الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 101:
ب 1 -المصدر الميمي:
يصاغ من المصدر الأصلي للفعل الثلاثي وغير الثلاثي صيغة قياسية، تلازم الإفراد2 والتذكير3، وتؤدي ما يؤديه هذا المصدر الأصلي من الدلالة على المعنى المجرد ومن العمل -كما سيأتي- لكنها تفوقه في قوة الدلالة وتأكيدها4.
1 سبق الكلام على: "أ" في ص193، وهو وزن المصدر الأصلي، كما سبق الكلام على النوع الثالث؛ وهو:"المصدر الصناعي" في ص186.
2 يدل على هذا ما سجله النحاة في باب البدل -كما سيجيء في رقم 2 من ص676.
"3، 4" وقد وردت هذه الصيغة لبيان السبب، وقال الرضي في شرح الشافية، آخر باب المصدر ما نصه:"يجيء "المفعلة" لسبب الفعل؛ كقوله عليه السلام: "الولد مبخلة، مجبنة، محزنة" ا. هـ. وقول عنترة العبسي:
نبئت عمرًا غيرَ شاكر نعمتي
…
والفكر مخبثة لنفس المنعمِ
وقولهم أيضًا: الشكر مبعثة لنفس المفضل.
والمفهوم أن هذا المعنى مقصور على السماع. وكذلك صيغته المختومة بالتاء؛ حيث يتشدد غالب النحاة "بغير داعٍ قوي" فيجعلها سماعية، على الرغم من الأمثلة الكثيرة الواردة بالتاء -والتي رآها مؤتمر المجمع اللغوي كافية للقياس عليه، كما سيجيء في3 ص235- مثل: مقالة، مرة، مهلكة، منصبة، مخافة
…
كقول الشاعر:
مقالة السوء إلى أهلها
…
أسرع من منحدِر سائلِ
وقول الآخر:
لا تنم واغتنم مسرة يوم
…
إن تحت التراب نومًا طويلًا
وقول دعبل:
ألم أقل لك: إن البغي مهلكة
…
والبغي والعجب إفساد لأقوام؟
وقول علي رضي الله عنه فيما ورد منسوبًا له: ليس لواضع المعروف في غير حقه، وعند غير أهله، من الحظ إلا محمدة اللئام، وثناء الأشرار، ومقال الجهال.
وقوله أيضًا: الحمد لله المعروف من غير رؤية، الخالق من غير منصبة. وقول الأحنف بن قيس: رب حلم قد تجرعته؛ مخافة ما هو أشد منه.
وتسمى هذه الصيغة: المصدر الميمي1. وتعرب -في الأغلب2- على حسب حاجة الجملة.
1-
وللوصول إليها من الفعل الثلاثي غير المضعف3 نأتي بمصدره القياسي المشهور -مهما كانت صيغته- وندخل عليه من التغيير اللفظي ما يجعله على وزن "مفعل" -بفتح الميم والعين- وهذه هي الصيغة القياسية للمصدر الميمي في جميع حالات4 الفعل الماضي الثلاثي غير المضعف. ما عدا حالة واحدة5؛ وهي التي يكون فيها الفعل الماضي الثلاثي صحيح الآخر، معتل الفاء6 بالواو التي تحذف7 في مضارعه؛ "لوقوعها بين الفتحة والكسرة؛ مثل: وصل، وصف، وعد، وثب، وجد
…
فإنها أفعال واوية الفاء، ومضارعها مكسور العين، محذوف الواو، وهو: يصل، يصف، يعد، يثب، يجد
…
" وفي هذه الحالة الواحدة تكون على وزن: "مَفْعِل" بكسر العين8.
1 انظر ما يتصل بهذه التسمية في "أ" من ص223، وسبق في ص181 الكلام المفصل عن المصدر الأصيل، وعن أصل المشتقات.
2 البيان في رقم 6 من هامش ص235.
3 مضعف الثلاثي: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، مثل الفعل: مد، فر، سر
…
4 أي: سواء أكان الفعل الثلاثي غير المضعف متعديًا، أم لازمًا، صحيحًا، أم معتلًا، مضموم العين أم مفتوحها أم مكسورها. "إلا حالة واحدة ستُذكَر".
