المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 118: 2- عطف النسق 1: هو: تابع2 يتوسط بينه وبين متبوعه - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 118: 2- عطف النسق 1: هو: تابع2 يتوسط بينه وبين متبوعه

‌المسألة 118:

2-

عطف النسق 1:

هو: تابع2 يتوسط بينه وبين متبوعه حرف من حروف

1 النسق -بفتح السين وسكونها- مصدر نسقت الكلام أنسقُهُ "بفتح السين في الماضي، وضمها في المضارع" بمعنى: واليت أجزاءه، وربطت بعضها ببعض، ربطا يجعل المتأخر متصلا بالمتقدم. وكان الأفضل الاقتصار على كلمة:"النسق" بمعنى: "المنسوق" من إطلاق المصدر على المفعول. أي: الكلام المنسوق بعضه على بعض.

والنسق: اصطلاح كوفي، وقد اشتهر حتى لا يكاد غيره يذكر. وسيبويه وكثير من البصريين يعبرون عنه في كلامهم:"بالشركة"، وعلينا اليوم أن نساير المشهور؛ توحيدًا للاصطلاح، وانتفاعا بمزايا هذا التوحيد.

2 سبق -في أول باب: النعت، م114 ص434 معنى التابع، وترتيبه مع تابع آخر، وسرد أحكامه العامة الجلية ومنها جواز الفصل أو امتناعه بينه وبين المتبوع، وأن البناء لا ينتقل من المتبوع إلى التابع مطلقًا.

"ملاحظة": التابع هنا وهو المعطوف، مفردًا أو غيره مفرد قد يتعدد، ويتمدد معه حرف عطف لا يفيد الترتيب، نحو: قرات الكتاب، والرسالة، والمجلة، والخطاب

فيكون "في غير الحالة التي يفيد فيها حرف العطف الترتيب، وستأتي" المعطوف عليه واحدًا فقط، وهو الأول دائما؛ مهما تعددت المعطوفات وقبل كل منها حرف عطف غير مُرَتَّب، كالمثال السالف؛ فإن المعطوفات المتعددة هي: الرسالة، المجلة، الخطاب

وقبل كل واحد حرف عطف لا يفيد الترتيب، والمعطوف عليه واحد، هو: الكتاب.

ومثل قول المتنبي يفتخر:

الخيل والليْلُ والبَيداءُ تعْرِفني

والسَّيف والرُّمْحُ والقِرطَاسُ وَالْقلَمْ

فالمعطوف عليه هو الأول "أي: الخيل" وما جاء بعده هو المعطوفات، الليل، البيداء، السيف، الرمح، القرطاص، القلم" وقبل كل معطوف هنا حرف العطف: الواو ومن الجائز أن يكون حرف العطف غير الواو أيضًا بالشروط الخاصة بكل حرف. ولا يجوز أن يتعدد حرف العطف لمعطوف واحد، لأن حرف العطف لا يدخل مباشرة على حرف عطف أخر. ومن أمثلة المعطوفات المتعددة -وكل منها جملة- والمعطوف عليه هو الأول قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} . =

ص: 555

عشرة1، كل منها يسمى:"حرف العطف"، ويؤدي معنى خاصًّا.

= وهناك حالة لا يكون فيها عطف المعطوفات المتعددة على الأول، وهي الحالة التي يقع فيها أحد هذه المعطوفات بعد حرف عطف يفيد الترتيب"مثل: الفاء وثم" فيكون المعطوف عليه هو الذي قبل العاطف مباشرة؛ مثل؛ "أقبل صالح، وحامد، وخليل، فمحمد، ثم ابراهيم" فحامد وخليل معطوفان على الأول:"صالح"، أما محمد فمعطوف على:"خليل"، وأما إبراهيم فمعطوف على:"محمد". ومن الأمثلة قول علي رضي الله عنه: "من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه". فالجملة من الفعل: "أنكر" وفاعله، معطوفة على الجملة الفعلية قبلها. أما الجملة الفعلية الثانية -المكونة من الفعل:"رضي"، وفاعله- فمعطوفة على الجملة الفعلية المكونة من الفعل:"أنكر" وفاعله. ومثل هذا يقال في الجمل الفعلية المعطوفة بالفاء في قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} . وفي الشطر الأول من قول الشاعر:

نرى الشيءِ مما نَتَّقِي فنَهابُه

وما لا نرى –مما يَقِي اللَّهُ- أكبرُ

وجدير بالملاحظة: أنه إذا جاء بعد العاطفه المرتب ومعطوفه عاطف آخر لا يفيد الترتيب -كالواو- فإن معطوفه يكون معطوفًا على المعطوف بحرف العطف المرتب الذي قبله مباشرة. "وبعبارة أخرى: يجب أن يكون المعطوف بالعاطف المفيد للترتيب هو المعطوف عليه للمعطوف بعاطف يليه مباشرة. ولا يصح العطف مطلقًا على معطوف عليه قبل العاطف المفيد للترتيب"؛ ففي مثل: أقبل سالم، وصالح، ومحمود، وحامد ثم حسين، وآمين

، يتعين أن يكون "آمين" معطوفًا على "حسين" ولا يصح عطف على غيره. أما "حسين" فمعطوف على "حامد" حتمًا. وأما كل ما قبله فمعطوف بالواو على "سالم". وما سبق هو المراد من قول الصبان في آخر باب: العطف: "إن المعطوفات إذا تكررت تكون على الأول على الأصح، وذلك مقيد بما إذا لم يكن العاطفه مرتَّبًا؛ فإن كان مرتبًا فالعطف على ما يليه؛ كما نقل عن الكمال ابن الهمام: أنه إذا عطف بمرتب أشياء ثم عطف بغير مرتب شيء فهو على ما يليه، كما يؤخذ من كلام المغني في أول الجملة الرابعة من الجمل في التصريح، وغيره.

ومن الأمثلة لهذا قول الشاعر القديم "عُروة بن أُذَينة":

بيضاء باكرَها النعيم فصاغها

بلباقة؛ فأدَقَّها، وأَجَّلها

منعتْ تحيتها،؛ فقلت لصاحبي

ما كان أَكثرها لنا، وأَقلَّها

1 وبعضها قد يكون حرف عطف في الصورة لا في الحقيقة وهو الحرف: "الفاء" والحرف: "ثم" طبقًا للبيان الآتي في صفحتي "576 و578".

وليس من حروف عطفه النسق -عند أكثر النحاة- الحرف: أيْ" -بفتح الهمزة، وسكون الياء- الذي هو حرف تفسير، يعرب ما بعده بدل كل، أو عطف بيان -كما سبق الإيضاح في بابه- وليس هناك حرف يدخل على عطفه البيان أو البدل، ويتركه على اسمه وحكمه الإعرابي إلا أيْ"؛ فكلاهما يظل على اسمه وحكمه الإعرابي، كما كان قبل دخول "أي" عليه =

ص: 556

وفيما يلي هذه الحروف، ومعانيها، وأحكامها1:

1-

الواو:

معناها: إفادة "مطلق الاشتراك والجمع" في المعنى بين المتعاطفين2 إن كان مفردين3.

= والكوفيون يعدون هذا الحرف من حروف عطف النسق، ومعناه:"التفسير"؛ كمعنى واو العطف أحيانًا؛ فيزاد عددها واحدًا. ورأيهم حسن وواضح، لا ضرر في الأخذ به، بل إنه يبعدنا أحيانًا عن مشكلات نحوية لا سبيل للتغلب عليها إلا بالتأويل والتكلف؛ منها: أن عطف البيان -كما سبق في رقم 1 من هامش ص541 وفي ص550- لا يكون متبوعه ضميرًا؛ فإذا جاءت أمثلة فيها المتبوع ضميرًا وجب اعتبار التابع بعد "أي" بدلًا وليس عطف بيان.

"راجع حاشية ياسين على التصريح في باب: "النسب" عند الكلام على النسب إلى ما حذفت فاءه أو عينه".

وجاء في "المغني" عند الكلام عليما ما نصه: "وتقع تفسيرًا للجمل أيضًا؛ كقول الشاعر "وترمينني بالطرف، أي: أنت مذنب

" ا. هـ والجملة التفسيرية بعدها لا محل لها من الإعراب.

1 في ص656 بعض أحكام أخرى عامة ومهمة -غير التي سنبدأ بها هنا- ومنها الحكم الثالث، حكم الضمير العائد على المتعاطفين معًا، من ناحية مطابقته لهما، أو لأحدهما. وكذلك حكم القطع في "عطف النسق".

2 هما المعطوف، وهو الذي بعد حرف العطف مباشرة، والمعطوف عليه، وهو المتبوع، ولا بد أن يسبق حرف العطف؛ وقد يكون المعطوف عليه محذوفًا. ولا ميما إذا كان العاطفه هو: الواو طبقًا لما يأتي في ص639.

3 المفرد في باب العطف هو: ما ليس جملة ولا شبه جملة؛ فهو كالمفرد في باب الخبر والنعت، والحال

، ويدخل في عطف المفرد هنا عطف الفعل وحده بغير مرفوعه على فعل آخر وحده

بخلاف عطف الفعل مع مرفوعه على فعل آخر مع مرفوعه فهو عطف جمل. وسيجيء البيان الخاص بهذا في ص642 م121.

والعطف بالواو إذا كان المعطوف غير مفرد، قد يفيد مطلق التشريك، نحو: نبت الورد ونبت القصب

، أو لا يفيد؛ نحو: حضرت الطيارة، ولم تحضر السيارة. أما نحو: ما قام علي ولكن محمود

فليس من عطف المفردات؛ وإنما هو من عطف الجمل، وقد حذف الفعل، -كما سيجيء في ص 616-.

وقد تكون الواو للعطف والمعية معًا فتفيد الأمرين مجتمعين؛ وهي "الواو" التي ينصب المضارع بعدها بأن المصدرية المضمرة وجوبًا؛ فإنها تجمع الأمرين: العطف والدلالة على المصاحبة والاجتماع، أي: الدلالة على أن المعنى بعدها مصاحب في تحققه وحصوله للمعنى قبلها؛ فزمن تحققهما واحد، وسيجيء بيان هذا في مكانه الأنسب ج4 باب النوصب -".

ص: 557

والمراد من "الاشتراك المُطلق والجمع المطلق" أنها لا تدل على أكثر من التشريك في المعنى العام: فلا تفيد الدلالة على ترتيب زمني بين المتعاطفين1 وقت وقوع المعنى، ولا على صاحبة، ولا على تعقيب1، أو مهلة، ولا على خسَّة0أو شرف2

وهي إنما تتجرد للاشتراك المطلق حيث لا توجد قرينة تدل على غيره، وحيث لا تقع بعدها "إما" الثانية. فإن وجدت قرينة وجب الأخذ بما تقتضيه، وان وقعت بعدها "إمّا" الثانية كانت الواو لمعنى آخر غير التشريك والجمع -وسيجيء التفصيل3-.

ففي مثل: وصل القطار والسيارة تفيد الواو مجرد اشتراك المعطوف "وهو: السيارة"

المعطوف عليه؛ "وهو: القطار" في المعنى المراد، وهو:"الوصول" من غير إن تزيد على هنا شيئًا آخر: فلا تدل على: "تريب" زمني بينهما يفيد أن أحدهما سابق في وقته، وأن الآخر لاحق به، ولا على:"مصاحبة" تفيد اشتراكهما في الزمن الذي وقع فيه اشتراكهما في المعنى4، ولا على "تعقيب" يدل على أن المعنى تحقق في المعطوف بعد تحققه في المعطوف عليه مباشرة، من غير انقضاء وقت طويل بينهما، ولا على:"مهلة" تدل على أن تحققه كان بعد سَعَة من الوقت، وفسْحة فيه2

"1، 1" الترتيب الزمني: تقدُّم أحدهما على الآخر وقت وقوع المعنى والمصاحبة: تقتضي اشتراكهما في المعنى في وقت واحد. "أي: انطباق المعنى عليهما معًا في زمن واحد". والتعقيب: وقوع المعنى على المعطوف بعد وقوعه على المعطوف عليه مباشرة، "أي بغير مهلة، ولا انقضاء وقت طويل عرفًا"

2 فالمتأخر -وهو المعطوف- قد يكون أشرف أحيانًا من المتقدم "وهو المعطوف عليه" كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} .

3 في ص612.

4 أي: أنها لا تفيد اشتراكهما في الزمن والمعنى معًا، وإنما تقتصر على الاشتراك في المعنى وحده.

5 ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر:

زادَ الوشاة، ولا والله ما تركوا

قولًا، وفعلًا، وبأْساءً، وتهجينًا

فلم نزِد نحن في سرّ وفي علن

علة مقالتنا: "الله يكفينا"

ومن أوضح الأمثلة لدلالة على مجرد الاشتراك المطلق في معنى الواو قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .

ص: 558

ففي المثال السابق قد يكون وصول القطار أوَّلًا وبعده السيارة، وقد يكون العكس، وقد يكون الزمن بين وصول السابق واللاحق طويلا أو قصيرًا، وقد يكون وصولهما اصطحابًا معًا "أي: في وقت واحد"، فلا سبق لاحدهما ولا زمن بين وصولهما. فكل هذه الاحتمالات صحيحة، لا يزيلها إلا وجود قرينة تدل على واحد منها دون غيره. كان يقال: وصل القطار والسيارة قبله، أو بعده، أو معه

فمن أمثلة الترتيب والمهلة قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} ، فقد أفادت الواو الاشتراك، والترتيب الزمني، والمهلة؛ فعطفت المتأخر كثيرا في زمنه "وهو: إبراهيم" على المتقدم في زمنه، "وهو: نوح، وكانت إفادتها الترتيب والإمهال مستفادة من قرينة خارجية يجب احترامها، هي التاريخ الثابت الذي يقطع بأن زمن إبراهيم متأخر كثيرًا عن زمن نوح، ولولا هذه القرينة ما أفادت الواو الترتيب الزمني، وفسحة الوقت. وهذه الفسحة -أو المهلة- يُقدّرها العرف بين الناس، فهو -وحده- الذي يحكم على مدة زمنية بالطول، وعلى أخرى بالقِصَر، تبعًا لما يجري في العرف الشائع.

ومن الأمثلة أيضًا قوله تعالى مخاطبًا النبي محمدًا عليه السلام: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فالواو قد أفادت الاشتراك والجمع في المعنى المراد: وهو: الإيحاء. وأفادت -أيضا- الترتيب الزمني والمهلة بعطف المتقدم في زمنه على المتأخر كثيرا في زمنه بقرينة خارجة عنهما، هي:"من قبلك" فهنا النص مريح في أن "المعطوف" سابق في زمنه على "المعطوف عليه" ولولا هذه القرية لاقتصرت الواو على افادة الجمع المطلق في المعنى والاشتراك المجرد فيه، دون إفادة تريب زمنيّ، وأما المهلة فقد دلّ عليها التاريخ.

وكقوله تعالى في نوح عليه السلام حين ركب السفينة هو وأصحابه المؤمنون، فرارًا من الغرق بالطوفان:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} فالواو تفيد الجمع

ص: 559

والاشتراك في المعنى؛ وتفيد معه الاتحاد في الزمن بين المعطوف؛ "أصحاب

" والمعطوف عليه: "الهاء" فقد نجا نوح وأصحابه في وقت واحد -معًا- بدليل النصوص القرآنية الأخرى1 وروايات التاريخ القاطع؛ فلا ترتيب ولا مهلة. ومن أمثلة الترتيب والعقيب؛ جرى الماء وأرْوَى الزروع.

وأنا فُقِدت القرينة الدالة على الترتيب الزمني أو على المصاحبة فالأكثر اعتبارها للمصاحبة، ويلي هذا اعتبارها؛ فيكون المعطوف متأخرًا في زمنه عن المعطوف عليه. ومن النادر العكس، ويراعى في هاتين الحالتين عدم التعقيب إلا بقرينة.

وإن وقعت "واو" العطف قبل: "إمّا"االثانية لم تفد معنى الجمع والتشريك، وإنما تفيد معنى آخر يقتضيه المقام الذي لا يسايره معنى الجمع؛ كالتخيير2؛ مثل: استَرِضْ إما مشيًا وإما ركوبًا....، وقد تكون للتخيير مباشرة بغير "إما"؛ نحو: سافر الآن بالقطار والطائرة. وقد يكون معناها التقسيم؛ نحو: الكلمة اسم، وفعل، وحرف.

أحكامها:

1-

من أحكام "واو" العطف، التي تشارك فيها بعض أخواتها3، أنها تعطف المفردات –كبعض الأمثلة السابقة– والجمل4،

1 القصة كاملة في سورة هود، وفيها النص على نجاة نوح ومعه ركاب السفينة، حيث قال تعالى:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} .

أي: استقرت السفينة بمن فيها بعد كل ما سبق على جبل معروف: يسمى: "الجودي".

2 معناه في ص604 -وسيجيء الكلام على "إما" ومعانيها في ص612-.

3 أنها قد تتجرد للاستئناف المحض، ولا تصلح لغيره وكذلك "الفاء" و"ثم".

4 بنوعيها. فمثال الجملة الاسمية قولهم: "لا فقر أشدُّ من الجهل، ولا ماَلَ انفعُ من العقل، ولا حَسَبَ كحُسن الخُلق

" وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ، قول الشاعر المسهد:

فلا الصبح يأْتينا، ولا الليل ينضي

ولا الريح مأذون لها بسكون

ومثال الفعلية قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ

} . وقول الشاعر:

إذا صار الهلال إلى كمالٍ

وتمّ بهاؤه فَارقُبْ مَحَاقَهُ

ص: 560

أشباهها1. وأنها يجوز مع معطوفها بشرط أمن اللبس2، مثل قول الشاعر:

إني مُقَسَّمُ ما ملكتُ، فجاعلٌ

قسْمًا آخرِة ودنيَا تَنفعُ

أي: واقسْمَ دنيا. يريد: وقسمًا لدنيا

ومن هذا قولهم: راكبٌ الناقة طَلِيحان3. والأصل: راكب الناقة والناقة طليحان. "أي:

1 فمثال عطفه الجار مع مجرورة على مثلهما قول الشاعر:

لأَنتَ أَحلَى من لذيذ الكَرَى

ومن أمانٍ ناله خائفُ

ومثل الآية التي في ص559؛ وهي {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ....} . ومثال عطف الظرف على ظرف آخر قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} .

2 كما سيجيء في ص636. وكذلك يصح حذفها وحدها دون معطوفها طبقا لما في ص641. كما يصح حذف المعطوف عليه قبلها بالطريقة الموضحة في ص639 -والتي اشرنا إليها في رقم 2 من هامش الصفحة الآتية-.

3 ومثل هذا كل مبتدأ مضاف أخبر عنه بخبر مطابق في التثنية، أو الجمع، للمضاف مع المضاف إليه من غير عطف. "وقد سبق إيضاح هذا لمناسبة أخرى في الجزء الأول ص497 م37 باب المبتدأ والخبر".

وحذف حرف العطف مع معطوفه ليس مقصورا على الواو مع معطوفها، وإنما يشاركها فيه "إم""كما سيجيء في "ب" ص596، وفي ص636" وكذا "الفاء" مع معطوفها كقوله تعالى في أحكام الصوم: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .

الأصل: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطَرَ فعدة من أيام أُخر -كما سيجيء في رقم 5 من هامش ص575-.

والى هنا يشير ابن مالك في آخر الباب بقوله:

والْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ

والْوَاو إذْ لَا لَبْسَ، وهْيَ انْفَردَتْ:

بعَطْفِ عامِلٍ مُزَالٍ قَدْ بَقِي

مَعْمُولُهُ؛ دَفْعًَا لِوَهْم اتُّقِي

مزال: قد حذف من موضعه وأزيل منه "راجع ص636".

يقول: إن الفاء قد تحذف مع معطوفها، وكذلك الواو مع معطوفها، بشرط ألا يترتب على الحذف في الحالتين لبس. وتنفرد الواو بأنها تعطف عاملًا محذوفًا قد بقي معموله على الوجه الذي سنشرحه في ص563 التالية. ويريد بقوله: "دفعًا لوهم

" بيان العلة في الحذف والتقدير: وأنها دفع لوهم يقودنا للوقوع في خطأ.

ص: 561

متعبان"1

ب- وتنفرد الواو بأحكام نحوية تكاد تستأُثر بها2:

منها: أنها الحرف المختص بعطف اسم على أخر حين لا يكتفي العامل في أداء معناه بالمعطوف عليه؛ نحو: تقاتل النمِرُ والفيلُ؛ فان العامل: "تقاتلَ" لا يتحقق معناه المراد بالمعطوف وحده: فلو قلنا: "تقاتل النمر"، ما تمّ المعنى: لأن المقاتلة لا تكون من طرف واحد؛ وإنما تقتضي معه وجود طرف آخر -حتما- كي يتحقق معناها. وكذلك: تنازع الظالمُ والمظلوم، فان المنازعة لا تقع إلا من طرفين

وكذلك تصالح الغالب والمغلوب.

1 ومن تلك الأحكام: أن الضمير -ونحوه مما يحتاج للمطابقة- بعدها تجب مطابقته. في الأصح للمعطوف والمعطوف عليه معًا؛ ولا يراعى فيه حالة المعطوف وحده؛ يقال: جاء السائل والغريب فعاونتهما. وفازت فاطمة وسعاد وعائشة فهنأتهن

وهكذا

"انظر رقم 4 من هامش ص605 حيث الإيضاح. وبيان المرجع، ثم رقم 3 من ص657.

وليس مما نحن فيه مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ، وقول حسان بن ثابت:

إنَّ شَرْخ الشباب والشعَر الأَسْود

ما لم يعاصَ كان جنونًا

لأن الكلام قائم هنا على حذف الخبر، أن المراد: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك إن شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود كذلك. فهو نظير قول الشاعر:

نحن بما عندنا وأَنت بما

عندك راضٍ. ولرأْيُ مختلفُ

أي: نحن راضون بما عندنا. وأنت راض بما عندك

"راجع كتاب مجمع البيان لعلوم القران ج1 ص175 و197".

2 ومنها: أنها يجوز حذفها وحدها، كما يجوز حذف المعطوف عليه وحده دون حذفها فتصلح في هذه الصورة لان تكون عاطفة أو غير عاطفة "بمعنى: رُبَّ" كما سبقت الإشارة في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة وسيأتي الإيضاح في مكانه المناسب ص639 و641. وله بيان في ج2 باب حروف الجر عند الكلام على: "رب".

ص: 562

ومثل: "سكنت بين النهر والحدائق1 ومثل: تضيع الكرامة بين الطمع والبخل"؛ لأن معنى "بيّن" لا يتحقق بفرد واحد تضاف إليه2، وهكذا غيرها من الكلمات التي تؤدي معنى نسبيًا3؛ مثل: تشارك، تعاون، اختصم، اصطفّ4

ومنها: اختصاصها بعطف عامل قد حُذف وبقي معموله. نحو: "قضينا في الحديقة يوما سعيدًا أكلنا فيه وأشهَى الطعامِ، وأطيب الفاكهةِ، وأعذبَ الماء" فكلمة: "أطيب" معطوفة على: "أشهى"، أي: أكلنا أشهَى

1 يصح أن يقال: سكنت بين النهر وبين الحدائق، بتكرار "بين" إذا كان المتعاطفان اسمين ظاهرين كما في المثال، والغرض من التكرار هو تأكيد المعنى وتقويته. وهنا التكرار جائز مع العطف، بشرط أن تكون الأولى مضافة لاسم ظاهر مفرد "أي: لا يدل على تعدد" فان أضيفت لضمير دال على الإفراد وجب التكرار مع عطفه المكررة بالواو؛ طبقًا لما فصلناه في ب2 ص268 م79 حيث جاء فيه ما نصه:

"يجوز أن يقال المال بين محمود وبين علي: بزيادة "بي الثانية للتأكيد، كما قاله ابن بريّ وغيره، وبذلك

يرد على منع الحريري تكرارها راجع حاشية "ياسين" على التصريح، ج2 أول باب العطف وكذلك حاشية الصبان ج2 في ذلك الباب عند الكلام على واو العطف ".

