الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأنه متعلم بما فيه الكفاية، ولكنه كان قليل الاهتمام بوظيفة التدريس بالجامع. وكان له درس عام وآخر خاص، ولكن لا تأثير له. وقد جاء في تقرير آخر (سنة 1911) أن عدد الحضور في الدرس العام ثمانية فقط (1). ومع ذلك فقد بقي السيد مطاهري في هذه الوظيفة التي لا يرغب فيها عدة سنوات. ولم تخلصه منها، فيما يبدو، إلا الحرب، إذ جاء في تقرير سنة 1915 أن السيد مطاهري قد استدعى للخدمة العسكرية وأن مكانه أصبح شاغرا (2).
7 -
بو سعادة: تأسست مراكز جديدة للتدريس في ولاية الجزائر القديمة في غير المراكز العشرة المذكورة سابقا. ومن هذه المراكز بو سعادة. فقد وجدنا في تقرير سنة 1911 أن المدرس هناك هو الشيخ عبد القادر بن الحاج، الذي سمى مدرسا في 24 يوليو 1955، وكان راتبه 720 ف سنويا. وكان الشيخ ابن الحاج يلقي درسه في الجامع. وكان عدد الحاضرين يوم التفتيش ثمانية فقط، من بينهم أحد أبناء الشيخ. وكان ابن الحاج يدرس التوحيد والأدب والبلاغة والحساب والنحو والمنطق والفقه. ومن الواضح أن هذه المواد لا يشملها كلها البرنامج الذي عينته السلطات للمدرسين وعممته (3).
مدرسو المساجد في إقليم وهران
من أشهر مدن العلم في ولاية وهران خلال العهد الفرنسي الأول (ما قبل تنظيم التعليم في المساجد رسميا) هي تلمسان ومعسكر ومازونة. وشيئا فشيئا لحقت مستغانم ووهران الخ. وقد أصاب مساجد هذه المدن ما أصاب مساجد العاصمة، بل ربما أكثر، نتيجة المقاومة العنيدة في الناحية، وأصيبت
(1) تشير التقارير في أغلب الأحيان إلى الحالة المدنية للمدرس، فتذكر ما إذا كان متزوجا، وعدد أطفاله الخ
…
ولكننا أهملنا ذلك هنا.
(2)
تقرير ديستان، مرجع سابق، 1910، 1912.
(3)
نفس المصدر. تقرير 1911. من المراكز أيضا الأغواط. انظر تقرير 1915، إذ جاء فيه أن المدرس في جامع الأغواط قد توفي دون ذكر اسمه.
الناحية بجدب علمي كبير نتيجة هجرة العلماء إلى المغرب والمشرق. ومن العائلات التي كانت تشتغل بالتدريس ثم هاجرت: عائلة المشرفي من معسكر، وعائلة المجاوي وعائلة محمد بن سعد من تلمسان، كما نقلت السلطات الفرنسية بعض علماء الغرب إلى الشرق الجزائري، مثل عائلة بو طالب.
وحين فتح الفرنسيون مدرسة تلمسان الرسمية سنة 1851 لم يجدوا من يعمرها في دراسة المواد العربية والإسلامية إلا القليل. ومن الأسماء التي دخلتها عندئذ الشيخ أحمد بن البشير ومحمد بن عبد الله الزقاي. وظلت عائلة بوراس المازونية تخدم العلم في مازونة أيضا. وقد تولى الشيخ أحمد بلبشير إدارة المدرسة، حسب بعض المصادر، إلى أن أصيب في عينيه. وتخرج على يده الجيل الأول، ولا نعرف أنه كان مدرسا قبل ذلك في المساجد بتلسمان. أما الشيخ الزقاي فقد كان تكوينه من الطراز القديم. فأخذ العلم في تلمسان ثم هاجر في سبيله إلى تونس ومصر، ومن تلاميذه قاضي تلمسان شعيب بن علي المعروف بالجليلي وعبد القادربن مصطفى المشرفي. وللزقاي تآليف ذكرها الحفناوي في تعريف الخلف، سنوردها في جزء آخر (1). وقد تعلم في موطنه ثم درس في الأزهر وأدى فريضة الحج وأخذ عن علماء الحجاز. وبعد رجوعه إلى الجزائر تولى التدريس في مدرسة تلمسان الرسمية كما تولى وظيفة القضاء وعضوية المجلس القضائي الرسمي أيضا.
وقد حاولت السلطات الفرنسية أن توظف علم الشيخ الزقاي لدعايتها في توجيه الجزائريين لقبول المرسوم الشهير المتعلق بتقسيم الأراضي العرشية وجعلها ملكية فردية، سنة 1863. فقد وجدناه يكتب، دون أن يكون له معرفة بأبعاد وخطورة المرسوم على وحدة المجتمع، مقالة مطولة ينصح فيها
(1) عن الزقاي انظر كناش تلميذه القاضي شعيب بن علي، مخطوط المغرب، ك 48. وفيه أنه نال إجازات عديدة من علماء الأزهر. وإجازة المشرفي له. انظر أيضا تعريف الخلف 2/ 155.
