المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسالة 120: صور من الحذف في أسلوب العطف: حذف بعض حروف العطف - النحو الوافي - جـ ٣

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسالة 120: صور من الحذف في أسلوب العطف: حذف بعض حروف العطف

‌المسالة 120:

صور من الحذف في أسلوب العطف:

حذف بعض حروف العطف مع معطوفها:

من حروف العطف ثلاثة يختص كل منها بجواز حذفه مع معطوفه بشرط أمن اللبس –كما سبق عند الكلام عليها1- وهذه الثلاثة هي: الواو، والفاء، وأم المتصلة. فمثال حذف الواو مع معطوفها لدليل: أنقذت الغريق ولم يكن بين الموت إلا لحظات. أي: لم يكن بين الموت وبينه....

وقول الشاعر:

إني مقسم ما ملكت؛ فجاعل

قسما لآخرة، ودنيا تنفع.......

يريد: وقسم دنيا، أي: وقسما لدنيا

ومثل قول الآخر:

فما كان بين الخير لو جاء سالما

أبو حجر2 إلا ليال قلائل

أي: بين الخير وبيني. ومما يصلح لهذا أيضا قول بعض العرب: "راكب الناقة طليحان3"، والتقدير: راكب الناقة والناقة طليحان.

ومثال حذف الفاء مع معطوفها لدليل قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ 4 أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ 5 مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} ، الأصل: فضرب فانبجست6. وقوله تعالى:

1 ص557 و574 و586 مع ملاحظة أن المحذوف قد يترك معمولا مذكورا في الكلام أحيانا "كبعض الأمثلة التي في ص563 "أ" و576 وغيرهما من الأمثلة المعروضة عند الكلام على أحكام تلك الأحرف" أو لا يترك معمولا له؛ كالأمثلة المعروفة هنا.

2 كنية رجل اسمه: النعمان بن الحارث.

3 أصابهما التعب والإعياء. "وقد سبقت الإشارة هذا في ص562".

4 طلبوا منه الماء للسقي.

5 تفجرت.

6 هذه الجملة الفعلية المكونة من الفعل: "انبجس" وفاعله، معطوفة على الجملة الفعلية المكونة من الفعل: ضرب المحذوف. وإنما لم يكن العطف على الأول "أوحينا" لما سبق تقريره رقم 2 من هامش ص555 =، وفي رقم 3 من هامش ص649" من أن المعطوفات المتعددة يكون معطوفها واحدا هو الأول. إلا إذا كان حرف العطف يقتضي الترتيب، فيكون المعطوف عليه هو ما قبله مباشرة.

ص: 635

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} ، أي: فضرب فانفجرت، وتسمى هذه الفاء المذكورة في الكلام، والتي تعطف ما بعدها على الفاء المحذوفة مع معطوفها "فاء الفصيحة"1.

ومثال حذف "أم" المتصلة ومعها معطوفها بدليل -وحذفهما، قليل- قول الشاعر:

وقال، صحابي: قد غبنت، وخلتني

غبنت. فما أدري أشكلكم شكلي؟

والأصل: أشكلكم2 شكلي أم غيره؟ وكقول الآخر:

دعاني إليها القلب، إني لأمره

سميع؛ فما أدري: أرشد طلابها؟

والتقدير: أرشد طلابها أم غي3؟

حذف المعطوف:

تنفرد الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله المرفوع أو المنصوب أو المجرور، فمثال المعمول المرفوع قوله تعالى لآدم:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فكلمة: "زوج" فاعل بفعل محذوف، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور معطوفة على الجملة الأمرية المكونة من فعل الأمر:"اسكن"

1 وهذا النوع هو الذي سبقت "في ص576" الإشارة والإحالة على ما جاء خاصا به هنا. وسميت "فاء الفصيحة" لأنها أفصحت، "أي: بينت" وكشفت عن المحذوف، ودلت عليه وعلى ما نشأ عنه. ولأنها -أحيانا- تفصح عن جواب شرط مقدر؛ ففي الآية الأولى دلت الفاء على المحذوف وعلى أن الضرب كان سببا في الانبجاس. أو يقال: إن كان موسى قد أطاع الأمر وضرب الحجر فماذا تم بعد ذلك؟ فالجواب: انبجست منه اثنتا عشرة عينا.

2 طريقكم.

3 وقيل إن الهمزة للتصديق، فلا تحتاج إلى معادل.

ص: 636

وفاعله. والتقدير: اسكن أنت، وليسكن زوجك1. والسبب في هذا أننا لو أعربنا كلمة:"زوج" معطوفة بالواو على الفاعل المستتر لفعل الأمر لكان العامل في المعطوف "زوج" هو العامل في المعطوف عليه، أي: في الفاعل الستر. فيكون الفعل: "اسكن" عاملا في فاعله، وفي كلمة:"زوج"، فهو الذي رفع كلمة "زوج" وهي بمنزلة الفاعل بسبب عطفها على الفاعل ويترتب على هذا أن يكون فاعل الأمر اسما ظاهرا مع أن نعل الأمر لا يرفع الظاهر.

