الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 105:
أوجه التشابه والتخالف بينها وبين اسم الفاعل المتعدي لواحد 1:
يجدر بنا الآن -وقد عرفنا أحوال كل منهما وقياسيته، وفرغنا من شرح أحكامهما- أن نعرض لموازنة نافعة بينهما.
أ- إنها تشبهه في أمور، ومن أجل هذه الأمور مجتمعة2 سميت:"الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد". وأهم هذه الأمور المشتركة بينهما:
1-
الاشتقاق. فإن لم تكن مشتقة -كما في بعض أنواعها3 القليلة- فليست بصفة أصيلة مشبهة باسم الفاعل، وإنما هي صفة مشبهة على وجه من التأويل، نحو: عرفت رجلًا أسدًا أبوه، أو نمرًا خادمه، أو ثعلبًا حارسه
…
ونحو: هذه قمر وجهها، حرير شعرها، "ويجوز في كل هذا النوع زيادة ياء النسب في آخره" والمعنى التأويلي شجاع أبوه، غادر خادمه، ماكر حارسه، مضيء أو جميل وجهها، ناعم شعرها
…
و
…
وهذا النوع المؤول3 قياسي -على قلته- ولكن يحسن التخفف منه قدر الاستطاعة.
2-
الدلالة على المعنى وصاحبه.
3-
عملها النصب في "الشبيه بالمفعول به" بشرط اعتمادها. ولكن هذا الاعتماد عام في المقرونة "بأل" والمجردة منها. "وقد سبق بيان هذا عند الكلام
1 أما غير المتعدي فلا تشبهه؛ لأنها تعمل النصب فيما يسمى: الشبيه بالمفعول به. وأما الفعل اللازم فلا ينصب المفعول به، ولا ما يشبهه. أما المتعدي لأكثر من واحد فلا تشبهه؛ لأن الصفة المشبهة الأصيلة مشتقة من فعل لازم.
2 مجموعها كاملًا هو السبب في التسمية؛ لا بعضها.
"3، 3" راجع الكلام عليه في ص284.
على إعمالها، كما سبق1 تفصيل الاعتماد، وما يتصل به في موضعه المناسب من باب اسم الفاعل2، ومنه يعلم أن الاعتماد ضروري لعمل اسم الفاعل النصب إذا كان غير مقترن بـ"أل"
…
أما هي فالاعتماد ضروري لها في الحالتين3، إذا أريد أن تنصب الشبيه
…
".
ومما تجب ملاحظته أن الاعتماد شرط في نصب الصفة المشبهة لما يسمى: "الشبيه بالمفعول به"، أما غيره فتعمل عملها فيه بدون شرط؛ كالرفع في فاعلها، والجر فيما أضيف إليها، والنصب في كل المنصوبات الأخرى؛ ومنها: الحال، والتمييز، والمفعول لأجله، والظرف، والمفعول المطلق4، وكل معمول مرفوع، أو مجرور، أو منصوب. إلا المنصوب على "التشبيه بالمفعول به" فلا بد فيه من الاعتماد.
4-
قبول التثنية. والجمع، والتذكير، والتأنيث، مثل:"جميل، جميلة، "جميلان، جميلتان"، "جميلون، جميلات"، ومثل: "حسن، حسنة"، "حسنان، حسنتان"، "حسنون، حسنات"، وهكذا
…
و
…
فإن لم تصلح للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ فليست صالحة لأن تكون صفة مشبهة؛ مثل كلمتَي: "قنعان"5، و"دلاص"6؛ فلكتاهما تستعمل بلفظ واحد للمفرد وفروعه، وللمذكر والمؤنث، تقول:"رجل، أو رجلان، أو رجال. أو امرأة، أو امرأتان، أو نسوة"، قُنْعَان، في كل حالة مما سبق. "وهذه درع
…
أو هاتان درعان
1 في ص294، 295.
2 في ص294.
3 فاقترانها بـ"أل" أيضًا يقتضي الاعتماد؛ بناء على الرأي القوي الذي يجعل "أل" فيها للتعريف. "انظر رقم 2 ص313".
4 نصب المفعول المطلق في مذهب يحسن الأخذ به.
5 القنعان "بضم القاف، وسكون النون" من يستطيع إقناع غيره بكلامه، ويحمله على الرضا برأيه.
6 درع دلاص: براقة لينة.
…
أو هؤلاء دروع" -دلاص، في كل حالة أيضًا. ومثل كلمة: "مرضع" في نحو: ما أعظم حنان، مرضع الأولاد. فإن هذه الكلمة لا تلحقها علامة التأنيث -غالبًا-1، لأنها خاصة بالمؤنث، ولا تستعمل بهذا المعنى في المذكر.
