المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مدرسو المساجد في إقليم قسنطينة والجنوب - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٣

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالتعليم في المدارس القرآنية والمساجد

- ‌مدخل

- ‌حالة التعليم العربي الإسلامي غداة الاحتلال

- ‌التعليم في المدارس القرآنية

- ‌التعليم في المساجد

- ‌بعض أعيان المدرسين في العاصمة

- ‌التدريس بإقليم الوسط (غير العاصمة)

- ‌مدرسو المساجد في إقليم وهران

- ‌مدرسو المساجد في مدينة قسنطينة

- ‌مدرسو المساجد في إقليم قسنطينة والجنوب

- ‌المرتبات والتلاميذ والبرامج

- ‌الفصل الثانيالتعليم في الزوايا والمدارس الحرة

- ‌التعليم في الزوايا

- ‌زوايا الجنوب

- ‌زاوية طولقة

- ‌زاوية الخنقة

- ‌زاوية الهامل

- ‌الزاوية التجانية

- ‌زاوية قصر البخاري

- ‌زوايا أخرى

- ‌المدارس الحرة

- ‌معهد بني يسقن وشيخه أطفيش

- ‌الفصل الثالثالتعليم الفرنسي والمزدوج

- ‌مدخل

- ‌آراء حول تعليم الجزائريين

- ‌ التعليم الفرنسي

- ‌نشأة المدرسة الابتدائية الفرنسية:

- ‌حلقات اللغة العربية

- ‌مدخل إلى التعليم المزدوج

- ‌المدرسة الابتدائية المزدوجة

- ‌المدارس الشرعية الثلاث

- ‌المعاهد (الكوليجات) العربية - الفرنسية

- ‌ مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال)

- ‌البرنامج والميزانية

- ‌التعليم المهني

- ‌حول تعليم المرأة والفنون التقليدية

الفصل: ‌مدرسو المساجد في إقليم قسنطينة والجنوب

المذكور (الكتاني). ولا نجد تقييما هاما لطريقة تدريسه في هذه المرة. لكن في سنة 1913 وجدنا المفتش سان كالبر نفسه يقيمه كالتالي: تلاميذه الأحرار حوالي عشرين، ولا يستعمل السبورة رغم أنه أعطي واحدة. وقد حضر إليه بعض تلاميذ المدرسة الابتدائية الفرنسية (مدرسة جول فيري) ثم غادروا درسه منذ الشهور الأولى، فلم يبق له إلا درسا المسجد والعامة. والشيخ ابن مرزوق لا يرغب في التدريس للمبتدئين، وليس له تأثير بين الأهالي، ثم أنه يفتقر إلى المبادرة والنشاط (1).

ولكن (دورنون) لاحظ سنة 1923 أن ابن مرزوق قد أصبح كبير السن متدهور الصحة، وأنه لم يبق له إلا سنة واحدة على التقاعد. ونفهم من هذا أن الشيخ ابن مرزوق قد ظل مدرسا في جامع سيدي الكتاني كل حياته التعليمية تقريبا. وهو من النوادر الذين انتقدهم المفتشون ولم يطردوا أو يعزلوا. وقد اقترح المفتش دورنون تعيين الشيخ معيزة، مدرس جامع سطيف بدله، حين يحل أجل تقاعده. وقال عن الشيخ معيزة أنه أيضا كبير السن ولكنه معلم جيد، في نظره. وليس لدينا الوثائق التي تؤكد هذا التغيير سنة 1924 (2).

‌مدرسو المساجد في إقليم قسنطينة والجنوب

سطيف: كان المدرس في سطيف هو طالب علاوة. وقد حل محله في نفس السنة (يناير 1905) الحاج محمد بن خليفة الصحراوي الذي كان مدرسا في ميلة. وكان طالب علاوة قد طلب وظيفة قضائية لأنها أرفع راتبا من التعليم، فعين فيها. وكان من المتخرجين من المدرسة الشرعية الفرنسية (بالعاصمة). وكان تلاميذ الشيخ الصحراوي حوالي 25 وجميعهم

(1) تقرير سان كالبر، لسنة 1913. نفس المصدر، انظر أيضا، زوزو (نصوص)، ص 228 - 230.

(2)

تولى التدريس في مساجد قسنطينة أيضا الشيوخ: عاشور الخنقي وعبد القادر المجاوي ومحمد الصالح بن مهنة. انظر سابقا.

ص: 143

تقريبا من كبار السن. ولاحظ عليه المفتش أنه كان متمكنا من الطريقة الإسلامية (العتيقة) في إلقاء الدروس. ونفهم من هذا أن الشيخ الصحراوي قد درس بطريقة حرة مثل الشيخ حمدان والشيخ ابن مرزوق، ربما في الزوايا (1).

