الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 102: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة
مدخل
…
المسألة 102: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة:
تعريف كلٍّ، وصوغُه، وإعمالُه.
اسم الفاعل، تعريفه:
"اسم مشتق، يدل على معنى مجرد، حادث1 وعلى فاعله". فلا بد أن يشتمل على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد الحادث، وفاعله، مثل كلمة:"زاهد"، وكلمة:"عادل" في قول القائل: "جئني بالنمر الزاهد، أجئك
1 أي: عارض، يطرأ ويزول؛ فليس له صفة الثبوت والدوام، ولا ما يشابههما. ويعترض بعض النحاة في التعريف عن كلمتي:"اسم، مشتق" بحجة أنه لا يوجد: "لفظ يدل على معنى مجرد، غير دائم، وعلى فاعله" إلا وهو اسم مشتق. وهذا صحيح. ولكنه ذكرناهما مبالغة في الإيضاح.
أما المعنى المجرد أو الحدث المحض
…
فقد بسطنا الكلام فيه في هامش ص181، 207، ودلالة اسم الفاعل على هذا المعنى المجرد هي دلالة مطلقة؛ أي: صالحة للقلة والكثرة، إلا إذا وجدت قرينة توجه المعنى لأحدهما وحده -كما سيجيء في الصفحة التالية.
وأما المقصود من المشتق فهو: المأخوذ من كلمة أخرى مع تقاربهما لفظًا ومعنى. كما سبق -وفي ص182 بيان مفصل عن أصل المشتقات وعددها
…
و
…
وأما المعنى الحادث، "أو: غير الدائم، وغير الشبيه بالدائم" فهو الأمر الطارئ الذي يحدث ويزول من غير أن يدوم، أو يطول ثباته وبقاؤه حتى يقارب الدائم، ومن غير أن يشمل الماضي.
وقد ارتضى صاحب "التسهيل" تعريفًا آخر لاسم الفاعل لا يخرج -مع طوله- عن التعريف السابق، ولكنه يزيده إيضاحًا. فمن زيادة الفائدة أن نذكره. نقلًا عن حاشية الخضري- قال:
"إنه الصفة الدالة على فاعل الحدث، الجارية في مطلق الحركات والسكنات على المضارع من أفعالها في حالتي التذكير والتأنيث -كما سيجيء في ص308- المفيدة لمعنى المضارع أو الماضي. فخرج بالدالة على الفاعل، اسم المفعول، وما بمعناه؛ كمحمود، وقتيل. وبالجارية على المضارع الجارية على الماضي؛ كفرح، وغير الجارية على فعل، ككريم، وبالتأنيث نحو: "أهيف"؛ فإنه لا يجري على المضارع إلا في التذكير؛ لأن مؤنثه هيفاء. ولمعناه أو معنى الماضي لإخراج نحو: ضامر الكشح، مما يدل على الاستمرار، ويخرج به أيضًا: أفعل التفضيل؛ لأنه للدوام، كما خرج قبله. "فهذه المخرجات، ما عدا الأول والأخير -وهما اسم المفعول، واسم التفضيل- صفات مشبهة، =
بالمستبد العادل". فكلمة: "زاهد" تدل على أمرين معًا هما: الزهد مطلقًا، والذات التي فعلته أو ينسب إليها، وكذا كلمة: "عادل" تدل على أمرين معًا؛ هما العدل مطلقًا والذات، التي فعلته أو ينسب إليها، ومثلهما كلمتي: "واشٍ" و"سائل" في قول المعري:
أعندي وقد مارست كل خفية
…
يُصدَّق واشٍ1، أو يُخيَّب سائلُ
ودلالة اسم الفاعل على المعنى المجرد الحادث، أغلبية؛ لأنه قد يدل2 -قليلًا- عن المعنى الدائم، أو شبه الدائم، نحو: دائم، خالد، مستمر، مستديم
…
و
…
3
ودلالته على ذلك المعنى المجرد مطلقة "أي: لا تفيد النص على أن المعنى قليل أو كثير
…
" فصيغته الأساسية محتملة لكل واحد منهما4، إلا أن وجدت قرينه تعين أحدهما دون الآخر.
= لا اسم فاعل. هذا هو الاصطلاح المشهور. وأما ما يأتي في: "أبنية أسماء الفاعلين" من أنه يطلق عليها اسم الفاعل فباعتبار اصطلاح آخر، وهو مجاز -كما سيأتي.
"وإن شئت فقل: اسم الفاعل ما دل على فاعل الحدث، وجرى مجرى الفعل في إفادة الحدوث. فخرج بالأول اسم المفعول، وبالثاني الصفة بجميع أوزانها، وأفعل التفضيل" ا. هـ.
واستعمال ذلك الإصلاح شائع قبل "ابن مالك"، ومنه ما جاء في "أمالي القالي" -ج2 ص184 ونصه:"قال أبو علي: غمَض وغمُض "بفتح الميم وضمها" فمن قال غمُض بضم الميم، قال في الفاعل: غميض. ومن قال: غمَض بفتح الميم، قال في الفاعل غامض" ا. هـ. فالمراد بالفاعل في الأول: الصفة المشبهة، وفي الثاني: اسم الفاعل.
1 أصلها: واشيٌ، على وزن: فاعل، حذفت الضمة؛ لثقلها على الياء، ثم حذفت الياء؛ لالتقاء الساكنين، طبقًا للبيان الذي سبق عند الكلام على المنقوص ج1 م16 ص173.
2 شرط هذه الدلالة أن تكون هي المعنى الصريح لصيغته اللفظية، أو أن توجد قرينة أخرى توجه المعنى إلى الدوام وشبهه، مع بقاء اسم الفاعل في الحالتين على صيغته وصورته الخاصة به، وأحكامه النحوية التي تفرَّد بها "انظر الزيادة الآتية في ص242".
3 وكذلك في الحالة التي يصير فيها: "صفة مشبهة" وستأتي في الزيادة ص242.
4 جاء في ص130 من شرح درة الغواص، ما نصه: "قال ابن بري:
…
إن باب "فاعل" كضارب، وقاتل
…
عام لكل من صدر منه الفعل، قليلًا كان أو كثيرًا؛ فلا يمنع أن يقع "فاعل" موقع "فعال" المختص بالكثير؛ لعمومه. ألا ترى أن قوله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} لا يقتضي أن يكون السائل هنا من قل سؤاله؟ ومثله في صفات الباري: الخالق والخلاق، والرازق والرزاق
…
والمراد بأحدهما ما يراد بالآخر". اهـ، وفي حاشية ياسين على شرح الفاكهي لقطر الندى "ج2 ص217 ما نصه: "قال الشاطبي في شرح الألفية: اسم الفاعل دال على الفعل، كثيرًا كان أو قليلًا: فيقال "فاعل" لمن تكرر منه الفعل وكثر، ولمن وقع منه فعل ما
…
فإذا أرادوا أن يشعروا بالكثرة وضعوا لها مثالا دالًّا عليها؛ مثل: فَعُول" ا. هـ
…
ولهذا إشارة في ص257 وهامشها.
صوغه 1:
أ- يصاغ من مصدره الماضي الثلاثي، المتصرف، على وزن:"فاعِل"؛ بأن نأتي بهذا
المصدر -مهما كان وزنه- وندخل عليه من التغيير ما يجعله على وزن: "فاعِل". ولا فرق في الماضي بين المتعدي واللازم، ولا بين مفتوح العين، ومكسورها، ومضمومها2؛ نحو:"فتح، يفتَح، فتحًا؛ فهو: فاتح، قعَد، يقعُد، قعودًا؛ فهو: قاعد، حسب، يحسب، حُسابًا؛ فهو: حاسب. نعم، ينعم، نعمًا؛ فهو: ناعم" كرم، يكرم كرمًا؛ فهو كارم. حسن، يحسن، حسنًا؛ فهو: حاسن"؛ بشرط أن يكون الكرم والحسن أمرين طارئين، لا دائمين3
1 عقد ابن مالك بابًا مستقلا لإعمال اسم الفاعل، وضمنه إعمال اسم المفعول "وسيجيء شرحه في هامش ص250". ثم عقد بابًا آخر "سيجيء شرحه أيضًا في هامش ص289" لابنيتهما وصيغهما، وأبنية الصفة المشبهة، فاصلًا بينهما بباب آخر؛ هو:"باب أبنية المصادر". وهذا ترتيب ارتضاه لسبب ذكرناه في أول باب "أبنية المصادر" ص181 ولم نقبله هناك، ولا نستحسنه هنا؛ إذ الكلام على الشيء وإعماله لا بد أن يجيء بعد معرفة ذلك الشيء وإدراك كنهه، وهذا يقتضي تقديم الكلام على صيغة وأبنيته أولا. كذلك لا نستحسن عقد بابين مستقلين؛ أحدهما الصيغ والأبنية. والآخر للإعمال والأحكام: لما في هذا من التشعيب والتشتيت من غير مسوغ.
2 مضموم العين لا يكون إلا لازمًا. "انظر البيان الخاص باللازم في هامش ص289".
3 نص على هذا كثيرون -في باب: أبنية أسماء الفاعلين
…
؛ منهم "الخضري" و"الصبان"، وصاحب حاشية "التصريح"؛ ومنهم:"صاحب المصباح المنير" في فصل الفعل ودلالته، ودلالة المشتقات، بآخر كتابه، ص947 وما بعدها، وكذلك محمد الرازي في كتابه:"غرائب أي التنزيل" المطبوع على هامش كتاب: "إملاء ما من به الرحمن
…
" للعكبري، ص133 حيث عرض للآية الكريمة: {ضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} وأوضح السبب في التعبير بكلمة: "ضائق" دون "ضيق" بما نصه:
"إن ضيق صدر الرسول عارض غير ثابت؛ لأن النبي عليه السلام كان أفسح الناس صدرًا. ونظيره قولك: فلان سائد وجائد. فإذا أردت وصفة بالسيادة والجود الثابتين المستقين، قلت: سيد وجواد. كذا قال الزمخشري" ا. هـ.
ويقول ابن يعيش في الآية السالفة: {ضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} إنه عدل عن "ضَيِّق" إلى: "ضائق" ليدل على أن هذا الضيق عارض في الحال، غير ثابت
…
؛ ومثل هذا يقال في كلمة: "فارح" من قول أشجع السلمي يرثي عمرو بن سعيد الباهلي:
وما أنا من رزه -وإن جل- جازع
…
ولا بسرور بعد موتك فارح
وراجع ما يأتي في ص292 حيث البيان والإفصاح.
وكذلك بقية المعاني السابقة، حين يكون المراد النص على حدوث المعنى.
