الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به. ومن ذلك موقفه في إجازته لتلميذه محمد بن عمر السازيلجي سنة 1876، وهو تاريخ مظلم في المنطقة، فقد رخص له بتعليم كل العلوم التي أخذها عنه، وهي النحو والفقه والحديث. وجعله في مكانه ومكانته في هذه العلوم (1). ومن تلاميذ البوجليلي أيضا محمد السعيد بن زكري وأبو يعلى الزواوي ومحمد الصالح القلي، الذي مدح شيخه بقصيدة (2). وقد شهد بعض تلاميذه كابن زكري، أنه كان من المصلحين ودعاة القضاء على البدع التي كانت تساعد على نشر الشعوذة والخرافة، وكانت المدخل الذي يدخل منه المستغلون للشعب للسيطرة والتجهيل.
زوايا الجنوب
ليس هناك حد فاصل ومصطلح متعارف عليه لمفهوم الجنوب في الجزائر. فقد يعني تارة الخط الذي يلي الأطلس الصحراوي. وبذلك تكون بسكرة وبو سعادة والمسيلة والأغواط والبيض وعين ماضي كلها جنوبية. وقد يعني فقط أرض الرمال، كالعرق الشرقي والعرق الغربي، فتكون سوف وتقرت وورقلة وشبكة ميزاب ومتليلي وتوات هي الخط الجنوبي. وإلى آخر القرن الماضي كان المقصود بالجنوب هذه الحدود والبلدان والواحات حيث النخيل والرمال والشمس المحرقة صيفا والبرد اللافح شتاء. ولكن منذ آخر القرن الماضي امتدت الحدود إلى بشار وتندوف ورقان وعين صالح.
(1) ديبون وكوبولاني (الطرق
…
) مرجع سابق، ص 390 - 391. وقد ترجم الإجازة إلى الفرنسية الضابط جان ميرانت الذي أصبح بعد حين مديرا للشؤون الأهلية. انظر فصل الطرق الصوفية عن خلافة الشيخ الحداد بعد وفاته. وذكر ديبون وكوبولاني أن البوجليلي كان من دوار تيقرين، بلدية آقبو عندئذ. وكان يوقع اسمه بإضافة (الحسني) على أنه من الأشراف. وكان أتباعه الرحمانيون سنة 1897 يتجاوزون تسعة آلاف.
(2)
عنه انظر أيضا علي امقران السحنوني، من بحث له عن الشيخ البوجليلي، وكذلك بحث الدكتور عمار الطالبي الذي قدمه عنه لمؤتمر الفكر الإسلامي، 15 في بجاية.
والمنيعة وتمنراست وجانت. وأصبح الجنوب هو تلك المساحات الشاسعة من الصحراء التي تشمل الهقار وسكانه الملثمين. ونحن سنطلق كلمة الجنوب على كل المدن والقرى والواحات الواقعة وراء الأطلس الصحراوي والتي تمتد إلى حدود مالي والنيجر.
وهذه المنطقة من الوطن غنية بتراثها العلمي والديني، وغنية بعلمائها ومؤلفيها، وبزواياها ونظمها، وكذلك غنية بآثارها ومكتباتها، ولكن البحث في ذلك ما يزال ضعيفا، ولم يهتم بها إلا الأجانب، رحالة ومستكشفين، وحكاما ودارسين، ومبشرين وجواسيس وتجارا. وقد اشتهر بعضها بالدين والتصوف مثل عين ماضي وتماسين وقمار وعميش والقنادسة والهامل وطولقة والرويسات والبيض. واشتهر بعضها بالكتب والعلم مثل تمنطيط وتوات وميزاب. وعرف عن بعضها الاهتمام بالتجارة والمغامرات وخبرة الطرق مثل غرداية ومتليلي وسوف والمنيعة وعين صالح. كما اشتهرت تقرت بأنها عاصمة سلطنة بني جلاب التي انقرضت، والهقار بآثار الطاسيلي التي ترجع إلى مئات السنين وبأبجدية التماشق. ومن منا قد درس أو تخصص في هذه الظواهر الحضارية للجنوب الغني والمتسع عبر مئات الأميال؟.
إن اهتمامنا هنا سينصب فقط على ظاهرة الزوايا التعليمية وليس على الزوايا مطلقا. وقد تعرضنا في فصل الطرق الصوفية إلى دور الزاوية الديني والروحي والاجتماعي. وذكرنا هناك أن تعليم القرآن كان ظاهرة اشتركت فيها معظم الزوايا حتى تلك التي لا تتخذ من التعليم وسيلة للعيش أو التقرب إلى الله زلفى. أما الزاوية كمدرسة لنشر العلم بالمفهوم التقليدي فقد كان عددها قليلا نسبيا. ويمكن أن نقول أنها لا تتجاوز العشرة. وهناك مدرسون لم يؤسسوا زوايا وإنما اتخذوا التعليم وسيلة وقربة إلى الله، في منازلهم ومساجدهم، مثل ما فعل الشيخ محمد بن علي بن شبيرة وأخوه أحمد في بوسعادة (1). وما فعل الشيخ محمد بن عبد القادر من نفس
(1) توفيا في حدود 1270 هـ وقد نفتهما السلطات الفرنسية إلى تونس لمشاركتهما في ثورة الزعاطشة.