وبناء على تقرير سان كالبر سنة 1907 فإن عدد تلاميذ الشيخ الصحراوي بقي حوالي 20 ولكن الذين حضروا ساعة التفتيش كانوا عشرة فقط. وأعمارهم بين 10 و 47 سنة. ولاحظ المفتش أن المدرس الصحراوي له فكرة غامضة فقط عن مهمته وعن البرنامج الموكول إليه. وكان يدرس لتلاميذه النحو والفقه والحساب والتوحيد. وعمره 51 سنة. وهو متحمس لعمله، ولكن نجاحه ضعيف، ودرسه شفوي، فهو مثل زملائه لا يستعمل السبورة. وفي الامتحان الذي جرى في غشت سنة 1903 في قسنطينة لاختيار المدرسين نجح الحاج الصحراوي، وسمى في نفس السنة مدرسا في ميلة، ثم في سطيف خلال يناير 1905. وقد حاوله المفتش أن يعدل من وقته ومن برنامجه لكي يستفيد من دروسه في المسجد تلاميذ المدارس الابتدائية الفرنسية أيضا (2).

ومع ذلك بقي الشيخ الصحراوي مدرسا في سطيف إلى حوالي 1917.

وقد ضاعت منا بعض التقارير الخاصة به، ولكن تقرير سنة 1913 يشير إلى أنه ما يزال في سطيف، وكان له حوالي 22 تلميذا، بعضهم فقط من التعليم الابتدائي الفرنسي. وقد أبدى عليه المفتش ملاحظات في صالحه. وأوصى بزيادة راتبه هو وغيره لأن الرواتب غير كافية (3). أما تقرير دورنون سنة 1923 فيذكر أن الشيخ الصحراوي قد استخلف سنة 1917 وحل محله الشيخ معيزة، ولا ندري السبب، لضياع بعض الحلقات (4).

(1) تقرير موتيلانسكي، سنة 1905، مرجع سابق.

(2)

تقرير سان كالبر، 1907، مرجع سابق.

(3)

تقرير سان كالبر، سنة 1913، مرجع سابق.

(4)

تقرير دوبرنون، سنة 1923، مرجع سابق، ولا ننسى أثر الحرب العالمية على الشباب =

ص: 144

عنابة: كان مدرس جامع عنابة سنة 1905 هو ابن العابد (1). وهو خريج القسم العالي من مدرسة الجزائر الشرعية الفرنسية وحامل لدبلوم الآداب من مدرسة (كلية) الآداب بالجزائر. ولا ندري متى توظف ابن العابد في عنابة، ولكنه سرعان ما نقل إلى مدرسة قسنطينة الشرعية فحل محله في التدريس بعنابة السيد محمد العربي بلايلي الذي تخرج أيضا من مدرسة قسنطينة الشرعية - الفرنسية والقسم العالي من مدرسة الجزائر. وحسب تقرير المفتش فالسيد بلايلي كان ناجحا في مهمته وله 24 تلميذا. وقد حضر مفتي عنابة درسه وشجع الآخرين من موظفي الجامع على حضور الدرس (2).

وقد أعطانا المفتش شارل سان كالبر معلومات إضافية عن السيد بلايلي بعنابة. فقد بدأ فيها التدريس سنة 1951، وكان أصلا من هذه المدينة، ولذلك لم يبد بلايلي الرغبة في الانتقال منها إلا إذا شغرت وظيفة مدرس في إحدى المدارس الشرعية الثلاث. وكان راتبه 75 ف. فقط، وهو مبلغ لا يكفيه، حسب التقرير، لأنه صاحب عائلة. ولذلك فهو يقدم دروسا إضافية للشباب المترشح لدخول إحدى المدارس الثلاث. أما تلاميذه فهم حوالي عشرين، وأعمارهم بين 15 و 51 سنة، وهناك مواظبة في الحضور، ومن بينهم بعض المترشحين لمدرسة قسنطينة الرسمية. وكان الشيخ بلايلي يعطي دروسا عامة وأخرى خاصة بتلاميذ المدارس الابتدائية أيام الخميس والأحد، كما يلقى دروسا للعامة في التوحيد خلال شهر رمضان. وهو يدرس خمسة أيام في الأسبوع بمعدل ساعتين في اليوم. أما المواد فهي التي قررها البرنامج (3). وقد استمر نفس المفتش في الإشادة بالسيد بلايلي في التقارير

= الجزائري وعلى المدرسين أيضا.

(1)

لعله هو محمد ابن العابد الجلالي صاحب (تقويم الأخلاق). فإذا صح أنه هو فإنه يكون من العناصر التي تفيض وطنية. ولمالك بن نبي ملاحظات على درسه في مدرسة قسنطينة لا تخلو من نقد لاذع. انظر مذكرات ابن نبي.