ويجب أن يَتَحقق في صيغة: "فاعل" المذكورة أمران؛ أن يكون ماضيها الثلاثي متصرفًا، وأن يكون معنى مصدره غير دائم؛ لأن الماضي الجامد "مثل: نِعْم، وعسى، وليس
…
" لا يكون له مصدر، ولا اسم فاعل، ولا شيء من المشتقات الأخرى، ولأن المصدر الدال على معنى دائم، أو شبه دائم -لا يُشتق منه ما يدل نصا على الحدوث، وعدم الدوام، وهو: اسم الفاعل. إنما يشتق من ذلك المصدر شيء آخر يدل على الدوام أو شبهه؛ "كالصفة المشبهة"1، ولها صيغ متعددة بتعدد الاعتبارات المختلفة، وأحكام خاصة بها، سنعرفها في بابها2.
1 لها باب خاص يجيء في ص281.
ومثلها اسم التفضيل، فإنه يدل على الدوام، طبقًا للبيان الذي في رقم 1 من هامش ص282، ولما سيجيء في بابه ص394.
2 ص281.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- قلنا: إن صيغة "فاعل" المراد بها: "اسم الفاعل" لا تُشتق إلا من مصدر فعل ماضٍ، ثلاثي، متصرف. ويتساوى في هذا كل أنواع الماضي "الثلاثي المتصرف، المتعدي واللازم، مفتوح العين، ومضمومها، ومكسورها"
…
فلا مكان للتوهم بأن بعض أنواع الماضي الثلاثي المتصرف اللازم لا يصاغ من مصدره اسم الفاعل على صيغة "فاعل" للدلالة على الحدوث نصًّا؛ إذ من أين يجيء التوهم بعد أن قطع الأئمة بالحكم العام السابق، وبقياسية: كرُم الرجل؛ فهو: كارم، بخل فهو: باخل، شرف فهو: شارف، "أي: صار صاحب شرف"، وحسن فهو: حاسن، وغني فهو: غانٍ
…
و.... وأمثال هذا مما فعله ثلاثي متصرف، لازم، يدل على معنى طارئ غير ثابت، ولا شبيه بالثابت. أمَا إن كان المعنى ليس طارئًا حادثًا وإنما هو دائم أو شبه دائم -فيجب التصرف؛ إما بتغيير صيغة "فاعل" الدالة على الحدوث إلى أخرى دالة على الثبوث أو شبهه؛ كأن نقول: كريم، بخيل، شريف، حسن، غني -"كما سيجيء في باب الصفة المشبهة" وإما بإيجاد قرينة -لفظية أو معنوية - تدل على أن صيغة:"فاعل" لا يراد منها الحدوث؛ وإنما يراد منها الثبوت، ومن القرائن اللفظية: إضافة اسم الفاعل من الثلاثي اللازم إلى فاعله1، نحو: لي صديق، راجح العقل، رابط الجأش، حاضر البديهة
…
والأصل: راجع عقله،
1 إضافة اسم الفاعل إلى فاعله تخرجه -حتمًا- من بابه من غير تغيير في صيغته التي هو عليها عند إضافته لفاعله، وتدخله في باب:"الصفة المشبهة"؛ فتسري عليه كل أحكامها المعروضة في بابها "وستجيء الإشارة لهذا في ص256، 265، 292، والبيان الوافي في "د" ص265". ونلخصه فيما يأتي:
أإن كان فعله لازمًا ثلاثيًّا أو غير ثلاثي فلا يكاد يوجد خلاف في جواز إضافته إلى فاعله عند الرغبة في إبعاده عن باب اسم الفاعل وإدخاله في باب الصفة المشبهة على الوجه السابق لتحقيق الغرض المعنوي الذي تحققه تلك الصفة: ومتى تم إدخاله في باب الصفة المشبهة زال عنه اسمه القديم، وصار اسمه عند فريق من النحاة "الصفة المشبهة"، وعند فريق آخر "الملحق بها"، وهذا الخلاف في التسمية لا أثر له في المعنى ولا في الإعراب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رابط1 جأشه، حاضرة بديهته. ومنها: أن تكون صيغته اللفظية صريحة الدلالة على الدوام أو شبهه2.
ومثال القرينة المعنوية قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وقول المؤمن: رباه، آمنت بك، خالقَ الأكوان، لا شريك لك، وخفتك قاهرَ الطغاة لا يعجزك شيء
…
وقول شوقي:
= والفريقان متفقان على أن صورته الأولى لا تتغير، بالرغم من تغير اسمه.
ب- وإن كان فعله متعديًا لأكثر من مفعول به لم يجز إضافته لفاعله. "راجع ما يتمم هذا في رقم 3 من هامش ص256".
ج- وإن كان فعله متعديًا لمفعول به واحد فالصحيح جواز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله للغرض السالف، وهو إدخاله في باب:"الصفة المشبهة"؛ ليؤدي ما تؤديه، مع بقائه على صورته الأولى. أما المفعول به الذي ينصبه هذا الفعل فالغالب الفصيح حذفه والاستغناء عنه متى وجد اسم الفاعل المضاف لفاعله، والذي انتقل نهائيا إلى باب:"الصفة المشبهة". ويجوز على قلة يباح الأخذ بها أن ينصبه اسم الفاعل الذي صار صفة مشبهة. وإنما ينصبه بشرط أمن اللبس عند ذكره فلا يختلط بغيره، وبشرط تغير اسمه، فلا يسمى "مفعولًا به"، وإنما يسمى:"الشبيه بالمفعول به" كما يقال في إعرابه إنه منصوب؛ لاعتباره "شبيهًا بالمفعول به"؛ كالشأن في إعرابه مع الصفة المشبهة الأصلية. وسبب الاشتراط أن اسم الفاعل في هذه الصورة الجديدة ليس اسم فاعل إلا في الصورة الشكلية والصيغة الظاهرة دون الحقيقة الواقعة، وهي المعنى الذي انتهى إليه، وصار بسببه صفة مشبهة أو ملحقًا بها، والصفة المشبهة وما ألحق بها -كاسم الفاعل في حالته التي نتكلم عنها- لا تنصب المفعول به الأصلي.
ولما كان كثير من الأساليب الفصيحة المأثورة، قد ظهر فيها بعد هذه الصفة وملحقاتها مفعول فعلها منصوبًا وهو لا يصلح أن يكون حالًا، ولا تمييزًا، ولا شيئًا آخر من المنصوبات غير المفعول به لجأ النحاة إلى التوفيق بين الدواعي المختلفة؛ لمنع التعارض بينها؛ فأجازوا وقوع المفعول به بعد هذه الصفة المشبهة، بشرط أن يتغير اسمه؛ فيسمى:"الشبيه بالمفعول به" لا مفعولًا به، واشترطوا لوقوعه بعد ملحقاتها أن يسمى أيضًا:"الشبيه بالمفعول به" لا مفعولا به، وألا يؤدي إلى لبس في الحالتين. وقالوا: إن الأفصح بعد ملحقات الصفة المشبهة حذفه؛ مبالغة من أمن اللبس، بالرغم من صحة ذكره، وسيجيء إيضاح آخر لهذا في هامش ص264، 265.
1 ربط جأشه رِباطة -بالكسر- اشتد قلبه كما في القاموس ا. هـ فالفعل هنا لازم.
2 طبقًا للبيان السابق في ص239.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قف "بروما"1 وشاهد الأمر، واشهد
…
أن للملك مالكًا، سبحانَهْ
فهذه الأوصاف المتصلة بالله، من المُلك2 والخلق، والقهر ليست طارئة، ولا عارضة، ولا مؤقتة بزمن محدود تنقضي بانقضائه؛ لأن هذا لا يناسب المولى جل شأنه، ومن ثم كانت تلك الصيغ في معناها ودلالتها:"صفات مشبهة" وليست "اسم فاعل"، إلا في الصورة اللفظية، والأحكام النحوية الخاصة به برغم أنهما على صيغة:"فاعل"؛ فهذا الوزن وحده ليس كافيًا في الدلالة على الحدوث أو على الثبوت والدوام؛ فلا بد معه من القرينة التي تعين أحدهما، وتزيل عنه اللبس والاحتمال؛ كي يمكن القطع بعد ذلك بأنه في دلالته المعنوية -لا الشكلية- اسم فاعل، أو صفة مشبهة.
1 يسميها العرب القدماء: رومية.
2 يمعنى التملك.
ب- ويصاغ اسم الفاعل من مصدر الماضي غير الثلاثي بالإتيان بمضارعه، وقلب أول هذا المضارع ميمًا مضمومة، مع كسر الحرف الذي قبل آخره، إن لم يكن مكسورًا من الأصل. فإذا أردنا الوصول إلى اسم الفاعل من الفعل:"قاوم" آتينا بمضارعه، وهو:"يقاوم"، وأجرينا عليه ما سبق؛ فيكون اسم الفاعل هو:"مقاوم"، وفي مثل: يتبين -وهو مضارع للماضي: "تبين"- نقول: متبيِّن
…
نحو: الفريسة مقاوِمة المفترس، والغلب متبيِّن للقوي. وفي مثل: أذل وأعز؛ ومضارعهما يذل ويعز
…
نقول: "مذِلّ" و"معِزّ" كقول عائشة رضي الله عنها في رثاء أبيها: "نضر الله وجهك يا أبت؛ فقد كنت للدنيا مذلًا بإدبارك عنها، وللآخرة معزًا بإقبالك عليها".
ج- مجيء الصيغة من مصدر الفعل غير الثلاثي بالطريقة السالفة لا يكفي -من غير قرينة- للقطع بأنها صيغة "اسم فاعل"؛ فقد يوهمنا مظهرها أنها كذلك، مع أنها في حقيقتها "صفة مشبهة"؛ بسبب دلالتها على معنى ثابت. ومن هذا: الصيغة المضافة إلى فاعلها1 في مثل: "النجم مستدير الشكل، متوقد الجرم؛ مستضيء الوجه. والكوكب مستدير الشكل، منطفئ الجسم، مظلم السطح". والأصل: مستدير شكله، متوقد جرمه، مستضيء وجهه، منطفئ جسمه، مظلم سطحه. وأفعالها هي: "استدار، توقد، استضاء، انطفأ، أظلم
…
و
…
" فقد قامت في الأمثلة السابقة قرينة لفظية، "هي إضافة الصيغة إلى فاعلها على الوجه المشروح" وقرينة معنوية، "هي اليقين الشائع بدوام تلك الأوصاف"، وتدل كل منهما وحدها على أن الصيغة ليست اسم فاعل؛ بالرغم من صورتها الظاهرة. وإذًا لا بد من قرينة تقوم بجانب الصيغة هنا -كما قامت في صيغة "فاعل" المشتق من مصدر الثلاثي؛ لتبعد الوهم، وتحدد النوع؛ أهو اسم فاعل نصًّا، أم صفة مشبهة قطعًا.
