الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 100:
المصدر الدال على المرة، والدال على الهيئة:
عرفنا1 أن المصدر الأصلي لا يدل بذاته إلا على: "المعنى المجرد"، فلا علاقة له -في الغالب- بزمان، ولا مكان، ولا تأنيث، ولا تذكير، ولا عَلَمية، ولا عدد، ولا هيئة، ولا شيء آخر غير ذلك المعنى المجرد.
لكن من الممكن تناوله ببعض التغيير اليسير والزيادة اللفظية القليلة، فلا يُقتصر -بعدهما- على المعنى المجرد، وإنما يدل عليه وعلى شيء آخر معه هو:"المرة الواحدة"، أو: الهيئة"2، بمعنى: أن المصدر الأصلي يدل بعد هذا التغيير، والزيادة اللفظية -إما على المعنى المجرد مزيدًا عليه الدلالة العددية التي تبين الوحدة، "أي: أنه واحد، لا اثنان، ولا أكثر
…
". وإما على المعنى المجرد مزيدًا عليه وصفة بصفة من الصفات؛ كالحسن، أو: القبح؛ أو: الطول، أو: القصر
…
أو غير ذلك مما يتصل بهيئته، وشكله، وأوصافه، لا بعدد مراته3.
فالمصدر الأصلي في دلالته الأساسية الأولى خالٍ من التقييد، بخلافه إذا دل على المرة أو الهيئة؛ فإنه يكون في "المرة" مقيدًا -مع الحدث- بالدلالة على أن هذا الحدث مرة واحدة، وفي "الهيئة" يكون مع الحدث مقيدًا بوصف خاص4.
1 في رقم 4 من هامش ص187، أما الكلام المفصل عن أصل المشتقات ففي ص182.
2 أي: هيئة الحدث وكيفيته وشكله. وفسر بعضهم الهيئة بأنها: "النوع".
3 فائدة المصدر الدال على "المرة" أو على "الهيئة" أنه يدل على شيئين معًا بأوجز لفظ، وأقل كلمات. ومن الممكن الوصول إلى هذه الدلالة بتعبير آخر، ولكنه سيكون تعبيرًا أكثر ألفاظًا وكلمات. أما المصدر الأصلي فلا يدل إلا على شيء واحد -في الغالب- هو المعنى المجرد الخالي من كل تقييد وتحديد.
4 ومتى دل المصدر الأصلي على المرة بالطريقة التي شرحناها -فإنه يصير من قسم المصدر الأصلي الذي يدل معناه على المرة، مع توكيد معنى عامله أيضًا؛ أي: أنه يدل على الأمرين معًا.
ويكون بيان المرة هو الأهم -طبقًا لما سبق في باب: "المفعول المطلق"، ج2 م74 ص169- وكذلك حين يدل على الهيئة؛ فإنه يصير من قسم المصدر الذي يدل معناه على الهيئة مع توكيد معنى عامله، ويكون بيان الهيئة هو الأهم؛ طبقًا للبيان المشار إليه آنفًا.
وإذا دل المصدر الأصلي -بعد التغيير- على المعنى المجرد مزيدًا عليه الدلالة على الوحدة -وهي "المرة"- أو على "الهيئة" فإنه يظل محتفظًا باسمه كما كان. ولكنه يشتهر باسم: المصدر الدال على "المرة"، أو على "الهيئة" فهو في الحالتين مصدر أصلي1 له اسمه، وكل أحكام المصدر الأصلي2. إلا أن الدال على "المرة" لا يعمل -كما سبق3.
