المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب [في أحكام الشهادة] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٥

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌باب [في أحكام الشهادة]

‌باب [في أحكام الشهادة]

(المتن)

بَابٌ الْعَدْلُ حُرٌّ، مُسْلِمٌ، عَاقِل، بَالِغ بِلَا فِسْقٍ وَحَجْرٍ وَبِدْعَةٍ، وَإِنْ تَأَوَّلَ، كَخَارِجِيٍّ، وَقَدَرِيٍّ، لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً، وَكَثِيرَ كَذِبٍ، أَوْ صَغِيرَةَ خِسَّةٍ وَسَفَاهَةٍ، وَلَعِبَ نَرْدٍ، ذُو مُرُوءَةٍ بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ حَمَامٍ، وَسَمَاعِ غِنَاءٍ، وحِرْفَةٍ دَنِيّةٍ، وَدِبَاغَةٍ، وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا، وَإِدَامَةِ شِطْرَنْج، وَإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ، أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ، لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ، إِلَّا فِيمَا لَا يَلْبِسُ وَلَا مُتَأَكِّدِ الْقُرْب كَأَبٍ وَإِنْ عَلَا، وَزَوْجِهِمَا وَوَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ، كَبِنتٍ وَزَوْجِهِمَا وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَة كَكُلٍّ عِنْدَ الآخَرِ، أَوْ عَلَى شَهَادَتِهِ، أَوْ حُكْمِهِ، بِخِلافِ أَخٍ لِأَخٍ، إِنْ بَرَّزَ، وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِخِلافِهِ، كَأَجِيرٍ، وَمَوْلًى، وَمُلاطِفٍ، وَمُفَاوِضٍ فِي غَيْرِ مُفَاوَضَةٍ، وَزَائِدٍ، أَوْ نَاقِصٍ، وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ، وَتَزْكِيَةٍ وَإِنْ بِحَدٍّ مِنْ مَعْرُوفٍ، إِلَّا الْغَرِيبَ: بِأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا، مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لَا يُخْدع، مُعْتَمِدًا عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ، لَا سَمَاعٍ مِنْ سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ إِلَّا لِتَعَذُّرٍ.

(الشرح)

(الْعَدْلُ: حُر، مُسْلِمٌ، عَاقِلٌ، بَالِغٌ بِلا فِسْقٍ وحجر) يريد: أن العدل المقبول الشهادة من اجتمعت فيه هذه الشروط، وما يأتي بعدها، وقد ذكر من ذلك ما يكون وجوده شرطًا وعدمه مانعًا، وما يكون وجوده مانعًا وَعَدَّه شرطا (1)، واحترز بالحر من العبد ومن فيه شائبة (2) رق، لأن ذلك أثر كفر، وبالمسلم من الكافر فإنه لا تجوز شهادته على المسلم بإجماع، ولا على مثله خلافًا لأبي حنيفة (3)، وبالعاقل والبالغ من المجنون والصبي؛ لأنهما غير مكلفين، وبلا فسق من الفاسق فإنه لا تقبل شهادته؛ لأن فسقه لا تؤمن معه شهادة الزور، ولعله يريد بالفسق فسق الجوارح، وأما فسق الاعتقاد (4) وهو البدعة (5) فسيذكره، ويشترط أيضًا في قبول شهادته انتفاء الحجر -أيضًا-، فلا تقبل

(1) في (ن 4): (مسوغا).

(2)

في (ن): (بقية).

(3)

انظر: المعونة: 1/ 422.

(4)

في (ن): (العقائد).

(5)

قوله: (وهو البدعة) زيادة من (ن 3).

ص: 109

شهادة مولى عليه، وقاله أشهب. ابن رشد: والذي يأتي على المشهور من قول مالك وأصحابه أن المولى عليه لا تنفذ أفعاله (1)، وروى عن مالك جواز شهادته (2).

قوله: (وبِدْعَةٍ، وَإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ، وقَدَرِيٍّ (3)) أي: وكذا يشترط في الشهادة انتفاء البدعة، فلا تقبل شهادة مبتدع، ثم إنه نبه على أنه لا فرق في ذلك بين المتأول كالخارجي والقدري، وبين الجاهل الذي يقلد غيره في ذلك.

قوله: (لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً) ليس المراد بالمباشر (4) أنه لم تصدر منه كبيرة البتة، وإنما المراد ألا يكون متلبسًا بها تلبسًا لا يعرف له بعده توبة، وأما إذا تاب وحسنت توبته فتقبل شهادته (5).

قوله: (وكَثيرَ كَذِبٍ) إنما عطفه على الكبيرة، وإن كان من الكبائر (6)؛ لأن انتفاءه أهم ما يطلب من الشاهد، ولما أشار إليه من أن القادح منه هو الكثير، وأما الكذبة الواحدة فلا، ولهذا قال في الرسالة: ولا تجوز شهادة مجرب في كذب (7).

قوله: (أَوْ صَغِيرَةَ (8) خِسَّةٍ) أي: كسرقة لقمة أو التطفيف بحبة، وأما الصغيرة التي ليست كذلك فلا تقدح وغاير بين الكبيرة والصغيرة على رأي الأكثر، وإلا فالمنع على مذهب (9) من يرى أنها كلها كبائر، وانظر قوله:(وسَفَاهَةٍ) على ماذا يعطف فإنه يحتمل أن يكون معطوفًا على (كبيرة)(10) أو على (حجر) أو نحو ذلك (11).

(1) زاد بعده في (ن 4): قوله: (ولا شهادته).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 296، وانظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 9/ 451.

(3)

قوله: (وإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ، وقَدَرِيٍّ) ساقط من (ن) و (ن 4)، وفي (ن 5):(كخارجي وقدري).

(4)

في (ن) و (ن 4): (بغير المباشرة).

(5)

قوله: (توبته فتقبل شهادته) يقابله في (ن) و (ن 4) و (ن 5): (حالته فلا).

(6)

قوله: (وإن كان من الكبائر) ساقط من (ن 3).

(7)

الرسالة، لابن أبي زيد، ص:133.

(8)

في (ن 3): (صغير).

(9)

قوله: (وإلا فالمنع على مذهب) يقابله في (ن) و (ن 4): (وإلا فمنهم).

(10)

في (ن 4): (كبائر).

(11)

قوله: (أو نحو ذلك) ساقط من (ن 3).

ص: 110

قوله: (ولَعِبَ نَرْدٍ) أي: وكذا يشترط في العدل ألا يباشر لعب نرد، ابن عبد الحكم: ولا أعلم من يلعب بها في وقتنا إلا أهل السفه ومن ترك المروءة؛ والمروءة من الدين فلا تقبل شهادة (1) من تركها (2).

قوله: (ذُو مُرُوءَةٍ) هو معطوف على قوله: (حُر، مُسْلِمٌ)(3) والمعنى: أن العدل يشترط فيه أن يكون ذا مروءة، ثم نبه بقوله:(بِتَرْكِ غيرِ لائِقٍ مِنْ حَمَامٍ، وسَمَاعِ غِنَاءٍ، وحِرْفَةِ دَنِيِّةٍ (4)، ودِبَاغَةٍ (5)، وحِيَاكَةِ اختِيَارًا، وَإِدَامَةِ شِطْرَنْج) على أن المروءة هي الارتفاع عن الأمور التي لا تليق وإن لم تكن حرامًا كلعب بالحمام وسماع غناء وحرفة دنيئة (6) كالدباغة والحياكة (7) ونحوهما على تفسير المدونة، وقيد لعب الحمام في كتاب الرجم من المدونة بما إذا كان يقامر عليها (8)، وأطلق في موضع آخر (9)، واختلف هل يحمل المطلق على المقيد أم لا؟ وقال ابن محرز: المراد بالمروءة: التصون والسمة الحسنة، وحفظ اللسان وتجنب السخف والفجور (10) والارتفاع عن كل خلق رديء يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه، وإن لم يكن في نفسه جرحة كالإدمان على لعب الحمام والشطرنج وإن لم يقامر عليها فلم يقيد لعب الحمام بالمقامرة عليه (11) ولم يعتبر هنا الإدمان إلا في الشطرنج وما ذكره في الحرف الدنية ونحوه في الجواهر (12).

(1) في (ن 5): (شهادته). وانظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 8/ 295.

(2)

قوله: (من تركها) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (هو معطوف على قوله: "حُرٌّ، مُسْلِمٌ") يقابله في (ن 5): (هو صفة لحر).

(4)

قوله: (وحِرْفَةٍ دَنِيةٍ) ساقط من (ن 5).

(5)

في (ن 4): (كالدباغة).

(6)

قوله: (ودِبَاغَةٍ، وحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا

وسماع غناء وحرفة دنيئة) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (اخْتِيَارًا وَإِدَامَةِ شِطْرَنْج على أن المروءة

وحرفة دنيئة كالدباغة والحياكة) ساقط من (ن 4).

(8)

انظر: المدونة: 4/ 521.

(9)

انظر: المدونة: 4/ 541.

(10)

في (ن): (الجنون).

(11)

قوله: (فلم يقيد لعب الحمام بالمقامرة عليه) يقابله في (ن 4): (لا فراسة المركوب ولا نظافة الثوب).

(12)

انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1032.

ص: 111

ونبه بقوله: (اخْتِيَارًا) على أن من اضطر لفعلها لفاقة نزلت به أو نحوها أو أكره على فعلها لا تكون قادحة، يريد: أو قصد بذلك كسر نفسه، وقد نص عليه بعض أصحابنا، وإنما اشترط الإدمان في الشطرنج دون غيرها، لأنه كذلك في كتاب الشهادات من المدونة (1) لاختلاف الناس في إباحتها، وفي كتاب (2) الرجم والسرقة منها ايشترط ذلك (3).

واختلف هل هو خلاف أو وفاق، فيحمل المطلق على المقيد. وحكى ابن يونس وابن أبي زيد قولين أحدهما (4): أن من لعبها لا تجوز شهادته، وإن لم يكن مدمنًا، وقال ابن عبد الحكم: إن أكثر من لعبها حتى شغلته عن الصلاة في الجماعة طرحت شهادته، وإلا جازت (5). وقيل: إن لعبها مع الأوباش على الطرقات كان ذلك قادحًا في شهادته وإلا جازت (6)، وإن لعبها في الخلوة مع الأمثال والنظراء من غير إدمان، ولا في حال يلهي عن العبادات والمهمات الدينية والدنيوية فلا يقدح.

قوله: (وإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ) يعني: أنه لا يشترط في الشاهد أن يكون سميعًا بصيرًا، بل تجوز شهادة (7) الأعمى في الأقوال، والأصم في الأفعال.

قوله: (لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ إِلا فِيما لا يَلْبِسُ) هذا شروع منه في موانع الشهادة، وهو

(1) انظر: المدونة: 4/ 19.

(2)

قوله: (كتاب) ساقط من (ن).

(3)

انظر: المدونة: 4/ 520، في كتاب الرجم قيد ذلك بالإدمان ولفظه:(قلت: أرأيت لو أن قومًا شهدوا عند القاضي على رجل بحد من الحدود أو بحق للناس، فأقام المشهود عليه البينة أن هؤلاء الشهود يلعبون بالشطرنج ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك: أما المدمن على اللعب بالشطرنج فلا أرى أن تقبل شهادته). المدونة: 4/ 541، وفي كتاب السرقة لم يقيد ذلك بالإدمان: ولفظه: (قلت: أرأيت إن أقام البينة المشهود عليه على الشهود بعدما زكوا، أنهم شربة الخمور أو أكلة الربا أو مجان أو نحو هذا، أو أنهم يلعبون بالشطرنج أو بالنرد أو بالحمام، أيكون هذا مما تجرج به شهادتهم في قول مالك؟ قال: نعم).

(4)

قوله: (قولين أحدهما) ساقط من (ن 3)، وفي (ن 5):(قولان)، وفي (ن):(قو لا).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 295.

(6)

قوله: (وإلا جازت) زيادة من (ن 3).

(7)

قوله: (شهادة) ساقط من (ن).

ص: 112

التغفل، فلا تقبل شهادة المغفل إلا في أمر لا يلبس كقوله: رأيت هذا قتل هذا أو فقأ عينيه أو قطع يديه أو نحو ذلك من الأفعال، ونحو: سمعت هذا طلق زوجته فلانة أو شتم فلانًا ونحوه من الأقوال، ونحوه للمازري وابن شاس (1).

قوله: (ولا مُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ كَأَبٍ وإِنْ عَلا، (2) وزَوْجِهِما، ووَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ كَبِنْتٍ وزَوْجِهِمَا (3)) هذا هو المانع الثاني: وهو القرب المتأكد لا مطلق القرب، والمراد بالأب الجنس ليشمل الأب والأم (4) وآباءهما وهم (5): الأجداد والجدات وأصولهما وأصول أصولهما، ولهذا قال (وإِنْ عَلا). وقوله:(وزَوْجهِمَا) أي: زوج الأب وزوج الأم.

وقوله: (ووَلَدٍ، وإِنْ سَفَلَ كبِنْتٍ) أي: وإن سفلت، وحكى بعضهم عن مالك قبول شهادة الولد لأبيه دون العكس، وأنكره المازري وغيره من أشياخنا.

قوله: (وزَوْجِهِمَا) أي: الابن والبنت، وهو ظاهر، وقد اختلف في شهادة الرجل لزوج ابنته وزوج ابنه على ثلاثة أقوال: المنع لابن القاسم، وهو الذي اقتصر عليه هنا، والجواز لسحنون (6).

وحكى ابن محرز (7): إن كان مبرزًا جاز وإلا فلا (8).

قوله: (وشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ، وَاحِدَةٌ ككُلٍّ عِنْدَ الآخَرِ، أو عَلَى شَهَادَتِهِ، أَوْ حُكْمِهِ) ابن رشد: شهادة الأب عند ابنه أَو الابن عند أبيه أو شهادة كل واحد منهما مع الآخر أو شهادة كل واحد منهما على شهادة الآخر، وعلى حكمه مع حكمه، الحكم فيها كلها سواء، والاختلاف فيها واحد، فقيل: ذلك جائز، وهو قول سحنون، لأنه أجاز شهادة

(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1037 و 1038.

(2)

زاد في (ن): قوله: (وَأُمٍّ)، وهي غير موجودة في المطبوع من المختصر السياق يقتضي عدم إثباتها؛ لأنه قال بعده في الشرح:(والمراد بالأب الجنس ليشمل الأب والأم).

(3)

قوله: (ووَلَدٍ، وإِنْ سَفَلَ. كَبِنْتٍ وزَوْجِهِمَا) ساقط من (ن 5).

(4)

في (ن 3): (والجد).

(5)

قوله: (وهم) زيادة من (ن).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 302 و 303، والبيان والتحصيل: 10/ 46 و 47.

(7)

قوله: (وحكى ابن محرز) يقابله في (ن 4): (وحكى عن ابن محرز).

(8)

انظر: التوضيح: 7/ 499، وانظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1035.

ص: 113

الأب على قضاء ابنه بعد عزله، وأجاز شهادته عنده بشرط التبريز (1).

قال (2): وينبغي أن يكون هذا الشرط عنده (3) في بقيتها، وهو قول مطرف، لأنه أجاز شهادة كل واحد منهما على شهادة (4) الآخر بهذا الشرط (5)، وقيل: لا تجوز وهو قول أصبغ، لأنه لم يجز شهادة كل واحد منهما على شهادة الآخر، وكذلك يأتي على مذهبه في بقيتها، وفرق ابن الماجشون بين شهادته معه وشهادته على شهادته، وبين شهادته على حكمه بعد عزله، فأجازها في الأولين وردها في الآخر، وذلك تناقض (6).

فقول الشيخ: (وَاحِدَةٌ) أي: شهادة واحدة من غير شرط (7) هو جار على مذهب أصبغ، لأن مراده لا تجوز، أي: فلا يجوز جعلهما شهادتين، بل يجعلان معًا شهادة واحدة (8)، وتبطل الشهادة الأخرى كما تبطل في بقية ذلك.

قوله: (بِخِلافِ أَخٍ لأَخٍ، إِنْ بَرَّزَ، ولَوْ بِتَعْدِيلٍ) أي: فإنها جائزة، وقيده مالك في المدونة (9) بما إذا لم يكن في عيال أخيه، وإلا فإنها تبطل (10)، وأشار بقوله:(إِنْ يَرَّزَ، ولَوْ بِتَعْدِيلٍ) إلى أن شرط جواز شهادته لأخيه بأن (11) يكون مبرزًا في العدالة و (12) الأموال والتعديل كذلك واحد (13)، وقاله في المدونة (14) وحملها الأكثرون على ظاهرها، وقال بعضهم: المراد بالتعديل تعديل من يشهد لأخيه، فلا يجوز له

(1) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 296، زاد بعد في (ن 4):(ابن رشد).

(2)

قوله: (قال) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (عنده) ساقط من (ن 3).

(4)

قوله: (شهادة) ساقط من (ن 4).

(5)

قوله: (بهذا الشرط) ساقط من (ن) و (ن 5)، وفي (ن 3):(أو على حكم الآخر).

(6)

البيان والتحصيل: 9/ 296 و 297.

(7)

قوله: (من غير شرط) ساقط من (ن).

(8)

قوله: (هو جار على مذهب أصبغ، لأن مراده

شهادة واحدة) ساقط من (ن 3).

(9)

في (ن): (العتبية).

(10)

انظر: المدونة: 4/ 21.

(11)

قوله: (لأخيه بأن) في (ن): (لا ضمان).

(12)

في (ن): (في).

(13)

قوله: (واحد) ساقط من (ن).

(14)

انظر: المدونة: 4/ 18.

ص: 114

تعديله؛ لأنه يتشرف بعدالة أخيه، وهو معنى قوله:(وتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بخِلافةِ) وإلى هذا القول ذهب أشهب وغيره، وهو الظاهر، وعلى الأول يجرح من جرحه، ولابن الماجشون يعدله ولا يجرحه، واختاره ابن حبيب. ابن القاسم في المستخرجة: ويعدل الأخ أخاه، وقال أشهب: لا يعدله (1). لأن شرف أخيه شرف له، وفي الرسالة: وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه (2). فلم يشترط تبريزًا ولا غيره (3)، وإليه ذهب بعضهم، وفي البيان: لا خلاف في جواز شهادته له في الأموال ما لم يكن في عيال المشهود له قيل: مطلقًا، وقيل: بشرط التبريز.

واختلف في شهادته له في جراح العمد، والمشهور المنع خلافًا لأشهب، وألزمه ابن رشد جوازها له في القتل والحدود (4).

قوله: (كَأَجِيرٍ ومَوْلًى، ومُلاطِفٍ، ومُفَاوِضٍ فِي غيرِ مُفَاوَضَةٍ، وزَائِدٍ أَوْ نَاقِصٍ، وذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ وَتَزْكِيَةٍ) هذه النظائر راجعة إلى قيد التبريز، والمراد أنه يشترط في ثماني مسائل، الأط: شهادة الأخ لأخيه كما مر، الثانية: شهادة الأجير لمستأجره إذا لم يكن في عياله، الثالثة: شهادة المولى لمن أعتقه، الرابعة: شهادة الصديق الملاطف لصديقه، الخامسة: شهادة الشريك المفاوض لشريكه في غير مال المفاوضة، السادسة: من زاد في شهادته أو نقص بعد أن شهدها، وذكر هذه الستة ابن رشد في كتابه، قال: وهو مذهب ابن القاسم (5)، السابعة: إذا شك في شهادته ثم تذكرها، وزاد في المقدمات ثامنة، وهي شهادة المزكي في تزكيته تلك (6).

قوله: (وإِنْ بِحَدٍّ) يعني: أن المبرز تجوز تزكيته (7) لمن شهد في حد من الحدود إذا

(1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 307.

(2)

انظر: الرسالة، ص:133.

(3)

قوله: (ولا غيره) ساقط من (ن) و (ن 4).

(4)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 432.

(5)

قوله: (قال: وهو مذهب ابن القاسم) ساقط من (ن 3)، وانظر: البيان والتحصيل: 9/ 245 و 246.

(6)

قوله: (وهي شهادة المزكي في تزكيته تلك) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وهو المزكي)، وانظر: المقدمات: 2/ 14.

(7)

في (ن 4): (شهادته).

ص: 115

طلب منه القاضي تزكيته، وقال أشهب وعبد الملك (1): لا تجوز تزكيته (2) في الدماء (3). ابن زرقون: ولم يصحب هذا القول عمل (4).

قوله: (مِنْ مَعْرُوفٍ إِلا الْغَرِيبَ) مراده: أن من ليس بغريب إذا شهد عند الحاكم شهادة فطلب منه تزكية فلا يزكي (5) إلا من هو معروف عند القاضي من أهل بلده، فلا يقبل في تزكيته غير ذلك بخلاف الغريب الذي ليس من أهل البلد، فيقبل في (6) تزكيته من ليس بمعروف عند القاضي، إذا كان ثم من (7) يعرفه بالعدالة ويخبر به القاضي، وقاله في المدونة (8).

قوله: (بِأَشْهَدُ (9) أنّه عَدْلٌ رِضًا) يريد: أن المزكي لا بد أن يقول في تزكية من يزكيه: أشهد أنه عدل رضًا. ويكتفي بذلك، واختاره مالك وأصحابه، وعن مطرف وعبد الملك: يقول هو عندي عدل رضا. وليس عليه أن يقول: هو عدل ورضًا في علم الله تعالى، ولا أرضاه لي وعلي (10)، وروي (11) عن مالك وبه قال أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ وسحنون (12).

واختلف إذا اقتصر على أحد اللفظين، فقيل: لا يجزئه، وهو ظاهر كلامه هنا، ابن عبد البر في الكافي (13)، وهو تحصيل مذهب مالك (14).

(1) قوله: (وعبد الملك) يقابله في (ن 3): (وابن عبد الحكم).

(2)

في (ن): (شهادته)، وفي (ن 4):(عدالته).

(3)

زاد بعد في (ن 4): قوله: (والحدود)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 285، والتوضيح: 7/ 480، ونصه:(وقال أحمد بن عبد الملك: لا تكون عدالته في الدماء).

(4)

التوضيح: 7/ 480.

(5)

في (ن 4): (تزكيه)، وفي (ن) و (ن 5):(يز كيه).

(6)

قوله: (في تزكيته غير ذلك

أهل البلد فيقبل في) ساقط من (ن 3).

(7)

قوله: (عند القاضي إذا كان من) يقابله في (ن 3): (عنده ثم).

(8)

انظر: المدونة: 4/ 464.

(9)

في (ن 4): (بِإشْهَادِ).

(10)

في (ن 3): (وعليه).

(11)

في (ن 5): (ورواه).

(12)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 277 و 278.

(13)

قوله: (في الكافي) زيادة من (ن 4).

(14)

الكافي: 2/ 900.

ص: 116

وقال ابن زرقون: المعلوم من المذهب خلافه وأنه إذا اقتصر على أحدهما أجزأ وهو المعلوم، ولمالك وسحنون وغير هما، واختار اللخمي التفصيل، فقال: إن اقتصر على أحدهما (1) ولم يسأل على الآخر (2) فهو تعديل، وإن سئل وتوقف كان توقفه ريبة في العدالة، فلا يجزئ (3).

وقال في المجموعة: فإن قال: لا أعرف إلا خيرا فليس بتزكية حتى يقول: أعلمه رضًا، وأراه (4) عدلًا، وقال ابن نافع عن مالك: أراه عدلًا رضًا، وعن مالك وابن كنانة: أعرفه أو أعلمه عدلًا رضًا (5) جائز الشهادة (6).

قوله: (مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لا يُخْدَعُ، مُعْتَمِدًا عَلَى طُولِ عِشرَةٍ) يريد: أن التزكية لا تقبل إلا ممن هو عارف فطن لا يخدع؛ لأنَّ التصنع كثير، ووجوهه مختلفة (7) فلا يقبل كل مزك؛ إذ ليس كل من تجوز شهادته تقبل تزكيته (8)، بل لا بد أن يكون مطلعًا على عورات الناس (9) مع اعتماده على طول المعاشرة، وقال سحنون: تقبل تزكية كل من يعرف باطنه، كما يعلم ظاهره ممن صحبه طويلًا وعامله في السفر والحضر (10).

قوله: (لا سَماعٍ مِنْ سُوقِهِ، أَوْ مَحَلَّتِهِ) أي: فإن المزكي لا يكفيه في تعديل غيره اعتماده

(1) قوله: (إن اقتصر على أحدهما) يقابله في (ن 5): (إن اقتضى واحدة)، قوله:(أحدهما ولم يسأل على الآخر) يقابله في (ن): (واحدة، فلم يسأل عن الأخرى).

(2)

في (ن 5): (الأخرى).

(3)

قوله: (وتوقف كان توقيفه ريبة في العدالة، فلا يجزئ) يقابله في (ن): (وتوقف كان ريبة)، انظر: التبصرة، للخمي، ص:5377.

(4)

في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وأرضاه).

(5)

قوله: (رضا) ساقط من (ن 3).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 278.

(7)

قوله: (لأن التصنع كثير ووجوهه مختلفة) ساقط من (ن 3)، وقوله:(ووجهة مختلفة) ساقط من (ن) و (ن 5).

(8)

قوله: (إذ ليس كل من تجوز شهادته تقبل تزكيته) ساقط من (ن).

(9)

قوله: (عورات الناس) يقابله في (ن 4): (عورة النساء)، وفي (ن 5):(عور الناس).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 274، وزاد بعد في (ن) و (ن 4): قوله: (لا بالتسامع انظر ابن يونس).

ص: 117

على سماع من غيره، ولا بد أن يكون معتمدًا على ما تقدم.

قوله (1): (من أهل سوق المزكي أو محلته)؛ لأن تزكية غير (2) هؤلاء له ريبة، قاله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، إلا أنهم قيدوه بما إذا كان غير مشهور العدالة، قالوا (3): إلا أن يكون معدلوه أهل برازة في العدالة والفضل (4)، وإليه أشار بقوله:(إِلا لِتَعَذُّرٍ (5)).

(المتن)

وَوَجَبَتْ إِنْ تَعَيَّنَ كَجَرْحٍ، إِنْ بَطَلَ حَقٌّ، وَنُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الاِسْمَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ، بِخِلَافِ الْجَرْحٍ، وَهُوَ المُقَدَّمُ، وَإِنْ شَهِدَ ثَانِيًا فَفِي الاِكْتِفَاءِ بِالتَّزْكيَةِ الأولَى تَرَدُّدٌ. وَبِخِلَافِهَا لِأحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الآخَرِ، أَوْ أَبَوَيْهِ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيلٌ لَهُ، وَلَا عَدُوٌّ على عدو وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ، أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَلْيُخْبِرْ بِهَا، كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا، تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجَنونِ: مُخَاصِمًا لَا شَاكِيًا. وَاعْتَمَدَ فِي إِعْسَارٍ بِصُحْبَةٍ، وَقَرِينَةِ صَبْرِ ضَرر الزَّوْجَينِ، وَلَا إِنْ حَرَصَ عَلَى إِزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ: بِفِسْقٍ، أَوْ صِبًا، أَوْ رِقٍّ، أَوْ عَلَى التَّأَسِّي، كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى فِيهِ، أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ، وَلَا إِنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ، كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، أَوْ شَهِدَ وَحَلَفَ،

(الشرح)

قوله: (ووَجَبَت، إِنْ تَعَيَّنَ (6)) يشير بهذا إلى ما قاله مالك (7): إن من علم عدالة شخص يجب عليه تزكيته؛ لأنه من جملة الحقوق إلا أن يجد غيره فهو في سعة، ورخص في ذلك ابن نافع، لأن العدالة غير مقطوع بها بخلاف سائر الحقوق.

قوله: (كَجَرْحٍ، إِنْ بَطَلَ حَقٌّ) يريد: وكذلك يجب على من علم من شخص جرحة أن يجرحه إذا خاف إن سكت أن يحق بشهادة المجروح باطل أو يفوت حق.

(1) قوله: (من غيره

ما تقدم قوله) ساقط من (ن) و (ن 4).

(2)

قوله: (غير) ساقط من (ن 3) و (ن 4).

(3)

قوله: (قالوا) ساقط من (ن 3).

(4)

التوضيح: 7/ 478.

(5)

في (ن 4): (إلا المبرز).

(6)

قوله: (ووَجَبَتْ، إِنْ تَعَيَّنَ) يقابله في (ن 3): (ووجبت، إن تعينت)، وفي (ن 5):(ووجب إن تعين).

(7)

في (ن 3): (بعضهم).

ص: 118

قوله: (ونُدِبَ تَزْكيَةُ سِرٍّ مَعَهَا) أي: مع تزكية العلانية، وقاله الباجي (1) وغيره، ولا شك أن الجمع في التزكية بين السر والعلانية أولط، فإن اقتصر على العلانية وحدها؛ جاز، وقاله في المدونة (2) خلافا لعبد الملك (3)، واستحسنه اللخمي (4)، وأما تزكية السر فلا خلاف أنها كافية.

قوله: (مِنْ مُتَعَدِّدٍ) يريد: أن التزكية إنما تكون من اثنين فصاعدًا، وقال بعضهم: لا خلاف أن الشاهد الواحد يجزئ في السر، وأن الاختيار اثنان، وأما في العلانية فلا يقبل إلا اثنان، وعن ابن كنانة أنها لا تكون إلا من ثلاثة فصاعدًا.

قوله: (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الاسْمَ، أَوْ لَمْ (5) يَذْكُرِ السَّبَبَ) هكذا عن (6) ابن كنانة وسحنون أنه يقبل تعديل الشاهد لمن لا يعرف اسمه، وأشار بقوله:(أَوْ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ) إلى انه لا يجب على المزكي أن يذكر سبب التعديل، لأن التزكية لا تكون إلا بعد طول الصحبة، واختبار الأفعال الكثيرة، وذكر ذلك يطول.

قوله: (بِخِلافِ الْجَرْحِ) أي: فإنه لا بد فيه من ذكر السبب، وفي ذلك أقوال حكاها اللخمي وابن (7) شاس، ثالثها: لمطرف، إن كان عالمًا بوجه التجريح لم يجب ذكر السبب وإلا وجب، ورابعها لأشهب: إن كان المجرَّح بفتح الراءِ غير مبرز في العدالة لم يجب على من جرحه ذكر السبب وإلا وجب (8).

قوله: (وهُوَ الْمُقَدَّمُ) يريد: أن من شهدت له بينة بالعدالة، وجرحته بينة أخرى، فإن بينة الجرح مقدمة؛ لأنها علمت ما لم يعلم المعدلون، واختاره ابن رشد وغيره، وقيل: يصار إلى التجريح. ولمطرف وابن وهب أن بينة التعديل أولى، ابن رشد: وهذا الخلاف

(1) انظر: المنتقى، للباجي: 7/ 154.

(2)

انظر: المدونة: 4/ 57.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 273.

(4)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:5375.

(5)

قوله: (أَوْ لم) يقابله في (ن 5): (ولَمْ).

(6)

في (ن): (عند).

(7)

في (ن 5): (ولابن).

(8)

انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5382، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1024.

ص: 119

إذا لم يقيد المجرحون الجرحة وإلا (1) فلا خلاف في تقديم الجرح (2)، انظر الكبير.

قوله: (وإِنْ شَهِدَ ثَانِيًا فَفِي الاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكيَةِ الأُولَى تَرَدُّدٌ) أي: فإن شهد شهادة (3) فزكي فيها، ثم شهد ثانيًا فهل يكتفى بالتزكية الأولى أو لا بد من تزكية أخرى؟ تردد الأشياخ في ذلك (4)، فذهب أشهب إلى الاكتفاء، وقال سحنون: لا بد من التزكية كلما شهد حتى يكثر تعديله، وتشتهر تزكيته، روى مطرف وابن الماجشون عن مالك: يكتفى بالأول ما لم يغمز (5) فيه بشيء أو يرتاب منه، وقيل: إن زكاه من هو مشهور بالعدالة في تزكيته اكتفى، وقيل: إن المشهور بالعدالة يكتفى فيه (6) بالتزكية الأولى حتى يجرح بأمر بين، والذي ليس بمعروف يتوقف فيه على تعديل (7)، فاعتبر في هذا القول حال المزكَّى بفتح الكاف، وفيما قبله اعتبر حال المزكِّي بالكسر وهما معا منسوبان إلى ابن كنانة، ولابن القاسم إن كانت الشهادة الثانية قريبة من الأولى، اكتفى بالتزكية الأولى، وإن طال ما بينهما لم يكتف بها، وكشف عنه ثانيًا طلب ذلك المشهود عليه أم لا، والسنة طول، وقال أشهب: إن شهد بعد خمس سنين ونحوها سأل عنه العدل الأول، فإن مات عُدِّلَ أخرى وإلا لم يقبل (8).

قوله: (وبِخِلافِهَا لأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الآخَرِ، أوْ أَبَوَيْهِ) هذا معطوف على قوله: (بخِلافِ أَخٍ لأَخٍ) أي: بخلاف شهادة أخ لأخ، وبخلافها لأحد ولديه على الآخر أو لأَحد أبويه على الآخر؛ فإنها أيضا جائزة (9)، وحكى ابن محرز في ذلك قولين، وصوب

(1) قوله: (إذا لم يقيد المجرحون الجرحة وإلا) يقابله في (ن 4): (إذا قال المعدلون: هو جائز الشهادة، وقال المجرحون: هو غير جائزها، وأما إن فسر المجرحون الجرحة).

(2)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 452 و 453 و 10/ 136.

(3)

في (ن): (شاهد).

(4)

قوله: (تردد الأشياخ في ذلك) يقابله في (ن 4): (في ذلك تردد بين المتأخرين في النقل).

(5)

في (ن 3): (يقم).

(6)

قوله: (وقيل: إن المشهور بالعدالة يكتفى فيه) زيادة من (ن).

(7)

قوله: (على تعديل) ساقط من (ن).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 275 و 279، والبيان والتحصيل: 10/ 51، والتوضيح: 7/ 486.