د- لا بد من زيادة تاء التأنيث في آخر "اسم الفاعل" للدلالة على
1 إيضاح هذا في هامش ص242، وما تشير إليه من صفحات أخرى، ولا سيما ص265.
تأنيثه، سواء أكان فعله ثلاثيًّا أم غير ثلاثي؛ إلا في المواضع التي يحسن ويكثر ألا تزاد فيها1، ومنها: اسم الفاعل الخاص بالمؤنث؛ كالمرأة مثلًا؛ أي: الخاص بأمر مقصور عليها، يناسب طبيعتها وتكوينها الجسمي؛ فلا يحتاج لعلامة تدل على التأنيث، وتمنع اللبس؛ مثل: الحامل، والمرضع، في نحو:"ولدت الحامل، وصارت مرضعًا"2.
هـ- كسر الحرف الذي قبل الآخر في اسم الفاعل من مصدر الفعل غير الثلاثي -قد يكون كسرًا ظاهرًا كما في مثل: "متوقِّد، منطفِئ، مظلِم
…
"، وقد يكون مقدرًا كما في مثل: "مستضِيء، مستدير، مختار"؛ فأصلها: مستضْوِئ، مستدْوِر، مختَيِر
…
و
…
فقلبت الواو في الكلمتين الأوليين ياء بعد نقل كسرتها إلى الساكن الصحيح قبلها؛ تطبيقًا لقواعد صرفية في "الإعلال". وكذلك قلبت الياء في "مختير" ألفًا: لوقوعها متحركة بعد فتحة
…
إعماله:
يجري اسم الفاعل مجرى فعله في العمل، وفي التعدي واللزوم بتفصيلات وشروط تختلف باختلاف حالتي تجرده من:"أل" الموصولة3 أو اقترانه بها4.
1 هي مدونة في باب: "التأنيث" ج4 ص542 م 169.
2 إنما يكون الأحسن والأبلغ حذف تاء التأنيث من كلمة: إذا كانت بمعنى: "حبلى" فيكون الشأن في "حامل" كالشأن في "لابِن، وتامِر" أي: صاحب لبن وتمر. أي: منسوب لهما. أما إن كانت بمعنى التي تحمل شيئًا فوق رأسها أو ظهرها أو نحوهما فلا تحذف التاء.
وكذلك تحذف استحسانًا من كلمة: "مرضع" إن أريد بها التي من شأنها وبمقتضى طبيعتها الجسمية أن تكون صالحة للإرضاع، ولو لم تزاوله فعلًا، وكذا المرأة المنسوبة للإرضاع، كالتي تتخذه حرفة، أو تشتهر به. أما التي ترضع الطفل فعلًا بأن تلقمه ثديها فيتناوله بفمه، فهي مرضعة.
وسيجيء الإيضاح الكامل لهذا في موضعه المشار إليه من الجزء الرابع.
3 لأن "أل" الداخلة على المشتقات العاملة هي: الموصولة -غالبًا- كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص254، وكما سبق عند الكلام على "أل" في باب "الموصول" ج1. وهل هي في الوقت نفسه تفيد التعريف؟ رأيان.
4 في الصفحة التالية تفصيل الكلام على حالة التجرد "أ" أما حالة الاقتران ففي: "ب" ص254.
أ- فإن كان مجردًا منها رفع فاعله بغير شرط إن كان الفاعل ضميرًا مستترًا1 أو ضميرًا بارزًا2، وعمل كذلك في باقي المعمولات التي ليست فاعلًا ظاهرًا، ولا مفعولًا به.
أما الفاعل الظاهر فلا يرفعه إلا إذا كان اسم الفاعل مستوفيًا للشروط الآتية3، وفي مقدمتها اعتماده على أحد الأشياء المذكورة هناك. نحو: أقادم صديقنا الآن؟
وأما نصبه المفعول به فلا يجوز إلا بعد استيفائه تلك الشروط، ومنها الاعتماد أيضًا، وأن يكون: بمعنى الحال أو الاستقبال، أو الاستمرار المتجدد4 الذي يشمل الأزمنة الثلاثة، مثل:"من يكن اليوم مهملًا عمله يجد نفسه غدًا فاقدًا رزقه". ومثل: "ما أعجب الصانع الماهر، مديرًا مصنعه في حزم، مدبرًا أمره في يقظة".
ويقولون في سبب إعماله: إنه جريانه -غالبًا- على مضارعه الذي بمعناه5، وإن هذه الشروط تقرِّبه من الفعل، وتبعده من الاسمية المحضة
…
1 إذا كان فاعله ضميرًا مستترًا وجب أن يكون ضمير غائب؛ طبقًا للبيان الذي في "ج" من الزيادة ص252.
2 إلا إن كان اسم الفاعل مبتدأ مستغنيا بمرفوعه عن الخبر فالأكثر اعتماده على نفي أو استفهام كالشأن في جميع المشتقات العاملة "وسيجيء هذا في "أ" من ص252".
3 في ص249. والاعتماد هنا يختلف عنه في باب: "المبتدأ والخبر" -طبقًا للبيان الآتي في "أ" ص252.
4 الاستمرار التجددي معناه: أن الأمر يحدث ثم ينقطع، ثم يعود ثم ينقطع، وهكذا دواليك، كاستمرار الليل والنهار. وهناك استمرار الدوامي؛ وهو الذي لا انقطاع فيه؛ نحو: مرتفع القامة، واسع الفم "وقد سبقت الإشارة الموضحة لهذا في ص39، وله إشارة أخرى في رقم 2 من هامش ص282".
5 يريدون: أن اسم الفاعل في هذه الصورة يوافق مضارعه في المعنى، وفي الحدث والتجدد، وفي عدد الحروف، وفي هيئتها؛ "بأن يكون الساكن في أحدهما مقابلا في ترتيبه لساكن في الآخر، وكذلك المتحرك فيهما"، هذا إلى الاشتراك في الحروف الأصلية. خذ مثلًا لذلك اسم الفاعل:"مخبِر" فإنه موافق لمضارعه: "يخبر" في كل ما سبق؛ فمعناهما واحد، وكلاهما أربعة أحرف، ثانيها ساكن وما عداه، تحرك؛ فكل حرف ساكن أو متحرك يماثله في الحركة والسكون نظيره في الترتيب. وكلاهما يشابه الآخر في الحروف الأصلية. ومثله اسم الفاعل:"فاقد" فإنه جارٍ على مضارعه فيما سبق. وهكذا. مسافر ويسافر، ومتدحرج ويتدحرج، ومتعلم ويتعلم، والسبب لسالف مستنبط من الاستعمال العربي الذي هو السبب الأول الأصيل.
ولهذا يمكن أن يحل محله المضارع الذي بمعناه.
فإن لم يكن اسم الفاعل المجرد من "أل" الموصولة مستوفيًا الشروط الآتية -ومنها الاعتماد- لم يرفع فاعلًا ظاهرًا ولم ينصب مفعولًا به. وإن لم يكن بمعنى الحال، أو الاستقبال، أو الاستمرار المتجدد؛ بأن كان بمعنى الماضي المحض، لم ينصب المفعول به إلا بشرطين:
أولها: تحقق الشروط الآتية؛ ولا سيما الاعتماد.
وثانيهما: صحة وقوع مضارعه موقعه من غير فساد المعنى. نحو: "كانت الأمطار أمسِ غاسلةً الأشجارَ، منقيةً مياهُها الهواءَ"؛ إذ يصح: كانت الأمطار أمس تغسل الأشجار وتنقي مياهها الهواء. ولا يصح: هذا حاصدٌ قمحًا أمس؛ إذ لا يقال: هذا يحصد قمحًا أمس.
وأما عمله في شبه الجملة بنوعيه وفي باقي المعمولات الأخرى التي ليست بفاعل ظاهر، ولا بمفعول به منصوب -فلا يشترط فيها شيء؛ لأن الشروط مطلوبة لإعماله في الفاعل الظاهر، والمفعول به المنصوب، كما أسلفنا، وهذا أمر يجب التنبُّه له.
وإنما أهمل اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي، فلم ينصب المفعول به مباشرة من غير اشتراط شيء -كما نصب فعله المتعدي- لأنه لا يجري على لفظ الفعل الماضي الذي بمعناه، فهو يشبهه معنى، لا لفظًا؛ ولهذا لا يجوز أن ينصب المفعول به مباشرة عند عدم تحقق الشروط؛ فيجب في هذه الصورة الإضافة، بأن يكون اسم الفاعل مضافًا، ومعموله مضافًا إليه مجرورًا1، ولا يصح تسمية هذا المعمول مفعولًا به، ولا إعرابه كذلك
…
والإضافة في
1 انظر رقم 3 من هامش ص255.
وملخص ما تقدم: أن اسم الفاعل المجرد من "أل" الموصولة في حالتي مضيِّه وعدم مضيِّه يرفع الفاعل الضمير؛ مستترًا وبارزًا. لكنه لا يرفع الفاعل الظاهر في الحالتين إلا بتحقق الشروط؛ ومنها: الاعتماد، ولا ينصب المفعول به مباشرة -كما ينصبه فعله- إلا إذا كان لغير الماضي، مع استيفائه بقية الشروط الأخرى التالية. فإن كان بمعنى الماضي لم ينصب المفعول به إلا بعد استيفاء تلك الشروط مزيدًا عليها صحة وقوع مضارعه موقعه. أما العمل في بقية المعمولات الأخرى فلا يحتاج لاشتراط شيء، فهو كالفاعل الضمير، سواء أكان اسم الفاعل بمعنى الماضي أم غيره.
هذه الصورة إضافة محضة، لا يجوز فيها وجود "أل" في اسم الفاعل ما دام بمعنى الماضي فقط كما تقدم في باب الاضافة1.
وفيما يلي تلك الشروط التي أشرنا إليها:
1-
أن يسبقه شيء يعتمد عليه؛ كالاستفهام المذكور نصًّا، مثل قول الشاعر:
أمنجزٌ أنتمُ وعدًا وثقت به
…
أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوبِ?
