المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 108: التعجب ‌ ‌مدخل … المسألة 108: التعجب معناه: إذا رأينا في أحد الكواكب أشباحًا - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 108: التعجب ‌ ‌مدخل … المسألة 108: التعجب معناه: إذا رأينا في أحد الكواكب أشباحًا

‌المسألة 108: التعجب

‌مدخل

المسألة 108: التعجب

معناه:

إذا رأينا في أحد الكواكب أشباحًا تحاول الاتصال بنا، أو شاهدنا بئرًا تغيض1 فجأة، أو مطرًا ينهمر في يوم صحو2، أو سيارة جديدة تتوقف عن المسير بغير سبب معروف، كان هذا أمرًا باعثًا للدهش، وانفعال3 النفس به؛ واستعظامها إياه؛ لخفاء سره عليها، وعدم وجود نظير له، أو قلة نظائره، وقد يعبر عنه الناس بأنه أمر عجيب، أو غريب، أو مثير

أو نحو هذا من العبارات التي يريدون منها ما يسميه اللغويون: "التعجب"، ويعرفونه بأنه:

"شعور داخلي4 تنفعل به النفس حين تستعظم أمرًا نادرًا، أو لا مثيل له؛ مجهول الحقيقة5، أو خفي السبب"6. ولا يتحقق التعجب إلا باجتماع هذه الأشياء كلها.

أسلوبه:

له أساليب كثيرة7 تنحصر في نوعين:

1 يجف ماؤها.

2 لا غيم فيه، ولا مطر، ولا برد.

3 تأثر.

4 وقد يترتب عليه ظهور آثار خارجية؛ كالتي تبدو على الوجه، أو غيره.

5 أي: الذات. بأجزائها التي تتركب منها.

6 لهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب، ولهذا أيضًا لا يوصف المولى جل شأنه بأنه متعجب؛ إذ لا يخفى عليه شيء، وإذا ورد في كلامه، أو في الحديث الشريف، أو غيرهما، ما يدل على أنه يتعجب، فالمراد: إما توجيه السامعين إلى إظهار العجب والدهشة، وإما المراد: اللازم؛ هو الرضا والتعظيم، أو: نحو ذلك من الأغراض البلاغية.

7 والغرض الأساسي من كل منها هو: "التعجب". لكن بعضها قد يتضمن أحيانا كثيرة التعجب وغرضًا آخر معه: "المدح، أو الذم": كما سيتبين في هذا الباب، وفي باب "نعم وبئس" عند الكلام على الأفعال التي تجري مجراهما ص370.

ص: 339

أحدهما: مطلق؛ لا تحديد له ولا ضابط، وإنما يترك لمقدرة المتكلم، ومنزلته البلاغية، ويفهم بالقرينة.

والآخر: "اصطلاحي"، أو "قياسي" مضبوط بضوابط وقواعد محددة، ولا تكاد تختلف في استعماله أقدار المتكلمين.

ومن أمثلة الأول: "لله در1 فلان"، في قول القائل:

لله درك!! أي جنة2 خائف

ومتاع دنيا. أنت للحدثان3

ومنها: "يا لك، أو يا له، أو يا لي"

كقول الشاعر:

فيالك بحرًا لم أجد فيه مشربًا

وإن كان غيري واجدًا فيه مسبحًا

ومنها: "شَدَّ4" في نحو: شَدَّ ما يفخر اللئيم بأصوله إن كانت له أصول، ويتمدح بفعاله إن كان له فعل محمود.

ومنها كلمة: "عَجَب"، مصدرًا، ومشتقاته، مثل: عَجِب، و"عجيب" في نحو: قولهم: عجبت لمن يشتري المماليك بماله، ولا يشتري الأحرار بكريم فعاله. وقول الشاعر:

أقاطنٌ5 قومُ سَلْمَى أَم نَوَوْا ظَعْنَا6؟

إِنْ يَظْعَنوا فعجيبٌ عيْشُ مَنْ قَطَنا

ومنها: الاستفهام المقصود منه التعجب؛ كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْْ} ، وكقول شوقي يخاطب تمثال أبي الهول7:

إلامَ ركوبُكَ مَتنَ الرمالِ

لِطَيِّ الأَصيلِ، وجَوْب السِّحَرْ?

1 أصل هذا الأسلوب ومعناه مدون في ج2 م60 ص21.

2 وقاية.

3 حوادث الدهر ومصائبه.

4 فعل ماضٍ يفيد التعجب من شدة الأمر وكثرته.

5 أمقيم؟

6 ارتحالًا وسفرًا.

7 تمثال رأسه كرأس إنسان، وجسمه على هيئة جسد الأسد. أقامه أحد الفراعين في صحراء الأهرام، بالجيزة. "قرب القاهرة".

ص: 340

ومنها: "سبحان الله" التي تصاحبها قرينة تدل على أن المقصود منها التعجب؛ كقول رجل سئل عن اسمه: "سبحان الله! تجهلني، والخيل والليل والبيداء تعرفني؟!!

".

إلى غير ذلك من كل لفظ يدل على التعجب1 وتُفهم منه هذه الدلالة بقرينة، من غير أن يكون من النوع "الاصطلاحي""القياسي".

أما النوع "الاصطلاحي، أو القياسي: فصيغتان2: "ما أفعله" و"أفعِل به". وهذان وزنان يُستعملان عند إرادة التعجب من شيء تنفعل به النفس على الوجه الذي شرحناه؛ فعند التعجب من الجمال الباهر -مثلًا- أو الضخامة البالغة، أو: القصر المتناهي

أو غيره

نأتي بأحد أسلويين قياسيين.