ومن المسموع في هذا قول علي بن أبي طالب -كما جاء في كتاب "سجع الحمام، في حكم الإمام " ونصه:

"للمؤمن ثلاث ساعات

وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها" ا. هـ. ويؤيد ما سبق أيضا، ما ورد من نصوص فصيحة، نثرية وشعرية، وأدلة أخرى سجلناها هناك.

2 لهذا قالوا في بيت امرئ القيس:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومنْزِلِ

بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

أن التقدير: بين أماكن الدخول وحومل "الدخول وحومل: موضعان" وقيل أن الرواية هي: بين الدخول وحومل. فلا تقدير.

3 هو المعنى الذي لا يتحقق إلا بنسبته إلى اثنين "أو أكثر" يشتركان فيه؛ ويقع عليهما.

4 ومثل "استوى" في قول الشاعر يصف حاله مع احد أقاربه:

صَبرت على ما كان بيني وبينه

وما تستوي حربُ الأَقارب والسِّلْمُ

ومثلها: "تَسَاوَى" بشرط أن يكون -كسابقتها- إفادة التساوي بين شيء وآخر.

هذا، وقد تقع الواو بعد كلمة:«سواء» التي تفيد التسوية ولكن بشرط أن تقع بين اسمين، وإلا توجد همزة التسوية، نحو: سواء علي الأخ والصديق الوفي. وهنا رأي سيبويه، أما الكلام على التسوية والمراد مننها ففي ص 585.

ص: 563

الطعام، وأكلنا أطيبَ الفاكهة. أما كلمة:"أعذب" فلا يصح -في الرأي الأغلب- عطفها على أشهَى، إذ لا يصح أن يقال: أكلنا أعذب الماء؛ لأن أعذب الماء لا يؤكل، وإنما يُشرب، ولهذا كانت كلمة:"أعذب" معمولة لعامل محذوف، تقديره: شَرِب، أي: وشربنا أعذب الماء، والجملة بعد الواو معطوفة على الجملة التي قبلها وهي: أكلْنا؛ فالعطف عطف جملة على جملة.

ومثل: "اشتد البرد القاسي في ليلة شاتية، فأغلقتُ الأبوابَ والنوافذَ، وأوقدتُ نارًا للدفء، والملابسَ الصوفية"؛ فلا يصح عطف كلمة: "الملابس" على "الأبواب" ولا على "نار" لفساد المعنى على هذا العطف؛ إذ لا يقال: أغلقتُ الملابس الصوفية، ولا أوقدتُ الملابس، وإنما هي معمول لعامل محذوف تقديره: ولبِستُ الملابس الملابس الصوفيةَ، أو أكثرتُ الملابسَ الصوفية، أو نحو هذا مما يناسب الملابس، والجملة بعد الواو معطوفة على جملة: أغلقتُ. فالعطف عطف جملة على جملة، لا عطف مفرد على مفرد –كما سبقت الإشارة1-.

ولا فرق في المعمول الباقي بين المرفوع؛ نحو قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، والمنصوب؛ نحو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا 2 الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، والمجرور نحو قولهم:"ما كل سوداءَ فَحْمةً، ولا بيضاء شحمةً، والأصل في المثال المرفوع": {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ؛ إذ لا يصح عطف "زوج" على الضمير المستتر الفاعل؛ وإلا كان فاعلًا مثله حُكمًا؛ فيترتب على هذا أن يقال: اسكن زوجُك، بوقوع الاسم الظاهر فاعلًا الأمر؛ وهذا لا يصح3. كما أن الأصل في المنصوب:"تَبوّؤا الدار، وألِفُوا الإيمان"؛ لأن الإيمان لا يُسْكن والأصل في المجرور: "ما كلُّ سوداء فحمةً ولا كلُّ

1 في الجزء الثاني، باب المفعول معه ص232 م80.

2 سكنوا.

3 يبيحه فريق من النحاة بحجة: "أنه قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع". وفيه تيسير. ولا يجوز إعرابه بدلًا من الفاعل المستتر؛ لأن الضمير لا يبدل من الضمير كما في "ب" ص683.

ص: 564

بيضاءَ شحمةً" لئلا يترتب على العطف المباشر من غير تقدير المحذوف، عطف شيئين على معمولي عاملين مختلفين بحرف عطف واحد، وهذا ممنوع. والعاملان هما "ما1، وكلّ" والمعمولان هما:"بيضاء، وشحمةً"2.

هذا ما يقوله كثير من النحاة. ولكن الصحيح أن الواو العاطفة لا تختص بهذا الحكم وحدها، وإنما تشاركها فيه "فاء" العطف –كما سيجيء عند الكلام عليها3 مثل: أحْسِن بدينار فصاعدًا

أي فاذهب صاعدًا بالعدد4

ومنها جواز حذفها عند أمن اللبس5؛ نحو: زرت أقاربي في الصعيد، وقابلت منهم: العم، والعمة، الخال، الخالة، أبناءَهم

أي: العم والعمة، والخال والخالة وأبناءهم. ومثل: قرأت اليومَ: الصحف اليومية، المجلات، الرسائل، المحاضرات

أي: الصحفَ اليومية، والمجلات. والرسائل، والمحاضرات

ومثل هذا يقال في سرد الأعداد، نحو: من الأعداد عشر، عشرون، ثلاثون، أربعون

ومنها: عطف الشيء على مرادفه لتقوية معناه وتأكيده6 كقولهم: الصمت والسكوت عن غير السداد سداد. وقولهم يعود البغي والطغيان وبالًا على صاحبه، فالمعطوف وهو:"السكوت" بمعنى المعطوف عليه: "الصمت" وكذلك الطغيان والبغي

ومن هذا قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} ، فكلمة؛ "بثّ" معطوف عليه؛ وكلمة:"حُزن" معطوف مرادف له في المعنى.

1 على اعتبار "ما" حجازية تعمل عمل: "ليس".

2 سبق هذا المثال في آخر باب الإضافة ص161 لمناسبة هناك: ويعاد موضحًا في آخر هذا الباب ص638.

3 في ص575.

4 سبق إيضاح هذا في مكانه الأنسب ج2 ص304 م86 باب الحال وحذف عامله.

5 الصحيح أن "الفاء" تشاركها في هذا الحكم. وكذا: "أو"، "كما سيجيء في ص575 و611 و641. غير أن حذف الواو هو الأكثر.

6 قد تشاركها: "أو" في هذا أحيانًا؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا

} فالخطيئة هي الإثم –ولهذا إشارة تجيء في "د" من ص611-.

ص: 565

ومثل النَّأي والبُعد1 في قول الحطيئة:

أَلا حبذا هندٌ وأَرض بها هندُ

وهندٌ أَتى من دونها النَّأْي والبعدُ2

1 ومثل الجملتين الفعليتين: "أقْوى ×"، وأقْفر ×" في قول عنترة:

حُييتّ من طَلَلٍ تقادمَ عهدُه

أَقْوَى وأَقفرَ بعد أُم الهَيْثَمِ..

2 فيما سبق من تعريف العطف النسق يقول ابن مالك:

تَالٍ بحرْفٍ مُتْبِع عطْفُ النَّسقْ

كَاخُصُصْ بِوُدِّ وثَنَاءٍ منْ صَدَقْ

يقول: إنه هو التالي الحرف مُتْبعٍ ما بعده لما قبله، أي: مشترك للثاني مع الأول في الحكم الأعرابي. وساق مثلًا للتشريك في الحكم هو: أخصص من صدق بود وثناء، فحرف العطف هو: الواو، وبالتالي المشارك في الحكم هو:"الثناء". ومعنى:"تال بحرف مُتْبع": أنه تال "تابع" بسبب حرف يُتبع ما بعده لما قبله: فليس منه "أيْ" المفسرة، لأنها لا تتبع ما بعدها لما قبلها إلا على الرأي الذي يعتبرها حرف عطف كالواو، وهو الرأي الكوفي الحسن الذي أشرنا إليه "مفصلًا في رقم 1 من هامش ص556". ثم ساق بيتين ضمنهما أكثر حروف العطف التي سنشرحها في المكان الأنسب؛ هما:

فالْعطْفُ مطْلُقًا بِواوٍ –ثمَّ –فا –

حتَّى –أَم -أَو؛ كَفيكَ صِدقْ ووفَا

وَأْتبعَتْ لَفْظًا فَحسْبُ: بلْ –ولا..

لكِنْ؛..................................

ثم عاد الكلام على أحكام الواو فقال:

فاعْطِفْه بِواو سابقًا، أو لَاحِقًا

في الحُكْم، أَوْ مُصاحِبًا مُوافِقًَا

واخْصُصْ بِها عطف الَّذِي لا يُغْنِي

متْبُوعُه، كاصْطَفَّ هذَا وابْنِي

واقتصر على ما سبق، ولم يذكر بقية أحكام الواو.

ص: 566

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- ومما انفردت به الواو غير ما سبق:

1-

عطف العام على الخاص1؛ نحو: زرت القاهرة. والحواضر الكبرى. وقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} .

2-

وقوعها بعد كلام منفي. عاطفة مفردًا. وبعدها "لا" النافية؛ نحو: شجاع النفس لا يحب الجبن، ولا الكذب، ولا الرياء "أي: لا يجب كل واحدة من الصفات المذكورة". فتكرار "لا" يفيد أن النفي واقع على كل واحدة وحدها من غير توقف على غيرْها. ولو لم تتكرر2 "لا" لتوهمنا أنه مقصور على حالة اجتماعها مع غيرها2. فإن لم يوجد نفي قبلها. أو قصدت المعية لم يصح مجيء "لا"3.

3-

وقوعها بعد نهي عاطفة لمفرد، وبعدها:"لا" النافية؛ التي تؤكد الغرض السالف؛ نحو: لا تصدق الحلاّف، ولا النمَّمام، ولا الحاسد.

4-

جواز الفصل بينهما وبين معطوفها بظرف. أو جار مع مجروره5، نحو: أينعتْ حديقتان؛ حديقةٌ أمام البيت، وخلفَه حديقةٌ5، ومثل قوله

1 وأما عكسه وهو: "عطف الخاص على العام" فتشاركها فيه "حتى" –كما سيجيء في "ب" ص584– نحو قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} . ونحو: لا يأمن الناس الأيام حتى الملوك. "والصلاة الوسطى: هي صلاة وسط النهار. والمراد بها: الظهر والعصر". وكل ما سبق مشروط بألا يتطلب المعنى حرفًا آخر يفيد الترتيب أو غيره

انظر ما يتصل بهذا في آخر رقم 8 من ص660.

2 راجع "التصريح عند الكلام على: "العاطفة"، ثم "المغني" عند الكلام على "الواو".

3 لهذا بيان هام "في ج1 م5 هامش ص62 أو الكلام على موضوع: "الحرف". ويتضمن –فيما يتضمن– النص على زيادة "لا" النافية، والغرض من زيادتها، ومعناها، وإعرابها

".

4 صرح بهذا "الصبان" ولم يذكر خلافًا. لكن سيجيء في رقم 5 ما يعارضه.

5 والأخذ بهذا الرأي في "الواو" أنسب من الأخذ برأي آخر يمنع الفصل مطلقًا في غير الضرورة الشعرية بين المعطوف وحرف العطف: "الواو" أو: "الفاء"؛ أما غير هذين الحرفين من أدوات العطف فالرأيان متفقان على جواز الفصل بالظرف أو بالجار مع مجرورة. "راجع الهمع ج2 آخر باب العطف، ص141".

ص: 567

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} .

5-

عطف العِقد1 على النَّيِّف، نحو: واحد وعشرون

سبعة وثلاثون

خمسة وأربعون

و....

6-

اقترانها بالحرف: "لكنْ"؛ كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ 2 وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .

7-

وقوعها قبل الحرف "إما" المسبوق بمثله في كلام قبله؛ نحو: المنّ بالمعروف إما جهالةٌ، وإما سوءُ أدب.

8-

العطف بها في أسلوب الإغراء والتحذير؛ نحو: الرفقَ والملاينةَ جهدَ طاقتك، وإياك والعنفَ ما وجدت سبيلًا للفرار منه.

9-

عطف النعوت المتعددة المتفرَّقة التي منعوتها متعدد غير مفرَّق: نحو: تنقلت في بلاد زراعية وصناعية وتجارية

والواقع بعد هذه "الواو" يسمى معطوفًا، ولا يصح تسميته –الآن- نعتًا.

10-

عطف المفردات التي حقها التثنية أو الجمع، نحو قول الحجاج وقد مات

1 العقد هو: العدد الذي يجيء ترتيبه عاشرًا بين الأرقام المتسلسلة المرتبة قبله. وتحصر العقود في لفظ: عشرة، عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين، ستين، سبعين، ثمانين، تسعين، والصحيح تسمية:"مائة" و"ألف" ومركباتهما "عقدًا" أيضًا أما "النيف" فكل عدد يكون ترتيبة المتسلسل بين عقدين؛ ومنه: أحد عشر، اثنان وعشرون، ثلاثة وثلاثون، خمسة وأربعون. وثلاثون، خمسة وأربعون

و....

2 الواو هي العاطفة، أما:"لكنْ" فحرف استدراك محض، -ومعناه وأحاكمه في صفحة 161-وكلمة:"رسول" بالنصب، خبر "كان" المحذوفة، والجملة من "كان" ومعموليها معطوفة بالواو على الجملة الفعلية قبلها. وهذا على الرأي الأشهر القائل إن كلمة:"لكنْ" الاستدراكية المسبوقة بالواو لا يقع بعدها إلا الجملة دائمًا، ولا تكون عاطفة؛ وإنما العاطف الواو. أما على رأي من يجيز وقوع المفرد بعدها فالواو حرف عطف وكلمة:"رسول" معطوفة على كلمة: "أبا""انظر ص616".

ص: 568

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

محمد ابنه، ومحمد أخوه:"محمد ومحمد في يوم واحد". وقول الشاعر الفرزدق:

إن الرزية لا رزيةَ بعدها

فِقْدانُ مثل محمد ومحمدِ

وقول الآخر:

أَقمنا بها يومًا، ويومًا، وثالثًا

ويومًا له يوم التَّرحُّلِ خامسُ

يريد: أيامًا ثمانية

11-

عطف السببي على الأجنبي في: "الاشتغال"؛ نحو: محمدًا أكرمت عمرًا وأخاه1. ومثل: محمد مررت بأخيك وأخيه1.

12-

عطف كلمة: "أيّ" على مثلها2، كقول الشاعر:

فلئِنْ لقيتُك خالَيْن لَتَعْلَمَنْ

أَيِّي وأَيُّكَ فارِسُ الأَحْزابِ

13-

عطف الظرف: "بين" على نظيره، مثل: المال بيني وبين أهلي3.

14-

عطف السابق في زمنه على اللاحق، نحو: قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

15-

المتعاطفان بالواو لا يختلفان بالسلب والإيجاب إذا كانا مفردين فلا يصح: لا الشمس طالعة والقمر.

16-

وجول الفصل بها مع إهمالها بين كلمتين مُعَينتين ينشأ منهما مسموع من التركيب المزجّى "من أمثلته: كَيْت وكيْت. ذَيْت وذيت

" بالتفصيل والبيان الآتيين في الموضع الأنسب –ج4 باب: "كم" م168 ص540.

17-

جواز عطفها عاملًا قد حذف وبقي معموله على الوجه المشروح في ص615.

ب- يرى الكوفيون من خصائص الواو وقوعها زائدة؛ كالتي في قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا

"1، 1" الضمير راجع إلى "محمد" في المثالين.

2 بالتفصيل الذي سبق في "ج" من ص107.

3 راجع ما يختص بتكرار الظرف: "بين" في رقم 1 من هامش ص563.

ص: 569

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فالواو التي قبل: "فُتحت" زائدة عندهم1. ومثل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: تَلَّهُ للجبين2.

والبصريون يؤولون الآيتين وشبههما بتأويلات منها: أن الواو عاطفة أصلية وجواب "إذا" و"لما" محذوف.... لكن التأويل عسير في قول الشاعر:

ولقد رمقْتك في المجالِسِ كلها

فإذا وأَنت تعينُ من يبغيني

والمراد: فإذا أنت. وقول الآخر:

فما بالُ من أَسعى لِأَجْبُرَ عظمهُ

حِفَاظًا، وينْوي من سفاهته كسْرى

أي: ينوي من سفاهته.

وإنما كان التأويل هنا عسيرًا لأن ما بعد إذا "الفجائية" لايقترن بالواو. ولأن جملة "ينوي" على تأويلها بأنها حالية هي جملة مضارعية مثبتة، وصاحب الحال هو "مَنْ" والجملة المضارعية المثبتة لا تقع حالًا مقترنة بالواو إلا على تقديرها خبرًا لمبتدأ محذوف والجملة في المبتدأ المحذوف وخبره هي الحال

فهي محتاجة للتأويل والحذف. ولا داعي لهذا أو لغيره من التأويلات. فمذهب الكوفيين أوضح وأقل تعسفًا، والأخذ به هنا أيسر3، لكن الأفضل التخفّف من الزائدة قدر الاستطاعة، والبعد عن استعمالها؛ فرارًا من اللبس، ومن التأويل بغير داع.

ح- هل "الواو" الواقعة بعد "بل" نوع من الزائدة؟ مثل: الصالح أمين،

1 مستدلين بالآية الأخرى الخالية من الواو –وكلتاهما في سورة: "الزمر"، ونصها: {

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا

} .

2 بمعنى صرعه وألقاه على الأرض حتى لمسها جبينه. والقصة عن إبراهيم حين أراد أن يحقق رؤيا منامية؛ مضمونها أنه يذبح ابنه. ففهم منها أن هذا إيحاء من الله يجب تنفيذه؛ فهمَّ به، ورضي الولد بقضاء الله. ولكن الله أوحى إلى نبيه تركه، والتضحية بدله بشيء آخر.

3 علمًا بأن اللفظ الزائد "حرفًا أو غير حرف" إنما يزاد لغرض مقصود –طبقًا لما شرحناه في ج1 م5– الزيادة والتفصيل –عند الكلام على الحرف.

ص: 570

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بل ومحسن

الجواب في "ج" من ص628.

د- تختص همزة الاستفهام دون باقي أخواتها بالدخول على أحد ثلاثة من حروف العطف ولا تدخل على غير هذه الثلاثة، هي:"الواو، الفاء، ثم" فمثالها قبل الواو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ َوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} ، وقبل "الفاء"1 في قوله تعالى عن المشركين:{َفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} ، وقبل "ثُمّ"2 قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ}

ولا بد أن يكون المعطوف بعد الثلاثة جملة. وقد اشتهر النحاة في هذا رأيان3.

أولهما: وهو رأي جمهورهم أن الهمزة تركت مكانها بعد حرف العطف، وتقدمت عليه؛ تنبيهًا على أصالتها في التصدير –كما يقولون– فالجملة بعد العاطف معطوفة على الجملة التي قبله وقبل الهمزة. ما لم يمنع من هذا العطف مانع" كأن تكون إحدى الجملتين إنشائية والأخرى خبرية؛ عند من يمنع العطف بين الجملتين المختلفتين خبرًا وإنشاء، مثل هذه الصورة. فتكون الجملة عنده بعد حرف العطف معطوفة على أخرى محذوفة مماثلة لها في الخبرية أو الإنشائية

".

ثانيهما: وهو رأي الزمخشري أن الجملة بعد العاطف معطوفة على جملة محذوفة موقعها بين الهمزة والعاطف. والأصل مثلًا، أنَسُوا ولم يتفكَّروا؟ -أأغمضوا عيونهم ولم ينظروا؟ - أقعدوا ولم يسيروا

؟ -أكفرتم ثم إذا وقع

1 انظر رقم 3 من هامش ص575.

2 انظر "ب" من ص579.

3 كما ستجيء الإشارة في ص639.

ص: 571

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

آمنتم به....؟ والرأي الأول أشهر. وبالرغم من ذلك فإن كلا الرأيين معيب؛ لقيامه على الحذف والتقدير، أو التقديم والتأخير، ولعدم انطباق كل منهما على بعض الصور الأخرى التي يدور حولها وحول ما سبق جدل طويل واعتراضات مختلفة1.

فما السبب في هذا التكلف؛ والالتجاء إلى الحذف، والتقدير، والتقديم، والتأخير وعندنا ما هو أوضح وأيسر، وأبعد من التأويل؛، وذلك باعتبار الهمزة للاستفهام، وبعدها "الواو" و"الفاء"، و"ثم" حروف استئناف داخلة على جملة مستأنفة. وقد نص النحاة على أن كل واحد من هذه الثلاثة يصلح أن يكون حرف استئناف.

ولا مانع أيضًا أن تدخل الهمزة –هنا– على حرف العطف مباشرة؛ مسايرة للنصوص الكثيرة الواردة في القرآن وغيره، ولن يترتب على أحد هذين الرأيين إخلال بمعنى، أو تعارض مع ضابط لغوي.

"ملاحظة" في غير الهمزة من أدوات الاستفهام يجب تقيم حرف العطف وتأخير أداة الاستفهام عنه؛ لأن هذا هو قياس جميع الأجزاء في الجملة المعطوفة، نحو: قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ، وقوله تعالى:{فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}

1 نراها في بعض المراجع، كالمغني وحواشيه، باب الهمزة.

ص: 572

2-

الفاء:

معناها الغالب هو الترتيب بنوعيه "المعنويّ والذّكْرِيّ" مع التعقيب فيهما وإفادة التشريك. والمراد بالترتيب المعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرًا على زمن تحققه في المعطوف عليه؛ نحو: "نفعَنا بذرُ القمح للزراعة، فإنباتُه، فنضجُه، فحصادُه"،.... و.... فزمن البذر سابق على زمن الإنبات، والنضج، وما بعده.

والمراد: بالترتيب الذّكْرِي: أن يكون وقوع المعطوف بها بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما في كلام سابق، وترتيبهما فيه، لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما، كأن يقال لمؤرخ: حدثنا عن بعض الأنبياء؛ كآدم، ومحمد وعيسى، ونوح، وموسى –عليهم السلام– فيقول: اكتفى اليوم بالحديث عن محمد، فعيسى. فوقوع عيسى" بعد الفاء لم يقصد به هنا الترتيب الزمني التاريخي؛ لأن زمن عيسى أسبق في التاريخ الحقيقي من زمن محمد، وإنما قصد مراعاة الترتيب الذّكْري "أي: اللفظيّ" الذي ورد أولًا في كلام السائل، وتضمن ذكر "محمد" قبل "عيسى"1.

والمراد بالتعقيب: عدم المهلة يتحقق بقِصَر المدة الزمنية التي تنقضي بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على المعطوف؛ نحو: وصلت الطيارة فخرج المسافرون. وأول من خرج النساءُ فالرجال

فخروج المسافرين

1 ويدخل في الترتيب الذكري "عطف المفصّل على المجمّل"؛ كقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} . وقوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} . وقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} .

