الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
التجسيم والتضخيم:
إن من مظاهر التصوير القرآني تجسيم المعنويات وتضخيمها، وإبرازها وكأنها أجسام أو محسوسات- على العموم- تتضاخم وتتعاظم- حسبما يقتضي الجو والمشهد- حتى تملأ النفس شعورا وإحساسا.
ومن أمثلة ذلك:
أ- قوله تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [الأنعام: 31]. فانظر: كيف تجسم الأعمال السيئة وكأنها أحمال مثقلة، تنوء بحملها ظهور أولئك الفاسقين يوم القيامة.
ب- قوله تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف: 5] ففيه تضخيم وتفظيع لافترائهم على الله تعالى بقولهم: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الكهف: 4].
ب- وسائله:
يتحقق التصوير الفني في القرآن بوسائل متعددة منها القريبة ومنها البعيدة:
1 -
الوسائل القريبة: وهي تلك القواعد التي استخلصت واستنبطت من أسلوب التصوير القرآني، ووضع عليها العلماء علم البيان من استعارة وتشبيه، ومجاز مرسل وتمثيل.
واقرأ إن شئت قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة: 223] وقوله تعالى: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ [الملك: 7] وقوله تعالى:
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً [الكهف:
99] وانظر إلى ما فيها من استعارات وتمثيل.
واقرأ قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ
كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [الرعد:
14] وانظر إلى ما فيها من روعة التشبيه.
وقوله تعالى: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة: 7].
وأما المجاز المرسل فاقرأه في مثل قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً [غافر: 13] وإنما الذي ينزل سبب الرزق وهو المطر، وفي قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ [المطففين: 22] والنعيم معنى يحل في مكان يكون فيه الأبرار، وفي قوله تعالى: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نوح: 27] والمولود لا يكون فاجرا إلا باعتبار ما سيكون.
2 -
الوسائل البعيدة: وهي ذاك التناسق الفني الذي يبلغ الذورة في التصوير، بتخير الألفاظ ونظمها في نسق خاص يبلغ في الفصاحة أرقى درجاتها، وينشأ عنه إيقاع موسيقي رفيع، مع تسلسل معنوي بين الأغراض في سياق الآيات، فتخرج الكلمة والجملة في قالب من اللفظ وطريقة الأداء يبث في الإحساس والخيال صورة مجسمة حية للمعنى.
على أنه ليس بمقدور الفكر الإنساني: أن يقف على القاعدة التي يتم بها تصوير اللفظ القرآني للمعنى، ليتخذها ضابطا في صياغة الكلام، بل كل ما في الإمكان أن يعلم ويحس: أن اللفظ القرآني يصور المعنى ويلصق صورته وشكله بالإحساس، بتأثير من تناسق حروفه وحركاته، وتركيب مفرداته وجمله.
والأمثلة على ذلك القرآن كله:
واقرأ إن شئت- على سبيل المثال- قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة: 38] ليتصور في خيالك ذلك الجسم المتثاقل، يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط من أيديهم في ثقل وكأنه القناطير المقنطرة من الأثقال، كل ذلك يرسمه في خيالك هذا اللفظ المختار (اثاقلتم).