المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 107: اسم الآلة - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌المسألة 107: اسم الآلة

‌المسألة 107: اسم الآلة

تعريفه:

اسم يصاغ قياسًا من المصدر الأصلي1 للفعل الثلاثي المتصرف -لازمًا أو متعديًا- بقصد الدلالة على الأداة التي تستخدم في إيجاد معنى ذلك المصدر. وتحقيق مدلوله.

وليس الوصول إلى تلك الدلالة المعنوية مقصورًا على صيغة اسم الآلة القياسي، فمن الممكن الوصول إلى تلك الدلالة بأساليب مختلفة، ليس في واحد منها الصيغة القياسية التي تخص "اسم الآلة"، ولكن هذا الوصول يتطلب ألفاظًا، وكلمات متعددة لا يتطلبها صوغ اسم الآلة القياسي؛ فإنه يقوم بهذه الدلالة المعنوية بكلمة واحدة، فمزيته أن يؤدي باللقطة المنفردة ما لا يؤديه غيره إلا بالكلمات المتعددة.

صوغه:

صياغته القياسية لا تكون إلا من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف مطلقًا2 يصاغ من غيره.

وأوزان اسم الآلة ثلاثة قياسية: هي: مِفعَل. مِفعَال. مِفعَلة. وطريقة صوغها أن نجيء بذلك المصدر مهما كان وزنه، وندخل عليه من التغيير ما يجعله على وزن إحدى الصيغ الثلاث3. مثال ذلك:

1-

نشر النجار الخشب نشرًا، فآلة النشر هي: مِنشَر. أو: مِنشار، أو: مِنشَرة.

1 في ص182 تفصيل الكلام على أصل المشتقات؟ مصدرًا وغير مصدر

ولم يعرض ابن مالك في "ألفيته" لاسم الآلة. وقد عرضنا له استيفاء المشتقات.

2 أي: سواء أكان الفعل متعديًا أم لازمًا، كما تقدم. وانظر:"ب" ص236 حيث البيان الخاص يصوغه من اللازم.

3 زاد عليها مجمع اللغة العربية أوزانًا أخرى تجيء في ص337.

ص: 333

2-

برد الصانع الحديد بردًا، فآلة البرد هي: مبرد، أو: مبراد، أو: مبردة.

3-

ثقبت سداد القارورة ثقبًا -فآلة الثقب هي: مثقب، أو: مثقاب، أو مثقبة.

4-

سخن الماء سخانة وسخونة -فالآلة التي تتحقق بها السخونة، هي: مسخن، أو: مسخان، أو: مسخنة.

5-

سلكت الطريق سلوكًا، أي: ذهبت فيه ونفذت منه. فالآلة التي يتحقق بها الذهاب والنفاذ، هي: مسلك، أو: مسلاك، أو: مسلكة.

6-

سمحت للمحتاج ببعض الغلة سموحًا، وسماحًا، وسماحة، فالآلة التي يتحقق بها السماح وتستخدم في الإعطاء، والتناول، هي: مسمح أو: مسماح، أو: مسمحة

و

وهكذا.

حكمه:

اسم الآلة لا يعمل عمل فعله؛ فلا يرفع فاعلًا أو نائب فاعل، ولا ينصب مفعولًا به، ولا غيره؛ فهو واسم المكان واسم الزمان المشتقات الثلاث التي لا تعمل عمل فعلها1.

ويلاحظ أن صيغة "مفعال" مشتركة بين "اسم الآلة" و"صيغة المبالغة"؛ فهي من الأوزان الصالحة لهذه، ولتلك -كما سبق2- والتفرقة بينهما في الدلالة تكون بإحدى القرائن اللفظية أو المعنوية؟ كالشأن في كل صيغة مشتركة، أو لفظ يصلح لمعنيين أو أكثر؛ فالقرينة وحدها هي التي تتحكم في التوجيه هنا أو هناك، ففي مثل:"تخيرت للخشب الجزل منشارًا قويًّا يمزقه" -تكون صيغة "مفعال" اسم آلة: بخلافها في مثل: "ما أعجب فلانًا في التحدث عن

2 وكذلك المصدر المصوغ للدلالة على المرة -كما سبق في رقم 1 من هامش 274- ومع أن هذه الأربعة لا تعمل، يجوز أن يتعلق بها شبه الجملة لما فيها من رائحة الفعل "راجع هامش ص221".