1لإلحاق التاء بهذه الكلمة أو عدم إلحاقها بيان جليل في رقم 2 من هامش ص 246.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
بمناسبة الإشارة إلى تأنيث "الصفة المشبهة" وتذكيرها نعرض للحالات التي يجب أن
تطابق فيها الموصوف وحده، أو السببي وحده، والحالات التي يجوز فيها مطابقة هذا، أو ذاك. ويشترط أن تكون الحالات السالفة وأحكامها مقصورة على تأنيث الصفة المشبهة وتذكيرها حين ترفع السببي للمنعوت:
1-
إذا رفعت الصفة المشبهة سببيًّا للمنعوت، وكانت صالحة1 في لفظها ومعناها للمذكر والمؤنث جاز أن تطابق هذا أو ذاك، سواء أكانا مذكرين معًا. أم مؤنثين معًا، أم مختلفين تذكيرًا وتأنيثًا، فمثال المذكرين معًا: هذا عالم عظيم نفعه. ومثال المؤنثين معًا: هذه عالمة عظيمة والدتها. ومثال المنعوت المذكر والسببي المؤنث: هذا عالم عظيمةٌ تلميذاتُه، أو عظيمٌ تلميذاتُه، ومثال المنعوت المؤنث والسببي المذكر: هذه عالمة عظيمٌ اختراعُها، أو عظيمةٌ اختراعها.
وسبب الإباحة في هذه الحالة أن الكلمة صالحة1 للأمرين مع زيادة تاء التأنيث في المؤنث، وانتفاء القبح اللفظي والمعنوي2 منها. بخلاف الصور الآتية، فإن فيها قبحًا، ولذا تمتنع المطابقة.
2-
إذا كان لفظها -دون معناها- مختصًا بأحدهما وجب -في الأغلب- أن يكون المنعوت مثلها في التذكير، أو في التأنيث، ولا يصح -في الرأي الأغلب- أن تقع نعتًا لما يخالف لفظها في التذكير أو التأنيث؛ مثل كلمة:
1 صلاحها بأن تكون صيغتها بما يستعمل لنعت المذكر حينًا، ولنعت المؤنث حينًا آخر؛ فلا يكون وزنها أو معناها مختصًّا بأحدهما، لا يستعمل في الآخر.
2 "ملاحظة": بالرغم من جواز الأمرين في الصور السالفة يحسن مراعاة السببي تذكيرًا وتأنيثًا. وذلك بوضع فعل مكان الصفة المشبهة وتطبيق ما يجري على هذا الفعل من ناحية التذكير والتأنيث على الصفة المشبهة؛ فإذا وجب تأنيث الفعل أو جاز أو امتنع كان الشأن في حكم الصفة المشبهة مثله. وبهذا يتوحد الحكم هنا وفي باقي أنوع النعت السببي الذي يجيء في ص452.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عجزاء1.... و
…
نحو: تلك فتاة عجزاء أختُها. فلا يصح: ذلك فتى عجزاء أختُه.
3-
وكذلك إن كان معناها -دون لفظها- مختصًّا بأحدهما، فلا يصح -في الأغلب- أن تقع نعتًا لما يخالف معناها في التذكير أو التأنيث، مثل: كلمتَي: خصي، ومرضع2
…
و
…
في قول بعض المؤرخين: يصف بيت أحد المماليك
…
وشاهدت مملوكًا خصيًّا خادمه، وأميرًا مرضعًا جاريتها
…
و
…
فلا يصح: مملوكة خصيًّا خادمها، ولا أميرًا مرضعًا جاريته.
4-
وكذلك إن كان لفظها ومعناها مختصين بأحدهما؛ كأكمر "وهو خاص بالذكور"، ورتقاء "وهو خاص بالنساء"؛ نحو: انصرف رجل أكمرُ وليدُه. وعجبتْ أمٌّ رتقاءُ وليدتُها. فلا يصح -في الأغلب- انصرفت امرأة أكمرُ ابنها، ولا: عجب والد رتقاءُ بنته
…
ومن النحاة من يجعل الحالات الثلاث الأخيرة كالحالة الأولى، فيجيز أن تقع الصفة بعد موصوف يخالفها لفظًا فقط، أو معنى فقط، أو لفظًا ومعنى معًا، فلا فرق عنده في جميع الأحوال الأربعة السابقة من حيث التذكير والتأنيث. فيجيز أن تكون الصفة مطابقة فيهما للموصوف أو للسببي. وهذا الرأي -على قلة أنصاره- سائغ؛ لما فيه من التيسير، ومنْع التشعيب، مع موافقته لبعض النصوص العربية الفصيحة. ولكن الرأي الأول أكثر شيوعًا في النصوص العالية المأثورة التي تمتاز بسمو عبارتها، وقوة بلاغتها، وبُعدها من القبح اللفظي.
كل ما سبق مقصور على الحالات التي ترفع فيها الصفة المشبهة سببي المنعوت. لكن هناك بعض حالات خاصة تحتاج إلى إيضاح3؛ ففي مثل: "مررت
1 امرأة عجزاء: أي: كبيرة العجيزة؛ "وهي: المقعدة"، ولا يقال في الفصيح: رجل أعجز.
2 لكلمة "مرضع " بيان خاص بمعناها وبإلحاق تاء التأنيث بآخرها، أو عدم إلحاقها في رقم 2 من هامش ص246.
3 ما يأتي هو ما أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص268.
بفتاة حسن الوجهُ" يكون السببي -وهو: الوجه- واجب الرفع، لا يجوز فيه الجر بالإضافة؛ لأن الجر بالإضافة يقتضي إزالة الإسناد عنه "بالطريقة التي سبق شرحها في ص268
…
والتي ستأتي في "ب" ص310"، وتحويله إلى ضمير الموصوف وهو الضمير المستتر في الصفة، ومتى تحملت الصفة المشبهة هذا الضمير المستتر وجب -في المثال السالف وأشباهه- "تأنيثها بالتاء؛ مراعاة للمنعوت: فعدم التأنيث في المثال السابق وأشباهه دليل على أن المعمول ليس "مضافًا إليه" مجرورًا؛ وإنما هو فاعل واجب الرفع.
