المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب [في أحكام البغي] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٥

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌باب [في أحكام البغي]

‌بابٌ [في أحكام البغي]

(المتن)

بابٌ الْبَاغِيَّةُ فِرْقَةٌ خَالَفَتِ الإِمَامَ لِمَنْعِ حَقٍّ، أَوْ لِخَلْعِهِ، فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ تَأَوَّلُوا كَالْكُفَّارِ. وَلَا يُسْتَرَقُّوا، وَلَا يُحْرَقُ شَجَرُهُمْ، وَلَا تُرْفُعُ رُؤُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ، وَلَا يَدَعُوهُمْ بِمَالٍ. وَاسْتُعِينَ بِمَالِهِمْ عَلَيهِمْ إِنِ احْتِيجَ لَهُ، ثُمَّ رُدَّ كَغَيْرِهِ. وَإِنْ أُمِنُوا لَمْ يُتْبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ، وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحِهِمْ. وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ، وَوَرِثَهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ مُتَأَوِّلٌ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا. وَمَضَى حُكْمُ قَاضِيهِ، وَحَدٌّ أَقَامَهُ وَرُّدَّ ذِمِّيٌ مَعَهُ لِذِمَّتِهِ. وَضَمِنَ الْمُعَانِدُ النَّفْسَ وَالْمَالَ، وَالذِّمِّيُّ مَعَهُ نَاقِضٌ وَالْمَرْأَةُ الْمُقَاتِلَةُ كَالرَّجُلِ.

(الشرح)

(الْبَاغِتةُ: فِرْقَةٌ خَالَفَتِ الإِمَامَ حَقٍّ، أَوْ لِخَلْعِهِ) الباغية: صفة لمحذوف، أي: الفئة الباغية. ولما كان البغي في عرف الفقهاء هو: الخروج عن طاعة الإمام ابتغاءً لخلعه، أو منعًا من حق وجب عليهم (1)، أو امتناعًا من الدخول تحت طاعته. عرف الفئة الباغية بما قال.

قوله: (فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ) أي: وأما غير العدل فلا، لاحتمال أن يكون فسقه وجوره سببًا في خروجهم. سحنون: ولا يقاتلون حتى يدعوا إلى الحق (2)، وهو ظاهر، ولا فرق في هؤلاء بين المتأولين وغيرهم، وأن الإمام يجوز له قتالهم، وإليه أشار بقوله:(وإِنْ تَأَوَّلُوا).

قوله: (كَالْكُفَّارِ) يريد: أن للإمام في قتالهم ما في الكفار من ضرب بالسيف، ورمي بالنبل، ومنجنيق، وتغريق، وتحريق، ولا يمنعه من ذلك وجود النساء والذرية فيهم، إلى غير ذلك (3).

قوله: (وَلَا يُسْتَرَقُّوا، وَلَا تُحْرَقُ شَجَرُهُمْ) إنما لَمْ يسترقوا لأن الحر المسلم لا يسترق، وكذلك لا تحرق أشجارهم، أي: ولا مساكنهم؛ لأنَّها من أموال المسلمين. ابن بشير:

(1) في (ن 3): (عليه).

(2)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1138، والذخيرة: 7/ 12.

(3)

قوله: (إلى غير ذلك) زيادة من (ن).

ص: 311

ويقصد بقتالهم: ردعهم لا قتلهم، ولا يتبع منهم من هزم (1)، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقتل أسراهم، ولا تغنم أموالهم، ولا تسبى ذراريهم، ولا يستعان عليهم بمشرك (2)، ولا يواعدهم على مال (3)، ولا ينصب عليهم الرعَّادات (4).

قوله: (وَلَا تُرْفَعُ رُؤُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ) يريد: لأن ذلك مثلة، قال في النوادر: ولا يبعث بالرؤوس إلى الآفاق؛ لأن ذلك مثلة (5).

قوله: (ولا يَدْعُوهُمْ بِمَالٍ، وَاسْتُعِينَ بمالهم عَلَيْهِمْ) ظاهره كان سلاحًا أو غيره، وانظر (6) مع قول ابن حبيب: وما أصيب من سلاحهم وكراعهم فإن كانت لهم فئة قائمة استعان به الإمام ومن معه على قتالهم إن احتاجوا إليه، فإن زال الحرب رده إلى أهله، وما سوى الكراع والسلاح فيوقف حتى يؤدى (7) إلى أهله، ولا يستعان بشيء منه (8)، ولا كان أخذ ذلك لا يجوز إلَّا عند الاحتياج قال:(إِنِ احْتِيجَ لَهُ).