(2)

موتيلانسكي، 1905، مرجع سابق.

(3)

تقرير سان كالبر، 1907، مرجع سابق.

ص: 145

الموالية، كما فعل سنة 1913 أيضا. ولكن تلاميذه انخفضوا هذه السنة إلى 16 معظمهم من تلاميذ المستوى الابتدائي.

كان هذا رأي المفتش سان كالبر في السيد بلايلي. ولكن الأمور تغيرت بعد ذلك. ولا ندري هل تغير المفتش فقط، أو تغير المدرس أو تغيرت الحياة ونظرة الناس إلى تعليمه ومحيطه. ذلك أن المفتش الجديد، وهو دورنون حكم عليه حكما قاسيا رغم أنه من تلاميذه في مدرسة قسنطينة. فقد قال دورنون أن بلايلي غير مؤهل للوظيفة التي يشغلها وأنه قد قضى في التعليم خمس عشرة سنة. وقال أنه شخص لا يوثق في كلامه، ولاحظ الإهمال على المكتبة عنده، الخ (1). فماذا كان مصير السيد بلايلي بعد ذلك؟ الواقع أننا لا نملك الآن بقية التقارير عنه. وربما أثرت ظروف الحرب على هذا المدرس وجمهوره.

بجاية: كان المدرس فيها سنة 1905 هو السيد الأخضر (الخضير) بن أحمد العلمي، وهو خريج مدرسة قسنطينة الشرعية الرسمية. وكان مدرسا ناجحا، حسب تقرير المفتش موتيلانسكي، وله 25 تلميذا. وفي تقرير المفتش سان كالبر 1907 أن الحضور 19 تلميذا، أعمارهم بين 14 و 35، وأن موظفي الجامع لا يحضرون الدروس. وتلاميذه كانوا من بجاية نفسها إلا واحدا كان من خراطة وآخر من المسيلة. وأغلبهم يتكلمون قليلا من الفرنسية. بعضهم سيترشحون لدخول المدارس الشرعية. وكان عدد الحضور يوم التفتيش 12 تلميذا فقط. وكان السيد العلمي يلقي دروسه بمعدل ست مرات في الأسبوع، وكان أمينا على البرنامج المسطر (2).

(1) دورنون، 1923، مرجع سابق.

تقرير سان كالبر، 1907، مرجع سابق.

(2)

من البطاقات الكثيرة التي ضاعت منا تلك التي تحتوي على مكتبات المساجد التي يحفظها أيضا المدرسون، وهي جزء من هذا البرنامج التعليمي الرسمي. وكانت المكتبات موجهة أساسا للتلاميذ، فهى مكتبات مدرسية. وكل مفتش كان يقيم هذه المكتبات ويبرز دورها. انظر فصل المنشآت الثقافية - فقرة المكتبات.

ص: 146

وكان الدرس يوم التفتيش في مقامات الحريري. وقد أملى المدرس نصا من إحدى المقامات على أحد المستمعين في السبورة، بينما الباقون يكتبونه ذلك في الكراريس. وحكم المفتش بأن الشيخ العلمي قد أعد درسه بجدية. أما دروسه فقد كانت في ساحة المكتبة وليس في الجامع.

وهناك نبذة عن حياة العلمي في هذا التقرير. فهو من مواليد 1868 ببلدية القرقور، وقد دخل مدرسة قسنطينة ثم تخرج منها على النظام القديم (قبل الإصلاح) سنة 1891. وقبل أن يتعين في بجاية، درس أولا في عنابة، وكان (فارسا) في بلدية جوزيف (؟)، وكان في بجاية يعمل مدرسا ومحافظا للمكتبة في وقت واحد. واعتبره المفتش سان كالبر من المدرسين المتحمسين (1).

وفي 1913 اقترح له نفس المفتش وسام الأكاديمية (التعليم) لأدائه دوره على أحسن وجه، منذ ثلاث سنوات (؟) وقد رشح عددا من التلاميذ لمدرسة قسنطينة الرسمية من بين تلاميذه الأربعة والعشرين. ولا يحضر له إلا بعض تلاميذ التعليم الابتدائي (2).

ولا ندري ما الذي حدث للشيخ العلمي بعد ذلك. فنحن لا نجده في تقرير المفتش سنة 1922. فهل توفي أو انتقل إلى جهة أخرى؟ ومهما كان الأمر، فإن المدرس في هذه السنة هو السيد الشريف سعدى. ويبدو أن الأمور قد تغيرت معه، فلم تعد الدروس في المساجد كما هو البرنامج، ولكن في أماكن أخرى كالمدارس والمكتبات، خصوصا للتلاميذ الابتدائيين. فتقرير سنة 1922 يذكر أن درس الشريف سعدي يحضره أيضا عدد من الأروبيين والأروبيات. وله أيضا نشاط آخر مع هؤلاء ومع الموظفين الرسميين. أما درسه فقد أهمله حتى أنه اكتفى بترجمة نصوص كان رئيس

(1) تقرير سان كالبر، 1907، مرجع سابق.