أولهما3: فعل ماضٍ، ثلاثي4، يشتمل على المعنى الذي يراد التعجب منه، ثم نجعل هذا الماضي على وزان، "أفعل". وقبله:"ما" الاسمية التي هي مبتدأ، وعلامة التعجب؛ ولذا تسمى:"ما التعجبية" وتقديمها على هذا الماضي واجب، وفاعله ضمير مستر وجوبًا، تقديره:"هو" يعود على: "ما"، وبعده اسم منصوب هو في ظاهره وفي إعرابه مفعول به5. ولكنه في المعنى فاعل6؛ إذ كان في الجملة -وفي الحقيقة- قبل التعجب فاعلًا؛ نحو؛ ما أجمل الوردة الناضرة!. ما أضخم هرم الجيزة!. ما أقصر

1 مثل كلمة: "واها" في نحو: واها لسلمى ثم واهًا واهًا ومثل حرف النداء في: يا جارتا ما أنت جارة!!

2 هناك صيغة ثالثة قياسية يأتي الكلام عليها في "ج" من ص347.

3 الثاني في ص344. وكلاهما يجب تصحيح عينه المعتلة إن كانت مستحقة للإعلال بالنقل طبقًا للبيان الآتي في: "أ" ص347.

4 وقد يصاغ من الرباعي الذي على وزن: أفعل، على الوجه الآتي في ص348.

"5، 6" لهذا لا يصلح التعجب إن كان المفعول به حقيقيًا في أصله "قد وقع عليه فعل الفاعل" ففي مثل: سقى المطر الزرع؛ لا يصح أن يقال: ما أسقى الزرع؛ بقصد التعجب الواقع على الزرع.

لأن المفعول به هنا حقيقي، وليس فاعلًا في المعنى انظر "أ" من ص347.

ص: 341

سكان المناطق القطبية! فكلمة: "ما" في هذه الأمثلة وأشباهها مبتدأ1، والجملة الفعلية بعدها خبرها، ثم المفعول به الذي هو فاعل في المعنى: فالأصل جملت الوردة، ضخم الهرم، قصر سكان المناطق القطبية.

وعند إرادة التعجب من كبر قارة آسيا، وسعتها، وغزارة سكانها، وعلو جبالها

و

نقول: ما أكبرها!! وما أوسع رقعتها!! وما أغزر سكانها!! وما أعلى جبالها!!

والإعراب كما سبق تمامًا، وكذلك المفعول به.

و"ما" التعجبية في هذه التراكيب -ونظائرها- هي نوع من "النكرة التامة"2، وتتضمن -بذاتها3- معنيين معًا، أو أنها ترمز إليهما معًا؛ هما:"توجيه الذهن إلى أن ما بعدها عجيب. وأن الذي أوجده أمر عظيم"، ويصفها النحاة بأنها "نكرة تامة". والماضي بعدها جامد لا محالة4 مع أنه في أصله ثلاثي متصرف، ولكنه يفقد التصرف باستعماله في التعجب رباعيًا على وزن "أفعل" كما يفقد -في الأرجح- الدلالة على الزمن إن لم توجد قرينة تدل على الزمن5.

1 انظر "أ" من الزيادة التالية في ص343.

2 يريدون بالتنكير أنها بمعنى: "شيء" أي شيء. وبالتمام: أنها لا تحتاج إلا للخبر، فلا تحتاج بعدها إلى نعت أو غيره من القيود. وتنكيرها أفادها إبهامًا جعلها في أسلوب التعجب بمعنى:"شيء عظيم". وعلى هذا تكون "النكرة التامة" هي النكرة المحضة الخالصة من كل قيد، أما المقيدة بنعت أو غيره من القيود فتسمى:"نكرة ناقصة". وبيان هذا في ج1 م 17.

3 أي: بلفظها وتكوينها، لا بلفظ أو شيء آخر غيرها.

4 ولا يدل -عند المحققين- على زمن؛ لأن الجملة التعجبية متجردة لمحض "الإنشاء" المقصود منه "التعجب"، فلا دلالة فيما على زمن عندهم "كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص344 وفي رقم 1 من هامش ص349، وفي رقم 4 من هامش ص361 وعدم دلالتها على الزمن مشروط بألا تشتمل على لفظة: "كان" أو "يكون" أو غيرهما من الألفاظ أو القرائن التي أريد منها أن تدل على زمن معين؛ طبقًا للبيان الخاص بهذا في الصفحات السالفة، وفي صدر الجزء الأول عند الكلام على الأفعال م4.

5 كما سيجيء في ص 347، 349، 357.

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- لسنا بحاجة إلى الأخذ برأي من يقول: إن "ما" التعجبية اسم موصول، مبتدأ، والجملة بعدها صلتها، والخبر محذوف. ولا برأي آخر يقول: إنها نكرة ناقصة "تحتاج إلى نعت بعدها" والجملة بعدها نعت لها، والخبر محذوف، ولا استفهامية

ولا

ولا

فكل هذه الآراء تحمل في طياتها كثيرًا من التعسف، وتقوم على الحذف والتأويل من غير داعٍ، ومن غير أن تمتاز بمزية تصرفنا عن الإعراب الأول الذي يتضمن كل مزاياها، ويخلو من عيوبها. فعلينا التمسك به وحده، وأن نختصر في الإعراب، فنقول:"ما" تعجبية، قاصدين مع هذا الاختصار أنها نكرة تامة مبتدأ -من غير حاجة للتصريح بما اصطلحنا عليه

ب- ورد عن العرب قولهم: "ما أمليح فلانًا وما أحيسنه، بتصغير الفعلين الماضيين: "أملح وأحسن" عند استخدامهما في التعجب، مع أن الأفعال لا تصغر

فهل يصح تصغير غيرهما من الأفعال الماضية المستخدمة في التعجب، والتي على وزن "أفعل"؛ قياسًا على هذين الفعلين الماضيين؟ الرأي الشائع عدم الجواز، ولكن سيبويه وبعض البصريين وفريق من غيرهم يبيحه. وفي الأخذ بهذا الرأي -أحيانًا- تيسير وتوسعة لا ضرر منهما1

1 تفصيل هذا كاملًا في باب: "التصغير" من الجزء الرابع م175 ص631.