ومن الترتيب الذكري: "الترتيب الإخباري"؛ وهو الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات بغير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي، وإنما يقصد به –بشرط وجود قرينة– ذكر المعلومات واحدة بعد واحدة، فالفاء –في هذا– كالواو التي لمطلق الجمع؛ نحو: تغير الجو، واشتدت الرعود، فالبروق، فتراكُم المياه في المنحنيات، فالأمطار.... ونحو: هذا عالم فأبوه، فجده

ص: 573

–في المثال– يجيء سريعًا بعد وصول الطيارة، وخروجُ الرجال يكون بعد خروجُ الرجال يكون بعد خروج النساء مباشرة من غير انقضاء وقت طويل في الصورتين....

وقِصَر الوقت متروك تقديره للعُرف الشائع؛ إذ لا يمكن تحديد الوقت القصير أو الطويل تحديدًا عامًّا يشمل كل الحالات. فقد يكون الوقت قصيرًا في حالة معينة، ولكنه يُعَدّ طويلًا في أخرى.

وبمناسبة إفادتها الترتيب نشير إلى قاعدة سبقت1؛ هي: أن "المعطوفات" المتعددة تقتضي أن يكون لها جميعًا "معطوف عليه" واحد، وهو: الأول الذي يسبقها كلها، وقبل كل معطوف حرف عطف خاص به. ولكن إذا كان حرف العطف يفيد الترتيب؛ "مثل:"الفاء" و"ثم" وجب أن يكون المعطوف عليه هو السابق عليهما مباشرة، ولو لم يكن هو الأول: نحو: تكلم في النادي الرئيس والوكيل والمُحاضر، فالناثر ثم الشاعر. فالوكيل والمحاضر معطوفان على الرئيس، أمّا كلمة:"الناثر" فمعطوفة على: "المحاضر" وأمَّا كلمة: "الشاعر" فمعطوفة على "الناثر"2

وتفيد كثيرًا مع الترتيب والتعقيب، "التسيب"؛ أي الدلالة على السببيَّة3؛ "بأن يكون المعطوف متسببًا عن المعطوف عليه" ويغيب هذا في شيئين؛ عطف الجمل، نحو: رمى الصياد الطائر فقتله4، وفي المعطوف المشتق، نحو: أنتم –أيها الجنود– واثقون بأنفسكم، فهاجمون على عدوكم، ففاتكون به. فمنتصرون عليه

ومن أحكام الفاء5:

1 في أول الباب في رقم 2 من هامش ص555 حيث البيان المفيد.

2 فإن جاء بعد ذلك عاطف لا يفيد الترتيب كان ما بعده معطوفًا على الذي قبل العاطف مباشرة، طبقًا للبيان الهام والذي في هامش ص555.

3 ولكنها لا تسمى اصطلاحًا في هذه الحالة "فاء السببية" إلا إذا دخلت على مضارع منصوب "بأن المصدرية" المضمرة التي تنصبه بشروط معينة مدونة في موضعها الأنسب "وهو: باب: "إعراب الفعل"، أول الجزء الرابع، ص65، م149".

4 ومثل قول الشاعر:

رُبَّمَا استحال السّعد نحسًا

فذاق المعتدي مما أذاقه

5 إنها قد تتجرد أحيانًا للاستئناف المحض ولا تصلح لغيره -وكذلك: "الواو"، وثم-.

ص: 574

أنها لا تنفصل من معطوفها بفاصل1 اختيارًا، فلا بد من اتصالهما في غير الضرورة الشعرية. وأنها تعطف المفردات2 والجمل كما في الأمثلة السالفة3، وأنه يجوز حذفها بقرينة كما أن "الواو" و"أو"4 كذلك نحو: قطعت سنوات التعلم؛ الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة

ونحو: أنفقت المال درهمًا، درهمين، ثلاثة وأنها قد تحذف مع معطوفها؛ كالآية التي سلفت5.

وتختص الفاء6: بأنها تعطف جملة لا تصلح صلة، ولا خبرًا، ولا نعتًا؛ ولا حالًا على جملة تصلح لذلك، والعكس، بأن تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء على جملة لا تصلح. "وسبب عدم الصلاحية في الصور السالفة كلها: خلو الجملة من الرابط، ووجوده في الجملة الصالحة"7

فمثال عطفها جملة لا تصلح صلة على جملة أخرى تصلح: "الذي عاونته ففرح الوالد مريض" ومثال العكس: "التي وقف القطار فساعدتها على النزول عجوز ضعيفة".

1 كما سيجيء في رقم 4 من ص658. وقد سبق –في رقم 5 من هامش ص567– رأي يجيز الفصل بالظرف أو الجار مع مجروره بين ألفاء ومعطوفها. ولكن الرأي الذي يمنع الفصل في غير الضرورة الشعرية هو الصحيح إذا كانت أداة العطف هي "الفاء"، والاقتصار عليه واجب.

2 المراد من المفرد في باب العطف مدون في رقم 3 من هامش ص557 وله تكملة مفيدة في ص642.

3 في ص573 وهامشها

، ويجوز عند عطفها الجمل أن تسبقها همزة الاستفهام –إن اقتضى المعنى ذلك– على الوجه المشروح في "د" من ص570 فهي "الواو"، و"ثم، في هذا، ولا يقع من حروف العطف بعد همزة الاستفهام مباشرة غير أحد هذه الثلاثة.

4 انظر "ج" من ص611 ثم ص641.

5 في رقم 3 من هامش ص561 وهي قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ

} أي: فأفطَر، فعدة من أيام أُخر، وفي ص636 أمثلة أخرى. وكذلك يصح حذف المعطوف عليه قَبلها، طبقًا للبيان الذي في ص639.

6 ومما تختص به الفاء: أنها حرف العطف الوحيد الذي يصلح للدخول على الفعل المطاوع لأصله؛ نحو: فتحت الباب –فانفتح– علمت الراغب فتعلم، ولا يصح مجيء غيره من حروف العطف –طبقًا للبيان الهام الخاص بأحكام المطاوعة ج2 م66 ص980

7 وقد سبق هذا في مكانه من الأبواب الخاصة بتلك الجمل.

ص: 575

ومثال عطفها جملة لا تصلح خبرًا على أخرى تصلح: "الحديقة يرعاها البستاني فيكثُرُ الثَّمرُ". ومثال "العكس: الحديقة أهمل البستانيّ فقلَّ ثمرها".

ومثال عطفها جملة لا تصلح نعتًا على أخرى تصلح: "هذا حاكم سَهِر على خدمة رعيته؛ فسعدت الرعية". ومثال العكس: "هذا حاكم شكا الناس فأزال أسباب الشكوى".

ومثال عطفها جملة لا تصلح حالًا على أخرى تصلح: "أقبل المنتصر يتهلل وجهه فتشرح القلوب" ومثال العكس "أقبل المنتصر تنشرح القلوب فيتهلل وجهه".

هذا، والفاء كالواو في أنها تعطف عاملًا قد حذف، وبقي معموله؛ نحو اشتريت الكتاب بدينار فصاعدًا1؛ والأصل –مثلًا: فذهبَ الثمنُ صاعدًا.

"ملاحظة": من الفاء العاطفة للمفرد: "فاء السببية، التي ينصب بعدها المضارع بأنْ المستترة وجوبًا، فالمصدر المؤول بعدها مفرد معطوف بها على مفرد قبلها –كما سيجيء في مكانه2

وهناك نوع من الفاء يسمى: "فاء الفصيحة"، سيجيء الكلام عليه5. ونوع آخر تكون الفاء فيه –في بعض الآراء– حرف عطف صورةً لا حقيقية؛ فشكلها وظاهرها أنها عطف، مع أنها في الحقيقة والواقع مهملة وليست عاطفة، وقد سبق الكلام على هذا النوع4.

بقي حكم الضمير العائد على المتعاطفين بعد الفاء العاطفة من ناحية المطابقة وعدمها وسيجيء البيان5

3-

ثم:

ومعناها الترتيب مع عدم التعقيب، "أي: الترتيب مع التراخي"؛ وهو: انقضاء مدة زمنية طويلة بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على

1 انظر ص563 ورقم 1 من هامش ص363.

2 وهو عمل "فاء السببية" باب: نواصب المضارع –ج4 م149 ص333.

3 في ص637 وهامشها.

4 في ص536.

5 في رقم 3 من ص657.

ص: 576

المعطوف. وتقدير المدة الزمنية الطويلة متروك للعُرف الشائع –كما رددنا1؛ فهو وحده الذي يحكم عليها بالطول أو القِصر، ولا يمكن وضع ضابط آخر يحددها؛ لأن ما يعتبر طويلًا في حادثة معينة قد يكون قصيرًا في غيرها؛ فمَردّ الأمر للعُرف. ومن الأمثلة: زرعت القطن، ثم جنيته

دخل الطالب الجامعة ثم تخرّج ناجحًا–كان الشاب طفلًا ثم صبيًا، ثم غلامًا؛ ثم شابًا فتيًّا.

ومن أحكامها:

أنها تعطفت المفردات والجمل، كما في الأمثلة السالفة2

وقد تدخل عليها تاء التأنيث3 لتفيذها التأنيث اللفظيّ؛ فتختص بعطف الجمل، نحو: مَنْ ظَفِر بحاجته ثُمَّتَ قَصَّر في رعايتها كان حزنه طويلًا، وغُصَّتُهُ شديدة.

ومنها: -وهذا قليل جائز– أنها قد تكون بمعنى واو العطف، فتفيد مطلق الجمع والاشتراك من غير دلالة على ترتيب، بشرط وجود قرينة؛ نحو: لما انقضى الليل، واستنار الكون، ثم طلعت الشمس، واقترب ظهور الفجر سارع الناس إلى أعمالهم4..

1 في ص574.

2 اقتصر ابن مالك في الكلام على "الفاء"، وثم على ما يأتي:

و"الفَاءُ" للترْتِيبِ بِاتِّصَالِ

وَ "ثُمَّ" لِلتَّرتيبِ بانْفِصَالِ

"اتصال": أي: بغير مهلة زمنية. "بانفصال": بمهلة زمنية، "والمهلة هي ما يعبرون عنها بالتراخي. وعدم المهلة هو التعقيب" –وقد أوضحناهما في ص573 و574– ثم قال في الفاء:

واخْصُصْ بفَاءٍ عَطفَ ما لَيْسَ صِلَهْ

عَلَى الَّذِي اسْتَقَرّ أَنَّهُ الصِّلَهْ

يريد: تختص الفاء بأنها تعطف جملة لا تصلح أن تكون صلة؛ لخلوها من الرابط على جملة أخرى تصلح صلة لاشتمالها على الرابط، ولهذا الحكم أشباه وتفصيلات شرحناها "في ص575" وسيذكر في آخر الباب ص636 اختصاص آخَر لها أشرنا إليه من قبل "في رقم 3 من هامش ص561" هو أنها –كالواو– يجوز حذفها مع معطوفها.

3 وهذه التاء الداخلة على الحروف يجوز تسكينها أو تحريكها بالفتحة. أما كتابتهما فمفتوحة "غير مربوطة".

4 ومن هذا قول ابن مالك في أول باب من ألفيته:

كلامُنا لفظٌ مفيدٌ؛ كاستقمْ

واسمٌ، وفعلٌ، ثم حرفٌ، الكَلِمْ

قال الأشموني ما نصه:

"ثم" في قوله: "ثم حرف....، بمعنى الواو؛ إذ لا معنى للتراخي بين الأقسام. ويكفي في الإشعار بانحطاط درجة الحرف عن قسميه ترتيب الناظم لها في الذكر على حسب ترتيبها فيا لشرف، ووقوعه طرفًا. ا. هـ.

ص: 577

ويدخل في هذا القليل الجائز أنْ يكون للترتيب الذّكري الإخباريّ، "وهو: الذي سبق إيضاحه1 في "الفاء" نحو: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعتَ أمسِ أعْجبُ. أي: ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب.

ومنه قول الشاعر:

إن مَنْ سادَ ثم سادَ أَبوه

ثم قد سادَ قبل ذلك جدُّه

ومنها: أنها تكون بمعنى "الفاء" أحيانًا فتفيد الترتيب مع التعقيب بقرينة؛ نحو شرب العاطش ثم ارتوى.

ومنها: أن إفادتها الترتيب توجب –عند تعدد المعطوف عليه قبلها بتفريق– أن يكون معطوفًا تابعًا لما قبلها مباشرة من المعطوفات؛ طبقًا للبيان الذي تقدم2؛ ففي مثل: قرات الآية، والقصيدة، والخطبة. والرسالة ثم النشيد

يتعين أن يكون النشيد معطوفًا بها على الرسالة، كما يتعين أن يكون كل واحد من المعطوفات الأخرى التي قبلها معطوفًا على الآية.

ومنها: أنها قد تكون أحيانًا حرف عطف في الصورة الظاهرة دون الحقيقة الواقعة؛ فشكلها الظاهر هو شكل العاطفة، ولكنها لا تعطف مطلقًا وقد سبق3 الكلام على هذا النوع.

1 في هامش ص573.

2 في ص574 وللبيان المفيد الذي في رقم 2 من هامش ص555.

3 في: هـ ص536.

ص: 578

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- أشار النحاة إلى وهم يقع فيه من يعرب: "ثم" حرف عطف في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} لأن "ثم" لا تصلح عاطفة هنا؛ إذ إعادةُ الخلق لم تقع، وإذا لم تقع فيكف يُقِرون برؤيتها؟ لهذا كانت "ثمّ" لاستئناف في الآية. ويؤيد كونها للاستئناف في الآية قوله تعالى بعد ذلك:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ؛ فمن المستحيل أن يسيروا فينظروا بدء الخلق ثم إنشاء النشاة الآخرة. والاستئناف أحد المعاني التي تؤديها ثلاثة من الأحرف؛ هي: "الواو، والفاء، وثمّ". وحين يكون الحرف للاستئناف لا يكون للعطف. قال الفيروزبادي صاحب "القاموس المحيط" في كتابه الآخر المسمى: "بصائر ذوي التمييز" عند الكلام على معاني "ثمّ"1 –ما نصه: "تكون للابتداء كقوله تعالى في سورة فاطر: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ا. هـ.

وسيجيء في الجزء الرابع –عند الكلام على "واو المعية". باب إعراب الفعل2– ما يؤيد وقوع "ثم" للاستئناف، ويزيد الحكم بيانًا ووضوحًا.

ب- "ثم" تصلح للوقوع بعد همزة الاستفهام مباشرة إذا كان المعطوف بها جملة، واقتضى الاستفهام على الوجه المشروع في "د" من ص570 فهي كالواو والفاء3 في هذا. ولا يقع بعد الاستفهام مباشرة من حروف العطف غير هذه الثلاثة.

ج- ما حكْم الضمير بعد "ثم" إذا كان عائدًا على "المتعاطفين" أيطابقهما أم لا يطابق؟ الجواب في رقم 3 من ص657.

1 ج2 ص344.

2 م149.

3 انظر رقم 3 من هامش ص575.

ص: 579

4-

حتى:

معناها الدلالة على المعطوف بلغ الغاية في الزيادة أوالنقص بالنسبة للمعطوف عليه1؛ سواء أكانت الغاية حسية أم معنوية، محمودة أم مذمومة، نحو: لم يبخل الغنيُّ الورعُ بالمال حتى الآلاف، ولم يُقَصَّرْ في العبادة حتى التهَجُّدِ2. ومثل: حبسَ البخيل أمواله حتى الدِّرهمَ، وارتضى لنفسه المعايب حتى الاستجداءَ.

ولا تكون عاطفة إلا باجتماع شروط أربعة 3:

أ- أن يكون المعطوف بها اسمًا "فلا يصح أن يكون فعلًا، ولا حرفًا4، ولا جملة5"، نحو: استخدمت وسائل الانتقال حتى الطيارةً، فلا يجوز

1 بمعنى أن المعطوف عليه لو استمر متجهًا في صعوده أو في انخفاضه لكان غاية ما يصل وينتهي إليه من شرف أو خسة، أو قوة أو ضعف،.... أو نحو هذا من كل ما يفيد زيادة ونقصًا هي الدرجة التي وصل إليها المعطوف. "وكل هذا بحسب التخيل العقلي المحض، لا الواقع؛ لأن الواقع الخارجي قد يعارضه انظر رقم 2 من هامش ص582.

2 الصلاة بالليل.

3 زاد بعضهم شرطًا آخر؛ هو: أن يكون المعطوف بها مشتركًا مع المعطوف عليه في معنى عاملها؛ فلا يصح:

صمت الأيام حتى يوم عيد الفطر: لأن يوم عيد الفطر لا يباح صومه شرعًا.

4 لأن الحرف –في الغالب– لا يدخل على نظيره في اللفظ والعمل إلا في التوكيد اللفظي، أو في الضرورة الشعرية.

5 إذا دخلت "حتى" على جملة فعلية فعلها ماض أو على جملة اسمية، فهي حرف ابتداء، وهي: كما قال الخضري ج2 باب العطف عند الكلام على: "حتى" الداخلة على جملة مضمونها غاية "أي: نهاية" لشيء قبلها؛ مثل قول الشاعر:

ملأنا البر حتى ضاق عنا

وبحرُ الأَرض نماؤه سفينا

في بعض الروايات وسئل: "المعروف يأسر القلوب، حتى قلوبُ الأعداء مأسورةٌ به". فإن دخلت على مضارع مرفوع بابتدائية، أو منصوب فجارة. ولا بد في الابتدائية ألا تنقطع الصلة المعنوية بين ما قبلها وما بعدها، برغم أن ما بعدها لا بد أن يكون جملة مستقلة في إعرابها. أما قول الفرزدق يذم "كُلَيْبَا" قبيلة الشاعر جرير:

فواعجبًا!! حتى كليب تَِسُبُّني

كأن أَباها نهشَل أو مُجَاشِع

ونهْشَل ومجاشع من آباء الفرزدق فيقول المغني، ج1 عند الكلام على "حتى" ما نصه:"لا بد من تقدير محذوف قبل "حتى" في هذا البيت يكون ما بعد حتى غاية له، أي: فواعجبًا "يسبني الناس حتى كليب تسبني

" ا. هـ. "كما سيجيء في باب إعراب المضارع بأن مضمرة وجوبًا. أما "الجارة ففي ج2 م90 ص545".

ص: 580

العطف في نحو: صفحت عن المسيء حتى خَجِل، وتركته لنفسه حتى نَدِم، ولا في قول المعَري:

وهوّنتُ الخطوب عليّ، حتى

طأنّي صرت أَمْنَحُها الودادا

ب- أن يكون الاسم المعطوف بها اسمًا ظاهرًا لا ضميرًا، وصريحًا لا مؤولًا؛ فلا يجوز اعتبارها حرف عطف في مثل: انصرف المدعوون حتى أنا. وقد ارتضى بعض المحققين الاستغناء عن هذا الشرط، وأجاز المثال السالف، وأشباهه. وفي الأخذ برأيه توسعة وتيسير. كما لا يجوز اعتبارها عاطفة في مثل:"أحب المقالات الأدبية حتى أقرأ الصحف"؛ لما يترتب على هذا من وقوع معطوفها مصدرًا مؤولًا. وهذا لا يصح.

ج- أن يكون المعطوف بعضًا حقيقيًا1 من المعطوف عليه، أو شبيهًا بالبعض2، أو بعضًا بالتأويل3. فمثال البعض الحقيقي: بالرياضة تقوى

1 البعض الحقيقي –هنا– إما أن يكون جزءًا من الكل بحيث لا يوجد الكل الكامل بغيره؛ نحو: أفاد الدواء الجسم حتى الإصبع، وإما أن يكون فردًا في مجموع؛ نحو: سهر الجيش حتى القائد، وأما أن يكون نوعًا من جنس يشمل أنواعًا كثيرة؛ نحو: النبات نافع حتى المتسلق.

2 هو العَرَض الملازم للكل من غير أن يدخل في تكوين ذاته الأصلية؛ كالجمال والعلم، واللون، والخلق، والصوت، نحو: راقني الخطيب حتى ابتسامته

3 أي: بتقدير أنه كالبعض، واقتراض ذلك. والمراد به: ما يصاحب "الكل" ويرافقه في أحيان كثيرة دون أن يكون جزءًا حقيقيًا منه، ولا ملازمًا له ملازمة دائمة

نحو: حضر القطار فنزل المسافرون، حتى الحقائب. وهذا يقتضي أن يكون البعض التأويل ملاحظًا في نفس المتكلم عند النطق بالكل، وداخلًا في نيته وتقديره أنه بمنزلة البعض؛ لأهميته وشدة اتصالهز ومن أمثلته التي عرضها النحاة قول شاعر يصف هاربًا من مسلكه الذي أمر بقتله:

ألقى الصحيفة كي يخفف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

برواية من نصب كلمة: "نعل" على اعتبار أن ما قبلها وهو "ألق الصحيفة.. والزاد" في تأويل: ألقى عنه الحمل الثقيل. ونعله بعض ما يثقله؛ فيكون معطوفًا على "الصحيفة"، وهناك روايات في ضبط تلك الكلمة لا تعنينا هنا.

ص: 581

الأعضاء حتى الرجل، ومثال الشبيه بالبعض: أعجبني العصفور حتى لونه1 ومثال البعض بالتأويل: تمتعت الأسرة بالعيد حتى طيورها.

د- أن تكون الغاية الحسية أو المعنوية محققة لفائدة جديدة، فلا يصح: قرأت الكتب حتى كتابًا، ولا سافرت أيامًا حتى يومًا

أحكامها:

منها: أنها لمطلق الجمع كواو العطف عند عدم القرينة؛ فلا تفيد الترتيب الزمني بين العاطف والمعطوف في الحكم نحو: أديت الفرائض الخمس حتى المغرب، ووفيت أركان كل صلاة حتى الركوع2، وكقول الشاعر:

رجالي -حتى الأقدمون- تمالئوا

على كل أمر يورث المجد والحمدا

ومنها: إعادة حرف الجر وجوبًا بعد "حتى" إذا عطف بها آخر شيء، والمعطوف عليه مجرور بمثل ذلك الحرف، ويلتبس المعنى بعدم إعادته؛ نحو: سافرت في الأسبوع الماضي حتى في آخره، إذا كان المراد السفر في أوقات متقطعة من الأسبوع، وبعضها في آخره. فلو لم تذكر كلمة:"في" مرة ثانية بعد: "حتى" لكان من المحتمل فهم المراد بأنه السفر المتصل من أول الأسبوع إلى آخر لحظة فيه. وهذا غير المقصود، فمن الواجب أن يعاد بعدها حرف الجرّ إذا كان "المعطوف عليه" مجرورًا بمثيله؛ لكيلا تلتبس بالجارة. فإن تعيَّن3 العطف بحيث يمتنع اللبس المعنوي كانت الإعادة جائزة لا واجبة، نحو: فرحت بالقادمين حتى أولادهم، وقول الشاعر:

1ولا يصح: حتى: نظيره، أو فرخه، كما لا يصح أعجبني ألأخت حتى جارها.

2 قالوا: لا يعتبر إلا الترتيب الذهني من الأضعف إلى الأقوى، أو بالعكس ولا يعتبر الترتيب الخارجي؛ لجواز أن تكون ملابسة الفعل لما بعدها سابقة على ملابسته للأجزاء الأخرى، أو في أثنائها، أو معها في زمان واحد؛ نحو مات كل أب للناس حتى آدم -ومات الناس حتى الأنبياء- وجاءني القوم حتى على، إذا جاءوا كلهم مجتمعين وعلى أقواهم أو أضعفهم. ويؤيد ما سبق قوله عليه السلام:"كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس". لأن تعلق القضاء والقدر بهذين لا يتأخر عن غيرهما، فالمراد من كل ما سبق أنها تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها في الذهن حتمًا، أي: تدريجها من الأضعف إلى الأقوى وعكسه، ولو كان هذا مخالفًا لما في خارج الذهن والواقع "راجع الخضري والصبان، ورقم 1 من هامش ص 580".