وقد يتعين عدم الرفع؛ كما في: "امرأة حسنة الوجهِ"؛ لأن "الوجه" لو كان فاعلًا لوجب تذكير الوصف للسبب السالف. وقد يجوز الأمران -الرفع والجر- كما في: "مررت برجل حسن الوجهُِ".
فالصفة المشبهة إذا تحملت ضميرًا مستترًا للموصوف وجب مطابقتها في التأنيث والتذكير لذلك الموصوف، ووجب أن يكون معمولها غير فاعل1
…
1 ملاحظة: راجع كل الحالات السابقة وتوابعها في حاشية الصبان، آخر الباب عند قول ابن مالك:"فارفع بها"
…
ب- وتخالفه في أمور وأحكام هامة؛ توضح حقيقة كل منهما، وتميزه من الآخر؛ منها:
1-
اشتقاقها من الفعل اللازم حقيقة، أو من المتعدي الذي هو في حكم اللازم وفي منزلته؛ فمثال الأول: حسن، وجميل؛ في نحو:"الغزال حسن الصورة، جميل العينين"، وفعلهما: حسُن وجَمُل "بضم عينهما". وهما فعلان لازمان. وكذلك سَمْح، وجامد، في قول الشاعر:
السمح في الناس محبوب خلائقه
…
والجامد1 الكف ما ينفك ممقوتا
وفعلهما: "سَمُح، وجمد"، وهما لازمان.
ومثال الثاني: "هذا فارع2 القامة، عالي الرأس؛ إذا أريد بكل من: "فارع" و"عالٍ" الثبوت والدوام3، لا التجدد والحدوث. وفعلهما: "فرع" وعلا؛ وكلاهما متعدٍّ. ولكن مجيء الصفة المشبهة من مصدره -عند إرادة الثبوت نصًّا- جعله بمنزلة اللازم؛ إذ إنها لا تصاغ أصالةً إلا منه، ولا تصاغ من المتعدي إلا على هذا الاعتبار الذي يجعله بمنزلة اللازم4. أما اسم الفاعل فيصاغ من اللازم والمتعدي بغير تقيد بأحدهما.
1-
تعدد صيغها القياسية وكثرة الأوزان المسموعة؛ بخلاف اسم الفاعل؛ فإن له صيغة قياسية واحدة إذا كان فعله ثلاثيًا؛ وهي صيغة: "فاعل". وأخرى على وزن مضارعه مع إبدال أوله ميما مضمومة وكسر الحرف الذي قبل الآخر -كما عرفنا- إذ كان فعله غير ثلاثي. والصيغتان محدودتان مضبوطتان.
1 جامد الكف هو: البخيل. وكلمة: "جامد" في أصلها اسم فاعل، ولكنها هنا صفة مشبهة، بقرينة لفظية؛ هي إضافتها إلى الفاعل، "واسم الفاعل إذا أضيف لمرفوعه صار صفة مشبهة؛ طبقًا لما تقرر في بابه
…
" وأخرى معنوية، هي: أن الجمود -بمعنى: البخل- صفة من الصفات الثابتة التي تلازم صاحبها غالبًا.
2 طويل مرتفع
…
3 يدل على هذا هنا إضافة اسم الفاعل إلى فاعله؛ لأن إضافته لمرفوعه تصيره صفة مشبهة.
4 راجع إيضاح هذا وبيان أنواع اللزوم في هامش ص267، ومن تلك الأنوع: أن يحول الثلاثي المتعدي إلى صيغة "فعُل""بضم العين" بقصد المدح أو الذم أو غيرهما، فيصير لازمًا بالتحويل؛ "لأن هذه الصيغة لا تكون إلا لازمة". وعندئذ تجيء الصفة المشبهة من مصدره قياسًا، ومن ثم كان "الرحمن"، و"الرحيم" و"العليم"
…
ونظائرها من صفات المولى -معدودًا- من الصفات المشبهة
…
مع أن فعلها الأصلي: هو: "رحِم"، "علِم" وهما فعلان متعديان.
