الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ [في أحكام الحرابة]
(المتن)
بَابٌ الْمُحَارِبُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ، أَوْ آخِذُ مَالِ مُسْلِم أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى وَجْهٍ يتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ، وَإِنِ انْفَرَدَ بِمَدِينَةٍ، كَمُسْقِي السَّيْكُرَانِ لِذَلِكَ، وَمُخَادِعِ الصَّبِي أَوْ غَيْرِهِ لِيَأخُذَ مَا مَعَهُ، وَالدَّاخِلِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي زُقَاقٍ أَوْ دَارٍ، قَاتَلَ لِيَأخُذَ الْمَالَ، فَيُقَاتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ إِنْ أمْكَنَ، ثُم يُصْلَبُ فَيُقْتَلُ، أَوْ يُنْفَى الْحُرُّ، كَالزِّنَى، أَوْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وِلَاءً، وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ، وَلَوْ بِكَافِرٍ، أَوْ بِإِعَانَةٍ، وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا، وَلَيسَ لِلْوَلِيِ الْعَفْوُ. وَنُدِبَ لِذِي التَّدْبِيرِ الْقَتْلُ، وَالْبَطْشِ الْقَطْعُ، وَلِغَيْرِهِمَا، وإنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ: النَّفْي وَالضَّربُ، وَالتَّعْيِينُ لِلإِمَامِ، لَا لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوُهَا، وَغَرِمَ كُل عَنِ الْجَمِيع مُطْلَقًا، وَاتُّبِعَ كَالشَارِقِ، وَدُفِعَ مَا بِأيْدِيهِمْ لِمَنْ طَلَبَهُ بَعْدَ الاِسْتِينَاءِ وَالْيَمِينِ، أوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنَ الرُّفْقَةِ، لَا لِأَنْفُسِهِمَا وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنهُ الْمُشْتَهِرُ بِهَا: ثَبَتَتْ، وإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهَا، وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الإِمَامِ طَائِعا، أَوْ تَركِ مَا هُوَ عَلَيهِ.
(الشرح)
(الْمُحَارِبُ: قَاطِعُ الطريق لمنْعِ سُلُوكٍ، أَوْ آخِذُ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْره) ليس من شروط المحارب أن يكون قاصدًا لأخذ المال، ولا لقتل النفس بل قطعه الطريق لمنع من سلكها، أو لأخذ مالٍ كافٍ في ذلك، وكذا وقع لابن القاسم؛ فقال: إذا قطع الطريق على جماعة، وقال: أمنع هؤلاء يمضون إلى مكة والشام فهو محارب لأنه قطع الطريق وأخاف السبيل، ولا فرق في ذلك بين أخذ مال المسلم أو الذمي أو المعاهد لأن مالهما معصوم كمال المسلم (1).
قوله: (عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ) لأنه إذا أخذ المال على غير هذا الوجه لم يكن محاربًا بل متلصصًا يخطف شيئًا من المارة وينقلب بسرعة كما إذا كانوا في ركب كبير أو جيش عظيم إذ لا تتعذر الإغاثة حينئذ، ولهذا لم يكن لغاصب من هذا الباب لأن الإغاثة لا تتعذر معه.
قوله: (وإِنِ انْفَرَدَ بِمَدِينَةٍ) يريد: أن من شهر السلاح لأخذ مال أنه محارب ولو كان
(1) انظر: المدونة: 4/ 552.
منفردًا في مدينة، وقاله ابن القاسم، وقال عبد الملك: لا يكون محاربًا في القرية إلا أن يريد بذلك القرية كلها (1).
قوله: (كَمُسْقِي السيكَرَانِ لِذَلِكَ) أي: وكذلك الذي يسقي السيكران لأخذ المال (2)، أي: يكون محاربًا، وقاله في المدونة (3). عياض: وظاهر الموازية أنه لا يكون محاربًا إلا إذا سقى ما يقتل به (4).