(9)

قوله: (أخ لأخ

أيضا جائزة) يقابله في (ن 4): (الأخ لأخيه أو الأب لأحد ولديه على الآخر، أو الأم أو الأب لأحد أبويه على الآخر فإن ذلك كله جائز وتقبل شهادة من ذكر في الجميع).

ص: 120

الإجازة (1).

قوله: (إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ)، أي: كشهادته للبر على العاق والصغير على الكبير وما أشبه ذلك (2).

قوله: (وَلا عَدُوٌّ على عدو وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) هذا هو المانع الثالث من موانع الشهادة، وهو العداوة، والمراد بها الدنيوية لا الدينية، لجواز شهادة المسلم على الكافر (3)، فلا تقبل شهادة عدو على عدوه، ولا على ابن عدوه، ولهذا قال:(وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) وهو قول ابن القاسم (4)، وصوبه ابن يونس، وعن (5) محمد جوازها إن كان الأب حيًّا والابن في ولايته، وقيل: تجوز ما لم يكن في ولايته، وقيل: لا يجوز بحال في حياة الأب، وتجوز بعد موته، وهذا الخلاف مقيد بما إذا لم يدخل على الأب معرة بتلك الشهادة، وإلا لم تجز اتفاقًا.

قوله: (أَوْ (6) مُسْلِمٍ وكَافِرٍ) قد سبق أن العداوة الدينية إذا جاوزت القدر الواجب تمنع جواز الشهادة، فلهذا إذا طرأت عداوة بين مسلم وكافر لأمر حدث امتنعت شهادته، أي: شهادة المسلم عليه حينئذ. عياض: وهو الصحيح (7)، وقد اختلف في ذلك.

قوله: (وَلْيُخْبِرْ بِهَا) قال مالك: وإذا شهد وجب عليه أن يخبر الحاكم بأنه عدوه، قال سحنون: لا يخبره (8).

قوله: (كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا تتهمني وتُشَبِّهُنِي بِالْمَجَنونِ مُخَاصِمًا، لا شَاكِيًا) أي: وكذلك لا تقبل شهادة الشاهد إذا قال بعدها للمشهود عليه: تتهمني إلى آخره، وقد اختلف النقل

(1) التوضيح: 7/ 499.

(2)

قوله: (وما أشبه ذلك) ساقط من (ن).

(3)

زاد بعد في (ن 4): قوله: (ما لم تزد عداوته على القدر الواجب).

(4)

البيان والتحصيل: 10/ 58.

(5)

قوله: (ابن يونس وعن) يقابله في (ن 4): (ابن رشد عن).

(6)

قوله: (أو) يقابله في (ن 4): (ولو من).

(7)

انظر: التوضيح: 7/ 503.

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 255، ولفظه فيما نقل عن سحنون:(وقال ابن سحنون عن أبيه: إنه يخبر بعداوتهم له).

ص: 121

عن أصبغ في هذه المسألة، فحكى عنه ابن عبد السلام أن شهادته لا تطرح إلا أن تثبت العداوة من قبل، ونقل المازري عنه ردها، وعللها بكون الشاهد أقر على نفسه بعداوة المشهود عليه، ونقل ابن سهل هذا عن ابن الماجشون، ونقل عن أصبغ أيضًا: أنها لا تبطل إذا كان ذلك منه على جهة الشكوى، لا على جهة طلب المخاصمة فتبطل إن كانت على جهة الخصومة (1)، ولما كان هذا النقل كالجامع بين النقلين، اعتمده الشيخ رحمه الله، (مخاصمًا) حال من الهاء في قوله (بعدها لا شَاكِيًا) كذلك (2).

قوله: (وَاعْتَمَدَ فِي إِعْسَارٍ بِصُحْبَة، وقَرِينَةِ صَبْرِ ضَرر الزَّوْجَيْنِ) يريد: أن الشاهد يعتمد في شهادة الإعسار على طول الصحبة، والقرينة القوية كصبر المشهود عليه على ضرر الجوع وألمه (3)، وتحمل مشاقه مما لا يكون إلا مع الفقر، وأما ضرر الزوجين فهو (4) وإن كان يمكن فيه القطع؛ لكونه من الجيران والأقارب إلا أنه نادر (5)، ولابن القاسم جوازه في الضرر (6) وبالسماع من الأهل والجيران.

قوله: (وَلا إِنْ حَرِصَ عَلَى إِزَالَةِ نَقْصٍ فِيما رُد فِيهِ بِفِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ) هذا هو المانع الرابع، وهو أن يحرص الشاهد على إزالة نقص حصل له من شهادة رد فيها بأن يكون شهد بها حال فسقه أو صباه أو رقه أو كفره فحكم القاضي بردها، ثم زال ذلك المانع عنه، فأداها ثانيًا، فإنها لا تقبل منه؛ لأنه يتهم أن يكون حرص على قبولها بعد ردها لما جبلت عليه الطبائع البشرية من الحرص على دفع المعرة، واحترز بقوله:(فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِفِسْقٍ) مما إذا شهد بها ولم ترد حتى زال المانع فإنها تقبل إذا أداها بعد زوال المانع، وقاله ابن القاسم، وهو قياس قول مالك وأصحابه، فلو قال القاضي: لا أجيز شهادة هؤلاء لما رفعت إليه فليس ذلك برد لها، وتقبل. بعد ذلك؛ لأنَّ كلامه فتيا لا حكم (7).

(1) انظر: النوازل، لابن سهل، ص: 71 و 72.

(2)

قوله: ("بعدها لا شَاكِيًا" كذلك) يقابله في (ن 3): (الهاء في قوله وكذلك لا شاكيا).

(3)

في (ن 3): (والضر).

(4)

زاد بعده في (ن 4): قوله: (كذلك).

(5)

في (ن): (قادر).

(6)

قوله: (ولابن القاسم جوازه في الضرر) يقابله في (ن 4): (وقيل بجوازها بالضرر).

(7)

قوله: (وهو قياس قول مالك

فتيا لا حكم) يقابله في (ن 4): (وقال ابن يونس وقياس قول مالك=

ص: 122

قوله: (أَوْ عَلَى التَّأَسِّي كشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا، حُدَّ فِيهِ) يريد: أن الحرص كما يكون مقصودًا به إزالة النقص الداخل على الشخص، كذلك يكون مقصودًا به التأسي بغيره، فيتهم ولد الزنى إذا شهد بالزنى على إشاعة هذه الفاحشة؛ ليكثر من يشاركه في صفته تلك، ليستتر في الناس ويزول عنه التعيير (1)، ولا خلاف في ذلك في المذهب، وأما شهادته فيما حد فيه وتاب منه، فالمشهور أيضًا أنها لا تقبل، وقيل: تقبل. وهو قول مالك من رواية ابن نافع، وبه قال هو وابن كنانة (2) وهو ظاهر المدونة (3). واحترز بقوله:(فيما حد فيه) مما إذا شهد في غير ذلك بعد توبته فإنها تقبل (4).

قوله: (ولا إِنْ حَرِصَ عَلَى الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيهِ مُطْلَقًا) هذا هو المانع الخامس، وهو الحرص على (5) الشهادة، وأراد (6) أن الحرص تارة يكون باعتبار القبول، ويكون تارة باعتبار الأداء، وتارة باعتبار التحمل، فأما الوجه الأول وهو أن يحرص على القبول كما إذا خاصم الشاهد المشهود عليه في حق الآدمي أو حق الله تعالى، وهو مراده بالإطلاق (7)، فإن شهادته لا تقبل عليه، وهو قول ابن القاسم خلافًا لابن الماجشون ومطرف وأصبغ، واختاره اللخمي وابن رشد (8).

= وأصحابه إنه إذا شهد في الحالة الثانية بما شهد به في الأولى أن شهادته تقبل بخلاف ما لو شهد العدول على أنهم شهدوا في حالة تجوز شهادتهم وقد ماتوا أو غابوا أي من وصف بالنقص الذي تشهد العدول على شهادتهم فإن شهادتهم لا تقبل فلو قال القاضي لمن سأله عن شهادتهم لا أجيز شهادة هؤلاء وقد رفعها إليهم فليس ذلك منه ردا لها وتقبل بعد ذلك لأن كلامه فتوى لا حكم).

(1)

قوله: (ويزول عنه التعيير) ساقط من (ن 4).

(2)

زاد بعد في (ن 4) قوله: (المازري). وانظر: الاستذكار: 7/ 106.

(3)

انظر: المدونة: 4/ 8 و 23، وانظر: التوضيح: 7/ 507.

(4)

قوله: (بعد توبته) زيادة من (ن)، وقوله:(غير ذلك بعد توبته فإنها تقبل) يقابله في (ن 4): (ما حدًا فيه بعد توبته، ولو كان حدًا كشهادته في السرقة وشرب الخمر، وقد حد في الزنى وتاب فإنها تقبل).

(5)

زاد بعد في (ن 4) قوله: (قبول).

(6)

في (ن 4): (والمعنى).

(7)

قوله: (فأما الوجه الأول وهو أن يحرص على القبول كما إذا خاصم الشاهد المشهود عليه في حق الآدمي أو حق الله تعالى، وهو مراده بالإطلاق) يقابله في (ن 4): (فأشار إلى الأول بقوله: "كَمُخَاصَمَةِ" مشهود عليه مطلقًا في حق الآدمي، وفي حق الله تعالى).

(8)

التوضيح: 7/ 510، وانظر: المقدمات الممهدات: 2/ 11.

ص: 123

وقوله: (أوْ شَهِدَ وَحَلَفَ) يريد سواء كان في حق الله تعالى أو حق آدمي (1)، وهو قول ابن شعبان، وأخذ ابن رشد من العتبية خلافه إلا أن يكون الشاهد من العوام، فإنهم يتسامحون في ذلك.

(المتن)

أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الآدَمِيِّ. وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالإِمْكَانِ، إِنِ اسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ، كَعِتْقٍ، وَطَلَاقٍ، وَوَقْفٍ، وَرَضَاعٍ، وَإِلَّا خيِّرِ. كَالزِّنَا، بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، كَالْمُخْتَفِي، وَلَا إِنِ اسْتُبْعِدَ كَبَدْوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ، بخِلَافِ إِنْ سَمِعَهُ، أَوْ مُرَّ بِهِ، وَلَا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ، أَوْ يَسأَلِ الأَعْيَانَ، وَلَا إِنْ جَرَّ بِهَا نَفْعًا، كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا، أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ، إِلَّا الْفَقِيرَ، أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلَائِهِ، أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ، بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَشَهَادَةِ كُل لِلآخَرِ، وَإِنْ بِالْمَجْلِسِ وَالْقَافِلَةِ، بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فِي حِرَابَةٍ، لَا الْمَجْلُوبُونَ، إِلَّا كَعِشْرِينَ، وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ، وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا، وَلَا إِنْ دَفَعَ كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ، أَوِ الْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ.

(الشرح)

ثم أشار إلى الوجه الثاني وهو الحرص على أداء الشهادة بقوله: (أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي محض حَقِّ الآدَمِيِّ، وفي محض حَقِّ اللهِ تعالى تَجِبُ الْمُبادَرَةُ بالإِمْكَانِ، إِنِ اسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَعِتْقٍ وطَلاقٍ ورِضَاعٍ ووَقْفِ وإِلا خُير كَالزِّنَا) وحاصل مَا ذكره في هذا الوجه أن الحقوق ثلاثة أنواع:

الأول: أن يتمحض الحق للآدمي، كشهادته عليه بدين ونحوه، فلا يؤديها قبل، السؤال، فإن فعل كان ذلك قادحًا فيما قاله (2) سحنون: لا يكون ذلك جرحة إلا في حق الله تعالى، وقيل هو (3) جرحة في الشهادة نفسها لا يصلح له أداؤها،

(1) قوله: (يريد سواء كان في حق الله تعالى أو حق آدمي) يقابله في (ن 4): (هو مذهب ابن القاسم، ولا فرق فيه أيضا بين حق الآدمي، وحق الله تعالى فإن شهادته، لا تقبل عليه).

(2)

في (ن): (وقال)، ووقع بعدها في (ن 4):(سحنون وغيره، نعم قال علماؤنا: يجب عليه أن يعلم صاحبه بها إن كان حاضرًا، فإن لم يفعل، فروى عيسى عن ابن القاسم: ذلك جرحة، وتبطل شهادته، مطرف وابن الماجشون: إلا أن يعلم صاحب الحق بها. ابن رشد: وهو تفسير، وقال).

(3)

قوله: (وقيل هو) يقابله في (ن 4): (ونقل في الإكمال أن ذلك).

ص: 124

قاله في الإكمال (1).

الثاني: أن يكون الحق لله وهو (2) مما يستدام فيه التحريم فتقبل فيه الشهادة مع المبادرة إلى الأداء (3)؛ إذ تجب المبادرة (4) بها، وتأخير القيام بها من غير عذر جرحة كمن شهد على غيره بعتق عبده أو أمته أو بطلاقه أو مخالعته لزوجته أو أنه رضع معها أو وقف وقفًا.

قال ابن شاس: معناه (5) على غير معينين (6)، وكذا شهادته بالعفو عن القصاص وشبه ذلك، ووقع لأشهب أن الشهادة لا تبطل بعدم المبادرة كان الحق مما يستدام فيه التحريم أم لا (7).

وأشار بقوله: (وإِلا خُيِّرَ كَالزِّنَا) إلى النوع الثالث، وهو أن يكون الحق أيضًا لله تعالى إلا أنه لا يستدام فيه التحريم؛ لكون المعصية قد انقضت كالزنى وشرب الخمر، ولا يجب الرفع بها، يريد: إلا أن يكون المشهود عليه مشهورًا بالفسق مجاهرًا به، فالرفع أولى.

قوله: (بِخِلافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، كَالْمُخْتَفِي) أشار بهذا إلى (8) الوجه الثالث، وهو الحرص على تحمل الشهادة، وأما الحرص على التحمل فإنه لا يضر ولا يقدح (9)، مثل: أن يجلس مختفيًا في زاوية أو نحوها قصدًا لتحمل الشهادة على المقر من غير أن

(1) قوله (قاله في الإكمال) يقابله في (ن 4): (وقيل: إن كتم ذلك ولم يخبره به مع علمه بضرورة صاحب الحق في شهادته وقد أداه عدمها إلى أن سكت جبرا أو صالح ببعضه، ونقله في الإكمال أيضًا).

(2)

قوله: (لله وهو) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (إلى الأداء) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

(4)

قوله: (إلى الأداء؛ إذ تجب المبادرة) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (معناه) ساقط من (ن).

(6)

زاد في (ن 4): قوله: (وأطلق فيه الباجي وابن رشد)، وانظر: التوضيح: 7/ 509، والمنتقى: 7/ 142، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1039.

(7)

البيان والتحصيل: 10/ 39.

(8)

قوله: (أشار بهذا إلى) يقابله في (ن 3) و (ن 5): (هذا هو).

(9)

قوله: (وأما الحرص على التحمل فإنه لا يضر ولا يقدح) ساقط من (ن).

ص: 125

يشهده (1) على نفسه ب في أقر به، والمشهور أن ذلك غير قادح به، وبه قال أشهب وعيسى بن دينار، وعامة أصحاب مالك، وعن مالك أيضًا أنه لا يشهد حتى يقول المشهود عليه: اشهد علي (2).

قوله: (ولا إِنِ اسْتُبْعِدَ كَبَدَوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ) هذا هو المانع السادس وهو الاستبعاد لتطرق التهمة من جهة الشهود في الشهادة، ومخالفة العادة كشهادة البدوي على القروي، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم:"لا تقبل شهادة البدوي على القروي"، وفي رواية:"على صاحب القرية"، اللخمي والمازري: والحديث مقيد ومقتصر (3) على موضع تحقق فيه (4) التهمة، قالا (5): وذلك إذا كتب خطه في الوثيقة أو الصداق (6) وهما في الحضر وعدولهما عن شهادة (7) الشهود الحاضرين المبرزين للشهادة في مثل ذلك (8) إلى شهادة (9) غيرهم ريبة، قالا (10): فأما لو قال: مرا بي فسمعتهما يتقارران أو كانوا في سفر (11) فلا تهمة تقتضي الرد (12).

وإلى هذا أشار بقوله (13): (إِنْ سَمِعَهُ، أَوْ مَرَّ بِهِ) ابن وهب: اختلف في شهادة

(1) في (ن 3) و (ن 5): (يشهد).

(2)

قوله: (اشهد علي) يقابله في (ن 4): (اشهد لي، وهو قول سحنون).

(3)

في (ن 4): (قصد الرد).

(4)

قوله: (تحقق فيه) يقابله في (ن): (تحقيق).

(5)

في (ن 3) و (ن 5): (قال).

(6)

قوله: (الوثيقة أو الصداق) يقابله في (ن 4): (الوثائق وفي الصدقات).

(7)

قوله: (وعدولهما عن شهادة) يقابله في (ن): (فالعدول عن إشهاد).

(8)

قوله: (للشهادة في مثل ذلك) ساقط من (ن).

(9)

قوله: (المبرزين للشهادة في مثل ذلك) يقابله في (ن 5): (المتيسرين إلى إشهاد)، وقوله:(للشهادة في مثل ذلك) ساقط من (ن 3)، وقوله:(شهادة) يقابله في (ن): (إشهاد).

(10)

في (ن 3) و (ن 5): (قال).

(11)

قوله: (أو كانوا في سفر) يقابله في (ن 4): (يتقارران عن كذا أو كذا في سفر، وما لا يقل الإشهاد به كالقتل والجراح والقذف).

(12)

انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5413، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1041.

(13)

زاد بعده في (ن 3) و (ن 5)(بخلاف).

ص: 126

الحضري على البدوي (1)، فرأى (2) قوم أنها لا تجوز، وأنا أرى أنها جائزة إلا أن يدخلها ما دخل شهادة البدوي على الحضري (3) من التهمة والظنة (4).

قوله: (ولا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ) لما كانت هذه المسألة مناسبة لما قبلها ذيلها (5) بها، لأنَّ المانع فيها أيضًا الاستبعاد؛ لأن العادة لم تجر في الغالب بإشهاد هؤلاء وترك الأغنياء المشهورين (6)، ونحوه للمازري (7).

واحترز بالكثير من اليسير فإنها تقبل فيه وقاله في المدونة (8)، وأشار اللخمي إلى أنه ينبغي أن يتقيد (9) بما إذا قصد الإشهاد، وأما لو قال: مررت بهما يتنازعان (10) فأقر له بكذا، فإنها تقبل كالفرع الأول.

قوله: (بِخِلافِ مَنْ لَمْ يَسْألْ) أي: فإن شهادته مقبولة، بعض القرويين: وكذلك من لم يسأل، لكنه إن أُعطي؛ قَبِل، أو كَان سائلًا للإمام، يريد: أو كان يسأل الأعيان أو الأغنياء فقط أو الرجل (11) الشريف، ولهذا قال:(بخلاف من لم يسأل أو يسأل الأعيان)، ولا فرق هنا بين القليل والكثير، وهو الصحيح، وقال ابن كنانة: لا يقبل في الكثير (12) كالخمسمائة دينار (13).

قوله: (ولا إِنْ جَرَّ بِهَا نَفْعًا كَعَلَى مُوَرِّثهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا، أوْ قَتْلِ الْعَمْدِ) هذا هو المانع

(1) في (ن 4): (على القروي والبدوي).

(2)

في (ن 4): (فروى).

(3)

في (ن 4): (القروي).

(4)

البيان والتحصيل: 9/ 431.

(5)

في (ن 4): (وصلها).

(6)

في (ن 4): (المشهور).

(7)

انظر: التوضيح: 7/ 512.

(8)

انظر: المدونة: 4/ 18.

(9)

في (ن 3) و (ن 5): (يقيد).

(10)

زاد بعد في (ن 4) قوله: (ويتقارران).

(11)

قوله: (أو الأغنياء فقط أو الرجل) يقابله في (ن 3): (والرجل).

(12)

قوله: (في الكثير) يقابله في (ن): (فيما كثر).

(13)

انظر: النوارد والزيادادت: 8/ 297، وعقد الجواهر: 3/ 1041، والتوضيح: 7/ 511.

ص: 127

السابع من موانع قبول الشهادة، وهو أن يجر بشهادته نفع نفسه كشهادته على موروثه المحصن أنه زنى أو أنه قتل رجلا عمدًا، لأنه يتهم أن يريد (1) بذلك قتله ليأخذ ميراثه فلا تقبل شهادته، واحترز بالمحصن من البكر وبالعمد من الخطأ، فإنه لا يتهم في ذلك.

قوله: (إِلا الْفَقِيرَ) أي: إلا أن يكون الموروث فقيرًا فلا ترد (2) شهادته عليه لانتفاء التهمة، وقاله أشهب في الولد يشهد على أبيه الفقير بالزنى وهو محصن، ويرجم الأب، وحمله ابن رشد على أنه ممن يعذر بجهل في شهادته عليه بذلك، وأما إن لم يجهل ولم يعذر (3) فلا تقبل شهادته عليه (4)، لأنه عاق، وعن ابن اللباد (5) عدم قبول الشهادة، وإن كان الأب فقيرًا لأنه يتهم بإسقاط نفقته الواجبة عليه وهو إنما يكون في الأب والأم فقط، ولا يتهم إلا إذا كان الأب عاجزًا عن الكسب، وقال ابن لبابة: شهادته بما يقتضي قتله جائزة وإن كان مليًّا، قال: ولا يتهم العدو بأخذ الميراث ولا بطرح النفقة (6)، ابن رشد: وله (7) وجه في المبرز (8).

قوله: (أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلائه) مثل أن يشهد أن أباه أعتق فلانًا، وهو ممن يتهم بكونه يريد بذلك أن يجر ولاءه لنفسه، وقيد ذلك في المدونة بأن يكون العبد ممن يرغب في ولائه، وأن يكون في الورئة من لا حق له في الولاء كالبنت والزوجة (9)، وأن تكون التهمة حاصلة الآن بكونه لو مات الآن ورثه.

قوله: (أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدينِهِ) أي: لأن رب الدين إذا شهد لمديانه بدين أو بمال فإنه (10)

(1) في (ن): (يقصد).

(2)

قوله (فلا ترد) يقابله في (ن 4): (فتقبل).

(3)

في (ن 3) و (ن 5): (يدع).

(4)

قوله: (شهادته عليه) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (ابن اللباد) يقابله في (ن 4): (ابن القاسم).

(6)

زاد بعدها في (ن 4): (عنه في قتل أبيه أو أمه).

(7)

في (ن 4): (ولا).

(8)

البيان والتحصيل: 10/ 111.

(9)

انظر: المدونة: 4/ 27.

(10)

قوله: (لأن رب الدين إذا شهد لمديانه بدين أو بمال فإنه) يقابله في (ن 4): (يريد: أن رب الدين لا يشهد لمدينه بدين ولا بمال لكونه).

ص: 128

يتهم أن يقصد بذلك قبضه منه (1)، فلا تقبل شهادته له (2)، فإن شهد له بغير مال؛ جاز، قاله غير واحد من الأشياخ، وأجاز أشهب شهادته له مطلقًا، ولو كان المديان معدمًا، وأشار بعضهم إلى التفرقة فقال (3): إن كان المديان معدمًا فلا تقبل وإلا قبلت (4).

قوله: (بخِلافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ) أي: فإن شهادته لمن هو في نفقته جائزة، وقاله ابن حبيب (5) خلافًا لبعض القروين إذا كان من أقاربه (6) كالأخ ونحوه (7) فإن شهد من هو في نفقة شخص للمنفق عليه (8) ففي المدونة لا يجوز ذلك (9)؛ لأنه يتهم أنه متى لم يشهد له ترك نفقته.

قوله: (وشَهَادَةِ كُلٍّ لِلآخَرِ وإن (10) بِالْمَجْلِسِ) أي: وبخلاف شهادة كل واحد من الشاهدين لصاحبه وإن في مجلس واحد فإنها جائزة (11)، يريد: سواء كان المشهود عليه بالحق واحدًا أم لا؟ وهو المشهور، وقاله بعضهم (12)، وقيل: لا تجوز، وإليه رجع سحنون (13)، وقال مطرف وابن الماجشون: إن شهد بعضهم لبعض في مجلس واحد

(1) وقع بعدها في (ن 4): (في ماله عليه).

(2)

قوله: (شهادته له) يقابله في (ن 4): (شهادته لأنه جر بها).

(3)

قوله: (قال) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 318.

(5)

في (ن 3): (أشهب).

(6)

زاد بعد في (ن 4): قوله: (خلافًا).

(7)

زاد بعد في (ن 4) قوله: (ابن رشد). وانظر: عقد الجواهر: 3/ 1036.

(8)

قوله: (للمنفق عليه) يقابله في (ن 3) و (ن 5): اللمنفق).

(9)

انظر: المدونة: 4/ 18، وهي أول مسألة بدأ بها في كتاب الشهادات من المدونة؛ قال سحنون:(قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت الأجير، هل تجوز شهادته لمن استأجره؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة من هو في عيال الرجل للرجل).

(10)

في (ن 4): (ولو).

(11)

قوله: (فإنها جائزة) زيادة من (ن).

(12)

في (ن 3): (ابن القاسم).

(13)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 322، ولفظه فيما نقل عن سحنون:(ومن كتاب ابن سحنون: وكتب إلى سحنون فيمن شهد عليك بشهادة، ثم شهدت أنت بعد شهرين أو نحوها عليه، والأول في خصومة بعد، قال: أرى ظنته قائمة ولا تجوز شهادته)، وانظر: البيان والتحصيل: 10/ 195.

ص: 129

على رجل واحد (1)؛ لم يجز، وإن كان شيئًا بعد شيء، وإن (2) تقارب ما بين الشهادتين؛ جازت، وكذلك إن كان على رجلين؛ جاز أيضًا، وسواء كان في مجلس أو مجلسين (3)، ورأى اللخمي أنها ترد كانت في مجلس أو مجلسين على رجل أو رجلين بلفظ أو كتابة للتهمة على اشهدْ لي وأشهدُ لك، قال: إلا أن يطول ما بينهما (4).

قوله: (والْقَافِلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي حِرَابَةٍ لا المجلوبون (5) إِلا كَعِشْرِينَ) هكذا قال في كتاب الحرابة من المدونة وأن (6) المحارب تجوز عليه شهادة من حاربه، وزاد إن كانوا عدولًا، قال: إذ لا سبيل إلى غير ذلك سواء (7) شهدوا بقتل أو أخذ مال أو غيره، ولا تقبل شهادة أحد منهم لنفسه، وإنما يشهد بعضهم لبعض كما أشار إليه الشيخ (8).

وأما المجلوبون (9) فلا تقبل شهادة بعضهم لبعض إلا أن يكونوا عشرين فأكثر، وأباه سحنون في العشرين، ابن سهل: الفرق بين مسألة المحاربين وهذه، أن هؤلاء (10) تدركهم حمية البلد، فلذلك ردت شهادتهم (11).

قوله: (ولا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ ولِغَيْرهِ بِوَصِيَّةٍ) الباء في قوله: (بِوَصِيَّةٍ) للظرفية، والمعنى: أن شهادة من شهد لنفسه ولغيره في وصية لا تجوز بشرط أن يكون ما شهد به

(1) قوله: (على رجل واحد) ساقط من (ن).

(2)

في (ن 3): (ان).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 322.

(4)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:5465.

(5)

قوله: (لا المجلوبون) يقابله في (ن 4): (إلا لِمَجْلُوبِينَ).

(6)

في (ن 3) و (ن 5): (أن).

(7)

قوله: (سواء) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

(8)

قوله: (وإنما يشهد بعضهم لبعض كما أشار إليه الشيخ) يقابله في (ن) و (ن 5): (وتقبل شهادة بعضهم لبعض).

(9)

قوله: (وإنما يشهد لبعض كما أشار إليه الشيخ، وأما المجلوون) ساقط من (ن 3).

(10)

قوله: (ولا فرق بين مسألة المحاربين وهذه، أن هؤلاء) يقابله في (ن 4): (والفرق بين هذه المسألة ومسألة القافلة أن الضرورة في الأولى أقوى، لأن مسألة المجلوبين هذه)، وفي (ن 3):(والفرق بين مسألة المحاربين هذه أن هؤلاء).

(11)

انظر: التوضيح: 7/ 492. ونصه: (قيل: فرق بينهما ابن سهل بأن المجتلبين تذكرهم حمية البلد فلذلك رد شهادتهم).

ص: 130

لنفسه كثيرًا، إلا أنه يتهم وترد له ولغيره على المشهور، وفي الجلاب رواية بالجواز لغيره فقط (1).

قوله: (وإِلا قُبِلَ لَهُمَا) أي: وإن كان الذي شهد به لنفسه يسيرًا فإن شهادته تقبل لهما معًا، وهو قول ابن القاسم، ورواه مطرف عن مالك، وروى ابن وهب عنهم عدم القبول له ولغيره، وعنه أيضًا وبه قال عبد الملك أنها تقبل لغيره دونه، وفي المقدمات رابع أنها تقبل له ولغيره إن في ن معه شاهد غيره (2)، انظر الكبير.

قوله: (ولا إِنْ دَفَعَ كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ) هذا هو المانع الثامن؛ وهو أن يدفع بشهادته ضررًا عن نفسه، كما إذا شهد رجلان أن فلانًا قتل فلانًا خطأ، فشهد عدلان من العاقلة التي وجبت عليها الدية بشهادة الأولين (3) بفسق شاهدي القتل، فلا تقبل شهادتهما؛ لأنهما يتهمان أن يردا (4) بشهادتهما ما ترتب عليهما من الدية، وظاهره أنهما لا تجوز شهادتهما (5)، ولو كان مقدار ما ينوبهما من الدية يسيرًا، أو كانا فقيرين بحيث (6) لا يلزمهما شيء.

قوله: (أو الْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ) المدان بضم الميم وتخفيف الدال من عليه الدين، فلا تقبل شهادته لرب الدين، وقيده الباجي بما إذا حل الدين أو قرب حلوله، وأما لو بعد فإنها تجوز على مذهب سحنون، لا على مذهب ابن وهب، واحترز بالمعسر من الموسر الذي لا يعسر بدفع الدين (7)، فإن شهادته له تقبل، قاله ابن القاسم ومطرف وأشهب وعبد الملك (8).

(1) انظر: التفريع: 2/ 240 و 241.

(2)

انظر: المدونة: 4/ 10، والنوادر والزيادات: 8/ 329، والمقدمات الممهدات: 2/ 15.

(3)

قوله: (بشهادة الأولين) ساقط من (ن).

(4)

في (ن 4): (يريدا).

(5)

قوله: (أنهما لا تجوز شهادتهما) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (أو كانا فقيرين بحيث) يقابله في (ن): (وظاهر ولو كانا فقيرين).

(7)

قوله: (يعسر بدفع الدين) يقابله في (ن): (يستضر بدفع ما عليه).

(8)

انظر: المنتقى: 7/ 147.

ص: 131

(المتن)

وَلَا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ، وَإِلَّا رَفَعَ. وَلَا إِنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ، وَقَالَ: أَنَا بِعْتُهُ لَهُ، وَلَا إِنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الأَدَاءِ، بِخِلَافِ تُهْمَةِ جَرٍّ، وَدَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ. وَلَا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَا إِنْ أَخَذَ منَ الْعُمَّالِ، أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ وَلَا إِنْ تَعَصَّبَ، كَالرِّشْوَةِ، وَتَلْقِينِ خَصْمٍ، وَلَعِبِ بِنَيْرُوزٍ، وَمَطْلٍ، وَحَلِفٍ بِطَلَاق، وَعِتْقٍ، وَبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلاثًا بِلا عُذْرٍ، وَتِجَارَةٍ لِأَرْضِ حَرْبٍ، وَبِسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ، أَوْ مَعَ وَلَدٍ شِرِّيبٍ، وَبِوَطْءِ مَنْ لَا تُوطَأُ، وَبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلَّاةِ، وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعَدَمِ إِحْكَامِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ، وَبَيعِ نَرْدٍ، وَطُنْبُورٍ، وَاسْتِحْلافِ أَبِيهِ وَقُدِحَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِكُلٍّ، وَفِي الْمُبَرَّزِ بِعَدَاوَةٍ وَقَرَابَةٍ وَإِنْ بِدُونِهِ كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ.

(الشرح)

قوله: (وَلا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ) يريد: أن المفتي لا تقبل شهادته على المستفتي فيما ينوى فيه، قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا سأله عن أمر ينوى فيه، ولو أقر به عند الحاكم أو قامت عليه به بينة حكم عليه به، فيفتيه، فإنه لا شيء عليه، لأنه لا يشهد بذلك، ولو طلب بالشهادة، ابن المواز: ولو شهد لم يقبل (1)، قال: وأما ما أقر به عند الفقيه من طلاق واحد أو عتق أو حق لأحد من الناس (2)، ثم أنكر فليشهد عليه إذا كان ليس له رجوع عنه (3)، وقال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثله (4)، وإليه أشار بقوله:(وإِلا رَفَعَ).

قوله: (ولا إِنْ شَهِدَ باسْتِحْقَاقٍ، وقَالَ أَنَا بِعْتُهُ لَهُ) أي: وكذا لا تقبل شهادته له باستحقاق دابة أو أرض أَو دار أو نحو ذلك لرجل إذا قال مع ذلك: أنا بعته له، لأنه يتهم في ذلك، والواو من قوله:(وقَالَ أَنَا بِعْتُهُ لَهُ) واو الحال، أي: ولا تجوز شهادته له في حال ذكره ذلك.

قوله: (ولا إِنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الأَدَاءِ) أي: وكذا لا تقبل شهادة الشاهد إذا حدث

(1) في (ن): (يقبل).

(2)

قوله: (أو عتق أو حق لأحد من الناس) زيادة من (ن).

(3)

وقع بعدها في (ن 4): (لو أخر به، بحيث لا ينوي).

(4)

البيان والتحصيل: 10/ 11 و 12، والنوادر والزيادات: 8/ 256.