بقبول المرسوم باعتباره في فائدة المسلمين. ولا شك أن درايته بالفقه ووظيفته في المدرسة هي التي حملت السلطات على أن تطلب منه الكتابة في هذا الموضوع. والملاحظ أنه لم يكتب بعد صدور المرسوم مباشرة. ولكن سنة 1867 عند اندلاع الجوائح الكبيرة، وأثناء ثورة أولاد سيدي الشيخ، ومعارضة أرباب العروش لسياسة نزع الملكية الجماعية وإنشاء الملكية الفردية التي بدأت تظهر أنها نوع من التحايل على إعطاء الأرض للمستوطنين الفرنسيين. أما عنوان مقالته فهو (تنبيه أكيد لمن عساه يغفل عن فائدة التحديد). ويعني هنا (تحديد) الأرض العرشية، أي تقسيمها وتمليكها إلى الأفراد من العرش (الملكية الفردية) لتسهيل نقلها إلى الملكية الأروبية بالبيع ونحوه (1).
وقد ظل الشيخ الزقاي يعمل في التدريس والقضاء ويمنح الإجازات للتلاميذ إلى أن توفى بالعاصمة في حدود 1290 هـ (1873) ودفن في مقبرة سيدي محمد.
وإذا كان الشيخ الزقاي من مدرسي الدروس الخاصة بالتلاميذ المترددين على المدرسة الرسمية في تلمسان وكان فيهم كبار السن في مرحلتها الأولى، كما عرفنا، فلإن الشيخ علي بن عبد الرحمن عرف عنه التدريس في مسجد وهران وولاية الفتوى في نفس المدينة. ومن امتيازات المفتي الإشراف على غيره من المدرسين والأيمة في الولاية أيضا. وكان منصب المفتي شرفيا فقط وليس له ما قد يوحي به من الفعالية والرأي الأخير، كما كان الحال في الزمن القديم. وقد مر على وهران عدد من المفتين قبل علي بن عبد الرحمن، منهم حميدة بن القائد عمر المتوفى سنة 1870 (2).
(1) انظر جريدة (المبشر) تاريخ 28 نوفمبر 1867، ورسالة الباحث إبراهيم الونيسي.
(2)
جاء في أحد المصادر أن حميدة هذا ولد سنة 1823 وتولى الفتوى سنة 1845، ونحن نستبعد ذلك، لصغر سنه، وقد كان الفرنسيون حذرين من إسناد بعض المناصب خوفا من عدم تأثير أصحابها على الأهالي. ثم أن نفس المصدر يذكر أن الشيخ كان مساعدا لشيخ البلدية حوالي 1868، وهذا غريب. انظر الصادق بن قادة =
ومن الظواهر الغريبة في حياة المفتين والعلماء الجزائريين عندئذ دخولهم في الطرق الصوفية رغم علمهم في الظاهر. وهذا ليس خاصا بالعلماء الذين قد يكونون أصلا من الزوايا أو درسوا فيها، بل كان أمرا شائعا حتى فيمن تخرج من المدرسة الشرعية - الفرنسية. لاحظنا ذلك على المفتي علي بن الحفاف مع (الشاذلية) والشيخ أبو القاسم الحفناوي بن الشيخ مع (الرحمانية)، والقاضي شعيب بن علي مع مختلف الطرق الصوفية، وهو واضح في حالة الشيخ المفتي علي بن عبد الرحمن مع الطريقة التجانية. ترى ما الذي حمل هؤلاء العلماء على الدخول في الطرق الصوفية، رغم أنهم كانوا موظفين ويتعاملون مع سلطة محتلة لبلادهم؟ فهل هو التقرب إلى الله أو التقرب إلى الحكام عن طريق رجال التصوف؟ أو هو نوع من شراء الأمن والاحتماء بالشيوخ؟ ولنذكر الناسين بأن علماء العهد العثماني كانوا على هذا النمط أيضا، وكان بعضهم يشتري الدنيا بالآخرة. وقد ذكرت عدة مصادر أن المفتي علي بن عبد الرحمن كان من أتباع الطريقة التجانية، بل من أبرزهم، فلا غرابة إذن أن تنتشر البدع بين الناس ما دام رجال الدين فيهم قد أصبحوا يغطون في النوم في ظاهر الأمر. وكان القاضي شعيب بن علي يكاتب ويجامل أحمد سكيرج المغربي الذي سخر قلمه للدفاع عن التجانية، فيطلب منه الإجازة والبركة. وقد صدق ابن باديس عندما هاجم سكيرج هذا قائلا أنه لم يدع إلى نهضة شعب أو يعارض الاحتلال لبلاده.
ومهما كان الأمر، فإن الشيخ علي بن عبد الرحمن كان حيا إلى أوائل هذا القرن. وكانت السلطات الفرنسية يرضيها جدا أن يكون أمثاله على رأس الديانة الإسلامية في الجزائر. وكان ابن عبد الرحمن معاصرا لشخصيات أخرى لا تقل عنه غيرة على الصوفية، أمثال حميدة العمالي الذي كان رحمانيا، وعبد الحليم بن سماية الذي استجاز الشيخ محمد بن بلقاسم
= (مثال من الاحتجاج الحضري في القرن 19، قضية مقبرة وهران الإسلامية)، في (دفاتر التاريخ المغربية)، ديسمبر 1987 عدد 1، ص 95.
