"؛ لأنها للعهد "وليست موصولة كالداخلة على اسم الفاعل، واسم المفعول" والتي للعهد تشير إلى شيء معين تقدم ذكره لفظًا أو حكمًا. وتعيينه يشعر بالمفضول؛ ولهذا قالوا: "لا تكون "أل" في "أفعل التفضيل" إلا للعهد؛ لئلا يعرى عن المفضول" –راجع الصبان، ج2 أول باب أفعل التفضيل –وإذا لا يصلح أن يقال: على الأفضل من أمين. وأما قول الأعشى:

ولست بالأكثر منهم حصى

إنما العزة للكاثر

فمؤول عندهم بتأويلات مختلفة؛ منها: زيادة "أل" في لفظ:"الأكثر"، ومنها: أن الجار والمجرور متعلق بكلمة محذوفة تماثل المذكورة، والأصل:"بالأكثر أكثر منهم"....ومنهم أن "من" بمعنى "في" وكل هذه التأويلات مرفوضة لا يعرف عنها الشاعر "الأعشى" شيئًا؛ فهي إما لغة، وإما شاذة.

5 وهي التي سبقت الإشارة إليها في ص407، وتخالف الداخلة على المفضل عليه، والتي سبق بيانها في ص402.

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

قال صاحب التصريح1: إن "أفعل التفضيل" المقترن بأل يطابق موصوفه لزوما.... ومع ذلك لا بد من ملاحظة السماع، وأردف هذا بالنص الآتي:

"قال أبو سعيد على بن سعيد في: كفاية المستوفى، ما ملخصه: ولا يستغنى في الجمع2 والتأنيث عن السماع؛ فإن الأشراف والأظرف لم يقل فيهما: الأشارف والشرفى. والأظارف، والظرفي، كما قيل ذلك في الأفضل والأطول، وكذلك الأكرم والأمجد، قيل فيهما: الأكارم والأماجد، ولم يسمع فيهما: الكرمى والمجدى" ا. هـ.

هذا ما قاله وما نقله صاحب "التصريح" وقد يكون من السداد إهماله. وترك الأخذ به، لما فيه من تضييق وتعسير بغير حق؛ إذ يفرض على المتكلم أن يبحث جهد طاقته عن الصيغة المسموعة؛ فإن اهتدى إليها بعد العناء استعملها، وإن لم يجدها لم يستعمل القياس مع شدة حاجته إلى استخدامه للوصول إليها.

على أن بذل الطاقة واحتمال العناء لا يوصلان أحيانًا إلى الصيغة المسموعة، لا لعدم وجودها، ولكن لتعذر الاهتداء إلى مكانها، برغم العناء المرهق المبذول في سبيلها. وهل أدل على هذا من أن صاحب الرأي السالف يقرر عدم ورود السماع بكلمات معينة منها:"الكرمى" مؤنث: "أكرم"، وأن غيره يقرر عدم ورود بكلمات أخرى منها:"الرذلى، والجملى"، "مؤنث: الأرذل والأجمل" على حين يسجل أبو علي القالي في الجزء الأول من كتابه: "الأمالي"3 ما نصه: "قال بعض بني عقيل وبني كلاب: هو الأكرم، والأفضل، والأحسن، والأرذل، والأنذل، والأسفل، والألأم. وهي: الكرمى والفضلى، والحسنى،

1 ج2 باب: "أفعل التفضيل" عند الكلام على النوع المقرون بأل.

2 المفهوم من سياق الكلام في: "التصريح" أن مراده بالجمع السماعي مقصور على "جمع التكسير" دون غيره؛ إذ لا خلاف في قياسية جمعي التصحيح بالشروط الخاصة بكل منهما. –وقد سبقت عند الكلام عليهما في الجزء الأول– هذا، ولم يتعرض النص السالف لمثنى. فهل يريد بالجمع ما يشمل المثنى أيضًا كالشأن في عبارات بعض اللغويين؟

3 في ص152.

ص: 413

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والرذلى، واللؤمى، وهن الرذل، والنذل واللؤم

" ا. هـ؟. فقد سجل أنها مسموعة هي ونظائر لها. ومن تلك النظائر الأخرى المسموعة: العظمى، الصغرى، الكبرى، الوثقى، الفضلى، القصوى، الأولى، الجلى، الدنيا، الوسطى، الأخرى، العليا، السفلى، الكوسى "كثيرة الكياسة" الطولى "أنثى الأطول" –الضيقى "شديدة الضيق"

و

ولكل صيغة مما سبق مقابل على وزن "أفعل" لمذكرها. ولو حصرنا ما نقله صاحب الأمالي، وما نقله غيره في مواطن مختلفة، وما رأيناه بأنفسنا في المراجع اللغوية

لكان من هذه الكلمات المبعثرة مجموعة كثيرة العدد، تبيح القياس عليها؛ لكثرتها التي تتجاوز المائة. ولا حاجة بنا إلى تأويلها، أو التمحل لإبعادها عن "التفضيل" وعن نوعه الذي نحن فيه؛ فإن تأويل النحاة –كما بسطوه هنا– يقوم على الجدل المحض الذي لا يعضده الحق.

وشيء آخر: أنه لو صح الأخذ برأي المانعين وحدهم ما كان للقياس حكمة ولا فائدة؛ لأن القياس مستمد من الكثير المسموع، وقد تحقق هذا الكثير هنا. فكيف نمنع القياس في بعض الصور التي ينطبق عليها؟ وكيف نحرم تطبيقه والانتفاع به، زاعين واهمين أن صيغة الكلمة ذاتها –بحروفها وتكوينها المادي– غير مسموعة؟ فلم الاستنباط، ووضع القواعد والضوابط العامة؟ وكيف يتحقق القياس؟..1.

لهذا كان مجمع اللغة العربية سديد الرأي حين قرر قياسية جمع "الأفعل" الذي للتفضيل المقرون بأل على "الأفاعل"، كما قرر صياغة مؤنثه على "الفعلى" قياسًا كذلك2....