(2)

تقرير سان كالبر، سنة 1913، نفس المرجع.

ص: 147

الدائرة قد نشرها في إحدى المجلات بباريس. أما أثناء تفتيش سنة 1923 فقد غاب السيد الشريف سعدي تماما إذ كان في العاصمة يحضر لزواجه، ومع ذلك طلبت منه السلطات المحلية تعليم العربية الدارجة، مما يوحي من التقرير أن ذلك مخالف للبرنامج الصادر عن الحاكم العام سنة 1955 (1).

ميلة: منذ يناير 1905 كان الشيخ محمد بن معنصر هو المتولي التدريس في ميلة. وكان قبل ذلك يشغل وظيفة عدل في في مزالة، ولأسباب صحية تخلى عنها واختار التدريس في ميلة، وهي مسقط رأسه. وقد بلغ تلاميذه الثلاثين، ولكن ليس من بينهم الابتدائيون، وهو ما لا تريده الإدارة. وقد شكر المفتش موتيلانسكي طريقته في التدريس (2). وكان ابن معنصر، مثل عدد آخر من المعاصرين، متعلما حرا، في قسنطينة حيث كان يحضر بعض الدروس مستمعا فقط. وكان عمره 39 عاما سنة 1907 (3).

وقد بقي ابن معنصر في وظيفه وفي مكانه فترة طويلة. ورغم ضياع التقارير الخاصة به من أيدينا، فإن أحد التقارير الباقية عندنا، وهو لدورنون سنة 1923، يذكر أنه ما يزال يؤدي مهمته. ونوه به دورنون كثيرا. فقال إن سمعته تجاوزت ميلة والميلية وفج مزالة. واعتبره رجلا متعاونا مع السلطات المحلية، وهذا أحد المقاييس الأخرى التي يقيس بها الفرنسيون كفاءة المدرس (4). وقد تعرضنا لسيرة ابن معنصر في حديثنا عن سيرة الشيخ مبارك الميلي فانظر أيضا.

وادي الزناتي: تقرير التفتيش لسنة 1905 كتبه موتيلانسكي، وكان مقتضبا لأنه لم يمض على التجربة سوى سنة واحدة بالنسبة لمعظم المدرسين. وكذلك بالنسبة لإنشاء وظيفة التفتيش نفسها. لقد تعين المدرس

(1) تقرير دورنون، سنة 1922 - 1923،، نفس المرجع.

(2)

تقرير موتيلانسكي، 1905، مرجع سابق.

(3)

تقرير سان كالبر، 1907، مرجع سابق.

(4)

دورنون، تقرير 1923، مرجع سابق.

ص: 148

الطيب الطيبي في وادي الزناتي في 30 يناير، 1905. فلم يتحدث المفتش عن سيرته طويلا، واكتفى ببعض اللقطات منها. فتلاميذه حوالي 25، ولا نعرف إن كانوا صغارا أم كبارا، من أهل الدرس العام الاختياري أو الخاص الإجباري حسب البرنامج. وقد لاحظ موتيلانسكي أن هذا المدرس ليس له شهادة من المدرسة الشرعية الرسمية (1)، فهو إذن من المتعلمين الأحرار.

وقد أكمل تقرير سان كالبر معلوماتنا عن هذا المدرس. فقال أنه في الأربعين من عمره سنة 1907، وأنه من مواليد البرج (بوعريريج)، وكان قد تلقى دراسته في زاوية بني يحى ناحية آقبو، على يد الشيخ الهادي (؟).

وشارك في امتحان المدرسين بقسنطينة فنجح فيه، وهكذا سمى بعده بوادي الزناتي في السنة المذكورة (1905). وقد ذكر لنا سان كالبر أن للشيخ حوالي 18 تلميذا تتراوح أعمارهم بين 15 و 50 سنة. وكان الشيخ الطيبي يطبق البرنامج الرسمي، وله بعض الكتب من الإدارة ومن البلدية، ولكنه لا يستعمل السبورة. ولا يخرج درسه عن الفقه والنحو والتوحيد والحساب والمطالعة (2).