أو الاستفهام المقدر في مثل: غافرٌ أخوك الإساءة أم محاسب عليها؟ فإن الأصل: أغافرٌ أخوك
…
؟ بدليل وجود "أم" المعادلة2
…
أو النداء في مثل: يا بانيًا3 مستقبلك بيمينك ستدرك غايتك. أو النفي4 في مثل: ما مخلفٌ عهده شريف، وقول الشاعر:
سليمُ دواعي الصدر5، لا باسطًا أذى
…
ولا مانعًا خيرًا، ولا قائلًا هجرًا6
أو: أن يقع نعتًا لمنعوت مذكور؛ في مثل: الحسد نار قاتلةٌ صاحبها. أو لمنعوت محذوف لقرينة؛ مثل: كم معذب نفسه في طلب الحرية لبلاده يرى العذاب من أجلها نعيمًا، وكم مبدد ثروته في سبيلها يرى التبديد ذخرًا. أو يقع حالًا في مثل: سحقًا وبعدًا للمال جالبًا الذل والشقاء لصاحبه. أو يقع خبرًا لمبتدأ، أو لناسخ، أو مفعولا لناسخ؛ مثل: هذا منفقٌ مالًا في وجوه البر. اشتهر العربي بأنه حامٍ عشيرته، أحسب الحر موطنًا نفسه على احتمال المشتقات في سبيل حريته، وكنت أزعم المشقة موهنةً عزيمته؛ فإذا هي
1 راجع "د" من ص5 ورقم 3 من هامش ص12.
2 في ص585 -باب العطف- إيضاح الكلام على: "أمْ" وبيان أحكامها.
3 يرى النحاة في مثل هذه الصورة أن اسم الفاعل المنادى بمنزلة نعت لمنعوت محذوف؛ والتقدير: يا شخصًا بانيًا. فالمسوغ عندهم هو وقوعه نعتًا لا منادى. والخلاف شكلي لا يُلتفت إليه؛ لأنه لا يغير الحكم، ولا أثر له مطلقًا.
4 ويشمل النفي التقديري الذي في مثل: إنما محسن علي صنيعه؛ لأن معناه: ما محسن على إلا صنيعه، وفي مثل: غير مهمل واجبه عاقل.
5 دواعي الصدر: الأمور والدوافع التي تحرك القلب.
6 قولًا رديئًا سيئًا.
أكبر حافز. أعلمتُ الجنودَ القائدَ مضاعفًا الثناء عليهم
…
2-
ألا يكون مصغرًا، فلا يصح: يقف حويرسٌ زرعًا؛ أي: يقف حارس زرعًا.
3-
ألا يكون له نعت يفصل بينه وبين مفعوله؛ فلا يصح: يقبل راكب مسرعٌ سيارةً. فإن تأخر النعت عن مفعول اسم الفاعل جاز؛ يقبل راكب سيارة مسرع. ويجوز الفصل بالنعت إن كان معمول اسم الفاعل شبه جملة، لا مفعولًا به؛ نحو:"لا تستشر إلا قادرًا، ناصحا، على حل المشكلات، ولا تركن إلى صداقة ساعٍ، طامع، وراء مآربه"؛ والأصل: قادرًا على حل المشكلات، ناصحًا، ساعٍ وراء مآربه، طامع.
4-
ألا يفصل بينه وبين مفعوله فاصل أجنبي "وهو الذي ليس معمولًا لاسم الفاعل، وإنما يكون معمولًا لغيره"؛ فلا يجوز "هذا مكرِّمٌ، واجبها، مؤديةً" والأصل: هذا مكرمٌ مؤديةً واجبها؛ ففصلت كلمة: "واجب" بين اسم الفاعل ومفعوله، مع أنها ليست معمولًا لاسم الفاعل:"مكرم"؛ وهذا لا يصح.
وهناك حالة يصح فيها الفصل بالأجنبي؛ هي: أن يكون الفاصل الأجنبي شبه جملة، أو أن يكون معمول اسم الفاعل شبة جملة، لا مفعول به؛ نحو: الرحيم مساعدٌ، عن النهوض، عاجزًا. ونحو: إن هذا الشاهد ناطقٌ، نافعٌ، بالحق، والأصل: الرحيم مساعد عاجزًا عن النهوض. إن هذا الشاهد ناطق بالحق نافع1.
1 فيما سبق يقول ابن مالك في الباب الذي عنوانه: "إعمال اسم الفاعل"؛ وضمنه إعمال اسم المفعول أيضًا:
كفعله اسم فاعل في العملِ
…
إن كان عن مضيه بمعزلِ
وولي استفهامًا، أو: حرف نِدا
…
أو: نفسًا، أو: جا صفة، أو: مسندًا
يقول: اسم الفاعل في العمل -من ناحية التعدي واللزوم- كفعله، بشرط أن يكون بمعزل عن الزمن الماضي، أي: بمكان بعيد عنه. والمراد: أنه لا يكون للزمان الماضي. ويشترط أن يلي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= استفهامًا "أي: يقع بعد استفهام" أو: بعد حرف نداء، أو: بعد نفي، أو: أن يكون اسم الفاعل صفة "والمراد بها هنا: النعت، والحال". أو مسندًا. والإسناد المقصود يتحقق بكونه خبرا للمبتدأ أو الناسخ، كما يتحقق بكونه مفعولًا لناسخ من النواسخ التي تنصب مفعولين أو أكثر. "والجار والمجرور:"عن مضيه" متعلقان بكلمة: "معزل": فإن اسم المكان فيه رائحة الفعل، برغم أنه مشتق لا يعمل؛ فيجوز أن يتعلق به شبه الجملة، كما في رقم 5 من هامش ص235 وفي رقم 2 من هامش ص321، وكما سبق في ج2 ص343 م89 عند الكلام على تعلق شبه الجملة، وراجع الخضري عند كلامه على البيت السالف". هذا ما تضمنه البيتان. وفيهما قصور واضح تداركناه في الشرح.
أو يقع نعتًا في المعنى لمنعوت محذوف معروف. وهذا الذي يشير إليه ابن مالك بقوله بعد البيتين السابقين:
وقد يكون نعتُ محذوفٍ عرفْ
…
فيستحق العمل الذي وُصِفْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- يختلف الاعتماد هنا عنه في باب: المبتدأ والخبر؛ فهو هناك مقصور على النفي والاستفهام دون غيرهما -كما أشرنا1- فوجود أحدهما شرط "أغلبي" لكي يرفع الوصف فاعلًا يغني عن الخبر. وقد يمكن الاستغناء عن هذا الشرط هناك. فيرفع الوصف فاعله الذي يستغني به عن الخبر بدون اعتماد على نفي أو استفهام، كما أوضحنا الحكم وتفصيله في موضعه المناسب من باب: المبتدأ والخبر2.
ب- إذا وقع الوصف "ومنه اسم الفاعل
…
" مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه عن الخبر فإنه يحتاج إلى شروط أغلبية3 أخرى؛ أهمها: ألا يكون مُعرَّفا، ولا مثنى، ولا مجموعًا؛ لأن الوصف -فيما يقولون- بمنزلة الفعل، والفعل لا يعرف، ولا يثنى، ولا يجمع. وتفصيل هذا في مكانه من الباب المشار إليه....4.
ج- إذا رفع اسم الفاعل ضميرًا مستترًا وجب أن يكون مرجع هذا الضمير غائبا5؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب؛ ففي مثل: أنا ظانٌّ محمدًا قائمًا -يكون التقدير: أنا رجل ظان
…
فالضمير في: "ظان" تقديره: "هو"، يعود على ذلك المحذوف، ولا يصح تقديره: أنا6
…
فقد قال النحاة: إن الضمير قد يختلف مع مرجعه في مثل: "أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" كما عرفنا. لكن ما مرجعه؟
يجيبون: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره. فالضمير للغائب، تقديره؛ "هو" عائد هنا على محذوف حتمًا،
1 في رقم 2 من هامش ص247.
2 ج1 ص324 م 23.
3 أي: مراعي فيها أنها الأغلب.
4 باب: المبتدأ والخبر -ج1 م34.
5 أي: يجب أن يكون ما يعود عليه هذا الضمير غائبًا.
6 راجع الخضري ج1 باب "ظنَّ" عند بيت ابن مالك: وخص بالتعليق والإلغاء ما
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يصح عودته على الضمير: "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره:"أنا"، بدلًا من:"هو" لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغالب أيضًا.
الظاهر أن هذا الحكم ليس مقصورًا على اسم الفاعل، بل يسري على غيره من المشتقات المحتملة ضميرًا مستترًا؛ فيجب إرجاعه للغائب كذلك.
ب- وإن كان اسم الفاعل مقترنًا "بأل" الموصولة1 فإنه يعمل مطلقًا بغير تقيد بزمن معين2، ولا بشرط من الشروط السالفة التي منها: الاعتماد، وعدم التصغير
…
و
…
نحو: ما أعجب رائدنا هذا، فهو الناظم أمس قصيدة رائعة، وهو الناطق الآن الحكمة والبيان، وهو المواجه خصمه غدًا بالحجة والبرهان3
…
وكقول المتنبي:
القاتل السيف في حسم القتيل به
…
وللسيوف كما للناس آجالُ
بعض أحكام اسم الفاعل العامل:
1-
إذا كان اسم الفاعل مستوفيًا شروط إعماله لنصب المفعول به جاز نصب هذا المفعول مباشرة -بشرط أن يكون اسمًا ظاهرًا- وجاز جره باعتباره "مضافًا إليه"، واسم الفاعل هو "المضاف"؛ ففي نحو: ما أنت اليوم مصاحب الغادر -يصح نصب كلمة: "الغادر" باعتبارها مفعولًا به لاسم الفاعل، ويجوز جرها باعتبارها مضافًا إليه. فإذا جاء تابع للمفعول به المنصوب مباشرة وجب في هذا التابع النصب، مراعاة للفظ المتبوع المنصوب، ولا يصح إلا النصب. أما عند جر المتبوع بالإضافة فيجوز في تابعه الأمران، إما مراعاة الأصل السابق وهو النصب؛ لأن المضاف إليه كان مفعولًا به في أصله -وإما مراعاة الأمر الواقع الآن، وهو: الجر. ففي مثل: ما أنت مصاحب الغادر
1 لأن: "أل" الداخلة على المشتقات العاملة هي الموصولة، غالبًا، "كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص246"، وهل هي في الوقت نفسه معرفة؟ رأيان.
"راجع الكلام عليها في ج1 باب الموصول ص320 م26".
2 لأنه مع فاعله سيكون صلة لـ"لأل" الموصولة، فهو بمنزلة الفعل، والفعل يعمل ماضيًا وغير ماضٍ، وكذلك ما كان بمنزلته، وحل محله. والتعليل الصحيح هو استعمال العرب.
3 وفي المقترن بـ"أل" يقول ابن مالك:
وإن يكن صلة "أل" ففي المُضِي
…
وغيره إعماله قد ارتُضِي
يريد: أن اسم الفاعل إذا كان مبدوءًا بـ"أل" الموصولة فإنه يعمل في حالتي التعدي واللزوم عمل فعله، من غير تقيد بنوع زمن أو بغيره، فيعمل بغير شرط سواء أكان الزمن ماضيًا أم غير ماضٍ.