3 ضابط تعين العطف وعدم تعينه هو: أنه متى ص إحلال الحرف "إلى" محلها كانت محتملة للأمرين، وإلا تعينت للعطف.

ص: 582

جودُ يُمْنَاك فاضَ في الخلْقِ حتَّى

بائسٍ دانَ بالإِساءةِ دينا

ومنها: أن استعمالها عاطفة أقل من استعمالها جارة، فيراعيَ هذا في كل موضع يصلح فيه الأمران؛ نحو: قرأت الكتابَ حتى الخاتمة، فيجوز نصب "الخاتمة" باعتبارها معطوفة "بحتى" على:"الكتاب". ويجوز جرها باعتبار "حتى" حرف جر، والأحسن الجرّ؛ لأن العطف بالحرف:"حتَّى" أقل في كلام العرب1 من استعمالها جارة2.

1 وفيما سبق خاصًا بالحرف: "حتى" يقول ابن مالك:

بعضًا بحَتَّى اعْطِفْ عَلَى كلِّ، وَلَا

يَكُونُ إِلَاّ غَايَةَ الَّذِي تَلَا

أي: اطعف حتى بعصًا على كل "فالمعطوف جزء من المعطوف عليه" ولا يكون المعطوف غاية للذي تلاه. "والذي تلاه المعطوف أي: جاء بعده المعطوف هو: المعطوف عليه". يريد؛ أن المعطوف لا بد أن يكون غاية للمعطوف عليه في الزيادة أو النقص بحيث نتخيل المعطوف عليه يستمر في زيادته أو نقصه حتى يصل في درجته للمعطوف. "كما أوضحنا في رقم 1 من هامش ص580".

2 وبسبب هذه القلة لا يوافق الكوفيون على استعمالها حرف عطف مطلقًا

ويستثنى من الحالة السابقة التي يكون فيها الجر أحسن، صورة:"الاشتغال" في مثل: صافحت القوم حتى طفلًا صافحته، من كل اسم وقع بالحرف "حتى؛ والمعطوف عليه هو: القوم. والفعل: "صافح" الثاني، توكيد للأول. فإن اشتغل برفع الضمير نحو: حضر القوم حتى طفل حضر، امتنع النصب، وصح الرفع في هذا المثال. وإنما كان النصب أحسن في الحالة الأولى لتكون بين الضمير ومرجعه مشابهة في الإعراب.

ص: 583

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- ومن أحكامها أنها لا تعطف نعتًا كما تقدم1. وأنها لا تقع في صدر جملة تعرب خبرًا2.

ب- أشرنا3 إلى أن "حتى" العاطفة –كالواو– لمطلق الجمع عند عدم القرينة، لا الترتيب الزمني في الحكم، نحو: مات كل الأنبياء حتى نوح. واستدلوا على هذا بأمثلة مختلفة؛ منها قوله عليه السلام: "كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز، والكيْس" إذ لا يتأخر تعلق القضاء والقدر بهما عن غيرهما. لكنها –في مثل هذه الحالة– تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنًا؛ أي: تفيد تدريجها من الأضعف إلى الأقوى وعكسه طبقًا للبيان والتفصيل السالفيْن4.

وتكون كالواو أيضًا في عطفها الخاص على العام. وفي وجوب مطابقة الضمير العائد على المتعاطفين بعدها لهما5

1 في رقم 2 من هامش ص481.

2 طبقًا لما سبق إيضاحه وتكراره بالجزء الأول م35 هامش ص428.

3 في ص582 وهامشها.

4 كما في رقم 1 من هامش ص585.

5 طبقًا للبيان الذي في رقم 3 ص657.

ص: 584

5-

أمْ: نوعان1؛ متصلة، ومنقطعة، "أو: منفصلة".

النوع الأول: "المتصلة"، وهي المسبوقة بكلام مشتمل على همزة التسوية2، أو على همزة استفهام يراد منها ومن "أمْ" التعيين "ويكون معناهما في هذه الحالة هو:"أيّ" الاستفهامية"3. فالمتصلة قسمان4، ولكل منهما علامة تميزه من الآخر:

أ- علامة: "أمْ" المتصلة بهمزة التسوية أن تكون متوسطة بين جملتين خبريتين، قبلهما معًا همزة تسوية5، وكلتا الجملتين صالحة لأن يحل محلها هي والأداة التي تسبقها6 مصدر مؤول من هذه الجملة؛ فهما جملتان في تأويل مفردين ويبين هذه المفردين "واو" عاطفة تُغْنى عن "أم"؛ كقولهم: على

1 وكلاهما لا يعطف نعتًا على نعت. "طبقًا لما تقدم في رقم 2 من هامش ص481".

2 سميت همزة التسوية لوقوعها بعد لفظ: "سواء"، أو "لا أبالي"

، أو ما يشبههما في دلالته على أن الجملتين المذكورتين بعده متساويتان في حكم المتكلم أي: في تقديره لأثرهما لا فرق عنده بين أن يتحقق معنى هذه أو معنى تلك؛ إذ لا تفصيل لأحدهما على الآخر؛ فالأمران سيان عنده؛ نحو: لن أتخلف عن عملي: سواء عليّ أكان الجو معتدلًا أم منحرفًا، ونحو: لن يتخلى الشريف عن حريته؛ سواء عليه أيلقى الإعتات والشقاء أم يلقي الإكبار والتقدير: مثل قول الشاعر:

أَكُرُّ على الكَتِيبة لا أُبَالِي

أَحَتْفِي كان فيها أَم سواها

"وانظر رقم 3 من هامش ص588 ورقم 3 من هامش ص593" فكلمة: "أم" توسطت بين جملتين معناهما مختلف، وقبلهما "همزة التسوية" التي تدل على أن المعنيين المختلفين منزلتهما واحدة عند المتكلم، وفي تقديره؛ فيتساوى عنده اعتدال الجو وانحرافه، ويتساوى عنده الإعنات والشقاء، والإكبار والتقدير، وكذلك الموت في كتيبة يهجم عليها، أو في غيرها.

ومما تجب ملاحظته أنها لا تحتاج إلى جواب محتم، ومن الجائز –لا الواجب– أن يكون لها جواب أحيانًا –كما سيجيء في ص594– وأن التسوية مستفادة من كلمة "سواه" أو مما يدل دلالتها؛ مثل:"لا أبالي". وليست مستفادة من الهمزة، وإنما فائدة الهمزة هي تقوية التسوية، وتأكيدها. ويصح الاستغناء عن هذه الهمزة بقرينة تدل عليها –كما سيجيء في ص596.

3 طبقًا للإيضاح الآتي في "ب" من ص589.

4 يجوز حذف "أم المتصلة" مع معطوفها؛ طبقًا للبيان الآتي في ص636، كما يجوز حذف المعطوف عليه قبلها، بالإيضاح الذي في ص639.

5 إذا كانت إحدى الجملتين منفية وجب تأخيرها عن "أم" كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص591 وفي ص594.

6 الأداة هنا هي: "الهمزة" في الجملة الأولى، "وأم" في الجملة الثانية.

ص: 585

العقلاء أن يعملوا برأي الخبير الأمين، فإن العمل برأيه غُنْم؛ سواءٌ أيوافق الرأيُ هواهم أم يخالفه". والتقدير: موافقةُ الرأي هواهم ومخالفتُه سواء. ومثل: "سؤال الناس مَذَلة وهوان؛ سواء أكان المسؤول قريبًا أم كان غريبًا". أي: سواءٌ كونُ المسؤول قريبًا وكونه غريبًا. فقد حل محل الجملة الفعلية الأولى في المثالين ومعها همزة التسوية، مصدر مؤول من الهمزة والجملة معًا؛ هو مصدر الفعل1 المذكور فيها مع إضافته إلى مرفوعه "فاعلًا كان، أو اسمًا لناسخ

" وحل محل الجملة الفعلية الثانية في المثالين ومعها "أمْ" مصدر مؤول هو مصدر الفعل المذكور فيها مع إضافته إلى مرفوعه كذلك، وجاءت "الواو" بدلًا من "أمْ" في المثالين؛ لتعاطف المصدر الثاني المؤول على نظيره المصدر الأول. ويعرب المصدر الأول على حسب حاجة الجملة

فيعرب في المثالين السالفين خبرًا، مبتدؤه كلمة:"سواء" أو العكس. وقد يعرب في غيرهما مفعولًا به، أو

أو.. على حسب الموقع

ويعرب المصدر المؤول الثاني معطوفًا على الأول بالواو.

والجملتان إما فعليتان كما رأينا –وهو الأكثر، ومنه قوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ، والتقدير: إنذارك2 وعدنُه سواءٌ. وقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} ، والتقدير: جزعنا وصبرنا سواء3 وإما اسميتان كقول الشاعر:

1 فإن لم يكن في الكلام فعل أغنى عنه مشتق آخر من المشتقات؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول

؛ فيصاغ المصدر المؤول عندئذ من المشتق مع مرفوعه. ويوضح هذا النوع من الإضافة والسبك ما سبق في ص28 و84 وكذلك ما سبق في ج1 ص395 م29 آخر باب الموصول حيث الكلام في كل ذلك على المصدر المؤول من غير سابك. "انظر رقم 2 و3 التاليين".

2 من الممكن بعد همزة التسوية سبك المصدر المؤول بدون حرف سالك؛ طبقًا للبيان الذي تقدم في موضعه المناسب. "وهو حروف السبك ج1 م29 ص473 وج2 م91 ص256".

3 في تأويل هذا المصدر وباقي الأمثلة المشابهة، وإعراب الآية معه، جدل طويل احتوته المطولات. وقد لخصه "الخضري" في حاشيته تلخيصًا نافعًا، وإنا نسوقه هنا لفائدته النحوية واللغوية. قال:

"أعرب الجمهور لفظ "سواء" –في الآية– خبرًا مقدمًا، عن الجملة التي بعده لتأويلها بمصدر. أي: جزعُنا وصبرُنا سواء علينا، أو عكسه وهو إعراب "سواء" مبتدأ والمصدر المؤول خبره؛ =

ص: 586

وَلَسْتُ أُبالي بعد فقْديَ مالكًا

أَمَوْتِيَ ناءٍ أَم هُوَ الآَنَ واقعُ

= لأن الجار والمجرور والمتعلق بلفظ "سواء" يُسَوغ الابتداء به وجعلوه "أي: لفظ سواء" من مواضع سبك الجملة بلا سابك؛ كهذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، مما أضيف فيه الظرف إلى الجملة –وقد سبقت الإشارة إليه في باب الإضافة ص38 و83– تسمع بِالمُعَيْدِيِّ خير من أن تراه، مما أخبر فيه عن الفعل بدون تقدير:"أنْ". ولا يرد أن: للعطف والتشريك كما انسلخت الهمزة –في الآية ونظائرها– عن الاستفهام، واستعيرت للإخبار باستواء الأمرين في الحكم، بجامع استواء المستفهم عنهما في عدم التعيين، فالكلام معها خبر لا يطلب جوابًا؛ ولذا لم يلزم تصدير ما بعدها. فجاز كونه مبتدأ مؤخرًا. وعلى هذا يمتنع بعدها العطف "بأو" لعدم انسحلاخها عن: الأحد، "أي: عن أحد الشيئين" ك "أم". التي انسلخت عنه ولذا لحن في المغني قول الفقهاء: "سواء كان كذا وكذا". وصوابه: "أم". لكن نقل الدماميني عن السِّيرافي، أن "أو" لا تمتنع في ذلك إلا مع ذكر الهمزة لا مع حذفها. قال وهذا نص صريح يصح كلام الفقهاء اجع أيضًا رأي سيبويه في "ب" من ص611، في نهاية الكلام على: "أو" العاطفة أما التنافي المذكور فيتلخص منه بما اختاره الرضى من أن "سواء" خبر مبتدأ محذوف: أي: الأمران سواء، والهمزة. بمعنى: "إنْ" الشرطية. لدخولها على أمر غير متيقن، وجذف جوابها لوجود ما يدل عليه، وجي لها لبيان الأمرين؛ أي: إن قامت أو قعدت فالأمران سواء؛ "فأقام" للأحد، مثل: "أو" في أن الأصل فيها أن تكون لأحد الشيئين، أو الأشياء، كما سيذكر في "أ" ص611 وفيها بعض حالات مستثناة هناك والجملة غير مسبوكة ونقل عن السيرافي مثله" ا. هـ.

وواصل الخضري كلامه قائلًا؛ "وإذا تأملت ذلك علمت أنه على إعراب الجمهور لا تصح "أو" مطلقًا، لما فإنها من التسوية إلا أن يدعي انسلاخها عن "الأحد" مثل "أم". أما على إعراب "الرضيّ" فتصح مطلقًا؛ فلا وجه لقصر جوازها على عدم الهمزة؛ إذ المقدر كالثابت. على أن التسوية كما قاله المصنف مستفادة من "سواء" لا من الهمزة. وإنا سميت همزة التسوية لوقوعها بعد ما يدل عليها، وحينئذ فالإشكال في اجتماع: "أو" مع "سواء" لا الهمزة" ا. هـ. بتصرف يسير في بعض كلمات أزيل غموضها.

ومثل هذا في حاشية الصبان مع اختلاف يسير في القاعدة. والأفضل الأخذ بما جاء في الخضري لأنه يساير أكثر الكلام المأثور. ويدل دلالة واضحة على إباحة استعمال: "أو في كل" الحالات.

وقد صحح اجتماع "أو" وهمزة التسوية بعض المحققين، مخالفًا في هذا رأي سيبويه المشار إليه الآتي في "ب" من ص611 ومنهم صاحب حاشية الأمير على "المغنى" ج1 عند الكلام على "أم" المتصلة، والعطف بالحرف:"أو" عد الهمزة. هذا إلى قراءة بعضهم قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} . بدلًا من "أم لم تنذرهم"

ولا يقال إن هذه القراءة –عند بعضهم- شاذة؛ لأن ما يجوز في القرآن الكريم يجوز في غير من باب أول، كما نص عليه الثقات، أما إعراب "الرضي" فمع وضوحه ويسره حين تكون الجملتان فعلتين يحتاج إلى تأويل وتقديره محذوفات حين تكون الجملتان اسميتين أو مختلفتين.=

ص: 587

والتقدير: لست أبالي نَأىَ1 موتى وقوعه الآن. وإما مختلفتان بأن تكون الأولى "وهي المعطوف عليها" فعلية: والثانية "وهي المعطوفة" اسمية كقوله تعالى عن الأصنام: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ، والتقدير: سواء عليكم دعاؤُكُم إياهم وصمْتُكُم. أو العكس، نحو: لا يبالي الحرّ في إنجاز العمل أرئيسهُ حاضر أم يغيب. والتقدير: لا يبالي الحرُّ حضورَ رئيسه وغيابه2. والمصدر المؤول هنا مفعول به

والجملة بمعنى: سواءٌ على الحرّ أرئيسه حاضر أم غائب.

وليس من اللازم أن تكون همزة التسوية مسبوقة بكلمة "سواء" فقد يغنى عنها ما يدل دلالتها في التسوية؛ نحو: "ما أبالي"

أو ما يشبهها من هذه الناحية3 إنما اللازم أن تكون مسبوقة بكلمة: "سواء" أو بما يؤدي

= وهناك إعرابات أخرى؛ منها: اعتبار كلمة: "سواء" متضمنة معنى المشتق، فهي بمعنى: متساو –مثلًا– وأنها على حسب هذا التضمن مبتدأ والمصدر المؤول بعدها فاعله، أو أنها خير مقدم

كما جاء في كتاب: العكبري، المسمى "إملاء ما مَنَّ به الرحمن". لكن في كلام الخضري السابق الكفاية.

وجاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة فأصدر قرارًا حاسمًا في الاستعمالات السالفة، وسجل قراره في ص227 من كتابه الذي أخرجه سنة 1969 باسم:"كتاب في أصول اللغة" ونص قراره تحت عنوان "استعمال: "سواء" مع "أم" ومع "أو" بالهمزة وبغيرها،

يجوز استعمال "أم" مع الهمزة وبغيرها وفاقًا لما قرره جمهرة النحاة، واستعمال "أو" مع الهمزة وبغيرها كذلك على نحو التعبيرات الآتية: سواء عليّ أحضرت أم غبت –سواء على عليّ حضرت أم غبت سواء على أحضرت أو غبت– سواء على حضرت أو غبت. والأكثر في الفصيح استعمال "الهمزة" و"أم" في أسلوب "سواء" ا. هـ.

1 أي: بُعْد مجيئه، وتأخر زمنه.

2 العطف في الآية يؤيد الرأي الأرجح الذي يبيح عطف الجملة الاسمية على الفعلية والعكس. بالطريقة الموضحة هناك "انظر ص655".

3 يرى بعض النحاة أن الهمزة بعد: "ليت شعري –لا أعلم– ما أدري

" لطلب التعيين فقط، لأن تلك الألفاظ ليست في حكم: "لا أباي" التي تكون بعدها الهمزة للتسوية؛ فكأن القائل يريد: لا أدري جواب هذا الاستفهام

ويخالفهم آخرون؛ فيرون الألفاظ السالفة كلها خاضعة لحكم واحد هو اعتبار الهمزة بعدها للتسوية. والحق أن المراد من هذه الألفاظ يتوقف على القرينة –وأهمها السياق– فهي التي تحدد الغرض؛ فيتعين نوع الهمزة، أهِي للتسوية أم للتعيين. فإن لم توجد القرينة فالرأي الأول هو الأصح. هذا، وسيبويه يجيز العطف "بأم" و"بأو" بعد "ليت شعري، وما أدري" إذا سبقتهما الهمزة. ولرأيه تكمله تجيء في "ج" من ص605 وفي "ب" من ص611.

ص: 588

معناها؛ كما في بعض الأمثلة السابقة.

هذا، ولا شأن لهمزة التسوية بالاستفهام فقد تركته نهائيًا وتمضحت للتسوية.

حكم هذا القسم:

مما سبق يتبين أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية لا تَعطف إلا جملة على جملة وكلتا الجملتين خبرية بمنزلة الفرد؛ لأنها صالحة مع الأداة لأن يحل محلها مصدر مؤول. ولا شأن لها بعطف المفردات إلا نادرًا؛ لا يقاس عليه، ومن صور هذا النادر القليل الذي لا يقاس عليه أن تتوسط بين مفرد وجملة1؛ كقول القائل:

سواءٌ عليك النَّفْر2 أم بتَّ ليلةً

بأَهلِ القِباب من عُمَيْر3 بن عامر

وعلامة: "أم" المسبوقة بهمزة التَّعيين أن تكون متوسطة بين شيئين، ينسب لواحد غير معين منهما أمر يعلمه المتكلم. ولكنه لا يعلم –على وجه التعيين– صاحبه منهما، وقبلهما معًا همزة استفهام، يراد منها ومن "أم" تعيين أحد هذين الشيئين4، وتحديد المختص منهما بالأمر الذي يعرفه المتكلم، ويَسأل

1 راجع حكم عطف الجملة على المفرد في مكانه "ص659" ويضعف أن يكون العطف في البيت عطف ماض على مصدر "انظر ص650 وما بعدها". وأحسن من هذين أن تكون الجملة بعد "أم" في تأويل مصدر معطوف على المصدر السابق عطف مفردات، وأن تكون "أم" العاطفة بمعنى الواو؛ طبقا لما سبق في ص585 وما بعدها.

2 الرحيل.

3 في رواية أخرى: "نمير" –بالنون– طبقًا للوارد في كتاب: "معاني القرآن" للفراء، ج1 ص401.

4 يكون المراد من التعيين إما طلب تعيين أحد شيئين مجسمين، وتخصيص الأمر المعلوم للمتكلم بأحد هذين الشيئين المجسمين؛ كما في مثال: أعمك مسافر أم أخوك؟ فالحكم المعلوم هو: السفر، والمجهول المراد تعيينه هو الشخص "أي: الذات" الذي ينسب له الحكم السالف. وإما طلب تعيين احد أمرين معنويين وتخصيصه بذات معلومة، نحو: أسَفَرُ أخيك أنفع أم إقامته، فالحكم -أي: السفر- المجهول. والشخص "أي الذات" هو المعروف. هذا، ويصح الاستغناء عن هذه الهمزة على الوجه المبين في ص596.

ص: 589

عن صاحبه الحقيقيّ؛ ليعرفه على وجه اليقين، لا التردد والشك؛ نحو: أعَمّك مسَافر أم أخوك؟ فقد وقعت "أمْ" بين شيئين، هما:"عم" و"أخ" وقبلهما همزة استفهام1 يريد المتكلم بها و"بأمْ" أن يعين له المخاطب أحد الشخصين تعيينًا قاطعًا يدل على المسافر منهما دون الآخر. فالمتكلم يعلم يقينًا أن أحدهما مسَافر؛ لكم مَِن منهما؟ هذا هو ما يجهله المتكلم، ويريد أن يعرفه بغير تشكك فيه؛ إذ لا يدري؛ أهو: العم أم الأخ؟، ومن أجله يطْلب من المخاطب أن يُعَيِّن له المسافر تعيينًا مضبوطًا، ويحدده تحديدًا يؤدي إلى كشف حقيقته وذات، فيمكن بعد هذا إسناد السَّفر إليه وحده، ونسبيته إليه، دون غيره. فالسفر المجرد ليس موضع السؤال؛ لأنه غير مجهول للمتكلم، إنما المجهول الذي يسأل عنه ويريد أن يعرفه هو تعيين أحدهما، وتخصيص فرد منهما بالأمر دون الآخر.

ومن الأمثلة أيضًا: أعادلٌ واليكم أم جائز؟ فقد وقعت "أم" بين شيئين؛ هما: عادل وجائر، وقبلهما معًا همزة الاستفهام التي يريد المتكلم بها وبأمْ استبانة أحد الشيئين، وتحديدهُ، وتعيينه، ليقتصر المعنى عليه، وينسب إليه وحده. ذلك أن المتكلم يقطع بأن هناك واليًا، ولا يشك في وجوده، ولكن الذي يجهله ويريد أن يعرفه من المخاطب هو: تعيين هذا الوالي، وتحديد أمره؛ بحيث يكون واحدًا محددًا من هذين الاثنين لا يتجه الفهم إلى غيره مطلقًا. وتسمى هذه الهمزة:"بالمغْنية عن كلمة: "أيّ" لأنها مع "أم" يغنيان عن كلمة: "أي" في طلب التعيين، وليست الهمزة وحدها -فمعنى؛ أعمك مسافر أمْ أخوك؟ هو: أيّهما المسافر؟ ومعنى أعادل وإليكم أم جائز: أيّ الأمرين واقع ومحقق؟

حكم هذا القسم:

يشترط في: "أمْ" هذه –كما سبق– أن تتوسط بين الشيئين اللذّين يراد

1 قال الصبان في باب العطف عند آخر الكلام على همزة التسوية وما يتصل بها ما نصه: "قد تكون "هل" بمعنى "الهمزة" فيعطف "بأمْ" بعدها؛ كحديث: "هل تزوجن بكرًا أم ثيبًا"؟ " ا. هـ كلام الصبان. هذا وفي شعر الحسن بن مثير "وهو أموي من شعراء الحماسة، يحتج بكلامه" قوله:

هل الله عافٍ عن ذنوب كثيرة

أم الله –إن لم يعفُ– يعيدها؟

ص: 590

تعيين أحدهما؛ فيقع قبلها واحد منهما، ويقع بعدها الآخر1؛ كما في الأمثلة2.