ثم تبدلت الأيدي على وادي الزناتي. ففي سنة 1913 نجد المدرس هو محمد بن الطاهر بن زراق. وكان تعريفه في التقرير مختصرا، فهو فقط مدرس ناجح في مهمته وله تأثير على السكان، ومتواضع، أما تلاميذه فعددهم 39، بعضهم فقط من الابتدائيين - المدرسة الابتدائية الفرنسية (3). ولم نستطع أن نعرف السيرة العلمية لابن زراق. وفي تقرير آخر يرجع إلى سنة 1917 أصبح المدرس في وادي الزناتي هو السيد الجنيد (أحمد مكي؟). فإذا كان المقصود به الجنيد أحمد مكي، فسيرته معروفة من كتاب (شعراء الجزائر)، ولكننا لا نملك تقرير المفتش عنه، ولا عن سلفه

(1) تقرير موتيلانسكي، سنة 1905، مرجع سابق.

(2)

تقرير سان كالبر، 1907، مرجع سابق.

(3)

تقرير سان كالبر، 1913، مرجع سابق.

ص: 149

ابن زراق (1). ونفهم من تقرير دورنون سنة 1922 إن الجنيد ظل مدرسا في وادي الزناتي إلى هذه السنة، ثم تعين لإدارة إحدى المدارس بموريطانيا.

بسكرة: لم يفتش موتيلانسكي مدرس جامع بسكرة سنة 1905 لضيق الوقت وانشغاله بمهمات أخرى، ثم أدركته الوفاة كما أشرنا. ولكن المفتش الجديد، سان كالبر، ترك لنا تقريرا عن المدرس في بسكرة سنة 1908، وهو الشيخ محمد بن بلقاسم خمار، ونفهم من التقرير أن الشيخ خمار قد تعين مدرسا هناك سنة 1891، وهي السنة التي جندت فيها السلطات الفرنسية عددا من المدرسين. وقد ساق السيد سان كالبر معلومات هامة عن الشيخ خمار. فقد تجاوز الخمسين من عمره، وكان يعاني من مرض دائم في عينيه، وله مكتبة شخصية متنوعة وكبيرة. وهو محب للكتب وبستعملها لمراجعة دروسه، وكان يدرس نفس المواد المنصوص عليها في البرنامج (النحو والفقه والأدب، والحساب والتوحيد)، ولكن الكتب التي يرجع إليها في ذلك تختلف وتزيد عن المتعارف عليه. وكانت له شهرة كبيرة بين الناس كعالم كرس جهذه للتعليم، وله سيطرة تامة على تلاميذه. وكان الشيخ خمار يدرس في ناحية قداشة في قاعة صغيرة أرضها من الطين Argile وسماؤها مفتوحة. فهو بعيد عن مركز بسكرة، ولذلك لا يحضر إليه أهل المدينة لبعد مكان الدرس.

كان درسه ست مرات في الأسبوع. وتلاميذه حوالي 20 وليس منهم

(1) كتب الجنيدي (الجنيد؟) أحمد مكي سيرته بنفسه في كتاب شعراء الجزائر، ط. 1927. وبناء على تقرير المفتش دورنون سنة 1922 أن الجنيد أحمد مكي قد عين منذ شهر فبراير من هذا العام مديرا لمدرسة بوتليميت في موريطانيا، منتدبا لمدة ثلاث سنوات. وبناء على التقرير فإن تعيينه بوادي الزناتي كان سنة 1917. انظر تقرير دورنون سنة 1922، مرجع سابق. عن الجنيد أحمد مكي انظر أيضا فصل الاستشراق.

ص: 150

من يتكلم الفرنسية، رغم أن في أهل بسكرة من يتكلمها قليلا، كما لاحظ التقرير. وتلاميذه لا يستعملون الكراريس للإملاء والمذكرات، ولا يستعمل السبورة، والدرس شفوي فقط أو نظري. ومن بين تلاميذه ابنه قدور خمار الذي يحمل شهادة عدل في المنطقة العسكرية. وللشيخ خمار ابنان آخران سيترشحان، كما قال التقرير، لوظيفة حزاب. ولم يبد الشيخ خمار أية رغبة خاصة، ومما يؤسف له أن التقرير لا يتحدث عن مكان دراسة الشيخ خمار ولا عن شيوخه.