1 يؤيد هذا ما سبق أن قلناه في قياسية مصدر الفعل الثلاثي ص184 وما بسطه ابن جني –وغيره– في الجزء الأول من كتابه: "الخصائص" في الفصل الرشيد المحكم الذي نشير إليه كثيرًا، وعنوانه:"اللغة تؤخذ قياسًا" وقد نشرناه كاملًا في آخر الجزء الثاني.

2 طبقًا لما في ص151 من الكتاب الذي أصدره في المجمع سنة 1969؛ ففي تلك الصفحة تحت عنوان: "في أفعل التفضيل – جمع: "الأفعل" على الأفاعيل، وصوغ مؤنثه على: "الفعل" ما نصه منسوبًا إلى لجنة الأصول بالمجمع، ومصحوبًا بالأسانيد والبحوث المؤيدة له:

"يختلف النحاة في جمع التفضيل المقترن بالألف واللام على: "الأفاعل"، وفي تأنيثه على "الفعلى". فمنهم من ذهب إلى أن جمعه على "الأفاعل" وتأنيثه على "الفعلى" مقصوران على =

ص: 414

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

طالمًا رددنا –في هذا الكتاب– أن الحرص على سلامة اللغة أمر محمود، بل مفروض، ولكن بشرط ألا يكون بوسائل تعوق الانتفاع بها، وتزهد فيها، من غير فائدة ترجى، ولا ضرر يدفع.

نعم قد يقع جرس هذه الصيغ الجديدة القياسية غريبًا أول الأمر على الأسماع؛ كتلك الصيغ التي نقلها صاحب الأمالي عن بني عقيل، وبني كلاب ولكن لا يصح أن تحول غرابة الجرس بين الكلمة والانتفاع الضروري بها، فما أكثر الكلمات اللغوية الغريبة في جرسها على الأسماع، وقد تكون غريبة عند قوم مقبولة عند آخرين. على أن تداول الكلمة الغريبة كفيل بصقلها وإزالة غرابتها، ولكن يطول الزمن على تداولها، فما أسرع دورانها وشهرتها، بسبب الحاجة إلى استخدامها، وترديد الألسنة لها

= السماع. ومنهم من ذهب إلى أن ذلك قياسي؛ مستندين إلى أن اقترانه "بأل" يبعده عن الفعلية من حيث أن الأفعال لا تدخلها الألف واللام، وذلك يدينه من الاسمية. ولما كان هذا الرأي أقرب إلى التيسير قررت اللجنة أنه يجوز "أفعل التفضيل" المقرن بالألف واللام على "الأفاعل"، ويلحق به في ذلك المضاف إلى المعرفة، وأنه يجوز تأنيثها على الفعلى" ا. هـ.

وقد وافق المجمع ومؤتمره على قرار اللجنة في الجلسة السادسة من المؤتمر الثالث والثلاثين بدورة سنة 1967.

ص: 415

القسم الثالث:

أن يكون مضافًا1، ويشترط في هذا القسم شرطان عامان لا بد منهما في "أفعل التفضيل" المضاف مطلقًا "أي: سواء أكانت إضافته للمعرفة أم للنكرة".

أحدهما: ألا يقع بعد أفعل التفضيل "من" الجارة للمفضول، فلا بد أن يخلو الكلام منها ومن مجرورها؛ فلا يصح: محمود أفضل الطيارين من حامد، أما الجارة لغيره فتوجد: نحو: أبي أقرب الناس مني.

ثانيهما: أن يكون المضاف بعضًا2 من المضاف إليه، بشرط إرادة التفضيل وبقاء معناه3 ووجوده؛ فلا يصح: الطيار أفضل امرأة.

فتى تحقق الشرطان العامان، وكانت إضافته لنكرة، وجب حكمان:

أولهما: إفراده وتذكيره –كالمجرد4-.

والآخر: مطابقة المضاف إليه لصاحب5 أفعل التفضيل، "أي: للموصوف6 الذي يتجه إليه معنى: "أفعل" ويتصف به". وفي التذكير. والتأنيث، وفي الإفراد وفروعه، وفي جنسه أيضًا..

1 إذا أضيف كانت إضافته غير محضة، وقيل: محضة على الوجه المبين في ص5. وقد سبق بيانهما وتفصيل أحكامهما أول هذا الجزء.

2 وسيجيء في الزيادة "ص421" اشتراط أن يكون "أفعل" بعض المضاف إليه، مع بيان المراد من هذه البعيضة.

"وقد سبق لهذه المسألة المهمة توضيح آخر يتممها في ج2 باب: التمييز ص332 "ب" م88".

3 وهو المفاضلة الدالة على زيادة شيء على آخر؛ وبهذا تكون المفاضلة قائمة وموجودة.

4 وفي حكم أفعل التفضيل المجرد من "أل" والإضافة، أو المضاف إلى نكرة – وأن هذا الحكم هو الإفراد والتذكير –يقول ابن مالك في بيت سبق ذكره في هامش ص403:

وإن لمنكور يضف أو جردا

ألزم تذكيرًا، وأن يوحدا

5 المضاف هو: "أفعل" والذي يتجه إليه معناه هو صاحبه الذي يتصف به؛ فكلاهما واحد من جهة المدلول والمعنى.

6 أي الشيء الذي يقوم به معنى "أفعل"، فليس المراد بالموصوف والصفة هنا المنعوت وللنعت الاصطلاحيين.

ص: 416

ومن أمثلته قول المتنبي:

وأحسن وجه في الورى وجه محسن

وأيمن كف فيهمو كف منعم

وتقول: هذان الوجهان أحسن وجهين

وهاتان الكفان أيمن كفين وجوه الشرفاء أحسن وجوه، وأكفهم أيمن أكف1.

فالأمور التي يجب اجتماعها كاملة عند إضافته للنكرة2 –أربعة؛ هي:

1-

امتناع "من" للمفضول.