قوله: (ثُم رُدَّ كَغَيْرِهِ) هكذا قال غير واحد؛ لأنهم مسلمون، ولم يزل ملكهم على أموالهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا يحل مال امرئ مسلم إلَّا عن طيب نفس منه".

قوله: (وَإِنْ أُمِّنُوا لَمْ يُتَّبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحِهِمْ) هذا كقول سحنون: وإذا ظهر الإمام عليهم ظهورًا بينًا وأيس (9) من عودتهم فلا يقتل منهم منهزم، ولا يدفف على جريحهم (10)، وقد تقدم هذا، ثم قال: وإن لَمْ يحقق الهزيمة، ولم يأمن رجوعهم؛ فلا بأس بقتل منهزمهم وجريحهم (11)، وقد فعله علي رضي الله عنه مرّة، ومرة أخرى (12) باتباع

(1) قوله: (من هزم) في (ن): (منهز مهم).

(2)

في (ن 3): (بالكفار).

(3)

زاد بعدها في (ن): (يأخذه منهم صلحا).

(4)

انظر: النكت والفروق: 4/ 312.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 551.

(6)

في (ن): (وانظره).

(7)

في (ن): (يرد).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 548، وعقد الجواهر: 3/ 1139.

(9)

في (ن 3) و (ن 4): (وأمن).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 546، وعقد الجواهر: 3/ 1138.

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 546، وعقد الجواهر: 3/ 1138.

(12)

قوله: (أمر مناديا) زيادة من (ن).

ص: 312

المدبر، والإجهاز على جريحهم، فقيل له في ذلك: فقال: هؤلاء لهم فئة ينحازون لها (1)، والأولون لا فئة لهم (2). وهو موافق لما أشار إليه هنا من التفرقة بين الأمن وعدمه، ومعنى (لا يدفف) أي: لا يجهز.

قوله: (وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ ووَرِثَهُ) هذا منصوص عليه أنه مكروه من غير تحريم، ونص أصبغ على جوازه (3)، وسكت عن الأم؛ لأن الغالب عدم قتالها، وهي أيضًا أزيد من الأب برًّا، ولا يمنع قتله له من إرثه؛ لأنه قتل ضرورة. سحنون: والأب الكافر كالخارجي (4).

قوله: (وَلَمْ يَضْمَنْ مُتَأَوِّلٌ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا) يريد: أن ما أتلف أهل البغي في حال الفتنة من نفس ومال فلا ضمان عليهم فيه إن كانوا متأولين في خروجهم عن الإمام، أما لو لَمْ يتلف ما أخذوه بل وجد في أيديهم فإنه يرد لأربابه.

قوله: (وَمَضَى حُكْمُ قَاضِيهِ، وَحَدٌّ أَقَامَهُ) أي: فإن ولي بأهل التأويل قاضيًا فحكم، وأخذ الزكاة، وأقام الحد، مضى ذلك جميعه، وهو قول مطرف وابن الماجشون، وقال ابن القاسم: لا يمضي، وعن أصبغ القولان (5)، والضمير في (قاضيه) عائد على المتأول.

قوله: (وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ لِذِمَّتِهِ) أي: مع المتأول، وقال في الجواهر: وإذا استعان أهل التأويل بأهل الذِّمة ردوا إلى ذمتهم، ووضع عنهم مثل ما وضع عن المتأولين الذين هم معهم (6).

قوله: (وَضَمِنَ الْمُعَانِدُ النَّفْسَ وَالْمَالَ) أي: فإن كان الباغي من أهل العناد والعصبية ومخالفا للإمام بلا تأويل؛ فإنه يؤخذ بالقصاص ورد المال، يريد: سواء كان قائمًا أو تالفًا لظلمهم وتسببهم في إتلافه من غير عذر.

قوله: (وَالذِّمِّيُّ مَعَهُ نَاقِضٌ) أي: والذمي مع المعاند ناقض يباح دمه، وقاله ابن

(1) في (ن): (إليها).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 548.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 547، وعقد الجواهر: 3/ 1139.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 547، وعقد الجواهر: 3/ 1139.

(5)

انظر: التوضيح: 8/ 214.

(6)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1139.

ص: 313