أما تقرير سنة 1909 فقد تغيرت فيه لهجة المفتش نحو الشيخ بطريقة تثير الاستغراب. وكان الذي كتب التقرير الجديد شخص آخر. فقد اقترح فيه تعويض الشيخ في الحال، وذلك لمرضه من عينيه مرضا لا يمكن الشفاء منه، ثم أنه يكاد يكون أصم. وقد تقدمت سنه (خمسون سنة!). ومضى عليه في الخدمة حوالي 19 سنة، ومن ثمة لا يمكنه التقاعد. ثم أنه يملك أربعة بساتين وأرضا للفلاحة. وقد وافق والي قسنطينة على تقرير المفتش وأرسل برأيه إلى الحاكم العام قائلا أنه أراد أن يضمن اقتراحه بعزل الشيخ خمار بشهادة طبية، ولكنه علم أن خمار ذهب إلى تونس للعلاج ولم يرجع بعد (أي إلى 13 أكتوبر 1915). وكان المفتش قد أوصى بتعيين شاب متخرج من المدرسة الشرعية - الفرنسية مكان الشيخ خمار، وفي هذه السنة (1959) أيضا ذكر المفتش أن الشيخ خمار كان يدرس في جامع سيدي الخنفري الذي يلاصق داره، وأنه لا يستطيع الذهاب إلى أماكن أخرى للتدريس. وقد كرر سان كالبر اقتراحه بتعويض الشيخ فورا سنة 1915، وكان راتب الشيخ خمار 800 ف. للعام.

ولا نملك قرار العزل والتعيين للبديل عندئذ، ولكن تقرير المفتش لسنة 1911 ذكر أن مركز بسكرة أصبح خاليا من المدرس منذ عام، مما يفهم منه أن الشيخ خمار لم يرجع من تونس للتدريس، أو أنه رجع ووجد قرار العزل دون تعويضه بأحد المدرسين. وقد جاء في تقرير السيد سان كالبر أن أحدا لم

ص: 151

يترشح لمركز بسكرة لضعف المرتب (1). وهكذا بقيت بسكرة بدون مدرس رسمي أكثر من عام، وربما لمدة أطول.

ولكن هناك شيخ آخر كان يعلم في بسكرة، وهو مصطفى بن محمد زادي. وقد وردت سيرته في تقرير المفتش سان كالبر لسنة 1908. غير أنه قال فيه أنه قد نقل هذا العام إلى المسيلة. وبناء على هذا التقرير فالشيخ زادي كان أيضا عصامي التعليم أو متعلما حرا. فقد حضر دروس الشيخ عبد القادر المجاوي في قسنطينة، كما درس في تونس والقاهرة. وكان عمره إذاك 45 سنة. وهو من النوادر الذين تعينهم السلطات الفرنسية للتدريس رغم خلفيات تعليمه، ثم رجع الشيخ زادي إلى التعليم في بسكرة، وربما في مكان الشيخ خمار. ذلك أننا وجدناه في تقرير سنة 1913 مدرسا في بسكرة. وكان له درس عام يحضره حوالي 19 شخصا أعمارهم من 10 إلى 65، حسب التقرير. وكان يلقي دروسه ستة أيام في الأسبوع. ويعلم نفس المواد الخمسة المنصوص عليها. وكان تقليديا في طريقته، ولكنه خصص درس يوم الأحد لتلاميذ المدرسة الابتدائية الفرنسية. وأخبر عنه المفتش أنه كان يعيش منعزلا عن الناس، وأنه لا يفهم مهمة المدرس كما تنتظرها منه فرنسا. ولذلك كان تأثيره على السكان معدوما. وقد أفهمه المفتش أن دوره كمدرس أكبر من ذلك (2). ولا ندري ما كان مصير الشيخ زادي بعد 1913، إذ ضاعت منا بقية التقارير عنه. غير أننا وجدناه رجع إلى بسكرة سنة 1915. وقد لاحظ عليه المفتش نفس الملاحظات القاسية، مثل قوله فيه إنه غير عصري ولا يستعمل السبورة وتلاميذه لا يترشحون لدخول المدارس الشرعية، الخ. وهدده هذه المرة بأن الترقية لا تكون بالأقدمية فقط ولكن بالنتائج الحسنة أيضا. ونعلم من تقرير سنة 1918 أن الشيخ زادي قد حقق هدفه وهو ولاية الفتوى في قالمة. وحل محله في بسكرة السيد الجنيد أحمد مكي الذي بقي إلى فيفري

(1) تقارير سان كالبر سنوات 1908، 1909، 1910، مرجع سابق. وكذلك تقرير موتيلانسكي، سنة 1905، مرجع سابق.

(2)

تقرير سان كالبر، سنة 1908 - 1913، مرجع سابق.

ص: 152

فيفري 1922 حين ذهب إلى موريطانيا (1).