2-

كون المضاف بعض المضاف إليه عند إرادة التفضيل.

3-

إفراد "أفعل" وتذكيره.

4-

مطابقة المضاف إليه لصاحب "أفعل" في الجنس، وفي الإفراد والتذكير وفروعهما.

1 جاءت المطابقة السابقة –في أغلب صورها التي منها التذكير والتأنيث- نتيجة لاشتراط أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، "فلا يقال: سعيد أفضل امرأة"؛ لما تقرر: أن أفعل التفضيل المضاف لنكرة لا بد أن يكون بعضًا من المضاف إليه –في الأصح- بشرط أن يكون معنى المفاضلة قائمًا. وقد اشترط بعضهم لوجوب هذه المطابقة أن يكون المضاف إليه جامدًا؛ ليخرج مثل قوله تعالى: {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} ، لعدم وجود صاحب "أفعل" والأحسن إهمال هذا الشرط أما كلمة "أسفل" في الآية فصفه لجمع محذوف.

هذا، ومن المهم فهم الأساليب التي يكون فيها "أفعل التفضيل" مضافًا لنكرة مطابقة للموصوف الذي يتصف بمعنى أفعل التفضيل، "أي: مطابقة لصاحب أفعل التفضيل"؛ فإن المراد يكون إثبات المزية للمفضل على جنس المضاف إليه واحدًا واحدًا إن كان المضاف إليه مفردًا، واثنين اثنين إن كان المضاف إليه مثنى، وجماعة جماعة إن كان جمعًا. ومما يزيد الأمر وضوحًا الأمثلة الآتية:

المصلح أفضل رجل، المصلحان أفضل رجلين، المصلحون أفضل رجال، المُصلحة أفضل امرأة المطلحتان أفضل امرأتين، المصلحات أفضل نساء

فالمراد: المصلح أفضل من جميع الرجال إذا فُضِّلوا رجلاً رجلاً، والمصلحان أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجلين رجلين، والمصلحون أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجالاً رجالاً، والمصلحة أفضل من جميع النساء إذا فضلن امرأة امرأة، والمصلحتان أفضل من جميع النساء إذا فضلن امرأتين امرأتين، والمصلحات أفضل من جميع النساء إذا فضلن نساء، نساء، مجتمعات.. وهكذا الأمثلة الأخرى ونظائرها "انظر ص421 الآتية لإدارك الفرق بين ما هنا، وما هناك".

2 انظر حكم العطف على هذه النكرة في ص422.

ص: 417

وإن كانت إضافته لمعرفة وجب تحقيق الشرطين العامين المشار إليهما آنفاً. وتجوز فيه بعد ذلك من ناحية التذكير والإفراد وفروعهما –المطابقة وعدمها، بشرط أن يكون الغرض من "أفعل التفضيل" باقيًا –وقد شرحنا هذا الغرض– ولكن ترك المطابقة في التثنية والجمع هو الأكثر، إذ الأفصح أن يكون مفردًا مذكرًا في جميع استعمالاته. فمثال المطابقة: عمر أعْدَلُ الأمراء، العمران1 أعدلا الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدَلُوا الأمراء، فاطمة فُضْلَى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَيَا الزميلات، الفاطمات فضليات الزميلات..

ومثال عدم المطابقة: عمر أعدل الأمراء، العمران أعدل الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدل الأمراء

فاطمة فضْلّى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَى الزميلات، الفاطمات فضلَى الزميلات

أما إن كان الغرض الأصلي هو عدم المفاضلة مطلقاً2 أو: كان الغرض هو بيان المفاضلة المجردة3 فتجيب المطابقة للموصوف في الصورتين4 في الإفراد والتذكير وفروعهما، مع جواز أن يكون أفعل التفضيل المضاف بعضًا من المضاف إليه، أو غير بعض. فمثال ما لا يراد منه المفاضلة مطلقًا قول أحد الرحالين يصف الأقزام في المناطق الشمالية:

".... رأيت أهلها صغار الأجسام، قصارًا، لا يكاد أحدهما يزيد على خمسة أشبار، وليس لهم حكومة، ولكن عندهم قاض واحد يرجعون إليه، ويحترمون رأيه. وقد قابلته مرة فقال لي المترجم: هذا أفضل القضاة عندنا، وأوسع الرجال خبرة قضائية في بلدنا، وأرجحهم عقلًا

". فالمراد: فاضل، واسع، راجح

1 عمر بن الخطاب، وعمرو بن عبد العزيز.

2 أي: عدم إرادة الزيادة، وأن "أفعل" بمعنى الفاعل، أو الصفة المشبهة. وهذا يقضي ألا يوجد المفضول، ولا "من" الجارة له. فقد سبق في "ب" من ص402. وهذا يقتضي ألا يوجد المفضول، ولا "من" الجارة له. فقد سبق في "ب" من ص402 أن "أفعل" لا يمكن تجريده من معنى المفاضلة مع وجود "من" الجارة للمفضول.

3 أي: إثبات الزيادة المحضة التي لا يقصد منها زيادة شيء على المضاف إليه وحده، وإنما يقصد منها مجرد الزيادة عليه وعلى غيره.

4 والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياسيتهما "بشرط وجود القرينة الموضحة للمراد منها؛ لكثرة مجيئهما، في أفصح الكلام، وأخذًا بالأيسر الذي لا ضرر فيه".