ص: 132

فسقه بعد أدائها، يعني: أنها ترد؛ لأنَّ ظهور الفسق الآن يؤذن بأنه فاسق حين الأداء (1)، وسواء كان مما يستتر به كالزنى وشرب الخمر والسرقة أو لا كالجرح والقتل، قاله ابن القاسم ومطرف وأصبغ، وقال ابن الماجشون: إلا بنحو الجراح والقتل فلا ترد (2).

قوله: (بِخِلافِ تُهمَةِ جَرٍّ، ودَفْعٍ وعَدَاوَةٍ) أي: فإن حدوث مثل ذلك بعد الأداء لا يبطل الشهادة، وقاله أصبغ فيمن شهد لامرأة، وأثبتها القاضي ولم يحكم لها (3) حتى تزوجها الشاهد أنه يحكم بشهادته (4)، وهذا إذا لم يعلم له سبب؛ كما إذا قامت عليه بينة أنه كان خطب المرأة قبل الأداء، ونحو ذلك.

قوله: (وَلا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ) أي: على عالم آخر وكذا غيرهما، وقد قال ابن وهب: لا تجوز شهادة القارئ على القارئ، وغيرهما من العلماء، وعلل ذلك بأنهم أشد الناس تحاسدًا وتباغضًا، وقاله سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه (5).

قوله: (وَلا إِنْ أَخَذَ مِنَ الْعُمَّالِ، أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلافِ الْخُلَفَاءِ) لأن أخذه منهم وأكله عندهم مما يزري به ويحط من (6) قدره، ويؤدي إلى إسقاط مروءته، وأما أخذه من الخلفاء، وأكله عندهم فإنه لا يبطل شهادته.

قوله: (ولا إِنْ تَعَصَّبَ كَالرشْوَةِ، وتَلْقِينِ خَصْمٍ) التعصب هو: الحمل والحيف. والرشوة هو: الجعل الذي يأخذه على ما لا ينبغي له. وتلقين الخصم هو: أن يعلمه ما يستعين به على غريمه (7) ويظهر به عليه.

قوله: (وَلَعِبٍ بِنَيْرُوزٍ) أي: لأن ذلك من فعل الجاهلية، ولأنه مما يحط من مقدار الشخص (8) لا سيما إذا لعب مع الأرذال ونحوهم.

(1) قوله: (فاسق حين الأداء) يقابله في (ن): (سابق على الأداء).

(2)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 198، وانظر: المقدمات الممهدات: 2/ 14.

(3)

في (ن): (بها).

(4)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 196 و 197.

(5)

البيان والتحصيل: 9/ 432.

(6)

زاد في (ن 3) قوله: (مرتبته).

(7)

في (ن 3): (خصمه)، وفي (ن 5):(غريمه ويظهر خصمه).

(8)

في (ن 4): (الشاهد).

ص: 133

قوله: (وَمَطْلٍ) يريد: إذا كان مليًّا؛ لأنَّ مطله حينئذ ظلم كما في الحديث (1)، فلا تقبل شهادته.

قوله: (وحَلِفٍ بِطَلاقٍ وعِتْقِ) لقوله عليه الصلاة والسلام: "الطلاق والعتاق من أيمان الفساق (2)، فسماه فاسقًا (3).

قوله: (وبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلاثًا بِلا عُذْرٍ) هكذا نقل (4) سحنون واحترز بقوله: (بِلا عُذْرٍ) مما إذا كان لعذر فإنه لا يقدح في شهادته.

قوله: (وتِجَارَةٍ لأَرْضِ حَرْبٍ) ابن يونس: قال سحنون: ومن ركب البحر إلى أرض الروم لطلب الدنيا، فهي جرحة في شهادته (5)، ونهي عن التجارة إلى بلاد السودان (6). وقال غيره من القرويين: ليست التجارة إليها جرحة فيه. وقال أبو إسحاق (7): إن خرج إليها عالمًا أن أحكام الشرك تجري عليه فهي جرحة، وإن جهل هذا القدر وظن أنه لا جرح عليه في ذلك فإنه يعذر ولا تكون ذلك جرحة فيه.

قوله: (وبِسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ، أَوْ مَعَ وَلَدِ شِرِّيبٍ) أي: دار مغصوبة، وإنما لم تجز شهادته؛ لكونه في كل وقت مخاطبًا بردها إلى ربها فهو متمادٍ على مخالفة المأمور، وكذلك سكناه مع ولد شريب، أي: يكثر من شرب الخمر؛ لأن سكوته على ذلك مع القدرة على إزالته دليل على عدم مروءته.

قوله: (وبِوَطْءِ مَنْ لا تُوطَأُ) قال سحنون: إذا اشترى أمة فوطئها قبل أن يستبرئها فذلك جرحة وترد شهادته، وعليه الأدب إذا كان لا يجهل مكروه ذلك، وكذلك لو وطئ صغيرة لم تحض قبل أن يستبرئها إذا كان مثلها يُوطأ (8)، وكذلك إذا وطئ من لا

(1) قوله: (كما في الحديث) ساقط من (ن 3).

(2)

في (ن 3) و (ن 4): (الفاسق).

(3)

زاد في (ن 4): (والفاسق لا تجوز شهادته).

(4)

في (ن 4): (قال)، وقوله:(هكذا نقل) يقابله في (ن): (وهذا قول).

(5)

قوله: (في شهادته) يقابله في (ن): (عليه).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 383.

(7)

في (ن 4): (أبو الحسن).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 294.

ص: 134

توطأ لمانع شرعي كالحيض والنفاس وغير ذلك (1) من الموانع الشرعية.

قوله: (وبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلاةِ) أي: لأن ذلك يؤذن بعدم اعتنائه (2) بها، واستخفافه بقدرها، وهو مخل بالمروءة التي هي من عمود (3) الدين. قال ابن كنانة: ومن لا يقيم صلبه من الركوع والسجود فلا تقبل شهادته إذا فعله من غير سهو ولا عذر ولو في (4) نافلة (5).

قوله: (وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنَ الْمَسْجِدِ) يريد: إذا لم يجهل حكم ذلك، وأما لو جهل عدم جوازه فلا، وقاله سحنون (6).

قوله: (وعَدَمِ إِحْكَامِ الْوُضُوءِ والْغُسْلِ وَالزَّكَاةِ، لِمَنْ لَزِمَتْهُ) قال في النوادر عن ابن كنانة: لا تقبل شهادة من لم يحكم الوضوء والصلاة (7). وقال سحنون: وفي الكثير المال القوي على الحج إذا لم يحج فهي جرحة في شهادته (8). وكذلك إذا كان لا يعرف الزكاة في كم تجب من المال (9) من مائتي درهم، ولا من عشرين دينارًا إذا كان ممن تلزمه الزكاة، وعن مطرف من عرف بتضييع الوضوء والزكاة فلا تقبل شهادته ولا يعذر في ذلك بجهل، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ (10).

قوله: (وبَيْعِ نَرْدٍ، وطُنْبُورٍ) هكذا نقل ابن أبي زيد عن سحنون، قال في كتاب ابنه، ولا تجوز شهادة من يبيع النرد والمزامير والعيدان والطنابير ونحو ذلك (11).

(1) قوله: (وكذلك إذا وطئ

ذلك من الموانع الشرعية) يقابله في (ن 5): قوله: "من لا توطأ" أي لمانع)، وفي (ن 3):(ممن لا يوطأ مثلها أحرى أي لمانع)، وفي (ن):(وقوله: "من لا توطأ" أي لمانع من الموانع الشرعية).

(2)

في (ن 4): (احترامه).

(3)

قوله: (عمود) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (ولو في) يقابله في (ن): (فرض ولا).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 291.

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 293 و 294.

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 291.

(8)

قوله: (في شهادته) ساقط من (ن). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 320.

(9)

قوله: (من المال) يقابله في (ن 4): (ولا كم يجب).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 291.

(11)

قوله: (هكذا نقل ابن أبي زيد

ونحو ذلك) يقابله في (ن 3) و (ن 4): (لأنه من فعل من لا مروءة =

ص: 135

قوله: (واسْتِحْلافِ أَبِيهِ) ابن القاسم في العتبية: ولا يعذر بالجهالة (1) في ذلك. أصبغ عنه: وكذلك جده (2). وفي الشهادة من نوازل سحنون، قال أصبغ عن ابن القاسم: من استحلف أباه في حق له عليه سقطت شهادته، وإن جهل أنه عقوق (3).

ابن سهل (4). قوله: (وقُدِحَ فِي الْمُتوَسِّطِ بِكُلٍّ)(5) يريد أن الشاهد إذا شهد بشيء، وأعذر الحاكم إلى المشهود عليه في الشاهد، فإنه يسمع في المتوسط القدح بكل قادح من تجريح وعداوة وقرابة (6).

قوله: (وفي الْمُبَرِّزِ بِعَدَاوَةٍ وقَرَابَةٍ) أي: وأما العدل المبرز فإنه يسمع فيه القدح بالقرابة والعداوة، وهذا هو المعروف، وعن مالك لا يباح القدح بعداوة ولا قرابة ولا غيرهما (7)، واستبعدها ابن رشد (8).

قوله: (وإِنْ بِدُونِهِ) أي: وإن كان القدح ممن هو دون الشاهد في العدالة، وبه صرح في البيان (9).

قوله: (كَغَيْرهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ) أي: وكذا يقبل القدح في المبرز أيضًا بغير العداوة والقرابة، وإليه ذهب مطرف وابن الماجشون، واختاره اللخمي، وعن أصبغ عدم

= له، ولأن بيع آلة اللهو حرام أو مكروه، ولا يعذر في ذلك بالجهل، وكذلك لا تقبل شهادة من ترك الجمعة ثلاثًا، ورواه مطرف عنه، وقال به، وكذلك المرة الواحدة)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 293.

(1)

قوله (بالجهالة): في (ن 4): (بالشهادة).

(2)

قوله: (ابن القاسم في العتبية ولا يعذر بالشهادة في ذلك أصبغ عنه وكذلك جده) زيادة من (ن) و (ن 3). وانظرة البيان والتحصيل: 10/ 221 و 222.

(3)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 221 و 222، ونوازل ابن سهل: 1/ 674.

(4)

قوله: (ابن سهل) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (وفي الشهادة من نوازل سحنون

قوله: "وقُدِحَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بكل") زيادة من (ن) و (ن 4).

(6)

زاد بعد في (ن 4) قوله: (ونحو ذلك من الموانع المذكورة).

(7)

قوله: (لا يباح القدح بعداوة ولا قرابة ولا غيرهما) يقابله في (ن 4): (أنه لا يقدح فيه بشيء لا عداوة ولا قرابة ولا غيره، ولا يباح ذلك لمن أراده) انظر: مسائل ابن رشد: 2/ 1228 و 1229، والتوضيح: 7/ 481.

(8)

انظر: مسائل ابن رشد: 2/ 1228 و 1229، والتوضيح: 7/ 481.

(9)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 458، والتوضيح: 7/ 481.

ص: 136

قبوله، وعن ابن عبد الحكم أن المجرح إن كان مثل الشاهد أو أعدل قُبِل وإلا فلا (1).

(المتن)

وَزَوَالُ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ، بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَنِّ بِلَا حَدٍّ، وَمَنِ امْتَنَعَتْ لَهُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ ولَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ، وَمَنِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ، إِلَّا الصِّبْيَانَ، لَا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ، فِي جُرْحٍ، أَوْ قَتْلٍ. وَالشَاهِدُ حُرٌّ، مُمَيّزٌ، ذَكَرٌ تَعَدَّدَ، لَيْسَ بِعَدُوٍّ وَلَا قَرِيب، وَلَا خِلافَ بَيْنَهُمْ، وَفُرْقَةَ إِلَّا أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ أَوْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ. وَلَا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ، وَلَا تَجْرِيحُهُمْ.

(الشرح)

قوله: (وزَوَالُ الْعَدَاو والْفِسْقِ، مما يغلب (2) عَلَى الظَّنِّ بِلا حَدٍّ) يريد: ان المعتبر في زوال العداوة والفسق ما يغلب (3) على الظرريأن ما كان عنده من ذلك قد ذهب بقرائن تدل على ذلك مثل أن يصطلحا، ويطول الأمد وهما على الصحبة، واختلف إذا لم يطل الزمان هل تزول بذلك العداوة، ويقبل أحدهما على الآخر، وهو قوله في الموازية (4) أو لا، وهو قول ابن الماجشون، ونقله اللخمي والمازري وغيرهما (5).

قوله: (بِلا حَدٍّ) أي: لا تحديد في ذلك بزوال الفسق، يريد (6): لأن زوال الفسق قد يظهر عن قرب، وقد يظهر عن بعد لاختلاف حال الظان والمظنون في الفطنة والغرر (7)، وقيل: لا بد من سنة، وقيل: ستة أشهر.

قوله: (ومَنِ امْتَنَعَتْ لَهُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ ولَمْ يجرح شَاهِدًا عَلَيْهِ) يريد: أن من امتنعت بشهادته له لشخص من ذوي قرابته المانعة من شهادته مثلًا (8)، ونحوها فإنه لا يجوز له أن يزكي من شهد له، ولا أن يجرح من شهد عليه؛ لأنه في المعنى كشهادته له، لأنه في الأولى قد جر له منفعة، وفي الثانية: دفع عنه مضرة.

(1) التوضيح: 7/ 481.

(2)

في (ن 4): (بما يقيل).

(3)

في (ن 4): (يقبل).

(4)

في (ن 4): (المدونة).

(5)

قوله: (وغيرهما) ساقط من (ن 3)، وانظر: التوضيح: 7/ 513.

(6)

قوله: (بزوال الفسق، يريد) يقابله في (ن): (بزمان).

(7)

قوله: (والغرر) ساقط من (ن 3)، وفي (ن):(القدر).

(8)

قوله: (من شهادته مثلًا) ساقط من (ن).

ص: 137

قوله: (ومَنِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ) أي: كالعدو ونحوه (فَالْعَكْسُ) أي: من مسألة القريب كما أن القريب لا يزكي شاهد قريبه، فكذلك العدو، ولا يجرح شاهد عدوه، وكما أن القريب لا يجرح من شهد على قريبه، فكذلك العدو لا يزكي من شهد على عدوه وهو واضح.

قوله: (إِلا الصِّبْيَانَ) أي: فإن شهادتهم لا يشترط فيها ما يشترط في شهادة البالغين، ولا انتفاء جميع الموانع السابقة، نعم قد يعتبر (1) بعض الشروط، وانتفاء بعض الموانع على ما ستقف عليه، فالمشهور جواز شهادتهم بعضهم على بعض في القتل والجراح، وهو قول مالك، ومنعها مطرف (2) وابن عبد الحكم على خلاف عن مطرف سيأتي.

قوله: (لا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ) أي: فإن شهادة بعضهن على بعض غير مقبولة وهو الأصح، وقيل: تقبل، والفرق بينها وبين ما قبلها على المشهور (3) أن اجتماع الصبيان مندوب إليه لتعليمهم الرمي والثقاف والصراع (4) والكر والفر وغير ذلك مما يدربهم على حمل السلاح بخلاف اجتماع النساء، واجتماعهن في الحمام والمآتم (5)، كاجتماعهن في العرس.

قوله: (في جَرْحٍ، أَوْ قَتْلٍ) أي: إلا الصبيان، فإنه تقبل شهادة بعضهم على بعض في الجراحات والقتل فقط وهو قول ابن القاسم وهو المشهور (6)، وقال أشهب تقبل في الجراح دون القتل وعلى الأول فقال غير واحد من أصحاب مالك لا تجوز حتى يشهد العدول على رؤية البدن مقتولًا (7)، وإن في (8) قبلت لشدة مخالطة بعضهم بعضًا مع الندب الذي تميز الصبيان على إمساك السلاح، وذلك مظنة الجراح، فلو لم تقبل شهادتهم

(1) قوله: (يعتبر) يقابله في (ن): (اعتبر فيهم).

(2)

قوله: (ومنعها مطرف) في (ن 3): (ومطرف).

(3)

قوله: (على المشهور) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (والصراع) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (والمآتم) ساقط من (ن 3).

(6)

انظر: المدونة: 4/ 26.

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 426.

(8)

قوله: (وهو قول ابن القاسم وهو المشهور

رؤية البدن مقتولا وإنما) زيادة من (ن).

ص: 138

لأهدرت دماؤهم (1).

قوله: (وَالشَّاهِدُ حُرٌّ) هذا شروع منه رحمه الله فيما يشترط في شهادة الصبيان، وهو ظاهر لأن كبار العبيد لا تقبل شهادتهم، فأحرى صغارهم وهو المعروف. وحكى عبد الوهاب في شرح الرسالة لبعض الأصحاب عدم اشتراط الحرية.

قوله: (مُمَيِّزٌ) أي: فإن غير المميز لا يثبت على ما يعاينهُ من الأمور، ولا تنضبط له الأحوال، ولا يحرص على (2) ما يصدر منه من الأقوال.

قوله: (ذَكَرٌ) أي: فلا تقبل في ذلك شهادة الإناث وهو المشهور، وبه قال مالك وابن القاسم في المدونة (3)، وقال ابن الماجشون وأشهب وسحنون مثله (4)، ولم يشترط ذلك المغيرة، وهو ظاهر (5) أحد قولي ابن القاسم (6).

قوله: (تَعَدَّدَ) أي: اثنان فصاعدًا قياسًا على الكبير، فلا تجوز شهادة واحد منهم على انفراده عند مالك وابن القاسم، ولا قسامة معه (7)، وقال ابن نافع (8): يقسم بشهادتة في العمد (9).

قوله: (لَيْسَ بِعَدُوٍّ، ولا قَرِيبٍ) كذا قال ابن القاسم واختاره جماعة لما علم من ميلهم في العادة إلى القريب ومجانبة العدو والبغض له، ونقل ابن يونس جوازها عن ابن

(1) قوله: قوله: "فِي جَرْحٍ، أَوْ قَتْلٍ" أي: إلا الصبيان

شهادتهم لأهدرت دماؤهم) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

(2)

زاد بعد في (ن 4) قوله: (إتيان) ..

(3)

انظر: المدونة: 4/ 25 و 26.

(4)

قوله: (مثله) زيادة من (ن 4).

(5)

قوله: (ظاهر) ساقط من (ن 3).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 426 و 427، ونص النوادر فيما نقله عن الماجشون:(من المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن الماجشون: لا تجوز من على غير الإسلام منهم، ولا العبيد بعضهم على بعض، وتجوز شهادة الإناث من الصبيان).

(7)

في (ن): (له).

(8)

في (ن 3): (ابن حبيب).

(9)

قوله: (بشهادته في العمد) في (ن 4): (معه في العمد في الواحد الكبير)، وانظر: المدونة: 4/ 26.

ص: 139

المواز، وقال عبد الملك: تمنع بالقرابة فقط (1).

قوله: (ولا خِلافَ بَيْنَهُمْ) ظاهره كانا (2) اثنين فأكثر، ولا إشكال فيما إذا كانا اثنين لعدم كمال النصاب، وأما إذا كانوا جماعة فلا بد من تقييد الخلاف بما تبطل به (3) شهادة الكبار، كأن شهد اثنان (4) منهم أن فلانًا شجه فلان، قال آخرون (5): بل فلان لغيره، والبطلان فيه لمالك (6)، انظر: الكبير.

قوله: (وفُرْقَة إِلا أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا) أي: وكذا يشترط في جواز شهادتهم عدم تفرقهم لأن ذلك مظنة تخبيبهم وتعليمهم (7) إلا أن يشهد عليهم العدول قبل الفرقة، فإن ذلك لا يضر.

قوله: (ولَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ) أي: رجل أو امرأة، وعن سحنون في أحد قوليه عدم بطلانها (8) فإن كان الكبير كافرًا أو عبدًا أو فاسقًا فقولان حكاهما ابن حبيب (9).

قوله: (أَوْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ، أَوْ لَهُ (10)) أي: وكذا يشترط في شهادة الصبي أن لا يشهد لكبير ولا عليه فلو شهد لصغير على كبير أو لكبير على صغير بقتل أو جرح لم تقبل خلافًا لمطرف وابن الماجشون (11)، وقال ابن المواز تقبل على صغير أنه قتل كبيرًا بخلاف العكس (12).

(1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 429.

(2)

في (ن 4): (كان عددهم).

(3)

في (ن): (بمثله).

(4)

قوله: (كأن شهدا اثنين) في (ن 4): (كأن يشهد).

(5)

في (ن): (آخرأن).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 431.

(7)

قوله: (تخبيبهم وتعليمهم) في (ن 4): (تعليمهم).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 430.

(9)

قوله: (ابن حبيب) في (ن 3) و (ن 3): (ابن الحاجب)، وفي (ن):(ابن الجلاب)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 429.

(10)

في (ن 5): (وله).

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 302.

(12)

زاد بعده في (ن 4): (وأحرى على المشهور إن شهد لكبير عل مثله، ولا يجوز له عليه باتفاق)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 429.

ص: 140

قوله: (وَلا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ، ولا تَجْرِيحُهُمْ) أي: سواء رجعوا قبل الحكم أو بعده، لأن الظاهر أن الذي شهدوا به (1) أولا هو الواقع دون الثاني، نعم لو بلغوا وعدلوا (2) ثم رجعوا قبل الحكم فيها (3)، فإن رجوعهم يقبل، قاله في الموازية (4).

(المتن)

وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ بِوَقْتٍ وَرُؤيا اتَّحَدَا. وَفُرِّقُوا فَقَطْ أَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا، وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ، وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ أُخِذَتْ؟ وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ -كَعِتْقٍ، وَرِجْعَةٍ، وَكِتَابَةٍ- عَدْلَانِ، وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ كَأَجَلٍ، وَخِيَارٍ، وَشُفْعَةٍ، وَإِجَارَةٍ، وَجَرْحِ خَطَإٍ أَوْ مَالٍ، وَأَدَاءِ كِتَابَةٍ وَإِيصَاءٍ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ، أَوْ بِأَنَّهُ حُكِمَ لَهُ كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ، وَتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقًاء، وَقِصَاصٍ فِي جَرْحٍ.

(الشرح)

قوله: (وللزِّنَا واللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ) يعني: أنه يشترط في ثبوت الزنى واللواط أربعة شهود، والإجماع على اعتبار ذلك فيه لقوله تعالى:(واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقوله تعالى: (فإن لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) مما يرفع حد القذف (5)، وشذت طائفة، فأجازوا في ذلك ثلاثة وامرأتين ويردهم القرآن.

قوله: (بِوَقْتٍ، ورُؤْيَا اتَّحَدَا) يريد: أن قبول شهادتهم في ذلك شروط باتحاد الزمان، وهو مراده بالوقت واتحاد رؤية الزنى، أي: يشهدون بزنى واحد في وقت واحد (6)، وهذا هو المشهور، وقال أشهب: لا يضر افتراقهم (7)، ونحوه لأبي الفرج، فإنه لو شهد

(1) قوله: (شهدوا به) في (ن 4): (يشهد به له).

(2)

في (ن 4): (أو عدلوا).

(3)

قوله: (قبل الحكم فيها) ساقط من (ن).

(4)

في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (المدونة)، وفي هامش (ن) أشار إلى:(الموازية)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 432.

(5)

قوله: (مما يرفع حد القذف) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(6)

قوله: (الزمان، وهو مراده

في وقت واحد) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (الرؤية والوقت أي يشهدون برؤية واحد في وقت واحد)، وقوله:(برؤية) في (ن): (بزنا).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 14/ 238.

ص: 141

ثلاثة، وسألوا القاضي الانتظار حتى يأتوا برابع (1) كان معهم وجب عليه انتظارهم، فإذا اجتمع الشهود حد المشهود عليه، وإلا حد الثلاثة (2).

قوله: (وفُرِّقُوا فَقَطْ) أي: وفرقوا في شهادة الزنى فقط، قاله ابن القاسم (3)، وقال أشهب: لا يفرقون إلا لريبة في شهادتهم (4).

قوله: (أنّه أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا) يريد: أن الأربعة الشهداء يشهدون أنه أدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة، ولا بد من هذه الصفة المخصوصة، ولا خلاف فيها.

قوله: (وَلكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ) أي: قصدًا لتحمل الشهادة إذ لا تصح بدون ذلك. المازري: وهو ظاهر المذهب، ابن عبد السلام: ومنع ذلك بعضهم فيما أشار إليه بعض الأشياخ، ورأى أنه لا ينظر (5) إلا بنظر الفجاءة، لأن النظر حرام، وتحمل الشهادة فيه غايته أداء الشهادة والأداء غير واجب، فكذلك وسيلته (6).

قوله: (ونُدِبَ سُؤَالُهُمْ) أي: عن كيفية الزنى، وكونه زنى واحدًا في وقت واحد، وأن فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة.

قوله: (كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وكَيْفَ أُخِذَتْ؟ ) أي: وهكذا يستحب للإمام أن يسأل شهود السرقة عن نوعها، وصفتها وكيف أخذها السارق، ومن أين، وإلى أين ذهب جها؟ ونحو ذلك، وقال سحنون: وذلك إذا كانوا ممن يجهل (7).

قوله: (ولِمَا لَيْسَ بِمالٍ ولا آل إلَيهِ كَعِتْقٍ، ورَجْعَةٍ، وكِتَابَةٍ، عَدْلانِ) هذا معطوف على قوله: (وللزَّنَا واللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ) أي: ولهذه الأمور عدلان، بمعنى أنه لا يقبل فيهما إلا عدلان لا عدل وامرأتان، ومراده بشبه العتق وما ذكر معه النكاح والطلاق والإسلام

(1) قوله: (يأتوا برابع) في (ن 4): (يأتي الرابع).

(2)

قوله: (فإذا اجتمع

حد الثلاثة) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (ويجمع الشهود ويحد المشهود عليه).

(3)

انظر: النوادر والزيادادت: 8/ 355.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 356.

(5)

في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (يشهد).

(6)

في (ن): (وسيأتي)، وانظر: التوضيح: 7/ 519.

(7)

انظر: الجامع بين الأمهات، ص:699.

ص: 142

والردة والبلوغ والولاء والعدة والجرح والتعديل والعفو على القصاص وثبوته في النفس والأطراف، وثبوت النسب والموت والكتابة والتدبير، وكذلك الوكالة والوصية عند أشهب وعبد الملك (1).

قوله: (وإِلا فَعَدْلٌ، وامْرَأَتَانِ) أي: وإن كانت الشهادة بمال أو بآئل إليه (2) جاز فيها عدل وامرأتان.

قوله: (أَو أحدهُمَا بِيَمِينٍ) أي: أحد النوعين وهو العدل وحده مع اليمين أو امرأتان مع اليمين والباء في قوله: (بِيَمِينٍ) بمعنى (مع) قوله: اشتريت العبد بماله، أي: مع ماله.

ثم أشار إلى تمثيل ما يقبل فيه ذلك بقوله: (كَأَجَلٍ، وخِيَارٍ، وشُفْعَةٍ، وإِجَارَةٍ، وجَرْحِ خَطَإٍ أو مال (3) وأَدَاءِ كِتَابَةٍ) (4) الآجال: أن يدعي أنه اشتر ى إلى أجل، وقال البائع: إنما بعت نقدًا، والخيار مثل أن يدعي أحدهما أن البيع انعقد على خيار، ويقول الآخر بل على البت، والشفعة أن يقول: إنه شفيع أو شفع قبل السنة أو بعدها أو أسقط شفعته وأنكر ذلك الآخر (5)، والإجارة مثل أن يدعي أنه أجر منه كذا، وينكره الآخر، وجرح الخطأ أن يدعي ذلك وينكره الآخر، ومراده (بِمالِ) أي: جراح المال، وهي التي لا يقاد منها كالمأمومة والجائفة، وأداء نجوم الكتابة مثل أن يدعي المكاتب القضاء وينكره السيد، وسواء خرج بذلك حرًّا أم لا.

قوله: (وإِيصَاءِ بتَصَرُّفٍ فِيهِ) أي: في المال، يريد: وسواء جعل ذلك في حياته أو بعد مماته وقد حكى في الجواهر عن مالك وابن القاسم وابن وهب (6) جواز إثبات (7)

(1) انظر: عقد الجواهر: 3/ 1043.

(2)

قوله: (بآل إليه) في (ن 3): (بآئل إلى مال)، وفي (ن) و (ن 5):(آيلة إلى مال).

(3)

قوله: (أو مال) زيادة من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(4)

زاد بعد في (ن 4): (وإِيصَاءِ بتَصَرُّفٍ فِيهِ

في جرح، فمثال).

(5)

قوله: (أن يقول: إنه شفيع أو شفع قبل السنة أو بعدها أو أسقط شفعته وأنكر ذلك الآخر) في (ن 4): (مثل أن يدعي عليه أنه أسقطها أو أخذها قبل السنة أو بعدها أو أنها له أو أنكر الآخر ذلك).

(6)

قوله: (ابن القاسم وابن وهب) في (ن 3) و (ن 5): (وابن وهب)، وفي (ن 4):(ابن القاسم) والمثبت موافق لما في عقد الجواهر.

(7)

في (ن 3): (إسناد).

ص: 143

الوصية التي ليس فيها إلا المال بالشاهد الواحد وامرأتين، وقال أشهب وابن الماجشون: لا بد في ذلك من شاهدين (1)، والأول هو المشهور.

قوله: (أَوْ بِأنّه حُكِمَ لَهُ بِهِ كشراء زوجته وتقدم دين عتقاء وقصاص في جرح (2)) أي: فإن لم يكن ذلك مثل ولا بآيل إليه (3) إلا أنه ينتقل إلى ذلك بالشهادة، فإنه يقبل فيه ما يقبل في المال، وذلك مثل أن يشهد شاهد وامرأتان أو أحدهما مع يمين أن الزوج قد اشترى زوجته فتصير له ملكًا فيجب الفراق بذلك، وكذلك على دين متقدم يرد به العتق أو يقيم القاذف شاهدًا أو امرأتين أن المقذوف عبد فيسقط الحد، وإنما زاد هنا القصاص في الجرح، وإن لم يكن مالًا، ولا آيل إليه ولا مما يحكم له به ليستوعب جميع الصور التي يجري (4) فيها الشاهد والمرأتان أو أحدهما مع اليمين.

(المتن)

وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ، كَوِلَادَةٍ، وَعَيْبِ فَرْجٍ، وَاسْتِهْلَالٍ، وَحَيْضٍ، وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ، أَوْ سَبْقِيَّتِهِ، أَوْ مَوْتٍ وَلَا زَوْجَةَ، وَلَا مُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ، وَثَبَتَ الإِرْثُ وَالنَّسَبُ لَهُ وَعَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ،

(الشرح)

يريد: أن هذه الأمور لا تحتاج إلى شهادة الرجال، وإن لم يكن ما لا منها (5) عيوب الفرج وظاهره ألا فرق بين الحرائر والإماء في ذلك (6)، وقد علمت أن الحرة مصدقة على المشهور، ولا ينظرها النساء خلافًا لسحنون (7)، وأما الإماء فظاهر المذهب قبول شهادتهن في ذلك، ومنها الاستهلال، وهو إن شهدن أن المولود قد استهل صارخًا أولم يستهل، ومنها الحيض ولعل ذلك في الإماء.

(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1043.

(2)

قوله: (كشراء زوجته وتقدم دين عتقاء وقصاص في جرح) ساقط من (ن 4).

(3)

قوله: (إليه) زيادة من (ن).

(4)

قوله: (يجري) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (وإن لم يكن مالا منها) لا (ن) و (ن 3) و (ن 5): (بل يكفي فيها امرأتان فمن ذلك الولادة، وظاهره وإن لم يحضر شخص المولود وهو المشهور خلافا لسحنون قال: لا يجوز حتى يشاهده الرجال، ومنها).

(6)

قوله: (ألا فرق بين الحرائر والإماء في ذلك) يقابله في (ن): (لا الحرائر والإماء).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 399.

ص: 144

وأما الحرائر فيصدقن في ذلك، ومنها النكاح بعد الموت، وفيه نظر، لأن هذا الفرع (1) والفرعين الذين بعده لا يقبل فيهما إلا شاهدان أو شاهد وامرأتان، فعند ابن القاسم يثبت المال دون النكاح وعند أشهب: لا يثبت إلا بعد ثبوت النكاح وهو لا يثبت بذلك، والخلاف في هذا كالخلاف في قوله:(أو سَبَقِيَّتِهِ) والمراد بسبقية (2) موت أحد الوارثين على الآخر، ابن عبد السلام: القولان في كتاب الوصايا الأول (3) من المدونة، وهذا يدل على أنه لو كانت له زوجة أو ولد ومدبرة أو أوصى بعتق عبده (4) فشهادتهم لا تجوز؛ لأن ذلك شهادة على عدة وعتق، وقد تقدم (5).

قال في المدونة: ولو شهد رجل وامرأتان على موت رجل فإن لم تكن له زوجة ولا أوصى بعتق عبيده ونحوه، وليس إلا قسمة المال، فشهادتهما جائزة، وقال غيره: لا تجوز (6)، وإلى هذا أشار بقوله:(أَوْ مَوْتٍ، وَلَا زَوْجَةَ، وَلَا مُدَبَّرَ ونَحْوَهُ).

قوله: (وثَبَتَ الإِرْثُ والنَّسَبُ) أي: في مسألة الاستهلال وما بعدها، وقوله (7):(لَهُ وعَلَيْهِ) أي: للميت، وعليه (8) فإن ثبت أنه استهل ثم مات بعد أمه ورثها وورثه وارثه.

قوله: (بِلا يَمِينٍ) هكذا قال مالك (9) في المدونة، وأطلق، وقد اتفق على عدم (10) اليمين إن لم تعرف حقيقة ما شهدتا به، وإلا ففي لزومها قولان.

(1) قوله: (الفرع) ساقط من (ن).

(2)

في (ن): (به سبقيت).

(3)

قوله: (الأول) زيادة من (ن).