ص: 343

ثانيهما1: فعل ثلاثي لازم مشتمل على المعنى الذي يراد التعجب منه، ونجعل هذا الفعل على وزن:"أفعل"، وبعده باء الجر، تجر اسمًا ظاهرًا، أو: ضميرًا متصلًا بها، وكلاهما هو الذي يختص بمعنى الفعل. ففي الأمثلة السابقة يقال: أَجْمِلْ بالوردة النَّاضرة! أضْخِم بهرم الجيزة! أَقْصِرْ بسكان المناطق القطبية!. أَكْبِرْ بقارة آسيا! وأَوْسِعْ برقعتها! وأغزِرْ بسكانها! وأَعْلِ بجبالها! أو: أَكبِرْ بقارة آسيا! وأَوسِعْ بها! وأَغزرْ بسكانها! وأكثْر بهم!

أما إعراب: "أجملْ بالوردة الناضرة" ففيه وفي نظائره إعرابان:

أ- أن نقول "أجْمِلْ"، فعل ماضٍ على صورة الأمر، "أي على شكله الظاهر فقط2، دون الحقيقة المعنوية"

"بالوردة" الباء، حرف جر زائد3 "الوردة " فاعل مجرور بالباء لفظًا، ولكنه في محل رفع على الفاعلية. "الناضرة" نعت، إما مجرور بالكسرة تبعًا للفظ الفاعل المنعوت، وأما مرفوع بالضمة تبعًا لمحل المنعوت، ويكون المراد هو: جَمُلت الوردةُ، أي: صارت ذات جمال عجيب، وضخم الهرمُ، أي: صار ذا ضخامة عجيبة. قَصُرَ سكان المناطق القطبية. أيضًا

وهكذا باقي صيغ "أفْعِل" التي جاءت في ظاهرها على صورة الأمر، وهي في الحقيقة فعل ماضٍ؛ يراد منه في ظاهره وفي حقيقته التعجب. ومِثْل النعت هنا غيره من التوابع؛ فكل منها يجوز فيه الجر والرفع.

هذا إعراب الفاعل المجرور بالباء حين يكون اسمًا ظاهرًا معربًا، أما حين يكون اسمًا مبنيًا؛ كالضمير البارز، أو غيره من المبنيات "ومن الأمثلة

1 أما أولهما ففي ص341 وكلاهما يجب تصحيح عينه المهملة كما أشرنا هناك؛ طبقًا للبيان الآن في: "أ" ص347.

2 جاء على صورة الأمر لإنشاء "التعجب"؛ فالجملة كلها إنسانية محضة، ولا دلالة لها -عند المحققين- على زمن، إلا إن وجد تقييد يدل على الزمن "كما أشرنا في رقم 4 من هامش ص342 وكما سيجيء في رقم 1 من هامش ص349 و353 و362"، وهو مبني على السكون حينًا، وعلى حذف آخره حينًا آخر على حسب أحكام بناء الأمر.

3 وزيادته في هذا الموضع لازمة؛ فلا يمكن الاستغناء عنه بشرط أن يكون المجرور به اسمًا صريحًا، ولا مصدرًا مؤولًا من "أن أو أنْ" وصلتهما؛ إذ في هذه الصورة المصدرية يجوز -إلا مع "أنْ" الناسخة في رأي- حذف حرف الجر. انظر رقم 2 من هامش الصفحة الآتية.

كما سبق عند الكلام على "باء الجر" هامش رقم 1 من ص153 م71، 351، م89، وكما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص362.

ص: 344

الآية الكريمة: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} وبعض الأمثلة التي سلفت؛ "فإنه يكون مبنيًا ويذكر في إعرابه: "أنه مجرور بكسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها علامة البناء الأصلي في محل رفع"1؛ فهو كسابقه في أنه مجرور اللفظ، مرفوع المحل، وفي أنه يجوز في تابعه الأمران: الرفع والجرّ.

ب- أو نقول: "أَجْمِلْ" فعل أمر حقيقي، وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنت، يعود على مصدر الفعل المذكور "وهو: الجمال"، و"بالوردة" الباء حرف جر أصلي، وهي ومجرورها أصليان متعلقان2 بالفعل. والمراد الملحوظ: يا جمالُ أجمِلْ بالوردة؛ أي: لازِمْها؛ ولا تفارقْها. فالخطاب الملحوظ موجه لمصدر الفعل المذكور، بقصد طلب استمراره، ودوام بقائه معه3. ومثل هذا يقال في الأمثلة الأخرى، والفاعل مفرد مذكر للمخاطب دائمًا؛ لأنه ضمير مستتر للمصدر المخاطب في كل الأحوال.

والإعرابان صحيحان4. والمعنى عليهما صحيح أيضًا؛ فلا خلاف بينهما

1 يلاحظ أن الضمير الواقع فاعلًا في آية: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} إنما جاء خلفًا عن "واو الجماعة" للغائبين؛ إذ الأصل بناء على التقدير السالف: "سمعوا"، ولما كانت واو الجماعة لا تكون في محل جر امتنع وقوعها بعد "باء الجر" الزائدة لزومًا. ولم يكن بد من التوفيق بين الآمرين بالاستغناء عن واو الجماعة والإتيان بالضمير "هم" مكانه؛ لأنه الضمير الذي يصلح للرفع وللجر مع دلالته على جماعة الغائبين.

2 لازمان لا يمكن الاستغناء عنهما، إلا في حالة واحدة يمكن فيها حذف الباء "في الرأي الأغلب. حين تجر مصدرًا مؤولًا

"وسيجيء تفصيل الكلام عليها عند بيان الحكم التاسع من أحكام التعجب ص362 م109، وسبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش الصفحة السالفة، وفي ج2 ص175 م71".