3 في رقم 4 من هامش ص258.

ص: 334

نفسه، ونشر أخباره، وانتهاز الفرص للإعلان عن شئونه!! إنه جدير بأن يسمى: منشارًا"؛ فإنها صيغة مبالغة في النشر. ومثل: كلمة: "مذياع"؛ فقد يراد منها الآلة الصماء التي تستخدم في نقل الأخبار المذاعة. وقد يراد منها الشخص المتكلم في تلك الآلة1. فمثال الحالة الأولى تدل عليها القرينة: توقف المذياع لخلل في أسلاكه. ومثال الثانية التي تدل عليها القرينة أيضا: ما أفصح المذياع، وما أعذب صوته، لم يتلجلج، ولم يتردد، ولم يشوه كلامه بلحن أو خطأ، مع أنه كان يرتجل بغير إعداد.

1 هذا من الوجهة اللغوية. وقد جرى العرف اليوم على تسمية الآلة "بالمذياع" وتسميه الشخص: بالمذيع.

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- وردت ألفاظ مسموعة شذت صيغتها عن القياس؛ منها: "المنخل"؛ للأداة التي ينخل بها الدقيق. "والمدق"؛ للأداة التي تدق بها الأشياء الصلبة "والمدهن"؛ للأداة التي تستخدم في الدهان. و"المكحلة"؛ للأداة التي تستخدم في الكحل، أو للوعاء الذي يوضع فيه. و"المسعط"؛ للأداة التي يسعط بها العليل، أو الصبي؛ إي: يوضع بها الدواء في أنفه، "وكل ما سبق بضم أوله وثالثه إلا "المدق" فبضم أوله وثانيه"، "وإراث" للأداة التي توقد النار

ولما كانت تلك الأوزان -وأشباهها- خارجة عن الصيغ القياسية، جاز استعمالها كما وردت مسموعة عن العرب، وجاز -كما سيتبين بعد1- اشتقاق صيغة قياسية من مصادر أفعالها الثلاثية المتصرفة تؤدي معناها ومهمتها، بحيث تجيء الصيغة الجديدة على وزن "مفعل" أو:"مفعلة" أو "مفعال" وهي الأوزان الثلاثة القياسية لاسم الآلة.

ب- في محاضر جلسات المجمع اللغوي القاهري، في دور انعقاده الأول "ص371"، بحث وافٍ على اسم الآلة، ونصوص متعددة من المراجع المطولة الأصيلة التي تصدت لبيان أحكامه. ومن ذلك البحث وما تبعه من بحوث فرعية، وما أثاره من جدل عنيف، ومناقشات مستفيضة مسجلة هناك -يتبين أن بين العلماء خلافًا شديدًا يكاد يتركز في ثلاث مسائل:

أولها: أن يكون اشتقاق اسم الآلة من مصدر الثلاثي المتصرف، المتعدي واللازم، أم من مصدر المتعدي فقط، كما يميل إليه أكثر السابقين؟ وهل يشتق من أسماء الأعيان؟

ثانيها: أيجوز اشتقاق من مصدر الأفعال غير الثلاثية، أم أمره مقصور على الثلاثية وحدها؟

ثالثها: أيجوز القياس مع وجود صيغة مسموعة تخالفه، أم يجب الاقتصار عليها؟

1 في "ب" التالية.

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وخير إجابة عن تلك الأسئلة -وهي إجابة مستمدة في أكثرها من البحوث والمناقشات التي دارت بالمجمع، ثم من مراجع واعتبارات أخرى- هي:

1-

جواز الاشتقاق من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف اللازم والمتعدي، دون مصدر الأفعال غير الثلاثية، ودون أسماء الأعيان. فيجب الاقتصار في هذين على المسموع وحده.