هذا تعليلهم. وهو تعليل مرفوض، يعارضه ما يرددونه كثيرا من أنه:"قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع"، أو:"قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل". فإذا امتنع أن يقع الاسم الظاهر فاعلا لفعل الأمر مباشرة فلن يمتنع أن يكون المعطوف على هذا الفاعل اسما ظاهرا؛ لأنه تابع أو ثان ينطبق عليه ما سبق من التوسع والتيسير؛ فلا داعي للتكلف والتقدير

ومثال المعمول المنصوب قوله تعالى في أنصار الدين {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، ومعنى تبوءوا الدار أعدّوها للسكنى. وهذا المعنى مناسب للدار؛ لكنه غير مناسب للإيمان، إذ لا يقال على سبيل الحقيقة: هيئوا الإيمان للسكنى؛ ومن ثم أعربت كلمة: "الإيمان" مفعول لفعل محذوف تقديره: "ألفوا" وهذه الجملة الفعلية المحذوفة معطوفة بالواو على الجملة الفعلية التي قبلها. ومنه قول الشاعر:

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزججن الحواجب والعيونا

أي: وكحلن العيون؛ لأن التزجيج "وهو ترقيق الحاجب بأخذ بعض الشعر منه كي يصير منحنيا كالقوس" لا يصلح للعيون.

ومثال المعمول المجرور قولهم: ما كل سوداء فحمة، ولا بيضاء شحمة. فكلمة:"بيضاء مجرورة بمضاف محذوف معطوف على "كل" والأصل "ولا كل بيضاء شحمة". والداعي للتقدير هنا هو الفرار من العطف على معمولي عاملين مختلفين.

1 قد سبق "في رقم 3 من هامش ص564" إعرابه آخر لبعض النحاة، بمقتضاه تكون

"زوجك" معطوفة على الضمير المستتر الفاعل. وانه لا يصح إعرابه بدلا من الفاعل المستتر، وتجيء له مناسبة في ص657.

ص: 637

وإيضاح1 هذا أن كلمة: "سوداء" مضاف إليه فهي معمول، عامله هو المضاف؛ "لفظة:"كل" المذكورة" وأن "فحمة" خبر "ما" الحجازية فهي معمول، عامله: "ما"، فالعاملان مختلفان، وكذلك المعمولان. فلو عطفنا "بيضاء" على "سوداء"، و"شحمة" على "فحمة" لزم العطف بعاطف واحد "هو: الواو" على معمولين مختلفين لعاملين مختلفين -كما يقولون- وهذا لا يبيحه كثرة النحاة

إذ يجب أن يكون العامل في المتعاطفين واحدًا، لا أكثر. وهذا الرأي أحق بالإتباع2

ملاحظة: من موضوعات الحذف الهامّة: "حذف الموصول" وقد سبق تفصيل الكلام عليه3.

حذف المعطوف عليه، "أي: المتبوع":

يصح عند أمن اللبس. حذف المعطوف عليه وحده إذا كانت أداة العطف هي: "الواو، أو: الفاء، أو: أم المتصلة، أو: "لا" العاطفة4....."

فمثال حذفه مع بقاء الواو5 أن يقول قاتل: مرحبا بك. فتجيب: وبك وأهلا وسهلا؛ أي: ومرحبا بك وأهلا وسهلا. فالجار والمجرور: "بك" متعلقان بكلمة: مرحبا، المحذوفة. و"أهلا": الواو حرف عطف 0"أهلا"، معطوفة على:"مرحبا" المحذوفة، فالمعطوف عليه محذوف. و"سهلا""الواو" حرف عطف. "سهلا" معطوفة على "مرحبا" المحذوفة فالمعطوف عليه هو المحذوف6.

1 سبق -في ص159. بيان شاف لهذا في باب الإضافة، عند الكلام على حذف المضاف، وله مناسبة أخرى في ص564.

2 وفي مواضع الحذف السالفة يقول ابن مالك مقتصرا على بعضها:

"والفاء" قد تحذف مع ما عطفت

"والواو"، إذ لا لبس وهي انفردت:

بعطف عامل مزال قد بقي

معموله؛ دفعا لوهم أتقي

"عامل مزال، أي: أزيل عن مكانه، والمراد حذف" وقد بين في البيت الثاني أن الداعي لتقدير المحذوف دفع وهم لا يستقيم الأمر إلا بدفعه وإزالته.

3 في الجزء الأول م؟ بعنوان: حذف الموصول الاسمي.

4 انظر: "ب" من ص622.

5 انظر "الملحوظ" التي في الصفحة الآتية متعلقة بصورة من صور حذف المعطوف "بالواو" مع بقاء الواو.

6 ومن الأمثلة أيضا لحذف المعطوفه عليه مع بقاء حرف العطف "الواو" قوله تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَكُ شَيْئًا

} أي أنسى ولا يذكر

؟ فالمعطوف عليه المحذوف هو الفعل: نسي.

ص: 638

ومثال الحذف مع بقاء الفاء قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . والتقدير: أمكثوا فلم يسيروا1

ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} والتقدير: أعلمتم أن دخول الجنة يسير أم حسبتم أن تدخلوا الجنة.

ومثال الحذف قبل "لا" العاطفة: "عاهدت نفسي أن أعمل الخير

لا قليلا، وان أقول الحق

لا بعض الأوقات" والأصل: أن أعمل الخير كثيرا لا قليلا، وأن أقول الحق كل الأوقات لا بعض الأوقات.