(4)

قوله: (عبده) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (ابن عبد السلام: القولان في كتاب الوصايا من المدونة، وهذا يدل على أنه لو كانت له زوجة أو ولد ومدبرة أو أوصى بعتق فشهادتهم لا تجوز لأن ذلك شهادة على عدة وعتق، وقد تقدم) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

(6)

انظر: المدونة: 4/ 338.

(7)

قوله: (بعدها، وقوله: ) في (ن 5): (قبلها).

(8)

قوله: (للميت، وعليه) يقابله في (ن): (الميت عليه).

(9)

قوله: (مالك) ساقط من (ن 4).

(10)

قوله: (عدم) زيادة من (ن 3) و (ن 5).

ص: 145

(المتن)

وَالْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ، كَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ، وَحِيلَتْ أَمَة مُطْلَقًا كَغَيْرِهَا، إِنْ طُلِبَتْ بِعَدْلٍ، أَوِ اثْنَيْنِ يُزَكَّيَانِ وَبِيعَ مَا يَفْسُدُ، وَوُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا، بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ، وَيُبَقَّى بِيَدِهِ. وَإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةٍ سَمِعَتْ -وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ- وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَلَدٍ يُشْهَدُ لَهُ عَلَى عَينِهِ أُجِيبَت، لَا إِنِ انْتَفَيَا وَطَلَبَ إِيقَافَهُ لِيَأْتِيَ ببَيِّنَةٍ، وَإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً أَوْ سَمَاعًا يثْبُتُ بِهِ، فَيُوقَفُ وَيُوَكَّلُ بِهِ فِي كَيَوْمين، وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ.

(الشرح)

قوله: (وَالمالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ) أي: وثبت المال دون القطع في شهادتهما بالسرقة، وظاهر كلامه أيضًا في هذه المسألة وفي التي بعدها ثبوتهما بشهادة امرأتين، وفيه نظر، وإنما يثبتان بالشاهدين أو الشاهد واليمين أو واحد مع امرأتين أو هما مع اليمين (1) ولا خلاف في ذلك.

قوله: (كَقَتْلِ عَبْدٍ آخَر) فيثبت المال دون القصاص (2).

قوله: (وَحِيلَتْ (3) أَمَةٌ مُطْلَقًا كَغَيْرِهَا إِنْ طُلِبَتْ بِعَدْلٍ، أَوِ اثْنَيْنِ يُزَكَّيَانِ) الحيلولة أن يمنع المشهود عليه مما شهد به لغيره، والمعنى أن من بيده أمته إذا نوزع فيها وشهد عليه شاهد عدل (4) أو اثنان غير معروفين بالعدالة فإنه يحال بينه وبينها، كانت رائعة أم لا، مأمونًا عليها أم لا، وهو مراده بالإطلاق، ولا خلاف في الحيلولة إن كانت رائعة وهو غير مأمون عليها، واختلف إذا كانت رائعة وهو مأمون (5) أو غير رائعة وهو غير مأمون (6)، فعن أصبغ الحيلولة (7) في الرائعة مطلقًا دون غيرها (8)، وأشار بقوله

(1) قوله: (أو واحد مع امرأتين أو هما مع اليمين) ساقط من (ق 3)، وقوله:(أو هما مع اليمين) ساقط من (ن) و (ن 5).

(2)

قوله: (فيثبت المال دون القصاص) في (ن 3) و (ن 5): (أي: عبد آخر)، وفي (ن):(أي عبد قتل عبدا آخر).

(3)

في (ن 4): (وحيلية).

(4)

قوله: (عدل) ساقط من (ن 5).

(5)

قوله: (واختلف إذا كانت رائعة وهو مأمون) ساقط من (ن 4).

(6)

زاد بعد في (ن 4): (عليها).

(7)

في (ن): (الإحالة).

(8)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1044.

ص: 146

(كغيرها) إلى أن غير الأمة من المعينات (1) تجب فيها الحيلولة (2) بالشاهد العدل وإليه ذهب ابن القاسم في رواية عيسى، وقال به ابن لبابة (3) وسحنون وغيرهما، وعن ابن زرب: إن كان مما يغاب عليه وقف بالعدول، وإن كان من الأصول فلا يوقف إلا بعدلين، وفي كتاب ابن بطال: لا يجب ذلك إلا بشاهدين، وقاله أيضًا ابن لبابة (4) وغيره (5)، وهو قول ابن القاسم، انظر: الكبير.

قوله: (وبِيعَ مَا يَفْسُدُ، ووُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا، بِخِلافِ الْعَدْلِ فيحْلِفُ، ويُبَقَّى بِيَدِهِ) أي: وإن كان المدعى فيه مما يفسد كالطعام ونحوه بيع ووقف ثمنه مع الشاهدين المجهولين، وأما مع الشاهد العدل فإن المدعى عليه يحلف أنه لا يستحق عليه (6) منه شيء، ويبقى بيده على ما كان، وانظر كيف جعلوا الشاهدين المجهولين أقوى من الشاهد العدل، اللخمي والمازري (7): كأن الواحد يعلم قطعا منه الآن أنه غير مستحق (8)، والشاهدان المجهولان إذا عدلا فإنما يفيد تعديلهما الكشف عن وصف كانا عليه حين الشهادة، وقال صاحب النكت أن مقيم العدل الواحد قادر على إثبات حقه بيمينه، فلما ترك ذلك اختيارًا صار كأنه مكنه منه بخلاف من أقام شاهدين مجهولين (9) أو شاهدًا كذلك، فوقف ذلك الحاكم لينظر في تعديلهم، فلا حجة عليه في ذلك لعدم قدرته على إثبات حقه بغير عدالتهم.

(1) في (ن 4): (البياعات).

(2)

في (ن): (الإحالة).

(3)

قوله: (في رواية عيسى، وقال به ابن لبابة) في (ن 3): (وراية يحيى، وقال به ابن كنانة). وقوله: (وقال به ابن لبابة) في (ن 4): (وقال به، وقاله ابن لبابة).

(4)

في (ن 3): (ابن كنانة).

(5)

قوله: (وغيرهما وعن ابن زرب: إن كان مما يغاب عليه وقف بالعدول، وإن كان من الأصول فلا يوقف إلا بعدلين، وفي كتاب ابن بطال: لا يجب ذلك إلا بشاهدين، وقاله أيضًا ابن لبابة وغيره) يقابله في (ن): (وغيره ابن بطال).

(6)

قوله: (عليه) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (والمازري) ساقط من (ن 3).

(8)

في (ن): (المستقل).

(9)

قوله: (مجهولين) ساقط من (ن).

ص: 147

قوله: (وَإِنْ سأَلَ ذُو الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةٍ سُمِعَتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ ليَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَلَدِ يُشْهَدُ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ أُجِيبَت) يريد: أن من ادعى عبدًا (1) بيد غيره وأقام على ذلك شاهدًا عدلًا يشهد له بصحة ما ادعى وأقام بينة تشهد على السماع وإن لم تقطع بذلك، وسأل إلي (2) أن يضع فيه (3) قيمة العبد عند القاضي أو نائبه (4) ويأخذه ليذهب به إلى بلد ليشهد له بها على عينه، أي: على عين العبد فإنه يجاب لذلك.

قوله: (لا إِنِ انْتَفَيَا، وطَلَبَ إِيقَافَهُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ، إِلا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً، أَوْ سَماعًا يَثْبُتُ بِهِ، فَيُوقَفُ ويُوَكَّلُ بِهِ فِي كَيَوْمين) يريد: إن انتفيا، أي: العدل وبينة السماع وطلب إيقاف العبد بمجرد دعواه، فإنه لا يمكن من ذلك، وإن كانت بلده عن مسافة يوم أو (5) يومين ونحوهما لأنه يحتمل أن يكون (6) إنما قصد بذلك إضرار المالك وإبطال منفعة عبده عليه في تلك المدة، إلا أن يدعي بينة حاضرة في نحو السوق أو يدعي سماعًا فاشيا يثبت به ذلك فإنه يوقف له ويوكل به (7) له في اليوم ونحوه.

قوله: (والْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ، والنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بهِ) يريد: أن غلة العبد المغتل (8) أو الدابة أو الدار أو نحوها يحكم بها للذي كانت بيده إلى أن يقضي بها للطالب إذ لو هلكت كان ضامنًا لها، وهو مذهب المدونة (9)، وذهب ابن القاسم إلى أنها للمدعي، وفي الموطأ أنها للأول حتى يثبت حق الثاني (10)، وأما النفقة فإنها تكون على من يقضى

(1) زاد بعده في (ن)(قتلا).

(2)

قوله: (إلي) ساقط من (ن).

(3)

قوله: فيه) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (أو نائبه) ساقط من (ن 4).

(5)

قوله: (يوم أو) ساقط من (ن 4).

(6)

قوله: (مجتمل أن يكون) ساقط من (ن).

(7)

في (ن) و (ن 4): (ويؤجل).

(8)

في (ن): (المعتقل).

(9)

انظر: المدونة: 4/ 43.

(10)

انظر: الموطأ: 2/ 717.

ص: 148

له بذلك.

(المتن)

وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلَا يَمِينٍ، وَخَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ أَوْ غَابَ بِبُعْدٍ، وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا إِنْ عَرَفْتَهُ كَالْمُعَيَّنِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ، وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا لَا عَلَى خَط نَفْسِهِ حَتى يَذْكُرَهَا وَأَدَّى بِلَا نَفْع، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ إِلَّا بعَيْنِهِ. وَلَا يُسَجِّلُ مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ، وَلا عَلَى مُنْتَقِبَةٍ لِتَتَعَيَّنَ لِلأَدَاءِ، وَإنْ قَالُوا أَشْهَدَتْنَا مُنْتَقِبَةً وَكَذَلِكَ نَعْرِفُهَا قُلِّدُوا، وَعَلَيهِمْ إِخْرَاجُهَا إِنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا. وَجَازَ الأَدَاءُ إِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ وَإِنْ بِامْرَأَةٍ، لَا بِشَاهِدَيْنِ إِلَّا نَقْلًا. وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا.

(الشرح)

قوله: (وجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلا يَمِينٍ) أي: وجازت الشهادة على خط مقر. ابن المواز، ولا خلاف بين مالك وأصحابه فيما أعلم فيه إلا ما روي عن ابن عبد الحكم، قال: ولا تجوز شهادة على الخط، وأطلق (1)، وإن شهد على الخط شاهدان فصاعدًا فلا يمين (2).

وفي الجلاب في ذلك روايتان، قال: وإذا حكم بالشاهد (3) على الخط (4) فهل في ذلك (5) يمين أم لا؟ في ذلك روايتان إحداهما أنه يحكم (6) له بمجرد الشهادة على الخط، والثانية: أنه لا يحكم له بذلك (7) حتى يحلف معها (8).

قوله: (وخَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ، أَوْ غَابَ ببُعْدٍ) أي: وجازت الشهادة أيضًا على خط الشاهد الميت أو الغائب، وقد اضطرب الأَشياخ في نقل أهل (9) المذهب في إعمالها، ففي

(1) في (ن 3): (مطلقًا).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 260، والمنتقى: 7/ 176، ومذاهب الحكام في نوازل الأحكام: 1/ 223.

(3)

في (ن): (بالشهادة).

(4)

قوله: (شاهدان فصاعدًا فلا يمين،

على الخط) ساقط من (ن 5).

(5)

قوله: (في ذلك) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (يحكم) في (ن 4): الم يحكم).

(7)

قوله: (بذلك) زيادة من (ن).

(8)

انظر: التفريع: 2/ 257.

(9)

قوله: (أهل) ساقط من (ن).

ص: 149

البيان لم يختلف قول مالك في الأمهات المشهورة في إعمالها وإجازتها، وروي عنه أنها لا تجوز، وإليه ذهب محمد، وقيل: إن (1) غاية خطه كلفظه، وهو لو سمعه بنص شهادته لم يجز له نقلها عنه، وصوبه ابن رشد إلا في الأحباس، فإن العمل جرى على إجازتها (2) في الأحباس ونحوها مما هو حق لله تعالى، وما ليس بحد (3). ونحوه لابن أبي زمنين (4)، وقال (5) الباجي مشهور قول مالك أنها لا تجوز على خط الشاهد، وروى ابن القاسم وابن وهب إجازتها، وقاله سحنون (6).

واحترز بقوله: (بِبُعْدٍ) من الغيبة القريبة فإنها لا يشهد فيها على خطه مع ذلك، واختلف في الغيبة البعيدة، فقال عبد الملك: قدر ما تقصر فيه الصلاة، وقيل: مثل مصر من إفريقية أو مكة من العراق، ولم يحدها سحنون (7).

قوله: (وإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِما) أي: في الشهادة على خط المقر والشهادة على خط (8) الميت أو الغائب، وقد سبق كلام ابن رشد وابن أبي زمنين، وما ذكره في هذه المسألة (9) في خط المقر (10) هو ظاهر كلام محمد بن الفرج مولى ابن الطلاع على ما حكاه ابن سهل (11)، فإنه قال: الأصل في الشهادة على الخطوط من قول مالك، وأكثر أصحابه أنها تجوز في الحقوق وفي الطلاق والعتاق والأحباس وغيرها، ومعنى الشهادة على الخط في الطلاق إذا كان على خط نفسه أن يشهد على خط (12) نفسه (13) بأنه طلق

(1) قوله: (وقيل: إن) يقابله في (ن) و (ن 5): (وقال: لأن).

(2)

في (ن 4): (إعمالها).

(3)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 439 و 440.

(4)

انظر: منتخب الأحكام: 1/ 202 و 203.

(5)

في (ن 4): (وقال).

(6)

انظر: المنتقى: 7/ 163.

(7)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 440.

(8)

قوله: (المقر والشهادة على خط) ساقط من (ن 4).

(9)

قوله: (في هذه المسألة) في (ن): (من هذا).

(10)

في (ن 3): (الميت).

(11)

انظر: الإعلام بنوازل الأحكام: 1/ 67.

(12)

قوله: (على خط نفسه أن يشهد على خط) يقابله في (ن 5): (على الخط).

(13)

قوله: (أن يشهد على خط نفسه) ساقط من (ن).

ص: 150

زوجته (1) مثل أن يكتب إلى رجل يعلمه بأنه طلق زوجته (2) أو يكتب لزوجته بذلك فيشهد لها على خطه، وعن مطرف وابن الماجشون وأصبغ: لا يجوز ذلك في طلاق ولا عتاق، ولا حد ولا كتاب قاض إلى قاض بل في الأموال فقط (3).

قوله: (إِنْ عَرَفَتْهُ كَالْمُعَيَّنِ) يريد: أنه لا يشهد على خط الشاهد الميت أو الغائب إلا من يعرف خطه معرفة لا شك فيها حتى يصير عنده كالشيء المعين، ووقع في كتاب القرويين أن الشهادة في ذلك إنما هي على العلم.

قوله: (وأنَّه كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ) أي: ويكون الشاهد على الخط يعرف أن الشاهد الميت كان يعرف من أشهده على نفسه، فلو لم يعرف الشاهد على الخط في ذلك؛ لم يجز له أن يشهد على خطه عند ابن زرب (4)، وقال غيره يجوز (5).

قوله: (وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا) أي: وإن لم يسم (6) وأن الشاهد تحمل الشهادة حالة كونه عدلًا، يريد: ولم يزل على ذلك حتى مات هكذا قال مالك رحمه الله.

قوله: (لا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا، وأَدَّى بِلا نَفْعٍ) الذي رجع إليه مالك أن الشاهد لا يشهد على خط نفسه وإن عرفه حتى يذكر الشهادة ويوقن بها (7)، ولكن يؤديها كما علم، ولا ينتفع الطلاب (8)، وقاله كذلك في المدونة (9)، وكان مالك يقول: إن عرف خطه ولم يذكر الشهادة (10) ولا شيئًا منها وليس في الكتاب محو ولا ريبة فليشهد بها، وإن كان الرق مطلسًا (11) أو مغسولا أو فيه محو فلا يشهد، وبه أخذ مطرف وعبد

(1) قوله: (على خط نفسه أن يشهد على خط نفسه بأنه طلق زوجته) يقابله في (ن 3): (هو الذي خط بنفسه).

(2)

قوله: (مثل أن يكتب إلى رجل يعلمه بأنه طلق زوجته) ساقط من (ن 4).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 264.

(4)

قوله: (ابن زرب) في (ن 4): (ابن زرقون).

(5)

انظر: التوضيح: 7/ 535.

(6)

قوله: (وإن لم يسم) زيادة من (ن).

(7)

في (ن 4): (ويوقرها).

(8)

في (ن): (الطالب).

(9)

قوله: (وقاله كذلك في المدونة) ساقط من (ن) و (ن 5)، وانظر: المدونة: 4/ 13 و 14.

(10)

قوله: (ويوقرها، ولكن يؤديها كما علم،

ولم يذكر الشهادة) ساقط من (ن 3).

(11)

في (ن): (طلسا).

ص: 151

الملك والمغيرة وابن أبي حازم وابن دينار وابن وهب (1) وابن حبيب وسحنون وقال (2) مطرف: وعليه إجماع الناس (3).

وقيد بعضهم المحو بما إذا لم يعتذر (4) عنه في الوثيقة، وأما إن اعتذر عنه فيها (5) فلا يضر، وظاهر قوله: حتى يذكرها أنه لو ذكر بعضها يؤديها ولا تنفع الطالب على المشهور عندهم، وظاهر ما نقله ابن شاس من رواية مطرف عن مالك أنه يؤديها وتنفعه (6)، وإذا فرمحنا على القول الذي رجع إليه مالك، فعنه أنه يؤديها على وجهها فيقول أن كتابًا يشبه كتابي وأظنه إياه، ولست أذكر شهادتي بيدي، ولا أني كتبتها (7) بخطي (8)، ويحكي ذلك كله على وجهه، ولا يقضي بها الحاكم (9)، وقال ابن القاسم: يقول هذه شهادتي بيدي، ولا أذكرها ولا تنفعه، وقال محمد: لا يرفعها (10) أصلًا، وعلى قول مالك: المرجوع عنه فإنه يؤديها، ولا يذكر للقاضي حاله، ابن شاس: قالوا: وإن قالها فلا يقبلها وكأنه تبرأ من هذا (11)، وروى ابن وهب القبول إذا ذكر الشاهد حاله، وحصل في ابن رشد (12) في هذه المسألة خمسة أقوال: يؤديها ويحكم بها، ولا يؤديها فضلا على أن يحكم بها (13)، ويؤديها ولا يحكم بها.

الرابع: إن كانت في رق أداها، لا إن كانت في كاغد، وقيده بكون الشهادة في باطن

(1) قوله: (وابن وهب) ساقط من (ن 4).

(2)

في (ن 4): (في نوازله).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 267.

(4)

في (ن 5): (يقدر).

(5)

قوله: (وأما إن اعتذر عنه فيها) في (ن) و (ن 5): (وإلا).

(6)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1047.

(7)

قوله: (ولا أني كتبتها) في (ن 5): (ولكن كتبتها)، وفي (ن 4):(ولا أن كتبها).

(8)

زاد بعده قوله: (ووقع بيد أو يذكر

الحاكم) في (ن 4). وقوله: (بخطي) ساقط من (ن).

(9)

قوله: (الحاكم) ساقط من (ن)،

(10)

في (ن 3) و (ن 5): (يعرفها).

(11)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1048، وانظر: التوضيح: 7/ 538.

(12)

في (ن 4): (البيان).

(13)

قوله: (فضلًا على أن يحكم بها) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

ص: 152

الرق لا إن كانت في ظاهره، لأن اللبس (1) يخفى في الظاهر.

والخامس: إن كان ذكر الحق والشهادة بخطه أداها، وإن لم يكن بخطه إلا الشهادة فلا يؤديها (2).

قوله: (ولا عَلَى مَنْ لا يَعْرِفُ، إِلا بعَيْنِهِ) أي: وكذا لا يشهد الشاهد (3) على من لا يعرفه إلا على شخصه، وهو مراده بعينه، ومراده بعدم معرفته، أي: لا يعرف نسبه.

مالك: وأحب إلي ألا يشهد على من لا يعرف، فإن عرفه بعضهم ففيه بعض السعة، أي لأنه أمن (4) بمعرفته بعضهم من أن يتسمى بغير اسمه، وأما الذي لم يعرفه أحد فيكره له أن يوقع (5) شهادته عليه مخافة أن يتسمى بغير اسمه، وقاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ (6)، انظر: الكبير.

قوله: (ولا يُسَجِّلُ عَلَى مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ فُلانٍ) ظاهره ان لم يثبت البينة أنها ابنة فلان، وفي الجواهر إذا شهدت بينة على عين امرأة بدين زعمت أنها بنت زيد؛ لم يجز (7) للقاضي أن يسجل (8) علي بنت زيد حتى يثبت بالبينة أنها بنت زيد كذا في الجواهر (9)، يريد: وكذلك لا يشهد الشهود أنها بنت زيد إلا بعد الثبوت (10)، لاحتمال أن تكون قد انتسبت إلى غير نسبتها (11).

قوله: (ولا عَلَى مُنْتقِبَةٍ لتتعين للأداء) أي: وكذا لا يشهد على امرأة منتقبة (12) حتى

(1) في (ن 5): (البشر).

(2)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 442.

(3)

قوله: (الشاهد) ساقط من (ن) و (ن 5).

(4)

في (ن 4): (أمر).

(5)

في (ن): (يضع).

(6)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 465 و 466.

(7)

قوله: (لم يجز) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (فليس).

(8)

زاد بعد في (ن 4): (عليها، أي).

(9)

زاد هنا في (ن): (كذا في الجواهر) زيادة من (ن)، وانظر: عقد الجواهر: 3/ 1049.

(10)

قوله: (وكذلك لا يشهد الشهود أنها بنت زيد إلا بعد الثبوت) في (ن 4): (كذا في الجواهر، إلا بعد التوبة).

(11)

قوله: (غير نسبتها) يقابله في (ن) و (ن 5): (غير أبيها)، وفي (ن 3):(غيره).

(12)

قوله: (لتتعين للأداء؛ أي وكذا لا يشهد على امرأة منتقبة) ساقط من (ن 4).

ص: 153

تكشف عن (1) وجهها ليعَينَها عند الأَدَاءِ ويميزها من أمثالها بالإشهاد والمعرفة التامة، وقاله ابن شاس وغيره، فإن عرفها اثنان فلا يشهد عليها غيرهما، بل على شهادتهما أن فلانة أقرت وذلك عند تعذر الأداء منها (2)، وقال ابن نافع: يشهد، ورواه عن مالك (3).

ابن رشد في البيان (4): والذي أقول به أنه إن أتاه المشهود له بهذين الشاهدين يشهد عليهما بمعرفتها (5)، فلا يشهد إلا عليهما، وإن كان سأل الشاهدين الشهادة فأخبراه بها؛ فليشهد عليها لا عليهما، ثم قال (6): وكذلك لو سأل عن ذلك رجلًا يثق به أو لفيف النساء (7) لجاز له أن يشهد عليها إذا حصل عنده العلم بذلك (8).

قوله: (وإن قالوا: أشهدتنا منتقبة، وكَذَلِكَ: نَعْرِفُهُا. قُلِّدُوا) أي: وإن قال الشهود: إن امرأة قد أشهدتنا منتقبة، وكذلك نعرفها، ولا نعرفها بغير نقاب، فإنهم يقلدون في ذلك، ابن سحنون: إن كانوا عدولا يعينوها (9) ويقطع بشهادتهم، ثم قال: ولو شهدوا

(1) قوله: (عن) زيادة من (ن).

(2)

قوله: (فإن عرفها اثنان فلا يشهد عليها غيرهما، بل على شهادتهما أن فلانة أقرت وذلك عند تعذر الأداء منها) يقابله في (ن 4): (ولو دعي رجل ليشهد على امرأة لا يعرفها، لكن شهد عنده بمعرفتها عدلان، وأنها فلانة بنت فلان الفلاني، فقال ابن القاسم: لا يشهد بذلك عليها إلا على شهادتهما، فيكون من باب نقل الشهادة عنهما فينتفع بها عند تعذر أدائهما، ويسميهما ليعذر فيهما لمن طلب ذلك).

(3)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1083.

(4)

قوله: (في البيان) ساقط من (ن).

(5)

في (ن 5) و (ن 3): (بشاهدتهما عنده أنها فلانة بنت فلان، ولا يشهد إلا على شهادتهما وإن كان هو سأل).

(6)

قوله: (أتاه

عليها لا عليهما، ثم قال) في (ن):(كان المشهود له أتى بالشاهدين ليشهد عليهما بشهادتهما عنده أنها فلانة بنت فلان فلا يشهد إلا على شهادتهما وإن كان هو سأل الشاهدين فأخبراه أنها فلانة بنت فلان فليشهد عليها).

(7)

قوله: (لفيف النساء) في (ن): (امرأة).

(8)

قوله: (عليها إذا حصل عنده العلم بذلك) في (ن): (وكذلك لو أتاه المشهود له بلفيف النساء إذا شهدن عنده أنها فلانة لجاز له أن يشهد إذا وقع عنده العلم بشهادتهن)، وانظر: البيان والتحصيل: 9/ 466 و 467.

(9)

في (ن): (ويعينوها).

ص: 154

عليها بإقرار أو نكاح أو (1) وسأل الخصم إدخالها في نساء ليخرجوها، فقالوا: أشهدنا عليها على معرفة منا بعينها ونسيناها، ولا ندري هل نعرفها اليوم أم لا، وقد تتغير حالتها عما كانت عليه يوم الشهادة، أو قالوا: لا نكلف ذلك أو لا يلزمنا، فإنه لا بد أن يخرجوا عينها (2)، وإليه أشار بقوله:(وعَلَيْهِمْ إِخْرَاجُهَا إِنْ قيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا).

قوله: (وجَازَ الأَدَاءُ، إِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ، وإِنْ بِامْرَأَةٍ) قد تقدم ذلك عن ابن رشد فوق هذا (3)، يريد: ويجوز له أن يشهد على المرأة إذا حصل له العلم بإخبار من أخبره، وإن كانت المرأة (4)، لأن أخبارها قد تحف به (5) تقويها.

قوله: (لا بِشَاهِدَيْنِ إِلا نَقْلًا) قد تقدم عنه أيضًا أنه قول ابن القاسم (6)، أي: لم يحصل العلم بهما، فلا يشهد إلا على شهادتهما، وهو معنى قوله:(إِلا نَقْلًا) وقاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وروي عن ابن نافعِ أنه يشهد (7).

قوله: (وجَازَتْ بِسَماعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وغيْرِهِمْ) أي: وجازت الشهادة على السماع الفاشي من الثقات وغيرهم، ابن شاس: وهي أن يقول الشهود سمعنا سماعًا فاشيًا من أهل العدول وغيرهم، وقال محمد: يقولون: إنا لم نزل نسمع الثقات كذا، وقال مطرف وعبد الملك: يقولون سمعنا سماعًا فاشيًا من أهل العدل فقط، ولا يجوز من غيرهم من سامع أو مسموع منه، ولا يسمون من سمعوا منه (8)، فإن سموا كان ذلك نقل الشهادة لا شهادة سماع (9)، ولهذا قال بعضهم: لا بد أن يكون عن العدول و (10) غيرهم لأن

(1) في (ن): (براءة).

(2)

انظر: تبصرة الحكام: 2/ 17.

(3)

قوله: (قد تقدم ذلك عن ابن رشد فوق هذا) ساقط من (ن 3) و (ن 5)، وقوله:(فوق هذا) ساقط من (ن).

(4)

في (ن): (امرأة).

(5)

قوله: (تحف به) في (ن): (تحتف بها قرينة).

(6)

قوله: (قد تقدم عنه أيضًا أنه قول ابن القاسم) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(7)

قوله: (ورواه عن مالك، وروي عن ابن نافع أنه يشهد) يقابله في (ن): (وقال ابن نافع ورواه عن مالك أنه يشهد وانظر كلام ابن رشد فوق هذا).

(8)

قوله: (سمعوا منه) يقابله في (ن 5): (شهدوا عنه)، وكذا في هامش (ن).

(9)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1049.

(10)

في (ن): (مع).

ص: 155

قصر السماع عن العدول يخرجه إلى نقل الشهادة من العينين.

قوله: (بِمِلْكٍ لِحائِزٍ مُتَصَرِّفِ طَوِيلًا) يريد: أن شهادة السماع تجوز بالملك، أي: في الأملاك، وما ذكر معها، ابن شاس: وإنما يشهد بالملك إذا طالت الحيازة، وكان يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه (1) من الهدم وغيره، ولا ينازعه فيه أحد، ولا تكفي شهادتهم أنه يحوزها حتى يقولوا أنه حازها (2) لحقه، أنها له ملك (3)، واشترط بعضهم في قبولها (4) أن يستفيض الخبر، والحديث بكون هذا الشيء ملكا لمن هو في يده، ومن الناس (5) من لم يشترطه.

(المتن)

وَقُدِّمَتْ بَيِّنَة الْمِلْكِ، إِلَّا بِسَمَاعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ وَوَقْفٍ، وَمَوْتٍ بِبُعْدٍ إِنْ طَالَ الزَّمَانُ، بِلَا رِيبَةٍ. وَحَلَفَ، وَشَهِدَ اثْنَانِ كَعَزْلٍ، وَجَرْحٍ، وَكُفْرٍ، وفسق، وَنِكَاحٍ، وَضِدِّهَا، وَإِنْ بِخُلْعٍ، وَضَرَرِ زَوْجٍ، وَهِبَةٍ، وَوَصِيَّةٍ، وَوِلَادَةٍ وَحِرَابَةٍ، وَإِبَاقٍ، وَعُدْمٍ، وَأَسْرٍ وَعِتْقٍ، وَلَوْثٍ. وَالتَّحَمُّلُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَتَعَيَّنَ الأَدَاءُ مِنْ كَبَرِيدَيْنِ، وَعَلَى ثَالِثٍ إِنْ لَمْ يُجْتَزْ بِهِمَا، وَإِنِ انْتَفَعَ فَجَرْحٌ، إِلَّا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ، وَعَدَمِ دَابَّتِهِ؛ لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِدَابَّةٍ، أَوْ نَفَقَةٍ. وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ، وَعِتْقٍ، لَا نِكَاحٍ. فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ.

(الشرح)

قوله: (وقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الملْكِ، إِلا بِالسَّماعِ أنّه اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ) أي: فإن تعارضت بينة الحوز مع بينة الملك؛ قدمت بينة الملك إلا أن تكون بينة السماع شهادةً (6) بأنهم لم يزالوا يسمعون على تطاول الأزمان أن هذا الحائز اشتراها من أب هذا القائم أو جده أو نحوه (7)، فيثبت له بقاؤها في يده (8) بهذه الشهادة ونحوه في

(1) قوله: (المالك في ملكه) يقابله في (ن 5): (الأملاك)، وقوله: في ملكه) ساقط من (ن).

(2)

في (ن): (يحوزها).

(3)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1051.

(4)

قوله: (في قبولها) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (ومن الناس) يقابله في (ن): (ومنهم).

(6)

في (ن): (تشهد).

(7)

قوله: (أو نحوه) يقابله في (ن) و (ن 5): (أو من صارت إليه عنهم).

(8)

قوله: (بقاؤها في يده) زيادة من (ن).

ص: 156

المدونة (1)، فلو قالوا: سمعنا أنه اشتراها ولا ندري ممن، لم تنفعه هذه الشهادة لاحتمال أن يكون اشتراها من غاصب، وكذا قال ابن الموازة لا تجوز شهادة السماع إلا لمن كان الشيء المشهود به (2) في يده، ولا يستخرج (3) بها من يد حائز، وكذا نص عليه أبو إسحاق وغيره (4)، وعن ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون (5) وأصبغ في الواضحة ما يقتضي أنه يستخرج بها ما في اليد (6).

قوله: (ووَقْفٍ) أي: وكذا تجوز شهادة السماع في الوقف، ونص عليه في المدونة (7) وغيرها، أبو إسحاق: وذلك مثل أن تكون الدار ليست بيد مشتريها، وإنما هي في يد حائزها فتشهد بينة على السماع أنها حبس على الحائز وعلى عقبه، ويشهدون بالملك المحبس (8) أو تكون لا يدعيها أحد (9) فتشهد بينة أنها حبس على بني فلان أو على فلان وبنيه (10) ونحوه لابن محرز (11).

قوله: (وَمَوْتٍ بِبُعْدٍ) أي: وكذا تجوز الشهادة على السماع في الموت فيما بَعُد من البلاد، وقاله الباجي، يريد: لأن ما قارب أو ما في بلد الميت تكون الشهادة فيه شهادة بت، وإن كان سببها السماع إلا أن لفظ شهادة السماع (12) إنما يطلق عند الفقهاء على ما لا يقع به العلم للشاهد، ولذلك يؤدي الشاهد في السماع على أنه سمع سماعًا فاشيًا، وأما إن وقع له العلم بتواتر الخبر فإنما يشهد على علمه (13).

(1) انظر: المدونة: 4/ 49.

(2)

قوله: (المشهود به) ساقط من (ن).

(3)

في (ن): (ينتزع).

(4)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1049.

(5)

قوله: (وابن الماجشون) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وابن عبد الملك).

(6)

في (ن): (يده)، وانظر: تبصرة الحكام: 1/ 476.

(7)

انظر: المدونة: 4/ 33.

(8)

قوله: (ويشهدون بالملك المحبس) ساقط من (ن) و (ن 5).

(9)

قوله: (يدعيها أحد) يقابله في (ن) و (ن 5): (يد عليها لأحد).

(10)

قوله: (على فلان وبنيه) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (أو حبس لله).

(11)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1049، والذخيرة: 10/ 163.

(12)

قوله: (السماع) ساقط من (ن).

(13)

انظر: المنتقى للباجي: 7/ 168.