3-
دلالتها على معنى دائم الملازمة لصاحبه، أو كالدائم؛ فلا يقتصر على ماضٍ وحده، أو حال وحده، أو مستقبل كذلك، أو على اثنين دون الثالث، فلا بد أن يشمل معناها الأزمنة الثلاثة مجتمعة مع دوامه أو ما يشبه الدوام كما شرحنا. وهذا يعبر عنه بعض النحاة بأنه:"دلالتها على معنى في الزمن الماضي المتصل بالحاضر1 الممتد، مع الدوام"؛ لأن اتصال الماضي بالحاضر، ودوام هذا الحاضر، وامتداده يستلزم اتصال الأزمنة الثلاثة حتما. فغاية العبارتين واحدة. وعلى هذا لا يصح أن يقال في الرأي الأقوى الذي يجب الاقتصار عليه: الوجه حسنٌ أمس، أو الآن، أو غدًا. أما على الرأي الضعيف الذي سبق أن أشرنا بإهماله2 فيجوز -بشرط وجود قرينة- بقاءُ الصفة المشبهة على صيغتها مع تغير دلالتها إلى الماضي، أو الحال، أو المستقبل. وأما على الرأي القوي فنقول في هذه الصور وأمثالها مما يقتصر فيه المعنى على نوع من الزمن دون اكتمال الأنواع كلها: الوجه حاسنٌ أمس، أو: الوجه حاسنٌ الآن، أو: الوجه حاسنٌ غدًا؛ وذلك بتحويل صيغة الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل، وإخضاعها لأحكامه كلها. وهذا الرأي وحده أحق بالأخذ. وقد سبق أن أوضحنا3 أن من يريد الدلالة على ثبوت الوصف ودوامه نصًّا فعليه أن يجيء بالصفة المشبهة، ومن يريد الدلالة نصًّا على حدوثه وتقييده بزمن معين دون باقي الأزمنة فعليه أن يجيء باسم الفاعل. وأنه لا بد مع الإرادة من قرينة تبين نوع الدلالة؛ أهي الثبوت والدوام، أم الحدوث.
ولا فرق في دلالتها على دوام الملازمة بين أن يكون الدوام مستمرًّا لا يتخلله انقطاع؛ "كطويل القامة، حلو العينين"، وأن يتخلله انقطاع أحيانًا، "نحو: سريع الحركة، بطيء الغضب"، فيمن طبعه هذا؛ فإن الانقطاع الطارىء -ولو تكرر- لا يخرج الصفة عن أنها في حكم الملازمة لصاحبها؛ إذ إنها من عاداته الغالبة عليه4.
1 أي: بالزمن الحالي.
2 في ص293. مع الرجوع إلى رقم 1 من هامش ص293.
3 في ص242 عند الكلام على اسم الفاعل، وأحكامه، ثم في ص293.
4 على الوجه الذي سبق في هامش ص282.
4-
مجاراتها لمضارعها في حركاته وسكناته حينًا، وعدم مجاراته أحيانًا إن كان فعلها في الحالتين ثلاثيًّا. "والمراد بالمجاراة أمران: أن يتساوى عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلا، فإن كان الثاني أو الثالث أو الرابع -أو غيره- في أحدهما متحركًا كان في الآخر كذلك. أو كان ساكنًا فهو ساكن في الآخر. وليس من اللازم أن يتفق نوع الحركة في كل منهما؛ فقد يكون الأول مفتوحًا في أحدهما، مضمومًا في الآخر مثلًا.
فمن أمثلة المجاراة بينهما قولهم في الذم: فلان ساكن الريح1، أشأم الطالع، والمضارع من الثلاثي هو: يسكن. يشؤم. ومن الأمثلة المخالفة: رخيص، ثمين، نجيب، هجين، لطيف، وغيرها مما في قول شوقي:
"الوطن كالبنيان؛ فقير إلى الرأس العاقل، والساعد العامل، وإلى العتب الوضيعة، والسقوف الرفيعة. وكالروض محتاج إلى رخيص الشجر وثمينه، ونجيب النبات وهجينه؛ إذ كان ائتلافها في اختلاف رياحينه؛ فكل ما كان منها لطيفًا موقعه، غير نابٍ موضعه فهو من نوابغ الزهر قريب، وإن لم يكن في البديع ولا الغريب
…
". وأفعالها المضارعة التي لا تجاريها "وهي من الثلاثي": يرخص، يثمن، ينجب، يهجن، يلطف
…
أما الصفة المشبهة من مصدر غير الثلاثي2 فلا بد من مجاراتها لمضارعها؛ إذ هي في الأصل اسم فاعل أو اسم مفعول من غير الثلاثي وهما من غير الثلاثي يجاريان المضارع حتمًا، ثم أريد من كل منهما الثبوت؛ فصار صفة مشبهة على هذا الاعتبار -كما عرفنا- لأن الصفة المشبهة لا تصاغ أصالة إلا من ثلاثي؛ فوجب أن تكون من غير الثلاثي مجارية لمضارعها. ومن الأمثلة: فلان مستقيم الخطة، معتدل النهج، مسدد الرأي. ومضارعها: يستقيم، يعتدل، يسدد
…
و
…
1 أي: ثقيل الظل.
1 وهذا إن كانت في أصلها اسم فاعل، أو اسم مفعول، وقد تحول كل منهما إليها في الدلالة.
أما اسم الفاعل فلا بد أن يجاري مضارعه دائمًا1 -نحو: ذاهب، ويذهب، فاهم ويفهم، سامع ويسمع. ونحو: مكافح ويكافح، مرتفع ويرتفع، متمهل ويتمهل.
5-
امتناع تقديم معمولها عليها إن كان "شبيهًا بالمفعول به"2، أما غيره فيصح؛ كشبه الجملة، والمنصوبات الأخرى التي ينصبها الفعل القاصر والمتعدي والتي يجوز تقديمها؛ كالمفعول لأجله، والحال،
…
و
…
و
…
فلا يصح الغزال العين جميل؛ بنصب كلمة: "العين" على التشبيه بالمفعول به للصفة المشبهة بعدها.