والمنافقَ، يتعين نصب المعطوف، وهو كلمة:"المنافق" تبعًا للمعطوف عليه المنصوب؛ وهو كلمة: "الغادر". وفي مثل: ما أنت مصاحب الغادر والمنافق؛ بجر المعطوف عليه، يجوز في المعطوف النصب، ويذكر في إعرابه: أنه منصوب؛ تبعًا لأصل المعطوف عليه، كما يجوز فيه الجر تبعا لحالة المعطوف اللفظية.
ويجوز في مفعول اسم الفاعل أن تدخل عليه لام التقوية1، فتجره، نحو: أنت متقنٌ "العملَ" أو للعمل
…
ونحو قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 2، والأصل: فعّال2 ما يريد.
فإن كان لاسم الفاعل المستوفي الشروطَ مفعولان أو ثلاثة وأضيف إلى واحد منها وجب ترك الباقي مفعولًا به منصوبًا كما كان، نحو: أنا ظانٌّ الجوَّ معتدلًا. أأنت مخبرٌ الصديقَ الزيارةَ قريبةً؟ وفعلهما "ظن" الناصب لمفعولين، و"أخبر" الناصب لثلاثة، فاسم الفاعل المستوفي لشروط نصب المفعول به مماثل لفعله في نصب المفعول به أو المفعولين أو: الثلاثة، وعند إضافته لمفعول به منها يظل الباقي على حاله منصوبا3.
وقد يضاف اسم الفاعل للخبر؛ لشبهه بالمفعول به، مثل: أنا كائن
1 سبق إيضاحها في ج2 ص348 م90 باب: حروف الجر.
"2، 2" صيغة: "فعّال" هذه إحدى صيغ المبالغة التي هي نوع من اسم الفاعل. وستأتي في ص257.
3 وإذا كان اسم الفاعل غير مستوفٍ لشروط نصب المفعول به -كأن يكون بمعنى الماضي مع خلوه من: "أل"- وكان فعله ناصبًا مفعولين أو ثلاثة وجب في هذه الحالة أن يضاف اسم الفاعل إلى ما يليه مما هو في أصله مفعول به للفعل، ويترك الباقي منصوبًا على حاله. وإن وجد فاعل ظاهر وجب تركه مرفوعًا، "ولا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله إذا بقي اسم الفاعل محتفظًا باسمه وبمعناه سواء أكان فعله لازمًا أم متعديًا؛ "كما سيجيء في الحكم الثاني بالصفحة التالية، والبيان في ص265" نحو: هذا معطي محتاجٍ أمس درهمًا. ومُعْلم حامدٍ أمس محمودًا قادمًا. والناصب لهذه المفعولات الباقية على حالها من النصب فعل محذوف إليه اسم الفاعل الحالي الذي لا يعمل. وأجاز بعض النحاة أن يكون الناصب هو اسم الفاعل المذكور؛ لأنه اكتسب بالإضافة شبهًا بالمقرون "بأل" الموصولة، والمقرون "بأل" هذه يعمل، ولو لم يستوفِ الشروط طبقًا لما تقدم؛ كما إذا كان بمعنى الماضي. وهذا رأي فيه تيسير، يحسن الاقتصار عليه؛ لبعده من التكليف. "والحكم السابق تكملة هامة في هامش ص243".
أخيك. فإن كان مفعول اسم الفاعل ضميرًا متصلًا وجب جره بالإضافة1 نحو: والدك مكرمك، ولا يجوز إعرابه مفعولًا به إلا في رأي مرجوح.
2-
عرفنا2 أنه لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه مع احتفاظه باسمه وبقائه اسم فاعل. لكن إن دل على الثبوت، وقامت قرينة تدل على هذا من غير أن تتغير صيغته وصورته اللفظية الظاهرة، صار صفة مشبهة يجري عليه كل أحكامها، ومنها: أن يكون لازمًا ينصب مفعولًا به أصيلًا، وأن تجوز إضافته إلى فاعله3، وهذا أحد الأحكام التي يختلف فيها اسم الفاعل العامل، والمصدر العامل4.
1 تطبيقًا لقاعدة وصل الضمير التي مرت تفصيلاتها في "ج1 ص181 م20". فإن كان الضمير معمولًا لوصف يعرب -غالبًا- صلة "أل"، وهذا الوصف للمثنى أو لجمع المذكر السالم وملحقاتهما؛ نحو: والداك المكرماك. أهلك المكرموك
…
و
…
فالأحسن -عند حذف نون التثنية والجمع- اعتبار الضمير "مضافًا إليه""كما سبق البيان في باب الإضافة، ص10" ونقلنا: أن بعض النحاة يجيز اعتبار الضمير مفعولًا به للوصف، "وهو هناك أم فاعل"، والنون محذوفة للتخفيف لا للإضافة. وقلنا إن الخير في الاقتصار على الإعراب الأول؛ منعًا للإلباس والغموض المنافيان للغرض الأصيل من اللغة، كما قلنا إن هذه النون قد تحذف في حالات أخرى، "عرضناها في ج1 م11 ص142، وتشمل حالة في باب "لا" النافية للجنس. ط1 م56 هامش ص629".
2 في هامش ص242. والتفصيل في "د" من ص265.
3 لهذا إيضاح وتفصيل هامَّان، سجلناهما في هامش ص242 وفي ص265.
4 قال شارح المفصل "ج1 ص62" -بتصرف- الفرق بين المصدر العامل واسم الفاعل العامل من وجوه أشهرها خمسة:
"أولها": أن "أل" في المصدر مقصورة على التعريف غالبًا، ولكنها في اسم الفاعل للتعريف، وهي اسم موصول في الوقت نفسه؛ وهذا رأي شارح المفصل ويخالفه آخرون "راجع ج1 ص251 م 26 باب الموصول".
"ثانيها": أن المصدر العامل يضاف إلى فاعله حينًا، وإلى مفعوله حينًا آخر، ولكن اسم الفاعل لا يضاف لفاعله، إلا إذا ترك اسمه، وصار نوعًا من الصفة المشبهة -كما سبق، في هامش ص342.
"ثالثها": أن المصدر يعمل في الأزمنة الثلاثة. أما اسم الفاعل فلا يعمل إلا في الحال أو في المستقبل بشروط، وقد يعمل في غيرهما، ولكن بشروط أيضًا.
- طبقًا للتفصيل الذي سبق في إعماله، ص246.
"رابعها": أن المصدر لا يتقدم عليه شيء من معمولاته
…
"إلا شبه الجملة بالإيضاح الذي =
3-
جميع ما تقدم من الأحكام، والشروط، والتفصيلات الخاصة باسم الفاعل المفرد تسري باطراد عليه إذا صار مثنى1 لمذكر أو مؤنث، أو جمعًا لمذكر أو مؤنث سالمين، أو جمع تكسير. فلا فرق بين مفرده ومثناه وجمعه في شيء مما سبق1 خاصًّا بإعماله، أو عدم إعماله، مقترنا "بأل" أو غير مقترن بها.
صيغة المبالغة: "تكوينها، والغرض منها"
4-
يجوز تحويل صيغة. "فاعل" -وهي صيغة: "اسم الفاعل" الأصلي من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف- إلى صيغة أخرى تفيد من الكثرة والمبالغة الصريحة في معنى فعلها الثلاثي الأصلي ما لا تفيده إفادة صريحة صيغة: "فاعل"2 السالفة، مثال هذا أن نتحدث عن شخص يزرع الفاكهة، فنقول: فلان زارعٌ فاكهة. فإذا أردنا أن نبين في صراحة لاحتمال معها، كثرة زراعته الفاكهة، ونبالغ في وصفه بهذا المعنى -نقول: فلان زرَّاعٌ فاكهة مثلًا. فكلمة: "زرَّاع" تفيد من كثرة زراعته، ومن المبالغة في مزاولة الزراعة ما تفيده كلمة:"زارع" مع أن الكلمتين من فعل ثلاثي واحد؛ هو: "زرع"، وكلتاهما تدل على أمرين؛ معنى مجرد؛ هو:"الزرع" وذاتٌ فعلته. ولكنهما تختلفان بعد ذلك في درجة الدلالة على المعنى المجرد، "أي: في
= تقدم في رقم 4 من ص215" أما اسم الفاعل المقرون بـ"أل" فلا يتقدم عليه إلا شبه الجملة، وأما غير المقرون بها فيجوز أن يتقدم عليه الجملة وغيره. "إلا في بعض حالات تجيء في ص263 أ".
"خامسها": أن اسم الفاعل يتحمل الضمير؛ لأنه جارٍ على فعله، والفعل يتحمل الضمير، أما المصدر الذي لا ينوب عن فعله فلا يتحمل الضمير، والفاعل معه يكون ملاحظًا في النية، مقدرًا غير مستتر فيه
…
"ويرى بعض النحاة أنه مستتر فيه".
هذا ملخص ما جاء في المرجع السالف بتصرف قليل يقتضيه التحقيق.
"1، 1" وهذا إذا صح تثنيته وجمعه؛ فهناك حالات يغلب عليه فيها أن يلتزم الإفراد والتنكير وقد أشرنا إلى بعضها في: "ب" من ص252. "ومنها: أن يكون مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه عن الخبر، على الوجه المشروح في ج1 ص324 م23".
2 لأن صيغة اسم الفاعل الأساسية مطلقة. "أي: لا تدل بذاتها على قلة أو كثرة" فهي صالحة للأمرين، ما لم تقم قرينة تعين أحدهما دون الآخر وقد سبق البيان الكامل في ص239 وفي هامشها رقم 4.
مقدار قلته، وكثرته، وضعفه، وقوته"؛ فصيغة:"فاعل" التي هي وزن "اسم الفاعل" من الثلاثي لا تدل وحدها على شيء من ذلك إلا من طريق الاحتمال، ولا تدل دلالة صريحة خالية من هذا الاحتمال، على قوة، ولا ضعف، ولا كثرة، ولا قلة في المعنى المجرد؛ فكلمة "زراع" لا تدل بلفظها -بغير قرينة أخرى- على أكثر من ذات متصفة بأنها تفعل الزراعة. وليس في صيغة الكلمة دليل صريح على أن تلك الذات تفعل الزراعة قليلًا أو كثيرًا
…
بخلاف صيغة "فعّال" مثلًا؛ فإنها تدل بنصها وصيغتها الصريحة على الكثرة والمبالغة في ذلك الفعل، أي: في المعنى المجرد. ولهذا تسمى: "صيغة مبالغة"، ومن ثَمَّ كان الذي يستخدم صيغة "فاعل" يرمي إلى بيان أمرين:"المعنى المجرد مطلقا، وصاحبه"، دون اهتمام ببيان درجة المعنى؛ قوة وضعفًا، وكثرة وقلة. بخلاف الذي يستخدم "صيغة المبالغة"؛ فإنه يقصد إلى الأمرين مزيدًا عليهما بيان الدرجة1، كثرةً وقوةً.