ص: 157

قوله: (إِنْ طَالَ الزَّمَانُ، بِلا رِيبَةٍ وحَلَفَ، وشَهِدَ اثْنَانِ) يريد: أن شهادة السماع لا يفيد الحكم بها (1) إلا بأربعة شروط:

الأول: طول الزمان، فلا يجوز (2) ذلك في ملك الدار ونحوها فيما قرب، قال مالك: كخمس (3) سنين، ابن القاسم: وإنما (4) تجوز فيما أتت عليه أربعون سنة أو خمسون، ابن زرقون: وهو ظاهر المدونة (5)، ونقل (6) عن ابن القاسم أيضًا عشرون سنة (7)، ابن رشد: وبه العمل بقرطبة (8).

واختلف في خمسة عشر سنة، هل هو طول؟ وإليه ذهب مطرف وابن الماجشون وأصبغ، أو ليس بطول، وإليه ذهب (9) ابن القاسم في الموازية (10)، أو طول في الوباء (11) فقط (12). ابن عبد السلام: والظاهر أنه قول ثالث، ومنهم من قيد به القول الثاني.

والشرط الثاني: انتفاء الريبة، ولهذا إذا شهد اثنان بالسماع، وفي القبيل جمع كثير من ذوي سنها (13) لم يسمعوا ذلك أو شهد بموت رجل ببلدته جم غفير لم يعلموا بذلك ولا سمعوا به لم تقبل شهادتهما (14)، فلو لم يكن ثَمَّ (15) من هو أسن منهما لقبلا لانتفاء

(1) قوله: (يفيد الحكم بها) يقابله في (ن 3) و (ن 5): (تقيد)، وفي (ن):(تفيد).

(2)

في (ن 3): (يلزم).

(3)

قوله: (قال مالك: كخمس) في (ن 4): (منه، نحو خمس).

(4)

في (ن 3): (وألا).

(5)

انظر: التوضيح: 7/ 544.

(6)

قوله: (نقل) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(7)

قوله: (سنة) ساقط من (ن).

(8)

انظر: التوضيح: 7/ 544.

(9)

قوله: (وإليه ذهب) يقابله في (ن) و (ن 5): (وهو قول).

(10)

قوله: (وإليه ذهب ابن القاسم في الموازية) يقابله في (ن 3): (وهو قول ابن القاسم في المدونة).

(11)

في (ن 4): (الوفاء).

(12)

زاد بعد في (ن 4): (ونقل عن التونسي)، وانظر: البيان والتحصيل: 9/ 260، والإعلام بنوازل الأحكام: 1/ 576.

(13)

في (ن): (سنهما).

(14)

قوله: (لم يعلموا ذلك ولا سمعوا به لم تقبل شهادتهما) يقابله في (ن) و (ن 5): (لم يعلموا بذلك فلم يقبلا)، وفي (ن 3):(ولم يعلموا بذلك)، وقوله:(لم تقبل شهادتهما) في (ن): (لم يقبلا).

(15)

في (ن 4): (في القبيل).

ص: 158

الريبة، ابن محرز، وقاله ابن القاسم (1).

والثالث: أنه لا يقضي (2) للمستحق بها (3) إلا بعد حلفه، وقاله غير واحد، ونص عليه ابن يونس إذ لعل أصل (4) السماع كان عن شاهد واحد، ولا يقوم الحق بذلك إلا مع اليمين.

الرابع: أن يشهد بالسماع اثنان ويكتفي بهما، وقال عبد الملك: لا بد من أربعة، والأول هو المشهور (5).

قوله: (كَعَزْلٍ، وجَرْحٍ، وكُفْرٍ، وفسق (6)، ونِكَاحٍ وضِدِّهَا) أي: وكذا تجوز شهادة (7) السماع في العزل وما بعدها، وضدها وهي الولاية والتعديل والرشد والإسلام والطلاق، وفي الطلاق الضد عليها مسامحة (8)، ولو قال: ومقابلها لكان أحسن.

قوله: (وإن بخلع) يريد: أن شاهدة السماع لا تختص بالطلاق الفاشي (9) عن غير خلع بل يجوز فيه وفي الخلع (10).

قوله: (وضَرَر زَوْجٍ، وهبةٍ، وَوَصِيَّةٍ، ووِلادَةٍ، وحِرَابَةٍ، وإِبَاقٍ، وعُدْمٍ، وأَسْرٍ، وعِتْقٍ، وَلَوْثٍ) نص فيما تقدم على جوازها في ضرر أحد الزوجين بصاحبه، وكذلك تجوز في (11) البيع والأحباس والوصية (12) والصدقة (13)، والرضاع والنسب والولاء

(1) انظر: عقد الجواهر: 3/ 1049 و 1050، والذخيرة: 10/ 162 و 163.

(2)

قوله: (لا يقضي) في (ن 3): (يقضى).

(3)

في (ن): (به).

(4)

قوله: (ونص عليه ابن يونس إذ لعل أصل) يقابله في (ن): (إذ لعل).

(5)

انظر: البيان والتحصيل: 5/ 257.

(6)

قوله: (وفسق) زيادة من (ن 3) و (ن 5)، وفي (ن) والمطبوع من مختصر خليل:(وسَفَهٍ).

(7)

زاد بعد في (ن): (على).

(8)

في (ن 5): (نظر).

(9)

في (ن): (الناشيء).

(10)

قوله: (قوله: (وإن بخلع) يريد:

فيه وفي الخلع) ساقط من (ن 4).

(11)

قوله: (نص فيما تقدم على

وكذلك تجوز في) يقابله في (ن 3) و (ن 5): (ويقر عليه مما ذكروا من ذلك)، وفي (ن):(بقى عليه مما ذكروا).

(12)

قوله: (والوصية) ساقط من (ن).

(13)

قوله: (والوصية والصدقة) يقابله في (ن 3) و (ن 5): (والصدقات).

ص: 159

والقسمة، والمشهور ثبوت النسب والولاء (1) بذلك.

واختلف في ذلك قول مالك، ولأصبغ وابن القاسم ثبوت المال (2) دون النسب، والولاء، محمد: ولا يعجبني (3) هذا، ثم قال: وقول مالك وابن القاسم أنه يقضى له بالنسب والولاء، والمال هو الحق (4). أبو عمران: ويشترط في شهادة السماع على النكاح أن يتفق الزوجان عليه، وأما إن أنكر أحدهما فلا (5).

ومعنى شهادة السماع في الوصية أن يشهدوا (6) أنه أيزل يسمع أن فلانًا كان في ولاية فلان، وأنه كان يتولى النظر له، ويلي الإنفاق عليه بإيصاء أبيه أو تقديم قاض عليه، وقد قال بعضهم في هذه المسألة (7) -ونسبت لابن رشد-: شعرًا (8):

أيا سائلي عما ينفذ حكمه

ويثبت سمعًا دون علم بأصله

ففي العزل والتجريح والكفر بعده

وفي سفه أو ضد ذلك كله

وفي البيع والأحيباس والصدقة (9)

والرضاع وخلع والنكاح وحله

وفي قسمة أو نسبة وولاية (10)

وموت وحمل والمضر بأهله

وزاد ابنه على ما قال (11):

ومنها الهبة (12) والوصية فاعلمن

وملك قديم قد يظن بمثله

(1) قوله: (النسب والولاء) في (ن 4): (الولاء).

(2)

قوله: (المال) ساقط من (ن).

(3)

في (ن 5): (يعجبنا).

(4)

زاد بعد في (ن 4): (والمال هو الحق)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 380.

(5)

انظر: التوضيح: 7/ 546.

(6)

في (ن): (يشهد).

(7)

في (ن): (المسائل).

(8)

قوله: (شعرا) زيادة من (ن).

(9)

في (ن): (والصدقات).

(10)

في (ن): (وولادة).

(11)

قوله: (وزاد ابنه على ما قال) زيادة من (ن).

(12)

في (ن): (الهبات).

ص: 160

ومنها ولادة ومنها حرابة

ومنها الإباق فليضم لشكله

فدونكها عشرون من بعد سبعة

تدل على حفظ الفقيه ونبله

أبي نظم العشرين من بعد واحد

وأتبعتها ستًا تمامًا لفعله

ابن عبد السلام: ولا أدخل تحت عهدة السفة لمن نكر (1).

قوله: (وَالتَّحَمُّلُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) يريد: أن تحمل الشهادة بحيث يحتاج إليه فرض كفاية، واحترز بقوله:(إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ) بما إذا طلب من الشاهد تحمل الشهادة التي لا يتعلق بها حكم، وإنما كان عند الافتقار فرض كفاية؛ لأنه لو تركه جميع الناس لأدى ذلك إلى بطلان (2) الحقوق، وأيضًا فإن الغرض المقصود يحصل (3) بالبعض وهو شأن فرض الكفاية، فإن لم يوجد إلا شاهدان (4) تعين عليهما وقد اختلف في قوله تعالى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] فقال مالك: معناه إذا دعوا إلى الأداء، وقيل: إلى التحمل، وقيل: إليهما معًا (5). انظر الكبير.

قوله: (وَتَعَيَّنَ الأَدَاءُ) يعني: أن الشاهد إذا طلب منه أداء الشهادة بعد التحمل، فإنه يتعين عليه ذلك إذا كان واحدًا فيما كان يقبل (6) فيه بالشاهد واليمين، أو كانا اثنين، ولا يحل اثنين (7) ولا يحل لأحدهما أن يحيل المشهود له على اليمين مع صاحبه.

قوله: (مِنْ كَبَرِيدَيْنِ) ونحوه لسحنون (8)، أي: ولا يلزم من أبعد لذلك (9)،

(1) قوله: (ابن عبد السلام: ولا أدخل تحت عهدة السفة لمن نكر) زيادة من (ن 3) و (ن 5)، وانظر: التوضيح: 7/ 547، ولفظه فيه:(ابن عبد السلام: ولست أدخل تحت عهدة نسبة القطعتين إلى من ذكر، ولكن أكثر ما احتوتا عليه منقول).

(2)

قوله: (ذلك إلى بطلان) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (إلى تعطيل).

(3)

في (ن 5): (لايحصل).

(4)

قوله: (الإشهاد إن) يقابله في (ن): (إلا شاهدان).

(5)

انظر: البيان والتحصيل: 17/ 77، وأحكام القرآن لابن العربي: 1/ 276.

(6)

قوله: (إذا كان واحدًا فيما كان يقبل) في (ن 4): (وإن كان واحدًا إن كان مما يكتفى).

(7)

قوله: (ولا يحل اثنين) ساقط من (ن).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 320.

(9)

قوله: (لذلك) زيادة من (ن 3) و (ن 5).

ص: 161

والمراد (1) مراعاة المشقة وعدمها، ولا يقوم على التحديد بذلك دليل.

قوله: (وعَلَى ثَالثٍ، إِنْ لم يُجْتَزْ بِهِما) أي: فإن كان الحاكم لم يكتف باثنين لريبة ونحوها، فإن الثالث يجب عليه الأداء، يريد: وكذلك الرابع والخامس حتى يثبت الحق.

قوله: (وإن انْتَفَعَ فَجُرْحٌ) يريد: أن الشاهد إذا تعين عليه الأداء (2) لكونه على بريدين فأقل لا يحل (3) له أخذ شيء عليه ينتفع به، بل يجب عليه الأداء لوجوبها عليه، فإن انتفع عليها (4) كان جرحة وبطلت شهادته، وقاله سحنون (5).

قوله: (إِلا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ وَعَدَمِ دَابَّتِهِ) أي: فإن لم يكن للشاهد دابة وعسُر عليه المشيُ فركّبه المشهود له، فإن ذلك لا يكون جرحة؛ لأن الركوب حينئذ لا يكون منفعةً (6) حقيقةً للشاهد وإنما منفعته مقصورة على المشهود له.

قوله: (لا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ) متعلق بقوله: (من كبريد) أي: فإن الأداء لا يتعين على الشاهد فيها، وأحرى فيما زاد عليها (7) وليشهد عند من يأمره القاضي وقدمه لذلك (8) بذلك البلد ويكتب بما شهدوا (9) به عند القاضي الذي بالموضع، وقاله كله سحنون (10).

قوله: (وَلَهُ أنْ يَنْتفِعَ مِنْهُ بِدَابَّةٍ أو نَفَقَةٍ) أي: فإن لم يكن ثَمَّ من يشهد عند القاضي

(1) في (ن): (والأصل).

(2)

قوله: (الأداء): في (ن): (أداء الشهادة).

(3)

قوله: (فأقل لا يحل) يقابله في (ن): (لا يجوز).

(4)

قوله: (عليه ينتفع به، بل يجب عليه الأداء لوجوبها عليه، فإن انتفع عليها) في (ن): (ينتفع به عن أداء الشهادة لوجوبها عليه فإن فعل).

(5)

قوله: (وقاله سحنون) ساقط من (ن)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 320.

(6)

قوله: (لا يكون منفعة): في (ن): (ليس بمنفعة).

(7)

قوله: (فيها وأحرى فيما زاد عليها) يقابله في (ن): (في تلك المسافة، فما زاد عليها عند ذلك القاضي).

(8)

قوله: (وقدمه لذلك) ساقط من (ن).

(9)

في (ن): (شهد).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 320.

ص: 162

بالموضع الذي هو به، وادعى الشهادة (1) على مسافة القصر فصاعدًا فإنه لا يقدح في شهادته ما انتفع به من المشهود له من ركوب دابته ونفقته ما أقام منتظرًا به إذا احتجب السلطان عن الشاهد (2) ولم يقدم من يسمع من الشهود حتى يؤدي وينصرف (3)، وقيل: تبطل شهادته بذلك، ابن رشد: وهو الأظهر (4).

قوله: (وحَلَفَ بِشَاهِدٍ في طَلاقٍ، وعِتْقٍ) يريد: أن المرأة إذا أقامت شاهدًا بأن زوجها طلقها، أو أقامه العبد على سيده أنه أعتقه فإنه يطالب (5) بتلك الدعوى، فإن أعتق (6) فلا إشكال، وكذا إن حلف على نفي ما ادعى به عليه، وأما إن نكل فسنذكره.

قوله: (لا نِكَاحٍ) أي: فإنه لا يساوي الطلاق والعتق في ذلك ولا بد فيه من شاهدين وهو المعروف، وحكى ابن الهندي قولًا بوجوب اليمين مع الشاهد كالطلاق (7)، وفي الموازية والواضحة إذا ادعت امرأة نكاح رجل أو ادعاه هو عليها فإن اليمين ساقطة إلا أن يقيم (8) بذلك شاهدًا (9).

قوله: (فَإنْ نَكَلَ حُبِسَ، وإِنْ طَالَ دُيِّنَ) هكذا قال في المدونة، وزاد: ويخلى بينه وبينها، وهي رواية عن (10) ابن القاسم، وبها أخذ، وهي التي رجع إليها مالك (11)،

(1) قوله: (وادعى الشهادة) في (ن 3): (وزاد الشهاد)، وفي (ن 5):(وأداه الشهاد)، وفي (ن):(وأداء الشاهد).

(2)

قوله: (عن الشاهد) في (ن 4): (عنه).

(3)

قوله: (ولم يقدم من يسمع من الشهود حتى يؤدي وينصرف) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (إذا لم يجد من يشهد على شهادته ثم ينصرف).

(4)

زاد بعد في (ن 4): (وقال أصبغ ومطرف: لا تبطل وله ذلك، وإن في القريب لأنه لا يتولى ذلك)، وانظر: البيان والتحصيل: 10/ 155.

(5)

قوله: (يطالب) في (ن) و (ن 5): (لا يطالب).

(6)

في (ن) و (ن 5): (اعترف).

(7)

انظر: التوضيح: 7/ 552.

(8)

في (ن 4): (تقيم).

(9)

في (ن 3): (شاهدين)، وانظر: البيان والتحصيل: 5/ 82 و 83.

(10)

قوله: (عن) ساقط من (ن).

(11)

انظر: المدونة: 4/ 6 و 7، ولفظها: (قلت: أرأيت الطلاق، أيحلف فيه في قول مالك إذا ادعته المرأة على زوجها

).

ص: 163

وروي عنه أيضًا: أنه يقضى عليه بالطلاق والعتق (1)، وبه قال أشهب وابن عبد الحكم، ولابن القاسم قول أنه يحبس سنة، ونقله ابن يونس أيضًا عن مالك، وقال سحنون: يحبس أبدًا حتى يحلف أو يقر (2).

ونقل أيضًا عن مالك أنه يقضي في الطلاق والعتق بالشاهد والنكول؛ لأنهما أقوى من الشاهد واليمين، وذلك أن الشاهد والنكول من الجهتين (3) بخلاف الشاهد واليمين فإنهما معًا من جهة المدعي فقط (4).

(المتن)

وَحَلَفَ عَبْدٌ وَسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدٍ، لا صَبِيٌّ وَأَبُوهُ، إِنْ أَنْفَقَ وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ، وَسُجِّلَ لِيَحْلِفَ، إِذَا بَلَغَ كَوَارِثِهِ قَبْلَهُ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلًا، فَفِي حَلِفِهِ قَوْلانِ. وَإِنْ نَكَلَ اكْتُفِيَ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الأُولَى. وَإنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلا ضَمَّ، وَفِي حَلِفِهِ مَعَهُ، وَتَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلانِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِمْ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ، وَإِلَّا فَحُبُسٌ.

(الشرح)

قوله: (وحَلَفَ عَبْدٌ، وسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدٍ) يريد: أن العبد والسفيه إذا أقام كل منهما شاهدًا (5) بحق فإنه يحلف الآن مع شاهده ويثبت الحق، ولا خلاف في ذلك بالنسبة إلى العبد، وهو المشهور في (6) السفيه وأخذ الباجي والمازري من رواية ابن حبيب عن مطرف عدم حلفه الآن فإنه قال: يحلف (7) المطلوب ويؤخر، فإذا رشد السفيه حلف مع شاهده (8).

(1) انظر: المدونة: 2/ 451.

(2)

في (ن 3)(يغرم)، وانظر: عقد الجواهر: 3/ 1052، والقوانين الفقهية: 1/ 199، والتوضيح: 1/ 703.

(3)

قوله: (أنه يقضي في الطلاق

والنكول من الجهتين) في (ن) و (ن 5): (وإنما قضوا هنا بالشهود والنكول؛ لأنهما من جهتين فقويا).

(4)

زاد بعد في (ن 4): (وتولى ذلك ابن الجلاب)، وانظر: التفريع لابن الجلاب: 1/ 52.

(5)

قوله: (أقام كل منهما شاهدًا) يقابله في (ن): (قام لكل واحد منهما شاهد).

(6)

في (ن): (وفي).

(7)

قوله: (فإنه قال: يحلف) يقابله في (ن): (فإن نكل حلف).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 407، والمنتقى للباجي: 7/ 186.

ص: 164

قوله: (لا صَبِيٌّ وَأبوهُ إن أَنْفَقَ) أي: فإنهما لا يحلفان مع شاهد الصبي، والمعروف أن الصبي لا يحلف الآن، وعن مالك أنه يحلف. ابن رشد: وهو غريب (1).

وفي حلف الأب قولان: أعني (2) إذا أقام الصبي شاهدًا (3) بحق، ورثه عن أمه أو غيرها (4) وقيد بعض الشيوخ حلفه بأن يكون أنفق على الصغير، وأن يكون الصغير فقيرًا لأنه إذا كان غنيًا فالنفقة عليه من مال نفسه فلا يمكن الأب من الحلف عنه (5)، لأنه يحلف ويستحق غيره من غير فائدة تحصل له، والمشهور من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أنه لا يحلف، وإن أنفق (6)، كما قال الشيخ (7) وفي كتاب المدنيين يحلف (8).

قوله: (وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ ليُتْرَكَ بِيَد) أي: إذا فرعنا على القول بأن الصبي لا يحلف كما قال؛ فإن المطلوب يحلف الآن ليترك الحق بيده (9) إلى بلوغ الصبي، وأخذ الباجي من قول مالك في الموازية أنه لا يحلف الآن بل يوقف الحق (10) حتى يبلغ فيحلف (11).

قوله: (وسُجِّلَ ليَحْلِفْ، إِذَا بَلَغَ كَوَارِثهِ) أي: فإذا حلف المطلوب، وترك ذلك بيده فإن الحاكم يكتب شهادة الشاهد ويسجلها للصبي صونًا لحقه وخوفًا من موت الشاهد، أو تغير حاله عن العدالة قبل بلوغ الصبي، ولو مات الصبي قبل بلوغه حلف وارثه الآن، واستحق كما أشار إليه بقوله:(كَوَارِثهِ قَبْلَهُ)(12).

(1) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 46، زاد في (ن):(قوله).

(2)

في (ن): (يعني).

(3)

قوله: (أقام الصبي شاهدًا) يقابله في (ن): (قام للصبي شاهد).

(4)

قوله: (ورثه عن أمه أو غيرها) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (عنه) ساقط من (ن).

(6)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 46.

(7)

في (ن): (هنا).

(8)

انظر: التوضيح: 7/ 560.

(9)

قوله: (أي: إذا فرعنا على القول بأن الصبي لا يحلف كما قال؛ فإن المطلوب يحلف الآن ليترك الحق بيده) زيادة من (ن).

(10)

قوله: (الحق) ساقط من (ن).

(11)

انظر: المنتقى: 7/ 187.

(12)

قوله: (بقوله: كَوَارثهِ قَبْلَهُ) ساقط من (ن) و (ن 5).

ص: 165

قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلًا، فَفِي حَلِفِهِ قَوْلانِ) أي: إلا أن يكون المطلوب قد (1) نكل عن اليمين أولًا، فهل يُمَكَّن من اليمين ثانية أم لا؟ قولان، وسيأتي بيان ذلك (2).

قوله: (وإنْ نَكَلَ اكْتُفِيَ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الأولى (3)) أي: وإن نكل الصبي عن اليمين بعد البلوغ أو نكل وارثه بعد موته، وقد كان المطلوب قد حلف أولًا فإنه يكتفي بتلك اليمين وهو المشهور، وقيل: لا بد من حلفه ثانيًا، وحكاه في البيان (4).

قوله: (وإنْ حَلَفَ المطْلُوبُ، ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلا ضَمَّ) يريد: أن من أقام شاهدًا على خصم بحق (5) ولم يحلف مع شاهده فردت اليمين على المطلوب بحلف (6) ثم أتى الطالب بشاهد آخر فإنه لا يضم إلى الأول لأن شهادته قد بطلت بنكول الطالب وحلف المطلوب، وعن مالك من رواية ابن الماجشون وابن عبد الحكم الضم، وبه قال أصبغ، نقله اللخمي (7) وصاحب البيان وغيرهما (8).

ثم أخذ يفرع على عدم الضم بقوله: (وفي حَلِفِهِ مَعَهُ، وتَحْلِيفِ الْمطْلُوبِ إِنْ لم يَحْلِفْ قَوْلانِ) أي: وفي حلف الطالب مع الشاهد الثاني قولان، قيل: له ذلك لأنه قد يظهر له الآن ما يقدم معه على اليمين، وقيل: ليس له ذلك لأنه قد ترك حقه أولًا، وهو قول ابن القاسم وابن كنانة (9)، فإذا قلنا بالأول فنكل الطالب عن اليمين ثانيًا، فهل يحلف المطلوب مرة ثانية لأن يمينه الآن واجبة أولًا (10)، لأن يمينه قد تقدمت فلا تعاد، وإليه

(1) قوله: (المطلوب قد) في (ن 5): (الوارث).

(2)

قوله: (وسيأتي بيان ذلك) في (ن 5): (انظر بيان ذلك في الكبير).

(3)

قوله: (لأولى) زيادة من (ن).

(4)

قوله: (وهو المشهور، وقيل: لا بد من حلفه ثانيًا، وحكاه في البيان) ساقط من (ن)، وانظر: البيان والتحصيل: 10/ 45.

(5)

قوله: (على خصم بحق) يقابله في (ن): (بحق على شخص).

(6)

قوله: (بحلف): في (ن): (فحلف).

(7)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:5509.

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 108.

(9)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 108.

(10)

قوله: (لأن يمينه الآن واجبة أولًا) ساقط من (ن).

ص: 166

ذهب ابن بشير (1)، لأنه لم يستفد بيمينه الأول سواء إسقاط الشاهد الأول وإليه ذهب ابن ميسرة (2) والقولان في كلامه راجعان إلى المسألتين معًا.

قوله: (وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنيهِ وعَقِبِهِمْ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ وإِلا فَحُبُسٌ) أشار إلى أن المستحقين تارة يتعذر اليمين على بعضهم دون بعض، وتارة يتعذر من جميعهم، فمثال الأول: أن يشهد شاهد واحد أن فلانًا قد وقف الدار الفلانية على أولاده، وعقبهم بطنًا بعد بطن فلا شك أن من لم يخلق من الأعقاب (3) يستحيل يمينه.

وقد اختلف في ذلك فذكر ابن المواز عن أصحابنا امتناع اليمين مع هذه الشهادة على الإطلاق، وروى عبد الملك أن الجل من (4) أهل هذه الصدقة إذا حلفوا ثبت جميعها على حسب إطلاق المحبس، وروى مطرف وابن وهب إذا حلف واحد منهم ثبت ذلك الحاضر والغائب (5)، ومن سيولد (6) بعد (7).

ومثال الثاني: أن يشهد الشاهد الواحد بأن فلانًا حبس الدار على الفقراء، أو تصدق عليهم بمال فلا شك أن اليمين من جميع الفقراء ممتنعة (8) متعذرة لاستحالتها عادة، ولا سبيل إلى تخصيص بعضهم باليمين، إذ لا يحلف إلا من يستحق الملك والقبض، وليس في الفقراء من صار إليه ذلك الآن (9)، ويمكن أن تصرف الصدقة عنه إلى غيره، فلا يتعين لأحد منهم استحقاق ملك ولا قبض، ولما امتنعت اليمين منهم انتقلت إلى

(1) قوله: (لأن يمينه قد تقدمت فلا تعاد، وإليه ذهب ابن بشير) كذا في (ن)، ووضع فوق هذه الجملة حرف (الخاء).

(2)

قوله: (لأنه لم يستفد بيمينه الأولى

ابن ميسرة) زيادة من (ن).

(3)

في (ن 4): (الأولاد).

(4)

قوله: (من) يقابله في (ن): (ممن هو).

(5)

قوله: (الحاضر والغائب) يقابله في (ن): (للغائب والحاضر).

(6)

قوله: (سيولد) في (ن 3): (لم يولد)، وفي (ن):(يولد).

(7)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1055.

(8)

قوله: (ممتنعة) ساقط من (ن).

(9)

قوله: (صار إليه ذلك الآن): في (ن): (يشار إليه إلا).

ص: 167

جانب المطلوب، فإن حلف برئ، وإن نكل صار المدعى فيه (1) حبسا (2)، فقوله: فإن حلف، عائد على المستحق في الفرع الأول، وعلى المطلوب في الفرع (3) الثاني.

قوله: (وإلا فَحُبُسٌ) عائد على الثاني، لكنه أبهم في الفرع الأول فلم يعط فيه جوابًا بينًا هل يصير ذلك بعد حلف البعض وقفًا كله أو إنما يصير منه وقفًا نصيب من حلف فقط، وهو ظاهر ما يأتي من كلامه.

(المتن)

فَإنْ مَاتَ فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الأَوَّلِينَ أَوِ الْبَطْنِ الثانِي تَرَدُّدٌ، أَوْ لَم يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي إِلَّا بِإشْهَادِهِ، كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا إِنْ غَابَ الأَصْلُ، وَهُوَ رَجُلٌ بِمَكَانٍ لا يَلْزَم الأَدَاءُ مِنْهُ، وَلا يَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلاثَةُ الأَيَّامِ، أَوْ مَاتَ، أَوْ مَرِضَ، وَلَم يَطْرَأ فِسْقٌ، أَوْ عَدَاوَةٌ، بِخِلافِ جِنٍّ. وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَصْلُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وإلَّا مَضَى بِلا غُرْمٍ، وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ اثْنَانِ لَيسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا، وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ، أَوْ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ وَلُفِّقَ نَقْلٌ بِأَصْلٍ،

(الشرح)

قوله: (فَإِنْ مَاتَ، فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيةِ الأَوَّلينَ أَوِ الْبَطْنِ الثَّانِي ترَدُّدٌ) أي: فإن مات الحالف وبقي ورثته (4) الناكلون فهل يستحقون نصيب الميت أو إنما يستحقه أهل البطن الثاني، لأن الباقي من إخوته قد نكلوا عن اليمين أولًا، ولا شيء لهم (5)، تردد الأشياخ في ذلك، فمنهم من يحكي في ذلك ثلاثة أقوال، فقيل: يستحقه من بقي من البطن الأول، وقيل: يستحقه أهل البطن الثاني، وقيل: إنما يستحقه من حلف أبوه فقط (6) دون من عداه. وجعله ابن شاس تخرجات لا نصوصًا (7)، وجعلها المازري احتمالات على قواعد (8)، انظر الكبير.

(1) قوله: (صار المدعى فيه) ساقط من (ن).

(2)

قوله: (صار المدعى فيه حبسا) في (ن 3) و (ن 5): (فذك حبس).

(3)

قوله: (الفرع) ساقط من (ن).

(4)

في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (إخوته).

(5)

قوله: (ولا شيء لهم) يقابله في (ن 4): (حيث وجبت عليهم).

(6)

قوله: (فقط) زيادة من (ن 4).

(7)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1056 و 1057.

(8)

انظر: التوضيح: 7/ 562.

ص: 168

قوله: (أو لَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، إِلا بِإِشْهَادِهِ) هكذا حكى في المفيد عن مطرف وأن الحاكم إذا قال: ثبت عندي لفلان كذا فلا يشهد بقوله ذلك إلا من أشهده عليه (1).

قوله: (كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَو رَآهَ يُؤَدِّيهَا) هذا تشبيه (2) راجع إلى قوله: (إِلا بِإِشْهَادِهِ) أي: إذا أشهده الحاكم (3) فإن له أن يشهد عليه، كما للشاهد أن يشهد على مثله، إذا قال له: اشهد على شهادته" (4)، أو رآه يؤدي شهادته عند القاضي فإن له أن يشهد على شهادته في الموضعين معًا (5)، وقال محمد: ليس له أن يشهد إذا رآه يؤديها (6)، وقاله أشهب وأصبغ. ابن يونس (7): وهو ظاهر المدونة، وقال ابن رشد: الأول أظهر، وهو قول مطرف، واختاره ابن حبيب (8)، واختلف إذا سمعه يشهد غيره على شهادته هل له أن يشهد بذلك أم لا، ولا خلاف أنه لا يشهد بذلك إذا سمعه يخبر أن فلانًا أشهده بكذا، ابن رشد (9): لما علم من تساهل الناس في الأخبار (10).

قوله: (إِنْ غَابَ الأَصْلُ وهو رجل بمكان لا يلزم الأداء منه، ولا يكفي في الحدود الثلاثة الأيام أو مات أو مرض) يريد أنه يشترط في شهادة النقل شروط (11): غيبة شاهد

(1) قوله: (ذلك إلا من أشهده عليه) يقابله في (ن): (حتى يشهد).

(2)

في (ن 4): (تنبيه).

(3)

قوله: (إذا أشهده الحاكم) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(4)

قوله: (عليه كما للشاهد أن

على سْهادته) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وكذلك قول الشاهد لمثله: اشهد على شهادتي).

(5)

قوله: (في الموضعين معًا) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(6)

انظر: لباب اللباب: 1/ 324، ولفظ لباب اللباب:(وقال محمد: لا يشهد وإن رآها يؤديها حتى يقول له: اشهد على شهادتي).

(7)

قوله: (وقاله أشهب وأصبغ. ابن يونس) يقابله في (ن 5): (وقال أشهب وأصبغ وابن يونس)، وفي (ن 3):(وقاله أشهب وأصبغ وابن يونس).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 384.

(9)

قوله: (ابن رشد) في (ن 3): (ابن شاس).

(10)

انظر: البيان والتحصيل: 9/ 440.

(11)

قوله: (شروط) ساقط من (ن).

ص: 169

الأصل أو موته أو مرضه مرضًا يشق معه الحضور. فـ (مات أو مرض)(1) معطوف (2) على (إن غاب)، وإنما اشترط ذلك في شهادة الأصل، لأن تأخيره مع قدرته على أداء شهادته ريبة فيها، وأما (3) المرأة فلا يشترط ذلك فيها، كما في الرجل، وإليه أشار بقوله (4):(وهُوَ رَجُلٌ) إذ يجوز النقل عنها مع حضووها (5)، لأنها مطلوبة بالستر، قال مطرف: ولم أر بالمدينة امرأة قد (6) أدت، ولكن تنقل عنها وتحمل عنها الشهادة (7).

واختلف في حد الغيبة المستحقة (8) للنقل، فقيل: هي انسافة التي لا يلزم الشاهد منها الأداء كما ذكر هنا، وحكى اللخمي وابن يونس عن ابن القاسم أنه لا يكفي في (9) الحدود الثلاثة الأيام، ويجوز ذلك في غير الحدود، وإليه أشار بقوله: لا يكفي في الحدود الثلاثة الأيام (10). وقال سحنون: إن كانت المسافة تقصر في مثلها الصلاة أو الستين

(1) قوله: (وهو رجل بمكان لا يلزم الأداء منه ولا يكفي في الحدود الثالثة الأيام أو مات أو مرض) يريد: أنه يشترط في شهادة النقل غيبة شاهد الأصل أو موته أو مرضه مرضًا يشق معه الحضور. فـ"مات أو مرض") يقابله في (ن 4): (أَوْ مَرِضَ أو مات يعني: أنه إذا غاب أو رحل إلى مكان لا يلزمه الأداء منه، فإن النقل جائز في شهادته، ولا يكفي في الحدود الثالثة الأيام وكذلك يجوز النقل عن شهادة الأصل لمرض ذلك الأصل بمرض يشق معه الحضور وأحرى إن مات. قوله: "أَوْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ").

(2)

في (ن): (معطوفان).

(3)

قوله: (وأما): في (ن): (إلا في).

(4)

قوله: (وإليه أشار بقوله) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (ولذلك قال)، وقوله:(كما في الرجل) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (مع حضورها) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (بحضورها).

