المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسالة 119: الفصل بين المتعاطفين: يجوز عطف الاسم الظاهر على مثله أو - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسالة 119: الفصل بين المتعاطفين: يجوز عطف الاسم الظاهر على مثله أو

‌المسالة 119:

الفصل بين المتعاطفين:

يجوز عطف الاسم الظاهر على مثله أو على الضمير، ويجوز عطف الضمير على مثله أو على اسم ظاهر. لكن بعض هذه الصور يكون فيه الفصل بين المتعاطفين واجبا، وبعض آخر يكون الفصل فيه مستحسنا راجحا، وفي غير ما سبق يكون جائزا1.

فأما الفصل الواجب ففي حالتين، سبقت أحداهما2. وملخصه: أنه إذا عطف على المبتدأ الذي خبره نوع من الأنواع المقرونة بالفاء -وقد ذكرت هناك- أو على ما يتصل به من صلة، أو صفة، أو نحوهما

وجب تأخير المعطوف عن الخبر، إذ لا يجوز الفصل بين هذا الخبر ومبتدئه بالمعطوف؛ ففي مثل: الذي عندك فمؤدب لا يصح أن يقال: الذي عندك والخادم فمؤدب، أو فمؤدبان، وهكذا

والحالة الثانية التي يجب فيها الفصل -تبعا لأرجح الآراء- هي التي يكون فيها المعطوف عليه مصدرا له معمولات؛ فلا يجوز العطف عليه إلا بعد استيفائه كل معمولاته؛ نحو: ما أحسن تقدير الأمة العاملين المخلصين لها، وإكبارهم.

1 ملاحظة: من الحالات الجائزة بعض صور بليغة تقدمت في ص435 ويشترط في الفصل الجائز إلا يكون بفاصل طويل، ولم يحدد النحاة هذا الطول الذي يسترشد فيه بما جاء في كتاب:"المحتسب"، لابن جني -ج2 ص297- حيث الكلام على معطوف مفصول من المعطوف عليه بثلاث جمل، ونص كلامه في هذا العطف:"قال أبو حيان: هذا بعيد؛ لطول الفصل بجمل ثلاث: وبعيد أن يوجد مثل هذا التركيب في كلام العرب، نحو: أكلت خبزا، وضربت فلانا، وان يجيء فلان أكرمه، ورحل إلى بني فلان و"لحما"؛ فيكون "ولحما" معطوفا على "خبزا"، بل لا يوجد مثله في كلام العرب" ا. هـ.

2 تفصيلها الذي لا غنى عن الرجوع إليه، وبيان فروعها المختلفة في ج1 م41 ص391 "باب المبتدأ والخبر".

ص: 630

واما الحالتان اللتان يستحسن فيهما الفصل ويرجح1.

فالأولى: أن يكون المعطوف عليه ضميرا مرفوعا متصلا، سواء أكان متستترًا أم بارزا؛ فيستحسن عند العطف عليه فصله بالتوكيد2 اللفظي أو المعنوي أو بغيرهما أحيانا. فالفصل بالتوكيد اللفظي يتحقق بضمير مرفوع منفصل مناسب3 نحو:"لقد كنت أنت ورفاقك طلائع الإصلاح، وكنتم أنت والسباقون إليه موضع الإعجاب والتقدير". فكلمة: "رفاق" معطوفة على: "التاء" وهي الضمير المتصل المرفوع البارز بعد توكيد لفظه بالضمير المرفوع المنفصل: "أنت". وكذلك كلمة: "السباقون" معطوفة على الضمير البارز "التاء والميم"، في "كنتم" بعد توكيده توكيدا لفظيا بالضمير المرفوع المنفصل:"أنتم".

ومثال العطف على الضمير المتصل المرفوع المستتر مع الفصل: انتفع أنت وإخوانك4 بتجارب السابقين.

والفصل بالتوكيد المعنوي يتحقق بوجود لفظ من ألفاظه بين المتعاطفين؛ ومن الأمثلة قول الشاعر:

ذعرتم أجمعون ومن يليكم

برؤيتنا، وكنا الظافرينا

ويغنى عن التوكيد بنوعيه -كما أسلفنا- وجود فاصل آخر أي فاصل بين المتعاطفين؛ كالضمير "ها" في قوله تعالى في المؤمنين الصالحين: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ}

ومثل "لا" النافية

1 عند البصريين. أما الكوفيون. فلا يتمسكون بالفصل ولا يرون في خلو الكلام منه عينا ولا ضعفا.

2 راجع حاشية التصريح ج3 باب: العطف، عند الكلام على عود الخافض

3 لا فرق في هذا بين أن يكون المعطوف اسما ظاهرا أو ضميرا.

4 كلمة: "إخوان"، معطوفة على الفاعل المستتر وتقديره:"أنت". أما كلمة "أنت" ضمير المخاطب المذكور فتوكيد لفظي الفاعل المستتر؛ ولا يصح إعرابها فاعلا: لأن فعل الأمر الواحد لا يرفع ضميرا بارزا. ولا يصح إعرابها بدلا من الفاعل المستتر: لأن الضمير لا يبدل من الضمير -كما في ب من ص683-.

وهناك إعراب آخر يفضله النحاة على هذا، وقد سبق في ص564 حيث البيان والإيضاح، ويجيء أيضا في ص638.

ص: 631

في قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} ، وقد اجتمع الفصل بالتوكيد اللفظي وبحرف النفي "لا" في قوله تعالى:{وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} .