الهاملي، لشهرته العلمية وبركته الصوفية. وقد ذكر لي الشيخ المهدي البوعبدلي (وهو مفتي وشاذلي الطريقة أيضا - درقاويا؟) أن الشيخ علي بن عبد الرحمن قد نسخ كتاب ابن حمادوش في الأدوية بخطه في 119 صفحة (1). كما ذكر البوعبدلي أن ابن عبد الرحمن قد توفي سنة 1324 هـ، وهو التاريخ الذي كتبه الحفناوي في (تعريف الخلف) أيضا. وجاء في أحد المراجع أن المفتي ابن عبد الرحمن كان من تلاميذ الشيخ علي بن الحفاف ومن مقدمي الطريقة التجانية (2).
…
هناك هدف واحد ورئيسي وضعه الفرنسيون نصب أعينهم من التعليم في المساجد، وهو نشر الأفكار والتأثير الفرنسي عن طريق المسجد، وللوصول إلى ذلك وضعوا عدة مقاييس كان على رأسها اختيار المدرسين من غير السلك الديني القديم، ظانين أن الذين تخرجوا من المدرسة الشرعية - الفرنسية سيكونون أفضل المبشرين بذلك التأثير وتلك الأفكار. وإذا كان البعض من هؤلاء قد مشوا في الطريق تحت حماس التجربة وغطاء العلم مثل ابن الموهوب، فإن الآخرين من زملائهم كانوا (فاهمين) للخطة. وقد كان لوسياني وراء تجربة التعليم في المساجد ولكن الذين كانوا يطبقونها في الميدان ويسهرون على تنفيذها ومراقبتها بدقة هم المستشرقون مدراء المدارس الشرعية، كما ذكرنا. وقد كان هؤلاء على درجات، لكن أكثرهم ربما تعصبا وكراهية لكل ما هو عربي وما هو إسلامي هو ألفريد بيل، مدير مدرسة تلمسان، وتلميذ رينيه باسيه. وقد تغير المدراء على مدرسة الجزائر خلال العشرين سنة من أول هذا القرن، فكان ديلفان، ومارسيه، وديستان وسان كالبر، الخ. أما مدرسة تلمسان فقد طالت فيها إدارة بيل حتى أنه كان المفتش الوحيد على مختلف دروس المساجد في ولاية وهران طيلة عشرين سنة تقريبا.
(1) من رسالة بتاريخ 30 يناير 1976.
(2)
عبد الباقي مفتاح (أضواء
…
) مخطوط.
كان في هذه الولاية ثمانية مراكز على المفتش أن يزورها سنويا وأن يقدم بشأنها تقريرا إلى الحاكم العام. وفي هذه التقارير وصف للمعلم (المدرس) وتعليمه وطريقته وتلاميذه وتأثيره الخ. ثم اقتراحات وتوصيات بالتبديل أو العزل أو بالترقية وما إلى ذلك، وهذه المراكز هي: وهران، وتلمسان، ومستغانم، وسيدي بلعباس، ومعسكر، ومازونة، وندرومة، بالإضافة إلى جيرفيل في المنطقة العسكرية. ولننظر إليها مركزا مركزا، مبتدئين بوهران (1).
1 -
وهران: مدرس الجامع الكبير فيها سنة 1905 هو الشيخ حريزي سي الحبيب البخاري. وكان عندئذ طاعنا في السن، عمره 75 سنة تقريبا، حسب التقرير، فيكون من مواليد سنة 1830 تقريبا. وقد سمى في هذه المهنة سنة 1868. ويقول التقرير أن المفتي الحالي لوهران (علي بن عبد الرحمن) هو الذي خلفه في التدريس. وكان راتب الشيخ حريزي 955 ف. سنويا. ويقول بيل أنه عندما علم الشيخ بزيارته التفتيشية حضر درسه ليلا فلم يزد عند التفتيش على أن قرأ نصا في النحو من الآجرومية بصوت عال. ولذلك انتقد طريقته بشدة، واستمر في نقدها في مختلف التقارير مع التوصية بإحالته على التقاعد إلى أن تم ذلك سنة 1907. ويقول بيل أن عدد تلاميذ الشيخ كانوا ثلاثة فقط. ونفهم من التقرير أن الشيخ كان أيضا يشتغل مساعدا في المحكمة براتب 175 ف. شهريا. ولذلك اقترح بيل أن الراتب الأخير يكفيه. ويدل هجوم بيل على طريقة الشيخ حريزي أن هذا الشيخ لم يدرس في المدارس الرسمية - الفرنسية.
وفي تقرير سنة 1907 رجع بيل إلى نقد طريقة الشيخ حريزي واقترح
(1) في البداية كانت المراكز ثمانية بوجود مدرسين اثنين في تلمسان ولا وجود لمركز في مازونة. وفي تقريره سنة 1907 اقترح ألفريد بيل إنشاء وظيفة مدرس في مازونة. فاستحدث فيما يبدو، بعد سنة 1912، لأن هذا المركز ظل إلى هذا التاريخ شاغرا وسنجده أيضا شاغرا سنة 1918.