(6)

في (ن): (قط).

(7)

قوله: (تنقل عنها وتحمل عنها الشهادة) يقابله في (ن): (تحمل عنها). وزاد بعدها في (ن 4) قوله: (قوله: (بِمَكَانٍ، لا يَلْزَمُ الأَدَاءُ مِنهُ")، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 402.

(8)

في (ن): (المبيحة).

(9)

في (ن): (و).

(10)

قوله: (بقوله: لا يكفي في الحدود الثلاثة الأيام) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (بما ذكر هنا، حكى اللخمي وابن يونس عن ابن القاسم أنه لا يكفي في الحدود الثلاثة الأيام)، ووضع حرف الخاء على هذه الجملة في (ن).

ص: 170

ميلًا كتب القاضي إلى رجل تشهد عنده البينة، ولم يفرق بين المال والحد (1).

قوله: (ولم يطرأ فِسْقٌ، أَوْ عَدَاوَةٌ، بِخِلافِ جِنٍّ) يريد: أنه يشترط في شهادة النقل أن يكون شاهد الأصل باقيًا على الحالة التي تجوز معها الشهادة، فلو طرأ فسق أو حدثت بينلا وبين المشهود عليه عداوة قبل أداء الشهادة عنه فإنها (2) لا تجوز للفرع حينئذ قبل (3) أن يؤديها، لأن المعتبر حال الشاهد وقت الأداء.

وذكر المازري أن بعضهم أشار إلى التفرقة بين الفسق الخفي كالزنى وشرب الخمر، فيقدح بخلاف الظاهر كالقتل، فلا يقدح وإن جن الأصل والفرع بعد النقل فإنه لا يضر لأنه كالمرض (4).

قوله: (ولم يُكَذِّبْهُ أَصْلُهُ قَبْلَ الحُكْمِ) أي: ومن شرط جواز شهادة النقل ألا يكذب شاهد الأصل من نقل عنه قبل الحكم وهو متفق عليه، لأن ذلك كرجوعهم قبل الحكم.

قوله: (وإلا مضى بلا غُرْمٍ) أي: فإن كذبه بعد الحكم بالشهادة مضى ذلك ولا غرم (5) يلزم المشهود؛ لأن الحكم عن اجتهاده، ولا قطع بكذب الشهود فلا نقض وهو قول ابن القاسم (6)، ومطرف، ولمالك: إن الحكم ينقض لأنه يصير مستندًا إلى غير شهادة (7)، واستقرأ اللخمي من قول محمد أن الحكم يمضي ويغرم شهود الأصل موجبه.

قوله: (وَنَقَلَ عَنْ كلٍّ اثْنَانِ لَيسَ أحَدُهُمَا أصْلًا) يعني: أنه يكفي في صحة النقل،

(1) انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5450 و 5451.

(2)

في (ن): (فإنه).

(3)

قوله: (قبل) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (فيقدح بخلاف الظاهر كالقتل، فلا يقدح وإن جن الأصل والفرع بعد النقل فإنه لا يضر لأنه كالمرض) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وغيره كالقتل وإن جن شاهد الأصل لم يمنع الفرع من النقل كما أشار إليه لأن الجنون غير قادح كالمرض)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 342، وانظر: التوضيح: 7/ 564.

(5)

في (ن): (غرام).

(6)

انظر: الوثائق: 2/ 210.

(7)

انظر: التوضيح: 7/ 569.

ص: 171

يريد: فيما عدا الزنى أن يكون الناقلان اثنين يشهد كل واحد منهما على كل واحد من شاهدي الأصل بشرط ألا يكون أحدهما شاهدًا في الأصل، وإلا فيصير الحق كأنه ثبت بشاهد واحد، وهو المعروف (1)، وبه قال محمد، وقال عبد الملك: لا يكفي (2) في النقل أقل من أربعة، يشهد على كل واحد من شهود (3) الأصل اثنان (4).

قوله: (وفي الزِّنَا أرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ، أوْ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ) أي: وأما النقل في الزنا فإنه يحتاط فيه أيضًا في الفرع كما يحتاط (5) في الأصل، وذكر أنه لا يكفي في ذلك إلا أربعة، يشهد كل منهم على الأصول الأربعة، أو يشهد على كل اثنين اثنان، فلهذا الشرط (6) لو شهد ثلاثة على ثلاثة، أو واحد على أربعة لم يتم الحكم؛ لكون الرابع لم يشهد على شهادته اثنان، وهذا هو المشهور. وقال مطرف (7): فلا بد من ستة عشر، ينقل عن كل واحد أربعة غير الأربعة الذين نقلوا عن غيره. وقال عبد الملك: إن شهد أربعة على كل واحد من الأربعة جاز، فإن تفرقوا فثمانية، عن كل واحد اثنان. حكاه ابن شاس (8)، وحكى غيره عنه (9): أنه يعتبر ثمانية من غير تفصيل (10). وعن مالك: أنه يكفي في ذلك اثنان كغير الزنا (11).

قوله: (ولُفِّقَ نَقْلٌ بِأصْلٍ) هكذا حكى في الجواهر عن محمد فقال: إن شهد اثنان على رؤية الزنى، ونقل اثنان عن اثنين جازت الشهادة (12).

(1) في (ن 3) و (ن 5): (المشهور).

(2)

في (ن 4): (يقبل).

(3)

قوله: (على كل واحد من شهود) في (ن 4): (كل واحد من شاهدي).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 386.

(5)

في (ن): (احتيط).

(6)

قوله: (الشرط) زيادة من (ن 4).

(7)

قوله: (وقال مطرف) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وقيل).

(8)

قوله: (ابن شاس) في (ن): (ابن يونس). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 386، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1058.

(9)

قوله: (غيره عنه) في (ن 4): (عنه غيره).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 386، والتوضيح: 7/ 568.

(11)

انظر: التوضيح: 7/ 568.

(12)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1058.

ص: 172

(المتن)

وَجَازَت تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلَهُ، وَنَقْلُ امْرَأَتَينِ مَعَ رَجُلٍ فِي بَابِ شَهَادَتِهِنَّ، وإنْ قَالا: وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا، وَنُقِضَ إِنْ ثَبَتَ كَذِبُهُنم كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ أَوْجَبِه قَبْلَ الزِّنَا، لا رُجُوعُهُمْ، وَغَرِمَا مَالًا وَدِيَةً وَلَوْ تَعَمَّدَا، وَلا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الإحْصَانِ فِي الْغُرْمِ، كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي، وَأُدِّبَا فِي كَقَذْفٍ، وَحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقًا، كَرُجُوعِ أَحَدِ الأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَبَعْدَهُ حُدَّ الرّاجِعُ فَقَطْ، وإنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ، فَلا غُرْمَ، وَلا حَدَّ، إِلَّا أَنْ يتبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الأَرْبَعَةِ عَبْدٌ، فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ وَغَرِمَا فَقَطْ رُبُعَ الدِّيَةِ، ثُمَّ إِنْ رَجَعَ ثَالِثٌ، حُدَّ هُوَ وَالسَّابِقَانِ، وَغَرِمُوا رُبُعَ الدِّيَةِ،

(الشرح)

قوله: (وجَازَت تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلَهُ) ابن شاس: وليس على شهود الفرع تزكية شهود الأصل؛ لكن إن زكوهم ثبتت عدالتهم وشهادتهم بقولهم، وليس عليهم أن يشهدوا على صدق شهود (1) الأصل (2).

قوله: (ونَقْلُ امرَأَتينِ مَعَ رَجُلٍ في بَاب شَهَادَتِهِنَّ) أي: وجاز نقل امرأتين مع رجل فيما تجوز فيه شهادة النساء وهو المال، أوَ ما يؤول إليه، وقال أشهب وعبد الملك: لا يجوز نقلهن الشهادة، لا في المال ولا في غيره؛ إذ النقل لا يجوز فيه الشاهد (3) واليمين، وشهادتهن لا تجوز إلا حيث يجوز الشاهد (4) واليمين (5).

قوله: (وإن قَالا وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطتَا) شرع رحمه الله في رجوع الشهود عن الشهادة، وقد علمت أن لذلك ثلاث صور: تارة قبل الحكم، وتارة بعده وقبل الاستيفاء، وتارة بعدهما. ورجوعهم تارة عن (6) المشهود عليه، وتارة عن (7) المشهود به. وهذا الذي ذكره في هذا الفرع (8) رجوع عن المشهود عليه، والمعنى: أن الشاهدين إذا شهدا بشيء

(1) قوله: (شهود) ساقط من (ن 4).

(2)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1058.

(3)

في (ن) و (ن 5): (الشهادة).

(4)

قوله: (لا تجوز إلا حيث يجوز الشاهد) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (إنما تجوز حيث يحكم بالشاهد).

(5)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1059.

(6)

في (ن 4): (على).

(7)

في (ن) و (ن 4): (عن).

(8)

زاد في (ن 3): (لأنه).

ص: 173

على شخص عند الحاكم ثم قالا قبل الاستيفاء: وهمنا في شهادتنا على هذا؛ بل الحق على هذا. ألغي الأول (1)، فقال ابن القاسم وأشهب: لا تقبل شهادتهما على واحد منهما (2). وهو معنى السقوط هنا، وقال أشهب: لأنهما أخرجا أنفسهما من العدالة بإقرارهما أنهما شهدا على الشك والوهم (3).

قوله: (وَنُقِضَ، إِن ثبتَ كَذِبُهُمْ كحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ، أَوجبه قَبْلَ الزنَا) هذه المسألة ليست من الرجوع عن الشهادة، وإنما ذكرها هنا لتعلق الغرا مة بالشاهدين، ومعناها: أن الحكم المستند إلى شهادة شهود ينقض (4) إذا ثبت كذبهم؛ لظهور فسقهم؛ وذلك مثل: أن يشهدوا (5) أن فلانًا قتل زيدًا مثلا، فاقتص منه، ثم قدم زيد حيًّا، أو شهدا على شخص بالزنى فرجم، ثم وجد (6) مجبوبًا قبل الزنا (7).

قوله: (لا رُجُوعُهُمْ) أي: فإن الحكم معه لا ينقض، وذلك متفق عليه.

قوله: (وغَرِمَا مَالًا ودِيَةً) أي: وإن أتلفا مالًا بشهادتهما غرماه، وإن أتلفا ما فيه الدية غرما الدية، قال في المدونة في شهود الزنا: إذا رجم (8) المشهود عليه، ثم ظهر أنه مجبوب، وتبين (9) كذبهم؛ أنهم يغرمون الدية في أموالهم (10). وروى (11) أشهب: أن الدية على عاقلة (12) الإمام (13)

(1) قوله: (في شهادتنا على هذا، بل الحق على هذا ألغي الأول) في (ن 5): (بل الحق غير هذا غير الأول)، وفي (ن 3):(بل الحق غير هذا ألغي الأول)، وفي (ن):(بل الحق على هذا لغير الأول).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 438، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1059.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 439.

(4)

قوله: (شهود ينقض) في (ن 4): (زور، وينقض)

(5)

في (ن): (يشهدا).

(6)

قوله: (وجد) يقابله في (ن): (ثبت أنه كان).

(7)

قوله: (قبل الزنا) زيادة من (ن) و (ن 4).

(8)

قوله: (في شهود الزنا: إذا رجم) في (ن 4): (وإن شهدوا بالزنا ورجم).

(9)

قوله: (وتبين) في (ن): (وثبت).

(10)

انظر: المدونة: 4/ 507، وتهذيب المدونة: 4/ 405 و 406.

(11)

في (ن) و (ن 5): (ورأى).

(12)

قوله: (عاقلة) في (ن): (قلة).

(13)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 527، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1063.

ص: 174

وبه قال ابن عبد الحكم (1). فإن قالا بعد الاستيفاء: غلطنا. فقال ابن القاسم، وأشهب، ومطرف، وأصبغ، وهو ظاهر المدونة: يغرمان الدية (2)؛ لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء (3). وقال عبد الملك: لا غرامة عليهما (4). وبه قال المغيرة، وابن دينار، وابن أبي حازم (5). ولأصبغ قول ثالث: أن الدية على عاقلتهما، وإن ثبت عمدهما (6). فقال ابن القاسم: عليهما الدية. وإليه أشار بقوله: (ولَوْ تَعَمَّدَا) وقال أشهب: عليهما القصاص إن قتل، وهو الأقرب؛ لأنهما أتلفا (7) نفسًا بغير شبهة، والقاضي والوالي معذوران (8).

قوله: (وَلا يُشَارِكهُم (9) شَاهِدَا الإحْصَانِ في الْغُرْمِ) يريد: أن شهود الزنى الأربعة إذا رجعوا هم وشاهدا الإحصان بعد الرجم (10) فإن الغرامة تختص بهم، ولا يشاركهم فيها (11) شاهد الإحصان؛ لأنهما لم يصفا للزنا عينًا (12)، وقاله ابن القاسم، واختاره أصبغ وسحنون (13)، وقال أشهب: يشاركونهم في ذلك (14)، فيكون على شاهدي الإحصان الثلث. وبه قال عبد الملك (15)،

(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1063.

(2)

قوله: (الدية) ساقط من (ن).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 437، والمدونة: 4/ 540، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1059، والتوضيح: 7/ 573.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 436، والتوضيح: 7/ 573.

(5)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 8، والتوضيح: 7/ 573.

(6)

انظر: البيان والتحصيل: 10/ 8.

(7)

في (ن): (قتلا).

(8)

انظر: التوضيح: 7/ 573.

(9)

في (ن 4): (ولا يشاركهما).

(10)

قوله: (بعد الرجم) ساقط من (ن).

(11)

في (ن 4): (فيهم).

(12)

قوله: (يصفا للزنا عينًا) في (ن 4): (يضيفا للزاني عيبًا).

(13)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 530، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1061.

(14)

قوله: (يشاركونهم في ذلك) في (ن 4): (يشتركون فيها كلهم)، وفي (ن):(يشركون فيها).

(15)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1061.

ص: 175

وقال محمد: يكون عليهما النصف (1). ورجح بعضهم قول ابن القاسم بأن (2) عبد الملك قال: إن رجوع المزكين عن تزكية مَن زُكي في حق لا يوجب عليهما الغرامة (3). وقاله سحنون، واحتج: بأن الحق إنما ثبت بغير المزكين، ولو شاء (4) الشاهدان بالحق لم يشهدا (5). وكأن الشيخ رحمه الله أشار هنا أيضًا (6) إلى ترجيحه بالمسألة المذكورة، ولهذا ذيّل (7) بها مسألة الأصل، فقال:(كَرُجُوعِ الْمُزكِّي).

قوله: (وأُدِّبا في كَقَذْفٍ) أي: فإن رجعا في شهادة القذف أو الشتم ونحوهما؛ فإنما عليهما الأدب لا غير، ولا خلاف فيه.

قوله: (وحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقًا) أي: سواء رجعوا قبل الحكم أو بعده، أي: وقبل الاستيفاء أو بعده.

قوله: (كَرُجُوعِ أَحَدِ الأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحكْمِ) أي: فإن الجميع يحدون حد القذف؛ لأن الشهادة لم تكمل، ولم أرَ فيه خلافًا.

قوله: (وبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجعُ) مطلقًا أي: وبعد الحكم حد الراجع (فَقَطْ)(8)، أي: دون الثلاثة الباقين، وهو المشهور، وبه قال في المدونة (9)، وقيل: يحدون كلهم (10).

قوله: (وإنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ، فَلا غُرْمَ، ولا حَدَّ) أي: إذا شهد بالزنا ستة، فرجع منهم اثنان؛ فإنهما لا يحدان، ولا غرامة عليهما؛ لأنهما كقاذفين، شهد لهما أربعة أن

(1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 530.

(2)

في (ن): (فإن).

(3)

قوله: (تزكية مَن زكي في حق لا يوجب عليهما الغرامة) في (ن 4): (عن التزكية لا يوجب غرمًا عليهما في الحق الذي زكيت الشهود فيه).

(4)

في (ن): (شهد).

(5)

قوله: (الشاهدان بالحق لم يشهدا) في (ن 4): (الشاهدون لم يشهدوا)، وفي (ن):(الشاهدان بالحق لم يشهدوا). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 484.

(6)

قوله: (أشار هنا أيضًا) في (ن 4): (قصد) و (ن): (قصد الإشارة).

(7)

في (ن 3): (أدخل).

(8)

قوله: (وبعد الحكم حد الراجع فقط) ساقط من (ن).

(9)

في (ن 4): (الموازية).

(10)

انظر: المدونة: 4/ 506.

ص: 176

المقذوف زنى، وهو أحد قولي ابن القاسم، وله قول آخر: إنهما يحدان؛ نظرًا إلى أنهما يعترفان بالقذف (1). المازري: لأنهما مقران أنهما قذفاه بالزنى، وأن من شهد معهما قد كذب في شهادته؛ ولذلك لو (2) قالا: لا نعتقد كذب من شهد معنا؛ بل الغالب صدقهم بعد التهمة (3) عندنا. لم يحدا.

قوله: (إِلا أَنْ يَتبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ والْعَبْدُ، وغَرِمَا فَقَطْ ربع الدية) هكذا قال في الموازية (4)، وعلله: بكون (5) الحد قد أقيم بأربعة، بطل أحدهم لكونه عبدًا، ولا غرامة على العبد؛ لأنه لم يرجع عن شهادته؛ ولكن عليه الحد؛ لأن الشهادة لم تتم، ولا يلزم الثلاثة الباقين حد ولا غرامة.

قوله: (ثم إن رجع ثالث: حد هو والسابقان وغرموا ربع الدية) أي: فإن رجع من الأربعة الباقين ثالث مع الاثنين الذَين رجعا أولًا فإنه يحد هو (6) والسابقان، ويلزم الثلاثة ربع الدية لتكون بينهما أثلاثًا. قال في الموازية: وسواء رجعوا مجتمعين أو مفترقين (7). ابن رشد: فلو رجع ثالث لزمه غرم ربع الدية، يدخل معه فيه من سبقه بالرجوع، قلوا أو كثروا؛ مع الحد على كل واحد منهم؛ سواء رجعوا معًا أو مفترقين (8).

(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1060، والذخيرة: 10/ 301.

(2)

قوله: (المازري: لأنهما مقران أنهما قذفاه بالزنى، وأن من شهد معهما قد كذب في شهادته، ولذلك لو) في (ن 3) و (ن 5): (مقران أن من شهد معهما شهد بزور، المازري: والتحقيق أن يكشفا فإن قالا أنهما كذبا وكذب من شهد معهما حد، وإن)، وفي (ن):(مقران أن من شهد معهما شهد بزور، قال الإمام أبو عبد الله المازري: والتحقيق أن يكشف الراجعان فإن قالا إنما كذبنا وكذب من شهد معنا حد، وإن).

(3)

قوله: (بعد التهمة) في (ن): العدم التهم).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 534.

(5)

في (ن): (بأن).

(6)

قوله: (هو) ساقط من (ن).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 530.

(8)

قوله: (ابن رشد: فلو رجع ثالث لزمه غرم ربع الدية، يدخل معه فيه من سبقه بالرجوع قلوا أو كثروا مع الحد على كل واحد منهم سواء رجعوا معا أو مفترقين) زيادة من (ن 4)، قوله:(أي: فإن رجع من الأربعة الباقين ثالث مع الاثنين الذَينِ رجعا أولًا فإنه يحد هو والسابقان ويلزم الثلاثة ربع الدية لتكون بينهما أثلاثًا. قال في الموازية: وسواء رجعوا مجتمعين أو مفترقين، ابن رشد) في (ن): (ابن شاس).

ص: 177

(المتن)

وَرَابعٌ: فَنِصْفُهَا، وَإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ بَعْدَ فَقْءِ عَينِهِ، وَخَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَةٍ، وَرَابِعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَلَى الثَّانِي خُمُسُ الْمُوضِحَةِ مَعَ سُدُسِ الْعَيْنِ كَالأَوَّلِ، وَعَلَى الثالِثِ رُبُعُ دِيةِ النَّفْسِ فَقَطْ، وَمُكِّنَ مُدَّع رُجُوعًا مِنْ بيَّنةٍ كَيَمِينٍ، إِنْ أَتَى بِلَطْخٍ، وَلا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمَا عَنِ الرُّجُوعِ. وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهِمْ، وَحَكَمَ فَالْقِصَاصُ، وَإِنْ رَجَعَا عَنْ طَلاقٍ فَلا غُرْمَ، كَعَفْوِ الْقِصَاصِ إِنْ دَخَلَ، وَإِلَّا فَنِصْفهُ كَرُجُوعِهِمَا عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ،

(الشرح)

قوله: (ورَابِعٌ فَنِصْفُهَا) أي: فإن رجع أيضًا رابع فإنه يغرم (1) مع الثلاثة الذين رجعوا قبله (2) نصف الدية، تكون عليهم بالسوية، فإن رجع خامس حد أيضًا، ولزمه هو وكل من رجع قبله ثلاثة أرباع الدية، وإن رجع سادس فالدية تكون عليهم أسداسًا، وحدوا كلهم.

قوله: (وإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ بَعْدَ فَقْء عَيْنهِ، وخَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَةٍ، ورَابعٌ بَعْدَ (3) مَوْتهِ فَعَلَى الثَّانِي خُمُسُ الْمُوضِحَةِ مَعَ سُدُسِ الْعَيْنِ كَالأَوَّلِ، وعَلَى الثَّالِثِ رُبُعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ) يريد: أن شهود الزنى إذا كانوا ستة، والزاني محصن، فأمر القاضي برجمه، ففقئت عينه في أثناء الرجم، فرجع أحدهم، ثم شج موضحة، فرجع ثان، ثم مات، فرجع ثالث؛ فإن الثاني يغرم خمس الموضحة مع سدس الدية الواجبة في العين.

قوله: (كَالأَوَّلِ) أي: فإن عليه سدس دية العين فقط؛ لأنها فقئت بشهادة ستة هو أحدهم، وكذلك على الأول سدسها، وليس عليه من الموضحة شيء؛ لأنه رجع قبل حصولها، وإنما كان على الثاني خمس الموضحة لأنها حصلت بشهادة خمسة هو أحدهم، فكان عليه خمسها، وكان على الثالث ربع الدية فقط؛ لأن النفس ذهبت بشهادة أربعة هو أحدهم، فكان عليه ربعها (4)، ولا شيء عليه في عين ولا في موضحة؛ لاندراجهما تحت النفس، وإليه أشار بقوله:(وعلى الثالث ربع دية النفس فقط (5)). ابن المواز:

(1) قوله: (يغرم) في (ن 4): (يحد ويغرم).

(2)

قوله: (قبله) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (مُوضِحَةٍ، ورَابعٌ بَعْدَ) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (فكان عليه ربعها) ساقط من (ن) و (ن 4).

(5)

قوله: (وإليه أشار بقوله وعلى الثالث ربع دية النفس فقط) زيادة من (ن).

ص: 178

وهو الأصح. وقيل: عليه أيضًا سدس دية العين وخمس الموضحة، ولو لم يرجع هذا الثالث لم يكن على من تقدمه شيء برجوعهم؛ لبقاء أربعة يشهدون بالزنى (1).

قوله: (ومُكِّنَ مُدَّعٍ رُجُوعًا مِنْ بَيِّنةِ كَيَمِينٍ إِنْ أَتَى بِلَطْخٍ) يريد: أن المشهود عليه إذا ادعى أن الشاهدين رجعا عن شهادتهما، وطلب إقامة البينة على ذلك، فإنه يمكن، فإن أقر له بذلك غرما ما أتلفا بشهادتهما (2)، وكذلك يمكن من طلب يمينهما (3) أنهما لم يرجعا، وقاله ابن القاسم، وعبد الملك، وابن المواز، وسحنون؛ بشرط: أن يأتي بلطخ -كما قال هنا-، وأما إن لم يأت بلطخ فلا، قال (4): فإذا توجهت عليهما اليمين فحلفا فلا غرامة عليهما؛ وإلا حلف المدعي، وأغرمهما ما أتلفا عليه بشهادتهما، وإن نكل فلا شيء له عليهما. وقال محمد بن عبد الحكم: لا تسمع هذه الدعوى من غير بينة؛ إذ لو كانت كسائر الدعاوى لما احتيج فيها إلى لطخ (5).

قوله: (ولا يُقبَلُ رُجُوعُهُما عَنِ الرُّجُوع) أي: إذا شهد بشيء، ثم رجعا عنه، ثم رجعا عن رجوعهما وقالا: إن الشهادة الأولى صحيحة. لم يقبل منهما ذلك، وقُضِي عليهما بما يقضى به على الراجع المتمادي على رجوعه، وهو قول ابن القاسم، وابن عبد الحكم، وابن الماجشون، وأصبغ (6).

قوله: (وإن عَلِمَ الحاكم بِكذِبِهِمْ، وحَكَمَ فَالْقِصَاصُ) هذا ظاهر في كون القاضي يقتص منه؛ لأنه علم بكذب الشهود، وحكم بتعمد الجور (7)، وقاله في المدونة في كتاب الرجم (8)، وفي الجواهر ما ظاهره خلاف لذلك، فإنه قال: ولو علم القاضي بكذب الشهود، وحكم وأراق الدم؛ لكان حكمه حكمهم؛ إذ لم يباشر القتل بنفسه؛ بل أمر به

(1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 529.

(2)

قوله: (وطلب إقامة البينة على ذلك،

بشهادتهما) ساقط من (ن 3).

(3)

قوله: (من طلب يمينهما) في (ن 3) و (ن 5): (إن طلب بيمينهما)، وفي (ن):(إن طلب يمينهما).

(4)

قوله: (قال) زيادة من (ن).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 441، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1062، والتوضيح: 7/ 580 و 581.

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 442، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1062.

(7)

قوله: (بتعمد الجور) في (ن 4): (متعمد الجور)، وفي (ن):(متعمدًا للجور).

(8)

انظر: المدونة: 4/ 519.

ص: 179

غيره ممن تلزمه (1) طاعته (2).

قوله: (وإن رَجَعَا عَنْ طَلاقٍ فَلا غُرْمَ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ إِنْ دَخَلَ، وإِلا فَنِصْفُهُ) يريد: أن الشاهدين إذا رجعا عن الشهادة بالطلاق بعد القضاء فلا غرم (3) عليهما إن كان الزوج قد دخل بها؛ لأن الصداق قد وجب بأول وطئه، فلم يفوتا عليه شيئًا غير الاستمتاع، وهو لا قيمة له، كما إذا شهدا على مستحق القصاص أنه عفا عن القاتل، ثم رجعا فإنهما لا يغرمان شيئا؛ لأنهما إنما فوتا عليه استحقاق دم، ولا قيمة له، ونحوه لسحنون (4)، وزاد: ويجلد القاتل مائة، ويحبس سنة، ويؤدب الشاهدان، وقال ابن عبد الحكم (5): لا غرم عليهما بحال (6). وقال ابن القاسم: يغرمان نصف الصداق (7). أشهب: إذا شهدا عليه بالطلاق قبل البناء فلا غرم عليهما (8) بحال (9).

قوله: (كَرُجُوعِهِما عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ) يريد: أنهما إذا شهدا على رجل أنه دخل بزوجته (10) مع إقراره بالطلاق، وإنكاره الدخول، ثم رجعا عن شهادتهما؛ فإنهما

(1) في (ن 4): (يلي).

(2)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1059 و 1060.

(3)

في (ن): (غرامة).

(4)

قوله: (ونحوه لسحنون) في (ن 4): (وقاله سحنون).

(5)

زاد بعدها في (ن 5): قوله: (يغرم الشاهدان الدية لأنه كان له في أحد قولي ما لمالك أن يقتل أو يأخذ الدية وهو قول أشهب وإن كانت المرأة غير مدخول بها ورجعا عن طلاقٍ شهدا به فإنهما يغرمان ما أتلفا على الزوج وهو نصف الصداق. وقال ابن عبد الحكم)، وفي (ن):(يغرم الشاهدان الدية وإن كان الزوج لم يدخل بالزوجة غرما نصف الصداق وهو الذي فوتاه عليه، وقال أشهب وابن عبد الحكم).

(6)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1064.

(7)

انظر: المدونة: 4/ 540، وعقد الجواهر الثمينة: 3/ 1064، وجامع الأمهات، ص:709.

(8)

قوله: (وقال ابن القاسم: يغرمان نصف الصداق أشهب إذا شهدا عليه بالطلاق قبل البناء فلا غرم عليما) ساقط من (ن 5)، وفي (ن 3):(وقوله: "وإلا فبنصفه" يعني وإن لم يدخل الزوج بالزوجة فيغرم الشاهدان نصف الصداق).

(9)

قوله: (بحال) زيادة من (ن). وانظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1064، وجامع الأمهات، ص:709.

(10)

في (ن) و (ن 5): (بزوجة عنده).

ص: 180

يغرمان نصف الصداق، لأنهما قد أتلفاه بشهادتهما (1)، وقاله ابن القاسم (2)، وإن رجع أحدهما فربعه (3).

(المتن)

وَاخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ بِدُخُولٍ عَنِ الطَّلاقِ، وَرَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ إِنْ أَنْكَرَ الصداق، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إِرْثٍ، دُونَ مَا غَرِمَ وَرَجَعَتْ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إِرْثٍ وَصَدَاقٍ، وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلاقِ أَمَةٍ غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ بِزَوْجِيَّتِهَا وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ لَمْ تَطِبْ، أَوْ بآبِقٍ فَالْقِيمَةُ حِينئِذٍ كَالإتْلافِ بِلا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينئِذٍ عَلَى الأحْسَنِ.

(الشرح)

قوله: (واخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ بِدُخُولٍ عَنِ الطلاقِ) أي: اختص الشاهدان الراجعان عن شهادة الدخول بالغرامة عن شاهدي الطلاق، والمعنى: أنه إذا شهد الشاهدان على رجل بطلاق زوجته، وشهد آخران (4) بأنه دخل بها، فقضي لها بجميع الصداق، ثم رجع الأربعة، فلا غرم (5) على شاهدي الطلاق؛ وإنما يغرم شاهدا الدخول (6)، وعلى هذا أكثر أهل المذهب، وذهب بعض الرواة إلى أن الجميع يشتركون في غرم (7) الصداق.

قوله: (ورَجَعَ شَاهِدَا الدُّخولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزوْجَةِ إِن أَنكرَ الصداق (8)) يريد: أن المسألة كانت (9) بحالها؛ إلا أن الزوجة ماتت قبل الدخول، فإن شاهدي الدخول يرجعان على الزوج بما غرماه؛ لكونه منكرًا لشهادتهما، ومقرًّا بوجوب جميع الصداق؛

(1) قوله: (أتلفاه بشهادتهما) يقابله في (ن) و (ن 5): (أتلفا عليه نصف الصداق).

(2)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1064.

(3)

قوله: (وإن رجع أحدهما فربعه) زيادة من (ن 4).

(4)

في (ن 4): (آخرون).

(5)

في (ن)(غرامة).

(6)

قوله: (وإنما يغرم شاهدا الدخول) ساقط من (ن).

(7)

في (ن)(غرامة).

(8)

قوله: (الصداق) في (ن) والمطبوع من مختصر خليل (الطلاق).

(9)

قوله: (يريد: أن المسألة كانت) في (ن): (أي: فإن كانت المسألة).

ص: 181

لكون الزوجة ماتت في عصمته، وهو منكر لطلاقها (1).

قوله: (وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِما بِما فَوَّتَاهُ مِنْ إرث (2) دون ما غرم ورجعت عليهما بما فوتاها من إرث وصداق) والضمير المستتر راجع إلى شاهدي الطلاق، أي: إذا شهدا بالطلاق، ثم رجعا فماتت الزوجة؛ فإن الزوج يرجع عليهما بما فوتاه من ميراثها؛ لأنها لو ماتت في عصمته ورثها، ولا يرجع عليهما بشيء مما غرمه من الصداق؛ لاعترافه أن الصداق يكمل في الموت، فلو كان الزوج هو الذي مات رجعت الزوجة عليهما بما فوتاها من ميراث وصداق؛ لأنهما فوتاها نصف الصداق (3)، وهذا إذا كان الزوجان منكرين للطلاق، والزوجة غير مدخول بها.

قوله: (وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلاقِ أَمَةٍ غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ بزوجيتها) يريد: أن من كانت له أمة متزوجة، فشهد شاهدان بطلاقها، ففرق القاضي بينهما، ثم قام (4) شاهدان آخران فشهدا بغلط الشاهدين الأولين، أو بأنهما قد كذبا في شهادتهما (5) تلك؛ لكونهما غائبين عن البلد، أو غيره من الوجوه، أو بأنهما قد غلطا في شهادتهما (6)، فقضى القاضي ببقاء الأمة في العصمة لما تقدم (7)، ثم رجعا عن شهادتهما تلك (8)، فقد علمت أن شهادتهما قد أعابت هذه الأمة بأن ألزمتها عصمة النكاح، فالسيد يرجع عليهما بقيمة ذلك العيب.

قوله: (بتزويجها) أي: بسبب ردها (9) زوجة والباء سببية، وهذا الحكم (10) ظاهر إن كان السيد مدعيًا للطلاق أو كان غير مكذب لشهوده، وأما إن كذبهم فلا يرجع على

(1) قوله: (قوله: ورَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلى الزَّوْجِ

وهو منكر لطلاقها) ساقط من (ن 5).

(2)

في (ن 4): (ميراثه).

(3)

قوله: (نصف الصداق) في (ن): (نصفه).

(4)

في (ن 4): (أقام).

(5)

قوله: (في شهادتهما) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (أو بأنهما قد غلطا في شهادتهما) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (لما تقدم) ساقط من (ن).

(8)

قوله: (تلك) ساقط من (ن).

(9)

قوله: (بسبب ردها) يقابله في (ن): (بردها).

(10)

قوله: (وهذا الحكم) في (ن): (وهو).