ص: 418

ولا يراد التفضيل: إذ لا وجود لقاض آخر يكون هو المفضول

وفي غير المفرد نقول: هذان أفضلا القضاة، هؤلاء أفضلو القضاة. أو: أفاضلهم

هذه فُضْلَى القاضيات، هاتان فُضْلَيا القاضيات، هؤلاء فضلَيَات القاضيات.... بالمطابقة في كل ذلك. ومثلها عند إرادة المفاضلة المطلقة؛ نحو: الحق أحقّ الأقوال بالاتباع. والدين أوْلَى الأصولِ بالتمسك به. فليس المراد في هذا المثال وأشباهه المفاضلة بين الأقوال بعضها وبعض، أو بينها وبين الأفعال، ولا بين الحق والباطل، وأن كلاً منهما جدير بالاتباع، ولكن الحق أجدر، ولا بين أصول الدين والكفر وفروعهما، وأن كلاً منها يستحق التمسّك به ولكن الدين أولى

ليس هذا هو المراد، وإلا فسد الغَرض، وإنما المراد أن الحق في ذاته، والدين في ذاته، من غير نظر لشيء آخر غيرهما هما الأحَقَّان والأوْلَيَان.

ومثل هذا يقال: الوالد أحسن الناس منزلة، الوالدان أحْسَنا الناس منزلة، الوالدون أحاسن الناس منزلة، أو: أحسنو الناس منزلة، الوالدة حُسْنَى النساء منزلة، الوالدتان حُسنَيا النساء منزلة، الوالدات حُسنيات النساء منزلة1....

1 يقول ابن مالك في بيان أن المقرون "بأل" يطابق وجوبًا وأن ما أضيف إلى معرفة يجوز فيه وجهان؛ هما المطابقة وعدمها بشرط أن تنوي من، أي: بشرط إرادة التفضيل، "أما عند عدم إرادة التفضيل فالواجب المطابقة –كما شرحنا-".

وتلْوُ "أَلْ" طِبْقٌ، وَمَا لمَعْرِفهْ

أضيفَ –ذُو وجْهَيْن عَنْ ذِي مَعْرِفَهْ

أي: أن "أفعل" لذي يتلو "أل" ويقع بعدها تجب مطابقته لصاحبه، وأن ما أضيف لمعرفة فيه وجهان منقولان عن صاحب رأي ومعرفة بلغة العرب وأحكامها. ثم قال:

هذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنى: "منْ"، وإِن

لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ

"فهو طبق: مطابق الذي قرن التفضيل به، أي: للوصوف الذي يقصد به التفضيل، وبعد ذلك ذكر بيتين سبق شرحهما والإشارة لهما "في ص404"؛ وهما:

وإِنْ تَكنْ بتلو "مِنْ" مُسْتَفْهِمَا

فلَهُمَا كنْ أَبَداً مُقَدِّمَا

كَمِثْلِ: ممَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ؟ وَلَدَي

إِخْبارِ التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا

ص: 419

وفي الصورتين المذكورتين لا يلزم –كما سبق– أن يكون المضاف بعض المضاف إليه1.

1 لهذه المسألة إيضاح وافٍ سيجيء في الزيادة والتفصيل "آخر ص423"، فمثال دخوله في جنس المضاف إليه وأنه بعضه: محمد عليه السلام أفضل قريش: تريد أفضل رجالهم واحدًا واحدًا، وأفضل الناس من بينهم. ومثال عدم دخلوه في المضاف إليه، وأنه ليس بعضًا منه: يوسف أفضل إخوته "بوجود الضمير في إخوته، يعود عليه"، أي: أنه أفضلهم واحدًا واحدًا، لأننا إذا قلنا: من أخوة يوسف؟ لا يدخل فيهم يوسف، ولا يعد من بينهم؛ فلا يكون أفضلهم؛ لأن إضافة الإخوة للضمير تمنع أن يراد بهم ما يشمل يوسف. بخلاف ما لو قلنا: يوسف أفضل الأخوة، أو أفضل أبناء يعقوب "راجع ص423 من الزيادة والتفصيل".

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

لا يضافُ "أفعل" الدال على التفضيل إلا إذا كان بعضًا من المضاف إليه المفضول "كما سبق"1. وهذه "البعضية" تتحقق بإحدى صورتين.

1-

أن يكون "أفعل" جزءاً2 والمضاف إليه كُلاّ، نحْو: الرأس أنفعُ الجسم، والمخ أعظم الرأس

2-

أن يكون "أَفعَل" فردًا من بين أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه. ولا بد في هذه الصورة أن يكون المضاف إليه جنسًا يندرج تحته أفراد متعددة، منها المضاف؛ نحو: الهرم المدَرّج أقدم الأهرامِ3 -أبو الهول أجمل التماثيل. يكاد النيل يكون أكبر الأنهار العالمية– أضَرّ التَّرِكات ما كان مالاً لا علْم معه، ولا خُلُق.

وأَحَب أوطان البلاد إلى الفتى

أرض ينال بها كريم المطلب

فكل من: "الأهرام، التماثيل، الأنهار، التَّرِكات، أوطان البلاد..". جنس يشمل أفرادًا كثيرة.

وليس من اللازم لتحقيق "البعضية" أن يكون المضاف إليه معرفة؛ فقد يكون نكرة، نحو: الهرم المدرّج أقدم هرم، أبو الهول أجمل تمثال، القلب أعظم عضو. وإذا كان المضاف إليه مفردًا نكرة، كهذه الأمثلة كَان معناه معنى الجمع، ومنزلته منزلة الجنس متعدد الأفراد، فيتحقق الشرط الأساسي السالف الذي يقتضي أن يكون "أفعل" بعضًا من المضاف إليه، أي: أنه بمنزلة قولك: الهرم المدرَج أقدم الأهرام هرمًا هرمًا، أبو الهول أجمل التماثيل واحدًا واحدًا، القلب أعظم الأعضاء عضوًا عضوًا. فالمراد بالمضاف إليه المفرد النكرة إنما هو جنسها؛ ولهذا قطعوا بأن المراد من: فلان أفضل رجل هو أنه أفضل الناس إذا عُدّوا رجلًا رجلًا. أي: أفضل من كل رجل4

1 في ص416 وما بعدها.

2 الجزء ما يتركب منه ومن أمثاله "كُلّ" ولا وجود للكل الحقيقي إلا بجميع أجزائه.

3 جمع: هَرَم.