3 ويصح أن يكون موجهًا للمخاطب الذي يراد منه أن يتعجب مع وجوب إبقاء الضمير على حاله من الإفراد والتذكير. وهذا الوجه هو الذي ينطبق في يسر وغير تكلف على مثل قول الشاعر:

إذا عُمِّرَ الإنسان تسعين حِجَّةً

فأَبْلِغْ بها عُمْرًا، وأَجْدِرْ بها شُكرا

4 وبهما قال الأقدمون، ولكل رأي أنصاره وأدلته المقبولة؛ فلا معنى لتجريح أحدهما كما يفعل بعض المتسرعين. ومن الإنصاف القول بأن المذهبين مقبولان، ولكن كثيرًا من أدلتهما وتعليلاتهما مصنوع، لا يثبت على التمحيص؛ ولا يعرفه العربي صاحب هذه اللغة ولا يدور بخلده، فوق أنه لا يساير القواعد النحوية الأصلية المنتزعة من كلامه. فمن الخير إهمال الجدليات والتعليلات الزائفة التي تتردد في نواحٍ كثيرة من هذا الباب وغيره.

ص: 345

في تأدية الغرض. إلا أن الإعراب الثاني أيسر وأوضح، وهو إلى عقول ناشئة المتعلمين أقرب. ويزداد يسرًا ووضوحًا حين يكون الفاعل المجرور بالباء اسمًا مبنيًا كالضمير، وغيره من المبنيات التي تحتاج في إعرابها إلى تطويل.

ويلاحظ أن صيغة: "أفْعِلْ" هذه جامدة -كأختها الأولى- مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف، ولكنه يفقد التصرف بسبب استعماله في التعجب -كما أوضَحْنا1-

1 في ص342، وما يجيء من ص349، 357 وفي الأحكام السابقة يقول ابن مالك في باب عنوانه:"التعجب":

بـ"أَفْعَلَ" انْطِقْ بعْد: "ما"؛ تعجبًا

أَوْ جِئْ بـ"أَفْعِلْ" قَبْل مجْرُورِ بِـ"ببا"

أي: انطق بصيغة: "أفعَل" لأجل التعجب، بشرط أن تكون هذه الصيغة واقعة بعد كلمة "ما" وهي:"ما" التعجبية، وإن شئت فَجِئْ بصيغة أخرى هي:"أَفْعِلْ" وبعدها المتعجب منه "أي من شيء فيه". مجرور بالباء. ثم قال:

وتِلْوَ "أَفْعَلَ" انْصِبنَّهُ؛ كَما

أَوْفَى خَلِيلَيْنَا! وأَصْدِقْ بِهِما!

أي: "انصب ما يجيء بعد "أفعل". والذي يجيء بعد "أفعل" هو المفعول به المتعجب منه، "أي: من شيء، فيه" ثم ساق في آخر البيت مثالين؛ أحدهما: للمتعجب منه "أي: من شيء فيه" المنصوب بعد "أفعل"؛ وهو: "خليلينا". والثاني المتعجب منه المجرور بالباء بعد "أفعِلْ" وهو "أصدِقْ بهما". ثم ساق بيتًا ثالثًا ضمنه حكمًا سنذكره في مكانه من الأحكام بصفحة 360؛ هو جواز حذف المتعجب منه إذا دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى بحذفه؛ يقول:

وحَذْفَ ما مِنْه تَعَجَّبْت اسْتَبِحْ

إِنْ كَانَ عِنْدَ الحَذْفِ معناهُ يَِحْ

يضح. أي: يتضح. والفعل: "وضَح يضِح"، والأصل: "يوضح، ثم حذفت الواو خضوعًا لقاعدة صرفية تقضي بحذفها إذا وقعت ساكنة في المضارع وقبلها فتحة وبعدها كسرة، وسيذكر البيت لمناسبة أخرى في ص360.

ثم ذكر بعد هذا بيتًا يقرر فيه أن هذين الفعلين ممنوعان من التصرف؛ فهما جامدان بحكم قديم محتوم قرره النحاة: ونص البيت:

وفي كِلَا الفِعْلَيْنِ قِدْمًا لَزِما

مَنْعُ تَصَرُّفٍ بِحُكْمِ حُتِما

في ترتيب البيت التواء، والأصل: ولزم منع تصرف في كلا الفعلين بحكم حتم قدمًا؛ أي: قديمًا. وسيجيء إيضاح لهذا البيت في مكانه الأنسب عند الكلام على أحكام التعجب "ص375".

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- همزة الماضي: "أفعل" في التعجب هي لتعدية الصيغة التي يكون فعلها الثلاثي إما لازمًا في الأصل، وإما متعديًا، ولكنه يفقد التعدية عند أخذ الصيغة منه؛ فتحل محلها تعدية جديدة تغايرها. فمثال الأول: ما أظرف الأديب!! فإن الفعل: "ظرف" لازم أصالة؛ فصار متعديًا. ومثال الثاني: ما أنفع الحذر!! فإن الفعل: "نفع" متعدٍّ في أصله. وتزول عند أخذ الصيغة منه، فتنصب مفعولًا به جديدًا كان في الأصل فاعلًا؛ إذ الأصل: نفع الحذر. فكلمة: "الحذر" فاعل يصير مفعولًا به بعد التعجب1.