ص: 182

شاهدي التزويج (1) أو التغليظ (2) بشيء لموافقته إياهم (3) فيما شهدا به. قوله: (ولو كان بخلع بثمرة لم تطب أو بآبق فالقيمة حينئذٍ كالإتلاف) هذا قول عبد الملك (4).

قوله: (بِلا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فيغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الأَحْسَنِ) ومقابله (5) هو قول ابن المواز (6)، ونص المسألة من أولها (7) في الجواهر: وإذا شهدا على امرأة أنها اختلعت من زوجها بمال، وهي تنكر ذلك وتذكر أنه طلقها من غير عوض فإذا غرمت (8) بشهادتهما، ثم رجعا عن شهادتهما تلك فإنهما يغرمان (9) لها ما غرمت للزوج، ثم قال: ولو كان الخلع المشهود به على ثمرة لم تطب (10) فقضي بذلك للزوج ثم رجعا، فقال عبد الملك: عليهما قيمة الثمرة، على الرجاء والخوف كمن أتلف الثمرة قبل زهوها، وقال محمد: لا ترجع عليهما بشيء حتى يجد الزوج الثمرة ويقبضها فتطالبهما (11) حينئذٍ بالغرامة، وإن كان الخلع بعبد آبق أو بعير شارد، فقال عبد الملك: يغرمان قيمة الآبق والشارد على أقرب صفاتهما، فإن ظهر بعد ذلك أنهما كانا معيبين عند الخلع استردا ما غرماه أو معيبا استردا ما يقابل (12) العيب، ثم قال: وعلى قول محمد: إذا كان حصول الآبق أمدًا قريبًا أخرت (13) الغرامة إلى حصوله حسبما قاله في الثمرة، وإذا كان بعيدا

(1) في (ن): (التجريح).

(2)

قوله: (أو التغليظ) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(3)

في (ن): (إياهما).

(4)

قوله: (قوله: "ولو كان بخلع بثمرة لم تطب أو بآبق فالقيمة حينئذ كالإتلاف" هذا قول عبد الملك) ساقط من (ن 3). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 497.

(5)

قوله: (ومقابله) ساقط من (ن) و (ن 5).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 497.

(7)

قوله: (ونص المسألة من أولها) يقابله في (ن 4): (وقال).

(8)

قوله: (فإذا غرمت) يقابله في (ن 4): (فأخذ ذلك منها).

(9)

قوله: (عن شهادتهما تلك فإنهما يغرمان) في (ن): (غرم).

(10)

في (ن) و (ن 5): (يبدُ صلاحها).

(11)

في (ن): (فتطالب الشاهدين).

(12)

قوله: (ما يقابل) يقابله في (ن): (قيمة).

(13)

في (ن 4): (أخذت).

ص: 183

غرم الشاهدان قيمته على الصفة التي أبق عليها، ثم رجع محمد، فقال: لا غرامة عليهما إلا بعد وجدان الآبق وقبضه، فيغرمان ذلك حينئذ (1). والباء في بخلع متعلقة بمحذوف تقديره: ولو كان رجوعهما عن شهادة طلاق وقع بخلع بثمرة، وانظر قوله:(فيغْرَمَ الْقِيمَةَ حينئذٍ عَلَى الأَحْسَنِ) مع قوله: (فالقيمة حِينَئِذٍ) وما الحكمة في إعادته؟

(المتن)

وَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ وَوَلاؤُهُ لَهُ، وَهَلْ إِنْ كَانَ لِأَجَلٍ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ، وَالْمَنْفَعَة إلَيْهِ لَهُمَا، أَوْ تُسْقَطُ مِنْهَما الْمَنْفَعَةُ، أَوْ يُخَيَّرُ فِيهِمَا؟ أَقْوَالٌ. وإِنْ كَانَ بعِتْقِ تَدْبِيرٍ فَالْقِيمَةُ، وَاسْتَوْفَيَا مِنْ خِدْمَتِهِ. فَإنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِمَا، وَهُمَا أوْلَى إنْ رَدَّهُ دَيْنٌ، أَوْ بَعْضَهُ كَالْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ بِكِتَابَةٍ فَالْقِيمَةُ، وَاسْتَوْفَيَا مِنْ نُجُومِهِ وَإِنْ رُقَّ فَمِنْ رَقَبَتِهِ وإِنْ كَانَ بِإيلادٍ فَالْقِيمَةُ، وَأَخَذَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا، وَفِيمَا اسْتَفَادَتْهُ قَوْلانِ، وَإِنْ كَانَ بِعِتْقِهَا فَلا غُرْمَ، أَوْ بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ فَالْكِتَابَةُ. وَإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ فَلا غُرْمَ؛ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإرْثٍ

(الشرح)

قوله: (وإن كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ، ووَلاؤُهُ لَهُ) أي: وإن كان الشاهدان شهدا بعتق ناجز لعبد (2) يريد: والسيد منكر لذلك، فقضى عليه بالعتق ثم رجعا فإنهما يغرمان له قيمة عبده ذلك (3)، لأنهما منعاه من بيعه والانتفاع به، ويكون ولاؤه لسيده لاعترافهما بصحة ذلك على مقتضى دعواهما في شهادتهما أولًا، وعلى صحة دعوى الزوج فميراثه بالرق (4).

قوله: (وهَلْ إِنْ كَانَ لأَجَلٍ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ وَالمنْفَعَةَ إِلَيْهِ لهَما، أَوْ تُسْقَطُ مِنْهُما المَنْفَعَةُ، أَوْ يُخَيَّرُ فِيهِما؟ أَقْوَالٌ) أي: وإن كانا إنما شهدا بأن السيد قد أعتق عبده إلى أجل فقضي عليه

(1) قوله: (عليهما إلا بعد وجدان الآبق وقبضه، فيغرمان ذلك حينئذ) في (ن): (على الشاهدين في هذا ولا في الجنين إذا وقع الخلع به ورجع الشاهدان إلا بعد خروج الجنين وقبضه، وبعد وجدان العبد الآبق والبعير الشارد وقبضهما فيغرمان قيمة ذلك يومئذ). وانظر: عقد الجواهر الثمينة: 3/ 1065.

(2)

قوله: (ناجز لعبد) في (ن): (عبد ناجز).

(3)

قوله: (ذلك) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (لاعترافهما بصحة ذلك على مقتضى دعواهما في شهادتهما أولًا، وعلى صحة دعوى الزوج فميراثه بالرق) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (لأنهما معترفان له بذلك).

ص: 184

بذلك ثم رجعا عن شهادتهما تلك (1) فإنهما يغرمان قيمته أيضًا حالة لأن المعتق إلى أجل (2) امتنع بيعه، وهو من أعظم المقاصد في الأملاك غالبًا، وقد حالا (3) بين السيد وبينه، إلا أن السيد إذا أخذ قيمته (4) فقد دخلت فيها قيمة خدمة العبد إلى الأجل الذي يعتق فيه عند انقضائه فلا يجمع له بين أخذ الشيء وأخذ قيمته، والشاهدان يقولان نحن نستحق تلك المنافع إلى الأجل لكون السيد أخذ منا قيمة عبده كاملة (5)، فاختلف أهل المذهب في ذلك، فنقل في النوادر والمازري وابن شاس عن محمد بن عبد الحكم، وابن الحاجب عن ابن الماجشون (6): إن المنافع تقوم على غررها، وبجواز موت (7) العبد قبل الأجل، وعيشه إليه فيخرج حرًّا، فتحط تلك القيمة على هذه الصفة من جملة القيمة التي غرمها الشاهدان، وتبقى منافع العبد لسيده (8). محمد: وهذا ليس بمعتدل؛ إذ قد تكون قيمة المنافع أكثر من قيمة رقبته، فيكون الشاهدان قد أتلفا عليه (9) عبده من غير غرامة (10). المازري: وهذا الذي قاله محمد صحيح من جهة الفقه، لو أمكن تصوره لكنه كالممتنع من جهة العادة، لأنه إذا حكم بقيمة الرقبة التي تباع بها وبقي العبد مملوكًا طول أيام حياته، فقد علم (11) قطعًا أن قيمة المنافع المؤجلة قد دخلت في هذا التقويم فلا يصح أن يكون أكثر منها (12) إذ ما هو داخل في الشيء لا يكون أكثر

(1) قوله: (عن شهادتهما تلك) ساقط من (ن).

(2)

قوله: (إلى أجل) ساقط من (ن 4).

(3)

في (ن): (أحالا).

(4)

قوله: (قيمته) في (ن 4): (القيمة منهما).

(5)

قوله: (قيمة عبده كاملة) يقابله في (ن): (قيمتها).

(6)

قوله: (فنقل في النوادر والمازري وابن شاس عن محمد بن عبد الحكم وابن الحاجب عن ابن الماجشون) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (فقال عبد الله بن عبد الحكم).

(7)

قوله: (وبجواز موت) يقابله في (ن): (وتجويز أن يموت العبد).

(8)

انظر: عقد الجواهر الثمية: 1066.

(9)

قوله: (عليه) ساقط من (ن).

(10)

انظر: عقد الجواهر الثمية: 1066، وجامع الأمهات: 1/ 710.

(11)

قوله: (فقد علم) في (ن): (قد علمت).

(12)

قوله: (يكون أكثر منها) يقابله في (ن): (تكون أكثر منه).

ص: 185

منه (1)، ابن عبد السلام: وما قاله المازري صحيح لو كان الناس يلتفتون في تقويم العبد إلى مدة حياته، وأكثرهم يقطعون النظر عن ذلك (2)، ورأى سحنون أن تسلم منافع العبد لهما إلى أن ينقصي الأجل، يؤاجران العبد أو يستخدمانه ويحسب ذلك عليهما حتى يستوفيا ما غرماه وما بقي من منافع المدة للسيد، وإن لم تفِ منافع المدة بما غرما (3) لم يرجعا بشيء مما بقي على أحد، وكذلك لو مات في أضعاف المدة أو بعد فراغها أو قتل ولم تف خدمته بذلك إلا أن يتركا مالًا أو تؤخذ قيمته من قاتله فيأخذان ما بقي لهما من ماله أو قيمته، وإن تساويا فواضح (4)، ونحوه في النوادر عن ابن الماجشون (5)، وذهب محمد إلى (6) أن السيد بالخيار بين إسلام الخدمة لهما تلك المدة (7) أو يتمسك بها، ويدفع قيمة المنافع لهما وقتًا بعد وقت بحسب ما يرى من مقتضى الأجل (8)، ونُقِل أيضًا عن (9) ابن الماجشون (10).

قوله: (وإنْ كَانَ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ فَالْقِيمَةُ) أي: وإن كانا إنما شهدا بأن السيد قد دبر عبده فقضي عليه بذلك ثم رجعا فإنهما يغرمان قيمته الآن.

قوله: (واسْتَوْفيا مِنْ خِدْمَتِهِ) أي: لأنهما لا يبقيا بيد سيده إلا الخدمة، وقد منعوه البيع والهبة والتصرف فيقتضيان من خدمته ما غرماه، ثم ترجع خدمته لسيده،

(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة: 1066.

(2)

قوله: (إذ ما هو داخل في الشيء

عن ذلك) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(3)

قوله: (وما بقي من منافع المدة للسيد، وإن لم تفِ منافع المدة بما غرما) يقابله في (ن 4): (مما ينوب قيمة المنافع إلى الأجل من القيمة التي دفعاها للسيد، فإن استوفيا ذلك قبل الأجل رجع إلى خدمة سيده باقي المدة، وإن تلف خدمة المدة بما دفعاه).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 498، وعقد الجواهر:1066.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 498.

(6)

قوله: (من ماله أو قيمته، وإن تساويا فواضح، ونحوه في النوادر عن ابن الماجشون، وذهب محمد إلى) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (ورأى محمد).

(7)

قوله: (تلك المدة) ساقط من (ن).

(8)

في (ن): (الاجتهاد).

(9)

قوله: (ونُقِل أيضًا عن) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وبه قال).

(10)

انظر: عقد الجواهر: 1067.

ص: 186

ثم حكمهما في موته في مدة حياة سيده أو بعدها ولم يستوفيا فأغرماه (1) حكم المعتق إلى أجل في ذلك، فإن خرج بعد موت السيد حرًّا فلا شيء لهما إن حمله الثلث (2)، وإن رق منه شيء فهما أولى من أرباب الديون حتى يأخذا (3) ما بقي لهما ويصيران كأهل الجناية (4)، وإلى هذا أشار بقوله:(فَإنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فعَلَيْهِما، وهُمَا (5) أَوْلَى، إِن رَدَّهُ دَيْنٌ، أَوْ بَعْضَهُ كَالجنَايَةِ) ثم إذا بيع وفضلت منه فضلة فهي للورثة فلا شيء منها للشاهدين لأنهما لا يربحان.

قوله: (وإن كان بكتابة فالقيمة واستوفيا من نجومه) أي فإن كان رجوعهما عن شهادة بكتابة لزمتهما قيمته ناجزًا، وقال محمد: يوم الحكم، ثم استوفيا من النجوم ما دفعاه للسيد (6)، فإذا استوفياها أخذ السيد ما بقي منها، وهو المشهور، وبه قال عبد الملك وأكثرهم (7).

قوله: (وإِن رُقَّ فَمِنْ رَقَبتِهِ) أي: وإن عاد المكاتب رقيقًا لعجزه عن تأدية بقية نجوم الكتابة قبل أن يستوفيا من نجومه ما غرماه فإنه يباع (8) ويأخذان ما بقي لهما من ثمنه فإن لم يبلغ ثمنه ما بقي لهما فلا شيء لهما، وهو قول عبد الملك، واختاره محمد، قال: وعليه أكثر أصحابنا (9)، وعن ابن القاسم: أن القيمة توضع بيد عدل وتؤدى (10) للسيد الكتابة، فإن استوفى من الكتابة مثل القيمة الموضوعة بيد عدل رجعت القيمة (11) إلى

(1) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (ما غرما).

(2)

قوله: (إن حمله الثلث) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(3)

في (ن): (يؤخذ).

(4)

زاد بعدها في (ن 3): (ثم بيع).

(5)

في (ن 3) و (ن 5): (وهذا).

(6)

قوله: (استوفيا من النجوم ما دفعاه للسيد) في (ن 3) و (ن 5): (يؤديانها من النجوم)، وفي (ن):(يأديانها من النجوم).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 506.

(8)

في (ن 3): (فأبيع).

(9)

في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (أصحاب مالك).

(10)

في (ن): (ويتأدى).

(11)

قوله: (مثل القيمة الموضوعة بيد عدل رجعت القيمة) يقابله في (ن): (مثلها رجعت).

ص: 187

الشاهدين، وإن كانت الكتابة أقل أو مات المكاتب قبل الاستيفاء دفع إلى السيد من تلك القيمة الموقوفة (1) تمام قيمة عبده (2). وضعفه محمد بأن العبد قد خرج من يده بلا عوض منجزًا، وبأنها قد تضيع ويغرم الشاهدان ثانية (3)، وقال سحنون وغيره (4): تباع الكتابة بعرض، فإن كان فيها وفاء قيمة العبد أو أكثر فللسيد ذلك، وإن كان أقل رجع عليهما بتمام قيمة العبد (5).

قوله: (وإنْ كَانَ بِإيلادٍ فَالْقِيمَةُ، وأَخَذَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِما) أي: فإن كان رجوعهما عن شهادة باستيلاد لزمتهما قيمتها للسيد، وهو المشهور، وقيل: لا شيء عليهما. أبو محمد في النوادر (6): وهو قول لا أدري ما حقيقته (7). المازري: وهو كما ذكر، ولأنه تنخرم الأصول التي عقدناها (8) في أمثال هذه المسألة، وعلى المشهور: لا يرجعان بشيء مما دفعاه للسيد (9) إذ لم تبق فيها خدمة للسيد، فيرجعان (10) فيها بها يغرمانه له إلا أن تجرح (11) أو تقتل فيأخذان ذلك من أرشها فلهما الرجوع فيه فقط (12)، وإليه أشار بقوله:(وأَخَذَا منْ أَرْشِ جِنَايةٍ عَلَيْها) يريد: فإن فضل من ذلك فضلة فهي للسيد. سحنون: وكذلك إن أفادت مالًا فإنهما يرجعان (13) فيه بما

(1) قوله: (الموقوفة) ساقط من (ن).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 506.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 506.

(4)

قوله: (وقيل وضعفه محمد بأن العبد قد

وقال سحنون وغيره) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (وقيل).

(5)

قوله: (قيمة العبد) في (ن): (القيمة). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 506.

(6)

قوله: (في النوادر) زيادة من (ن 4).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 509.

(8)

قوله: (عقدناها) في (ن): (عندنا).

(9)

قوله: (لا يرجعان بشيء مما دفعاه للسيد) في (ن): (أظهر للشيء ولهما).

(10)

قوله: (للسيد، فيرجعان) في (ن): (يرجعان).

(11)

في (ن 4): (تخرج).

(12)

قوله: (فيأخذان ذلك من أرشها فلهما الرجوع فيه فقط) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (فيأخذا لذلك أرشًا فلهما الرجوع بما غرماه).

(13)

قوله: (فإنهما يرجعان) في (ن): (فليس فيه).

ص: 188

أديا من قيمتها (1)، وقال محمد: لا يرجعان فيما تفيد من مال بعمل أو هبة أو غيره، وهو للسيد مع ما أخذ (2)، وإليه أشار بقوله:(وفيما اسْتَفَادَتْهُ قَوْلانِ) وقال محمد (3) ابن عبد الحكم: عليهما قيمتها وخفف عليهما (4) لما بقي له فيها من الاستمتاع (5).

قوله: (وإن كَانَ بعِتْقِهَا فَلا غُرْمَ) أي: لأنهما إنما أتلفا عليه استمتاعها وهو لا يقوّم، وهو قول الأكثر، ولابن القَاسم (6) في الموازية: أنهما يغرمان قيمتها كما لو قتلاها (7).

قوله: (أَوْ بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ فَالْكِتَابةُ) أي: فإن شهدا بعتق مكاتب (8) فقضى بذلك ثم رجعا (9) فإنهما يغرمان ما فوتاه على السيد، وهو ما كان على المكاتب من عين أو عرض على حسب ما كوتب به (10)، قال في الموازية: يؤديانه على النجوم، وقاله عبد الملك (11).

قوله: (وإنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ، فَلا غُرْمَ، إِلا بَعْدَ أَخْذِ المالِ بإِرْثٍ) مراده: أن من ادعى أنه ابن رجل وهو ينفيه فشهد له اثنان أن الرجل المدعى أَبوته قد (12) أقر أنه ابنه فحكم بذلك ثم رجعا بقرب ذلك ولم يمت الأب فلا شيء عليهما لأنهما لم يفوتا عليه شيئًا، فلو مات الأب فأخذ المال بشهادتهما بالميراث ومنع العصبة، ثم رجعا فإنهما يغرمان للعصبة ما أتلفا عليهم من الإرث الواجب لهم يوم يموت ذلك الرجل (13)، وإن لم يكن للولد مشارك غرم جميع ما أخذه الولد لبيت (14) المال.

(1) قوله: (من قيمتها) ساقط من (ن). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 508.

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 508.

(3)

قوله: (محمد) ساقط من (ن).

(4)

في (ن): (عنهما).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 508.

(6)

قوله: (ولابن القاسم) في (ن 4): (وعن ابن القاسم).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 508.

(8)

قوله: (مكاتب) زيادة من (ن).

(9)

قوله: (ثم رجعا) ساقط من (ن).

(10)

قوله: (على حسب ما كوتب به) زيادة من (ن 4).

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 507.

(12)

قوله: (المدعى أبوته قد) ساقط من (ن).

(13)

قوله: (من الإرث الواجب لهم يوم يموت ذلك الرجل) ساقط من (ن) و (ن 3).

(14)

قوله: (مشارك غرم جميع ما أخذه الولد لبيت) يقابله في (ن 3): (المشهود له بالنسب مشاركًا في =

ص: 189

(المتن)

إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَقِيمَتُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ إِنْ مَاتَ وَتَرَكَ آخَرَ فَالْقِيمَةُ لِلآخَرِ، وَغَرِمَا لَهُ نِصْفَ الْبَاقِي. وَإنْ ظَهَرَ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ أُخِذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ، وَكُمِّلَ بِالْقِيمَةِ، وَرَجَعَا عَلَى الأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيم، وإنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلا غُرْمَ، إِلَّا لِكُل مَا اسْتُعْمِلَ وَمَالٍ انْتُزِعَ، وَلا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَوُرِثَ عَنْهُ، وَلَهُ عَطِيَّتُهُ، لا تَزَوُّجٌ. وَإنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، ثُمَّ قَالا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِعَمْرٍ وفَقَطْ، وإن رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ، كَرَجُل مَعَ نِسَاءٍ، وَهُوَ مَعَهُن فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ، وَعَنْ بَعْضِهِ غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ، وَإِنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ فَلا غُرْمَ، فَإذَا رَجَعَ غَيْرُهُ فَالْجَمِيعُ،

(الشرح)

قوله (إِلا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَقِيمَتُهُ أَوَّلًا) أي: إلا ان يكون المشهود ببنوته عبدًا فيُقضَى بحريته وثبوت نسبه فإنهما إذا رجعا بعد ذلك يغرمان للسيد قيمة عبده الذي صيراه ابنا له (1) أولًا، ثم أخذ يفرع على (2) هذا فقال (ثُمَّ إِنْ مَاتَ وترَكَ آخَرَ فَالْقِيمَةُ لِلآخَرِ، وغَرِمَا لَهُ نِصْفَ الْبَاقِي) أي: فإن مات الأب وترك مع هذا المشهود له بالبنوة (3) ولدًا آخر ثابت النسب فإن تلك القيمة التي أخذها الأب من الشاهدين (4) تدفع للولد الثابت النسب أو مقدارها من التركة، لأن الولد المشهود له بالبنوة (5) مقر أن أباه قد ظلم فيها الشهود وأنه لا حق له فيها لصحة نسبه على دعواه (6)، وأنه لا ميراث له فيها، ويقتسمان ما عداها من التركة، فيما خص الولد المشهود له يغرمان مثله (7) للابن الأول بما أتلفاه عليه، وإلى هذا أشار بقوله:(وغرم له نصف الباقي) أي: للابن الثابت النسب والباقي، أي بعد أخذ القيمة (8)،

= تركة الرجل غرما جميع ما أتلفاه ببيت).

(1)

قوله: (الذي صيراه ابنا له) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(2)

قوله: (على) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (بالبنوة) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (من الشاهدين) ساقط من (ن 4)، وفي (ن 3):(بالرجوع من الشاهد فإنها).

(5)

قوله: (بالبنوة) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (وأنه لا حق له فيها لصحة نسبه على دعواه) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (يغرمان مثله) في (ن): (غرمه الشاهدان).

(8)

قوله: (فيما خص الولد المشهود

أي بعد أخذ القيمة) في (ن 4): (وما حصل بيد المشهود له من=

ص: 190

قال محمد: وإنما جعلنا القيمة (1) للابن الأول خاصة (2)، لأنا لو قسمناها بينهما لرجع الشاهدان على المستحق (3) المشهود له فيما أخذ منها، فيأخذانه منه (4) لأنه مقر أن أباه لا رجوع له عليهما لصحة نسبه عنده، فإذا أخذ ذلك منه قام عليهما الابن الأول الثابت النسب (5) وأخذه منهما لأنه يقول: لو بقي ذلك بيد المشهود له لوجب لي عليكما الرجوع بمثله، لأن عليكما أن تغرما كل ما أخذه (6) من التركة (7)، ثم قال محمد: ولو طرأ على الميت بعد ذلك دين مائة دينار لرجل فإنه يأخذ من كل واحد من الولدين نصفها، فإن عجز عن ذلك فإن الدين الذي هو المائة يكمل من تلك القيمة التي انفرد بها الأول الثابت النسب ويرجع الشاهدان على الثابت النسب بمثل الدين الذي غرمه المشهود له بالبنوة، لأنه كان أخذه منهما عوضًا عما أخذه المشهود له من تركة أبيه، والآن قد تبين أنه صرف في الدين المقدم على الميراث فلم يتلفا عليه شيئًا بشهادتهما (8)، وإليه أشار الشيخ بقوله (9): (وإن ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أُخِذ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ، وكُمِّلَ بِالْقِيمَةِ،

= التركة يغرم الشاهد أن مثله للابن الثابت النسب)، وقوله:(بما أتلفاه عليه، وإلى هذا أشار بقوله: (وغرم له نصف الباقي) أي: للابن الثابت النسب والباقي تعمد، أي أخذ القيمة) ساقط من (ن).

(1)

قوله: (يغرمان مثله للابن الأول بما أتلفاه عليه، وإلى هذا أشار بقوله: (وغرم له نصف الباقي) أي: للابن الثابت النسب والباقي تعمد، أي أخذ القيمة، قال محمد: وإنما جعلنا القيمة) ساقط من (ن 3).

(2)

قوله: (خاصة) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (المستحق) زيادة من (ن 4).

(4)

قوله: (أخذ منها، فيأخذاه منه) يقابله في (ن) و (ن 5): (غرما).

(5)

قوله: (الثابت النسب) زيادة من (ن 4).

(6)

في (ن): (أخذ).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 510، وعقد الجواهر الثمينة:1069.

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 510، وعقد الجواهر الثمينة:1069.

(9)

قوله: (ثم قال محمد: ولو طرأ على الميت بعد ذلك دين مائة دينار لرجل فإنه يأخذ من كل واحد من الولدين نصفها، فإن عجز عن ذلك فإن الدين الذي هو المائة يكمل من تلك القيمة التي انفرد الأول الثابت النسب ويرجع الشاهدان على الثابت النسب بمثل الدين الذي كرمه المشهود له بالبنوة، لأنه كان أخذه منهما عوضا عما أخذه المشهود له من تركة أبيه، والآن أنه قد تبين أنه صرف في الدين المقدم على الميراث فلم يتلفا عليه شيئا بشهادتهما، وإليه أشار الشيخ بقوله) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (قوله).

ص: 191

ورَجَعَا عَلى الأَوَّلِ بِما غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ) أي: فإن كانت المسألة بحالها لكن ظهر على الميت دين مستغرق لجميع التركة فإنه يؤخذ من كل واحد من الولدين النصف الذي أخذه من التركة، ويكمل الدين من تلك القيمة التي انفرد بها الابن الأول، وقد تقدم. ثم قال محمد: ولو لم يكن للميت غير الولد المشهود به، وقد ترك مائتين مائة أخذ من الشاهد ومائة من كسبه، فليس للمشهود له إلا مائة الكسب فقط، والأخرى للعصبة أو بيت المال، ويغرم الشاهدان مائة للعصبة أو بيت المال إذ لولا شهادتهما لأخذ العصبة أو بيت المال مائتين، ولو طرأ على الميت دين مائة أخذت من المشهود له دون العصبة أو بيت المال فيرجع الشاهدان على العصبة أو بيت المال بالمائة التي دفعاها لهما ثانيا (1).

قوله: (وإِنْ كَانَ بِرِقٍّ حُرٍّ فَلا غُرْمَ، إِلا لِكُلِّ مَا اسْتُعْمِلَ، ومَالٍ انْتُزِعَ، ولا يَأْخُذُهُ المَشْهُودُ لَهُ، ووُرِثَ عَنْهُ، ولَهُ عَطِيَّتُهُ، لا تَزَوُّجٌ) أي: فإن شهد على رجل أنه عبد لفلان، وهو (2) يدعي الحرية فقضي عليه بالرق، ثم رجعا فلا قيمة عليهما في الرقبة، ولكن يغرمان للعبد على زعمهما (3) كل ما استعمله فيه (4) سيده، وكل خراج أداه إليه من عمله، وفي الجواهر قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد على رجل أنه عبد لفلان، وهو يدعي الحرية فقضي عليه بالرق، ثم رجعا فلا قيمة عليهما في الرقبة، ولكنهما يلزمان للعبد كلما استعمله فيه سيده، وكل خراج أداه إليه من عمله وإن كان له مال فانتزعه، فهذا كله يلزم الشهود (5)، ثم ليس لمن قضي له بملكه أن يأخذ ذلك منه ثانية (6)؛ لأنه

(1) قوله: (وقد تقدم. ثم قال محمد: ولو لم يكن للميت

دفعاها لهما ثانيا) في (ن 3) و (ن 5): (ويرجع الشاهدان عليه فيغرما له مثل الذي غرماه لأنهما إنما غرماه بسبب إتلافهما له بشهادتهما، فلما ثبت الدين على أبيهما وجبت التركة للمدين فلم يتلفا عليه شيئًا)، وفي (ن):(ويرجع الشاهدان عليه فيغرمانه مثل الذي غرماه لأنهما إنما غرماه بسبب إتلافهما له بشهادتهما، فلما ثبت الدين على أبيهما وجبت التركة للدين فلم يتلفا عليه). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 510، وعقد الجواهر الثمينة:1069.

(2)

في (ن): (والرجل).

(3)

قوله: (على زعمهما) ساقط من (ن) و (ن 3).

(4)

قوله: (فيه) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (عمله، وفي الجواهر قال محمد بن عبد الحكم:

فهذا كله يلزم الشهود) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (غلته فإن كان له مال فانتزعه غرم الشهود ذلك للعبد).

(6)

قوله: (ثانية) ساقط من (ن).

ص: 192

إنما هو عوض عما أخذاه (1) منه، ولو مات المشهود به وذلك في يده لم يأخذه السيد، بل يوقف حتى يستحق ذلك مستحق يرثه بالحرية، ولو أعتق منه العبد قبل موته عبدًا لجاز، وكان ولاؤه (2) لمن كان يرث عنه الولاء ولو كان حرًّا ويرث العبد إن مات ومعتقه حي، فإن أوصى منه العبد كان ذلك في الثلث منه، وإن وهب منه أو تصدق جاز ذلك، ويرث باقيه ورثته إن كان له من يرثه لو كان حرًّا، وليس للعبد أن يتزوج منه لأن النكاح ينقص رقبته ويعيبها (3)، انتهى، وإليه أشار الشيخ بما ذكرا (4).

قوله: (وإنْ كَانَ بِمائَةٍ لِزَيْدِ وَعَمْرٍو، ثُمَّ قَالا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لعمرو فقط (5)) أي: وإن كان إنما شهد (6) بمائة دينار لزيد وعمرو ثم رجعا عن شهادتهما وقالا المائة كلها لزيد فإنهما يغرمان خمسين لعمرو (7) خاصة. معناه: وتدفع المائة (8) لزيد، وهذا إذا لم يكن المشهود عليه دفع ذلك، وأما إن دفعه فإنهما يغرمان له خمسين أيضًا؛ لأنهما أقرا على أنفسهما أنهما أخرجاها من يده إلى من لا حق له فيها، وهو عمرو (9).

قوله: (وإنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ) أي: وإن رجع أحد الشاهدين، يريد: بعد قضاء القاضي بالحق للمشهود له فإنه يغرم (10) نصف الحق الذي أتلفه لزيد المشهود له ثانيًا (11).

(1) قوله: (عما أخذاه) يقابله في (ن): (مما أخذ).

(2)

قوله: (وكان ولاؤه) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (عتقه وولاؤه بعده).

(3)

قوله: (ويعيبها) زيادة من (ن)، انظر: النوادر والزيادات: 8/ 517، وعقد الجواهر الثمينة:1070.

(4)

قوله: (انتهى، وإليه أشار الشيخ بما ذكرا) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (هكذا نص عليه ابن عبد الحكم في الجواهر).

(5)

قوله: (لعمرو فقط) في (ن 5) والمطبوع من مختصر خليل: (للغريم فقط).

(6)

في (ن 5): (أشهد).

(7)

قوله: ("فقط" أي: وإن كان إنما أشهد بمائة دينار

لعمرو) ساقط من (ن 4).

(8)

في (ن 5): (الخمسين).

(9)

قوله: (وأما إن دفعه فإنهما يغرمان له خمسين أيضًا؛ لأنهما أقرا على أنفسهما أنهما أخرجاها من يده) يقابله في (ن): (فإن دفع غرم له خمسين لأنه أقر أنهما أخرجاها من يد المشهود عليه).

(10)

قوله: (يريد: بعد قضاء القاضي بالحق للمشهود له فإنه يغرم) في (ن 4): (فقط غرم).

(11)

قوله: (لزيد المشهود له ثانيًا) زيادة من (ن 4).

ص: 193

قوله: (كَرَجُلٍ مَعَ نِسَاءٍ) يريد: أن النساء وإن كثرن كرجل واحد، وإذا رجع الرجل وحده كان عليه نصف الحق لأنه معادل لمن معه من النساء، ولهذا إذا رجع الجميع كان على الرجل النصف.

قوله: (وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرِّضَاعِ كَاثْنتَيْنِ) أي: والرجل مع جماعة النساء في الغرامة كاثنتين من النساء، فيلزمه ما يلزم امرأتين، فيما تجوز فيه شهادتهن (1) أي: إذا كانت الشهادة برضاع امرأة مع رجل والنكاح منعقد (2) بينهما فإنهم إذا رجعوا كان على الرجل مثل (3) غرامة اثنتين من النساء، وفرضها ابن شاس (4) فيما إذا شهد على الرضاع رجل وعشر نسوة، ثم رجع الجميع بعد الحكم، ثم قال: فعلى الرجل (5) سدس ما يجب من الغرامة ما أتلفت الشهادة (6)، وعلى كل امرأة نصف سدس، ولو رجع الكل إلا امرأتين لم يجب غرم (7) على القول باعتبار بقاء (8) من يستقل به الحكم و (9) الحق، ولو رجعوا إلا واحدة وزع نصف الحق على جميع من رجع (10)، انظر الكبير.

قوله: (وعَنْ بَعْضِهِ غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ) أي: فإن رجع أحد الشاهدين عن بعض ما شهدا به، فإنه يغرم نصف البعض المرجوع عنه، قال محمد: ولو رجع أحدهما عن نصف ما شهد به لغرم ربع الحق، وإن رجع عن الثلث غرم السدس (11)، وهو معنى قوله (وعَنْ بَعْضِهِ غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ)(12).