4 راجع ص417 وهامشهما رقم 1 لإدراك الفرق بين الحالتين.

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويقول الصبان عند الكلام على إضافة "أفْعَل" للنكرة ما نصه:

" زيدٌ أفضلُ رجل، أصله: زيد أفضل من كل رجل؛ فحذف: "من كل" اختصارًا، وأضيف: "أفعل" إلى: "رجل". وجاز كونه مفردًا مع كون "أفعل" بعض ما يضاف إليه –فالأصل أن يكون جمعًا –لفهم المعنى، وعدم التباس المراد. ووجب تنكيره؛ لأن القاعدة أن كل مفرد وقع موقع الجمع لا يكون إلا نكرة؛ فإن جئت بأل رجعت إلى الجمع، وأن جمعت أُدخلت "أل"

اهـ.

ثم انتقل إلى مسألة هامة؛ هي العطف على "أفعل" فقال ما نصه":

"إن عطفت على المضاف إلى النكرة مضافًا آخر إلى ضميرها قلت: هذا أفضل رجل وأعقله، وهذه أكرم امرأة وأعقله. بتذكير الضمير وإفراده في المفرد وضده، والمذكر وضده؛ على التوهم؛ كأنك قلته من أول الكلام1. فإن أضفت "أفعل" إلى معرفة تأنيث، وجمعت، وأنثت؛ وهو القياس. وأجاز سيبويه الإفراد تمسكًا بقوله:

وميَّسة أحسن الثَّقَلين جِيدًا

وسالفةً وأَحسنَه قَذَالًا2

أي: أحسن مَنْ ذُكر3.... وظاهره وجوب تذكير الضمير وإفراده في نحو: هذه أكرم امرأة وأعقله، وهذان أكرم رجلين وأعقله.... وهكذا

" اهـ. ثم قال بعد هذا مباشرة: "والوجه عندي جواز المطابقة إن لم تكن واجبة، أو أولى" اهـ. قال ياسين في حاشيته على التصريح تعليقًا على رأي سيبويه:"وحاصله: أن إفراد الضمير مع عوده على غير مفرد إنما هو على تأويله باسم الموصول. وعليه يتخرج ما يقع في عبارات المصنفين" اهـ.

ورأي الصبان أقرب إلى السَّداد؛ لموافقته القواعد العامة الخاصة بالمطابقة،

1 يريد: كأن المعطوف ليس معطوفا: " وكأنك نطقت به ابتداء كما تنطق بأفعال المضاف للنكرة.

2 مؤخر الرأس.

3 وما قاله "الصبان" نقل مثله "ياسين". وعلى هذا يكون الضمير المفرد العائد على غير المفرد هو بمعنى اسم الموصول –كما سيجيء -.

ص: 422

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبُعده عن اللبس، ولأن الآراء الأخرى لم تدْعَمها النصوص المتعددة التي تكفي لتأييدها فيما اطلعنا عليه من مراجع.

ويتصل بتلك المسألة الهامة أمرا آخر هو حكم أفعل التفضيل المعطوف في الصورة السالفة، من ناحية ضبطة، والأوجه الإعرابية الجائزة فيه، وقد سبق بيان بعض الصور1.

ومما يجب التنبه له أن هذه البعْضية لا تكون حتمية إلا إذا كان "أفعل" باقياً على دلالة التفضيل الخاص –كما قدمنا2– وعندئذ يكون المضاف إليه هو: "المفضول" ويتعين أن يكون "أفعَل". بعضاً منه. أما إذا لم تكن الدلالة على التفضيل باقية، أو كانت عامة يقصد منها الزيادة على المضاف إليه وعلى غيره فإن المضاف إليه لا يكون مفضولا، ولا يشترط في المضاف حينئذ أن يكون بعضاً منه؛ فقد يكون بعضاً أو لا يكون؛ ومثال ما ليس بعضاً:"يوسف أفضل إخوته". تريد: أنه فاضل فيهم، ولا تريد التفضيل، ولا أنه يزيد عليهم في الفضل3. قال شارح المفصل ما نصه4:

"

وقد علم أن "أفعل" إنما يضاف إلى ما هو بعضه، فليعلم أنه لا يجوز أن تقول:"يوسف أحسن إخوته". وذلك أنك إذا أضفت الإخوة إلى ضميره خرج من جملتهم، وإذا كان خارجا منهم صار غيرهم، وإذا صار غيرهم لم يجز أن نقول:"يوسف أحسن إخوته" كما لا يجوز أن تقول: "الياقوت أفضل الزجاج"؛ لأنه ليس من الزجاج. فحينئذ يلزم من المسألة أحد أمرين كل واحد منهما ممتنع؛ أحدهما: ما ذكرناه من إضافة "أفعل" إلى غيره، إذ إخوة زيد غير زيد. والثاني: إضافة الشيء إلى نفسه؛ وذلك أنا إذا قلنا إن زيداً من جملة الإخوة –نظراً إلى مقتضي إضافة "أفعل"– ثم أضفت الأخوة إلى ضمير زيد، وهو من جملتهم، كنت قد أضفته إلى نفسه؛ بإضافتك إياه؛ إلى ضميره

1 في: "ب" ص14، باب الإضافة.

2 في ص416، الشرط الثاني.

3 سبقت إشارة لهذا في ص419.

4 ج3 ص8 لابن يعيش.

ص: 423

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وذلك فاسد1، فأما على النوع الثاني2 وهو أن يكون "أفعل" فيه للذات بمعنى:"فاعل" فإنه يجوز أن تقول: "يوسف أحسن إخوته" ولا يمتنع فيه كامتناعه من القسم الأول؛ إذ المراد أنه فاضل فيهم؛ لأنه لا يلزم في هذا النوع أن يكون "أفعل" بعض ما أضيف إليه. وعليه جاء قولهم لنُصَيْبٍ الشاعر: "أنت أشعر أهل جِلْدتكَ" لأن أهل جِلْدته غيره، وإذا كانوا غيره لم تَسُغْ إضافة "أفْعَلَ"، إليهم؛ لما ذكرته، ويجوز على الوجه الثاني؛ لأنه بمعنى الشاعر فيهم، أو: شاعرهم

" ا. هـ.

