الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد كان واجبا على الواجد أن يتصدّق بصدقة قبل أن يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [المجادلة: 13].
ويروى عن عليّ رضي الله عنه أنه ما عمل بها غيره، وأنها لم تكن إلا ساعة من نهار.
2 - أنواع النسخ في القرآن:
والمراد أنواع النسخ من حيث رفع الحكم أو التلاوة أو رفعهما معا، وهو على هذا ثلاثة أنواع:
النوع الأول: نسخ التلاوة والحكم معا، وذلك بأن يبطل العمل بالحكم الثابت بالنص، إلى جانب حذف النص من القرآن، وعدم إعطائه حكم التلاوة من حيث صحة الصلاة به والتعبد بتلاوته، وبالتالي عدم إثباته في المصحف حين جمع القرآن.
ومثال هذا النوع: ما رواه مسلم وأصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن: «عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن» «1» .
فمن الواضح في هذا المثال أن الحكم، وهو التحريم بعشر رضعات معلومات، منسوخ. وكذلك هذه الآية منسوخة التلاوة، ولذا لم يكتبها الصحابة رضي الله عنهم في المصحف حين جمعوا القرآن. والمراد بقولها «وهن مما يقرأ من القرآن» أن التلاوة قد نسخت ولم يبلغ ذلك كلّ الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها.
النوع الثاني: نسخ الحكم فقط وبقاء التلاوة، أي إنه يبطل العمل بالحكم
(1) مسلم: الرضاع، باب: التحريم بخمس رضعات (1452).
الثابت بالنص، مع بقاء النص مما يتلى من القرآن ويتعبّد بتلاوته، ويثبت بين دفتي المصحف.
ومثال هذا النوع: قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ [البقرة: 240]. فإن هذه الآية مثبتة في المصحف، وتلاوتها متواترة على أنها قرآن يتعبد بتلاوتها وتصحّ بها الصلاة، مع أن الحكم الثابت بها، وهو وجوب التربّص حولا كاملا لمن توفي عنها زوجها، منسوخ بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة: 234].
فقد أوجبت على المتوفى عنها زوجها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيام، وقد ثبت أنها متأخرة بالنزول عن الأولى، فدلّ ذلك على أن حكم الأولى منسوخ، وإن بقيت تلاوتها.
النوع الثالث: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، أي إن الحكم الثابت بالنص يبقى العمل به ثابتا ومستمرا، وإنما يجرّد النص عما يثبت للقرآن المتلو من أحكام، كالتعبّد بتلاوته وصحة الصلاة به وغير ذلك، ولا يثبت في المصحف.
ومثال هذا النوع: ما رواه البخاري ومسلم «1» وغيرهما عن عمر بن الخطاب وصحّحه ابن حبّان، عن أبيّ بن كعب، رضي الله عنهما، أنهما قالا: كان فيما أنزل من القرآن «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم» .
والمراد بالشيخ والشيخة الثّيّب من الرجال والنساء، وهذا الحكم، وهو رجم الثّيّب من الرجال والنساء إذا زنى ثابت ومحكم ومعمول به. علما بأن هذه الآية لم
(1) رواه البخاري في المحاربين (6441) دون ذكر لفظ الآية المنسوخة. وقد وردت عند مالك في الموطأ (2/ 824) والحاكم في المستدرك (4/ 360).