أما همزة "أفْعِلْ"، فللصيرورة على اعتباره ماضيًا على صورة الأمر

ويجب تصحيح العين في الصيغتين إن كانت في غير التعجب تستحق الإعلال بالنقل؛ مثل: ما أطول النخلة، وأطول بها2 ومن هذا قولهم:"ما أحوج الجبانَ إلى أن يرى ويسمع عجائب الشجعان" وكذلك يجب فكَ "أفْعِلْ" المضعف، نحو: أشْدِد بحمرة الورد. وقول الشاعر:

أعْزِرْ عَليّ بأن تكون عليلًا

أو أن يكون لك السَّقام نزيلًا

ب- يشيع في هذا الباب ذكر: "المتعجب منه""وهو المعمول المنصوب أو المجرور بالباء" والتعبير الأنسب: هو: "المعمول المتعجب من شيء يتصل به" الأن التعجب في مثل: ما أنفع العلم!!، إنما هو من نفع العلم" لا من العلم ذاته. ولا بأس بالتعبير الشائع على اختصاره المقبول؛ لأن المراد منه مفهوم.

ج- هناك صيغ أخرى للتعجب3، وأشهرها:"فَعُلَ"4 -بضم

1 كما سبق في ص341.

2 عملًا بالضابط العام في الإعلال بالنقل. وسيجيء تفصيل الكلام على هذا الضابط في موضعه المناسب "ج4 م183 -ص733".

3 سيجيء تفصيل الكلام عليها في ص384 م111 من باب: "نعم وبئس".

4 جاء في الأشموني -ج2 آخر باب "تعدي الفعل ولزومه" -ما نصه عند الكلام على =

ص: 347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العين وهو فعل لازم؛ نحو: كبرت كلمة تخرج من فم الجاحد، وخبث لفظًا يجري على لسانه.

ومنها: "أفْعَلَ" بغير "ما" التعجبية، وأصله فعل ثلاثي زيد في أوله، همزة التصيير؛ نحو: أحسنت قولًا، وأبرعت عملًا. أي: ما أحسن قولك، وما أبرع عملك

وفعلها الثلاثي حَسُن وبرَعَ.

والمشهور أن الصيغة الأولى قياسية، والثانية سماعية ذكرناها لندرك أمثلتها المسموعة.

= السبب الثاني الذي يجعل الفعل المتعدي لازمًا:

"التحويل إلى "فَعُل" -بضم العين- لقصد المبالغة والتعجب، نحو: ضَرُب الرجل، وفهُم

بمعنى: ما أَضرَبَه وأَفهَمَه! ". ا. هـ، فلم يأتِ في كلامه ولا في حاشية الصبان ما يدل صراحة على أن المبالغة والتعجب يلازمان مدحًا أو ذمًّا؛ مع أن النحاة صرحوا بأن تحويل الفعل الثلاثي إلى "فَعُل" -بضم العين- بقصد المدح أو الذم يستلزم التعجب حتمًا -كما سيجيء في ص384.

ص: 348

شروط الفعل الذي يبنى منه الصيغتان القياسيتان بناءً مباشرًا:

يشترط فيه ثمانية شروط:

1-

أن يكون ماضيًا1.

2-

ثلاثيًا؛ فلا يصاغان من فعل زادت حروفه على ثلاثة؛ مثل: دحرج. تعاون. استفهم

إلا أن كان الرباعي قبل التعجب على وزن: "أفعل" فيجوز -في الرأي الأنسب2- صياغتهما منه بشرط أمن اللبس؛ كالأفعال "أعطَى "أعطى، أقفر، أظلم، أولى

" فيقال: ما أعطى التقي، ما أقفر الصحراء، ما أظلم عقول الجهلاء، ما أولى الناصح بردع نفسه.

ومن الشاذ قولهم: ما أخصرَ كلام الحكماء، فبَنوه من "اخْتُصِر" الخماسيّ المبنى للمجهول أيضًا3.

3-

متصرفًا في الأصل تصرفًا كاملًا، قبل أن يدخل في الجملة التعجيبة. "أما بعد دخوله فيها فيصير جامدًا4". فلا يصاغان من: ليس، عسى، نعم، بئس

ونحوها من الأفعال الجامدة تمامًا، ولا من نحو:"كاد" التي هي من أفعال المقاربة؛ لأن "كاد" هذه ناقصة التصرف ليس لها إلا المضارع في الأغلب.

4-

أن يكون معناه قابلا للتفاضل والزيادة؛ ليتحقق معنى "التعجب"؛ فلا يصاغان مما لا تفاوت فيه، نحو: فَنِيَ، مات، غرق، عَمِيَ؛ إذ لا تفاوت في الفناء، ولا في الموت، ولا الغرق، ولا العمى، وحيث يمتنع التفاوت والزيادة في معنى الفعل يمتنع الداعي للعجب؛ إذ يكون المعنى مألوفا.

1 مع ملاحظة أن الفعل الذي يدخل في صيغة التعجب يفقد -غالبًا- الدلالة على الزمن عند عدم القرينة -في رأي المحققين. ويتجرد منها إلا في صورة واحدة تقدمت.

"طبقًا لما أشرنا إليه في هامش ص342، نقلًا عن الجزء الأول؛ حيث البيان وذكر المراجع في صدره عند الكلام على الأفعال. وسيجيء الإيضاح في هامش ص353، وص361".

2 وبه أخذ المجمع اللغوي؛ طبقًا لما جاء في ص121 من كتابه الذي أخرجه سنة 1969باسم: "كتاب في أصول اللغة"

3 ففيه شذوذان؛ أنه غير ثلاثي، وأنه مبني للمجهول. وسيجيء أنهما لا يصاغان من المبني للمجهول.

4 كما سبق في هامش ص342 ويجيء في ص357.

ص: 349

5-

ألا يكون عند الصياغة مبنيًّا للمجهول بناء يطرأ ويزول، كالأفعال: عُرِف، عُلِم، فُهِم

وغيرها مما يبنى للمجهول حينًا وللمعلوم حينًا آخر، دون أن يلازم البناء للمجهول في كل الأحوال.

أما الأفعال المسموعة التي يقال إنها تلازم البناء للمجهول. "مثل: زُهيَ، هُزِلَ

"1 فالأنسب الأخذ بالرأي الذي يجيز الصياغة منها بشرط أمن اللبس2؛ فيقال: ما أزهى الطاووس! وما أهزل المريض!