من جديد إحالته على التقاعد، بدعوى أنه غير قادر على تدريس النحو للمبتدئين والمترشحين للمدرسة. ولاحظ أنه حضر درسا ألقاه خليفة الشيخ، وهو السيد بوخالفة الحبيب، فوجده يعرف النحو أفضل من الشيخ حريزي، وأن لغته أدبية أكثر منه، ولكنه مع ذلك لا يحسن طرق التدريس. وكان السيد بوخالفة مهتما، في نظر بيل، بتوسيع معارفه أكثر من اهتمامه بتفهيم السامعين له.
ونظرا لضياع بعض التقارير منا فقد انقطعت حلقات المدرسين، لكننا نجد أن المدرس بوهران سنة 1917 هو الشيخ رحال منور الذي كان في عداد الطبقة الثانية من المدرسين. ولا نعرف كيف تعلم الشيخ رحال ولا أين. ولعله كان من خريجي المدارس الشرعية - الفرنسية. وفي تقرير آخر لبيل نفسه سنة 1923 نجد رحال ما يزال هو المدرس في وهران رغم أنه لا يدرس في المسجد، لعدم حضور الناس له، لكن التقرير لا يذكر السبب. ومعنى ذلك أنه كان لا يلقى درسا عاما، وهو أساس التعليم المسجدي، كما عرفنا (1).
2 -
تلمسان: في تلمسان مركزان أو جامعان: الجامع الكبير وجامع سيدي السنوسي. أما الجامع الكبير فكان مدرسه هو الشيخ بوثلجة الذي كان يدرس الفقه والتوحيد. وذلك هو الدرس العام الذي أباحه الفرنسيون منذ الخمسينات من القرن الماضي بشرط عدم الخروج عن الخط المسطور. وكان الدرس موجها إلى عامة المسلمين بالمدينة. وراتب الشيخ سنة 1905 هو 600 ف. فقط، رغم أن له عائلة. ولكن المفتش بيل انتقد الشيخ بوثلجة بأنه منغلق الفكر قديم الطريقة ضحل المعلومات، رغم معرفته للنحو والفقه. ولا غرابة في أن يقول بيل عنه ذلك ما دام الشيخ من زاوية كرزاز. ومن ثمة فهو موضوع في خانة المرابطين. وكان بيل لا يطيق وجود أمثاله، سيما وأن
(1) تقارير ألفريد بيل، أرشيف إيكس (فرنسا)، رقم 47 H 14 سنوات: 1906، 1907.
الشيخ، كما قال بيل، لا يعمل على التقرب من الفرنسيين. لكن بيل لا يتكلم إذا كان المرابطون الموظفون يعملون على التقرب من الفرنسيين ويسكتون عن مصالح المواطنين، والأمثلة كثيرة. وكان الشيخ بوثلجة هو ممثل زاوية كرزاز في تلمسان، وكان في دروسه يذهب إلى حد الدعوة إلى التصوف إذا لم تكن دروسه مراقبة. ونفهم من هذا أن السلطات الفرنسية كانت تضع المراقبين (الجواسيس) في تلاميذ وجمهور المستمعين للشيوخ المدرسين، وهو أمر عادي.
أما جامع سيدي السنوسي، فكان المدرس فيه سنة 1905 هو أبو بكر بن شعيب، وهو ابن القاضي شعيب بن علي (1). وكانت بعض المصادر تتهم القاضي شعيب بالتجسس على زملائه أيام ثورة بوعمامة واحتلال تونس. وكان أبو بكر يحضر التلاميذ لدخول مدرسة تلمسان الشرعية - الفرنسية، كما كان منتظرا من هذا التعليم. وكان عنده حوالي 40 تلميذا، وقد اعتبره بيل مدرسا ناجحا ومسلما ليبراليا، وهو خريج القسم العالي في مدرسة الجزائر، وقد سجل في مدرسة (كلية) الحقوق، وهو يتقن التحدث بالفرنسية وله مطبوعات في الشريعة الإسلامية، وحاصل على وسام (نيشأن) سنة 1904 (2).
وما دام المفتش بيل هو صاحب الأمر والنهي في الناحية فقد تصرف كما لو كان هو الحاكم العام، فقد عزل الشيخ بوثلجة من التدريس في الجامع الكبير بتلمسان وعين خلفا له السيد أبا بكر عبد السلام بن شعيب الذي كان في جامع سيدي السنوسي، كما عينه في وظيفة مدرس في مدرسة تلمسان أيضا. وبذلك أصبح أبو بكر يجمع بين وظيفتين، وكان أبوه من جهة أخرى في وظيفة القضاء، كما ذكرنا. أما جامع سيدي السنوسي فقد تعين له بو علي الغوثي الذي كان في جامع سيدي بلعباس. وكان الغوثي كزميله أبي
(1) عن القاضي شعيب انظر فصل المسلك الديني والقضائي.
(2)
عن أبي بكر بن شعيب، وكذلك عن والده، انظر لاحقا.