2-

ويجوز القياس بصوغ اسم الآلة من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف مع ورود صيغة مسموعة تخالفه. لكن الأحسن الاقتصار على هذه الصيغة المسموعة، وبخاصة إذا كانت شائعة.

"ملاحظة": جاء في مجلة المجمع اللغوي، القرار الآتي نصه1:

"يضاف إلى الصيغ الثلاث المشهورة في اسم الآلة، "وهي: مفعل، مفعلة، مفعال، وكذا:"فعالة" التي أقر مجلس المجمع قياسيتها من قبل"

صيغ أخرى؛ هي:

أ- فعال؛ مثل: إراث "لما تؤرث به النار، أي: توقد".

ب- فاعلة: مثل: ساقية.

ج- فاعول؛ مثل: ساطور.

وبهذا تصبح الصيغ القياسية لاسم الآلة سبع" ا. هـ.

وفي الصيغ الأربع الجديدة التي اشتمل عليها هذا القرار ما يقتضي التأمل والتلبث. فصيغة: "فعالة" المقترحة: "اعتمادًا على كثرتها في الاستعمال القديم والحديث؛ ومن الحديث: ثلاجة، خرامة، خراطة، كسارة: لآلة الثلج، والخرم، والخرط، والكسر؛ إنما تصاغ على أصل عربي فصيح وهو صيغة: "فعال" المؤنثة المشتقة للدلالة على المبالغة، أو على النسب لأمر من

1 راجع ص250 من مجلة المجمع اللغوي، العدد الخاص بالبحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة التاسعة والعشرين، سنة 1962-1963. وكذلك ص19 من كتابه الذي أخرجه سنة 1969 باسم "كتاب في أصول اللغة" مشتملًا على مجموعة القرارات التي أصدرها من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين وفي هذا المرجع القرار متبوعًا بالأدلة والبحوث العلمية التي تؤيده.

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأمور؛ طبقًا لما سيجيء في باب: "النسب1"، ثم تستعمل بعد ذلك مجازًا "لغرض بلاغي" في الدلالة على الآلية أو السببية. وهذا الاستعمال المجازي مباح فصيح في كل عصر، بشرط توافر ركني المجاز "وهما: العلاقة، والقرينة" ومن المعروف بلاغة أن المجاز إذا اشتهر صار حقيقة عرفية فصيحة؛ ينسى معها "العلاقة والقرينة"؛ طبقًا لما قرره البلاغيون، فلا حاجة -إذًا- لقرارٍ بزيادة تلك الصيغة على صيغ اسم الإلة. هذا إلى أنها لا تكون نصًّا في دلالتها على الآلية -أحيانًا- وبذا تختلف عن الصيغ المسموعة.

أما الصيغ الثلاث الجديدة التي زيدت أيضا "أ. ب. ج" فأمر قياسيتها غير واضح؛ فهل المراد أن يصاغ على وزنها اسما، آلات من كل ما يصاغ منه اسم الآلة؟

إن كان هذا هو المراد -وهو ما يقتضيه حكم القياس- كان غريبًا؛ لأن الاستعمال العربي القديم لتلك الكلمات كان متجهًا في بعضها إما للمجاز على الوجه الذي شرحناه؛ كاستعمالهم كلمة: "الساقية"، وإما للأداة الخاصة في بعض كلمات أخرى معينة دون غيرها كما في كلمة "إراث" و"ساطور"، ونحوهما من عشرات الكلمات المتباينة التي استعملوا -بقلة- كل واحدة منها أداةً دون أن تخضع تلك الكلمات كلها لكثرة استعمالهم أو لصيغة واحدة تجمعها، أو وزن واحد تندرج تحته؛ فالحكم بالقياس على تلك الصيغ الثلاث واستعمالها من غير طريق المجاز مخالف للمراد من القياس اللغوي، ومؤدٍّ للاضطراب. هذا إلى أنه يمكن الاستغناء عن الصور الجديدة كلها باختيار صيغة من الصيغ القديمة تستعمل أداة موصلة للمعنى المراد من كل صيغة من هذه الصيغ المستحدثة.

1 في الجزء الرابع.

ص: 338