أما اسم الفاعل فيجوز تقديم معموله عليه في حالات كثيرة إذا كان3 غير مقرون بـ"أل" مثل: العواصف شجرًا مقتلعةٌ، والسحب الكثيفة نور الشمس حاجبةٌ. والأصل: مقتلعة شجرًا، حاجبة نور الشمس.
وكذلك يجوز في الصفة المشبهة تقديم معمولها عليها إن كان شبه جملة أو فضلة ينصبها العامل المتعدي واللازم ولا يمنع من تقديمها مانع آخر كما قلنا. ومن أمثلة هذا قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فشبه الجملة: "على كل شيء" متعلق بالصفة المشبهة: "قدير"، وكذلك ما ورد في وصفهم عمر رضي الله عنه: "كان بالضعفاء رحيم القلب، لين الجانب، وعلى الطغاة شديد البأس، قاسي الفؤاد. وأمام الشدائد ثقة بالله. ثبت الجنان، قوي الإيمان
…
"، والأصل: "كان رحيم القلب بالضعفاء شديد البأس على الطغاة، ثبت الجنان أمام الشدائد، ثقة بالله.
6-
وجوب سببية معمولها المجرور، أو المنصوب على التشبيه بالمفعول به. فلا بد أن يكون معمولها سببيًا في الحالتين، وكذلك إذا كان معمولها
1 كما أشرنا في ص37 وفي هامش ص238.
2 وبمقتضى القواعد العامة لا يجوز تقديم معمولها المرفوع، ولا المضاف إليه.
3 وقد عرضنا لتلك الحالات في بابه ص263.
مرفوعًا، والصفة جارية على موصوف. والمراد بالسببي1: الاسم الظاهر المتصل بضمير يعود على صاحبها2، اتصالًا لفظيًا أو معنويًا. فمثال اللفظي: لنا صاحب سمح خليقته، حلو شمائله، كريم طبعه، تهفو القلوب إليه كأنما بينه وبينها نسب، وقول الشاعر:
لقد كنت جلدًا قبل أن توقد النوى
…
على كبدي نارًا بطيئًا خمودها
فكل كلمة من الكلمات: خليقة، شمائل، طبع، خمود
…
معمول للصفة المشبهة التي قبله، وهو معمول سببي؛ لأنه اسم ظاهر، متصل بضمير يعود -مباشرة- على المتصف بمعنى تلك الصفة.
ومثال المعنوي قول الفرزدق في مدح زين العابدين بن الحسين:
سهل الخليقة، لا تخشى بوادره
…
تزينه الخصلتان: الحلم3، والكرمُ
لا يخلف الوعد ميمون بغرته
…
رحب الفناء، أريب حين يعتزمُ
والأصل: سهل الخليقة منه، رحب الفناء منه، أي: من زين العابدين في المثالين. فالضمير محذوف مع حرف الجر، وهو مع حذفه ملحوظ كأنه موجود4. أو أنه لا حذف في الكلام. وأن "أل" الداخلة على السببي تغني عن الضمير5.
أما اسم الفاعل فيعمل في السببي والأجنبي، مثل: "مكرم، مكرمة، منكرة، عاطفة
…
في قولهم: "تكريم العظيم تأييد له، ونصر للفضيلة، وتكريم الحقير إغراء له، ومشاركة في جرائمه؛ فشتان بين مكرم عظيمًا
1 سبق إيضاح السببي مرة أخرى بتمثيل جلي في رقم 4 من هامش ص264. واشتراط سببية المعمول مقصور على حالتي نصبه على التشبيه بالمفعول به، أو جرِّه بالإضافة. أما المعمول المرفوع أو المنصوب على اعتبار ووجه آخر؛ كباقي المكملات المنصوبة -فلا يشترط فيه السببية؛ فيجوز أن يكون أجنبيًّا في الحالتين: نحو: أجميل النجمان؟ وما مظلم الفرقدان: "وهما، نجمان متقاربان" والوالد بك فرح. ولكن نجيب السببية في مرفوعها -كما قلنا -إذا جرت الصفة على موصوف أي على شيء يجري عليه معناها؛ نحو: البلبل جميل تغريده، وكذلك اسم الفاعل؛ نحو: الرجل قام أبوه.
2 هو الموصوف، أي الذي يتصف بمعناها. وقد يغني عن الضمير "أل" على الوجه الكوفي المبين في رقم 4 من هامش ص264. وفي رقم 4 التالي.
3 لاحظ الشبه بين الضمير في هذه الصورة وبينه في المراحل الثلاث التي سلفت في ص268.
4 كما سبق في رقم 4 من هامش ص264 وص269، ورقم 4 من هامش ص277، وهذا =
يستحق التكريم ومكرم صغيرًا هو أولى بالزراية والتحقير. وما الجماعة الناهضة إلا المكرمة عظماءها، المنكرة أراذلها، العاطفة أقوياؤها على ضعفائها".