5 وهناك حالة أخرى يجوز فيها فتح العين وكسرها، وسيجيء الكلام عليها في ملاحظة خاصة ص236.
6 هو: معتل الأول، ويسمى:"مثالًا". وسيجيء في رقم 4 من هامش الصفحة الآتية أن بعض القبائل يجعل المثال هنا كغيره.
7 بأن يكون مضارعه مكسور العين؛ فتقع الواو فيه بين الفتحة والكسرة، وهذا يؤدي -في الغالب- إلى حذفها كالأمثلة المعروضة. فلا بد من صيغة:"مَفْعِل" -بكسر العين- من تحقق -ثلاثة شروط، أن يكون الثلاثي معتل "الفاء" بالواو -وأن يكون مضارعة مكسور العين- وأن يكون حرف العلة "الواو" محذوفًا فيه. فإن خلا شرط من الثلاثة فالقياس:"مَفْعَل"؛ كأن يكون صحيح "الفاء"، مثل: كتب، أو يكون معتل الفاء بالياء؛ مثل: "يبس، يقن، يقظ
…
أو يكون معتل الفاء بالواو ولكن مضارعه غير مكسور العين؛ فلا تحذف فيه الواو، قياسًا؛ مثل: وجع يوجع، وحل يوحل، وله، يوله، بمعنى: فقد عقله لحزن أو فرح أو نحوهما.
وإن كان معتل الفاء واللام فصيغته: "مَفْعَل" بفتح العين.
8 مع ملاحظة حالة المضعف التي يجوز فيها فتح العين وكسرها وستأتي.
فمن أمثلة "مَفْعَل" بفتح الميم والعين: ملعب، بمعنى لعب. مسقط؛ بمعنى: سقوط. مصعد، بمعنى: صعود. مأكل؛ بمعنى: أكل. مغنم؛ بمعنى: غنم. مأثم؛ بمعنى: إثم. مخبثة؛ بمعنى: خبث. منطق، بمعنى: نطق. مقدم: بمعنى: قدوم. معاب1؛ بمعنى: عيب. وأفعالها الماضية: لعب، سقط، صعد، أكل، غنم، أثم، خبث، قدم، عاب، يقال: فلان رياضي يحسن مَلْعَب الكرة. سقط البرد، وكان مسقطه عنيفًا. صعدت إلى قمة الجبل مسترشدًا في مصعدي بخيبر. أهلك فلانًا مأكله الحرام
…
ومثل قولهم: ليس في الشر مغنم، ولا لوم على امرئ إلا في مأثم، والكفر مخبثة لنفس المنعم. وقول الشاعر:
لا يملأ الهول صدري قبل مقدمه
…
ولا أضيق به ذرعًا2 إذا وقعا
وقول الآخر:
أنا الرجل الذي قد عبتموه
…
وما فيه لعياب معاب3
ومن أمثلة: "مَفْعِل" بكسر العين": موصِل؛ بمعنى: وصول. موصِف، بمعنى؛ وصف. موعِد، بمعنى: وعد
…
و..... و..... و...... فيقال: كان موصِلي للصديق تنفيذًا للموعِد الذي بيننا، وكان موصِفه لمكان التلاقي واضحًا؛ فلم أخطئه
…
أي: كان وصولي للصديق تنفيذًا للوعد الذي بيننا، وكان وصفه4
…
فإن كان الثلاثي مضعف العين جاز في مصدره الميمي أن يكون مفتوح العين
1 أصلها: "مَعْيَب" -على وزن: مَفْعَل- ثم تناولها التغيير الصرفي الذي انتهى بها إلى: "معاب". "بأن نقلت فتحة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها، فهي متحركة بحسب الأصل، وما قبلها متحرك أخيرًا، فتقلب الياء ألفًا".
2 الذرع: الطاقة والاحتمال. وضاق بالأمر ذرعًا: ضعفت طاقته عن احتماله، ولم يجد منه خلاصًا.
3 سيعاد البيت لمناسبة أخرى في ص236.
4 بعض القبائل العربية الفصيحة لا يفرق بين معتل الفاء وصحيحها، وإنما يجعل صيغة المصدر الميمي واحدة لجميع أنواع الثلاثي، هي:"مَفْعَل" بفتح الميم والعين. ورأيه -على صحة محاكاته- مخالف لأكثر القبائل التي يشيع العمل برأيها اليوم وقبل اليوم. ومن المستحسن الاكتفاء بمتابعة الأكثرية.