قوله: (ومُخَادِعِ الصبِي وغَيْره ليَأخُذَ مَا مَعَهُ) أي: وكذلك من خدع (5) صبيًا أو كبيرًا لأخذ ما معه، فيكون محاربًا لأنه أخذ متاعه على وجه يتعذر معه الإغاثة، وذكر ابن يونس عن المستخرجة أنه بمنزلة المحارب، وقال في الجواهر: أن قَتْل الغيلة من الحرابة، وهو أن يغتال رجلًا أو صبيا فيخدعه حتى يدخله موضعًا فيأخذ ما معه فهو كالحرابة (6).
قوله: (والداخِلُ في لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي زُقَاقٍ، أَوْ دَارٍ، قَاتل ليأخُذ المالَ) قال في الجواهر: ولو دخل دارا بليل وأخذ المال بالمكابرة ومنع من الاستغاثة فهو محارب، وزاد والخناقون محاربون، وكل من قتل أحدا على مال قل أو كثر فهو محارب (7). ونحوه في المدونة (8)، واشترط في حرابة الداخل أن يكون قَاتَل ليأخذ المال، وهكذا قال اللخمي، ثم قال (9) وهو محارب عند مالك غير محارب عند عبد الملك (10)، واحترز به مما إذا
(1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 478.
(2)
قوله: (لأخذ المال) ساقط من (ن 3).
(3)
انظر: المدونة: 4/ 556.
(4)
انظر: التوضيح: 8/ 319.
(5)
قوله: (خدع) في (ن): (خادع).
(6)
انظر: عقد الجواهر: 3/ 1172.
(7)
قوله: (وزاد والخناقون محاربون
…
مال قل أو كثر فهو محارب) زيادة من (ن). وانظر: عقد الجواهر: 3/ 1172.
(8)
انظر: المدونة، دار صادر: 16/ 275.
(9)
قوله: (قال) زيادة من (ن).
(10)
انظر: التوضيح: 8/ 319، التبصرة، للخمي، ص:6135.
قتل (1) لغير ذلك كما إذا أخذ المال فنوزع فقاتل حتى يخرج ويخلص نفسه، وقد نص اللخمي على أنه ليس محاربًا حينئذ (2).
قوله: (فَيقاتَلُ بَعْدَ المناشَدَةِ، إِنْ أَمْكَنَ) اتفق مالك وأصحابه على ما حكاه محمد على جواز قتال المحارب ولا شك في ذلك (3)، ولا في مجاهدته لأنه من باب دفع (4) الأذى عن المسلمين، ولمالك في المدونة: وجهاد المحاربين جهاد (5)، وظاهر كلام أهل المذهب أنه لا فرق بين قتالهم وقتال الكفار، وذهب ابن شعبان إلى أن جهاد المحاربين أفضل من جهاد الكفار (6) ونحوه في العتبية، ونقل أشهب عن مالك نحوه (7)، والمشهور أنه يدعى قبل القتال، قال مالك في العتبية: ويناشد (8) الله ثلاثًا، وقال سحنون وعبد الملك: لا يدعى، وليبادر لقتله، وأما إذا عاجل بالقتال فلا إشكال في سقوط الدعوة (9).
قوله: (ثُمَّ يُصْلَبُ فَيقتَلُ) الأصل في هذا قوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} الآية [المائدة: 33].
واختلف عن مالك في العقوبات الأربع هل هي على التخيير أو على الترتيب على ما سنذكره، فأما القتل والصلب فإنه يجمع بينهما، ويقدم الصلب عند ابن القاسم (10)، وإليه أشار بما ذكر، وقال أشهب: يؤخر الصلب، وروى ابن حبيب مثل قول ابن القاسم، وهو قول ابن الماجشون، واختاره ابن بشير (11) وهو يدل على أن الصلب ليس
(1) قوله: (قتل) في (ن): (قاتل).
(2)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:6135.
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 14/ 471.
(4)
في (ن): (رفع).
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 463.
(6)
انظر: التوضيح: 8/ 320.
(7)
انظر: البيان والتحصيل: 16/ 417.
(8)
في (ن): (ويناشده).
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 14/ 471، والبيان والتحصيل: 16/ 372 و 373.
