الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرعا وتجري في حكمها مجرى التفسير العربي لمن يحسن العربية، فكلاهما جائز؛ لأنه وسيلة لفهم القرآن وبيان لمراد الله سبحانه وتعالى حسب الطاقة البشرية.
4 -
ترجمة القرآن بمعنى نقله إلى لغة أخرى:
أي أن يعبر عن معاني ألفاظه العربية ومقاصدها بألفاظ غير عربية مع الوفاء بجميع هذه المعاني والمقاصد، وعرفنا سابقا أنها قد تكون (ترجمة حرفية) أو (ترجمة معنوية).
وهذه الترجمة هي المقصودة من هذا البحث، وهي التي شجر فيها الخلاف واضطربت الآراء. والقول الصحيح والحق منها؛ أنها مستحيلة الوقوع عادة وعقلا، ومحرمة شرعا، وفيما يلي أسباب استحالتها وبيان حرمتها:
أسباب استحالة الترجمة وبيان حرمتها
أ- أما كونها مستحيلة عادة وعقلا فالاستدلال على ذلك من طريقين:
1 -
لأن ترجمة القرآن بهذا المعنى تستلزم المحال، وكل ما يستلزم المحال محال. إذ لا بد في تحقيقها من الوفاء بجميع معاني القرآن الأولية والثانوية «1» ، وبجميع مقاصده «2» ، كما في أسلوب علوم المعاني والبيان المتعددة المرامي، الفسيحة الميدان، والتي هي أساس بلاغته وإعجازه، وكل ذلك مفقود في غير العربية. وما كان لبشر أن يحيط بها فضلا عن أن يحاكيها في كلام له.
(1) المعاني الأولية: ويقال لها المعاني الأصلية، وهي ما تحصل من مجرد نسبة الفعل إلى الفاعل أو المبتدأ إلى الخبر، وسمي معنى أوليا لأنه أول ما يفهم من اللفظ. أما المعاني الثانوية: فهي ما يبحث عنها في علوم البلاغة، وهي مظهر بلاغة القرآن.
(2)
للقرآن ثلاثة مقاصد: أ- أن يكون هداية. ب- وأن يكون معجزة لتأييد النبيّ صلى الله عليه وسلم. ج- وأن يتعبد الله خلقه بتلاوة كلامه المقدس.
2 -
ولأن ترجمة القرآن بهذا المعنى مثل للقرآن، وكل مثل للقرآن مستحيل، وقد ثبت أن القرآن تحدى أفصح العرب أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، فعجزوا عن المعارضة
والمحاكاة، ولا شك أن غير العرب أشد عجزا وبعدا عن ذلك، قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88].
ب- وأما كونها محرمة شرعا فللأمور التالية:
1 -
إن طلب المستحيل العادي حرام أيا كان الطلب ولو بطريق الدعاء، وأيا كان هذا المستحيل ترجمة أو غير ترجمة، لأنه ضرب من العبث وتضييع للوقت والمجهود في غير فائدة، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195].
2 -
إن محاولة هذه الترجمة ادعاء لإمكان وجود مثل القرآن
…
وذلك تكذيب شنيع لقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء: 88] إلخ الآية.
3 -
إن الأمة قد أجمعت على عدم جواز رواية القرآن بالمعنى، ومعلوم أن ترجمة القرآن بهذا المعنى العرفي تساوي روايته بالمعنى، فكلتاهما صيغة مستقلة وافية بجميع معاني الأصل ومقاصده، لا فرق بينهما إلا في القشرة اللفظية. فالرواية بالمعنى لغتها لغة الأصل، وهذه الترجمة لغتها غير لغة الأصل. وإذا كانت رواية القرآن بالمعنى في كلام عربي ممنوعة إجماعا، فهذه الترجمة ممنوعة كذلك قياسا على هذا المجمع عليه، بل أحرى بالمنع للاختلاف بين لغتها ولغة الأصل.
4 -
إن الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين متفقون على أن الأعلام لا يمكن ترجمتها، سواء كانت موضوعة لأشخاص أم لبلاد أم لحيوان أم لكتب ومؤلفات.
والقرآن الكريم علم رباني أراد الله سبحانه ألفاظه دون غيرها، وأساليبه دون سواها؛