7-
استحسان إضافتها إلى فاعلها المعنوي1 وجره بالإضافة2؛ سواء أكانت الصفة المشبهة من الصفات التي تلازم صاحبها ولا تفارقه، مثل: البدوي طويل القامة، عريض الجبهة، أسمر اللون، أم كانت من الصفات التي تلازمه طويلًا وقد تفارقه نحو: العربي قوي السمع، حديد3 البصر خفيف الحركة
…
والأصل: البدوي طويلة قامته، عريضة جبهته، أسمر لونه، قوي سمعه، حديد بصره
…
و
…
أما اسم الفاعل فإضافته إلى مرفوعه ممنوعة في أكثر أحواله التي يدل فيها على الحدوث، لا على الدوام. وقد سبق تفصيل هذا4؛ حيث أوضحنا أن اسم الفاعل الدال على الحدوث، وفعله لازم أو متعدٍّ لأكثر من مفعول، لا يجوز إضافته لفاعله إلا إذا أريد منه الدلالة على الثبوت، كدلالة الصفة المشبهة، وأن الذي فعله متعدٍّ لمفعول واحد قد يجوز إضافته لفاعله عند أمن اللبس
…
للدلالة على الثبوت
…
و
…
إلى آخر ما سردناه هناك، وأن اسم الفاعل إذا ترك الدلالة على الحدوث إلى الدلالة على الثبوت والدوام لا يبقى له اسمه، ولا أحكامه، وإنما ينتقل إلى الصفة المشبهة؛ فيسمى باسمها، ويخضع لأحكامها دون أن تتغير صيغته.
= الرأي الكوفي أحسن؛ لخلوه من الحذف والتقدير. وكل ما يقال للغض منه مردود؛ إذ ليس فيه ضعف. على هذا يكون السببي هو الاسم الظاهر المتصل بضمير صاحب الصفة، أو بما يغني عن الضمير. وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر "سويد بن أبي كاهل" يصف ثغر فتاة:
أبيض اللون، لذيذ طعمُهُ
…
طيب الريق إذا الريق خدعْ
"خدع: فسد".
1 المراد بالفاعل المعنوي الاسم الواقع بعدها، المتصف بمعناها، الذي يعرب فاعلًا حقيقيًا لها لو جعلناها فعلًا.
2 سيجيء سبب الاستحسان في ص316.
3 قوي.
4 في ص242 و265.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- بقيت، أمور وأحكام أخرى تنفرد بها الصفة المشبهة1، ولا يشاركها فيها اسم الفاعل، منها:
1 فيما سبق من الأحكام الخاصة بإعمال الصفة المشبهة يقول ابن مالك في باب عقده لها؛ عنوانه: "الصفة المشبهة باسم الفاعل". ولكنه باب مختصر؛ لم يستوفِ تلك الأحكام. قال في تعريفها:
صفةٌ استحسنَ جرُّ فاعلِ
…
معنى بها المُشْبِهَةُ اسم الفاعلِ
يريد: الصفة التي يستحسن أن يجر بها فاعلها في المعنى، هي:"الصفة المشبهة باسم الفاعل"، وهي تجره باعتباره مضافًا. وفاعلها المعنوي هو المضاف إليه. وقد شرحنا هذا الاستحسان "في رقم 7 من ص311 وفي "ب" من ص315 الآتية" وقال بعد ذلك:
وصوغها من لازمٍ لحاضرِ
…
كطاهر القلب جميل الظاهر
أى: أنها تصاغ من مصدر الثلاثي اللازم للدلالة على معنى متصل بالزمن الحاضر؛ "أي -الحالي" اتصال دوام وملازمه؛ فيشمل الأزمنة الثلاثة "على الوجه المشروح في: "ثالثًا، ورابعًا" من ص282" ومثل لها بمثالين؛ أحدهما: صفه مشبهه، كانت فى أصلها اسم فاعل، ثم أريد منه الثبوت والدوام؛ فصار صفة مشبهة، في معناه وأحكامه. وبقي على وزنه وصيغته الأولى الخاصة باسم الفاعل؛ هو: طاهر القلب، والثاني: صفة مشبهة أصيلة في صيغتها، وفى معناها؛ هو: جميل الظاهر. ثم قال:
وعمل اسم فاعل المعدَّى
…
لها على الحد الذي قد حدا
"قد حدا: أصله: قد حد، زيدت ألف في آخر الفعل لأجل الوزن الشعري. والمراد: على الرسم والضبط والتحديد التي قد حدد لكل منهما، ووضعت له الشروط الخاصة به".
يقول: ما ثبت لاسم الفاعل المتعدى -والمراد: المتعدي لواحد فقط -يثبت لها؛ بشرط مراعاة الحدود والضوابط التي وضعت لكليهما، والتي منها: أن منصوبها لا يسمي مفعولًا به، وإنما مسمى:"المنصوب على التشبيه بالمفعول به". وهذا إن كان المنصوب معرفة؛ فإن كا نكرة، فهو تمييز =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1-
عدم تعرفها بالإضافة "في الرأي الراجح بين آراء قوية أيضًا أشرنا إليها من قبل1" أما هو فيتعرف بها إذا كان بمعنى الماضي فقط، أو أريد به الاستمرار فيلحظ في هذا الاستمرار جانب المضي وحده.
2-
"أل" الداخلة عليها قد تعتبر للتعريف وموصولة معًا -في رأي- وأداة تعريف فقط في رأي أقوى.
أما الداخلة عليه فمعرفة واسم الموصول معًا "كما سبق في بابه. وفي ج1 ص278 م27".