ومن غير المستحسن في النثر -مع جوازه- العطف على الضمير المستتر المرفوع بغير فاصل على الوجه السالف، نحو "قاوم ونظراؤك أعوان السوء"، فقد عطفت كلمة:"نظراء "على الفاعل الضمير المستتر: "أنت" بغير فاصل؛ ومنه العبارة المأثورة1: "مررت برجل سواء والعدم" أي: متساو هو والعدم، فكلمة، "سواء" اسم بمعنى المشتق، وهي متحتملة للضمير المرفوع. والعدم "بالرفع" معطوفة على الضمير المستتر بغير فاصل بينهما2. أما الشعر فقد يجوز فيه عدم الفصل، اضطرارا؛ مراعاة لقيوده الكثيرة التي قد تقهر الشاعر على ترك الفصل

ومن الأمثلة قول جرير يهجو الأخطل:

ورجا الأخطيل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا

فقد عطف كلمة "أب" على اسم "يكن" المرفوع المستتر بغير فاصل بينهما3.ومثله قول الآخر:

مضى وبنوه، وانفردت بمدحهم

وألف إذا ما جمعت واحد فرد

فقد عطف كلمة: "بنوه" على الضمير المرفوع المستتر في: "مضى" بغير فاصل.

1 وقد رواها سيبويه.

2 وهي مما استشهد به سيبويه على صحة ترك الفصل في النثر.

3 وفيما سبق من العطف على الضمير المرفوع المتصل مع الفصل بين المتعاطفين يقول ابن مالك:

وإن على ضمير رفع متصل

عطفت فافصل بالضمير المنفصل

أو فاصل ما. وبلا فصل يرد

في النظم فاشيا. وضعفه اعتقد

وملخص البيتين: افصل بالضمير المنفصل بين المتعاطفين إذا كان المعطوف عليه ضميرا مرفوعا متصلا.

ولا يتعين أن يكون الفصل بالضمير وإنما يكفي الضمير أو غيره. ثم بين أن عدم الفصل فاش "أي: كثيرا في الشعر، وأنه مع كثرته ضعيف لا يقاس عليه.

لكن كيف يكون كثيرا وفاشيا والقياس عليه ضعيف؟ أن الكثرة تعارض الضعف؛ ولذا كان القياس هنا سائغا في الشعر بغير ضعف، خلافا لابن مالك.

ص: 632

والثانية: أن يكون المعطوف عليه ضميرا مجرورا بحرف أو بإضافة؛ فيستحسن عند أمن اللبس إعادة عامل الجر مع المعطوف، ليفصل بين المتعاطفين، فمثال المعطوف المجرور بحرف جر1 معاد: ما عليك وعلى أضرابك من سبيل أن أديتم الواجب. فكلمه: "أضراب" معطوفة على الضمير الكاف المجرور بالحرف: "على". وقد أعيد هذا الحرف مع المعطوف. والأصل ما عليك وأضرابك، ومثل هذا قوله تعالى عن نفسه:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ 1 ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} . فكلمة: "الأرض" معطوفة على الضمير: "ها" المجرور باللام، وقد أعيدت اللام مع المعطوف: والأصل: فقال لها والأرض. ومثله إعادة اللام في قول الشاعر:

فما لي وللأيام –لا دلا دلاها–

تشرق بي طورا، وطورا2 تغرب

ومثال إعادة عامل الجر وهو اسم مضاف3 قوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} . فكلمة: "آباء" معطوفة في الأصل على الضمير المضاف إليه، وهو:"الكاف الأولى"، فأعيد المضاف وهو:"إله" وذكر قبل المعطوف. واصل الكلام: نعبد إلهك وآبائك

هذا هو الكثير. وترك الفصل جائز أيضا، ولكنه لا يبلغ في قوته وحسنه البلاغي درجة الكثير. ومن هذا قراءة قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} . والتقدير: الذي تساءلون به وبالأرحام. أي: تستعطفون به وباسمه، وبالأرحام؛ بعطف كلمة:"الأرحام" على الضمير المجرور بالباء. وكقول الشاعر:

"1، 1" الرأي المختار انه إذا أعيد عامل الجر فالمعطوف هو الجار والمجرور معا، وليس المجرور على المجرور، لئلا يلزم إلغاء عامل، أي: تركه زائدا مهملا، لا أثر له إلا مجرد الفصل. ومن الأمثلة -أيضا- لإعادة الجار في المعطوف، اللام في قوله تعالى:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} .

2 سبق هذا البيت للمناسبة السالفة في ج2 م80 ص246.

3 إنما يعاد الحامل الاسمي "وهو المضاف" بشرط ألا توقع إعادته في لبس، فإن أوقعت في لبس لم يجز إعادته، نحو: جاءتني سيارتك وسيارة محمود، وأنت تريد سيارة واحدة مشتركة بينهما. وهذا المنع إذا لم توجد قرينة تزيل اللبس.

ص: 633

اليوم قد بت1 تهجونا وتشتمنا

فاذهب، فما بك والأيام من عجب

أي: وبالأيام. وقول بعض العرب: ما في الدار غيره وفرسه، يجر كلمة:"فرس" المعطوفة على الهاء من غير إعادة الجار وهو الاسم المضاف2.

1 في رواية أخرى: اليوم قربت

2 يقول ابن مالك في تكرار الخافض مع المعطوف إذا كان المعطوف عليه ضميرا مجرورا:

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

وليس عندي لازما: إذ قلا أتي

في النثر والنظم الصحيح مثبتا

يقول: جمل عود الخافض على المعطوف الذي وصفناه أمرا لازما عند النحاة، ولكنه ليس بلازم في رأي وحكمي؛ لأن عدم إعادته أمر ثابت تحقق في النظم والنثر الواردين عن العرب. أي: أمر تؤيده الأمثلة الصحيحة نظما ونثرا، وتثبت أن إعادته ليست باللازمة.

ص: 634