"ملحوظة" من أمثلة حذف المعطوف عليه هو بقاء حرف العطف: "الواو"، ما سجله ابن جني في كتابه المسمى:"تفسير أرجوزة أبي نواس في تقريظ الفضل بن الربيع2". قال عند شرحه بيت أبي نواس:

"وبلدة فيها زور

صعراء تحظى في صعر"

ما نصه الحرفي: "قوله: وبلدة"

قيل في هذه الواو قولان، أحدهما: أنها للعطف، والآخرك أنها عوض من "رب"؛ فكأنهم إنما هربوا من أن يجعلوها عاطفة لأنها في أول القصيدة، وأول الكلام لا يعطف. ولا يمتنع العطف على ما تقدم من الحديث والقصص؛ فكأنه كان في حديث، ثم قال: وبلدة. فكأنه وكل الكلام إلى الدلالة في الحال. ونظير هذا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فالضمير "الهاء" يراد به القرآن، وإن لم يجر للقرآن ذكر.

1 قد سبق إيضاح الكلام على الحذف في هذه الآية وأشباهها "من هامش ص571" وأن فيها رأيين، أحدهما: يرى الفاء قد عطفت جمله فعلية مذكورة على أخرى محذوفة بعد الهمزة في مكانها الأصلي. والثاني: يرى أن الهمزة تقدمت من تأخير، للتنبيه على أصالتها في التصدير، ومحلها الأصلي بعد الفاء. والتقدير: فألم يسيروا

والجملة بعد العاطف معطوفة على أخرى مماثلة لها خبرا وإنشاء، محذوفه، ومكانها قبل الهمزة والعاطف. وفي الحذف المذكور يقول ابن مالك بيتا نصفه الأول هو الذي يتصل بالحذف، ونصفه اثاني يتعلق بقاعدة اخرى سيذكر معها في ص644.

وحذف متبوع بدا هنا استبح

وعطفك الفعل على الفعل يصح

2 ص9 من الطبعة التي أخرجها وحققها الأستاذ بهجة الأثري.

ص: 639

وكذلك قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب} يعني الشمس؛ فأضمرها وإن لم يحر لها ذكر. وهذا في كلام العرب واسع فاش" ا. هـ كلام ابن جني1

حذف حرف العطف وحده:

أشرنا من قبل2 إلى أنه يجوز حذف العاطف وحده ولا يكون هذا إلا في الواو، والفاء، وأو. فمثال الواو قوله عليه السلام:"تصدق رجل، من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره"، وما نقل من قول بعض العرب: أكلت خبزًا، لحمًا، تمرًا، وقول الشاعر:

كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما

يغرس الود في فؤاد الكريم

ومثال الفاء: قرأت الكتاب بابًا بابًا، وادخلوا الغرقة واحدًا واحدًا.

والتقدير بابًا فبابًا، وواحدًا فواحدًا.

ومثال: "أو" قولهم: أعط الرجل درهمًا، درهمين، ثلاثة..

تقديم المعطوف على المعطوف عليه:

ورد في المسموع تقديم "المعطوف" بالواو -دون غيرها- على المعطوف عليه، وهو تقديم شاذ -لا يجوز القياس عليه3- ومنه قول الشاعر:

وأنت غريم لا أظن قضاءه

"ولا العنزي القارظ -الدهر-" جائيًا

أي: جاثيا هو، ولا العنزي. وقول الآخر4:

أيا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السلام

1 ويوضحه بل يؤيده ويقويه ما جاء في "المغني" ج2 عند كلامه في الباب الأول على: "حرف الوأو المفردة"، ومنها: الوأو الجارة.

بقي أن نسأل: هل هناك ما يمنع من صحة اعتبار "الوأو" للاستئناف في بيت أبي نواس؟ لا أرى مانعا.

2 في ص575.

3 لهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص557 وفي رقم 5 من ص658.

4 هو الأحوص.

ص: 640

المسألة121:

عطف الفعل على الفعل أو على ما يشبهه، والعكس، وعطف الجملة على الجملة 1:

أ- عطف الفعل وحده على كذلك:

عرفنا فيما سبق أن عطف الاسم وحده على الاسم يعد من عطف المفردات2 بعضها على بعض، كقول الشاعر:

وكل زاد عرضة للنفاد

غير التقى، والبر، والرشاد

وكما يجوز عطف الاسم وحده على نظيره في الاسمية عطف مفردات يجوز عطف الفعل -وحده من غير مرفوعه3- على الفعل وحده عطف مفردات أيضا؛ نحو: "إذا تعرض وتصدى المرء لكشف معايب الناس مزقوه بسهام أقوالهم وأعمالهم. وهي سهام لن يستطيع أو يقدر احد على احتمالها4". فالفعل: "تصدى" معطوف وحده على الفعل: "تعرض" وكذا الفعل: "يقدر" معطوف وحده على الفعل "يستطيع5" وكل هذا من عطف المفردات؛ إذ لم يشترك الفاعل -هنا- مع فعله في العطف. فلو اشترك معه لكان العطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية6

ويشترط لعطف الفعل على الفعل أمران:

1 أما عطف الاسم المفرد على الجملة والعكس، فيجيء في رقم 6 من ص659.

2 سبقت "الإشارة في رقم 3 من هامش ص557" إلى أن المفرد هنا: ما ليس جملة، ولا شبه جملة.

3 لأن الفعل مع مرفوعه جملة، سواء أكان مرفوعه فاعلا أم نائب فاعل

4 راجع ما يتصل بهذا في الزيادة ص645. وبيان نوع العطف فيه.