1 لإضافة الشيء إلى نفسه حكم آخر سبق بيانه توضيحه في"د" ص40 وما بعدها.

2 "أفعل" على قسمين:

أولهما: ما يدل على التفضيل. والثاني ما لا دلالة فيه على تفضيل، وإنما يدل على وصف قائم بالذات، خال من المفاضلة خلوّاً تامّاً. كالذي سبقت الإشارة إليه في:"هـ" من ص140 وفي ص418.

ص: 424

وفيما يلي بيان الأقسام السالفة، وملخص أحكامها:

1 انظر المراد من الموصوف هنا في رقم 6 من هامش ص416.

2 سبق شرحها في رقم 3 من هامش ص418.

ص: 425

من هذا الملخص وما سبقه يتبين ما يأتي فيما يختص "بأفعل".

1-

وجوب إفراده وتذكيره إن كان مجردًا، أو مضافًا لنكرة.

2-

جواز مُطابقته وعدمها في الإفراد وفروعه والتذكير والتأنيث إن كان مضافا لمعرفة، والمفاضلة باقية. لكن التزام الإفراد والتذكير أفصح. وتجب البعضية في هذه الصورة.

3-

وجوب مطابقته في باقي الأحْوال. أي: حين يقترن "بأل"، أو يضاف لمعرفة والمفاضلة الحقيقية الخاصة غير قائمة. وفي هذه الإضافة الخالية من المضافة يجوز أن يكون بعضًا من المضاف إليه، وغير بعض.

ص: 426

المسألة 113: عَمَل "أفعل" التفضيل

"أفعَل" التفضيل أحد المشتقات التي يصح أن يتعلق بها شبه الجملة، والتي يصح أن تعمل؛ فيكون معمولها مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا.

فمثال تعلق شبه الجملة به ما قاله أحد الوصافين في الإمام عليّ: "سمعته قُبَيْل المعركة يخطب في جنوده، فكان أفصح في القول لسانًا، وأعلى في الكلام بيانًا، ورأيته يخوض الوغَى؛ فكان أجرأ عند الإقدام قلبًا، وأقوَى لدى شِدّاتها عزمًا"

؛ فالجار والمجرور: "في القول"، متعلقان بأفصح. والجار والمجرور:"في الكلام"، متعلقان بأعلى. والظرف:"عند" متعلق: "بأجرأ". والظرف: "لدى" متعلق: "بأقوى".

أما عمله الرفعَ أو النصبَ أو الجرّ، ففيه البيان التالي:

أولا: علمه الرفع

1-

يرفع الضمير المستتر باتفاق، نحو: العظيم أنبل نفسًا، وأشرف قصدًا، وأكثر تعلقًا بجلائل الأمور، ففي كل من "أنبل" و "أشرف"، و "أكثر" ضمير مستتر وجوبًا تقديره:"هو"، ويعود على: العظيم.

2-

ويرفع الضمير البارز أحيانًا –وهذا قياسي- نحو: مررت بزميل أفضلَ منه أنت، بجر كلمة:"أفضل"1، على اعتبارها نعتًا لزميل، و "منة": جار ومجرور متعلق بأفضل. و "أنت": فاعل1 أفعل التفضيل.

3-

وقد يرفع الاسم الظاهر –قياسا– إذا صح أن يحل محل "أفعل" التفضيل فعْلٌ بمعناه من غير فساد في المعنى أو في تركيب الأسلوب. فإن لم يصح كان رفعه الظاهر نادرًا لا يحسن القياس عليه.

"1، 1" ويجوز رفع "أفضل" على اعتباره خبرًا مقدمًا، و"أنت" مبتدؤه. والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة لزميل. على الإعراب لا يكون "أفعل" قد رفع ضميرًا بارزًا.

ص: 427

وقد وضعوا للحالة الأولى ضابطًا مُطَّردا، وهو: أن يكون "أفْعل التفضيل" –في الأغلب– نعتًا والمنعوت اسم جنس، قبله نفي أو شبهه1. وأن يكون الاسم الظاهر المرفوع بأفعل التفضيل أجنبيًا2 منه، ومفضَّلًا على نفسه ومفضولًا أيضًا –باعتبارين مختلفين- نحو: ما رأيت رجلًا أكمل في وجه الإشراق منه3 أفعل تفضيل، نعت. والمنعوت قبلها اسم جنس منفيّ في جملته، وهو:"رجل"، و"الإشراقُ" فاعل لأفعل التفضيل، وهذا الفاعل مفَضَّل ومفضول معًا؛ فهو مفضَّل باعتباره في وجه العابد، ومفضول باعتباره في وجه غير وحه العابد. وهذا معنى قولهم: مفضل على نفسه ومفضول باعتبارين. وقد تحقق الضابط في المثال السالف؛ ومن ثَمَّ رفع أفعل التفضيل الاسم الظاهر. ومن الأمثلة: ما شاهدت عيونًا أجملَ فيها الحَوَرُ منه في عيون الظباء

فأفعل التفضيل هو: "أجمل"، ومنعوته:"عيونًا" اسم جنس منفي في جملته، وفاعله الظاهر هو:"الحَوَر"، ولهذا الفاعل اعتباران، فهو مفضَّل إن كان في عيون الظباء، ومفضول إن كان في عيون غيرها. فقد تحقق في هذه الصورة الضابط الخاص كما تحقق في سالفتها.

وفي الصورتين يمكن أن يحل محل "أفعل" فعلٌ بمعناه من غير أن يترتب على هذا فساد، نحو: ما رأيت رجلًا يكمل في وجهه الإشراق.... وما شهدت عيونًا بجمل فيها الحَور....