ولما كان التعيين والتحديد هما الغرض من الاتيان "بأمْ" هذه ومعها همزة الاستفهام التي قبلها وجب أن يجيء الجواب مشتملًا على ما يحقق الغرض؛ فيتضمن النص الصريح بذكر أحد الشيئين وحده. فيقال في المثال الأول: "العم

" مع الاقتصار على هذا. أو: "الأخ

" مع الاقتصار عليه. ويقال في المثال الثاني: "عادل" كذلك، أو "جائز".

ولا يصح أن يقال في الإجابة عن السؤالين وأشباههما: نعَم، أوْ: لا؛ لأن الإجابة بأحد هذين الحرفين –أو بأخواتهما من أحرف الجواب– لا تفيد تعيينًا، ولا تحديدًا، وإنما تفيد الموافقة على الشيء المسؤول عنه أو المخالفة. وهذه الموافقة أو المخالفة لا تحقق الغرض المقصود من استعمال "أمْ" المتصلة المسبوقة بهمزة الاستفهام على الوجه الذي شرحناه3.

ولهذا القسم من قسمى "أم" المتصلة صور مختلفة؛ منها:

1-

أن تقع بين مفردين متعاطفين بها، وبينهما فاصل لا يسأل عنه المتكلم -وهذه الصورة هي الغالبة- كأن يقول قائل لآخر: شاهدت اليوم سباق السباحين؛ أمحمد هو الذي فاز أم محمود؟ فالمراد من السؤال تعيين واحد من الاثنين، وقد توسط بينهما أمر ليس موضوع الاستفهام، لأنه أمر معروف

1 وإذا كان أحد الشيئين منفيًّا تعين تأخيره عن "أم" دون الآخر –كما سبق في رقم 5 من هامش 585 وسيجيء هذا في أول ص594-.

2 وفي "أم" المتصلة بنوعيها يقول ابن مالك:

وَ "أَمْ" بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزٍ التَّسويَهْ

أَوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ

"إثر: بعد" والهمزة المغنية عن لفظ: "أيّ" هي الهمزة التي يقصد بها وبأم التعيين على الوجه الذي شرحناه. وهذه الهمزة لا تغني وحدها عن "أي"، وإنما تغني بشرط انضمام "أم" إليها؛ فهما معًا يغنيان عن "أي" التي تسد مسدهما.

3 قد يجاب بالحرف: "لا" أو غيره مما يفيد جوابًا منفيًا إذا كان المقصود من "لا" نفي وقوع أحد الشيئين، أو الأشياء. وإظهار خطأ السائل في اعتقاده ثبوت أحد الشيئين، أو الأشياء. وقياسًا على حالة النفي السابقة، يرى بعض النحاة أن يجاب بالحرف:"نعم" –أو غيره مما يفيد جوابًا مثبتًا– إذا كان المقصود إثبات وقوع كل من الشيئين أو الأشياء، وإظهار خطأ السائل في اعتقاده ثبوت شيء واحد فقط.

ص: 591

للمتكلم، وهو الفوز، أما المجهول الذي يريد أن يعرفه فهو الفائز.

وقد تقع بين مفردين تعطفاهما، مع تأخر شيء عنها لا يسأل عنه المتكلم؛ تقول في المثال السالف: أمحمد أم محمود هو الذي فاز؟ وكأن يقول قائل: كتاب "العقد الفريد" كتاب أدبي نفيس، فتقول: نعم سمعت اسمه يتردد كثيرًا. ولكن أغال أم رخيص كتاب "العقد الفريد"؟ فأنت تسأل عن غلوه ورخصه، وتطلب بسؤال تعيين أحدهما، وليست تسأل عن الكتاب ذاته، فإنك تعرفه

ومن الأمثلة السسالفة يتبين أ، الذي يلي الهمزة مباشرة هو واحد مما يتجه إليه الاستفهام، يراد معرفته وتعيينه، أما الذي لا يتجه إليه الاستفهام فيتوسط أو يتأخر1. وهذا الحكم هو الأكبر والأول، ولكنه ليس بالواجب؛ فليس من المحتم أن يلي الهمزة أحد المرين اللذين يتجه إليهما الاستفهام لطلب التعيين. بل يصح -عن أمن اللبس- أن يقال: أكتاب "العقد الفريد" غالٍ أم رخيص؟ وهذا -بالرغم من صحته- قليل، ودرجته البلاغية ضئيلة ومراعاة الأكثر هي الأحسن.

2-

ومنها: أن تقع بين جملتين ليستا في تأويل مصدر2، وتعطف ثانيتهما على الأولى، وهما، إما فعليتان، نحو: أزراعة مارست، أم زاولت التجارة؟ وإما اسميتان، نحو: أضيفك مقيم غدًا أم ضيفك مسافر؟ وإما مختلفان، نحو: أأنت كتبت رسالة لأخيك الغائب أم أبوك كاتبها؟

3-

ومنها: أن تقع بين مفرد وجملة؛ كقوله تعالى: {إِنْ 3 أَدْرِي

1 لزيادة الإيضاح قالوا: إن الشرط الذي يغلب تحققه في الهمزة المعادلة "أم" –كما سبق– نهو أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين واحد منهما، وأن يلي الآخر "أم" ليفهم السامع من أول الأمر نوع الشيء الذي يطلب المتكلم تعيين. تقول إذا استفهمت بالهمزة عن تعيين المبتدأ دون الخبر: أعليٍّ قائم أم سعيد، وإن شئت قلت: أعليّ أم سعيد قائم. فقد توسط الخبر دون المبتدأ: أقائم سعيد أم قاعد، وإن شئت قلت: أقائم أم قاعد سعيد؟ وعلى الآخر بأنه الخبر الخاضع للقرينة؛ كالتعريف أو التنكير هنا

فما كان منهما معرفة فالأحسن اعتباره هو المبتدأ ولو كان متأخرًا واعتبار النكرة هي الخبر، فإن كانا معرفتين فأقواهما في درجة التعريف هو المبتدأ

وما سبق هو الأغلب الأفصح. أما غيره –هو جائز عند أمن اللبس. مع ضعف درجته البلاغية– فإن يقع بعد الهمزة مباشرة ما ليس من الأمرين المراد تعيين أحدهما.

2 لعدم وجود ما يقضي سبك الجملة، وتأويلها بالمصدر.

3 إن حرف نفي، بمعنى:"ما".

ص: 592

أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ 1 لَهُ رَبِّي أَمَدًا} .

فملخص ما يقال في "أم المتصلة" أنها تنحصر في قسمين؛ قسم مسبوق بهمزة التسوية، ولا تعطف فيه إلا الجمل التي هي في حكم المفرد، "لأن كل جملة منها مؤولة بالمصدر المنسبك"، وقسم مسبوق بهمزة استفهام يُطالب بها وبأمْ التعيين، وتعطف فيه المفردات حينًا والجمل حينًا آخر، أو المفرد والفعل2.

وإنما سميت "أم" في القسمين: "متصلة" لوقوعها بين شيئين مرتبطين ارتباطًا كلاميًا وثيقًا، لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا يستقيم المعنى إلا بهما معًا. لأن التسوية في النوع الأول وطلب التعيين في النوع الثاني لا يتحققان إلا بين متعدد، وهذا التعدد لا يتحقق إلا بما قبلها وما بعدها مجتمعين.

وتسمى كذلك في هذين القسمين: "أمْ المعادِلة" للهمزة؛ لأنها في القسم الأول تدخل على الجملة الثانية المعادلة للجملة الأولى في إفادة التسوية، وهذه الجملة الثانية هي التي تفيد المعادلة في التَّسوية3، وليست "أم". فغير أن "أم" تعتبر معادلة للهمزة ولا "أم" في إفادة التسوية المباشرة.

ولأنها في النوع الثاني تعادل الهمزة في إفادة الاستفهام.

1 الفعل: "يجعل" معطوف على الاسم المشتق الذي يشبهه، وهو:"قريب، وكلمة: "أم" متوسطة بينهما، فليس في الكلام عطف جملة على مفرد –وسيجيء الكلام على مثل هذا العطف في ص649– ولا يصح أن تكون الجملة "من المضارع "يجعل" وفاعله" هي المعطوفة على زعم أنه يمكن تأويلها بمفرد يعطف على مفرد –كالذي يسجيء في رقم 6 من ص659– لا يصح هذا، لأن "أم" إلى التعيين لا يصح تأويل إحدى جملتيها بمفرد؛ إذ لا يوجد سابك، أو نحوه، كما تقدم في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة، وكما سيجيء في ص595.

2 نقول: "الفعل" مراعاة لما سبق في رقم 1 من هذا الهامش.

3 أي: أن الكلام مشتمل على جملتين متعادلتين "متساويتين" من ناحية المراد من كل واحدة. فكأنهما كفتان متساويتان في ميزان واحد، لا ترجح إحدهما الأخرى. أو أنهما نصفان لشيء واحد؛ فلا بد أن يكونا متساووين انظر رقم 2 من هامش ص585.

ص: 593

ويجب في النوعين أن يتأخر عنها المنفيّ؛ -كما أشرنا1- مثل: سواء عليَّ أغضب الظالم لأم لم يغضب. ولا يصح: سواء عليَّ أم يغضب الظالم أم غضِب1. وفي مثل: أمطرٌ نزل أم لم ينزل؟ لا يصح: ألم ينزل مطر أم نزل؟

الفرق بين قسمي "أمْ" التي بعد همزة التسوية عن "أمْ" التي يراد بها وبهمزة الاستفهام التعيين في أربعة أمور:

أولها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا حتميًا2؛ لأن المعنى معها على الإخبار؛ وليس على الاستفهام؛ فقد تركت الاستفهام إلى الإخبار بالتسوية؛ بخلاف الأخرى. فإنها باقية على الاستفهام. فتحتاج للجواب.

ثانيها: أن الكلام مع الواقعة بعد همزة التسوية قابل للتصديق والتكذيب3 إذ هو خبر –كما أسلفنا– بخلاف الأخرى؛ فإن الكلام معها إنشائي؛ لا دخل للتصديق والتكذيب فيه؛ لبقاء الاستفهام على حقيقته في الغالب.

ثالثها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا بد أن تقع بين جملتين –ومن النادر الذي لا يقاس عليه ألا تكون كذلك، كما سبق4– أما الأخرى فقد تكون بين

"1، 1" في رقم 5 من هامش ص585 وفي رقم 1 من هامش ص591.

2 المراد: أنها لا تستحق الجواب استحقاقًا لازمًا، ولا مانع أن يكون لها جواب، لأن الخبر وهو يحتمل الصدق والكذب لذاته، بخلاف الإنشاء يجوز أن يجاب، "بنعم" تصديقًا له، أو:"بلا" تكذيبًا له، لكن هذا جائز لا واجب كما سبقت الإشارة في رقم 2 من هامش ص585.

3 ذلك أن جملة مثل، سواء عَلَيَّ أرضي أم سخط، أو: لست أبالي أرضي الحقود أم سخط –وأشباهها– تقبل التصديق والتكذيب؛ لأنها خبر بخلاف جملة مثل: أسعدٌ مقبل أم علي؟ أو: ما أدري أشار خطيبنا أم ناثر؟.

ومما يلاحظ: أن مجموع: "ما أدري أشاعر خطيبنا أم ناثر"؟ هو كلام خبري محتمل التصديق والتكذيب، ولكنه من غير الجملة التي في صدره وهي:"ما أدري" –يكون إنشائيًا. لأنه اتستفهام.

4 في ص589.

ص: 594

الجمل أو المفردات، أو بين مفرد وجملة.

رباعهما: أن الجملتين اللتين تتوسطهما "أم" الواقعة بعد همزة التسوية لا بد أن تكونا في تأويل مفردين؛ لأن كلاّ منهما في تأويل مصدر منسبك. بخلاف اللتين تتوسطهما "أم" الأخرى، فلا يصح تأويل واحدة منها بمفرد؛ لعدم وجود سبكْ ولا غيره مما يجعلها في حكم المفرد1

1 انظر رقم 6 من ص659.

ص: 595

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- يصح في الأسلوب المشتمل على "أم" المتصلة الاستغناء عن الهمزة بنوعيها إن عُلم أمرها، ولم يوقع حذفها في لبس. فمثال حذف همزة التسوية:"سواء على الشريف راقَبه الناس أم لم ياقبوه؛ فلن يرتكب إثمًا، ولن يقع في محظور". والأصل: أراقبه الناس

، ومثال حذف الأخرى قول الشاعر:

لعَمْرُك ما أَدري –وإِنْ كنت داريًا-

بسبع رَمَيْنَ الجمرَ أَمْ بثَمانِ؟

يريد: أبسبع أم بثمان؟ وتظل حالات: "أم" وأحكامها بعد حذف الهمزة كما كانت قبل حذفها1.

ب- من النادر الذي لا يقاس عليه أن تحذف "أم" المتصلة مع معطوفها كقول الشاعر:

دعاني إليها القلب، إني لأَمره

سميع؛ فما أَدري أَرُشْدٌ طِلابُها

؟

يريد: أم غيَ. وقول الآخر:

أراك فلا أَدري أَهَمٌّ هممته؟

وذو الهمّ قِدْمًا خاشع متضائل

يريد: أهمًٌ أم غيره2

؟

قيل: إن الهمزة للتصديق فلا تحتاج لمعادل –وستجيء إشارة للحذف في ص637-.

ويجوز حذف المعطوف عليه قبلها –كما سيجيء في موضعه المناسب ص639-.

ح- سبقت الإشارة "في ص588 ورقم 3 من هامشها" على أن الهمزة الواقعة بعد: "لا أبالي" هي للتسوية بخلاف الواقعة بعد: "لا أدري، أو لا أعلم، أو ليت شعري" فإنها للتعيْين على الأرجح، وأن سيبويه يجيز العطف بأوْ وأمْ بعد هذه الألفاظ إذا سبقتها الهمزة3.

1 وفي حذفها يقول ابن مالك:

ورُبَّمَا أسقطت الهمزة إن

إن كان خفا المعنى بحذفها أمن

"أسقطت: حذفت" يريد: قد تحذف الهمزة ألا يؤدي حذفها لخفاء المعنى، والوقوع في اللبس.

2 لأن حالته في التغير تنبئ أن الهم أو غيره هو سبب تغيره "كما جاء في كتاب: مجمع البيان لعلوم القرآن، للطبرسي –ج2 ص444-".

3 ولرأيه تكملة تجيء، في "ب" ص592.

ص: 596

النوع الثاني – "أم" المنقطعة، "أو: المنفصلة".

تعريفها: "هي التي تقع –في الغالب– بين جملتين مستقلتين في معناهما، كل منهما معنى خاص يخالف معنى الآخر، ولا يتوقف أداء أحدهما وتمامه على الآخر؛ فليس بين المعنيين ما يجعل أحدهما جزءًا من الثاني. وهذا هو السبب في تسمية: "أم" بالمنقطعة، أو: بالمنفصلة، وفي أن يكون معناها –غير النادر– الإضراب دائمًا1 فتكون في هذا بمعنى: "بَلْ"2. وقد تفيد معه معنى آخر أحيانًا3.

علامتها:

ألا تقع –مطلقًا4– بعد همزة التسوية، ولا بعد همزة الاستفهام التي يطلب بها، و"بأمْ" التعيين –وقد شرحناهما5– وإنما تقع بعد نوع مما يأتي:

1-

الخبر المحض؛ مقوله تعالى في الكفار: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي: بل يقولون أفتراه، فقد وقعت "أمْ" بين جملتين هما:{هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ، و {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} وكل منهما مستقلة بمعناها عن الأخرى، ومن الممكن عند الاكتفاء بها أن تؤدي معنى كاملًا. و"أمْ" هنا بمعنى:"بل" الدالة على الإضراب المحض الذي لا يشاركه معنى آخر.

1 قد يكون المقصود به هنا: إبطال الحكم السابق، ونفي مضمونه، والقطع بأنه غير واقع، والحكم على مدعيه بالكذب، والانصراف عن ذلك الحكم إلى حكم آخر يجيء بعدها. وهذا هو الإضراب الإبطالي"، نحو: سمعت ترجيع بلبل صداح، أم أصغيت لإيقاع موسيقي بارع تبينتُ الناس حوله مجتمعين.

وقد يكون المراد به: الانتقال من غرض باق على حالة إلى آخر يخالفه. ويسمى "الإضراب الانتقالي"؛ نحو: فاز من حاسب نفسه، وتدارك عيبه، أم حسب المرء أن المجد سهل إدراكه، قريب المنال

والأول هو الأكثر –وسيجيء تفصيل الكلام على الإضراب بنوعيه في ص623-.

2 "أم" مثل "بل" في الإضراب المجرد. لكنهما يختلفان بعد ذلك في أمور؛ منها: أن الذي بعد "بل" يقين غالبًا، أما الذي بعد "أم" فظن وشك –على الوجه المشروح في رقم 3 من هامش ص629- "وسيجيء الكلام على "بل" "في ص623" –وفي رقم 2 من هامش ص624.

3 كما سيجيء في: "ب" ص600.

4 أي: لا لفظًا ولا تقديرًا.

5 في ص585 وما بعدها.

ص: 597

2-

وقد تقع بعد أداة استفهام غير الهمزة، كقوله تعالى:{هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 1 والشأن في هذه الآية كسالفتها. في الدلالة على الإضراب المحض.

3-

وقد تقع بعد همزة ليست للتسوية ولا لطلب التعيين، وإنما هي لنوع من الاستفهام غير الحقيقي، معناه: الإنكار والنفي؛ كقوله تعالى في الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} فالاستفهام هنا غير حقيقي2 والمراد منه ما سبق.

4-

وقد تقع بعد همزة استفهام غير حقيقي أيضًا، ولكن يراد منه التقدير، أي: الحكم على الشيء بأنه ثابت مقرر، وأمر واقع؛ كقوله تعالى في المنافقين:{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} 3.

فكلمة "أم" في جميع الأنواع السالفة منقطعة بمعنى: "بل".

ومن الأمثلة للإضراب المحض4: "هذا صوت مغنية بارعة، أم هذا صوت مغَنّ مقتدر، فقد تبينت لحيته وشاربه". هنا وقعت "أمْ" بين جملتين تفيد الأولى منهما أن الصوت لمعنيَة، وتدل الثانية على أن المتكلم أضْرَبَ، -أي: عَدَل– عما قرره أوّلًا، وتركه إلى معنى آخر، هو أن الغناء لرجل، لا لمغنية. والذي يدل على إضرابه وعدوله عن المعنى الأول إلى الثاني، هو ذكر

1 قلنا: إن المنقطعة لا يفارقها الإضراب إلا في النادر، ولكنها قد تفيد معه استفهامًا حقيقيًا أو غير حقيقي؛ "طبقًا لما سيجيء في:"ب" من ص600" و"أم" هنا في الآية لا تفيد استفهامًا حقيقيًا أو غير حقيقي. لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة استفهام –كما سيجيء في ص601-.

2 الاستفهام الحقيقي: هو الذي يقصد به السؤال عن شيء مجهول للمتكلم حقيقة، ويريد أن يعرفه.

3 وكقوله تعالى في المعارضين: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .

4 وفي ص600 أمثلة غير الآتية.

ص: 598

اللحية والشارب، فهما قرينة على الإضراب. وأداة الإضراب هي:"أم".

ومن الأمثلة: "استيقظت في الصباح الباكر فرأيت ورق الشجر مَبْتَلًا فقد سقط المطر ليلًا، أم تكاثَرَ الندى عليه؛ فإني أجد الطرق والمسالك جافة؛ لا أثر فيها للمطر". فهنا وقعت "أم" بين جملتين؛ الأولى منهما تفيد أن بلل الورق من سقوط المطر، وتدل الثانية منهما على أن سبب البلل شيء آخر؛ هو: النَّدى، فعدَل المتكلم على المعنى الأول، وانصرف عنه إلى الثاني؛ بدليل يؤيده؛ هو: جفاف الطرق والمسالك. والأداة المستعملة في الإضراب هي: "أم"1

حكمها:

الرأي الراجح أن "أمْ" المنقطعة ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء يفيد الاضراب، فلا تدخل إلا على الجمل، أما الرأي المرجوح فإنها حرف عطف لا يعطف إلا الجمل، والأخذ بالرأي الأول أَنْسب وأَيْسَر.

1 وفي "أم" المنقطعة يقول ابن مالك:

وَبِانْقِطَاع، وبِمَعْنى:"بَلْ" وَفَتْ

إِنْ تَكُ مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ خَلَتْ

يريد: أن "أم" تكون منقطعة إذا خلت مما قيدت به في النوع السابق، إذ قيدت فيه بأن يسبقها همزة التسوية: أو همزة مغنية عن لفظ "أيّ" فإذا خلت من هذا التقيد وقَتْ بالانقطاع. بمعنى وفَّت به، وكانت فيه، مقيدة له. وإذا أفادت الانقطاع كانت بمعنى "بل"؛ أي: لزم، وترتب على ذلك أن تكون بمعنى:"بل""وهذا معنى قولهم: العطف في قول ابن مالك: "وبمعنى بل" هو عطف شيء لازم على ملزومه".

ص: 599

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- من نوع المنقطعة "أم" الواقعة بعد همزة الاستفهام الحقيقي، بشرط أن يكون ما بعدها نقيض ما قبلها: نحو: أفاكهة عندك أم لا؟ لأن المتكلم لو اقتصرت على الجملة الأولى لكان المعنى المستقل كافيًا مستغنيًا عن معنى الجملة الثانية –كالشأن في: "أم" المنقطعة، ولكان الجواب: نعَم، أو: لا، ونحوهما، على حسب المراد من غير حاجة إلى المعنى الثاني. وإنما ذُكر ما بعدها لبيان أن المتكلم عرض له ظنُّ الانتفاء فاستفهم عنه، ضاربًا عن الثبوت، ولولا ذلك لضاع قوله:"أم لا" بغير فائدة1 فإن لم يكن الثاني نقيض الأول؛ نحو: أفاكهة أكلت أم خبزًا، كانت "أم" محتملة للاتصال والانقطاع، فإن كان السؤال عن تعيين المأكول مع تيقن وقوع الأمل على أحدهما فمتصلة –طبقًا لما شرحناه2 عند الكلام عليهما-. وإن كان السائل قد عرض له الظن بأن المأكول هو الخبز بعد ظنه أن المأكول هو الفاكهة، فاستفهم عن الثاني مُضربًا عن الأول فهي منقطعة. فالاحتمال إنما يقع عند عدم القرينة الدالة على أحدهما، وهي القرينة التي تعين الاتصال وحده، أو الإضراب وحده، فإذا وجدت وجب الأخذ لها، وامتنع الاحتمال3.

ب- قلنا4 إن: "أم" المنقطعة لا يفارقها معنى الإضراب، إلا نادرًا

لكنها قد تفيد معه استفهامًا حقيقيًا، وفي هذه الصورة تفيد الإضراب والاستفهام الحقيقي معًا من غير وجود همزة استفهام معها. كأن ترى كوكبًا يضطرب ويهتز فتقول: هذا كوكب المِرِّيخ. ثم تعدل عن هذا الرأي لسبب يداخلك، فتقول: "هذا كوكب المرِّيخ. أم هو كوكب سُهيْل؛ فإن هذه أمارات سهيل التي تعرفها أنت؟ فقد قررت أولًا أن هذا هو المِرِّيخ، ثم عدلت عنه إلى كوكب آخر أردت أن تستوثق من اسمه؛ فكأنك قلت: بل أهو كوكب سهيل؟ ومثل هذا قول العربي حين رأى أشباحًا بعيدة حسبها إبلًا، ثم عدل عن رأيه إلى رأي آخر؛

1 نص على هذا سيبويه.