وهكذا تغير المدرسون على بسكرة. لقد وجدنا في تقرير كتبه المفتش دورنون سنة 1923 أن مدرس بسكرة حينئذ هو السيد الزردومي، ولم يذكر التقرير إسمه الكامل، إنما ذكر أنه شاب وأنه تعين هناك منذ 13 يناير 1923. وأنه لقي معارضة من الآغا (شيخ العرب؟) ابن قانة الذي أراد الوظيفة لأحد أتباعه. كما وجد الشاب الزردومي معارضة من مدير المدرسة الابتدائية الفرنسية الذي رفض إعطاعه إحدى القاعات للدرس. فهل يرجع ذلك إلى نقمة المدير الفرنسي على المدرسين بالعربية أو إلى أمر آخر؟ ونفهم أن القاعة المعنية هي للدرس الخاص الموجه لتلاميذ المدرسة، أما الدرس العام فكان يلقى في أحد المساجد، كما عرفنا. ولم يعطنا التقرير معلومات عن أي درس من دروس الزردومي. والظاهر أنه لم يباشر عمله أبدا في المدرسة. ولم يوص المفتش بشيء ضد المدير الذي منع المدرس من استعمال القاعة (2).

ولا ندري إن كان الزردومي هذا هو نفسه معمر بن الحاج رابح الزردومي الذي تولى القضاء في قمار (الوادي) أو هو من أسرته فقط. ذلك أن جريدة (الأخبار) الفرنسية قد نشرت في صفحاتها العربية سنة 1913 أن (الوجيه الفقيه الأديب) معمر الزردومي قاضي قمار (والمحرر بهذه الجريدة سابقا)(3) قد زار مكتبها. ولعل الزردومي الذي تحدث عنه تقرير دورنون سنة 1923 إنما هو أحد أقارب هذا القاضي.

المسيلة: لم يفتش موتيلانسكي مدرس جامع المسيلة سنة 1905 أيضا. ولذلك لا نعرف من كان مدرسا بها عندئذ. وأول من أشارت إليه التقارير هناك (1908) هو الشيخ مصطفى زادي الذي انتقل إليها من بسكرة

(1) تقرير سان كالبر، سنة 1915 - 1918، مرجع سابق. ومن ثمة نعرف أن مدة الجنيد أحمد مكي في وادي الزناتي كانت سنة واحدة 1917 - 1918.

(2)

تقرير دورنون لسنة 1923، مرجع سابق.

(3)

جريدة (الأخبار) - القسم العربي، 25 مايو، 1913. عن الزردومي انظر أيضا فصل السلك الديني والقضائي.

ص: 153

(انظر سيرته هناك). وقد حضر المفتش درسه فوجده تقليديا، رغم حماسه وحبه للعلم. فتدريسه شفوي، ولا يستعمل السبورة، وتلاميذه 24 وليس من بينهم من يتحدث الفرنسية، ولا من دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية. أما الشيخ فهو، حسب التقرير، يجيد مادته، وهو متحمس لها، ولكن ليس في تعليمه أي شيء عصري. ومع ذلك فهو مفيد لأنه على استعداد كبير لو استعمل السبورة وحث تلاميذه على أخذ مذكرات من الدرس، وكان عليه أن يكرس وقتا أكثر لشرح النصوص. أما عن الرغبات فقد أبدى الشيخ زادي استعداده لتولي وظيفة مفتي. ولم يبين التقرير المكان الذي كان الشيخ يلقي فيه درسه، هل هو الجامع أو مكان آخر (1).

ويبدو أن الشيخ زادي لم يطل الإقامة في المسيلة رغم أننا لا نعرف متى نقل منها. ولكننا نعرف أن المدرس فيها سنة 1912 - 1913 هو السيد صالح بن سعيد وهاب، وليس في التقرير سيرة لهذا المدرس، إنما فقط هو شاب ذكي يتقن مهمته، وهي عادة أوصاف يطلقها المفتشون الفرنسيون على من تخرج من إحدى المدارس الشرعية الفرنسية. كان الشيخ صالح وهاب يلقي درسين، أحدهما عام في المسجد، والآخر خاص في المدرسة الابتدائية الفرنسية. وتلاميذه عشرون، بعضهم من هذه المدرسة الابتدائية نفسها، وأعمارهم بين 14 و 60. وبناء على التقرير فإن السيد وهاب قد أحرز على ثقة السلطة والسكان معا (2).

وقد يكون السيد وهاب بقي في المسيلة إلى حوالي 1919. ذلك أن المدرس الجديد فيها، حسب تقرير سنة 1923 هو الأطرش بن نية. وقال التقرير عنه أنه قد عين هناك منذ حوالي أربع سنوات. وليس له سيرة وافية في التقرير وإنما معلومات عامة تصدق عادة على من تخرج من المدرسة الشرعية - الفرنسية. فهو ناجح جدا في درسه الذي يبدو أنه كان يلقيه خارج

(1) تقرير سان كالبر، لسنة 1908.

(2)

نفس المصدر، سنة 1913.