(10)
انظر: النوادر والزيادات: 14/ 462، وعقد الجواهر: 3/ 1173.
(11)
قوله: (وروى ابن حبيب مثل
…
واختاره ابن بشير) في (ن 3): (قال ابن الماجشون بمثل قول ابن =
حدًا قائمًا بنفسه، وظاهر القرآن أنه حد مستقل، ووقع مثله لمالك (1)، وفي النوادر عن (2) أشهب أن تقديم القتل (3) لا يتحتم، بل قال: يقتله ثم يصلبه، ولو صلبه ثم قتله مصلوبًا (4) فذلك كله جائز (5)، انظر الكبير.
قوله: (أَوْ يُنْفَى الحُرُّ) اختلف في معنى النفي الوارد في الآية، فذهب ابن القاسم ورواه عن مالك أن معناه: أن ينفى من تلك البلد إلى بلد آخر، أقله ما تقصر فيه الصلاة فيسجن فيه إلى أن تظهر توبته (6)، وفي الواضحة عن مالك أن النفي هو السجن (7)، وإلى الأول أشار بقوله:(كالزنى) إلا أن الغاية هنا ظهور التوبة، وفي الزنى بخلاف ذلك كما تقدم.
قوله: (أَوْ تُقْطَعُ يَمِينه ورِجْلُهُ الْيُسْرَى وِلاءً) أي: فإن رأى الإمام قطع يد المحارب اليمنى ورجله اليسرى فله ذلك ليقع القطع من خلاف، ويكون ذلك في فور واحد، كما أشار إليه بقوله:(ولاء). فلو أراد أن يفرق عليه القطع في وقتين؛ لم يكن له ذلك، قال في المقدمات: واختلف إذا كانت يده اليمنى شلاء أو مقطوعة في قصاص أو جناية وشبه ذلك، فقال ابن القاسم: تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى حتى يكون القطع من خلاف، وقال أشهب: يقطع رجله اليسرى ويده اليسرى (8)، وكذا عند ابن القاسم إذا كان أقطع الرجل اليسرى، وعند أشهب تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى.
قوله: (وبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ، ولَوْ بِكَافِرٍ) يريد: أن التخيير الوارد في المحارب
= القاسم واختاره ابن بكير)، وقوله:(ابن بشير) في (ن 4): (ابن بكير). وانظر: المقدمات الممهدات: 2/ 340، وفيه ابن بكير بدلًا من ابن بشير. فانظره مع (ن 4). عقد الجواهر: 3/ 1173.
(1)
انظر: التوضيح: 8/ 321.
(2)
قوله: (وفي النوادر عن) في (ن): (في النوادر وعن).
(3)
في (ن): (الصلب).
(4)
في (ن 4): (مطلوب).
(5)
قوله: (كله جائز) في (ن): (له). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 465.
(6)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 340 و 341، والذخيرة: 12/ 131.
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 9/ 211، والذخيرة: 12/ 131.
(8)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 340.
مخصوص بما (1) إذا لم يصدر منه قتل، وأما إن قتل في حرابة فلابد من قتله، وسواء قتل مسلمًا أو كافرًا، ذكرا أو أنثى، حرًّا أو عبدا؛ لتناهي فساده، وهو المشهور، وقال أبو مصعب: ليس فيه التخيير (2).
قوله: (أَوْ بِإعَانَةٍ) أي: وكذا يجب قتله، وليس للإمام فيه تخيير إذا أعان غيره على القتل بإمساك أو ضرب، قال في المدونة: أو بممالأة.
قوله: (ولَوْ جَاءَ تَائِبًا) هذا المعروف؛ لأن توبته لا تسقط عنه حقوق الآدميين، ولو أسقط ذلك الأولياء، وهو معنى قوله:(ولَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ) أي: لأن القتل ليس للقصاص، وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه يسقط عنه أيضًا ما أخذ من الأموال إلا ما كان قائما بعينه، أو يكون قتل (3)، فالأولياء بالخيار، ومنهم من أسقط عنه حق الله عز وجل وحق الآدميين، إلا أنه يرد عين المال (4) إن وجد (5). ابن عبد السلام: وهو الصحيح عندي (6)؛ لأنا لا نسلم أنه كان مطلوبًا قبل ذلك بحق الآدمي فقط، ولأن حق الآدمي داخل تحت حق الله تعالى.