أو مكسورها1 كالمفَِرّ -بفتح الفاء وكسرها- في قولهم: لا ينفع الجاني المفر من قصاص الدنيا، فقصاص الآخرة أشد.
أما ما ورد من الألفاظ المسموعة خارجًا في صياغته على الضابط الموضح في الحالتين السابقتين؛ مخالفًا له -فحكمه: جواز استعماله بالصيغة الواردة، أو إخضاعه للضابط، وتطبيق القاعدة عليه؛ فيصاغ صياغة جديدة على حسب مقتضاها.
2-
وإن كان الماضي غير ثلاثي فمصدره الميمي يصاغ على صورة مضارعه، مع إبدال أول المضارع ميمًا مضمومة، وفتح الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مفتوحًا2
…
ففي مثل الأفعال: عرف، تعاون، استفهم
…
يكون المضارع: يعرف، يتعاون، يستفهم. وتكون صيغة المصدر الميمي: معرف، متعاون، مستفهم
…
يقال: "كان معرفك للنظرية العلمية واضحًا، والمتعاون بيننا في فهمها خير وسيلة لتحقيق الغرض، والإجابة على كل مستفهم أنارت غوامض البحث". تريد: "كان تعريفك. والتعاون بيننا
…
والإجابة عن كل استفهام" ومثل قول الشاعر:
ألا إنما النعمى تجازى بمثلها
…
إذا كان مسداها إلى ماجد حرّ
أي: إسداؤها.
وملخص ما سبق من حيث: الصياغة القياسية، والحكم، والدلالة:
1-
أن المصدر الميمي للماضي الثلاثي غير المضعف يصاغ دائمًا على وزن "مَفْعَل" -بفتح الميم والعين- إلا إن كان الماضي صحيح الآخر معتل
1 صرح بجواز الأمرين صاحب "المصباح المنير" في فصول آخر كتابه -ص962: عند الكلام على صوغ المصدر الميمي واسم الزمان والمكان- وساق مثالًا نصه: "فر مفَرًّا ومفِرًّا".
2 وقد يستتبع هذا تغييرًا صرفيًّا في بعض الحالات؛ كالذي في كلمة: مقام -بضم الميم- في قول الشاعر:
وإن مُقام الحر في دار ذلة
…
ليدفع عنه الفقر شر من الفقر
ففعلها: "أقام"، والمصدر الميمي منه هو:"مُقْوَم" على وزن: مُفْعَل. ثم ينقلب حرف العلة -الواو- أيضًا
…
"انظر رقم 1 من الهامش السابق".
الأول بالواو التي تحذف عند كسر عين مضارعه، فيجيء مصدره الميمي على "مَفْعِل" بكسر العين1.
أما المصدر الميمي للثلاثي المضعف فيجوز فيه فتح العين وكسرها.
2-
وأن المصدر الميمي لغير الثلاثي يصاغ على صورة مضارعة، مع إبدال الحرف الأول ميمًا مضمومة، مع فتح الحرف الذي قبل آخره2.
3-
وأن المصدر الميمي يلازم الإفراد3 والتذكير، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعًا في رأي كثير من النحاة. ويخالفهم -بحق- آخرون4.
والراجح أنه لا يعد من المشتقات، ولكن يصح أن يتعلق به شبه الجملة -كما سبق5-.
4-
أنه يعرب على حسب حاجة الجملة إليه ما كان منه مسموعًا بالنصب6.
1 هذا هو القياس في الحالتين. أما السماع فقد يجيء بغيرهما؛ كصيغة: "مَفْعَلة" في الحديث الذي سبق في رقم 3 من هامش ص231 ونصه: "الولد مبخلة، مجبنة، محزنة" وفي غيره مما ذكرناه.
2 فهو من مصدر غير الثلاثي كاسم المفعول من غير الثلاثي، وكاسم الزمان والمكان كذلك. والتمييز بينهما يكون بالقرائن التي تعين أحدها.
3 كما سيجيء في رقم 2 من ص676، لمناسبة هناك.