بكر، متخرجا من مدرسة تلمسان الشرعية - الفرنسية ومن القسم العالي بمدرسة الجزائر. وهو في نظر بيل يقوم بتدريس أكثر تقدما من التدريس الذي يقوم به بو ثلجة. وقد اطلعنا له على شعر رائق وأفكار واسعة، وله مؤلف في الموسيقى الخ. سنعرض له. ومن اقتراحات بيل سنة 1907 منح وسام للغوثي أيضا (1). وأغلق بيل أحد المركزين بتلمسان، وفتح مدرسة بمازونة بنفس الراتب الذي كان مخصصا للشيخ بوثلجة المطرود. وهكذا بدل الزيادة في مراكز التدريس اقترح بيل تخفيض الدروس بتلمسان على أساس أن المدرسة الشرعية - الفرنسية تكفي مع مركز واحد.
والظاهر أن السلطات قد استجابت لاقتراح بيل. ذلك أننا لم نجد في تقرير سنة 1923 سوى مركز واحد في تلمسان (2)، وهو الجامع الكبير. وكان المدرس فيه هذه السنة هو عبد الرحمن رستان الذي قال التقرير عنه أنه شغل المنصب منذ 46 شهرا، فيكون قد بدأ التدريس حوالي سنة 1920. ولعله مارس التدريس بالمدارس الفرنسية أيضا قبل ذلك. فقد تخرج من القسم العالي بمدرسة الجزائر. ووجدنا اسمه من بين تلاميذ الشيخ عبد الحليم بن سماية بالجامع الجديد بالعاصمة سنة 1919، وكان عمره آنذاك 23 سنة. وبذلك يكون قد عين مدرسا بمجرد تخرجه وهو في ريعان الشباب. وقد اعتبره تقرير سنة 1923 من أفضل مدرسي ولاية وهران، وأوصى له بيل بالارتقاء إلى الطبقة الثانية، رغم أن القانون يقضي بالبقاء في الطبقة الواحدة خمس سنوات على الأقل (وهو له أربع سنوات فقط)(3). ولا ندري إن كانت إدارة الشؤون الأهلية التي أصبح على رأسها جان ميرانت قد استجابت لهذا الاقتراح، والغالب أنها فعلت، لأن رأي بيل ورأى ميرانت في
(1) في تقرير سنة 1908 اقترح بيل زيادة راتب السيد الغوثي من 955 ف إلى 1200 ف كمدرس بالجامع الكبير بتلمسان.
(2)
لم نجد تقارير المفتش سنوات 1916، 1917، 1918، 1919، 1920، 1921.
(3)
تقارير ألفريد بيل، المرجع السابق، سنة 1923 أما تقرير الجزائر لسنة 1919 فقد ضاع منا، ولا ندري الآن من حرره.
الدور المنوط بالمدرسين الجدد متفقان.
3 -
معسكر: مدرس معسكر سنة 1905 هو الشيخ الدائجي محمد بن الحاج. وقد سمى مدرسا بالجامع الكبير في 17 غشت 1899 وراتبه 955 ف. سنويا. وقد حضر له المفتش بيل في سنة 1906 درسا في النحو وآخر في الفقه. وابتداء من سنة 1907 بدأ بيل يقترح تعويض هذا الشيخ وأخذ يوجه له النقد، بطريقة متشابهة لما فعل مع بوثلجة في تلمسان وحريزي في وهران. فهو لا يصلح للمهمة المسندة إليه في نظر بيل لأنه لا يحتفظ بسجل للحضور، ولا يحضر له إلا ثلاثة تلاميذ فقط، وهو لا يحسن طرق التدريس، ولا يملك كراسا لإعداد الدرس، ومن تلاميذه ابنه وبعض أقاربه. ولا يحضر درسه موظفو الجامع. وقد كرر بيل اقتراحه بتعويض الشيخ في تقرير سنة 1915 أيضا، وتعيين أحد خريجي المدارس الشرعية - الفرنسية مكانه.
ورغم الإلحاح بضرورة تعويض مدرس معسكر، فان الشيخ قد بقى إلى 1922 على الأقل. ذلك أننا نجد في تقرير هذه السنة التأكيد من جديد على ضرورة تعويضه بمدرس شاب من المتخرجين من القسم العالي بمدرسة الجزائر. ولا ندري ما هي قوة الشيخ الدائجي في البقاء رغم معارضة بيل. ويبدو أن بيل نفسه قد لان نحوه بعض الشيء إذ لم يقترح عزله وإنما اقترح أن يعين في الافتاء بدل التدريس. ولم يذكره بيل بالاسم في التقرير ولكن من الواضح أنه يعنيه هو، عندما يقول عنه (مدرس معسكر). وقد قال أنه أصبح يستعين بابنه في الدرس. وهي طريقة كانت قديما موجودة (الاستعانة بالتلاميذ، إبنا أو غيره) ولكن المفتش بيل لا تروقه هذه الطريقة (1).
4 -
مستغانم: كان علال محمد ولد مصطفى هو مدرس مستغانم سنة 905 1، وقد سمى في هذه الوظيفة في 18 يناير 1890 وراتبه عندئذ 955 ف. سنويا. وهو من الذين تخرجوا من مدرسة تلمسان سنة 1882. وبعد
(1) تقارير بيل، المرجع السابق.