فإن لم يصلح أن يحل هذا الفعل محله لم يرفع اسمًا ظاهرًا، إلا نادرًا لا يقاس عليه –كما سبق –وإنما يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا؛ نحو: المشي أنفع من السباحة، ففي "أنفع" ضمير مستتر وجوبًا يعود على المشي، ولا يجوز في الرأي الراجح أن يرفع اسمًا ظاهرًا؛ لأنه لا يصح أن يحل محله فعل بمعناه؛ كما لا يصح أن يقال –في الرأي الراجح أيضًا –استمعت إلى فتى أعلمُ منه أبوه برفع كلمة "أبوه" على أنها فاعل لأفعل التفضيل4:"أعْلم" إلا على لغة ضعيفة مرجوحة.

1 كالنهي، والاستفهام الذي بمعنى النفي، وسيجيء التمثيل لهما في "أ" ص430.

2 بأن يكون خاليًا من الضمير الذي يعود على الموصوف ويدل على صلة بين "أفعل"، ومنعوته.

3 أي: من الإشراق "انظر "ب" في الزيادة، ص430".

4 لا يصح هذا: لأن أفعل التفضيل –في المثال أشباهه –ليس مفضلا على نفسه، وإنما هو مفضل على غيره.

ص: 428

ومن الأمثلة التي يرفع فيها الظاهر وينطبق عليها الضابط: "ما سمعت ببلاد أكثرَ فيها الثَّراءُ المدفون منه في البلاد العربية". ومنها مثالهم المرَدّد منذ عهود بعيدة حتى سَمَّوا مسألة الرفع باسمه، وهو:"ما رأيت رجلًا في عينه الكُحلُ منه في عين فلان".... ويرمزون لكل ما سبق بقولهم: "إن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر إلا في مسألة: "الكُحل". يريدون المثال السالف المشتمل على كلمة: "الكُحل" وغيره مما يشابهه من الأمثلة التي ينطبق عليها الضابط العام كما ينطبق على مثال الكحل1....

1 يقول ابن مالك فيما سبق من رفع أفعل التفضيل الظاهر كثيرًا إذا صح أن يحل محله فعل بمعناه، وقليلًا لا يقاس عليه إذ لم يصح:

وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ. وَمَتَى

عَاقَبَ فِعْلًا فكَثِيرًا ثَبَتَا

يريد: أن رفع "أفعل" التفضيل للاسم الظاهر نزر "قليل" فلا يصح القياس عليه. لكن متى عاقب أفعلُ التفضيل فعلًا، "أي: وليه "أفعلُ" وأتى بعده فحل مكان الفعل"، فإن رفعه الظاهر في هذه الصورة قد ثبت نقله كثيرًا من العرب. وضرب لهذا الكثير مثلًا:

كَلَنْ ترى فِي النَّاسِ مَنِ رَفِيقِ

أوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصِّدِّيقِ

والأصل: لن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الفضل بالصديق، ثم دخله الحذف الذي شرحناه والذي سيجيء في الزيادة. ومن الممكن أن يحل محله فعلى معناه هو: يحق.

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- من أمثلة النهي: لا تخالفْ شريفًا أحبَّ إليه الخير منه إليك. ومن الاستفهام الذي بمعنى النفي: هل امرأة أحق الحمدُ منه بالأمّ؟.

ب- من كل الأمثلة السالفة يتبين أيضًا أن الاسم الظاهر الذي هو فاعل لأفعل التفضيل يقع بين ضميرين؛ أولهما: يعود للمنعوت. وثانيهما: يعود للفاعل الظاهر.

ويجوز حذف أولهما فقط، أو ثانيهما فقط، أو: هما معًا. فيجوز حذف الأول العائد على الموصوف –إن دل دليل على حذفه1؛ مثل ما رأيت رجلًا أكملَ،..... الإشراقُ منه في وجه العابد، ما شاهدت عيونًا أجملَ.... الحَوَرُ منه في عيون الظباء. والتقدير: أكملَ في وجهه الإشراق،

وعيونًا أجملَ فيها الحورُ.... والمحذوف هنا ملحوظ كأنه مذكور1.

ومن الأمثلة الدقيقة الواردة عن القدماء: ما رأيت قومًا أشبهَ بعضٌ ببعض منه في قومك.

التقدير: ما رأيت قومًا أبْيَنَ فيهم شبه بعض ببعض منه في قومك.

ويجوز حذف الضمير الثاني العائد على فاعل اسم التفضيل بشرط أن تدخل "مِنْ" الجارة على الواحدة مما يأتي:

1-

إما على اسم ظاهر مماثل للفاعل في لفظه ومعناه، فنقول: ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق من إشراق وجه العابد ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من حور عيون الظباء. والأصل؛ ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق منه في وجه العابد وما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور منه في عيون الظباء.

2-

وإما على المحل -أي: المكان- الذي يقوم به الفاعل؛ ويحل فيه، كالوجه في المثال السابق؛ فإنه المحل الذي يقوم به الإشراق، ويحل فيه. وكالعيون؛ فإنها محل الحور ومكانه

و

تقول ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق

"1، 1" لأن المحذوف لدليل يدل عليه يُعَد بمنزلة المقدر، "الملحوظ"، والمقدر كالملفوظ.

ص: 430

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من وجه العابد، ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من عيون الظباء

و

ففي هذه الصورة حذف مضاف واحد؛ إذ الأصل: من إشراق وجه العابد، ومن حور عيون الظباء.

3-

وإما: على صاحب ذلك الذي يقوم به الفاعل؛ ويحل فيه، كالوجه في المثال "أي: على شيء كلي له أجزاء متعددة، منها المحل الذي يحل فيه الفاعل" كالوجه في المثال الأول، والظباء في المثال الثاني

و.... تقول ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق من العابد، ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من الظباء. وفي هذه الصورة حذف مضافان؛ إذ الأصل؛ من إشراق وجه العابد ومن حور عيون الظباء.