2 في ص585.

3 راجع الخضري. ومثل هذه الأساليب لا يخلو من ليس أحيانًا، فالأحسن العدول عنه قدر الاستطاعة.

4 في ص597.

ص: 600

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هو: أنها شاءٌ1، وأراد أن يستوثق من رأيه الجديد، فقال:"إنها لإبل أم شاء"؟ يريد: أنها لإبل، بل أهي شاء؟ والهمزة داخلة على مبتدأ محذوف؛ لأن "أم" المنقطعة لا تدخل –في الغالب– إلا على جملة –كما أسلفنا2-.

وقد تفيد مع الإضراب استفهامًا إنكاريًا3 بغير أن تسبقها أداة استفهام؛ كقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، أي: بل أنه البنات ولكم البنون؟ لأنها لو كانت للإضراب المحض الذي لا يتضمن الاستفهام الإنكاري لكان المعنى محالًا، إذ يترتب عليه الإخبار بنسبة البنات إلى المولى جل شأنه.

وقد تتجرد للإضراب المحض الذي لا يتضمن استفهامًا مطلقًا؛ لا حقيقيًا ولا إنكاريًا؛ كالأمثلة الأولى4 التي منها قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ، أي: بل هل تستوي الظلمات؛ ولا يصح أن يكون التقدير: بل أهل تستوي الظلمات؛ لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة استفهام –كما أسلفنا5-.

ومثل الآية في الإضراب المحض قول الشاعر:

فليتَ سُليمَى في المَمَات ضجيعتي

هنالك أم جنة6 أم جهنمِ

1 جمع شاه، وهي الواحدة من الغنم، تقال المذكر والمؤنث. ويرى بعض النحاة: أن كلمة: "شاء" جمع لا واحد له من لفظه. ولا داعي للعدول عن الرأي الأول.

2 في ص597.

3 الاستفهام الإنكاري ويسمى: "الإبطالي" هو: ما كان مضمونه غير واقع، ولا يمكن أن يحصل، ومدعيه كاذب، وهو بمعنى النفي، فأداته بمنزلة أداة للنفي، والكلام الذي دخلت عليه نفي، كقوله تعالى:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} –وقد سبقت الإشارة إليه في ج2 ص234 م81.

4 وبعضها في صفحتي 598و 599.

5 في رقم 1 من هامش ص598.... ومثل هذا يقال في بيت قُتَيْلة بنت النضر ترثي أباها المقتول:

فَلْيَسْمَعنّ النضرُ إنْ ناديته

أَمْ كيف يسمع مَيّت لا يَنطقُ

6 لما كانت "أم" المنقطعة غير عاطفة في الرأي الأرجح، وأنها حرف ابتداء للإضراب لا يدخل إلا على جملة، وجب إعراب "في جنة" متعلقة بمحذوف، والتقدير: ليتها ضجيعتي في جنة، ووجب لهذا أيضًا تقدير الحرف:"في" قبل "جهنم". هذا، وفي بعض الروايات:"وفي المنام" بدلًا "من الممات" التي هي أكثر مسايرة لمعنى لبيت وما في آخرة من جنة وجهنم.

ص: 601

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أي: بل جهنم، ولا يصح التقدير: بل أفي جهم، إذ لا معنى للاستفهام هنا؛ لأن الغرض من الكلام التمني.

وقد تتجرد –نادرًا– للاستفهام الخالي من الإضراب كقول الشاعر:

كَذبتْك عينُك، أَمْ رأيت بواسِط1

غَلَس الظَّلام من الرَّبَاب خيالا؟

إذ المراد: هل رأيت؟ وهذا أقل استعمالاتها. ومن المستحسن عدم القياس عليه؛ لغموض المراد معه.

ج- يجوز أن تجاب "أمْ" المنقطعة. وجوابها يكون بحرف من أحرف الجواب، كثل: نعَم، أوْ: لا: أخواتهما

في نحو قوله تعالى في الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ} . وفي مثل: قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} يكون الجواب عند المخالفة: "لا" أو ما يدل دلالتها.

وإذا تكررت "أم" المنقطعة متضمنة في كل مرة إستفهامًا، بحيث تتوالى بها الاستفهامات كان الجواب للأخير؛ مراعاة للإنصراف إليه؛ لأن المتكلم أضرب عما سبقه، وانصرف إليه تاركًا ما قبله.

د- تقسيم "أم" إلى المتصلة والمنقطعة هو المشهور2. وزاد بعضهم نوعًا ثالثًا؛ هو الزائدة؛ كقول الشاعر:

يا ليت شعري ولا مَنْجَى من الهرِم

أم هل على العيش بعد الشَّيْب من نَدمِ

وهذا نوع لا يقال عليه.

هـ- حكم الضمير الواقع بعد "أم" العائد على المتعاطفين –من ناحية المطابق وعدمها– موضح في رقم 3 من ص656.

1 بلد في العراق.

2 وكلاهما لا يصح أن يعطف نعتًا على نعت –كما أسلفنا في رقم 2 من ص497 وأ ص584.

ص: 602

6-

أو:

حرف يكون في أغلب استعمالاته عاطفًا؛ فيعطف المفردات والجمل. فمن عطفيه المفردات قول أحد الأدباء: طلع علينا فلان طلوع الصبح المنير، أو الشمسِ المشرقة، وأقبلَ كالدنيا المواتية، أو السعادةِ المرتجاة.

فقد عطف الجرفُ "أو" كلمةَ: الشمس، على كلمة: الصبح، كما عطف كلمة: السعادة، على كلمة: الدنيا، وكل هذه المعطوفات وما عُطِفَتْ عليه مفردات1، وأداة العطف هي:"أو".

ومثال عطفه الجملَ قول الشاعر:

أعوذُ باللهِ من أَمرِ يُزَيِّنُ لي

شَتْمَ العشيرةِ، أو يُدني مِنَ الْعَار

فالجملة المضارعية المكونة من الفعل: "يُدْنِي" وفاعله، معطوفة على نظيرتها السابقة:"المكونة من المضارع: يُزَيَّنُ وفاعل والعاطف هو: "أو"2

معناه:

لهذا الحرْف معان واردة قياسية، يحددها السياق وحده، فيعين المعنى المناسب لكل موضع، ومن ثَمَّ اختلفت المعاني القياسية للحرف:"أو" باختلاف التراكيب والقرائن، وبما يكون قبله من جملة طلبية أمْرِيَّة3، أو غير أمْرية، أو جملة خبريَّة على الوَجه الَّذِي يجيء4:

أ- فمن معانيه: "الإباحة"، و"التخيير". بشرط أن يكون الأسلوب قبلهما مشتملًا على صيغة دالة على الأمر3. فمثال الإباحة: تمتعُ بمشاهدة

1 ومن عطف المفردات عطف الفعل وحده –دون فاعله– على الفعل وحده كذلك؛ نحو: إن تنصرْ ضعيفًا فعمل مشكور، أو تتركه فإساءة منكرة فالمضارع "تتركْ" معطوف وحده على المضارع "تنصره" ولهذا جزم مثله. ولو كان العطف جمل ما صح جزم المعطوف –وسيجيء في ص645-.

ومن عطف المفردات دخول "و" على المضارع المنصوب بأن مضمرة، أو ظاهرة فيكون المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه معطوفًا على شيء قبلها." وسيجيء تفصيل الكلام على "أو" التي ينصب بعدها المضارع بأن في باب:"النواصب" ج4 م149 ص307".

2 ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر:

لعل انحدر الدمع يُعقب راحةَ

من الوَجد، أَو يَشفى نجيّ البلابل

"النجيّ: الحديث الخفيّ سرًا البلابل: الهموم".

"3، 3" سبب الاقتصار على "الأمر" أن الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام ولا في باقي الأنواع الطبية –على الرأي الراجح– وفي كثير من المراجع: "الطلب". بدلًا من "الأمر"، لكن في حاشية ياسين ما يمنع هذا. ولا فرق بين معنى الأمر الذي تدل عليه صيغة فعل الأمر والذي تدل عليه أداة أخرى؛ مثل: لام الأمر الداخلة على الموضوع. ولا فرق كذلك بين الأمر الملفوظ والملحوظ –كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص605-.

4 ومنه ما في الزيادة ص611.

ص: 603

آثار الفراعيين في "الصعيد الأعلى"1، أو:"الجيزة"2، وانعَمْ بشتاء "أسوان"3، أو:"حُلوان"2.

ومعنى الإباحة: ترك المخاطب حرًّا في اختيار أحد المتعاطفين4 فقط، أو اختيارهما معًا، والجمع بينهما إذا أراد

ففي المثال السالف يصح أن يختار زيارة آثار "الصعيد الأعلى" فقط، أو آثار "الجيزة" فقط، أو يجمع بين زيارتهما من غير أن يقتصر على واحدة. وكذلك أن يَنُعَمَ بشتاء "أسوان" الحرية في أن يختار أحد المتعاطفين، ويقتصر عليه، وفي أن يجمع بينهما.

ومثال التخيير: من أتم دراسته الثانوية العلمية فليدخل كلية الطب أو الهندسة، لإتمام تعلمه بالجامعة.

ومعنى التخيير: ترك المخاطب حرجًا يختار أحد المتعاطفين4 فقط، ويقتصر عليه، دون أن يجمع بينهما؛ لوجود سبب يمنع الجمع5، ففي المثال السالف يدخل الطالب ليتعلم في إحدى الكليتين المذكورتين دون الأخرى. وليس له أن يدخلهما معًا للتعلم؛ لوجود ما يمنع الجمع؛ وهو أمثلة التخيير أن يقول الوالد لابنه: هاتان أختان نبيلتان؛ فتزوج هذه أو تلك. فمعنى "أو" هنا: الترخيص له بزواج إحداهما فقط، ولا يجوز التزوج بالاثنتين، لوجود سبب يمنع الجمع بينهما؛ هو أن الدين يُحَرَّم بين الأختين في الحياة الزوجية القائمة6.

وقد سبق أن الواو العاطفة تكون أحيانًا مثل "أو" في إفادة التخيير؛ كالذي في قول الشاعر:

1 الأقاليم الجنوبية من البلاد المصرية.

"2، 2" بلد من ضواحي القاهرة إلى الجنوب منها.

3 بلد مصر على الحدود المصرية الجنوبية.

"4، 4" هما: المعطوف والمعطوف عليه.

5 لا فرق في هذا بين المانع امتلى، أو العرفي المأخوذ به، أو الشرعي

6 بل إنه يحرم –عند أبي حنيفة– مجرد العقد على الأخت الثانية إذا سبقتها الأول إلى عقد الزواج مع هذا الرجل ولم يطلقها.

ص: 604

وقالوا: نَأْتْ؛ فاختر لها الصبر والبكا

فقلت: البكا أَشفَى –إِذًِا لغليلي

والدليل على اختيار المجرد، وعدم الجمع

هو إجابة السامع، وأن البكاء والصبر لا يجتمعان في وقت واحد، ولا يتلاقيان معًا.

ومما تقدم يتبين أن الإباحة والتخيير لا يكونان إلا بعد صيغة دالة على الأمر1 دون غيره، كما يتبين وجه الشبه والتخالف بين الإباحة والتخيير؛ فهما يتشابهان في أن كلا منهما يجيز للمخاطب أن يختار احد المعاطفين. ويختلفان في أن التخيير يمنع الجمع بين المتعاطفيْنِ، أما الإباحة فلا تمنع.

ب- ومن معانيه: الشك من المتكلم في الحُكم، بشرط أن يكون قبل "أو" جملة خبرية2؛ نحو: قضيت في السباحة ثلاثين دقيقة، أو أربعين.

ج- ومن معانيه: الإبهام3 من المتكلم على المخاطب، بشرط أن يكون قبله جملة خبرية أيضا: كمن يسأل: متى تسافر لأشاركك؟ فإذا كنت لا ترغب في مصاحبته أجبتَ: قد أسافر يوم الخميس أو الجمعة، أو السبت

، وإذا سألك: أين كنت يوم الأحد –مثلا-؟ أجبتَ: كنت في البيت، أو المتجَر. أو الضَّيْعة، تقول هذا عند الرغبة في إخفاء المكان عنه فالشك والإبهام إنما يقعان لغرض مقصود، حيث تكون "أو" بعد جملة خبرية4.

د- وهناك معان أخرى غير التي سبقت في: "أ، ب، ج" ولا يشترط

1 قلنا في رقم 3 من هامش ص603: إنه لا فرق بين الأمر بصيغته الخاصة الصريحة، وهي صيغة "فعل الأمر" وأداة أخرى تؤدي معناه؛ كلام الأمر الداخلة على المضارع. ولا فرق كذلك في الأمر بين أن يكون ملفوظًا، ومقدارًا ملحوظًا. ومثال المقدر قوله تعالى للحجاج {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أي: فَلْتُقَدَّمْ فديه من صيام، أو صدقة، أو نسك

2 الخبر: هو الذي يحتمل الصدق والكذب لذاته –كما سبق في رقم 2 من هامش ص594-.

3 المراد به: أن يخفي المتكلم الحقيقة المعروفة له، ويكتمها عن المخاطب بطريقة خاصة. قد يكون القصد منها عدم إثارته، أو إقلاقه، أو الكذب عليه

فالحكم عند الإبهام معلوم للمتكلم دون المخاطب؛ بخلاف الشك؛ فإن المتكلم ولمخاطب مستويان في شأن الأمر المشكوك فيه. "والشك: هو ما ينشأ في النفس من تعارض دليلين في أمر واحد، بغير ترجيح لأحدهما. وقد سبق إيضاحه في ج2 ص5 م60".

4 "ملاحظة": الغالب الفصيح -قيل: الواجب– في الضمير ونحوه مما يحتاج للمطابقة =

ص: 605

لتحقق هذه المعاني الأخرى أن تكون: "أو" مسبوقة بنوع معيَّن من الجمل، فقد يتحقق المعنى والجملة السابقة طلبية مطلقًا، أو خبرية.

ومن هذه المعاني: التفصيل1 بعد الإجمال "أي: التقسيم، وبيان الأنواع"؛ نحو: الكلمة: اسم، أو فعل، أو حرف. والاسم: مشتق، أو جامد. والفعل: ماض، أو مضارع، أو أمر

؛ ومن هذا النوع قول القائل: اجتمع في النادي ثلاث طوائف ممن يمارسون أعمالًا حرة مختلفة يحبونها. فسألتهم

= بعد "أو" التي للشك أو الإبهاء، أن يكون مفردًا؛ مثل أبصرت ثعلبًا أو ذئبًا يجري، ونحو: محمد أو علي أو محمود لم أقابله. فإن كانت"أو" للتنويع "أي: لبيان الأنواع والأقسام كالتي ستجيء في: "د" فالغالب –وقيل: الواجب– في الضمير بعدها المطابقة؛ كالضمير بعد واو العطف؛ -وقد سبق في رقم 1 من هامش ص562 كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} .

"راجع: شرح التصريح، وحاشية ياسين في الجزء الأول، "باب: ظن" عند الكلام على: "زعم" حيث نص على وجوب المطابقة وأن هذا الوجوب والحق وكذا في حاشية ياسين في "باب النسب" إلى ما حذفت فاؤه أو عينه، والمغني ج2 في مبحث الجملة الثانية وهي المعترضة إحدى الجمل التي لا محل لها من الإعراب في الموضع الرابع من مواضعها.

لكن جاء في الجزء الأول من كتاب: "معاني القرآن" للفراء طبعة دار الكتب سنة 1955م في أول سورة النساء، عند قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ

} ما نصه:

"لم يقل: "ولهما" وهذا جائز إذا جاء الحرفان في معنَى "أي: حُكم" واحد "بأوْ" أسندت التفسير إلى أيهما شئت. وإن شئت ذكرتهما فيه جميعًا، تقول في الكلام: من كان له أخ أو أخت فليصله، تذهب إلى: "الأخ"، و"فليصلها" تذهب إلى: "الأخت" وإن قلت: فليصلهما" فذلك جائز. وفي قرائتنا: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} وفي إحدى القراءتين "فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَ" ذهب إلى الجمع؛ لأنهما اثنان غير مؤقتين. وفي قراءة عبد الله "وَالَّذَانِ يفعلون مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا" فذهب إلى الجمع لأنهما اثنان غير موقتين، وكذلك في قراءته "وَالسَّارِقُون وَالسَّارِقَات فَاقْطَعُوا أَيمانهما"ا. هـ. ولعل الأخذ بهذا الرأي أنسب لقوته وتيسيره. هذا، وللمسألة السالفة اتصال بما سيجيء في رقم 3 ص658.

1 وهي في هذا المعنى مثل "إما" التي يأتي الكلام عليها في ص612 وقد طال الجدل بين بعض النحاة في معنى: "التقسيم والتفصيل"؛ أهما مترادفان، معناهما واحد، أم لكل منهما معنى خاص؟ وكذلك بين:"التقسيم والتفريق".... ولا داعي اليوم للرجوع إلى هذا الجدل، ولا إلى ما يذكرونه من أن التفصيل تبين للأمور المجملة بلفظ واحد؛ كواو الجماعة في المثال الثاني، وفي قوله تعالى:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} أي: قالت اليهود: كونوا هودًا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولا ماي ذكرونه من أن التقسيم تبيين لما دخل تحت حقيقة واحدة؛ ففي الآية جمعت اليهود والنصارى في لفظ واحد؛ وهو الضمير "واو الجماعة" الذي هو فاعل الفعل:"قال" وهو الفعل الذي جمع في لفظه ما نطق به اليهود والنصارى

إلى غير هذا مما أثاروه من جدل عنيف يغنينا عنه الرأي الذي لا يفرق بينهملا، ويرى أن المسألة هنا اصطلاحية محضة؛ فلا ضرر في توحيد معناهما وجعلهما مترادفين.

ص: 606

ما أفضل الأعمال الحرة للشباب؟ قالوا: أفضلها الزراعة، أو التجارة ،أو الصيدلة، فالجملة الفعلية:"قالوا" جملة خبرية، مكونة من الفعل:. "قال" الدال على القول، من غير تفصيل للكلام الذي قيل، ومن الضمير:"واو الجماعة" العائد على الطوائف المعدودة بالثلاث1، وهو ضمير مجْمل يدل على مرجعه دلالة خالية من التفضيل. وبسبب الإجمال في دلالة الفعل وفي الضمير جاء بعدهما التفصيل الذي يعدد طوائفهم، وأنهم زراعيون. وتجاريون، وصيادلة، كما يُبين كلام كل طائفة؛ أي: قال الزراعيون: أفضلها الزراعة، وقال التجاريون: أفضلها التجارة، وقال الصيادلة: أفضلها الصيدلة.

ومن هذه المعاني أيضًا: الإضراب2، ومن أمثلته: أن يتهيأ المرء للخروج، وتبدو عليه أماراته، ثم يعدل عنه، قائلًا:"أنا أخرج، أو أقيم". فينطلق بالجملة الأولى، ولا يلبث أن يغير رأيه، وينصرف عما قرره، فيسارع إلى إردافها بقوله: أو: "أقيم" ويجلس جلسة المقيم، فيكون جلوسه قرينة على أن معنى "أو" هو: الإضراب. فكأنه قال: "أخرج، لا، بل أقيم". ومثله قول القائل: "أقيم في البيت، أو أخرج، فإن ورائي عملًا لا مَناص من إنجازه الآن في الخارج". فقد أخبر بالإقامة في البيت، ثم بدا له أن ينصرف عن هذا الرأي ويخرج، فكأنه قال:"لا. بل أخرج الآن" ومثل قول الشاعر يتغزل:

بَدَتْ مثلَ قَرْن الشمسِ في وَرْنَق الضحا

وصورِتها. أَو أَنتِ في العين أملح

يريد: بل أنت أملح.

ويحسن في الأسلوب المشتمل على: "أو" التي تفيد الإضراب أن يحتوي أمرين معًا؛ أولهما: أن يسبقها نفي أو نهي3. وثانيهما: تكرار العامل، نحو: "

1 يعود على الطوائف باعتبار المعنى، إذ المراد من الطوائف هنا: أفرادها من الرجال.

2 سبق شرحه في رقم 1 من هامش ص597.

3 ويترتب على هذا ما يأتي في: "أ" من الزيادة والتفصيل ص611. ويرى بعض النحاة أن وجود النفي أو النفي قبلها شرط أساسي في إفادتها الإضراب. ويرى آخرون أنه ليس بشرط. ومن هؤلاء: الفراء: مؤيدًا رأيه بقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} . أي: بل يزيدون، لأن "أو" هنا للإضراب، فلا تصلح لمعنى آخر كالشك. لأن الشك ونحوه محال على الله، والحق: أن تقدم النفي والنهي مستحسن فقط.

ص: 607

ما زارني عمي، أو: ما زارني أخي". "ولا يخرجْ حامد، أو: لا يخرجْ إبراهيم". والمراد: بل ما زارني أخي بل لا يخرج إبراهيم. ونحو: "لا ترجئ عملك الناجز، أو: لا تهملْ عملك". ونحو: "ليس المنافق صاحبًا، أو: ليس مأمونًا على شيء"

والمراد لا تهمل بل ليس مأمونًا

وإذا كانت "أو" للإضراب فالأحسن إتباع الرأي الذي يعتبرها حرفًا لمجرد الإضراب لا للعطف، فما بعدها جملة مستقلة عما قبلها. شأنها في هذا شأن "أم" المتجردة للإضراب وحده؛ فليست عاطفة –في الرأي الراجح، كما أسلفنا2-.

ويرى فريق آخر نهما مع الإضراب يعربان حرفي عطف، فما بعدهما معطوف علة ما قبلهما.... والخلاف شكلي، ولكنّ الأول وضح وأنسب.

وقد يكون معنى الحرف: "أو" الدلالة على الاشتراك ومطلق الجمع3 بين المتعاطفيْنِ؛ فكأنه الواو العاطفة في هذا، ويصح ن يحل محله الواو4، كقول الشاعر:

وقالوا لنا: ثنتانِ لا بدَّ منهما

صدورُ رِمَاحٍ أُشْرِعت5، أو سلاسلُ6

ونحو: جلس الضيف بين صاحب الدار أو ابنه. أي: جلس بين صاحب الدار وابنه: لأن كلمة: "بيْن" إذا أضيفت لاسم ظاهر اقتضت –في الغالب–

2 في ص599.

3 سبق شرحه في ص558. وانظر رقم 3 من هامش الصفحة الآتية.

وإذا رحمْتَ فأَنت أمُّ أَو أَبٌ

هذان في الدنيا هما الرَحماءُ

راجع: "الملاحظة" التي في رقم 4 من هامش ص605؛ لصلتها القوية بما نحن فيه..

5 وجِّهت وصوِّبت نحو العدو، يقصد الطعن في صدور الأعداء.

6 يريد السلاسل التي تقيد الأسرى. وهذا كناية عن هزيمة الأعداء، ووقوعهم في الأسر، وتقييدهم بهذه السلاسل.