= أو منصوب على التشبيه أيضًا، ومنصوب اسم الفاعل المتعدي لواحد يسمى:"مفعولًا به" وكذا بقيه الفوارق بينهما، فيجب مراعاتها. ثم بين شرطين من شروط إعمالها؛ هما عدم سبق معمولها عليها. وكونه سببيًّا؛ يقول:
وسبق ما تعمل فيه مجتنب
…
وكونه ذا سببيه وجب
"أى: مجتنب أن يسبقها ما تعمل فيه، ووجب كون معمولها ذا سببيه". ولم يذكر التفصيلات اللازمة. وانتقل بعد ذلك إلى كيفية ضبط هذا المعمول. فأدمجه في ثلاثة أبيات حرمت كثيرًا من الوضوح والتوقية؛ هي:
فارفع بها، وانصب، وجرَّ مع "ألْ"
…
ودون "ألْ" مصحوب "أل" وما اتصلْ:
يعني: ارفع بالصفة المشبهة، أو: انصب، أو جر
…
وكل هذا جائز مع وجود "أل" في الصفة المشبهة، ودون وجودها. لكن ما الذي سترفعه الصفة أو تنصبه أو تجره؟ بينه بأنه المعمول المصحوب "أل" "أى: المقترن بها"، وأنه أيضًا هو المعمول الذي اتصل.
بها، مضافًا، أو مجردًا، ولا
…
تجرر بها مع "أل" سما من "أل" خلا:
ومن إضافة لتاليها، وما
…
لم يخل فهو بالجواز وسما
يريد: أنه المعمول الذ اتصل بالصفة مع إضافته، أو مع تجريده من "أل" والإضافة -كما أوضحنا كل هذا بالأمثلة الكثيرة "في ص294"، وانتقل بعد ذلك إلى بيان حالات لا يجوز فيها الجر. فقال: لا تجر بالصفة المشبهة المقرونة بـ"أل" سما "اسما" خلا من "أل" أو خلا من الإضافة إلى تالي "أل" فعنده أن معمول الصفة المشبهة لا يصح أن يكون مجرورًا بها وهي مقترنة بـ"أل" مع خلاوه من "أل"، أو عدم إضافته لما فيه "أل". فإن لم يخل جاز الجر. وفي هذا الكلام نقص كبير.
1 انظر ص6، 29.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3-
مخالفتها فعلها اللازم أصالة، فتنصب معمولها على التشبيه بالمفعول به دون فعلها؛ فإنه قاصر لا ينصب المفعول به1، ولا شبهه. أما اسم الفاعل فلا يخالف فعله في التعدي واللزوم.
4-
إعراب معمولها المنصوب مشبهًا بالمفعول به -وليس مفعولا به- سواء أكان المعمول معرفة أم نكرة، وتمييزًا فقط إن كان نكرة1.
أما معموله فمفعول به مباشرة، ما دام منصوبًا قد وقع عليه فعل الفاعل.
5-
تأنيثها يكون أحيانًا بألف التأنيث؛ نحو: هذه بيضاء الصفحة. أما هو فلا تدخله ألف التأنيث.
6-
عدم مراعاة محل معمولها المجرور بإضافته إليها، المتبوع بعطف؛ أو بغيره من التوابع. بخلاف اسم الفاعل.
7-
عدم إعمالها محذوفة؛ فلا يصح هذا حسن القول والفعل، بنصب "الفعل"، على تقدير: وحسن الفعل، أما هو فيجوز: أنت ضارب اللص والخائن، بنص الخائن. كما يجوز في باب:"الاشتغال" أن يقال: أضعيفًا أنت مساعده، أي: أمساعدًا ضعيفًا
…
؟ " بتقدير اسم فاعل محذوف بعد الهمزة، ولا يصح: أوَجْهًا هذه المرأة جميلته2.
8-
عدم الفصل بينها وبين معمولها المرفوع أو المنصوب3 بظرف أو جار ومجرور -في الرأي الأرجح- إلا عند الضرورة، بخلافه.
9-
وجوب تغيير صيغتها إلى صيغة اسم الفاعل إن تركت الدلالة على الثبوت -بقرينة- إلى الدلالة على الحدوث. أما هو فقد يبقى على صيغته إن ترك الدلالة على الحدوث -بقرينة- إلى الدلالة على الثبوت.
10-
جواز إتباع معمولة بالنعت أو غيره من باقي التوابع. أما معمولها فلا يتبع بنعت، أي: لا يصح نعته.
"1، 1" انظر ما يتصل بهذا في ص266، 267، وفي رقم 4 من هامش ص294.
2 يوضح هذا ما سبق في: "ب"264.
3 أما الفصل بينها وبين معمولها المجرور فحكمه حكم الفصل بين المتضايفين، وقد سبق في ص53.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ب- يذكر النحاة تعليلًا جدليًا1 لاستحسان إضافة الصفة المشبهة لفاعلها دون إضافة اسم الفاعل لفاعله، ونلخصه هنا "بالرغم من أنه جدل منقوض بجدل مثله، ومعارض بأمثلة كثيرة، أوردها المعترضون، وضمنوها بطون المطولات، وأن التعليل الحق هو استعمال العرب ليس غير".