ويجوز حذف الضميرين معًا إذا حذف من الجملة كل ما يجيء بعد الفاعل الظاهر؛ فلا يذكر بعده شيء منها. وهذا بشرط أن يتقدم المفضّل نفسْهُ على "أفْعل" التفضيل؛ فيستغني "أفْعَلُ" بفاعله عما يكون بعده؛ نحو: ما شيء كالغزال أحسن به الحَوَرُ1. أو يتقدم محل المفضل على "أفعل"؛ نحو: ما شيء كعين الغزال أحسن بها الحورُ.

وربما خلت "من" في اللفظ على المفَضَّل "لا المفضول"، نحو: ما أحد أحسن بع الصبر من المتعلم.

وحبذا التخفف من استعمال هذه الأساليب الأخيرة، بل تركها قدر الاستطاعة.

1 ويقولون إن الأصل: ما شيء أحسن به الحور من حسن حور الغزال، حذف المضاف وهو:"حسن"، وحل المضاف إليه:"حَوَر" محله، فصار الكلام: من حور الغزال. ولما كان الحور منسوبًا للغزال، ومتصلًا به ملابسًا له صح حذفه استغناء عنه بالمضاف إليه الذي سيحل محله أيضًا؛ فصار الكلام: ما شيء أحسن به الحور من الغزال.

ص: 431

ثانيًا: عمله النصب:

ينصب أفعل التفضيل المفعول لأجله، والظرف، والحال1

وبقية المنصوبات؛ فتكون معمولة له، إلا المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول معه. أما التمييز الذي هو فاعل في المعْنى فيصح أن يكون منصوبًا بأفعل التفضيل نحو: المتعلم أكثر إفادةً وأعظم نفعًا. فإن لم يكن فاعلًا في المعنى وكان "أفعل" التفضيل مضافًا صح أن ينصبه، نحو: المتنبي أوفر الشعراء حكمةً "وقد سبق ضابط كلّ2".

ثالثًا: عمله الجر:

يعمل الجر في المفضول إذا كان مضافًا إليه، نكرة كان أم معرفة نحو: الجندي أسرعُ رجل للدفاع عن وطنه –القائد أقدرُ الجنود على إدارة رحَى الحرب

تعدية أفعل التفضيل بحروف الجر:

أ- إذا كان أفعل التفضيل3 من مصدر فعل متعد بنفسه، دال على الحبّ أو البغض أو ما بمعناهما. كانت تعديته باللام بشرط أن يكون مجرورها مفعولًا به في المعنى4، وما قبل:"أفعل" هو الفاعل المعنوي؛ نحو: الشرق أحب للدين من الغربي، وأبغض للخروج على أحكامه. إذا التقدير: يحب الشرقي الدين، ويبغض الخروج على أحكامه.

وتجئ "إلى" بدل اللام كان المجرور هو الفاعل المعنوي وما قيل "أفعل"

1 وقد ينصب حالين معًا؛ "طبقًا للبيان السابق في رقم 1 من هامش ص401" ولا مانع من وقوع الحال –هنا –جامدة غير مؤولة بالمشتق، كما هو مدون بباب الحال، ج2.

2 ج2 م88 باب التمييز.

3 التعجب والتفضيل سيان في أكثر ما يأتي. "راجع ص406".

4 وذلك بإحلال فعل مناسب مكان أفعل التفضيل، يكون بمعناه.

وقد سبق شرح هذا، وما يجيء بعده في ج2 باب حروف الجر، عند الكلام على معنى: اللام وإلى ص344 وما بعدها، و347 م90".

ص: 432

هو المفعول المعنوي؛ نحو: المال أحب إلى الشحيح من مُتَع الحياة. والتقدير: يحب الشحيحُ المال أكثر من متع الحياة1

ب- وإن كان فعله متعديًا بنفسه، دالًا على:"علْم" كانت تعديته بالباء؛ نحو: صديقي أعلم بي، وأنا أعرف به وأدرى بأحواله. فإن كان دالًا على معنى آخر كانت تعديته باللام، نحو: الحُر أطلبُ للثأر وأدفَعُ للإهانة، إلا أن كان الفعل يتعدى بحرف جر معيَّن فإن "أفعل" يتعدى به كذلك، نحو: كان أبو بكر أزهد الناس في الدنيا، وأبعدهم من التعلق بها: وأشفقهم على الرعيّة، وأنحاهم عن الظلم، وأذلهم لنفسه في طاعة ربه. وقول الشاعر:

أَجدَرُ الناس بحُبِّ صادق

باذلُ المعروف من غير ثمنْ

ومثل البيت الذي سبق لمناسبة أخرى2 وهو:

لولا العقول لكان أَدنى3 ضيغمٍ

أَدنى4 إلى شرف من الإنسان

وإن كان فعله متعديًا لاثنين عُدّيَ لأحدهما باللام ونصب الآخر مفعولًا به؛ لعامل محذوف يفسره المذكور؛ "لأن "أفعل" التفضيل لا ينصب المفعول به كما سبق". نحو: فلان أكْسَى للفقراء الثيابَ. والتقدير: أكسَى للفقراء بكسوهم الثياب5.

1 ومن هذا قول الشاعر:

وأَحبُّ أَقطار البلاد إلى الفتى

أرض ينال بها كريم المطلب

2 في آخر ص404.

3 أقل.

4 أقرب.

5 لم لا يكون منصوبًا هنا "بأفعل" استثناء من عدم نصبه المفعول بع مباشرة، وقياسًا على الرأي الكوفي الذي سبق في ص366 في صيغة:"أفعل" التي للتعجب، وهي صيغة لازمة أيضًا. ونستريح من التقدير؟

الحق أن كلا الإعرابيين معيب؛ إما لتعدية "أفعل" وهو لازم، وإما لتقدير شيء محذوف. ولكن الأول أخف نوعًا؛ لسرعة اتجاه الخاطر إلى العامل الظاهر؛ وأنه صاحب العمل لا المقدر.

ص: 433