ص: 154

المسجد، إذ يحضر له عدد كبير حتى من غير المسلمين، مثل التلاميذ اليهود الراغبين في تعلم العربية. وقد اقترح له المفتش الترقية إلى رتبة أعلى، أي الطبقة الثانية في سلم المدرسين، وراتبها 5000 ف (1).

قالمة: يبدو أن مركز التدريس في قالمة قد استحدث خلال الحرب العالمية فقط، فهو ليس من المراكز التي أنشئت سنة 1955. وأول إشارة في أوراقنا إلى مدرس في قالمة ترجع إلى سنة 1917 حين ذكر المفتش أن الشيخ معيزة كان مدرسا فيها قبل انتقاله إلى سطيف لتعويض الشيخ الصحراوي. وكان الشيخ معيزة (انظر سطيف) قد مدحه المفتش على تعليمه، رغم أنه من التقليديين.

أما تقرير 1923 فيذكر أن المدرس في قالمة هو السيد فاضل. وكان من خريجي المدرسة الشرعية الفرنسية، القسم العالي بالجزائر. ولا ندري متى تعين في هذه الوظيفة، ولعله بعد انتقال الشيخ معيزة (1917)، ذلك أن التقرير يذكر أن السيد فاضل قد تحسن في تعليمه عن السنة السابقة. والغريب أن السلطات الفرنسية المحلية قد طلبت تدريس العربية الدارجة للتلاميذ الفرنسيين الابتدائيين وكذلك للعسكريين، وهو نفس الطلب الذي طلبته من الشريف سعدي مدرس بجاية، رغم أن هذه الدروس موجهة أساسا للعامة والتلاميذ المسلمين في المدارس الفرنسية. وقد حكم المفتش، مع ذلك، أن السيد فاضل (ولم يذكر اسمه الأول، وقد يكون محمد) مؤهل لوظيف القضاء أكثر من وظيف التعليم (2).

تبسة: مركزها حديث النشأة أيضا. ومدرسها سنة 1923 هو السيد المكي بن علي. واعتبره المفتش من المدرسين الناجحين، وهو شخص وصف بالمتعاون جدا مع السلطات المحلية. كما أن له سمعة كبيرة بين الأهالي باعتباره من العلماء، وهو أيضا مدير المدرسة هناك. وامتدحه

(1) تقرير دورنون، سنة 1923، مرجع سابق.

(2)

نفس المصدر.

ص: 155

المفتش بأنه يشرف أساتذته القدماء في المدرسة الشرعية - الفرنسية (؟). والسيد المكي من تبسة أصلا، ومزدوج اللغة، وكان عندئذ ما يزال شابا حسب التقرير. ولعل المفتش دورنون كان أحد أساتذته (1). والسيد المكي أول من ذكرته التقارير على أنه مدير لمدرسة. ولم يذكر المفتش تفاصيل عن تلاميذه ولا عن دروسه في المسجد.

ويبدو أن دروس المساجد بالطريقة القديمة ثم التي انطلقت منذ 1955، أخذت تفقد معناها وأسلوبها بعد الحرب العالمية الأولى وأصبح التركيز على الدروس خارج المساجد لتحضير التلاميذ لدخول المدارس الشرعية - الفرنسية، وإشاعة اللغة الفرنسية والتأثير الفرنسي عن طريق الجيل المتخرج من هذه المدارس. وهذه هي الثغرة التي سيدخل منها رجال الإصلاح المتطوعين إلى مجال التعليم المسجدي الموازي وإرجاعه إلى سنته بالوعظ والإرشاد والتوعية، إلى جانب التعليم العربي الحر في المدارس الإصلاحية.

العين البيضاء: أنشئ مركز العين البيضاء سنة 1955. وجرى التفتيش على المدرس هناك 1905. والمدرس الذي أشار إليه التقرير في هذه السنة هو السيد عمر بن عبد القادر بن الموفق. وهو خريج المدرسة الشرعية - الفرنسية (قسنطينة؟). بدأ ابن الموفق ممارسة مهمته منذ تنصيبه من قبل شيخ البلدية الفرنسي (2). وكان تعيينه في الوظيفة في 7 جوان 1905، أي عند نهاية السنة الدراسية تقريبا، ولكن دروس المساجد لا موسم لها. وبالرجوع إلى التقارير اللاحقة لا نكاد نجد ذكرا لمركز العين البيضاء. فإما أن المفتش لا يزوره د وإما أن المنصب نفسه قد ألغي.

وكانت العين البيضاء مركزا نشيطا للتدريس المسجدي ولكن في مجال التطوع. فنحن نعلم أنه كان بها زاوية تجانية ومسجد حبسا لآل حم علي

(1) تقرير دورنون، سنة 1923، مرجع سابق.

(2)

تقرير موتيلانسكي، سنة 1905، مرجع سابق.

ص: 156