أ- فإذا أردنا الدلالة على "المرة" الواحدة من المصدر الأصلي لفعل ثلاثي فوق دلالته على المعنى المجرد: "أتينا بمصدره المشهور، مهما كانت صيغته، ومهما كان وزنه"، "وجعلناه على وزن:"فَعْل"، ولو بحذف أحرفه الزائدة إن اقتضي الأمر هذا"، "وزدنا في آخره تاء التأنيث": فيصير الوزن: "فَعْلَة"، وهي صيغة المصدر المطلوب الدال على "المرة" فوق دلالته على المعنى المجرد؛ ولا تتحقق هذه الصيغة إلا بتحقق الأمور الثلاثة السالفة. فللوصول إلى الصيغة الدالة على "المرة" من المصادر: أخذ، قعود، فرح، جولان وأشباهها
…
يجب: "تجريد كل مصدر أصلي من حروفه الزائدة، إن وجدت"، ثم "تحويل صيغته بعد ذلك إلى:"فَعْل"، ثم "زيادة تاء التأنيث في آخرها"؛ فتصير: أخذة، قعدة، فرحة، جولة؛ وهذه المصادر الأصيلة تدل هنا على
1 كما سبقت الإشارة لهذا "في رقم 4 من الهامش السابق وفي رقم 4 من هامش ص187" قال الصبان في هذا الموضع ما نصه: "مقتضى ما سبق أن "فَعْلَة" التي للمرة كجلسة، هي من المصادر؛ فيكون للفعل: جلس -مثلًا- مصدران؛ أحدهما دال على "المرة"؛ وهو "جَلسة"؛ والثاني لا دلالة عليها وهو: "جلوس" ا. هـ.
وأين المصدر الميمي؟ الحق أن لكل فعل ثلاثة أنواع من المصادر "كما أوضحنا في ص181" أولها: المصدر الأصلي
الصريح الذي لا يدل إلا على المعنى المجرد. وثانيهما:
المصدر الأصلي الذي يدل على المعنى المجرد مزيدًا عليه "المرة" أو "الهيئة". وثالثها المصدر الميمي. أما المصدر الصناعي فليس مصدرًا للفعل، ودلالته تختلف عن دلالة غيره. ولا يكون هو، ولا الميمي دالين على المرة أو الهيئة.
2 ومنها: أن يتعلق به شبه الجملة.
3 وفي رقم 3 من ص215. حيث بيان السبب، "وسيجيء في رقم 2 من هامش ص230 أن المصدر المبين للنوع قد يعمل
…
".
المعنى المجرد، وعلى المرة معًا؛ نحو: أخذت من المال أَخْذة. قعدت على الأريكة قَعْدة. تجددت لنا فَرْحة بالنصر. قمت بجَوْلة حول المدينة. والمعنى: أخذة واحدة، قعدة واحدة، فرحة واحدة، جولة واحدة1.
فإن كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على وزن: "فعلة": نحو: نظرة. هفوة. رأفة. صيحة
…
لم تدل بنفسها في هذه الصورة على المرة، ووجب زيادة لفظ آخر معها ليدل على "المرة" أو قيام قرينة أخرى تدل عليها. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا. فنقول مثلًا: ربما تنفع النظرة الواحدة في ردع المسيء. قد تعقب الهفوة الواحدة عواقب خطيرة. إن رأفة واحدة بضعيف قد تضمه إلى أعوانك المخلصين. أهلك الله بعض الغابرين بصيحة لم تتكرر2
…
ولا بد في صياغة "فَعْلة" الدالة على "المرة" من تحقق شرطين: أن تكون لشيء حسي صادر من الجوارح الظاهرة والأعضاء الجسمية، وأن يكون ذلك الشيء المحسوس غير ثابت؛ فلا تصح صياغة "فَعْلة" لدلالة على أمر معنوي عقلي محض، كالذكاء، أو العلم، أو الجهل، أو النبوغ
…
ولا تصح صياغتها من الأوصاف الثابتة؛ كالظرف، والحسن. والملاحة، والقبح، والطول، والقصر
…
وإن كان الفعل الماضي غير ثلاثي فالوسيلة للدلالة على المرة من مصدره الأصلي هي: زيادة تاء التأنيث في آخر هذا المصدر مباشرة، دون زيادة، أو حذف، أو تغيير آخر. مثل:"إنعام" مصدر الفعل الرباعي: "أنعَم"
1 ومن الشاذ المسموع قول العرب: حَج فلان حِجة "بكسر الحاء" ومنه شهر ذي الحجة فجاءوا بالمصدر الدال على المرة مصوغًا على وزن: "فِعْلة""بكسر، فسكون" وهذه الصيغة هي الخاصة بالهيئة. وبالرغم من هذا السماع الوارد عنهم لا مانع أن نقول في المرة: "حَجّة" بفتح أول الكلمة تطبيقًا لصيغة: "فَعْلة" الخاصة بالمرة؛ عملًا بالبيان المفيد الذي عرضناه في ص191.