5 بدليل نصب المضارع المعطوف "وهو: يقدر" إذ لو كان العطف جملة على أخرى لوجب رفع هذا المضارع -وسيجيء الإيضاح في ص645-.

6 والفرق كبير -لفظيا ومعنويا- بين عطف الفعل وحده على الفعل وحده وعطف الجملة الفعلية على الفعلية -كما سيجيء هنا..

ص: 641

أولهما: اتحادهما في الزمن1؛ بأن يكون زمنهما معا ماضيا، أو حالا، أو مستقبلا؛

سواء أكانا متحدين في النوع "أي: ماضيين، أو: مضارعين2" أم مختلفين: فلا يمنع من عطف أحدهما على الآخر تخالفهما في النوع3. وإذا اتحدا زمانا. فمثالا تحادها زمانا ونوعا، قوله تعالى:{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} 4. وقول الشاعر في مدح عالم:

سعى وجرى5 للعلم شوطا يروقه

فأدرك حظا لم ينله أوائله

ومثال اتحادهما زمانا مع اختلافهما نوعا: عطف الماضي على المضارع في قوله تعالى بشأن فرعون: {يَقْدُمُ 6 قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} ، فالفعل:"أورد" ماض، معطوف بالفاء على الفعل المضارع:"يقدم" وهما مختلفان نوعا، لكنهما متحدان زمانا؛ لأن مدلولهما لا يتحقق إلا في المستقبل "يوم القيامة"7

ومثال عطف المضارع على الماضي قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ

1 كما سبق في الجزء الأول عند الكلام على زمن المضارع أما اختلافهما في الزمن نقد يجعل العطف عطف جملة على جملة، بشرط الاتحاد خبرا وإنشاء، كما سيجيء في عطف الجملة الفعلية ص630.

2 أما فعل الأمر بدون فاعله فلا مكون معطوفا، ولا معطوفا عليه؛ لأنه لا يفارق فاعله، ولا ينفصل أحدهما عن الآخر، لا لفظا ولا تقديرا؛ كأفعال الأمر التي فاعلها ضمير ظاهر أو مستتر في الآية الكريمة الآتية، وهي:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} -كما سيجيء الإشارة في رقم 1 من هامش ص649- ويفهم من كلام "الصبان" جواز عطف فعل الأمر وحده، وهذا بعيده. والرأي الأول هو السديد.

3 راجع ما يتصل بهذه المسألة الهامة في ج1 ص39 م4.

4 انظر الزيادة ص645 كي يتضح منها أن العطف عنا عطف فعل وحده على فعل وحده، لا جملة فعلية على جملة فعلة.

5 يصلح العطف هنا أن يكون عطف فعل ماض وحده على نظره، وأن يكون عطف جملة ماضويه على نظيرتها "انظر البيان في ص645".

6 تقدم.

7 ومثل هذا قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}

ص: 642

شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} فالفعل: "يجعل" مضارع مجزوم؛ لأنه معطوف على الفعل الماضي: "جعل" المبني في محل جزم1؛ لأنه جواب الشرط. وصح العطف لاتحاد زمانيهما الذي يتحقق فيه المعنى2، وهو الزمن المستقبل

ثانيهما: اتحادهما إن كان مضارعين في العلامة الدالة على الإعراب -"من حركة أو سكون، أو غيرهما"- ويتبع هذا اتحاد معنيهما في النفي والإثبات؛ فإذا كان "المعطوف عليه" مضارعا مرفوعا، أو منصوبا، أو مجزوما، وجب أن يكون المضارع "المعطوف". كذلك وأن يكون معنى المعطوف كالمعطوف عليه في النفي والإثبات؛ فكما يتبعه في علامات الإعراب يتبعه فيهما معنى. فمثال المرفوعين: يفيض فيغدق نهرنا الخير على الوادي.

ومثال المنصوبين: لن يفيض النهر فيغرق الساحل. ومثال المجزومين: لم يفض نهرنا فيغرق ساحله3

1 طبقا للقاعدة لخاصة بهذا "في باب الحوازم -ج4 م157 ص347" وتقضي بأن الماضي الواقع في جواب الشرط مكون مبنيا في محل جزم، وأنه وحده الجواب، لا الجملة الفعلية المركبة منه ومن فاعله معا.

2 كان الزمن مستقبلا مع أن المعطوف عليه فعل ماض -وهو فعل الشرط. لأن أداة الشرط الجازمة تقتضي حتما أن يكون زمن فعل الشرط والجواب مسقبلا.

3 وقد اكتفي ابن مالك في الكلام على عطف الفعل على الفعل بالشطر الثاني من البيت الذي سبق عرفه في ص640 لمناسبة أخرى تضمنها صدره: يقول:

وحذف متبوع بدا هنا استبح

وعطفك الفعل على الفعل يصح

"بدا = ظهر والمراد انه مذكور في الكلام""استبح = اجعله مباحا""يصح: أصلها: يصح، -بالتشديد مع التسكين- وخففت الحاء الساكنة لوزن الشعر".

ص: 643

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

نصب المضارعين معا، أو جزمهما معا بغير تكرار الناصب والجازم قبل الفعل المضارع المعطوف، دليل قاطع على أن العطف عطف فعل وحده بغير مرفوعه على فعل وحده كذلك، وليس عطف جملة على جملة؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الفعلية بغير تكرار أداة النصب أو الجزم يستلزم -حتما- أن يكون المضارع المعطوف غير منصوب ولا مجزوم؛ إذ نصبه أو جزمه يوجب أن يكون عطف فعل وحده على فعل كذلك.