وما قيل في: "زارعٌ فاكهة وزرّاعٌ فاكهة" يقال في: ناظمٌ شعرًا، ونظّامٌ شِعرًا. صانعٌ خبزًا، وصنّاع خيرًا. قائلٌ الصدق، وقوّالٌ الصدق
…
وهكذا يمكن تحويل صيغة "فاعل" الدالة على اسم الفاعل من الثلاثي المتصرف إلى صيغة: "فعّال" أو غيرها من الصيغ المعروفة باسم: "صيغ المبالغة".
وأشهر أوزانها خمسة قياسية؛ هي:
"فعّال"2؛ نحو: ما أعظم الصديق إذا كان غير قوّال سوءًا. ولا فعّال إساءة، وقول الشاعر:
وإني لقوّال لِذِي البثِّ3 مرحبا
…
وأهلا إذا ما جاء من غير مَرْصَد4
و"مِفعال"5، نحو: الطائر مِحذار صائده، مِخواف أعداءه.
1 ولهذا لا تصاغ من مصدر فعل لا يقبل الزيادة والتفاوت؛ طبقًا للبيان الذي في: "هـ من ص269، وانظر الملاحظة الآتية في ص262.
2 قد تكون صيغة: "فعّال" للنسب أحيانًا، طبقًا للبيان الآتي في "و" من ص269.
3 الحزن.
4 ميعاد.
5 هذه الصيغة مشتركة بين صيغ المبالغة واسم الآلة الذي سيجيء الكلام عليه في باب خاص ص333 م107 فهي صيغة مشتركة في البابين. والتفريق بينهما يكون خاضعًا للقرائن.
و"فعول"؛ نحو: البارُّ وَصُول أهله. وقول الشاعر يخاطب سيدًا كريمًا:
ضَرُوب بنصل السيف سُوق سِمَانها1
…
إذا عدموا زادًا فإنك عاقر
وقول الآخر يفتخر:
إذا مات منا سيد قام سيد
…
قَُئول2 بما قال الكرام فَعُولُ3
ومثل:
ذريني؛ فإن البخل يا أم مالك
…
لصالح أخلاق الرجال سَرُوقُ
و"فَعِيل"؛ نحو: أقدُرُ4 من يكون سَمِيعًا خَيْرًا، نَصِيرًا عدلًا5.
وقول الشاعر:
فتاتان: أما منهما فشَبِيهة
…
هلالًا، وأخرى منهما تشبه البدرا
و"فَعِل"؛ نحو: يسوءنا أن نرى جاهلًا مَزِقًا أوراقه، راميًا بها في الطريق. وقول الشاعر:
حَذِرٌ أمورًا لا تضير، وآمن
…
ما ليس ينجيه من الأقدار
هذه هي الصيغ الخمس القياسية. وهناك بعض صيغ قليلة مقصورة على السماع عند أكثر القدماء؛ أشهرها من الفعل الماضي الثلاثي: "فِعِّيل"6.
1 الضمير عائد على الإبل ونحوها مما يُعقَر؛ ليُشوَى، أو يُطبَخ فيؤكل.
2 كثير القول.
3 كثير الفعل.
4 أعظِّم.
5 متى تزاد تاء التأنيث على صيغة "فعيل" ومتى لا تزاد؟ لهذا بيان مفيد يجيء في ج4 باب "التأنيث" م169.
6 يخالف هذه الأكثرية في رأيها فريق آخر، منهم:"ابن قتيبة" في كتابه: "أدب الكاتب، باب: اختلاف الأبنية في الحرف الواحد؛ لاختلاف المعاني" حيث يقول ما نصه: "ما كان على "فِعِّيل" فهو مكسور الأول، لا يفتح منه شيء، وهو لمن دام منه الفعل؛ نحو: رجل سِكِّير، كثير السكر، وخِمِّير، كثير الشرب الخمر، وفِخِّير كثير الفخر. وعِشِّيق كثير العشق. وسِكِّيت دائم السكوت. وضِلِّيل، وصِرِّيع، وظِلِّيم، ومثل ذلك كثير. ولا يقال ذلك لمن فعل الشيء مرة أو مرتين حتى يكثر منه، ويكون له عادة" ا. هـ. فهو يقرر أن صيغة: "فِعِّيل" كثيرة في المبالغة، وإذا ثبتت كثرتها كان القياس عليها جائزًا. وقد جعل المجمع القاهري هذه
الصيغة قياسية، وليست مقصورة على السماع، كما يرى النحاة الأقدمون. ونص قراره "كما جاء في الصفحة التاسعة، من تقرير لجنة الأصول المرفوع إلى المؤتمر اللغوي الذي انعقد في آخر يناير سنة 1967 فوافق عليه" هو: "في اللغة ألفاظ على صيغة "فِعِّيل" من مصدر الفعل الثلاثي اللازم والمتعدي للدلالة على المبالغة. وكثرتها تسمح بالقول بقياسيتها، ومن ثم يجوز أن يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي -لازمًا أو متعديًا- لفظ على صيغة "فِعِّيل" -بكسر الفاء وتشديد العين- لإفادة المبالغة" ا. هـ. وقد ذكر هذا القرار مرة أخرى ومعه بعض البحوث والمذكرات العلمية التي اعتمد عليها المجمع ومؤتمره في ص34 من الكتاب الذي أصدره المجمع سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة" مشتملًا على القرارات من دورة 29 إلى 34.
و"مِفْعَل"؛ نحو: إنه شِرِّيب أهوال، ومِسْعَر1 حروب. وفعلهما الثلاثي؛ شرب، وسعر. ومن غير الثلاثي: دَرَّاك، سَآَّر، معوان2، مهوان، نذير، سميع، زهوق، وأفعالها الشائعة: أدرك. أسأر "بمعنى: ترك في الكأس بقية" أعان، أهان، أنذر، أسمع، أزهق.
أحكامها: لصيغ المبالغة القياسية أحكام؛ أهمها:
أ- أنها لا تصاغ إلا من مصدر فعل ثلاثي، متصرف، متعدٍّ، ما عدا صيغة:"فعَّال" فإنها تصاغ من مصدر الفعل الثلاثي اللازم3 والمتعدي؛ كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَاّفٍ 4 مَهِينٍ 5، هَمَّازٍ 6 مَشَّاءٍ 7 بِنَمِيمٍ 8، مَنَّاعٍ 9 لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ، وقولهم: فلان بسَّام الثغر، ضحَّاك السن، وقول الشاعر:
1 مسعر حرب: من يكثر إشعالها، وإيقاد نيرانها.
2 ومنه قول شاعرهم:
وكن على الخير معوانًا لذي أمل
…
يرجو نداك؛ فإن الحر معوان
ومثله "متلاف""من أتلف" في قول أبي فراس الحمداني:
3 يرى بعض اللغويين أن المسموع كثير من صيغة "فعال" المشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم للدلالة على المبالغة؛ ولذا يجيز -لشدة الحاجة إليها- اشتقاقها من مصدر الثلاثي اللازم أيضًا، ومنه الآية التالية. وهو رأي حسن ارتضاه المجمع اللغوي، وسجله في مجلته ج3 ص14، 15.
وفي المراجع اللغوية صيغ متنوعة مسموعة -غير صيغة "فعال"- لم تستوفِ شروط الصياغة، فيجب الوقوف عليها فيما عند حد السماع. ومن أمثلتها "ضحوك وعبوس" في قول شاعرهم:
ضحوك السن إن نطقوا بخير
…
وعند الشر مطراق عبوس
فقد صاغ من الثلاثي اللازم كلمتي: "ضحوك وعبوس" مع أن فعلهما لازم، كما صاغ كلمة "مطراق" مع أن فعلها الشائع رباعي؛ هو: أطرق، بمعنى: سكت، ونظر إلى الأرض. وسيعاد البيت في ص266 لمناسبة هناك. ومثل:"بشوش" في قول عنترة:
ألقى صدور الخيل وهي عوابس
…
وأنا ضحوك نحوها وبشوش
4 كثير الحلف.
5 حقير دنيء.
6 كثير الهمز "أي: كثير الطعن والضرب، والإيذاء".
"7، 8" كثير المشي بالنميمة "وهي: السعي بين الناس بالإفساد".
7 كثير المنع
…
وإني لصبَّار على ما ينوبني
…
وحسبك أن الله أثنى على الصبرِ
ولست بنظَّار إلى جانب الغنى
…
إذا كانت العلياء في جانب الفقرِ
ب- وأنها لا تجري على حركات مضارعها وسكناته، بالرغم من اشتمالها على حروفه الأصلية، ولهذا كانت محمولة في عملها على اسم الفاعل لا على فعله.
ج- وأنها -في غير الأمرين السالفين- خاضعة لجميع الأحكام التي يخضع لها اسم الفاعل بنوعيه المجرد من: "أل" والمقرون بها، فلا اختلاف بينهما إلا في الأمرين المتقدمين، وكذلك في شكل الصيغة، وفي أن صيغة المبالغة بنصها الصريح أكثر مبالغة، وأقوى دلالة في معنى الفعل1 من صيغة اسم الفاعل المطلقة، وما عدا هذا فلا اختلاف بينهما في سريان الأحكام والشروط وسائر التفصيلات التي سبق الكلام عليها في اسم الفاعل2.
1 وهو المعنى المجرد.
2 في الأحكام المتعددة السالفة يقول ابن مالك أبياتًا نذكرها بترتيبها في "ألفيته"، وإن لم نلتزم ترتيبه في عرض مسائلها، وشرحها؛ إذ اخترنا ترتيبًا آخر يصل المسائل المرتبطة بعضها ببعض. قال في صيغ لمبالغة:
فعالٌ، أو مِفعالٌ، أو فعولُ
…
في كثرة عن "فاعل" بديلُ
فيستحق ما لَه من عملِ
…
وفي "فعيل" قلَّ "ذا" و"فَعِلِ"
يريد: أن. صيغة فعال، ومفعال، وفعول، تغني -عند إرادة الكثرة- عن صيغة "فاعل" وأنها تذكر من أجل ذلك بدلًا من صيغة فاعل، وكل واحد من هذه الألفاظ يستحق ما يستحقه "فاعل" من العمل عند استيفاء الشروط. ثم بين أن استعمال صيغتي:"فعيل" و"فعل" قليل في المبالغة.