6-

أن يكون تامًّا، "أي: ليس ناسخًا"؛ فلا يصاغان -وفي الرأي الأقوى- من "كان، وكاد"، وأخواتهما

7-

أن يكون مثبتًا، فلا يصاغان من فعل منفى؛ سواء أكان النفي ملازمًا له، أم غير ملازم؛ مثل: ما عاج الدواء، بمعنى: ما نفع، ومثل ما حضر الغائب، فالفعل الأول، وهو:"عاج" الذي مضارعه: "يَعِيج " ملازم للنفي في أغلب أحواله، لا يفارقه إلا نادرًا، والفعل:"حضر" في هذا التركيب وأشباهه مسبوق بالنفي، ويستعمل بغير النفي كثيرًا، وكذلك أفعال أخرى متعددة.

1 تقدم بيانها، وحكمها، وتحقيق هام خاص بها "في ج2 ص102 م67 باب: النائب عن الفاعل" ومن هذا التحقيق الخاص يتبين خطأ القول بوجود أفعال ملازمة للبناء المجهول دائمًا "بعدها مرفوعها فاعل بها؛ كما يزعمون"، وأن الأفعال المعروفة ببنائها للمجهول دائمًا ليست إلا كغيرها من سائر الأفعال الأخرى؛ تبنى حينًا للمعلوم، وحينًا للمجهول، على حسب مقتضيات المعنى، ودواعي الاستعمال الصحيح. أما قصر عدد معين من الأفعال على البناء المجهول دائمًا دون استعماله للمعلوم فغلط شائع. وبناء على هذا التحقيق الهام والتصحيح المفيد يجوز أن يصاغ من مصادر تلك الأفعال مباشرة من غير وسيط. "صيغتا التعجب" القياسي، وأن يصاغ من مصدرها مباشرة: "أفعل التفضيل". وفوق هذا يؤيد فريق من النحاة -ومنهم ابن مالك- صياغة التعجب من مصدر تلك الأفعال بفرض أنها ملازمة البناء للمجهول. أما الأفعال الأخرى التي ليس ملازمة للمجهول فلا يصح التعجب المباشر منها -اتفاقًا- إذا كانت مبنية للمجهول عند الصياغة للتعجب بناء عارضًا، لا ملازمًا في رأي من يقول بهذه الملازمة التي قرر المحققون خطأها.

2 وهذا رأي المجمع اللغوي أيضًا -ما جاء في ص121 من كتابه المجمعي الذي أصدره سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة".

ص: 350

8-

ألا تكون الصفة المشبهة1 منه على وزن: "افعل" الذي مؤنثه: "فعلاء"، نحو "عرج، فهو: أعرج، وهي: عرجاء". "خضر، فهو: أخضر، والحديقة خضراء". "حمر الجلد؛ فهو: أحمر، والوردة حمراء". "حور فهو: أحور، وهي: حوراء"

وهكذا من كل صفة مشبهة تدل على لون، أو عيب، أو حِلية، أو شيء فطري2

1 سبق الكلام عليها وعلى أوزانها في ص381 م104.

2 لا ترتاح النفس للتعليلات التي ذكروها لمنع الصياغة من هذا القسم بأنواعه المختلفة، التي لا ينطبق عليها الشرط الثامن، ولا سيما التعليل بخوف اللبس بين صيغتي:"أَفْعَلَ" التي تستعمل أحداهما في التعجب، والأخرى في الصفة المشبهة فإن هذا اللبس وَهْم لا يتحقق؛ إذ كيف يتحقق وإحداهما فِعْل، والأخرى اسم، ولكل منهما أحكام تغاير الأخرى. فالقرائن قوية تمنعه. ولا علة إلا علة الاستعمال العربي المجرد. وهو -فيما يبدو لنا- لا يمنع من صياغة التعجب من تلك الأشياء، وكذا "التفضيل" كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص398؛ وذلك لسببين:

أولهما: ورود السماع بقدر من تلك الأشياء يكفي للقياس عليه.

وثانيهما: شدة الحاجة إلى التعجب منها في عصرنا؛ بسبب ما كشفه العلم الحديث من التفاوت الواسع في معنى كل منها، والاختلاف البعيد بين أنواعه ودرجاته وليس من الممكن إغفال هذا التفاوت والاختلاف في استعمالاتنا التى تساير الحياة. ومثل هذا يقال في صوغ "التفضيل" من الأفعال الدالة على تلك المعاني، وبالرغم من أن للنحاة ما يشبه العذر في بعض أنواع "التفضيل"، ولكنه عذر يمكن دفعه -كما سيجيء البيان المفيد في رقم 1 من هامش ص398.

ويصرح بعض أئمة الكوفيين: كالكسائي، وهشام الضرير وغيرهما، برأي حسن يوافق ما سبق؛ هو صحة مجيء التعجب مما يدل على الألوان والعاهات، ووافقهم الأخفش من البصريين في العاهات، دون الألوان. وبرأي الكوفيين أخذ المجمع اللغوي -كما جاء في ص121 من كتابه السالف.

وفي الشروط السابقة يقول ابن مالك "ساردًا سبعة، أما الثامن وهو: "الفعل الماضي" فمفهوم من السياق":

وَصْغْهُمَا مِنْ ذِي ثَلاثٍ، صُرِّفَا

قَابِلَ فَضْلِ، تَمَّ، غيْرِ ذِي انْتِفَا

وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يضاهي أَشْهَلا

وَغَيْرِ سَالكٍ سَبِيلَ فُعِلا

يريد: صغهما من صاحب الحروف الثلاثة "وهو الماضي الثلاثي"، المتصرف، القابل للتفاوت، التام، غير المنفي، والذي صفته المشبهة ليست مثل:"أشهل""شَهِل الرجل، فهو: أشهل، الأنثى شَهْلاء، أي: قلّ سواد عينه، وخالطتها حمرة"، وغير مبني على صيغة:"فُعِل"؛ وهي صيغة بناء الماضي الثلاثي للمجهول، فهذه سبعة شروط لم يذكر بينها أنهما يصاغان من فعل، لا من اسم ولا من حرف؛ لأن هذا الذي تركه مفهوم مما سرده، كما قلنا.

