الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
تطلق كلمة جمع القرآن ويراد بها معنيان:
المعنى الأول: حفظه واستظهاره، فهو جمع في القلوب والصدور. وهو بهذا المعنى قد أوتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الجميع، قال الله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: 16 - 18].
وعلى هذا المعنى، فقد جمعه أيضا كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومنه ما
رواه ابن أبي داود: قال عليّ رضي الله عنه: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ عليّ ردائي إلا لصلاة جمعة
-
وفي رواية: إلا لصلاة- حتى أجمع القرآن فجمعه «1» .
المعنى الثاني: كتابته كله حروفا وكلمات وآيات وسورا، وهو جمع في الصحائف والسطور، وهو بهذا المعنى قد حدث ثلاث مرات.
قال الحاكم في (المستدرك): جمع القرآن ثلاث مرات: أحدهما بحضرة النبيّ صلى الله عليه وسلم «2» ، والثانية بحضرة أبي بكر رضي الله عنه، والجمع الثالث في زمن
عثمان رضي الله عنه «3» .
(1) الإتقان، للسيوطي (1/ 183) ومعنى: فجمعه: أي حفظه في صدره.
(2)
رواه الحاكم في المستدرك (2/ 299) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرّقاع.
(3)
انظر الإتقان للسيوطي (1/ 181 - 189).
وهذه المرات الثلاث، التي جمع فيها القرآن بهذا المعنى، كانت كيفياتها مختلفة:
* ففي المرة الأولى: اقتصر الجمع على كتابة الآيات وترتيبها، ووضعها في مكانها الخاص من سورها، وفق إشارة النبيّ صلى الله عليه وسلم وتوقيفه، دون أن تكون كل سورة مجموعة في صحيفة واحدة، أو يكون كل آيات القرآن وسوره في صحائف مجتمعة.
أخرج الحاكم بسند على شرط الشيخين، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع «1» . ومراد زيد رضي الله عنه من التأليف هنا ما ذكرنا، قال البيهقي: يشبه أن يكون المراد تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
* وأما المرة الثانية: فقد تعدّى الجمع فيها معنى الكتابة فقط؛ إلى جمع الآيات من كل سورة مرتبة في صحيفة واحدة أو أكثر، وضم تلك الصحف بعضها إلى بعض، ولو لم تكن مرتبة السور.
* وأما المرة الثالثة: فقد كان الجمع عبارة عن نسخ القرآن وكتابته مجتمعا كله في صحائف، مرتب السور والآيات، مع كتابة عدد من هذه الصحف.
وسنبين لك فيما يلي من بحث ما كان من حفظ القرآن وكتابته في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
(1) رواه الحاكم في المستدرك (2/ 299) وقد تقدّم قريبا. والرّقاع: جمع رقعة، وقد تكون من جلد أو رقّ أو كاغد (قرطاس).