ثم انتقل إلى تسجيل قاعدة أخرى؛ هي: أن اسم الفاعل -ومثله صيغ المبالغة- لا تتغير أحكامه إن كان غير مفرد؛ فالأحكام السابقة كلها مطردة في المفرد وغير المفرد، إلا بعض حالات وكلاهما سواء في الخضوع لتلك الأحكام والتفصيلات التي سبق بيانها عند الكلام على اسم الفاعل المفد، وشروط إعماله مقترنًا وغير مقترن
…
إلى غير ذلك من سائر القواعد التي سلفت. قال في هذا:
وما سوى المفرد مثله جعلْ
…
في الحكم والشروط حيثما عملْ
ثم تعرض لاسم الفاعل العامل الناصب مصرحًا بجواز نصب مفعوله، أو جره مضافًا إليه فإن =
ملاحظة: ورد في المسموع الذي لا يقاس عليه بعض صيغ المبالغة خاليًا من معنى: "المبالغة"، مقتصرًا في دلالته المعنوية على المعنى المجرد الذي لا مبالغة فيه؛ فهو يدل على ما يدل عليه اسم فاعله الخالي من تلك المبالغة المعنوية: مثل كلمة: "ظلوم" في قول الشاعر:
وكل جمال للزوال مآله
…
وكل ظَلُوم سوف يلبى بظالمِ
فإنها ليست للمبالغة؛ إذ المقام هنا يقتضي أن يكون المراد من لفظ: "ظلوم" هو: "ظالم" وليس كثير الظلم؛ لأن كلا من الاثنين سيلقى ظالمًا. من غير أن يتوقف هذا اللقاء إلا على مجرد وقوع الظلم من أحدهما، دون نظر لقلة الظلم أو كثرته1.
= نصب أكثر من مفعول جاز جر واحد ووجب نصب الباقي، قال:
وانصب بذي الإعمال تلوًا، واخفضٍ
…
وهو لنصب ما سواه مقتضي
"ذي الإعمال": صاحب الإعمال، أي: المستوفي شروط العمل، وهو اسم الفاعل. "تلوًا": تاليًا -أي: المفعول به الذي يتلوه".
وبيَّن بعد ذلك أن الاسم المجرور على الوجه السالف يجوز فيه الجر، ويجوز فيه النصب:
واجررْ أوانصب تابع الذي انخفضْ
…
كمبتغي جاهٍ ومالًا من نهضْ
والأصل: من نهض مبتغي جاهٍ ومالًا. فعطف كلمة: "مالا" على كلمة: "جاه" المجرورة بالإضافة، ولكنها منصوبة باعتبارها مفعولًا به لاسم الفاعل في الأصل قبل الإضافة.
1 ينطبق هذا على كلمة: "فخور" في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} فليس المراد هنا كثرة الفخر؛ لأن الله يكره صاحب الفخر مطلقًا؛ بغير نظر إلى كثرة فخره أو قلته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- إذا كان اسم الفاعل -ومثله صيغ المبالغة- مقرونًا بـ"أل" لم يجز تقديم شيء من معمولاته عليه إلا شبه الجملة. لأن "أل" الداخلة عليه موصولة، واسم الفاعل مع فاعله بمنزلة الصلة لها؛ والصلة لا تتقدم هي ولا شيء منها ولا من معمولاتها على الموصول؛ إلا شبه الجملة1؛ لأنه محل التساهل؛ فيصح أن يقال: أنا لك المرافق، ومعك الدائب، أي: أنا المرافق لك، الدائب معك.
أما إن كان مجردًا منها فيجوز تقديم المعمول: مفعولًا كان أو غير مفعول2 إلا في بعض حالات، فمثال التقديم الجائز: الحديقة، عطرًا، فواحة، والأصل: الحديقة فواحة عطرًا.
ومن الحالات التي لا يجوز فيها التقديم أن يكون اسم الفاعل مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر أصلي، نحو: يروقني رسم مصور طيورًا، ألا تغضب من معذب الحيوان؟ فلا يجوز: يروقني -طيورًا- رسم مصور. ألا تغضب، الحيوان، من معذب، بخلاف المجرور بحرف جر زائد؛ فيجوز أن يتقدم عليه معموله؛ نحو: ما العزيز، الهوان يقابل، والأصل: ما العزيز يقابل الهوان.
وأجاز قوم تقديم المعمول إن كان اسم الفاعل: "مضافًا إليه"، و"المضاف" كلمة:"غير" أو: "حق"، أو:"جد" أو: مثل، أو: أول، نحو:"المنافق، الوعد، غير منجز". "هذا، الأعداء، حق قاهر، أو: جد قاهر"، والأصل: المنافق غير منجز الوعد. هذا حق قاهر الأعداء، أو: جد قاهر الأعداء. "شاعرنا، درًا، مثل ناظم"، "العرب، ضيفًا، أول ناصر". وهذا الرأي حسن؛ لما فيه من تيسير، وأحسن منه براعة استخدامه في أنسب الأساليب له، وأليق المواقف.
1 راجع ج1 ص276 م27 وسبقت الإشارة للسبب في رقم 1 من هامش 216.
2 راجع هامش ص256 الوجه الرابع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يجوز أيضًا تقديم معموله على مبتدأ يكون اسم الفاعل خبرًا له، نحو: الضيوف أنت مصافح. والأصل: أنت مصافح الضيوف.
ب- يجوز إعمال اسم الفاعل -أحيانا- وهو محذوف؛ مثل: أعليًّا أنت مساعده؟ فقد اشتغل اسم الفاعل المذكور بضمير الاسم السابق، واستغنى بنصبه عن نصب الاسم السابق، فلم يبق إلا أن يكون الناصب للاسم السابق عاملًا آخر، محذوفًا، يفسره المذكور على الوجه المعروف في باب:"الاشتغال"1 والتقدير: أمساعد عليًّا أنت مساعده؟ ومثله أيضًا: أعليًّا أنت مساعد أخاه، والتقدير: أمساعد عليًّا أنت مساعد أخاه. ومثله في كل ما سبق صيغ المبالغة.
ج- عرفنا أن اسم الفاعل يدل -غالبًا- هو وصيغ المبالغة، على الحدوث وعدم الدوام، وعرفنا طريقة صوغه.
لكن قد يراد منه النص على الثبوت والدوام مع قيام قرينة تدل على هذا، فيصير صفة مشبهة2. ويسمى باسمها -بالرغم من بقائه على صورته الأصلية3؛ ويجري عليه أحكام الصفة المشبهة؛ فيجوز في السببي4 بعده إن كان معرفة:
1 في هذا المثال -وأشباهه- نجد الاسم السابق منصوبًا مع أن الضمير الراجع إليه مجرور. لكنه مجرور في حكم المنصوب؛ لأن كلمة: "مساعد" في حكم الفعل، وتنوينها ملحوظ وإن لم يكن ملفوظًا؛ فالضمير هنا كالضمير في مثل: أعليا مررت به؛ مجرور وهو في الحكم منصوب. كما سبق في باب الاشتغال ج1 "راجع شرح المفصل ج6 ص69".
2 سيجيء في 281 م104 باب خاص بها يتضمن تعريفها، وتفصيل أحكامها، والتغيير في دلالة اسم الفاعل والصفة المشبهة.
3 كما سبق في ص243، 256، ويجيء في ص292.
4 لا بد لكل اسم مشتق عامل من صاحب يقوم به معنى المشتق، مثل: محمد عالم. علي محسن. الجو معتدل؛ فالكلمات: محمد، علي، الجو: هي الصاحب الأصيل الذي قام به معنى المشتق قيامًا مباشرًا متصلًا بذاته، وقد يقوم المعنى بشيء آخر يتصل بالصاحب الأصيل بنوع اتصال، ويرتبط به من بعض النواحي؛ كأن نقول: محمد عالم أبوه، علي محسن أخوه، الجو معتدل حرارته، فالأب والأخ والحرارة
…
و
…
ليست الصاحب الأصيل للوصف المشتق؛ وإما ترتبط معه برابط يجمع بينهما؛ كالأبوة، والأخوة، والتبعية في أمر ما. هذا الرابط يسمى:"السببي" ولا بد فيه من ضمير يعود على الأصل. وقد تقوم "أل" خلفًا عن الضمير في مذهب الكوفيين -كما سيجيء في ص268 وفي رقم 4 من هامش ص277 وفي رقم 3 من هامش ص310- وقد اشترطوا وجوب السببية في مرفوع اسم الفاعل إذا جرى اسم الفاعل على موصوف؛ نحو: الرجل صادق أبوه، -كما سيجيء في هامش ص310-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرفع والنصب والجر، نحو: هذا عابد طائع، مرتفع الجبهة، طاهر القلب، ناصعٌ صفحة؛ فيجوز في السببي هنا؛ "وهو: الجبهة، القلب، صفحة" الرفع على أنه فاعل للصفة المشبهة. والجر على اعتباره مضافًا إليه، والنصب على أنه شبيه بالمفعول به وليس مفعولا به1.
فإن كان السببي نكرة -جاز نصبه على أنه تمييز، أو على أنه شبيه بالمفعول به. ومقتضى ما سبق أن السببي المعرفة والنكرة يجوز فيه دائمًا الرفع على الفاعلية، والجر على الإضافة2؛ كما يجوز فيه النصب أيضًا؛ ولكن المنصوب في حالة التعريف يعرب شبيهًا بالمفعول به، وفي حالة التنكير يعرب شبيهًا بالمفعول به، أو: تمييزًا.
د- لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه "سواء أكان فعله ثلاثيًا أم غير ثلاثي، لازمًا أم متعديًا" إلا إذا أريد منه الثبوت والدوام، وقامت القرينة على هذا؛ فيصبر صفة مشبهة، تجري عليه كل أحكامها، ومنها: أن يحكم عليه باللزوم فلا ينصب المفعول به الأصيل ولو كان فعله متعديًا، وهذا على حسب البيان المشروح فيما سبق3 وفيما يلي:
1 لأن "الصفة المشبهة" الأصيلة -كما سبق البيان في ص242- كفعلها لا تنصب المفعول به؛ لأنها تصاغ من مصدر فعل ثلاثي لازم، فلما كان السببي بعدها منصوبًا ولا يصلح لإدخاله تحت نوع آخر من المنصوبات -أعربوه "شبيهًا بالمفعول به" إن كان معرفة، ولم يعربوه مفعولا به؛ لأن المفعول به لا بد أن يقع عليه أثر فعل الفاعل، وهذا لا يقع عليه أثر الصفة المشبهة؛ وهي بمنزلة الفعل في هذه الحالة، ومن ثم لم يحملوه في التسمية على المفعول به الذي ينصبه اسم الفاعل مع أن الصفة المشبهة إنما سميت باسمها؛ لشبهها اسم الفاعل في كثير من الأمور، "وسيجيء بيان وافٍ عن هذا كله في بابها". أما إن كان نكرة فيجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به، أو على التمييز.
2 بشرط خلوِّ المضاف مما يعارض الإضافة؛ كالتنوين..؟
3 في هامش ص242.
...............................................................................................................................