ص: 351

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

زاد بعض النحاة شرطا آخر خالف به الأكثرين؛ هو: ألا يُستغنَى عن الصياغة منه بصيغة أخرى مسموعة؛ فلا يصح: ما أقْيله!! في التعجب من قيلولته1؛ لأنهم استغنوا عنها بقولهم: ما أكثر قائلته. ولا يصح ما أسكره، ولا ما أقعده، ولا ما أجلسه؛ لأنهم استغنوا عنها بقولهم: ما أشدَّ مكره. ما أكثر قعوده. ما أحسن جلوسه.

والحق أن هذا شرط غير مقبول2؛ إذ يقتضينا أن نرهق أنفسنا بالبحث المضني في جميع المظان لمعرفة ما استغنوا به عن الصيغة القياسية؛ وهذا تكليف لا يطاق، ولا يمكن تحقيقه، وفيه تعويق للتعبير، وتعطيل للقاعدة، وتحويل للقياس عن معناه السديد.

1 وهي وقت اشتداد الحر ظهرًا. والفعل الماضي: قال.

2 ولم يأخذ المجمع اللغوي بهذا الشرط.

ص: 352

كيفية التعجب إذا كان الفعل غير مُسْتَوْفٍ للشروط الثمانية:

1-

إن كان الفعل جامدًا؛ مثل: نعم، وبئس

أو غير قابل للتفاوت؛ مثل: مات. فني

و

فلا يصاغ منه صيغة تعجب.

2-

إن كان الفعل زائدًا على ثلاثة "مثل: انتصرَ وتَغَلَّب" أو: كان الوصف منه على "أفْعَل فَعْلاء""مثل: حور وخضر" لم تجئ منه الصيغة مباشرة. وإنما تجيء من فعل آخر مستوفٍ للشروط؛ صالح لما نريده؛ "نحو: قوي، ضَعُفَ، حَسُن، قَبُح، عظُمَ، حَقَر

" فنقول: "ما أقوى، ما أضعف، ما أحسن، ما أقبح، ما أعظم، ما أحقر، ما أشد، ما أكبر، ما أصغر"

ونحو ذلك مما يناسب؛ أو نقول: "أقْوِ، أضعف، أحْسِنْ، أقْبِحْ، أعظِمْ، أحْقِرْ

".

ثم نجيء بعد هذه الصيغة بمصدر الفعل الذي لم يستوفِ الشروط بسبب زيادته على ثلاثة أحرف، أو بسبب أن الوصف منه على:"أفعل فعلاء"، ونضعه بعد صياغة الفعل الجديد المناسب، المستوفي. وننصب هذا المصدر بعد "ما أفعل" ونجره بالباء بعد "أفعل": نحو: ما أقوى انتصار الحق! وما أضعف تغلب الباطل! أقو بانتصار الحق! وأضعف بتغلب الباطل!

ونحو: ما أَجْمَلَ حَوَر العيون! أجمل بحور العيون! ما أنضر خضرة الزرع! أنضر بخضرة الزرع! والأفعال غير المستوفية هي: "انتصر، تغلب، حور، خضر". أما الأفعال التي تخيرناها للصياغة مكانها فهي: "قوي، ضعف، جمل، نضر

".

3-

إن كان الفعل منفيًّا أخذنا الصيغة من الفعل المناسب الذي نختاره بالطريقة السالفة، ووضعنا بعدها مضارع الفعل المنفي مسبوقًا "بأن" المصدرية، والنفي: ففي نحو: ما فاز الرأي الضعيف!. نقول: ما أجمل ألا يفوز الرأي الضعيف1!. وفي نحو: ما حضر خطيب الحفل، نقول مثلًا: ما أقبح ألا

1 كان الفعل ماضيًا منفيًا قبل التعجب، فصار بعده مضارعًا، مسبوقًا "بأن المصدرية"؛ وهي تخلصه للاستقبال. فهل بين الصورتين اختلاف في الزمن؟ أجابوا: إن الصيغة مع التعجب صارت خالصة لإنشاء التعجب المحض إنشاء غير طلبي، وتركت الدلالة على الزمان: كالشأن الغالب في التعجب عند عدم وجود ما يدل على تقييد زمني مقصود.

"وقد أشرنا لهذا في هامش ص342، ويجيء إيضاح لها في رقم 4 من هامش ص361 وفي هذا الهامش صورة مستثناة لا تتجرد من الزمن".

ص: 353

يحضر خطيب الحفل. والمصدر المؤول من "أن والفعل" في هذه الأمثلة وأشباهها في موضع نصب مفعول به.

وإنما أتينا "بأن والفعل"؛ لنستطيع المحافظة على بقاء الفعل الأصلي منفيًا؛ إذ لو أخذنا منه صيغة التعجب مباشرة لزال نفيه، ولم يظهر الشأن في التعجب أهو منفي أم غير منفي?

ويجوز أن نقول في الصور السابقة: أجْمِلْ بألا يفوز الرأي الضعيف! أقْبِح بألا يحضر خطيب الحفل! فيكون المصدر المؤول مجرورًا بالباء. فالمصدر المؤول من: "أن والفعل" المنفي وفاعله إما أن يكون في محل نصب بعد: "ما أفعل" وإما أن يكون في محل جر بالباء بعد: "أفعل".