إن إضافة اسم الفاعل إلى فاعله ممنوعة -على وجه يكاد يقع عليه الاتفاق- إذا بقي على دلالة الحدوث نصًّا، وكان فعله لازمًا، أو متعديًا لأكثر من مفعول به؛ لأن إضافته في هاتين الصورتين توقع في اللبس. فتوهم أنه أضيف؛ ليجاري الصفة المشبهة -حيث تضاف لفاعلها كثيرًا- وأنه ترك دلالته على الحدوث والتجدد؛ ليصير دالًا على الثبوت والدوام مثلها؛ فأضيف إضافتها؛ ليؤدي دلالتها.
أما إن كان فعله متعديًا لواحد؛ فقد يمتنع إضافته إذا أوقعت في لبس. كما في مثل: البارُّ مكرمٌ أبوه فلو قلنا: البار مكرم الأب لجاز أن يقع في الوهم أن الإضافة هي للمفعول، لا للفاعل، وأن الأصل: البار مكرم أباه؛ بل إن إضافته قليلة حين يكون فعله متعديًا لواحد، ومعناه من المعاني التي لا تقع على الذوات، "أي: على الأجسام"؛ حيث اللبس مأمون، والإبهام غير واقع. مثل محمد كاتبٌ أبوه، فلا يصح: محمد كاتبُ الأبِ -إلا على قلة كما سبق- مع أنه لا لبس ولا إبهام في الإضافة؛ إذ الكتابة لا تقع على الذوات.
أما السبب في عدم صحة هذا -إلا على قلة- فلأن الصفة الدالة على الثبوت لا تضاف إلى فاعلها إلا بعد تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، واستناد الضمير فيها "كما أشرنا في ص268"، إذ لو لم يتحول الإسناد بالطريقة السالفة للزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الصفة هي نفس مرفوعها في المعنى، وهو أمر غير جائز، إلا في مواضع2 ليس منها الموضع الحالي.
ويؤيد هذا -عندهم- تأنيث الصفة المشبهة بالتاء في مثل: مررت بالفتاة
1 أشرنا إليه في ص268.
2 سبقت في باب الإضافة "د" ص40.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحسنة الوجه1؛ فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الفتاة لوجب تذكيرها كما تذكر مع فاعلها المرفوع؛ لهذا كان من المستحسن -وقيل: من الواجب- في مثل: أقبلت الفتاة الجميل وجهها أن تضاف الصفة إلى فاعلها؛ فيقال: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، لأن في الإضافة تخفيفًا وتقليلًا من عدة أمور تتشابه في أن كل اثنين منها بمنزلة شيء واحد، ففي المثال السابق قبل الإضافة "وهو: مررت بالفتاة الحسن وجهها" -الجار والمجرور بمنزلة الشيء الواحد، وكذلك الصفة مع الموصوف، والفعل مع فاعله، والمضاف مع المضاف إليه. وكل هذه الأمور المتشابهة المجتمعة تقتضي التخفيف، ولم يمكنهم أن يزيلوا منها شيئًا إلا الضمير؛ حيث تصرفوا في شأنه، فنقلوه، وجعلوه فاعلًا بالصفة، فاستتر فيها؛ لأن الصفة في هذه الصورة تعد بمنزلة الجارية على من هي له2، حيث رفعت ضميره، ومن ثم استحسنت الإضافة في المثال السالف، وفي نحو: أقبلت الفتاة الجميلة وجهها، فيصير: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، ولم تستحسن، أو لم تصح في: محمد كاتب الأب، "وأصله قبل الإضافة. محمد كاتب أبوه"؛ لقلة الأشياء المتشابهة التي تقتضي التخفيف.
وسبب آخر -عندهم- هو: أن الإسناد في مثل؛ الفتاة الجميلة الوجه -بإضافة الصفة إلى فاعلها- قد تغير؛ فصار الجمال مسندًا إلى الضمير العائد إلى الفتاة كلها بعد أن كان الإسناد متجهًا إلى وجهها فقط، وهو جزء منها، أي: أن الإسناد في ظاهره هو للكل، ولكن المراد منه الجزء على سبيل المجاز؛ لأن من جَمُل وحَسُن بعضه ساغ أن يسند الجمال والحسن إلى كله مجازًا؛ لحكمة بلاغية؛ قد تكون المبالغة أو نحوها
…
وهذا لا يستساغ في مثل: محمد الكاتب الأب "والأصل: محمد كاتب أبوه"؛ لأن من كتب أبوه لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد غير مقبول، سرى من المضاف -وهو "الأب"- إلى المضاف إليه؛ وهو:"الهاء". فهو
1 إيضاح هذا في ص303.
2 سبق إيضاح الكلام على الضمير العائد على من هو له أو غير من هو له في ج1 ص335 م35.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من الإسناد إلى المضاف إليه، مع إرادة المضاف. وشتان بين الإسنادين والمجازين؛ فالإسناد في الأول واقع بين الكل والجزء الذي هو بعضه، فيصح إطلاق كل منهما وإرادة الآخر، بخلاف الثاني فهو بين الأبوة والبنوة.
هكذا يقولون1، وهو تعليل جدلي محض كما قلنا. وفيه مخالفة لما أجازوه من قبل، من إضافة الشيء إلى نفسه أحيانا
…
2.
1 راجع حاشية التصريح في المكان.
2 كالذي في ص41، 51 وما بينهما.