قوله: (ونُدِبَ لِذِي التدْبِيرِ الْقَتْلُ، والْبَطْشِ الْقَطْع، ولغَيْرِهِمَا وإنْ وَقعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ النفْيُ والضرْبُ) نقل القاضي عياض عن الشيخ أبو الحسن الماوردي أنه حكى عن مالك أن العقوبات الأربع على الترتيب عنده بحسب اختلاف صفات المحارب؛ فيقتله على كل حال إذا كان ذا رأي وتدبير، ويقطعه من خلاف إذا كان ذا بطش وقوة، وإن كان غير ذلك حبسه وعزره (7)، قال: يجعل ما استحسن مالك مع إباحة التخيير مستحقًا (8) مرتبًا، ولا يقوله مالك ولا أصحابه (9)، وهو موافق لقول الشيخ
(1) في (ن): (بمن).
(2)
انظر: إكمال المعلم: 5/ 240، والتوضيح: 8/ 324.
(3)
قوله: (أو يكون قتل) في (ن): (قبل).
(4)
في (ن 5): (يريد غير المال)، وفي (ن):(يرد غير المال).
(5)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 342.
(6)
في (ن 3): (عنده). وانظر: التوضيح: 8/ 326.
(7)
انظر: إكمال المعلم: 5/ 240.
(8)
قوله: (مستحقًا) ساقط من (ن 4).
(9)
انظر: التوضيح: 8/ 321.
هنا، انظر الكبير.
قوله: (والتعْيِينُ لِلإِمَامِ، لا لمنْ قُطِعَتْ يَده ونَحْوُهَا) إنما يأتي هذا على القول بأن العقوبات الأربع على التخيير، ومراده أن تعيين ما يفعل بالمحارب من العقوبات الأربع موكول إلى الإمام، وأنه لا حق في ذلك لمن قطعت عليه الطريق، ولو أصيب في جسمه بما يوافق أحدهما وهو قطع اليد أو الرجل أو بما لا يوافقهما كقطع الغير (1) وهو مراده بقوله:(ونَحْوُهَا)، وإنما لم يكن له مقال، وإن كانت العقوبة غير مماثلة لأن ما يفعله الإمام مع المحارب ليس عوضًا عن مجرد الإصابة (2) عن كل ما صدر عنه من قطع طريق أو أخذ مال أو جناية على نفس أو عضو في الحرابة، فقطع يده مثلًا أو رجله (3) عوضًا عما فقأ من عين وغيره، ولهذا لم يكن له مقال.
قوله: (وغَرِمَ كُلٌّ عَنِ الجْمِيعِ) يريد: أن كلا من المحاربين يغرم ما أخذه أصحابه (4) مع ما أخذه هو؛ لأن كل واحد منهم إنما قوي بجميعهم، فكانوا كالحملاء، وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب، وقال ابن عبد الحكم (5): لا أرى على كل واحد إلا ما أخذ (6).
قوله: (مُطْلَقًا) أي: سواء جاء تائبًا أم لا، وعن ابن عبد الحكم (7): إذا كانوا لا يقدرون على ذلك إلا بالتعاون والكثرة، فمن أخذ منهم كان عليه جميع ما ذهب، وإن كان موضعًا يقوى عليه الواحد والاثنان فيلزمه ما يلزم جميعهم (8).
قوله: (واتُّبعَ كالسَّارِقِ) قال في المدونة: وإذا أخد المحاربون المال ثم أُخِذوا قبل أن
(1) قوله: (كقطع الغير) في (ن): (كفقء العين).
(2)
قوله: (الإصابة) في (ن): (الإخافة بل).
(3)
قوله: (أو رجله) ساقط من (ن 4).
(4)
زاد في (ن 3): (مع ما أخذه أصحابه).