ومن المسموع أيضًا رأيته رؤية "بوزن فُعْلة" مرادًا بها المرة، ولا مانع من استعمال القياس فيهما أيضًا -راجع "تاج العروس"، مادة:"حج". هذا، وقد نقل ابن خالويه في كتابه المسمى:"ليس في كلام العرب" أن فتح الراء مسموع أيضًا.
2 انظر آخر الملاحظة الآتية في ص229.
و"تبيُّن" مصدر الفعل الخماسي: "تبين"، و"استفهام" مصدر الفعل السداسي:"استفهم" فإن صيغها الدالة على "المرة" هي: "إنعامة". تبيُّنة1. استفهامة
…
نحو: إن إنعامة الله تملأ النفس انشراحًا. تبيُّنة الحق جلبت الخير ودَفَعَت البلاء. استفهامةٌ وهدايةٌ2 خير من صمت وضلالة.
فإن كان مصدر الفعل غير الثلاثي مشتملًا في أصله على تاء التأنيث؛ فإنه لا يصح للدلالة المباشرة على المرة، ويجب زيادة لفظ آخر معه، أو قيام قرينة تدل عليها. نحو:"استعانة" تقول: استعانة واحدة بأريحي قد تمنع خطرًا داهِمًا. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا؛ كالمثال السالف.
ب- وإذ أردنا أن ندل على "الهيئة" بمصدر الثلاثي -فوق دلالته على المعنى المجرد- صغناه بالطريقة السالفة على وزن: "فِعْلة"، "بأن نجيء بمصدر الفعل الثلاثي، دون غيره من الأفعال التي ليست ثلاثية ونحذف ما فيه من الحروف الزائدة إن وجدت،" ثم "نزيد في آخره تاء التأنيث"، ثم "نجعله على صورة:"فِعلة" فهذه أمور ثلاثة لا بد من تحققها؛ فنقول في مصادر الثلاثي السالفة: إخذة، قِعْدة، فِرْحة، جِيلة3
…
نحو: إخذة القط فريسته مزعجة، قِعْدة الوقور جميلة، فِرْحة العاقل يزينها الاعتدال، جِيلة3 الرحالة شاهدة برغبته في كشف المجهول. والمعنى: هيئة أخذ القط، وطريقته في الأخذ
…
-هيئة قعود الوقور، وطريقته، وشكل قعوده
…
-هيئة فرح العاقل وصورته في أثناء فرحه
…
-هيئة جولان الرحالة، وشكل جولانه، ومنظره
…
فإن كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على وزن: "فِعْلة" الخاص "بالهيئة"؛ نحو: عِزة، نِشدة4، رِخوة5
…
وجب
1 يجب فتح ما قبل تاء التأنيث هنا وفي كل موضع آخر.
2 أي: مع هداية: بمعنى أنها تؤدي إليها.
"3، 3" أصلها: "جولة"، "قلبت الواو الساكنة ياء بعد الكسرة......".
4 نشد للرجل مأربه نشدًا ونِشدة: طلبه وسعى وراءه.
5 استرخاء.
التصرف بإيجاد ما يضمن الدلالة على "الهيئة"؛ كزيادة بعض الألفاظ للدلالة عليها؛ أو إقامة قرينة -أي قرينة- ترشد إليها، وإلى ما يراد منها من حسن، أو قبح، أو زيادة، أو نقص
…
أو غير هذا من الأوصاف التي يراد وصف المصدر بها، مثل: العِزة الجاهلية تحمل صاحبها على الطغيان. نشدة المآرب بالحكمة كفيلة بإدراكها.
ويلاحظ أن الدلالة على "الهيئة" بالصيغة المباشرة السالفة، إنما تقتصر على مصدر الفعل الثلاثي؛ مع زيادة التاء في آخر هذا المصدر إن لم تكن موجودة؛ فمنهما تتكون الصيغة الدالة بنفسها على المعنى المجرد وعلى "الهيئة" معًا. أما الأفعال التي ليست ثلاثية فلا تصاغ -قياسًا- من مصادرها الأصلية صيغة تدل على "الهيئة"، وإنما يزاد على المصدر الأصلي قرينة، أو لفظ يدل على الوصف المراد، من غير التزام قرينة معينة، أو لفظ معين. فعند إرادة الدلالة على الهيئة من المصادر: تكلُّم، استماع، اندفاع، وأشباهها
…
نقول: التكلم الكثير مدعاة للملل. الاستماع الحسن أمارة العقل الراجح. الاندفاع الطائش مقدمة البلاء العاجل.