اسم الفاعل المضاف لفاعله بقصد النص على الثبوت والدوام بقرينة، فيترك الحدوث، وينتقل إلى معنى الصفة المشبهة- ثلاثة أنواع "وكذا صيغة المبالغة، وهذه لا تصاغ إلا من الثلاثي":
أولها: نوع مأخوذ من الفعل اللازم -الثلاثي وغير الثلاثي- مثل: عالٍ وشامخ
…
في نحو: هذا عالي القامة، شامخ الأنف "وفعلهما: علا، شمخ". ومثل "تائب" في قول الشاعر:
تباركت؛ إني من عذابك خائفٌ
…
وإني إليكم تائب النفس باخعُ1
"والفعل: تاب"، وقول الآخر يمدح:
ضحوك السن إن نطقوا بخير
…
وعند الشر مطراق عبوس2
ولا يكاد يوجد خلاف في جواز انتقال هذا النوع من حالة الحدوث إلى معنى الصفة المشبهة.
ثانيها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعول به واحد. والراجح في هذا النوع جواز انتقاله إلى معنى الصفة المشبهة، بشرط أن يكون اللبس مأمونًا؛ "وهو: التباس الإضافة للفاعل بالإضافة للمفعول به". فإذا لم يؤمَن اللبس لم تجز الإضافة؛ كقولهم: فلان راحم الأبناء، نافع الأعوان، يريدون: أن أبناءه راحمون وأعوانه نافعون. فإذا كان المقامُ مقامَ مدح الأبناء والأعوان جاز؛ لدلالة المقام على أن الإضافة للفاعل؛ كصدورها ممن يرد على قول القائل: "ليس أبناء فلان بمفطورين على الرحمة، ولا أعوانه بمطبوعين على النفع"، أو من يرد على قول القائل: "أبناء فلان قساة، وأعوانه ضارون، بسجيتهم
…
" ففي هذا المثال وأشباهه مما يحذف فيه المفعول به ويؤمن فيه اللبس لقرينة لفظية، أو: معنوية، يجوز في السببي -ككلمة: "الأبناء" وكلمة: "الأعوان"- إما الرفع؛ على أنه فاعل للصفة المشبهة "وهي: راحم. نافع"، وإما النصب
1 قاتل لها حزنًا.
2 والفعل: "أطرق. عبس"، وقد سبق هذا البيت في رقم 3 من هامش ص260 لمناسبة أخرى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على أنه شبيه بالمفعول به، ولا يصلح تمييزًا إن كان معرفة، كما في المثال. وإما الجر، على أنه مضاف إليه. وهذه الأوجه الإعرابية الثلاثة هي التي تجري على معمول الصفة المشبهة الأصيلة1، كالتي في مثل:"فلان جميل الوجه، حسن الهيئة، حلو الحديث" ومن أمثلة هذا النوع:
ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما
…
ولا الكريم بمناع وإن حرما
وفي هذا النوع من الإضافة إلى المرفوع يكثر حذف المفعول به، الذي كان معمولًا لاسم الفاعل قبل إضافته لفاعله، وقبل أن يصير بهذه الإضافة صفة مشبهة. ويصح ذكر هذا المفعول به في الرأي الراجح -مع إعرابه "شبيهًا بالمفعول به"، لا مفعول به أصيلًا، مثل:"فلان راحم الأبناء الناس، ونافع الأعوان أفرادًا كثيرة". فكلمتا: "الناس" و"أفرادًا" شبيهتان بالمفعول به. ولا داعي لمنع هذا الشبيه المنصوب من ذكره وظهوره في الجملة، بزعم أن منصوب الصفة المشبهة -إذا كان شبيهًا بالمفعول به- لا يزيد على واحد كما قرره النحاة. وقرارهم حق؛ فمنصوبها الشبيه بالمفعول به لا يزيد على واحد. والذي في المثال السابق -ونظائره- لم يزد على واحد. ولكن المانعين يتوهمون أن الواحد يشمل "المضاف إليه" بعد الصفة المشبهة؛ لأن هذا "المضاف إليه" يجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به قبل إضافته2؛ فاعتبروه بمنزلة "الشبيه بالمفعول به". برغم أنه:"مضاف إليه" مجرور، وبنوا على هذا عدم صحة المنصوب
1 لا يقال في هذا النوع: إن فعله متعدٍّ في أصله؛ فكيف يصح تحويله إلى صفة مشبهة، لا تصاغ إلا من الثلاثي اللازم كما سبق؟
فقد أجابوا أن المراد باللزوم إما اللزوم "الأصلي""بأن يكون الفعل موضوعًا في أصله لازمًا" وإما اللزوم: "التنزيلي، أو: الحكمي""بأن يحذف مفعول الفعل المتعدي حذفا غالبًا في بعض حالاته كالتي هنا"، وإما اللزوم:"التحويلي""بأن يكون الفعل متعديًا ولكنه يحول إلى صيغة "فَعُل" بضم العين، وهي صيغة لازمة؛ لغرض عين، كالمدح، أو الذم" ونتيجة الثلاثة واحدة؛ هي أن التعدي غير معتبر هنا. فلا تنصب الصفة المشبهة المفعول به الأصيل كما ينصبه فعلها حين تكون منقولة عن اسم الفاعل، ولكنها قد تنصبه على "أنه شبيه بالمفعول به"، وليس مفعولًا به "كما سبق الإيضاح في هامش ص242، وستجيء إشارة هنا، وفي رقم 4 من هامش ص306".
2 انظر رقم 3، 4 من ص314.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الآخر معه؛ لئلا يزيد منصوب الصفة المشبهة على واحد إذا كان شبيهًا بالمفعول به.
قال "الصبان" في هذا الموضع1: لا داعي للأخذ بالوهم السابق، ولا بما يترتب عليه، فالصحيح عنده في هذه الصورة وأشباهها جواز الإضافة إلى المرفوع مع ذكر المنصوب الواحد بعده، والذي يعرب "شبيهًا بالمفعول به".
وفي رأيه تيسير، واستبعاد لشرط أن يكون الفعل محذوف المفعول به، كما اشترطه بعضهم.
ثالثها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعولين، أو ثلاثة: نحو: "أنا ظانٌّ رفيقًا قادمًا، ومخبر الأصدقاء السرور شاملًا بقدومه". ولا يكاد يوجد كبير خلاف في منع انتقال هذا النوع إلى معنى الصفة المشبهة من طريق إضافته لفاعله؛ لأن الوصف ينصب مفعولين أو أكثر كفعله، ومنصوب الصفة المشبهة لا يزيد على واحد على الوجه الذي أوضحناه في النوع السالف.
هذا، ولأكثر النحاة فلسفة خيالية فيما تقدم؛ فهم يقولون2: إن إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه تتم على الصور السابقة في ثلاث مراحل مرتبة3:
أولها: تحويل الإسناد عن المرفوع إلى ضمير الموصوف.
وثانيها: نصب المرفوع بعد ذلك على التشبيه بالمفعول به.
وثالثها: جره على الإضافة.
ففي مثل: الطبيب رائف القلب، يكون الأصل: الطبيب رائف قلبه؛ -برفع كلمة: قلب"- ثم يتحول الإسناد عن المرفوع السببي، وينتقل إلى الضمير المضاف إليه؛ وهو: "الهاء" ويستتر هذا الضمير في الوصف: "رائف"، ويعوض منه "أن" في رأي الكوفيين4؛ وينصب المرفوع الذي تحول عنه الإسناد؛ لأنه صار بعد تحويل الإسناد عنه أشبه بالفضلة؛
1 آخر باب: إعمال اسم الفاعل.
2 كما سيجيء في "ب" ص315 في الصفة المشبهة.
3 والضمير في هذه المراحل قد يشابه الصورة الآتية في ص310، وقد يمتنع بعض هذه المراحل؛ طبقًا لما سيجيء في ص305.
4 كما سلف في رقم 4 من هامش ص264، وكما يجيء في رقم 4 من هامش ص277.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بسبب استغناء الوصف عنه بضمير الموصوف؛ فينصب مثلها، ويصير:"الطبيب رائف القلب". ثم يجر بالإضافة؛ فرارًا من القبح البادي في إجراء الوصف اللازم أو ما يشبهه مجرى المتعدى. "والمراد بما يشبهه1: الوصف المتعدي لمفعول واحد، ومفعوله محذوف". فيصير: "الطبيب رائف القلب".
ويقولون في تعليل هذه المراحل الثلاث2 المتخيلة: إنه لا يصح إضافة الوصف لمرفوعه مباشرة؛ لأنه عينه في المعنى؛ فلزم إضافة الشيء إلى نفسه3، ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه، فلم يبقَ طريق إلى إضافته لمرفوعه إلا ذلك الطريق الذي وضحنا مراحله. ويستدلون على الإضافة بكثير من الأمثلة المأثورة تؤيد4 رأيهم.
وكل هذا كلام افتراضي؛ لا تعرفه طوائف العرب؛ أصحاب اللغة، ومرجعها الأول الصحيح. فإغفاله خير. ولن يترتب عليه ضرر.
هـ- لا تجيء "صيغ المبالغة" إلا من مصدر فعل قابل للزيادة، فلا يقال: موات ولا قتال، في شخص مات أو قتل؛ إذ لا تفاوت في الموت والقتل.
و سيجيء1 أنه كثر في الأساليب الفصيحة المسموعة استعمال صيغة: "فعال" للدلالة على "النسب" -بدلًا من يائه- وكثر هذا الحرف؛ فقالوا: حداد لمن حرفته "الحدادة"، ونجار لمن حرفته "النجارة"
…
وكذا: لبَّان، وبقَّال، وعطَّار. ونحوها من كل منسوب إلى صناعة. والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياس هذا في النسب إلى الحرف؛ لأن الكثرة الواردة منه تكفي للقياس عليه.
1 انظر هامش ص267.
2 أشرنا في آخر الهامش السالف إلى أن بعض هذه المراحل قد يمتنع؛ طبقًا لما سيجيء في ص305.
3 وهذه حجة ضعيفة بعد ما تقدم في ص40 وما بعدها من جواز هذه الإضافة.
4 سنعرض بعضها في ص285 ونزيد الأمر وضوحًا عند الكلام عليه في الصفة المشبهة ص294.
في ج4 باب: "النسب" م179 "ج" من ص684.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجعلوا من استعمالها في النسب قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ} أي: بمنسوب إلى الظلم، وحجتهم أن صيغة "فعال" هنا لو كانت للمبالغة وليست للنسب لكان النفي منصبًّا على المبالغة وحدها؛ فيكون المعنى: وما ربك بكثير الظلم؛ فالمنفي هو الكثرة وحدها دون الظلم الذي ليس كثيرًا. وهذا معنى فاسد؛ لأن الله لا يظلم مطلقًا، لا كثيرًا ولا قليلًا.