تخرجه منها عين إماما لجامع سيدي إبراهيم الغريب بتلمسان. واستمر في هذه الوظيفة ثماني سنوات. وقد بلغ 45 سنة فقط سنة 1905، وحصل على وسام (نيشأن) أكاديمية، سنة 1903. وحكم المفتش بيل على طريقته في التدريس بأنها حسنة.
ولكن هذا الحكم أخذ يتغير بالتدرج. ففي تقرير سنة 1907 أن المدرس علال محمد ليس له سوى ثلاثة تلاميذ، من بينهم أحد أبنائه. ولم يذكره بيل بالاسم هذه المرة، وإنما وجدناه هو نفسه (علال محمد) في تقرير سنة 1912. وقال بيل أن تلاميذه لا يعرفون الفرنسية. ونصح بأن يرسل المدرس أبناءه إلى المدرسة الابتدائية الفرنسية. وفي تقرير 1915 اقترح بيل زيادة راتب علال محمد من 955 ف إلى 1200 ف للمرة الأولى.
وفي تقارير لاحقة (1922) وجدنا مدرس مستغانم قد تغير فأصبح هو السيد العرفاوي. فهل توفي الشيخ علال محمد أو انتقل إلى مكان آخر؟ وحكم صاحب التقرير على العرفاوي بأنه غير أهل للتدريس. ولذلك جاء في تقرير سنة 1923 أنه قد أحيل على الإيداع وعين مكانه السيد الحاج حمو عبد القادر في 30 إبريل 1923 (1). ويبدو أن هناك عبثا قد حصل في هذه الدروس لاختلاف التصورات منها. وحين زار المفتش بيل هذا المدرس المبتدئ (قال عنه متربصا) وجده أيضا غير قادر على أداء مهمته، فلامه على ذلك. ولكن المدرس الشاب لم يحتمل اللوم فأرسل رسالة احتجاج ذكر فيها أنه لم يأت لتدريس الأبجدية التي هي من شأن المدارس القرآنية، كما قال. ولم يكن المفتش بيل، وهو من هو في منطقته وفي منطقه الاستعماري، ليسكت على هذا التحدي لصلاحياته، فأرسل يطلب من الحاكم العام توبيخ المدرس وعقابه على عدم الانضباط وعدم القيام بمهمته
(1) في عدة مراجع أن الحاج حمو عبد القادر هو المؤلف عبد القادر فكري. وسنجد اسم هذا بين المؤلفين الأولين بالفرنسية. وقد توفي سنة 1953. انظر عنه جان ديجو Jean de Jeux (بيبلوغرافية منهجية. ونقدية للأدب الجزائري باللغة الفرنسية) 1945 - 977 1، الجزائر 1979، ص 17 - 18.
كما يجب (1). ولا ندري الآن كيف انتهت القصة، ولكن يبدو أن إدارة الحاكم العام ستستمع لبيل ولا تهتم بالحاج حمو عبد القادر.
5 -
سيدي بلعباس: ذكرنا أن المدرس فيها كان السيد بو علي الغوثي بن محمد سنة 1905. وكان عمره آنذاك 27 سنة .. وكان متخرجا من القسم العالي بمدرسة الجزائر. وقد مارس القضاء بعض الوقت - وظيفة عدل - قبل أن يعين للتدريس في سيدي بلعباس سنة 1902. وقد وصفه صاحب التقرير - ألفريد بيل - بأنه ذكي وقادر على القيام بالعمل الموكل إليه، وهو يكتب ويتكلم الفرنسية جيدا، ولكن صحته عليلة. وقد عرفنا أن بيل اقترحه لمنصب مدرس بالجامع الكبير بتلمسان التي انتقل إليها سنة 1907، وبذلك بقى جامع سيدي بلعباس شاغرا، ولم يقدم هذا المركز أي مترشح لدخول المدرسة الشرعية - الفرنسية.
وجاء في تقرير سنة 1908 أن الذي خلف الغوثي في سيدي بلعباس هو عبد الحق بن منصور. ولكن هذا لم يعمر طويلا هناك إذ دعي لوظيفة أستاذ في السينغال ولم يعوضه أحد (2). ولا ندري إن كان جامع بلعباس قد ظل بدون مدرس مدة طويلة، غير أننا وجدنا في تقرير آخر لسنة 1911 أن المدرس هناك هو الحبيب مالكي الذي كان أيضا من خريجي مدرسة الجزائر (القسم العالي). وبذلك يظهر أن وظائف التدريس بالمساجد قد أصبحت مفتوحة، سيما في المدن الصغيرة، لخريجي المدارس الثلاث الرسمية فقط. أما في سنة 1923 فالمدرس هو ابن اشنهو ابن عدة. ويذكر التقرير الخاص بهذه السنة أن ابن اشنهو قد عين في هذه الوظيفة منذ غشت 1918. وكان راتبه 4000 ف. فهو من أهل الطبقة الأولى عندئذ. ولكن المفتش اقترح له الترقية إلى الطبقة الثانية التي راتبها 5000 ف. ولاحظ المفتش عليه
(1) تقارير بيل، مرجع سابق.