أما رفع المضارعين معا في مثل: يشتد البرد البرد فتهاجر طيور كثيرة إلى بلاد دافئة فلا دليل معه على أن العطف عطف مضارع مفرد على نظيره المفرد، أو عطف جملة مضارعية على جملة مضارعية "أي: مضارع مع فاعله، على مضارع مع فاعله"، فمثل هذا الكلام صالح للأمرين عند عدم القرينة التي تعينه لأحدهما2

وكذلك العطف في قول الشاعر:

قد ينعم الله بالبلوى –وإن عظمت–

ويبتلى الله بعض القوم بالنعم

فيصح أن يكون المعطوف هنا جملة مضارعية هي: "يبتلى الله"، والمعطوف عليه جملة مضارعية كذلك، هي: ينعم"؛ ويصح أن يكون المتعاطفان مفردين هما المضارعان، ومثل هذا يقال في الماضي في أن يكون المتعاطفان مفردين هما المضارعين، ومثل هذا يقال في الماضي في نحو: "إذا تعرض وتصدى المرء لكشف معايب الناس مزقوه بسهام أقوالهم وأفعالهم

"1. حيث يجوز الأمران، لعدم وجود قرينة تعين نوع العطف: أهو عطف فعل ماض وحده على ماض وحده أم عطف جملة

2 ومنه قول الشاعر:

وإني لمشتاق إلى ظل صاحب

يرق ويصفو إن كدرت عليه

1 وكذلك قول الشاعر:

قد هون الصبر عندي كل نازلة

ولين العزم حد المركب الخشن

ص: 644

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ماضوية على جملة مثلها؟ بخلاف العطف في قوله تعالى عن الكافرين: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} حيث يتعين أن يكون عطف جملة ماضوية على جملة ماضوية، لوجود فاعل غير مستقل هو الضمير المتصل لكل فعل ماض منهما1....

ومما سبق يتبين الفرق اللفظي بين عطف الفعل على الفعل وعطف الجملة الفعلية على الفعلية2، وهو فرق دقيق خفي على بعض العلماء المشتغلين بالنحو قديما، فقد نقل عن أحدهم قوله: إني لا أتصور لعطف الفعل على الفعل مثالا؛ لأن نحو: قام علي وقعد حامد3 يكون فيه المعطوف جملة لا فعلا، وكذا: قام وقعد علي؛ لأن في احد الفعلين ضميرا؛ فيكون فاعلا له، ويكون الاسم الظاهر فاعلا؛ ففي الكلام جملتان معطوفتان. فقيل له: ماذا ترى في مثل: يعجبني أن تقوم وتخرج؛ بنصب المضارعين، وفي مثل: لم تقم وتخرج؛ بجزمهما. وفي مثل: يعجبني أن يقوم محمود ويخرج حليم، وفي مثل: لم يقم محمود ويخرج حليم

؟ فالفعل في الأمثلة

1 ولهذا السبب نفسه يتعين أن يكون العطف عطف جملة مضارعية على جملة مضارعية في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ

} لوجود فاعل غير مستقل هو ضمير متصل لكل من المضارعين: ينفقون ويتبعون. وفي الآية أنواع أخرى من العطف.

2 ستجيء لهذا إشارة في "البدل" أيضا، ص661.

3 وقد اجتمع عطف الفعل وحده على الفعل وحده، وعطف الجملة المضارعية على المضارعية في قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ

} فقد جزمت الأفعال: "يز، ينصر، يشف، يذهب" لأنها معطوفة على المضارع "يعذب" المجذوم في جواب الأمر. أما المضارع "يذهب" فمرفوع؛ لأنه مع فاعله ولا يصح أن يكون عطف مضارع وحدة على مضارع وحده؛ وإلا وجب أيكون المعطوف مجزوم الللفظ كالمعطوف عليه. هذا، ويصح أن تكون الواو للاستئناف، لا للعطف.

ص: 645

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السالفة منصوب أو مجزوم؛ فما الذي نصبه أو جزمه؟ فلولا أن العطف للفعل وحده لم يمكن نصبه أو جزمه

ومما هو جدير بالملاحظة أن الفرق اللفظي في عطف الفعل على الفعل، يترتب عليه فرق معنوي كبير من ناحية النفي والإثبات. فالفعل إذا كان هو "المعطوف" وحده فانه يتبع الفعل "المعطوف عليه" فيهما؛ كما يتبعه في الإعراب؛ طبقا لما سبق1 وهذه التبعية في النفي قد تفد المعنى المراد -أحيانا- لو جعلنا الكلام عطف جمل؛ فعطفنا كل فعل مع فاعله على الآخر مع فاعله، أي: أن المعنى قد يختلف كثيرا باختلاف نوعي العطف، أهو عطف فعل وحد، على آخر، أم جملة فعلية على مثيلتها الجملة الفعلية؟ يتضح هذا من المثال التالي: لم يحضر قطار ويسافر يوسف. بعطف "يسافر" على "يحضر" عطف فعل مفرد على نظيره المفرد، فيكون "يسافر" مجزوما. والمعنى نفي حضور القطار، ونفي سفر يوسف أيضا، فالحضور لم يتحقق، وكذلك السفر، فالأمران لم يتحققا قطعا.