ويرى المروزوقي "شارح ديوان الحماسة ج1 ص46 من طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، بالقاهرة" أن: "أو" هنا للتخيير، وأن المراد من قول اشاعر في صدر البيت:

"لا بد منهما" أنه لا بد منهما على طريق التعاقب، لا على طريق الجمع بينهما. وهذا المعنى مقبول، ولكن الأول أقوى منه، وأنسب، إذ لا معنى للتخيير بين القتال والأسر، لأن الأسر نتيجة من نتائج القتال، وسبب عنه. هذا إلى أن صدر البيت يؤيد هذا في صراحة حيث يقول "لا بد منهما".

ص: 608

أن يكون ما بعدها الأفراد، وهذا التعدد لا يتحقق "بأو" إلا إذا كانت بمعنى الواو الدالة على الجمع والمشاركة

ومثل قول الشاعر:

وقد زَعَمت ليلى بأَنَي فاجرٌ

لنفسي تُقاها، أو عليها فجورُها

وقول الآخر يمدح أحد الخلفاء:

نال الخلافة أَو كانت له قَدرًَا

كما أَتى ربَّه موسى على قَدَرِ

فلا بد من محاسبة النفس على التقى والفجور معا، دون الاقتصار على أحدهما ولا تتحقق الخلافة إلا مع قضاء الله وقدره1.

وملخص ما سبق2 من معاني "أو"، أن هذه المعاني المتعددة القياسية خاضعة في إرداكها للسياق والقرائن خضوعًا تامًا؛ كي يتميز ويتحدد كل نوع منها، وأن التخيير والإباحة3 لا يكونان إلا بعد جملة خبريَّة. أما المعاني الأخرى التي تخالف ما سبق "كالتفصيل، والإضراب، ومعنى الواو.." فتكون بعد الجملة الخَبرية، والطلبية، و.... والأفضل في الإضراب أن يسبقه نفي أو نهي. وأن يتكرر العامل معه4.

1 ورد "قليلًا في المسموع وقوع" أو بعد "هل" –ولقلته لا يقاس عليه– ومنه ماجاء في صحيح مسلم "ج12 ص106 كتاب: الجهاد" وهو حديث يتضمن ما دار من كلام بين هرقل وأبي سفيان، جاء فيه ما نصه عن المسلمين: "هل يزيدون أم ينقصون

".

2 انظر ما يزيد عليه في ص611 وفيها إشارة إلى أن الصلة والارتباط بين حرفي العطف. "أو، وأم" معروض في ص588.

3 إذا كانت "أو" للإباحة جاز للمخاطب أن يختار أحد المتعاطفين ويقتصر عليه. وجاء له أن يجمع بينهما، ويختارهما معًا –كما شرحنا في ص604– وإذا جاز الجمع في حالة "أو" التي للإباحة فما الفرق بينه وبين الجمع في حالة "أو" التي بمعنى "واو" العطف؟

الفرق أن "واو" التي بمعنى واو العطف لا بد فيها من الجمع كالواو، ولا يصح الاقتصار على واحد، بخلاف الجمع في حالة الإباحة فإنه جائز.

4 وفي معاني: "أو" يقول ابن مالك:

خَيِّرْ، أَبِحْ، قَسِّمْ بِأَوْ، وَأَبْهِمِ

واشْكُك، وَإِضْرابٌ بِهَا أَيْضًا نُمِى

=

ص: 609

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= "نمي، أي: نسب إليها، بمعنى أنها تؤديعه" وقد تضمن البيت ستة معان؛ هي: "التخيير، الإباحة، التقسيم، الإبهام، الشك، الإضراب". وسيجيء في البيت التالي معنى سابع؛ هو: أنها تكون بمعنى الواو.

وَرُبَّمَا عَاقَبَتِ الوَاوَ إذا

لَمْ يُلْفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْس مَنْفَذًَا

"يلف: يجد. ذو النطق المتكلم" يقول: "أو" تعاقب الواو "أي: يصح أن تحل محلها وتؤدي معناها وهو مطلق الجمع والاشتراك" بشرط ألا يجد المتكلم منفذًا للالتباس، أي: بشرط ألا يكون استعمالها موقعًا في اللبس؛ بسبب خفاء معناها المراد، وعدم إدراك السامع أنها بمعنى الواو.

ص: 610

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- الأصل في "أو" أن تكون لأحد الشيئين أو الأشياء1 لكنها إذا وقعت بعد نفي أو نهي كانت للنفي العام الذي يشمل كل فرد مما حَيِّز النفي قبلها وبعدها، وللنهي العام الذي ينصَبّ على كل فرد كذلك: فمثالها بعد النفي: "لا أحب منافقًا أو كاذبًا". ومثالها بعد النهي قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} 2.

ب- يقول سيبويه: إذا ذكرت همزة التسوية بعد كلمة: "سواء" فلا بد من مجيء "أم" العاطفة، لا فرق في هذا الحُكم بين أن يكون بعد الهمزة اسمان أو فعلان؛ نحو:"سواء عَلَيّ أمقيم ضيفي أم هو مرتحل سواء علىّ أَبَقِيَ الضيف أم ارتحل"، فإن كان بعد:"سواء" فعلان بغير همزة التسوية عُطف الثاني منهما على الأول بالحرف: "أو". نحو: "سواء علينا رَضِيَ العدو أو سَخِط". ورأيه هذا مخالف لما نقلناه –في رقم 3 من هامش ص588 وما يتصل بها– عن بعض المحققين الذين يجيزون مجيء "أم" والصواب معهم. وفي تلك الصفحة أيضًا بيان الصفة والارتباط بين الحرفين: "أو" و"أمْ".

وإن كان بعدهما اسمان بغير همزة التسوية عطف الثاني على الأول بالواو، ولو كان الاسمان مصدرين؛ نحو سواء على حمزةُ وعامرٌ، سواءٌ علينا اعتدالُ الجو وانحرافُه3....

ج- يصح حذف "أو" عند أمْن اللَّبس4؛ نحو: وسائل السفر متنوعة؛ يتخير منها كل امرىء ما يناسبه: فسافر ما يناسبه: فسافرْ بالطيارة، القطار، الباخرة، السيارة....

د- وقد تعطف الشيء على مرادفه5 كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ} فالإثم هو: الخطيئة

1 سبقت الإشارة لهذا الرأي مع تفصيلات أخرى في رقم 3 من هامش ص586 لمناسبة هناك.

2 ومن أمثلة وقوعها في حيز للنهي قول الشاعر –في البيت الأول-:

لا تُظهرنّ لعاذل أو عاذر

حاليْك في السّرّاءِ والضّرّاءِ

فلرحمة المتوجعين حَزازة

في القلب مثل شماة الأَعداءِ

3 راجع الجزء الثاني من الهمع باب العطف؛ عند الكلام على "أو". وقد سبقت الإشارة لرأيه في ج من ص596.

4 كما سبقت الإشارة في ص575 وكما سيجيء في ص641.

5 وقد سبقت الإشارة لهذا في رقم 6 من هامش ص565.

ص: 611

7-

إمَّا:

يرى بعض النحاة أن كلمة: "إمَّا" الثانية في مثل "امنح السائل إمَّا دِرْهمًا وإمَّا دِرْهمين" حرف عطف بمعنى: "أو" وأنها تشارك "أو" في خمسة من معانيها1. هي:

التخيير والإباحة"، بشرط أن تكون "إمَّا" الثانية مسبوقة بكلام يشتمل على أمر.

"ولاشكُّ والإبهامُ"، بشرط أن تكون مسبوقة بجملة خبرية.

"والتفصيل"2 بعد الخبرِ أو الطلبِ".

ولا تكون "إمَّا الثانية" عند هؤلاء للإضراب، ولا بمعنى "واو" العطف؛ فبهذين المعنيين تختصص:"أو" دونها.

والمعاني الخمسة السابقة هي لكلمة: "إمَّا" الثانية، وتشاركها الأولى فيها وتسايرها؛ لأنهما حرفان3 متلازمان –في الأغلب– معنى واستعمالا4، غير أن الأولى لا تكون للعطف مطلقًا –كما سنعرف-.

فمن أمثلة الشك: احتجت الشمس وراء الغمام إمَّا ساعتين، وإمَّا ثلاثًا. ومن الإبهام قوله تعالى:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} 5. والتخيير كقوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} ؛ والإباحة، نحو: إمَّا أن تزرع فاكهةً وإمَّا قَصَبًا. والتفصيل، كقوله تعالى في الإنسان:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .

وإذا كانت "إمَّا" الثانية عندهم حرف عطف "فالواو التي قبلها زائدة لازمة لها. والأولى لا عمل لها في عطف أو غيره.

ويرى آخرون: أن "إما" الثانية والولى متشابهتان في الحرفية، وفي تأدية

1 سبق شرح المراد من كل معنى من الخمسة عند الكلام على: "أو" ص603 –وما بعدها-.

2 انظر معنى "التفصيل" في رقم 1 من هامش ص606.

3 راجع حاشية الأمير على المغني ج1 عند الكلام على الحرف: "إما".

4 راجع البيان والتفصيل في "أ" من ص614.

5 يتعين الإبهام في الآية؛ مراعاة لما سبق في تحديد معناه –رقم 3 من هامش ص605-.

ص: 612

معنى من تلك المعاني الخمسة، وأن كلًا منهما ليس حرف عطف؛ لأن الأولى لا يسبقها معطوف مطلقًا، ولأن الثانية تقع دائمًا بعد الواو العاطفة بغير فاصل بينهما. ومن المقرر أن حرف العطف لا يدخل على حرف العطف مباشرة1، إذ لا يصح أن يتوالى حرفان للعطف من غير فاصل. والفريقان متفقان على أن الأولى ليست عاطفة2 وأنها حرف –لا خلاف في حرفيته– يفصِل بين عامل قبله ومعمول يليه3. ولكن الخلاف في الثانية.

والرأي الأرجح الذي يجدرُ الأخذ به هو: أن الثانية كالأولى في المعنى والحرفية، وفي أنها ليست حرف عطف لأن العاطف هو الواو4.

1 كما ستجيء الإشارة في ص620.

2 للسبب السالف؛ وهو أنها لا يسبقها عاطف مطلقًا.

3 لهذا يعرب ما بعد "إما"، الأولى على حسب حاجة العوامل التي قبلها؛ فقد يكون فاعلًا في مثل: غاب إما حامد وإما محمود. وقد يكون مفعولًا به في مثل: يركب المسافر إما قطارًا وإما سيارة، وقد يكون حالًا في مثل قوله تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} . وقد يكون بدلا كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} وهكذا.

4 انظر ما يتصل بهذه "الواو" التي قبل "إما" الثانية في ص560.

ص: 613

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- ليس من اللازم أن تتكرر "إمَّا"، ولكن الأغلب تكرارها، فقد تحذف الثانية؛ لوجود ما يغني عنها. ويغلب أن يكون أحد شيئين:"وإلاّ""أوْ". فمثال الأول: إما أن يتكلم المرء ليُحْمَد وإلا فليسكت. ومنه قول الشاعر:

فإِمَّا أَن تكون أَخِي بصدق

فأَعْرفَ منكَ غَثِّي من سَمِيني

وإلاّ فاطَّرِحْنِي واتَّخِذْنِي

عَدْوًّا أَتَّقيكَ وتَتَّقِينِي

ومثال الثاني قول الشاعر:

وقد شَفَّنِي ألا يزال يروعني

خيالك إما طارقا أو1 معاديا

وقد يستغني عن الأول اكتفاء بالثانية كقول الشاعر:

تُلِمُّ بدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عهدُها

وإِمَّا بأَموات أَلَمَّ خَيَالُهَا

أي: إمَّا بدار

والفراء يقيس هذا الاستغناء، فيجيز: فيضان النهر معتدل وإمَّا خطير.

و"إمَّا" السالفة تختلف عن "إمَّا" المركبة من: "إن" الشرطية التي تجزم فعلين، ومن:"ما" الزائدة، في مثل: إمَّا يَعْدِلْ الوالي تجتمعْ حوله القلوب. أي: إنْ يعدل.... كما تختلف اختلافًا واسعًا عن "إمَّا" الشرطية التي سيجيء الكلام عليها2 في باب خاص بها.

ب- من اللهجات النَّادرة أن يقَال "أَيْمَا" بدلًا من "أَمَّا"، كذلك حذف وَاو العطف قبل "إِمَّا"، وكذلك

1 ومن هذا جاء بيت ابن مالك في أول باب العطف في الألفية رقم 2 من هامش ص544 ونصه: "

العطف إما ذو بيان أو نسق.."

وكذلك وردت في كلام من يحتج بكلامهم؛ ومنهم خالدين صفوان "أموي، توفي حول سنة 133 هـ" فقد جاء على لسانه في قصة أحد الملوك ما نصه: "إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة ربك

أو تضع تاجك وتلبس أمساحك وتعبد ربك في هذا الجبل

" والقصة كاملة في كتاب "الجمان في تشبيهات القرآن" لابن ناقيا البغدادي ص306.

2 في ج4 ص470 م161.

ص: 614

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حذف وَاو العطف قبل "إِمَّا" الثانية1، وقد اجتمع النَّادران في قول الشاعر:

يا ليتما أمَّنا شالتْ2 نعامتها

أَيْما إِلى جَنَّة، أَيْمَا إلى نار

ومن المستحسن اليوم عدم محاكاة هذه اللغات القليلة.

ج- الفرق بين "إِمَّا" و"أو" في المعاني الخمسة السالفة أن "إِمَّا" مكررة؛ فيدل الكلام معها من أول النطق بها على الغرض الذي جاءت من أجله؛ أهو شك، أم تخيير، أم غيرهما.

بخلاف "أو" فإن الكلام معها يدل أوّلًا على الجزْم واليقين، ثم تجيء "أو" فتدل على المعنى الذي جاءت من أجله.

د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 من ص657.

1 وفيما سبق يقول ابن مالك:

ومثل "أو" في القصد "إما" الثانية

في نحو: إما ذي، وإما النائيه

2 شالت: بمعنى ارتفعت النعامة: باطن القدم. وارتفاع النعامة كناية عندهم عن الموت؛ لأن من يموت ترتفع –في الغالب- قدماه، وينخفض رأسه، فتظهر نعامته.

ص: 615

8-

لكنْ:

حرف عطف معناه الاستدراك1؛ نحو: ما صاحبت الخائنَ لكنْ الأمينَ؛ "فالأمين" معطوف على "الخائن".

ولا يكون عاطفًا إلا باجتماع شروط ثلاثة:

أولها: أن يكون المعطوف به مفردًا2، لا جملة، مثل: ما قطفت الزهرَ لكنْ الثمرَ. فإن لم يكن مفردًا وجب اعتبار "لكن" حرف ابتداء واستدراك معًا، وليس عاطفًا، ووجب أن تكون الجملة بعده مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبله، نحو: ما قطفت الزهر لكنْ قطفت الجملة بعده مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبله، ونحو: ما قطفت الزهر لكنْ قطفت الثمر.. فكلمة: "لكن" حرف ابتداء واستدراك معًا، ولا يفيد عطفًا، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها؛ لأن "لكنْ" الابتدائية لا تدخل إلا على جملة جديدة مستقلة من الناحية الإعرابية3.

ثانيها: ألا يكون مسبوقًا بالواو مباشرة؛ نحو: ما صافحت المسيء لكن المحسنَ. فإن سبقته الواو مباشرة لم يكن حرف عطف واقتصر على أن يكون حرف استدراك وابتداء الكلام، ووجب أن تقع بعده جملة "فعلية أو اسمية" تُعْطَف بالواو على الجملة التي قبلها؛ فمثال الفعلية: ما صافحت المسيء ولكنْ صافحت المحسن، وقول الشاعر:

إذا ما قضيت الدَّيْن بالدَّيْن لم يكن

قضاءٌ؛ ولكنْ كان غُرْمًا على غُرم....

1 الاستدراك: "تعقيب الكلام بإزالة بعض الخواطر والأوهام التي ترد على الذهن بسببه". وهو يقتضي أن يكون ما بعد أداة الاستدراك مخالفًا لما قبلها في الحكم المعنوي؛ نحو: ما قطفت الزهر. فمعنى هذه الجملة نفي القطف عن الزهر. فقد يتسرب إلى الذهن من هذا المعنى أن الثمر لم يقطف أيضًا، فلإزالة هذا الوهم واستبعاده نأتي بأداة تبعده، مثل:"لكن"؛ فنقول: ما قطفت الزهر، لكن الثمر. فكلمة:"لكن" أداة من أدوات الاستدراك. أزالت ذلك الوهم. وأثبتت أن الثمر قُطف "وقد سبق إيضاحه وتفصيل الكلام عليه في ج1 ص472 م51. وفي رقم 2 من هامش ص428 م35-" كما سبق هناك أن الحرف الدال على "الاستدراك""وهو: "لكن" بنوعيها، مشددة النون وساكنتها" لا تقع في صدر جملة تعرب خبرًا

1 طبقًا للرأي الأقوى والأشهر.

3 ومن أمثلة الجملة الفعلية بعدها قول الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني

ولكن تُؤخَذ الدنيا غِلابا

وقول الآخر يصف حياته:

حياة مشقات. ولكنْ –لبُعْدها

عن الذلّ –تصفو للأبيّ وتَعْذُب

ص: 616

ومثال الاسمية:

وليس أَخي من ودّني رأيَ عينه

ولكنْ أخي من ودني وهو غائب

"فالواو" حرف عطف. "لكن"، حرف استدراك وابتداء كلام. والجملة بعدها معطوفة بالواو على الجملة التي قبلها1.

ثالثها: أن تكون مسبوقة2 بنفي، أو نهي، كما في الأمثلة السابقة. ونحو: لا تأكل الفاكهَةَ الفِجَّةَ لكن الناضجةَ. فإن لم تُسبق بذلك كانت حرف ابتداء واستراك لا عاطفة، ووجب أن يقع بعدها جملة مستقلة في إعرابها، نحو: تكثر الفواكة شتاء، لكنْ يكثر العنب صيفًا.

ويؤخذ مما سبق أن الحرف "لكنْ" حرف استدراك دائمًا؛ سواء أكان عاطفًا أم غير عاطف. وأنه لا يعطف إلا بشروط ثلاثة مجتمعة، فإن فُقِدَ منها شرط أو أكثر لم يكن عاطفًا، ووجب دخوله على الجُمل، واعتباره حرف استدراك وابتداء معًا.

والاستدراك يقتضي أ، يكون ما بعد أداته مخالفًا لما قبلها في حكمه المعنوي؛ كما في الأمثلة السالفة، كما في نحو:"لا أصاحب المنافق لكن الشهم = لا تجالس الأشرار لكن الأخيار". فمعنى الجملة التي قبل "لكن" منفي، أو منهيّ عنه، وهذا المعنى في الجملة التي بعدها مثبت وغير منهيّ عنه؛ فهما مختلفان فيه نفيًا وإيجابًا، ونهيًا وغير نهي.

ولما كان الكلام قبل "لكن" العاطفة منفيًا دائمًا، أو منهيًا عنه، وجب أن يكون ما بعدها مثبتًا دائمًا، وغير منهيّ عنه3، فالمعنى بعدها مناقض للمغنى قبلها1

1 لهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص568.

2 وهذا الشرط هو الأرجح والأقوى.

3 أما غير العاطفة، أو "لكنْ" المشددة فقد يكون الأول فيهما هو المثبت، والمتأخر هو المنفي، أو العكس –كما سبق في ج1 من ص571– فالذي تجب مراعاته مع أداة الاستدراك "لكنْ = ولكنْ" هو مخالفة ما قبلها لما بعدها في الحكم نفيًا وإيجابًا، وغيرهما.

وفيما سبق يقول ابن مالك بيتًا يشتمل بإيجاز على حكم: "لكنْ" و"لا" العاطفتين "وسيجيء الكلام على "لا".

وأوْلِ "لكِنْ" نَفيًا، أو نهيًا. و"لَا"

نِدَاءً، أو أَمْرًا، أوِ اثبَاتًا تَلَا

"وأول لكن نفيًا": اجعلها والية نفيًا وواقعة بعده، وذلك بأن يتقدم النفي وتليه لكنْ، أي تجيء بعده. هذا كل ما تعرض له البيت. وهو تعرض مبتور، أما باقية فليس خاصًا بلكن.

حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها، موضح في رقم 3 ص657.

ص: 617

9-

لا:

حرف عطف يفيد نفي الحكم عن المعطوف بعد ثبوته للمعطوف عليه؛ نحو: يفوز الشجاعُ لا الجبانٌ. فكلمة: "لا" حرف عطف ونفي. و"الجبان" معطوف على الشجاع، والحكم الثابت للمعطوف عليه هو: فوز الشجاع، وقد نُفِي الفوز عن المعطوف "الجبان" بسبب أداة النفي:"لا". ومثل هذا يقال في "لا" التي في الشطر الثاني من قول الشاعر:

القلب يدركُ ما لا عينَ تدركه

والحْسنُ ما استحسنتْه النفسُ لا البصرُ

فهي حرف عطف ونفي، و"البصر" معطوف على النفس، والحكم الثابت للمعطوف عليه هو نسبه الاستحسان إلى النفس "أي: إسناده إليها" مع نفي هذا الاستحسان عن البصر.

ولا يكون هذا الحرف عاطفًا إلا باجتماع خمسة شروط:

أولها: أن يكون المعطوف مفردًا –لا جملة1– كالأمثلة السالفة، وكقول الشاعر:

قلْ لِبانٍ بقولِ رُكنَ مملكةٍ

على الكتائبِ يُبنَى المُلكُ، ولا الكُتُبِ

"فالكتب" معطوفة على: "الكتائب" وهذا المعطوف ليس جملة. فإن لم

1 الجملة الممنوعة هنا هي التي ليس لها محل من الإعراب. قال الصبان "يشترط في "لا" العاطفة إفراد معطوفها، ولو تأويلًا؛ فيجوز: قلت عليّ قائم، لا عليّ "قاعد"؛ أخذًا من قول الهمع: ولا يعطف بها جملة لا محل لها على الأصح

" ا. هـ. يريد أن المعنى: على قائم لا قاعد، فالجملة المعطوفة بمنزلة خبر مفرد. ومما يلحق بالمفرد: شبه الجملة إذا اعتبرنا متعلقه مفردًا، نحو: حساب العمر بالأعمال لا بالأعوام، وعند الله حسن الجزاء، لا عند الناس. وقولهم: "سُمُوُّ المرء بالعمل لا بمجرد الأمل".

ص: 618

يكن المعطوف مفردًا لم يصح اعتبار "لا" عاطفة؛ وعندئذ يجب اعتبارها حرف نفي فقط، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها، ليست معطوفة؛ نحو: تصبان الممالك بالجيوش والأعمال، لا تصان بالخطب والآمال.

ثانيها: أن يكون الكلام قبله موجبًا لا منفيًّا ويدخل في الموجبَ –هنا– الأمرُ والنداء؛ كقول بعضهم: "الملَقُ وَضاعة لا وداعة، وخِسِّةٌ لا كِيَاسة. فكُن أبيًّا لا ذليلًا، مَصُونًا لا مُتَبَذلًا. يا بن الغُرِّ البِهَاليلِ1 لا السَّفْلةِ2 الأوغادِ3: إن الكرامة في الإباء، والعزة في التَّصَونِ، ولا سعادةً بغير عِزة وكرامة

".