(2)
لاحظ التقرير أنه رغم إحداث مركز جديد في مازونة وبني صاف فإن أحدا لم يلتحق بهما لأن الراتب فيهما ضعيف، وهو 600 ف. فقط للعام.
أنه نجح في التدريس في مدينة مثل سيدي بلعباس حيث كان يلقي درسا للعامة في المسجد ودرسا آخر للتلاميذ في قاعات الدرس (المدرسة الابتدائية؟) ولكنه لم يذكر عدد التلاميذ ولا الحضور بالجامع، وإنما ذكر مهمة أخرى قام بها المدرس ابن اشنهو، وهي توليه الكتابة (سكرتير) لرئيس الطريقة التجانية ومرافقته إلى المغرب (1). ولا ندري ما هي المهمة المنتظرة من زيارة رئيس الطريقة عندئذ إلى المغرب، ما دامت على هذا النحو من الرسميات.
6 -
ندرومة: في تقرير 1905 أن المدرس هو الحسين رحال، وهو ينتمي إلى أسرة ندرومية عريقة. وقد تخرج اثنان من هذه الأسرة من ثانوية (ليسيه) الجزائر الفرنسية، وهو أمر نادر في ذلك الوقت. وهذه الأسرة تشتغل بالتعليم والقضاء والزراعة والصناعة والتجارة أيضا، حسب تقرير المفتش بيل دائما. كما كانت تنتمي للطرق الصوفية (الدرقاوية؟). وكان الحسين رحال قد قضى خمس سنوات مستمعا للدروس بالقرويين بفاس منذ صباه، وبعد رجوعه إلى الجزائر دخل مدرسة تلمسان ثم القسم العالي في مدرسة الجزائر حيث حصل على الدبلوم سنة 1898. ومنذ تخرجه مارس وظيفة عدل ثم باش عدل إلى 1903 وفي شهر يوليو من هذه السنة سمى مدرسا في جامع ندرومة. ولم يحظ مدرس بهذا الوصف الكريم والاستحسان الواضح في تقارير بيل كما حظى الحسين رحال. وقد أضاف عنه بيل أنه كان يجيد اللغة العربية وبعض الفرنسية، وأن طريقته في التعليم طيبة. وأنه ما يزال شابا.
وفي تقرير 1907 أكد بيل نفس المعلومات، وأخبر أن الحسين رحال كان يدرس النحو والقراءة المفسرة (المطالعة؟) في الجامع الكبير، ولكن تلاميذه لا يتجاوزون الخمسة. أما درس الفقه الذي كان يلقيه بالمساء فيحضره عدد أكثر. وقد مدح بيل المدرس على جهوده وقال أن ندرومة قدمت ثلاثة تلاميذ للمدرسة (مدرسة تلمسان الرسمية) خلال سنة 1906،
(1) تقارير ألفريد بيل، مرجع سابق.
وقد ترشح منها هذا العام خمسة. ولذلك أوصى له بوسام الأكاديمية لأنه قضى في الخدمة ثماني سنوات. وقد وافقت الحكومة على اقتراحه.
وكشف المفتش بيل عن نصيحة هامة قدمها للحسين رحال، وهي في الواقع ليست خاصة به، وإنما تتعلق بهدف الفرنسيين من هذا التعليم عموما ومن حذرهم بل خوفهم من بعض موضوعات المدرسين. وجد بيل المدرس يتعامل مع موضوعات الفقه كما جاءت في الكتب والآثار القديمة فاقترح عليه حذف بعضها لعدم تطابقها، في نظره مع الواقع. فقال: نصحته بأن يحذف من البرنامج الفقهي الفصول التي لا تنسجم مع الوضع الراهن تحت الحكومة الفرنسية (الاحتلال). ذلك أن جمهور الحاضرين لا فائدة لهم من معرفة نظام الضرائب في الحكومة الإسلامية ولا في معرفة ما قيل في باب الجهاد، الخ. وكأن معرفة المسلم لأحكام الدين التي هي لا تتجزأ، تضر بالمصالح الفرنسية. وكان على المدرسين تفاديها. ولا ندري ما كان رد فعل الحسين رحال، وربما استمر في ذكر الأحكام الشرعية بعد غياب المفتش بيل (1).
وقد انقطعت حلقات التفتيش عن ندرومة خلال السنوات اللاحقة. فلا ندري هل استمر التدريس في عائلة رحال فقط أو تعين هناك بعض المدرسين الآخرين. وفي 1934 زار بيل مدينة ندرومة وأبدى عليها بعض الملاحظات ليس كمفتش ولكن كدارس لعاصمة الطرارة، كما سماها. وقد وجد فيها عددا من المساجد، ومنها جامعان للخطبة: الجامع الكبير وجامع الفخارين. أما المساجد الأخرى فهي: سيدي بو علي، ولاله علية، والحدادين، والرعية، وسيدي السياج. ويقول بيل أن بعض السكان لهم مبادئ في الثقافة العامة وكانوا يحاولون توسيعها بحضور الدروس اليومية التي تلقى في الجامع الكبير من قبل المدرسين الرسميين. وهذا بدون شك في مجال الفقه
(1) تقارير بيل، مرجع سابق، سنة 1905 - 1907. ولم يرد اسم ندرومة في تفتيش سنة 1923.