أما إن كان الفعل: "يسافر" مرفوعا فيتعين أن يكون العطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ تحقيقا لنوع من الربط والاتصال بينهما. ويتعين أن يكون المعنى عدم حضور القطار. أما يوسف فسفره يحتمل أمرين باعتبارين مختلفين، فعند اعتبار الجملة الثانية مثبتة لم يتسرب إليها النفي من الأولى يكون يوسف قد سافر. وعند اعتبارها منفية لتسرب النفي إليها من الأولى يكون مقيما لم يسافر. والقرينة هي التي تعين سريان النفي من الأولى إلى الثانية، أو عدم سريانه2.

ومن أمثلة فساد المعنى الذي يترتب على عطف الفعل وحده على الفعل وحده

1 في ص642.

2 ويصح أن تكون الواو للاستئناف؛ فالجملة بعدها مستقلة، لا علاقة لها بما قبلها في الإعراب

ولا في النفي والإثبات. ويصح أن تكون الواو للحال والمضارع بعدها مرفوع عند من يجيز الربط بها وحدها -كما تقدم في باب الحال، ج2- فالجملة في محل نصب، ولا يسري إليها النفي من الأولى. ولا يصح الالتجاء إلى أحد هذه الأوجه -أو غيرها- إلا إذا وافق المعنى، وساير السياق.

ص: 646

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

-لا عطف جملة فعلية على جملة فعلية- قولك: "الطالب النابغة لا يتأخر مكانه عن المقام الأول، أو يكون في المقام الثاني

" إذا كان المراد أنه في المقام الأول أو الثاني. فلو عطفنا المضارع "يكون" على المضارع "يتأخر" لصار منفيا حتما مثل المعطوف عليه قطعا، لصار المعنى: لا يتأخر عن المقام الأول، أو لا يكون في المقام الثاني، وهذا غير المراد، أما عطف الجملة الثانية كاملة على الأولى كاملة لا فيستلزم نفي الثانية فيجوز أن تبقى مثبتة المعنى أن اقتضى الأمر الثبوت برغم أن الأولى منفية -كما في هذا المثال.

ومما سبق يتبين ان عطف الفعل على الفعل يوجب سريان النفي من المتبوع إلى التابع، فهما يشتركان في النفي كما يتركان في الإثبات؛ وفي علامات الإعراب. بخلاف عطف الجملة على الجملة؛ فإن النفي فيه لا يري من المتبوع إلى التابع إلا بقرينة.

ص: 647

ب- عطف الفعل وحده1 على ما شبهه، والعكس:

يجوز عطف الفعل الماضي بغير مرفوعه، وكذا المضارع بغير مرفوعه1 على اسم يشبههما في المعنى، كما يجوز العكس. والاسم الذي يشبههما هو اسم الفعل -في بعض حالاته2- والمشتقات العامة، "ومنها: اسم الفاعل، واسم المفعول

" وكذلك يجوز عطفهما على المصدر الصريح أيضا، فمثال عطف الماضي على اسم الفعل الماضي: هيهات وابتعدت الغاية أمام العاجز. والعكس نحو: افترق وشتان ما بين الكمال والنقص.

ومثال عطف الماضي على اسم الفاعل: هذا مصاحبنا بالأمس وأعاننا على تحقيق بغيتنا3. والعكس نحو: هذا أعاننا بالأمس ومصاحبنا في احتمال المشتقات. ومثال عطف المضارع على اسم الفاعل أنت مشاركنا في الخير، وتستجيب لندائنا، والعكس: أنت تستجيب لندائنا ومشاركنا في الخير؛

1، 1 ولا يجوز عطف فعل الأمر وحده عطف مفردات -كما أوضحناه في رقم 2 من هامش ص643-؛ إذ لا يترك أحدهما الآخر، ولا ينفصل منه مطلقا.

2 لأنه لا يشبههما في بعض آخر من حالاته؛ كجموده الدائم الذي يعم جميع أنواعه، وكقبوله بعض علامات الأسماء "مثل: التنوين" وكمخالفته أحيانا- الفعل الذي بمعناه في التعدي واللزوم

إلى غير هذا مما هو مدون في الباب الخاص به بالجزء الرابع "باب أسماء الأفعال 141 ص108".

3 ومنه قوله تعالى في الخيل وعدوها: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} .

فالفعل: "أثار" معطوف على: "المغيرات"، وليس معطوفا على كلمه:"العاديات" إلى في أول الكلام لما تقرر من أن المعطوفات المتعددة تكون على "المعطوف عليه" الأول، ما لم تكن المعطوفات المتعددة واقعة بعد حرف عطف يقتضي الترتيب؛ فعندئذ مكون العطف على "المعطوف" الذي قبل هذا الحرف مباشرة "كما سبق البيان في رقم 2 من هامش ص555 والكلام الذي قبل الآية، هو:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} .

وكقوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} .

4 ومنه قوله تعالى:

ص: 648

ومنه قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1.

ومثال عطف الماضي على المصدر الصريح: إني سعيد بإنقاذ الغريق، وقدمت له الإسعاف المناسب.

= {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} فالفعل المضارع "يقبض" معطوف على اسم الفاعل: "صافات". "ومعنى صافات: ناشرات أجنحتهن في الجو ومعنى يقبضن: يجمعن الأجنحة إلى الأجسام، ولا ينشرنها". فكأنه قال: وقابضات

، وقول المعرى:

كتابك جاء بالنعمى بشيرا

ويعرض فيه عن خبري سؤال..