4 في الاقتصار على السماع تشدد بغير حجة قوية؛ إذ الأمثلة الفصيحة الواردة بالتاء كثيرة تبيح القياس عليها. وقد عرض مؤتمر المجمع اللغوي "المنعقد بالقاهرة في فبراير سنة 1971" لهذه المسألة واطلع على عشرات من الكلمات المسموعة بالتاء سجلها في محاضر جلساته، وقد أصدر قرارًا حاسِمًا في جواز إلحاق تاء التأنيث بالمصدر الميمي عامة. انظر ما يتصل بهذا في "أ" من ص223. وفي رقم "3، 4" من هامش ص231 بعض الأمثلة المختومة بالتاء.
5 في رقم "ب" من هامش ص182. ومع أنه لا يعد من المشتقات يجوز أن يتعلق به شبه الجملة: لما في المصدر الميمي من رائحة الفعل التي تكفي مسوغًا للتعليق. "راجع رقم 1، 2 من هامش ص251، 321".
6 يقع المصدر الميمي في جميع المواقع الإعرابية المختلفة "فيكون مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا، وإلخ".
وهناك ألفاظ مسموعة بالنصب في أكثر أحوالها باعتبارها مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف، أو مفعولًا به لفعل محذوف كذلك. ومن الأول قولهم لمن يريد أن يؤدي عملًا: أفعل، وكرامة، ومسرة، أي:
وأكرمك كرامة وأسرك مسرة
…
ومن الثاني كلمة: "مرحبًا" تقال للترحيب بالشيء، أي: أنه صادف مكانًا رحبًا، ولقي موطنًا واسعًا. ومنه قول القائل:
مرحبا بالخطب يبلوني إذا
…
كانت العلياء فيه السببا
وقد سبق تفصيل هذا النوع في ج2 باب المفعول المطلق م76 ص192.
5-
ومن حيث العمل فإنه يعمل عمل مصدره1.
6-
أما من حيث الدلالة فيدل على المعنى المجرد -كالمصدر الأصلي- ويمتاز الميمي بقوة دلالته وتأكيدها. ولا يدل على بيان السبب إلا سماعًا.
"ملاحظة": جاء في بعض المراجع اللغوية ما نصه2:
"إن كان الماضي الثلاثي معتل العين بالياء فالمصدر الميمي مفتوح العين، واسم الزمان والمكان مكسور كالصحيح؛ نحو: مال مَمَالًا، وهذا مَمِيله
…
هذا هو الأكثر. وقد يوضع كل واحد موضع الآخر؛ نحو المَعاش والمَعِيش، والمسار والمسير. قال ابن السكيت: لو فُتِحَا جميعًا في اسم الزمان والمكان، وفي المصدر الميمي، أو كسرا معًا فيهما -أي: في الاسم والمصدر- لجاز، لقول العرب: المعاش والمعيش؛ يريدون بكل واحد: المصدر واسم الزمان والمكان، وكذا المعاب والعيب، قال الشاعر:
أنا الرجل الذي قد عبتموه
…
وما فيه لعياب معاب
…
3
1 ومن أمثلة إعماله قول الشاعر يخاطب امرأة اسمها "ظلوم":
أظلوم، إن مصابكم رجلًا
…
أهدى السلام تحية -ظلم
يريد: إن أصابتكم رجلًا أهدى السلام تحية -ظلم. وكلمة: "ظلم" خبر "إن" وقد سبق -في ص223- رواية أخرى في البيت، وبيان قائله، وشرحه.
وقول الآخر:
وأمر تشتهيه النفس حلو
…
تركت مخافةً سوء السماع
أي: خوفًا سوء السماع.
2 المصباح المنير -ص 962- من الفصول الأخيرة.
3 سبق هذا البيت لمناسبة أخرى في ص233.
وقول الآخر:
أزمان قومي والجماعة كالذي
…
منع الرحالة أن تميل مميلًا
أي: أن تميل ميلًا. الرحالة: الرحل، والسرج أيضًا. وقال ابن القوطية أيضًا: من العلماء من يجيز الفتح والكسر فيهما؛ مصادر كن أو أسماء زمان ومكان؛ نحو: الممال والمميل، والمبات والمبيت" ا. هـ.