ويجوز في الفعل المنفي أن نجيء بمصدره الصريح -بدلًا من المصدر المؤول- مسبوقًا بكلمة: "عدم" الصريحة في معنى النفي "أو بما يشبهها" ومجرورًا بالإضافة إليها؛ ففي مثل: ما صرخ المتكلم وما هسَّ، نقول: ما أحسن عدم صراخ المتكلم، وما أجمل عدم همسه. أحسن بعدم صراخ المتكلم!، وأجمل بعدم همسه!.

4-

إن كان الفعل مبنيًّا للمجهول بناء عارضًا يطرأ ويزول أخذنا الصيغة من الفعل الذي نختاره بالطريقة التي شرحناها، ووضعنا بعدها الفعل المبني للمجهول، مسبوقا بـ"ما المصدرية"1، ففي نحو: عُرف الحق، وهُدي إليه الضالّ: نقول: ما أحسَنَ ما عُرف الحق! وما أنفع ما هُدي إليه الضال. أو: أحسِن بما عرف الحق!، وأنفع بما هدي إليه الضال؛ فالمصدر المؤول من "ما" وصلتها مفعول به بعد الصيغة الأولى، ومجرور بالباء بعد الصيغة الثانية.

1 وهي الغالبة في هذا الموضوع دون غيرها.

ص: 354

وإنما أتينا "بما" المصدرية محافظة على بقاء الفعل مبنيًّا للمجهول، ولولاها لزال بناؤه للمجهول فلا يتبين أسلوب التعجب أللمجهول هو أم للمعلوم؟

أما الفعل الملازم للبناء للمجهول سماعًا عند من يقول بهذه الملازمة1 فقد سبق2 أن الأنسب الأخذ بالرأي الذي يجيز الصياغة من مصدره مباشرة.

5-

وإن كان الفعل ناسخًا، "أي: غير تام" فإن كان له مصدر وجب أن نضع مصدره بعد صيغة التعجب التي نأخذها من الفعل الآخر الذي نختاره على الوجه المشروح فيما سلف، ففي مثل: كان العربي رحالًا بطبعه، نقول: ما أكثر كون العربي رحالًا بطبعه! -أو: أكثر بكون العربي رحالًا بطبعه!

وإن لم يكن له مصدر أخذنا الصيغة من الفعل الآخر الذي نختاره ووضعنا بعدها الفعل الأصلي الذي ليس له مصدر، وقبله "ما" المصدرية فينشأ منها ومن الفعل والفاعل بعدها مصدر مؤول هو مفعول به منصوب بعد:"ما أفتل" ومجرور "الباء" بعد: "أفعل". ففي مثل: كاد الكذب يهلك صاحبه، نقول: ما أسرع ما كاد الكذب يهلك صاحبه

وهكذا

هذه هي الطرائق الموصلة للتعجب إذا كان الفعل غير مستوفٍ للشروط. أما إذا كان مستوفيًا للشروط كلها فإن الصيغتين القياسيتين3 تؤخذان منه مباشرة. ولا مانع من التعجب منه بالطريق غير المباشر أيضا؛ وذلك بالإتيان بفعل آخر مناسب. "نحو: حَسُن، قبُح، قوي، وغيرها من الأفعال الثلاثية التي تناسب المراد"، ثم نأخذ منه الصيغة التعجبية، ونجعل بعدها مصدر الفعل المستوفي للشروط، إما منصوبًا بعد "ما أفعل" وإما مجرورًا بالباء بعد "أفعل" ففي مثل: برع الذكي، وسبق أنداده، نقول: ما أعظم براعة الذكي!، وما أوضح سبقه أنداده! أو: أعظم ببراعة الذكي! وأوضح بسبقه أنداده

فليس من اللازم -والفعل مستوفٍ للشروط- أن نأخذ

1 انظر تخطئة هذا الرأي في رقم 1 من هامش ص350.

2 في ص350.

3 وهناك الصيغ المشار إليها في "ج" من ص347.

ص: 355

منه صيغة التعجب مباشرة، وإنما يجوز أن نأخذها منه أو من طريق فعل مختار آخر كما أوضحنا1

1 وفي طريقة التعجب إذا كان الفعل غير مستوفٍ للشروط يقول ابن مالك:

وَأَشْدِدَ اوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهُهُمَا

يَخْلُفُ مَا -بَعْضَ الشُروط- عَدِمَا

يريد: أن صيغة: "أشدِد""على وزن: أفعِل" وصيغة "أشد" على وزن: "أفعل"؛ لأن أصلها قبل الإدغام: "أشدد" أو شبه هاتين الصيغتين مما يؤخذ من فعل آخر مستوفٍ للشروط، تخلف الصيغة التي لا يمكن صوغها مباشرة من الفعل الذي عدم بعض الشروط، أي: فقَدَ بعض الشروط فهي تحل محلها. "وكلمة: "أو" في البيت: حذفت همزتها ونقلت حركتها الواو الساكنة قبلها؛ محافظة على وزن الشعر".

ثم بيَّن أن مصدر الفعل العادم للشروط ينصب بعد الصيغة الجديدة التي جئنا بها إن كانت على وزن: "أفعل"، ويجر هذا المصدر بالياء إن كانت على وزن:"أفعل" يقول:

وَمَصْدَرُ العَادِمِ بَعْدُ، يَنْتَصِبْ

وَبَعْدَ: "أَفْعِلْ" جَرُّه بـ"الْبَا" يَجِبْ

"بعد" أي: بعد الصيغة الجديدة

ثم قرر أن ما جاء مخالفًا لما سبق فهو محكوم عليه بالندور "القلة القليلة جدًّا"، وأنه لا يقاس على المأثور منه "أي: المسموع منه عن العرب":

وَبالنُّدُورِ احْكمْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ

وَلا تَقِسُ عَلَى الَّذِي مِنْهُ أُثِرْ

ص: 356