(5)
قوله: (ابن عبد الحكم) في (ن 5): (عبد الملك).
(6)
انظر: التوضيح: 8/ 327.
(7)
قوله: (وعن ابن عبد الحكم) في (ن 5): (عند عبد الملك).
(8)
في (ن 3): (جماعتهم)، وقوله:(فيلزمه ما يلزم جميعهم) في (ن): (فلا يلزمه ما أخذ جماعتهم). (8) انظر: التوضيح: 8/ 327، وفيه هذا القول حكاه اللخمي عن ابن الماجشون، وهو موافق لـ (ن 5)، فانظره.
يتوبوا فأقيم عليهم الحد (1) فقطعوا أو قتلوا ولهم أموال أخذت أموال الناس (2) من أموالهم (3). ابن يونس: يريد: ويسرهم متصل من يوم أخذوه، ثم قال في المدونة: وإن لم يكن لهم يومئذ مال لم يتبعوا بشيء مما أخذوه كالسرقة، وهو مقيد بما (4) أخذ قبل التوبة. (5).
قوله (ودُفِعَ مَا بَأَيْدِيهِمْ لمَنْ طَلَبَهُ بَعْدَ الاسْتِينَاء والْيَمِينِ) ظاهره أن ذلك يدفع لمن طلبه بغير حميل وهو مذهب المدونة، قال فيها: إذا ادعى ما بأيديهم قوم ولا بينة لهم فليدفع إليهم بعد الاسْتِينَاءِ في استبراء ذلك من غير طول، فإن لم يأتِ من يدعيها دفعت (6) إليهم بعد أيمانهم بغير حميل، ولكن يضمنهم الإمام إياها إذا جاء لذلك طالب (7)، وقال سحنون: لا يدفع لهم إلا بحميل، وفي مختصر الوقار: إن كان من البلد فبحميل، وإن كان غيره بلا حميل (8). أبو الحسن: لأن غير البلدي لا يجد حميلًا، فهو غاية المقدور، ولو عكس هذا القول لكان أولى (9)، لأن البلدي معروف بخلاف غيره. بعض الأشياخ: ولا يعطى إلا لمن وصف كما توصف اللقطة.
قوله: (أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنَ الرُّفْقَةِ، لا لأَنْفسِهِما) قال في المدونة: وتجوز على
(1) قوله: (الحد) زيادة من (ن).
(2)
قوله: (أموال الناس) ساقط من (ن 3).
(3)
انظر: المدونة: 4/ 554.
(4)
في (ن): (بمن).
(5)
زاد بعدها في (ن 4): (من ابن شاس: وأما الغرم فحكم المحارب فيه في حال ثبوت الحد وسقوطه في حال اليسر والعسر حكم السارق على ما تقدم، قال سحنون في العتبية: إذا أقيم عليه الحد فحكم السارق فيما وجب عليه من مال إن كان وفرة متصلا أخذ منه كل لزمه من استكراه النساء واستهلاك المال ودية النصرانية وقيمة العبد، وإن لم يتصل وفرة لم يتبع بشيء وإن لم يقم عليه حد الحرابة أتبع بذلك يلزمه في ماله وذمته، ويلزمه القصاص لمن عليه القصاص. انتهى نصا). وانظر: المدونة: 1/ 530.
(6)
زاد بعده في (ن 4): (تلك الأموال المودعة).
(7)
انظر: المدونة: 4/ 186، مع اختلاف في العبارة.
(8)
انظر: التوضيح: 8/ 327.
(9)
في (ن 5): (أولا).
المحاربين شهادة من حاربوه إن كانوا عدولا، إذ لا سبيل إلى غير ذلك، ولا تجوز (1) شهادة أحدهم منهم (2) لنفسه، ويقبل بعضهم لبعض (3). وفي الجواهر: إذا شهدوا لأنفسهم (4) مع الشهادة لغيرهم، كقولهم (5) مال رفقائنا وما لنا ردت الشهادة (6) إلا أن يكون مالهم يسيرًا فتجوز لهم ولغيرهم (7)، وأما شهادة بعضهم لبعض فجائزة.