ثالثها: ألا يكون أحد المتعطفين داخلًا في مدلول الآخر، ومعدودًا من أفراده التي يصدق عليها لفظه "اسمه"؛ فلا يصح: مدحت رجلًا لا قائدًا؛ لأن الرجل "وهو المعطوف عليه" ينطبق على أفرد كثيرة تشمل المعطوف "وهو القائد" وتشمل غيره. ولا يصح أكلت تفاحًا لا فاكهة؛ لأن الفاكهة "وهي المعطوف" تشمل المعطوف عليه "وهو: التفاح" ويصدق اسمها عليه

وهكذا. لكن يصح: مدحت رجلًا لا فتاة وأكلت الفاكهة لا خُبزًا؛ إذ لا يصدق أحد المتعاطفين على الآخر4

1 جمع: بهلول، وهو: السيد الجامع لكل خير.

2 أراذل الناس وأسافلهم.

3 جمع: وغد، وهو الرجل الدنيء الحقير.

4 وقد أشار ابن مالك إلى حكم "لا" في جزء من بيت سبق في هامش ص617 يتضمن حكمها وحكم "لكن" هو:

وأَوْلِ "لَكنْ" نَفْيًا، أوْ نَهْيًا وَ"لَا"

نِدَاءً أَوْ أَمْرًا أَو اثْبَاتًا تَلَا

وقد سبق شرح الجزء الخاص بالحرف: "لكن" أما الخاص بالحرف "لا" فتقديره كلامه. "لا" تلا نداء، أو أمرًا، أو إثباتًا: فكلمة: "لا" مبتدأ –ولا يصح أن يكون معطوفًا على: لكن، منعًا لفساد المعنى– خبره الجملة الفعلية المكونة من الفعل "تلا" وفاعله. يريد: أن حرف "لا" العاطف يتلو النداء، أو الأمر، أو الإثبات. ويجيء بعد واحد من هذه الأشياء، ولا يكون عاطفًا إلا إذا وقع بعد أحدها. وفي البيت قصور ونقص.

ص: 619

رابعها: ألا تقترن كلمة "لا" بعاطف لأن حرف العطف لا يدخل على حرف العطف1 مباشرة فإن اقترنت به كان العطف به وحده وتمحضت هي للنفي الخالص2، نحو: أسابيع الشهر ثلاثة، لا بل أربعة، فالعاطف هوَ "بَلْ"3، وقد عطف أربعة على ثلاثة. أما "لا" فليست هنا عاطفة، وإنما هي مجرد حرف نفي لإبطال المعنى السابق وردّه. ومثل هذا:"سبقتْ السيارة لا بل القطار" فليست "لا" هنا بعاطفة وإنما هي حرف نفي يسلب الحكم السابق ويزيله ويرده، و"بل" هي العاطفة4

خامسها: ألا يكون ما يدخل عليه مفردًا صالحًا لأن يكون صفة لموصوف

1 طبقًا لما تردد من قبل، ومنه البيان الذي في ص613.

2 ونفيها الخالص قد يكون تأسيسًا؛ كالذي في نحو: جاءني على، لا بل محمود. وقد يكون تأكيدًا كالذي في نحو: ما جاء عليّ ولا محمود. فالعاطف هو "بل" و"الواو" في الصورتين، والمعطوف فيهما هو محمود. والمعطوف عليه هو عليّ. أما كلمة "لا" فيهما فلمجرد النفي المحض، تأسيسًا في المثال الأول، وتأكيدًا في الثاني.

"ملاحظة": النفي التأسيسي هو الذي تجلبه الأداة الخاصة بالنفي، ولا يكون في الكلام ما يدل على هذا النفي ويشعر به سواها؛ كالمثال الأول: جاء عليٌّ لا محمود". فلولا الحرف النافي: "لا" ما وجد في الجملة ما يدل على معنى النفي. أما النفي التأكيدي فلا تجلبه معها أداة النفي؛ وإنما يكون موجودًا قبل مجيئها؛ فتجيء هي لتوكيده وتقويته؛ كالمثال الثاني: "ما جاء علي ولا محمود" فنفي المجيء عن محمود مفهوم بغير مجيء حرف النفي "لا" وبدون ذكره فلما جاء الحرف أكده وقواه.

3 في مثل: سافر الأخ بل الوالد نحوه من كل كلام موجب، والمعطوف مفرد

تفيد كلمة: "بل" الإضراب عن الحكم السابق، كأنه لم يكن، والسكوت من غير حكم على صاحبه مع إثبات هذا الحكم السابق لما بعدها؛ فالذي سافر في المثال السالف هو الوالد، أما الأخ فسكوت عنه لا يتحدث عنه بشيء من سفر أو غيره كما سيجيء تفصيل هذا عند الكلام على "بل" "ص623 و

" وقياسًا على هذا يكون المراد في المثال: أسابيع الشهر أربعة

؛ إلا أن وجود: "لا" يجعل الحكم منفيًا صراحة لا مسكوتًا عنه. وفي هذا يقول الصبان ما نصه:

"اعلم أن "لا" بعد الإيجاب هي في الإيجاب، وصيرورته بحرف الإضراب –لولاها– كالمسكوت عنه يحتمل النفي وغيره...."ا. هـ.

4 ومن صور اقترانها بالعاطف: ما جاءني محمد ولا علي. وهي في هذه الصورة زائدة، توافق نوعا من الزيادة الموضحة في البيان الهام الذي سبق في ج1 م5 ص62 أول الكلام على الحرف، وسبقت الإشارة إليه في رقم 3 من هامش ص567؛ متضمنة أنه يحوي الكلام على زيادة "لا" النافية، والغرض من زيادته، ومعناها، وإعرابها

ص: 620

مذكور، أو لأن يكون خبرًا1، أو حالًا. فإن صلح لشيء من هذا كانت للنفي المحض، وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ فمثال المفرد الصفة: هذا بيتٌ لا قديمٌ ولا جديدٌ. فكلمة "لا" النافية "وقديم" نعت لبيت. ومثال الخبر: الغلامُ لا صبيٌّ ولا شابٌ، والشابُّ لا غلامٌ ولا كهل....1. ومثال الحال. عرفت العاطف لا نافعًا ولا منتفعًا

"1، 1" لا فرق في الحكم بين خبر المبتدأ –كالأمثلة المعروضة هنا– وخبره غيره من النواسخ كالذي في قول الشاعر:

فإن أنتمو لم تحتفظوا لمودتي

ذِمَامًا فكونوا لا عليها ولا لها

ص: 621

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- اختلف النحاة في وقوع "لا" العاطفة بعد الدعاء والتحضيض، نحو:"أطال الله عمرَك لا عُمْر الأعداء، وحرسَتْك عنايته لا عناية الناس"....

ونحو: "ألَا تُكرَم النَّابِةَ لا الخامل، وهَلا تُقَدّر الذكّي لا الغَبيّ"

والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيح هذا؛ تيسيرًا وموافقة للمأثور.

ويزيد بعضهم فيبدي اطمئنانه لصحة وقوع "لا" العاطفة بعد الاستفهام أيضًا، نحو: أفرغْتَ من كتابة الرسالة لا الخطبة؟ ولا بأس بهذا الاطمئنان.

ب- إذا كانت "لا" عاطفة فقد يجوز حذف المعطوف عليه، نحو: عودت نفسي أن أتكلم

لا شرًّا، وأن أنفع

لا قليلًا1

والأصْل: أن أتكلم خيرًا لا شرًا وأن أنفع كثيرًا لا قليلًا.

ج- لا يجوز تكرار "لا" العاطفة؛ فلا يقال: حضر هاشم، لا محمود، لا أمين، لا حامد، بل يجب الاتيان بالواو العاطفة قبل المكرر، ليكون العطف بهذه الواو وحدها، وتقتصر "لا" على توكيد النفي، دون أن تكون عاطفة.

د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين، من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 من ص657.

1 لهذا إشارة في ص639.

ص: 622

10-

بل:

حرف يختلف معناه وحكمه باختلاف ما يجيء بعده من جملة أو مفرد.

أ- فإن دخل على جُملة فهو حرف ابتداء فقط، ومعناه إما:"الإضراب الإبطالي"، وإما:

"الإضراب الانتقالي". فالابطالي1: هو الذي يقتضي نفي الحكم السابق، في الكلام قبل "بل"، والقطع بأنه غير واقع، ومدعيه كاذب، والانصراف عنه واجب إلى حكم آخر يجيء بعدها. نحو: الأجرام السماوية ثابتة، بل الأجرام السماوية متحركة. فالحرف "بل" "بمعنى "لا" النافية" أفاد الإضراب الإبطالي الذي يقتضي نفي الثبات ونفي عدم الحركة عن الأجرام السماوية: لأن هذا الثبات أمر غير حاصل، ومن يدعيه كاذب، فكأن المتكلم قال:"الأجرام السماوية ثابتة. لا، فالأجرام السماوية متحركة وليست ثابتة"؛ فأبطل الحكم الأول ونفاه، وعرض بعده حكمًا جديدًا. ومن الأمثلة قوله تعالى في المشركين:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ، أي: بل هم2 عبادٌ مكرمون. فقد أبطل الحكم السابق، ونفاه، وأثبت حكما آخر بعده: فكأن الأصل: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا. لا؛ فان الذين اتخذهم هم عباد مكرمون". ومثل قوله أيضا ترديدا لما يقوله الكفار عن الرسول عليه السلام: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ3 بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} . والانتقاليّ هو: الذي يقتضي الانتقال من غرض قبل الحرف: "بلْ" إلى غرض جديد بعده، مع إبقاء الحكم السابق على حاله، وعدم إلغاء ماي قتضيه. كقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى 4 وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ 5 الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .

فالغرض الذي يدور حوله الكلام قبل: "بل" هو: الطاعة، "بالطهارة من الذنوب، وبعبادة الله، وبالصلاة

"، والغرض الجديد بعدها هو حب

اسبقت الإشارة إلى معناه في رقم 1 من هامش ص597.

2 الدليل على أن العرف: "بل" داخل على جملة اسمية، المبتدأ فيها محذوف هو: رفع كلمة: "عباد" إذ لا وجه لإعرابها وهي مرفوعة غير ما سلف، وهو الذي يقتضيه المعني أيضًا. ومثل هذا يقال في كلمة:"أحياءٌ" المرفوعة في قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، أي بل هم أحياء.

3 جنون.

4 تَطَهَّر.

5 تفضلون وتختارون.

ص: 623

الدنيا، وتفضيل الآخرة عليها

وكلا الغرضين مقصود باقٍ على حالة، كقوله تعالى:{كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} 1.

وكقولهم: "ليس من المروءة أن يتخلى الشريف عن أصدقائه ساعة الشدّة: بل يقيهم بماله، ويدفع عنهم بنفسه".

وحكم الحرف: "بل" الداخل على الجملة أنه حرف ابتداء محض يفيد الإضراب2 -كما أسلفنا- ولا يصح اعتباره حرف عطف ولا شيئا آخر غير الابتداء، فالجملة بعده مستقلة في إعرابها عما قبلها، ولا يصح إعرابها خبرًا ولا غير خبر عن شيء سابق عليه3

1 غفلة، أو انهماك في الباطل، ووُصِفت القلوب بهذا مسايرة لاعتقاد العرب أن القلب هو مقر العقل والغرائز، ومصدر الخير والشر.

2 سبقت إشارة -في رقم 2 من هامش ص597 إفي فروق بين "أم" المنقطعة حين تكون للإضراب، و"بل" منها: أن الذي بعد "بل" يقين غالبا، أما الذي بعد "أم" فطن

، جاء الكتاب:"المحتسب" لابن جني ج2 ص 291 في الآية الكريمة من سورة الطور: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} وقراءة من قرأها: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} ما نصه: "قال أبو الفتوح: هذا هو الموضع الذي يقول أصحابنا فيه: إن "أم" المنقطعة بمعنى: إلا أن ما بعد "بل" متقين، وما بعد "أم" مشكوك فيه، مسؤول عنه، كقول علقمة بن عبدة:

هل ما علمت وما تستودعت مكتوم؟

أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم؟

سطر ممحى مشكوم: مجازى

ألا ترى إلى ظهور حرف الاستفهام وهو: "هل" في قوله: أم هل كبير بكى

حتى كأنه قال: بل هو كبير

ترك الكلام الأول وأخذ في استئناف مستأنف.

وقد توالت "أم" هذه في ها الموضع من هذه السورة؛ قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أي: بل أيقولون ذلك. وقوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ؟} أي: بل أهم قوم طاعون؟

أخرجه مخرج الاستفهام، وان كانوا عنده تعالى قومًا طاغين؛ تلعبًا بهم وتهكمًا عليهم. وهذا كقول الرجل لصاحبه الذي لا يشك في جهله: أجاهل أنت؟ توبيخًا له، وتقبيحًا عليه. ومعناه: إني قد نبهتك على حالك فانتبه لها، واحتط لنفسك منها، قال صخر:

أرائح أنت يوم البين أم غادي

ولم تسلم على ريحانة الوادي

ليس يستفهم نفسه عما هو أعلم به؛ ولكنه يقبح هذا الرأي لها، وينعاه عليها" ا. هـ.

3 يقول السيوطي في الهمع - ج1 ص96- ما نصه خاصًا بالخبر: "لا يسوغ الإخبار بجملة ندائية؛ نحو: زيد يا أخاه، ولا مصدرة بلكن، أو: بل، أو: حتى -بالإجماع في كل ذلك".

ص: 624

ب- وان دخل على مفرد فحكمه أنه: حرف عطف: يختص بعطف المفردات وحدها. أما معناه هنا فيختلف باختلاف ما قبله من كلام مثبت، أو مشتمل على صيغة أمر، أو كلام منفي، أو مشتمل على صيغة نهي.

1-

فإن تقدم على: "بل" كلام موجب أو صيغة أمر نحو1: "أعددت الرسالة بل القصيدة لبست المعطف بل الثياب""عاون المحتاج بل الضعيف" ساعف الصديق بل الصارخ" كان معنى "بل" أمرين معا، أساسيين:

أولهما: الإضراب عن الحكم السابق؛ بنفي المراد منه نفيًا تامًّا، وإبطال أثره كان لم يكن، وسلْبه عن صاحبه، وترك صاحبه مسكوتًا عنه مهملا؛ أي غير محكوم عليه بشيء مطلقًا بمقتضى هذا الكلام الذي أزال عنه الحكم السالف، وتركه بغير حكم جديد يقع عليه. وان شئت فقل: إنّ الكلام السابق على "بل" صار كأنه لم يذكر2.

ثانيهما: نقل الحكم الذي قبل "بل" نقلا تاملًا إلى ما بعدها منغير تغيير بشيء في هذا الحكم الذي أزيل عما قبلها، واسْتقر لما بعدها، ففي الأمثلة السابقة يقع الإضراب على إعداد الرسائل، فينفي الإعداد لها، ولكنه يثبت للقصيدة بعدها. ويقع الإضراب على لبس المعطف، فلا يحصل؛ وإنما ينتقل اللبس إلى الثياب. وكذلك ينصت الإضراب على معاونة المحتاج؛ فلا يحصل؛ وإنما تنتقل المعاونة إلى الضعيف وتثبت له. وأيضا تلغى المساعفة للصديق ولكنها تثبت للصارخ. وهكذا.

2-

وان تقدم على "بل" كلام منفي، أو مشتمل على صيغة نهي، نحو: "

1 يراد بها ما يدل على الأمر صراحة، كفعل الأمر، ولام الأمر الداخلة على المضارع. لكن أيلحق بالأمر هنا التمني، والترجي، والعرض، والتحضيض، أم لا يلحق؟

رأيان بينهما خلاف واسع. والأحسن التيسير بقبول الرأي الذي يلحقها -كما سيجيء في هامش ص 627-.

2 ففي الأمثلة السابقة ماذا جرى للرسالة، والعطف، والمحتاج، والصديق، بعد أن سلبنا الحكم الواقع على كل منها؟

ليس في الكلام ما يدل على حكم جديد بعد الحكم المسلوب الذي نفيناه. فكل واحد منها بمنزلة كلمة مفردة نطقنا بها وحدها من غير أن نسند إليها شيئًا.

ص: 625

ما زرعت القمح بل القطن ما أسأت مظلوما بل ظالما" "لا يتصدر مجلسنا جاهل بل عالم لا تصاحب الأحمق بل العاقل" لم يكن معنى "بل " الإضراب، وإنما المعنى أمران معًا.

أولهما: إقرار الحكم السابق، وتركه على حاله من غير تغيير فيه.

ثانيهما: إثبات ضدّه لما بعد "بل".

ففي المثال الأول: حكم منفيّ، قبل كلمة "بل" هو نفي زراعتي القمح، وأقررنا هذا الحكم المنفيّ، وتركناه على حاله، وفي الوقت نفسه أثبتنا بعدها حكما آخر، هو، زرع القطن

، وأيضا نفينا قبلها حكما؛ هو وقوع الإساءة على المظلوم، وأثبتنا بعدها وقوعها على الظالم. وكذلك نهينا قبلها عن تصدر الجاهل لمجلسنا، وأمرنا بعدها بهذا التصدر للعالم. ونهينا عن مصاحبة الأحمق، وامرنا بها للعاقل، وهكذا

فالحكم الأول في كل الأمثلة السالفة –ونظائرها- باق على حاله، لم يقع عليه إضراب، أو تغيير، والحكم بعد "بل" مضاد لما قبلها، فالحكمان متضادان؛ ما ينفى أو ينقى عنه قبل "بل" يثبت أو يؤمر به بعدها"1"

1 في حكم "بل" يقول ابن مالك:

و"بل" ك "لكن بعد مصحوبيها

كلم أكن في مربع، بل تيها

"المراد بالمصحوبين: النفي والنهي، هو المربع: المكان الذي ينزل فيه القوم زمن الربيع. والتيها: هي التيهاء؛ "أي: الصحراء" يقول: ‘ن "بل" بعد النفي مثل "لكن" في أنها تقرر ما قبلها، وتتركه على حاله، وتثبت ضده لما بعده، فلا تفيد معهما إضرابا. لكنها بعد الكلام الموجب وبعد صيغة الأمر تفيد الإضراب عن الأول، وتنقل حكمه إلى الثاني، حتى يصير الأول مسكوتا عنه مهملا. وفي حالتي الإيجاب والأمر يقول ابن مالك متمما كلامه السالف عن "بل":

وانقل بها للثان حكم الأول

في الخبر المثبت والأمر الجلي

أي: الصريح في دلالته على الأمر؛ كفعل الأمر، والمضارع المسبوق بلام الأمر. وهذا عند ابن مالك ومن وافقه. وهناك من يلحق التمني، والترجي، والعرض، والتحضيض

بالصريح كما قلنا في رقم 2 من هامش ص625 وقد سبق الكلام على "لكن" في ص616.

ص: 626

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

ا- لا يجوز العطف بالحرف "بل، بعد كلام فيه استفهام؛ فلا يصح أحفظت قصيدة بل خطبة؟

ب- تقع "لا" النافية قبل "بل "1 بنوعيها؛ العاطفة "وهي المستوفية للشروط2؛ وفي مقدمتها الدخول على المفرد" وغير العاطفة "وهي غير المستوفية للشروط؛ كالداخلة على الجملة " فإذا دخلت على العاطفة المسبوقة بكلام مثبت، أو بصيغة أمر كان معنى "لا" النافية: تقوية الإضراب المستفاد من "بل "، وتوكيده، وإن دخلت على العاطفة المسبوقة بنفي أو نهي كان معنى "لا" تقوية النفي والنهي المستفادين من "بل ". فمثالها بعد كلام مثبت قول الشاعر:

وجهُك البدر لا، بل الشمس لو لم يقض للشمس كسفة وأفول

ومثال وقوعها بعد النفي: ما عاقني البرد، لا بل المطر.

ومثالها بعد النهي: لا تغفل الرياضة، لا بل طول القعود.

وإن دخلت على غير العاطفة كان معناها تقوية الإضراب المستفاد من: "بل"وتوكيده؛

كقول الشاعر:

وما هجرتك، لا، بل زادني شغفا

هجر، وبعد تراخ لا إلى أجل

ج- ورد قليلا في المسموع الفصيح3 زيادة "الواو" بعد "بل" كالتي في قول علي رضي الله عنه: "إنما يحزن الحسدة ابدا؛ لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من السر فقط، بل ولما ينال الناس من الخير"ا. هـ4.

والأحسن عدم القياس على هذا؛ لندرته البالغة.

د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 ص657.

1 كما اشرنا في ص629.

2 بيان هذه الشروط في ص625.

3 أما في غيره من كلام المولدين الذين يستأنس بكلامهم ولا يستشهد به، فكثيرة الورود في كثرة لا تغير الحكم السالف.

4 ورد هذا النص في ص 128 من كتاب: "سجع الحمام، في حكم الإمام" إخراج وتحقيق علي الجندي وزميليه..

ص: 627

ملخص حروف العطف، وبيان ما يقتضي التشريك، وما لا تقتصيه:

من كل ما تقدم من الكلام على أدوات العطف يتبين:

1-

أنها حروف.

2-

وأنها في اغلب الحالات -تشرك المعطوف مع المعطوف عليه في الضبط الإعرابي1 "رفعا، ونصبا، وجرا، وجزما" وهذا هو الشريك اللفظي.

أما من جهة التشريك المعوي فبعضها يشركه أيضا في معنى المعطوف عليه: وينحصر هذا في أربعة حروف: "الواو، الفاء، ثم، حتى"؛ فهذه الأربعة ترك المعطوف مع المعطوف عليه في المعنى، كما تركه في اللفظ إشراكا إعرابيا -في الغالب- كما أسلفا.

وبعضها يشركه في اللفظ دون المعنى، فيثبت للمعطوف ما انتفى عن المعطوف عليه، وهو:"بل، لكن" أو العكس، فيثبت للمعطوف عليه ما انتفى عن المعطوف، وهو:"لا".

وبعض ثالث هو "أو2، أم" يشركان في اللفظ كما يشركان في المعنى ولكن بشرك ألا يقتضيا إضرابًا3.

1 وهناك حالات لا تشريك فيها في الضبط الإعرابي، كعطف الماضي على المضارع وعكسه. وعطف أحدهما على المشتق والعكس -كما سيجيء في ص642 و649 و

2 وتبشهها "إما" من وجوه أوضحناها عند الكلام عليها. في ص612 لكن الصحيح اعتبارها غير عاطفة.

3 قالوا في بيان هذا التشريك المعنوي "إن القاتل: أمحمد في الدار أم محمود يعرف أن الذي في الدار هو أحد المذكورين، ولكنه لا يعلم -على وجه التعيين- من هو. فالذي بعد "أم" مساو للذي قبلها في صلاحه لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه. وحصول المساواة إنما هو بواسطة "أم" فقد أشركتهما في المعنى كما أشركتهما في اللفظ. وكذلك: "أو" تشرك ما بعدها لما قبلها فيما جاءت لأجله من شك، أو تخيير، أو غيرهما. فان اقتضيا إضرابا كانا مفيدين للشريك في اللفظ لا في المعنى

". "راجع: "شرح التصريح"، أول باب:"العطف".

ص: 628

3-

وان المتعاطفين إذا تكررا كان "المعطوف عليه" واحدا هو الأول. إلا إذا كان حرف العطف يفيد الترتيب "مثل: الفاء، وبم"، فان "المعطوف عليه" واحد، هو ما قبل حرف العطف مباشرة1.

1 ويترتب على هذا أنه لو جاء بعد العاطف المفيد للترتيب وبعد معطوفه عاطف آخر لا يفيد الترتيب –كالواو- لوجب أن يكون المعطوف عليه لهذا العاطف الذي لا يفيد الترتيب هو المعطوف الذي قبله مباشرة والذي أداة عطفه مفيدة للترتيب. "طبقا للبيان الذي في رقم 2 من هامش ص555 ورقم 3 من هامش ص649.

ص: 629