والتوحيد. أما دروس النحو واللغة العربية الموجهة للتلاميذ والتي كان يلقيها المدرسون الرسميون أيضا، فإن الأولياء كانوا يرسلون أطفالهم إليها عن طواعية. وهؤلاء الأطفال هم الذين يتعلمون في المدارس الابتدائية الفرنسية. وقد لاحظ بيل أن البنات أصبحن أيضا يذهبن إلى هذه المدرسة الفرنسية ليتعلمن الفرنسية ومبادئ الطرز والنسيج وأشغال الإبرة (1).
إن الفترة التي يتحدث عنها بيل هي فترة الصحوة الثقافية في الجزائر حين تسابق الجزائريون لتعليم أطفالهم، فكانوا يرسلون بهم إلى المدرسة الفرنسية من جهة والمدرسة العربية من جهة أخرى (مدارس جمعية العلماء). بينما أولياء الأطفال كانوا يحضرون دروس المساجد الرسمية وغير الرسمية، تلك المساجد (غير الرسمية) التي أصبحت تدعى الحرة، وهي التي شيدت بأموال الشعب عن طواعية تحت إشراف جمعية العلماء لتنشر دروس الوعظ والإرشاد وأحكام الشريعة باللغة العربية. ومن يرجع إلى جولات الشيخ ابن باديس في النواحي الوهرانية سيعرف مدى عمق هذه الحركة. وكان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي قد حل بمدينة تلمسان سنة 1932 وجعل منها مركز إشعاع للإصلاح في كامل ولاية وهران بما في ذلك ندرومة. وسنعود إلى هذا الموضوع في وقته.
وقد عرفت الناحية الغربية دروس المساجد الحرة أيضا. فكانت دروس الشيخين العربي التبسي وعبد القادر بوزيان في سيق ونواحيها أوائل الثلاثينات. ثم دروس الإبراهيمي في تلمسان وغيرها. ويذكر ابن بكار بعض العلماء الذين تطوعوا للتدريس في المساجد في معسكر وسيق وغيرهما أيضا. فقد تولى الحاج عبد القادر بن مصطفى ابن فريحة التدريس في غريس. واختصر ابن بكار حياته بقوله عنه أنه قد أعطي مالا فاتلفه في وجه الله وأعطى علما فبثه بين الناس. فهذا الشيخ (ابن فريحة) قد جعل بيته مدرسة في غريس فكان
(1) ألفريد بيل، (ندرومة العاصمة الإسلامية للطرارة) في S.G.A.A.N (1934)، ص 515 - 516.
يدرس لتلاميذه مختصر الشيخ خليل وينفق على طلبته من ماله الخاص. وقد ظل على ذلك نحو الثلاثين سنة. ثم من غريس نقل الشيخ تعليمه إلى جامع تغنيف حيث تولى أيضا الخطابة والإمامة مدة عشرين سنة. ونرجح أن يكون ذلك وظيفة رسمية تولاها، وربما كان الجامع حرا. وذكر ابن بكار أن عدد الخريجين على يديه قد بلغ حوالي 400 طالب. وتوفي الشيخ عبد القادر بن فريحة حوالي 1930 عن 95 سنة.
وكذلك انتصب للتدريس في الجامع الكبير بمعسكر الحاج محمد بن الرقيق، وهو أيضا من خريجي الأزهر. ولا ندري كيف درس في وطنه ولا متى ذهب إلى مصر ولكن تدريسه في الجامع الكبير بمعسكر يدل على أنه كان من الموظفين الرسميين، رغم أن اسمه لا يظهر في تقارير المفتشين الرسميين.
وهذا الحاج علي بن البشير قد تولى التدريس أيضا في معسكر وسيق. وقد أخذ العلم بالجزائر ثم سافر إلى مصر ودخل الأزهر ومكث فيه ثماني عشرة سنة. وحصل منه على إجازات وشهادات. وبعد رجوعه أسس في سيق مدرسة ملحقة بالجامع الكبير، وتولى بها التدريس للطلبة الذين قصدوه. واستمرت مدرسته تعمل بعد وفاته إذ تولاها أخوه الحاج المنور، كما تولى أيضا خزانة كتبه. وكان الشيخ علي بن البشير من أتباع التجانية. وهذا يدل على أن التعليم لم ينقطع عند علماء هذه الطريقة. وقد ذكرنا قبل ذلك نشاط الشيخ علي بن عبد الرحمان مفتي وهران، وهو أيضا من التجانيين.
أما الحاج منور بن البشير فقد تولى التدريس في جامع سيق، وهو شيخ الهاشمي بن بكار وغيره. وكان يدرس مواد عديدة، ولذلك كان يستعين بغيره على تدريسها. والمواد الدراسية هي نفسها المواد التقليدية من فقه وعقائد ولغة ومنطق وبيان. وكان الحاج المنور يدرس من أول الخريف إلى آخر الربيع (1). ولا ندري إن كان أيضا من أتباع التجانية. غير أن الثابت هو أن
(1) الهاشمي بن بكار (مجموع النسب)، مرجع سابق، ص 140. ويقول ابن بكار أن =