ومجمل القول: إذا كان المصدر الأصلي موضوعًا في أصله على وزن: "فِعلة" كعزة"، وأردنا أن يدل على "المرة" وجب تحويله إلى صيغة "فَعلة" فنقول: ثارت في رأسي الجاهلي عَزة أبعدته عما يحسن بالعاقل.
وكذلك إن كان موضوعًا في أصله على وزن: "فَعْلة"؛ كرحمة. وأردنا أن يدل على "الهيئة" فإننا نحوله إلى صيغة: "فِعْلة"؛ فنقول: رِحْمة، مثل:"رِحْمة تداوي، ورِحْمة تجرح"1.
وخلاصة ما سبق:
1-
أن الفعل الثلاثي يصاغ بشرطين -مصدره الأصلي الشائع على وزن: "فعلة" للدلالة على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد، و"المرة".
1 هذه حكمة قديمة، معناها أن هيئة الرحمة، والطريقة التي تظهر بها، وتقدم لمستحقها -قد تكون طريقة كريمة تفيده، وتزيل أو تخفف آلامه ومتاعبه. وقد تكون طريقة جافة خشنة تؤلمه" وتجرح شعوره.
ويتوصل إليهما من مصدر غير الثلاثي بزيادة تاء التأنيث على هذا المصدر.
2-
ويصاغ مصدر الثلاثي على وزن "فعلة" للدلالة على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد، والهيئة. ولا يصاغ المصدر للهيئة مباشرة من غير الثلاثي.
3-
مصدر المرة والهيئة هو مصدر أصلي يحتفظ باسمه، وبخصائصه1 التي عرفناها، وبعمله. إلا أن المصدر الدال على المرة لا يعمل2.
4-
إذا كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على صورة المصدر الذي نريد أن يدل على المرة أو الهيئة، وجب إدخال تغيير أو زيادة عليها أو المجيء بقرينة تدل على المراد، وتُرشد إلى المرة أو الهيئة، طبقًا للتفصيل الذي سبق
…
3.
1 ومنها أن يتعلق به شبه الجملة، وأنه مع دلالته على المرة أو الهيئة هو مؤكد لعامله أيضًا -طبقًا لما سبق في رقم 4 من هامش ص225- والتفصيل في باب:"المفعول المطلق" ج2 م74 ص199.
2 راجع إيضاح هذا في رقم 3 من هامش ص215، وفي ص226
…
من هذا الجزء. وكذلك في ص200 م74 ج2 "باب المفعول المطلق"؛ حيث قلنا هناك ما نصه: "قد يعمل المبين النوع أحيانًا، كأن يكون مضافًا لفاعله، ناصبًا لمفعوله أو غير ناصب؛ نحوه: تألمت من إيذاء القوي الضعيف. حزنت حزن المريض. وهذا العمل على قلته قياسي".
3 وفي اسم المرة واسم الهيئة وصياغتهما مصدر الثلاثي يقول ابن مالك في ختام باب: "أبنية المصادر" بيتين سجلناهما هناك في ص200.
و"فعلة" لمرة كجَلْسهْ
…
و"فعلة" لهيئة؛ كجلسة
ويقول في صياغتهما من مصدر غير الثلاثي:
في غير ذي الثلاث بـ"التا" المرة
…
وشذ فيه هيئة؛ كالخمرة
أي: الدلالة على "المرة" من مصدر غير الثلاثي -تكون بزيادة التاء في آخر المصدر. أما "الهيئة" فلا تجيء منه مباشرة، وشذ مجيئها منه، كقولهم: فلان حسن الخِمْرة، وهي حسنة النقبة: والفعل منهما خماسي، هو: اختمر، بمعنى: لف الرأس بثوب ونحوه. وانتقب بمعنى لبس النقاب، وهو البرقع.