فالفعل: "معرض، معطوفه على "بشيرا" "بمعنى؛ مبشر" فكأنه قال: جاء بشيرا وعارضا، ومثله: عطف المضارع على الصفة المشبهة في قوله تعالى لمريم:

{إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} .

حيث عطف المضارع: "يكلم" على: "وجيها"، فكأنه قال: وجهيا، ومكلما

1 ومنه قول الشاعر:

بات يعيشها بغضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر

أي: باب يعشي إبله -لا زوجته، كما قال الصبان والخضري- يضر بها بالغضب "وهو: السيف البتار" يوجهه إلى سيقانها، لنحرها للآكلين، بدلا من أن يعشيها بالعلف.

"والأسوق، جمع: ساق ويقصد أي: يعدل بينها بالضرب، وهو من القصد، بمعنى: الاعتدال وجائر، أي: ظالم".

وقد عطف كلمة: "جائر"، على المضارع:"يقصد" وهو عطف الاسم المشتق على الفعل. ويقول "الصبان والعيني": أن الذي سهل العطف كون "جائر" بمعنى. ينور. ويقول الخضري: كلمة: "جائر" معطوفة على: "يقصد" الواقعة هنا في مجل جر، صفة ثانية لغضب، في تأويل "قاصد"؛ لأن الأصل في الصف الإفراد، وليست حالا بدليل جر المعطوف عليه

هذا كلامه. وفيه بعض تساهل؛ لان النعت هنا هو جملة فعلية مركبة من المضارع: "يقصد" وفاعله معا. فكيف تكون كلمة: "جائر" معطوفة على الجملة الفعلية مع أن المطلوب هو عطف الاسم المشتق وحده على الفعل وحده؟ فلعل غرضه أن المعطوف عليه هو الفعل "يقصد" وحده.

ص: 649

ومثال عطف المضارع على المصدر الصريح. الكدح وأدرك غابتي خير من الراحة مع الإخفاق1

1 عطف المضارع على المصدر الصريح يقتضي نصب هذا المضارع بأن مضمرة أو مظهرة على التفصيل الذي سيجيء، في مكانه من آخر باب إعرابه الفعل ج4.

وفيما سبق يقول ابن مالك في عطف الفعل على الفعل، وعلى اسم يشبهه، أو العكس:

وأعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا

ص: 650

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

ما إعراب الفعل إذا عطف على اسم يشبهه؟ كالفعل: "أثار" المعطوف على "المغيرات" في: الآية السابقة، وهي قوله تعالى:{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} ، وكالفعل: اقرض في قوله تعالى في الآية الأخرى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} فإنه معطوف على المصدقين.

وكذلك ما إعراب الاسم الذي يشبه الفعل إذا كان معطونا على الفعل كالأمثلة التي عرفاها هناك1؟

لم أجد رأيا صريحا شافيا في هذا، ورأيت اعتراضات كثيرة، ودفاعا لم تنته إلى حكم حاسم. ومن هذه الاعتراضات: كيف يعطف الفعل "أثار على: "المغيرات" والمعطوف عليه مجرور مع أن المعطوف فعل، والفعل لا يدخله الجر؟ وقد سبق2 أن أول الآيات هو:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} .

قال الفخر الرازي في تفسيره: أن الفعل هنا معطوف على فعل محذوف حل محله في معناه الاسم المشتق من مصدره، والأصل: فأغرن صبحا فأثرن نقعا

وهذه الإجابة تخرج المسالة من وضعها الأصلي وتنقلها إلى وضع آخر لا علاقة لنا به، إذ تجعلها عطف فعل على فعل أو مشتق على مشتق. وهذا غير موضوع البحث

ولو أخذنا به لكان حسنا، وناجحا في التغلب على اعتراض، وخاليا من العيب. ورأيت مثله في تفسير الزمخشري، وفي بعض الحواشي الأخرى.

أما إذا لم نأخذ به. وتمسكنا بذلك النوع من العطف الذي لم أجد لحكمه نصا واضحا مريحا يتناول المتعاطفين تفصيلا

فإن الغموض يظل باقيا والاعتراضات قائمة، مالم نجعل المعطوف غير تابع للمعطوف عليه في الإعراب، وتكون فائدة العطف هي الربط المجرد بين معنى الجملتين؛ كالذي سبق في عطف الماضي على المضارع وعكسه بالإيضاح الذي سلف3.

1 في ص649 و650 وهامشمهما.

2 في رقم 3 هامش ص649 وهناك بيان السبب في العطف على: "المغيرات".

3 في ص642 و643.

ص: 651

ج- عطف الجملة على الجملة.

يجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها الاسمية؛ نحو: الرياضة نافعة، والمداومة المحمودة عليها لازمة. وقولهم:"الرأي الصادق أمانة، وكتمانه عد الحاجة إليه خيانة": وقول الشاعر:

الصدق يألفة الكريم المرتجى

والكذب يألفه الدني الأخيب1

كما يجوز عطف الفعلية على الفعلية2 -بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء- ولو اختلف زمان الفعلين فيهما3؛ فمثال اتحاد الزمن فيهما: وصلت الطائرة وفرح المسافرون بالوصول سالمين4 يفرح المنتصر ويفرح أهله وأعوانه5

1 فالجملة الاسمية المكونة من المبتدأ: "الكذب" ومن خبره الجملة المضارعية بعده، معطوفة على الجملة الاسمية التي في صدر البيت وقد تكون الجملة الاسمية مصدرة بحرف ناسخ في المتعاطفين، أو في أحدهما؛ كقوله تعالى في المرسلين:{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} وقول قيس بن زهير:

وإن سبيل الحرب وعر مضلة

وإذ سبيل السلم آمنة سهل

فالشطر الثاني من البيت معطوف على الشطر الأول، والآية الثانية معطوفة على الأولى.

2 سبق في ص643 بيان الفرق الهام اللفظي والمعنوي بين عطف الفعل وحده على الفعل وحده وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية. وكما في آخر رقم 3 من هامش الصفحة التالية وقد اجتمع عطف الجملة الفعلية الماضوية على نظيرتها الفعلية الماضوية وكذلك الجملة الاسمية على نظيرتها الاسمية في قول الشاعر يصف روضته:

رقت حواشيها، "ورق" نسيمها

وبدت محاسنها، وطاب زمانها

وكأن أيام الصبا أيامها

وكأن أزمان الهوى أزمانها

كما اجتمع عطف الماضويه على الماضويه، والمضارعيه على المضارعيه فى قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} .

3 ولا يمنع من عطفهما كذلك أن مكون إحداهما موجبه "مثبته" "والأخرى منفية؛ كالتي في رقم 3 من هامش الصفحة الآتية.

4 وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} .

5 وقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

ص: 652

كل واشرب، والبس، في غير مخيلة1 ولا كبر2

ومثال اختلاف الزمن: وصل اليوم الغائب ويسافر غدًا يحاسب المرء على عمله يوم الحساب، ورأى المسيء عاقبة ما كان منه.

أما الجملة الفعلية الاميرية3 -أو غيرها من الجمل الإنشائية الأخرى- فلا تعطف إلا على جملة فعلية متحدة معها في الزمن، نحو قوله تعالى للصائمين:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، وقوله تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} .

وبهذه المناسبة نذكر أن النحاة اختلفوا في جواز عطف الجملتين المختلفتين إنشاء وخبرا، وعطف الجملة الاسمية على الفعلية والعكس.

فأما عطف المختلفتين إنشاء وخبرا فالأحسن إتباع الرأي الذي يمنعه4: فوضوح هذا الرأي. وبعده من التكلف، وخلوه من الحذف والتقدير:

1 اختيال، وكبر.

2 وقول الشاعر:

إذا ما فعلت الخير فاجعله خالصا

لربك. وازجر عن مديحك ألسنا

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

ومثل قول الشاعر: -وهذا من عطف الجملة- الأمرية على المضارعية التي توافقها زمنا:

لا تنظرن لملبس. وانظر إلى

ما تحته من فطنة وبيان

3 لا بد في فاعل فعل الأمر أن يكون ضميرًا متصلًا -مستترا" أو بارزا- فلا يمكن -في الرأي الأصح- أن يستقل بنفسه عن فعله. لهذا لا يصح عطف فعل الأمر وحده بغير فاعله "على فعل الأمر وحده بغير فاعله؛ بل يتعين أن يكون العطف بينهما عطف جملة فعلية أمرية على جملة فعلية أمرية؛ ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} وقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] .. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} طبقًا للبيان السابق في رقم 2 من هامش ص643 ورقم 1 من هامش ص649.

4 وهو رأي البلاغيين وكثير من النحاة.

ص: 653

فلا يصح عطف الثانية على الأولى في مثل: داوم على الطاعات، ودوام أهلك. ولا في مثل: هذا البحر وأنزل للعوم فيه.

وأما عطف الاسمية على الفعلية والعكس فجائز1 -في أرجح الآراء- إن لم يختلفا خبرا وإنشاء؛ فيصح عطف الثانية على الأولى في مثل: أحب الزراعة، والصناعة تفيدني2. ومثل: الصناعة مفيدة لنا أحب الزراعة. ومن الأمثال المأثورة: "للباطل جولة، ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها و

و

أما عطف الجملة على المفرد، والعكس فسيجيء3

1 انظر رقم 2 من هامش ص586.

2 ومن هذا قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} حيث عطف الجملة الاسمية "لا هم يستعتبون" على الجملة الفعلية "لا يؤذن لهم" ولا يصح عطفها على الجملة الفعلية الأولى "وهي: نبعث من كل أمة

" مراعاة للقاعدة التي سبقت" في ص555 و628 وفي رقم 3 من هامش ص649" والتي تقضي عند تعدد المعطوفات عليها

أن يكون المعطوف عليه هو الذي قبل العاطف مباشرة إذا كان العاطف مما يفيد الترتيب مثل: "ثم".

وفي الآية شاهد آخر هو عطف الجملة الفعلية المنفية "لا يؤذن لهم

" على الجملة الفعلية الموجبة "نبعث×" كما سبقت الإشارة.

ومما يصلح شاهدا لعطف الجملة الاسمية المنفية على الفعلية المنفية قوله تعالى في سورة السجدة: {

قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ

} فالجملة الاسمية المنفية: "لا هم ينظرون" معطوفة على الفعلية المنفية: "لا ينفع"....

3 في ص659.

ص: 654