قوله: (ولَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أنه المشْتَهِرُ بِهَا ثبتَتْ، ولو لَمْ يُعَايِنَاهَا) يريد أن المحارب إذا كان مشهورًا، وكان حاله في الحرابة مستفيضًا فشهد عليه رجلان يعرفانه بعينه وقال إن هذا هو فلان المشهور بالحرابة أو قام (8) عليه الإمام الحد بهذه الشهادة وقتله وإن لم يشهدا عليه بمعاينة القتل والسلب وقطع الطريق، ونحوه في الجواهر (9)، وحكى الباجي (10) واللخمي نحوه عن سحنون (11).
قوله: (وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الإِمَامِ طَائِعًا، أَوْ تَرْكِ مَا هُو عَلَيْهِ) يريد: أن حد الحرابة يسقط عن المحارب بأحد أمرين: إما بإتيانه إلى الإمام طائعًا أو بترك ما هو عليه من الحرابة، وإن لم يأت للإمام وهو قول ابن القاسم (12)، وقيل إنما تكون توبته بأن يترك ما هو عليه ويجلس في موضعه ويظهر لجيرانه ذلك، وأما إن ألقى سلاحه وأتى الإمام
(1) في (ن): (تقبل).
(2)
قوله: (أحدهم منهم) زيادة من (ن).
(3)
انظر: المدونة: 4/ 556.
(4)
قوله: (إذا شهدوا لأنفسهم) في (ن 4): (فإن أضاف الشهود على المحاربين من الرفقة الشهادة لأنفسهم).
(5)
زاد بعده في (ن 4): (أخذ).
(6)
قوله: (ردت الشهادة) في (ن 4): (لم نقبل شهادتهم).
(7)
زاد بعده في (ن 4): (وقال المغيرة وابن دينار: لا يجوز في ذلك أقل من شهادة أربع، ولا يجوز في ذلك شهادتهم لأنفسهم). وانظر: عقد الجواهر: 3/ 1176.
(8)
قوله: (أو قام) في (ن): (أقام).
(9)
انظر: عقد الجواهر: 3/ 1176.
(10)
انظر: المنتقى: 9/ 214.
(11)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 6151، 6152.
(12)
انظر: البيان والتحصيل: 16/ 384، والمقدمات الممهدات: 2/ 341.
طائعا فإنه يقيم عليه الحد، إلا أن يكون ترك قبل أن يأتيه ما هو عليه وحبس (1) في موضعه حتى لو علم الإمام حاله لم يقم عليه حد الحرابة، قال في المقدمات: وهو قول ابن الماجشون (2). وقيل: إنما تكون توبته بالمجيء إلى الإمام وإن ترك ما هو عليه لم يسقط ذلك عنه حكم من الأحكام إن أخذ قبل أن يأتي الإمام. ولم يعز ابن رشد هذا القول (3).
(1) قوله: (وحبس) في (ن): (وجلس).
(2)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 342.
(3)
قوله: (وإن لم يأت للإمام وهو قول ابن القاسم
…
ولم يعز ابن رشد هذا القول) في (ن 4): (ويعلم ذلك منه، وفي المقدمات: اختلف في صفة توبته، فقال ابن القاسم: أن يترك ما هو عليه، وإن لم يأت الإمام طائعا، وقال ابن الماجشون: يترك ما هو عليه، ويجلس في موضعه ويظهر لجيرانه ذلك، وأما إن ألقى سلاحه وأتى الإمام طائعا فإنه يقيم عليه الحد، أي: حد الحرابة، والثالث: أن توبته لا تكون إلا بمجيئه إلى الإمام، ولو ترك ما هو عليه ولم يأت لم يسقط ذلك عنه حكما من الأحكام، ولم يعز ابن رشد هذا القول. عبد الملك: ولا يسقط حد الحرابة بتأمين الإمام، ولو سألها الإمام، وقاله أصبغ، ونقل محمد قولا بجواز تأمينه ونفوذه). وانظر: المقدمات الممهدات: 2/ 342.