(1) قوله: (فيما تجوز فيه شهادتهن) زيادة من (ن).

(2)

في (ن): (معقود).

(3)

قوله: (مثل) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (ابن شاس) في (ن 3): (ابن شاس وابن يونس).

(5)

قوله: (ثم قال: فعلى الرجل) في (ن 4): (فقال: عليه).

(6)

قوله: (ما أتلفت الشهادة، ) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (غرم) ساقط من (ن 4).

(8)

قوله: (باعتبار بقاء) في (ن 5): (ثبات)، وفي (ن):(ثبوت).

(9)

قوله: (الحكم و) ساقط من (ن).

(10)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 1071.

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 442، وعقد الجواهر الثمينة:1071.

(12)

قوله: (قال محمد: ولو رجع أحدهما عن نصف

الْبَعْضِ) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

ص: 194

قوله: (وإنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الحُكْمُ بِعَدَمِهِ فَلا غُرْمَ) أي: كما إذا شهد ثلاثة بحق ثم رجع واحد منهم، فإنه لا يغرم شيئًا لاستقلال الحكم بمن بقي، وقاله ابن عبد الحكم (1).

قوله: (فَإِذَا رَجَعَ غيرُهُ فَالجْمِيعُ) أي: فإن الجميع داخلون في الغرامة الأولى مع من رجع ثانيًا، وقال محمد بن عبد الحكم: بل يغرم الأول ثلث الحق (2)، وله في ثلاثة شهدوا بثلاثين دينارًا، فقضي بها ثم رجع أحدهم عن الثلاثين، ورجع آخر عن عشرين منها، ورجع الثالث عن عشرة منها فعشرة على الجميع يغرمونها أثلاثًا، وعشرة لا يغرم أحد منها شيئًا لاستقلال ثبوتها بشاهدين على القول بأن الراجع لا يغرم إذا بقي ممن شهد معه من يثبت الحق (3)، وتبقى عشرة على الأولين منها خمسة بينهما نصفين ولا شيء على الثالث منهما (4).

(المتن)

وَللْمَقْضِي عَلَيهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِي لَهُ، وَلِلْمَقْضِي لَهُ ذَلِكَ إِذَا تَعَذَّرَ مِنَ الْمَقْضِيّ علَيهِ، وإنْ أَمْكَنَ جَمْع بَينَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ، وَإِلَّا رُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ كَنَسْجٍ، وَنَتَاجٍ إِلَّا بِمِلْكٍ مِنَ الْمَقَاسِمِ، أَوْ تَارِيخٍ أَوْ تَقَدُّمِهِ، وِبمَزِيدِ عَدَالَةٍ لا عَدَدٍ، وَبشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِين، أَوِ امْرَأَتَينِ، وَبيَدٍ كأن لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ تقَابِلُهُ فَيَحْلِفُ، وَبالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ، وَبنَقْلٍ عَلى مُسْتَصْحِبَةٍ. وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ. وَعَدَمِ مُنَارعٍ، وَحَوْزٍ طَالَ كَعَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَأَنَّهُ لَم يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الأَخِيرِ، لا بِالإشتِرَاءِ، وإنْ شُهِدَ بِإقْرَارٍ اسْتُصْحِبَ.

(الشرح)

قوله: (وَللْمَقْضيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُما بِالدّفْع لِلْمَقْضيِّ لَهُ وَللْمَقْضيِّ لَهُ ذَلِكَ، إِذَا تَعَذَّرَ مِنَ المَقْضِيِّ عَلَيْهِ) يعني: أن الشاهدين إذا شهدوا بحق فقضي به ثم رجعا قبل أن يغرم لمقضي عليه شيئًا، فإن المقضي عليه (5) له أن يطالبهما بالمال ليدفعه للمقضي له، وقال

(1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 442، وعقد الجواهر الثمينة:1071.

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 442، وعقد الجواهر الثمينة:1071.

(3)

قوله: (على القول بأن الراجع لا يغرم

الحق) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(4)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 1071.

(5)

قوله: (المقضي عليه) زيادة من (ن).

ص: 195

محمد بن عبد الحكم: وللمقضي له أيضًا طلب الشاهدين لما كانا يغرمان لغريمه لو غرما له إذا تعذر الغرم من الغريم كما إذا عدم أو هرب ونحوه لأنهما غريما غريمه، والذي في كتاب محمد خلاف هذا لأن فيه وإذا حكم بشهادتهما ثم رجع فهرب المقضي عليه فطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كانا يغرمانه لغريمه لو غرما له، قال (1): لا يلزمهما غرم حتى يغرم المقضي عليه (2)، وظاهر الوازية أنهما لا يلزمهما غرم، وحكاه بعض الأشياخ نصًّا (3).

قوله: (وإِنْ أَمْكَنَ جَمْعُ بين الْبَيِّنَتيْنِ جُمِع) ولا شك أن البينتين قد يتعارضان، والتعارض هو التقابل بينهما على وجه يمنع كل واحد منهما صاحبه، وهو ثلاثة أقسام: فإن لم تنف كل واحدة شبهة الأخرى من كل الوجوه جمع بينهما متى أمكن، مثاله: أن تشهد بينة أنه أقر لشخص بخمسين درهما وتشهد أخرى بأنه أقر له بمائة وذلك (4) في مجلسين، وإن نفت كل واحدة منهما شبهة الأخرى من كل الوجوه وتناقضتا، مثاله أن تشهد أحدهما أن زيدا قتل عمرا يوم الجمعة، وتشهد الأخرى أن عمرا هو الذي قتل زيدا يوم الخميس، فإن أمكن الترجيح ضربا إليه، والترجيح يكون بالأسباب التي يذكرها. الثالث: إن تساويا ولا مرجح فتساقطا، ويبقى المدعَى فيه بيد حائزه مع يمينه، وسيأتي ذلك كله (5).

(1) في (ن): (قيل).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 8/ 440.

(3)

قوله: (تعذر الغرم من الغريم كما إذا عدم أو هرب

وحكاه بعض الأشياخ نصًّا) في (ن 4): (هرب المقضي عليه، وهو مراده بالتعذر، والله أعلم. ثم قال: وقد قال بعض أصحاب أبي حنيفة: لا يلزمها غرم حتى يغرم المقضي عليه، وفي هذا تعرض لبيع داره، وتلف ماله، واللذان أوجبا عليه ذلك قيام مع إقرارهما بتعمد الزور، وظاهر الموازية أنهما لا يلزمهما غرم، كما قال بعض أصحاب أبي حنيفة فيما نقله ابن عبد الحكم، وحكاه بعض الأشياخ نصا عنهما، وهو ظاهر نقله عنهما في الجواهر)، وقوله:(نصا) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (وذلك) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (ولا شك أن البينتين قد يتعارضان،

ويبقى المدعى فيه بيد حائزه مع يمينه، وسيأتي ذلك كله) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (أي: البينتان قد يتعارضان من كل وجه بأن تكون كل واحدة تنفي ما أثبتته الأخرى من جميع الوجوه وحينئذ ترجح إحداهما بأحد الأسباب التي يذكرها، وقد لا=

ص: 196

قوله: (وإلا رُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ) أي: وإن لم يمكن (1) كما إذا شهدت له بينة بالملك وشهدت بينة أخرى بالحوز لغيره أو واحدة بالملك أيضا والأخرى بأنه صاده أو (2) نتج عنده فإن بينة الملك بسببه (3) تقدم، لكن بشروط أربعة نص عليها سحنون، وهي طول الحيازة، وتصرفه تصرف المالك، وعدم المنازع، وأنه لم يخرج عن ملكه في علمهم، وسيأتي ذلك من كلامه.

قوله: (كَنَسْجٍ) أي: كبينة شهدت بنسج فإنها تقدم على البينة بالملك (4)، ومعنى ذلك: أن تشهد إحداهما بأن فلانًا نسج الثوب وتشهد الأخرى بأنه ملك لغيره، وقاله في المدونة، وفي كتاب ابن سحنون أن بينة الملك تقدم، ويقضى للآخر بقيمة نسجه بعد حلفه أنه لم يعمله باطلًا، المازري (5): وهذا إذا كان ينسج لنفسه وإلا فلا ينتفع بالشهادة له بالنسج.

قوله: (ونَتَاجٍ) يريد: إذا لم يكن بيده، قال في المدونة: وإذا أقام كل واحد من المدعي والحائز بينة على نتاج أو نسج كان ذلك لمن هو بيده منهما، ولو أن أمة ليست بيد واحد منهما (6) فأتى أحدهما ببينة أنها له لا يعلمونها خرجت عن ملكه بشيء حتى سرقت له وأقام الآخر بينة أنها له (7) ولدت عنده، لا يعلمونها خرجت عن ملكه بشيء، قضي بها

= يتعارضان من كل وجه بأن يمكن الجمع بينهما ولا إشكال في المصير إلى ذلك حيثما أمكن، مثاله: أن تشهد بينة أنه أقر لشخص بخمسين درهمًا وتشهد أخرى أنه أقر له بمائة وذلك في مجلسين)، وقوله:(وإن نفت كل واحدة منهما شبهة الأخرى من كل الوجوه وتناقضتا، مثاله أن تشهد أحدهما أن زيدا قتل عمرا يوم الجمعة، وتشهد الأخرى أن عمرا هو الذي قتل زيدا يوم الخميس، فإن أمكن الترجيح ضربنا إليه، والترجيح يكون بالأسباب التي يذكرها. الثالث: إن تساويا ولا مرجح فتساقطا، ويبقى المدعي فيه بيد حائزه مع يمينه، وسيأتي ذلك كله) ساقط من (ن).

(1)

قوله: (وإن لم يمكن) زيادة من (ن).

(2)

قوله: (صاده أو) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (بسببه) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (البينة بالملك) في (ن): (بينة الملك).

(5)

قوله: (المازري) في (ن): (اللخمي).

(6)

قوله: (واحد منهما) في (ن): (أحدهما).

(7)

قوله: (له) زيادة من (ن).

ص: 197

لصاحب الولادة (1)، وقيده ابن القاسم بما إذا لم تشهد البينة الأخرى (2) أنه اشتراها من المغانم (3)، فإن شهدت بذلك كانت لصاحب المقاسم إلا أن يدفع الآخر الثمن الذي اشتراها به (4)، ولو كانت بيد صاحب النتاج، وإليه أشار بقوله:(إِلا بِمِلْكِ مِنَ الْمُقَاسِمِ).

قوله: (أَوْ تَارِيخٍ، أَوْ تَقَدُّمِهِ) يريد: أن البينة المؤرخة (5) ترجح على غير المؤرخة، وكذلك المتقدمة التاريخ على تاريخ الأخرى، قال في المدونة: ويقضَى ببينة هي أبعد التاريخين لو عدلت، ولو كانت الأخرى أعدل ولا أبالي بيد من كانت الأمة منهما إلا أن يحوزها الأقرب تاريخًا بالوطء والخدمة والادعاء لها (6) بمحضر الآخر، فقد أبطل دعواه.

قوله (وَبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ، لا عَدَدٍ) هذا هو المشهور، وعن مالك أنها لا ترجح بزيادة العدالة، وهذا مذهب المدونة، وهو المشهور، وأن أحد البينتين لا ترجح بزيادة العدد وإليه أشار بقوله:(لا عدد)(7) خلافا لعبد الملك ومطرف وروايتهما عن مالك، وفي والمدونة: لو شهد لهذا اثنان أو واحد وامرأتان فيما تجوز فيه شهادة النساء (8) ولهذا مائة لما ترجح المائة بالكثرة (9)، وحمله المازري على المبالغة، وأما لو كثروا حتى يقع العلم بصدقهم لقدمت على ذات العدد القليل (10).

(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 189.

(2)

في (ن): (للآخر).

(3)

في (ن): (المقاسم).

(4)

قوله: (اشتراها به) في (ن): (ابتاعها بها).

(5)

قوله: (المؤرخة) يقابله في (ن): (إذا أُرخت فإنها).

(6)

قوله: (لها) زيادة من (ن).

(7)

قوله: (وإليه أشار بقوله: "لا عدد") زيادة من (ن).

(8)

قوله: (أو واحد وامرأتان فيما تجوز فيه شهادة النساء) زيادة من (ن).

(9)

انظر: المدونة: 4/ 46.

(10)

قوله: (قوله: "وَبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ، لا عَدَدٍ" هذا هو المشهور

لقدمت على ذات العدد القليل) في (ن 3) و (ن 5): (قوله: "وَبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ" هذا هو المشهور، وعن مالك أن أحد البينتين لا ترجح بمزيد العدالة، والمشهور عدم الترجيح بزيادة العدد، وإليه أشار بقوله:"لا عَدَدٍ" قال في المدونة: =

ص: 198

قوله: (وَبِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ وَيمِينٍ، أَوِ امْرَأَتيْنِ) اختلف قول ابن القاسم في ترجيح الشاهدين على الشاهد واليمين أو على الشاهد والمرأتين، يروى عنه أنه يقول بالترجيح، ثم رجع عنه (1)، وبه قال أشهب (2)، واختار هنا القول المرجوع عنه (3) للاتفاق على جواز الشاهدين، والخلاف في الشاهد واليمين، وهذا في الأولى، وأما في الثانية فإن الله تعالى جعل مرتبة الشاهد والمرأتين مؤخرة عن مرتبة (4) الشاهدين في قوله تعالى:(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان).

قوله: (وَبِيَدٍ) يريد: أن اليد عند تساوي البينتين مرجحة، أي: مع اليمين وهو المشهور وبه قال في المدونة، قال فيها: فإن تكافأتا في العدالة سقطتا ويبقى الشيء بيد حائزه، ويحلف، وقال عبد الملك لا تسمع بينة الحائز، وأن بينة الخارج مقدمة (5).

قوله: (كأن (6) لَمْ ترجَّحْ بَيِّنةُ تقَابِلُهُ) يريد: أن اليد إنما ترجح عند التساوي، وأما لو ترجحت بينة الخارج، فإن اعتبار اليد يسقط ويقضي بذلك لغير الحائز بعد يمينه، ولهذا قال (7)(فيحْلِفُ) وهو المشهور، وقاله في المدونة، وقيل: يقضى له بغير يمين.

قوله: (وبِالملْكِ عَلَى الحْوْزِ) قد تقدم (8) أن بينة الملك تقدم على بينة الحوز. ابن شاس: ولو كان تاريخ الحوز مقدمًا. ابن عبد السلام: لأن الحوز قد يكون للمالك

= ولو كانت إحداهما رجلين، أو رجل وامرأتين فيما تجوز فيه شهادة النساء والأخرى مائة لا ترجح المائة، ومقابل المشهور لعبد الملك الترجيح بزيادة العدد). قوله:(ذات العدد القليل) زاد بعدها في (ن): (انتهى ومقابل المشهور لعبد الملك الترجيح بزيادة العدد).

(1)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 1087.

(2)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 1087.

(3)

قوله: (عنه) في (ن): (عليه).

(4)

في (ن): (رتبة).

(5)

انظر: عقد الجواهر الثمينة: 1087.

(6)

قوله: (كأن) في (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (إن).

(7)

قوله: (التساوي، وأما لو ترجحت بينة الخارج،

ولهذا قال) كرره في (ن).

(8)

في (ن 4): (تبين).

ص: 199

وغيره (1).

قوله: (وبِنَقْلٍ عَلى مُسْتَصْحِبَةٍ) أي: وكذا ترجح البينة الناقلة على المستصحبة، مثل: أن تشهد بينة أن الدار لزيد اشتراها (2) لا يعلمونها خرجت عن ملكه إلى الآن، وتشهد الأخرى أن رجلا آخر اشتراها منه بعد ذلك، فالناقلة مقدمة لأنها علمت ما لم تعلم الأخرى.

قوله: (وَصِحَّةُ الملْكِ بالتصَرُّفِ، وعَدَمِ مُنَازعٍ، وحَوْزِ طَالَ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وأَنَّهُ لَمْ يخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ) قد تقدم أن بينة الملك ترجح على غيرها بشروط أربعة: طول الحيازة، وكونه يتصرف تصرف المالك، وعدم المنازع، وأنه لم يخرج عن ملكه في علمهم، وهو منصوص لسحنون في الجميع (3). واختلف هل هذا الأخير شرط صحة أو كمال؛ ففي كتاب الشهادات من المدونة ما يدل على أنه شرط صحة لقوله: ومن تمام شهادتهم أن يقولوا ما علمناه باع ولا وهب ولا تصدق (4) ولا خرجت عن ملكه بوجه من وجوه الملك. ابن القاسم: وإن لم يقولوا ذلك، فشهادتهم باطلة. وفي العارية منها ما يدل على أنه شرط كمال؛ لقوله: وإن لم يقولوا لا نعلم أنه باع ولا وهب، حلف أنه ما باع ولا وهب (5) ولا تصدق وقضى له به، واختلف هل كلامه في البابين (6) متناقض أم لا، والذي ذهب إليه أبو إبراهيم الأعرج وأبو الحسن الصغير أن الذي في الشهادات شرط كمال، وإليه أشار بقوله:(وَتُؤُوِّلَتْ عَلى الْكَمالِ فِي الأَخِيرِ). أبو الحسن الصغير: إلا أن تكون الشهادة على ميت فذلك شرط صحة.

قوله: (لا بِالاشْتِرَاءِ) أي: فإنه لا يصح به الملك، لكن يحكم (7) فيه بالاستصحاب، مثل: أن يشهد أن أحد الخصمين اشتراها من الآخر، فإنها تستصحب، ولا يقبل قول

(1) قوله: (ابن شاس: ولو كان تاريخ الحوز مقدمًا

وغيره) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

(2)

في (ن 3) و (ن 5): (أنشأها).

(3)

قوله: (وهو منصوص لسحنون في الجميع) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (ولا تصدق) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (ولا خرجت عن ملكه بوجه من وجه الملك

ولا وهب) ساقط من (ن 4).

(6)

في (ن 4): (البيان).

(7)

قوله: (لا يصح به الملك، لكن يحكم) في (ن 4): (لا يحكم)، وفي (ن):(فإنه يحكم).

ص: 200

المشهود عليه أنها عادت إليه.

قوله: (وإنْ شُهِدَ بِإِقْرَارٍ اسْتُصْحِبَ) أي: وإن شهد، أي: وعلى (1) المدعي عليه (2) بأنه أقر بالأمس أن المتنازع فيه ملك لخصمه المدعي (3)، فإن هذا الإقرار يستصحب ويكتفى بهذه الشهادة، وإن لم تقل (4) البينة، ولا نعلم (5) خروج ذلك عن ملكه إلى الآن لأن (6) شهادتهم على الخصم أنه أقر لخصمه بذلك إسقاط لملك المقر (7)، فعلى الخصم بيان صحة ملكه لها بعد ذلك بشراء من المشهود له أو غير ذلك من أسباب الملك.

(المتن)

وإنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتَا، وَبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ، أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ، وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بيَدِ أحَدِهِمَا كَالْعَوْلِ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ إنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ، وَإِنِ ادَّعَى أخٌ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ لِلنصْرَانِي وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ؛ إِلَّا بِأنَّهُ تَنَصَّرَ، وَمَاتَ إِنْ جُهِلَ أَصْلُهُ فَيُقْسَمُ كَمَجْهُولِ الدِّينِ، وَقُسِمَ عَلَى الْجِهَاتِ بِالسَّوِيَّةِ وإنْ كَانَ مَعَهُمَا طِفْلٌ فَهَلْ يَحْلِفَانِ وَيُوقَفُ الثلُثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَرُدَّ عَلَى الآخَرِ. وَإِنْ مَاتَ حَلَفَا وَقُسِمَ أَوْ لِلصَّغِيرِ النِصْفُ وَيُجْبَرُ عَلَى الإِسْلامِ؟ قَوْلانِ.

(الشرح)

قوله: (وإنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطتَا، وبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ) أي: فإن لم يمكن الترجيح (8) بين البينتين وليس بوجه (9) من وجوه الترجيح سقطت البينتان ويصيران (10) كمن لا بينة

(1) قوله: (وإن شهد، أي: وعلى) يقابله في (ن): (شهد على).

(2)

قوله: (أي: وعلى المدعي عليه) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

(3)

قوله: (المدعي) زيادة من (ن) و (ن 4).

(4)

في (ن 5): (تقبل).

(5)

قوله: (تقل البينة، ولا نعلم) في (ن): (يزد الشهود، ولا نعلم).

(6)

في (ن 5): (في).

(7)

قوله: (لملك المقر) في (ن): (للملك بخصوصيته).

(8)

قوله: (أي: فإن لم يمكن الترجيح) يقابله في (ن): ("أو لمن يقر له بعد حلفه، يشير إلى قول ابن شاس فإن استويا تساقطتا وبقي المدعى في يد من هو في يده مع يمينه إن كان من المتداعيين وهو معنى قول الشيخ: (وبقي بيد حائزه)، والمعنى: فإن لم يمكن الجمع).

(9)

قوله: (بوجه) في (ن): (ثمَّ وجه).

(10)

في (ن 4): (ويصير).

ص: 201

لهما وحينئذ يبقى الحق بيد حائزه بعد حلفه (1).

قوله: (أَوْ لِمنْ يُقِرُّ لَهُ) أي: فإن كان الشيء بيد غير المتنازعين، والمسألة بحالها فإنه يكون لمن أقر له به الحائز له (2)، وقيل: يقسم بينهما قسمين (3)، لأن البينتين قد اتفقتا على إسقاط ملك الحائز.

قوله: (وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى، إِنْ لم يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، كَالْعَوْلِ) لا خلاف أن المتنازع فيه يقسم على قدر الدعويين إذا كان بيد غير المتنازعين، فإذا ادعى أحدهما الكل والآخر النصف مثلًا ولم تترجح بينة واحد منهما أو حلفا (4) فإن مدعي الكل يأخذ الثلثين ويأخذ الآخر الثلث، وإنما الخلاف إذا كان في أيديهما معًا، فقيل: كما تقدم، وهو المشهور، وقاله مالك وابن القاسم وعبد الملك وغيرهم، وقال أشهب وسحنون: يقسم بينهما نصفين لتساويهما في حيازته، وعلى هذا ففي المبالغة التي ذكرها الشيخ نظر، إذ لو عكس فيها، وقال (5): ولو كانت بيد أحدهما لكان أحسن إذ هو الوجه المختلف فيه، وإذا قسم على قدر الدعاوي سلك فيه مسلك عول الفرائض كورثة زادت سهامهم على التركة، وبه قال مالك ورواه ابن حبيب عنه، وبه قال مطرف وابن كنانة، وابن وهب وأشهب وأصبغ (6)، وقال ابن القاسم وعبد الملك: مبنى هذه القسمة على التنازع فيمن سلم شيئًا سقط حقه فيه، ففي الفرض السابق يقسم المال على الثلث والثلثين كما تقدم، فيعال لصاحب النصف بمثل نصف اثنين، وعلى القول الآخر

(1) قوله: ("وبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ" أي: فإن لم يمكن الترجيح بين البينتين وليس بوجه من وجوه الترجيح سقطت البيتان ويصيران كمن لا بينة لهما وحينئذ يبقى الحق بيد جائزه بعد حلفه) في (ن 4): ("وبَقِيَ المدعى بِيَدِ حَائزِهِ، بعد حلفه. قد تقدم أن التعارض له ثلاث صور، وأن هذه الصورة أحدها وتقدم كما صرح به هنا بيان حكمها)، قوله:("أو لمن يقر له بعد حلفه" يشير إلى قول ابن شاس فإن تساقطتا وبقي المدعى في يد من هو في يده مع يمينه إن كان من المتداعيين وهو معنى قول الشيخ "وبقي بيد حائزه").

(2)

قوله: (له) زيادة من (ن).

(3)

في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (نصفين).

(4)

قوله: (أو حلفا) في (ن 3): (وحلف).

(5)

قوله: (ذكرها الشيخ نظر، إذ لو عكس فيها، وقال) يقابله في (ن): (ذكرها نظر، ولو قال).

(6)

قوله: (وبه قال مالك ورواه ابن حبيب عنه،

وأصبغ) زيادة من (ن 4).

ص: 202

يختص مدعي الكل بالنصف لأن مدعي النصف قد سلم له ذلك، ويقسم الباقي بينهما نصفين، فالقسم من أربعة لكل مدعي الكل ثلاثة أرباع ولمدعي النصف الربع، ولو كانوا ثلاثة فادعى أحدهم الكل والآخر النصف، والثالث: الثلث، فعلى الأول تصح من أحد عشر، ولمدعي الكل ستة، ولمدعي النصف ثلاثة، وللباقي الباقون، وهو سهمان، وعلى القول الثاني تصح من اثني عشر أولًا، وتقسم وتصح من ستة وثلاثين على أحد الطرفين وبيانه أن مدعي الكل يختص بالنصف ستة ونصف السدس سهم وثلث الثلث سهم، وثلث فالجملة ثمانية وثلث، ويختص مدعي النصف بنصف سدس سهم وثلث الثلث سهم وثلث، فالجملة سهمان وثلث، وليس لمدعي النصف سوى سهم وثلث فيضرب أصل المسألة في مخرج الكسر تبلغ ستة وثلاثين لأن مدعي الكل قد سلم له النصف ولا ينازعه فيه أحد من صاحبيه كما سلم له مدعي الثلث السدس، وهو الثلث من النصف الآخر، وهو منازع فيه بين مدعي الكل ومدعي النصف فيقتسمانه بينهما نصفين، ويبقى الثلث فيقسمونه بينهم أثلاثا، وقد تقدم بسطه، وعلى الطريقة الأخرى في العمل تصح من أربعة وعشرين، ومنها تقسم إذا لم يسلم المدعي الكل على هذه الطريقة إلا السدس، وهو منها أربعة تبقى عشرون له منها أيضًا عشرة، فالجملة أربعة عشر، والباقي عشرة، فإن سلم منها مدعي الثلث لمدعي النصف اثنين لم يدعهما لزيادتهما على الثلث الذي ادعاه وتبقى ثمانية وهي ثلث أربعة وعشرين فيقتسمانها نصفين فالجملة للمدعي النصف ستة، ولمدعي الثلث أربعة، فقد تبين لك الفرق بين هذا العمل (1).

قوله: (وَلم يَأْخُذْهُ إِنْ شَهِدَ (2) بِأنّه كَانَ بِيَدِهِ) أي: أن من كان ذلك بيده (3) ليس له أن يأخذه ملكًا إذا أقام غيره (4) بينة مرجحة لكونه (5) كان بيده بل يبقى بيده على أنه حائز

(1) قوله: (فالقسم من أربعة لكل مدعي الكل ثلاثة أرباع

العمل) زيادة من (ن 4).

(2)

قوله: (إِنْ شَهِدَ) ساقط من (ن) و (ن 3).

(3)

قوله: (أن من كان ذلك بيده) يقابله في (ن): (من كان ذلك).

(4)

في (ن 3): (عليه).

(5)

قوله: (مرجحة لكونه) يقابله في (ن): (من حجة أنه).

ص: 203

وأنه (1) صاحب يد فقط (2).

قوله: (وإنِ ادَّعَى أَخٌ أسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ) يريد: أن من مات وترك ابنين مسلمًا ونصرانيًا فادعى المسلم أن أباه أسلم ثم مات، وادعى النصراني أنه لم يسلم بل مات نصرانيًا فالقول قول النصراني؛ لأنه مدعي الاستصحاب، ولا بينة لهما، ولو أقاما بينتين لقدمت بينة المسلم لأنها ناقلة والأخرى مستصحبة، وقد علمت أن الناقلة مقدمة، وإليه أشار بقوله:(وقُدِّمَتْ بَيِّنةُ المُسْلِمِ).

قوله: (إِلا بِأنَّه تَنَصَّرَ، ومَاتَ أَوْ جُهِلَ أَصْلُهُ فَيقْسَمُ) يريد: أن ما ذكره من تقديم بينة المسلم (3) إذا قالت: إنه أسلم ومات مقيد (4) بما إذا لم يقم الآخر بينة أنه نطق بالتنصر (5) ومات فلا تقدم بينة واحد (6) منهما لتعارض الحاصل بينهما إلا بوجه من الوجوه المرجحة (7) فإن لم يوجد ترجيح قسم ذلك بينهما نصفان عند ابن القاسم، وهو قوله في المدونة، وقال غيره فيها: تقدم بينة المسلم إذا تكافأتا بعد أن يحلف على نفي دعوى النصراني لأن بينته زادت. ابن يونس: قال بعض فقهائنا (8)، وقول ابن القاسم أصوب، لأن معناه أن الرجل جهل أصله وإذا جهل (9) فلا زيادة ولا أمر يرد إليه فوجب قسمة المال بينهما نصفين (10).

(1) في (ن): (لأنه).

(2)

قوله: (أي: أن من كان ذلك بيده

وأنه صاحب يد فقط) يقابله في (ن 5): (

قال ابن الحاجب: ولو شهد بأنه كان بيد المدعي أمس لم يأخذه بذلك. ابن عبد السلام: لأن كونه في يده لا يدل على أنه مالكه ولا مستحقه لأن وضع اليد عمد عن مطلق الحوز. انتهى).

(3)

قوله: (قوله: "إِلا بِأنَّه تَنَصَّرَ، ومَاتَ أَوْ جَهِلَ أَصلُهُ فيقْسَمُ"

المسلم) ساقط من (ن 3).

(4)

في (ن): (فقيده).

(5)

في (ن): (بالنصرانية).

(6)

قوله: (بينة واحد) في (ن): (واحدة).

(7)

قوله: (الوجوه المرجحة) يقابلها في (ن): (وجوه الترجيح).

(8)

في (ن): (الفقهاء).

(9)

قوله: (وإذا جهل) ساقط من (ن 4).

(10)

قوله: (نصفين) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

ص: 204

قوله: (كَمَجْهُولِ الدِّيْنِ) أي: فإنه يقسم بينهما أيضا ماله (1) نصفين، والمعنى: إذا كان أبوهما مجهول الدين، يريد: ولم يكن ثم (2) بينة بل دعوى الولدين فقط فإنه يقسم بينهما، لأن دعوى أحدهما ليست بأولى من دعوى الآخر.

قوله: (وقُسِمَ عَلَى الجهَاتِ بِالسَّوَّيَّةِ) أي: فإن كانت المسألة بحالها إلا أن المدعين جماعة، واختلفت دعاويهم، فإن قال بعضهم أنه مات على الإسلام وبعضهم أنه مات على النصرانية، فإن ماله يقسم على نصفين لكل جهة نصف، ولو زاد عدد أحدهما على الآخر.

قوله: (وإنْ كَانَ مَعَهُما طِفْلٌ، فَهَلْ يَحْلِفَانِ ويُوقَفُ الثُّلثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ ورُدَّ عَلَى الآخَرِ وإنْ مَاتَ حَلَفَا وقُسِمَ، أَوْ لِلصَّغِير النِّصْفُ ويُجْبَرُ عَلَى الإِسْلامِ؟ قَوْلانِ) أي: وإن كان مع الولدين المسلم والنصراني أخ لهما طفل فقد اختلف في ذلك على قولين: الأول منهما لسحنون أن الولدين يحلفان، ويوقف ثلث ما بيد كل واحد منهما، فإذا بلغ الطفل (3)، فمن وافقه، أي: ادعى دعواه فإنه يأخذ ما وقف له، ويرد للآخر (4) ما أوقف له من سهمه، فإن مات قبل بلوغه حلف الولدان وقسم الموقوف بينهما، ولأصبغ: إن الصغير له النصف لأن كلا منهما قد أقر له به، فله ذلك (5)، ويجبر على الإسلام، ابن عبد السلام: وكلام أصبغ صحيح في جبر الصغير على الإسلام إذا كبر زاد (6) عنه في النوادر، ويقسم النصف الآخر بينهما (7).

(المتن)

وَإنْ قَدَرَ عَلَى شَيئهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إِنْ لم يَكُنْ عُقُوبَةً وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً. وَإِن قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ الْغَائِبُ انْظِرَ فِي الْقَرِيبَةِ وفي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكيلُ مَا عَلِمَ

(1) قوله: (أيضا ماله) ساقط من (ن).

(2)

قوله: (ثم) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (الطفل) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (وقف له، ويرد للآخر) في (ن): (أوقف ويضيفه إلى ما بيد آخر ويقسمان أنصافا ويرد إلى الآخر).

(5)

في (ن): (النصف).

(6)

في (ن): (قال).

(7)

قوله: (ابن عبد السلام

إذا كبر زاد) ساقط من (ن 3) و (ن 5).

ص: 205

بِقَبْضِ مُوَكِلِهِ ويُقْضَى لَهُ، فَإنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ واسْتَمَرَّ الْقَبْضُ، وإِلا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ واسْتُرْجِعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ، وَمَنِ اسْتَمْهَلَ لِدَفْع بَيِّنَةٍ أُمْهِلَ بِالاِجْتِهَادِ كَحِسَابٍ وَشِبْهِهِ، بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ كَأَنْ أَرَادَ إِقَامَةَ ثَانٍ، أوْ لإقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ، وَفِيهَا أَيْضًا نَفْيُهُ، وَهَلْ خِلافٌ؟ أَوِ الْمُرَادُ وَكِيلٌ يُلازِمُهُ؟ أوْ إِن لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ؟ تَأْوِيلاتٌ. وَيُجيبُ عَنِ الْقصاصِ الْعَبْدُ، وَعَنِ الأَرْشِ السَّيِّدُ، وَالْيَمِينُ فِي كُل الحُقوق بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَوْ كِتَابِيًا، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيِّ يَقُولُ بِاللهِ فَقَطْ، وَغُلِّظَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ، كَالْكَنِيسَةِ، وَبَيتِ النَّارِ، وَبِالْقِيَامِ لا بِالاِسْتِقْبَالِ وَبِمِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام.

(الشرح)

قوله: (وإنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئهِ أَخَذَهُ) هذه مسألة الظفر، ومعناها: أن من توجه له قبل رجل حق (1) وقدر على استرجاعه، فإن له ذلك بشرطين: الأول: أن لا يكون حقه ذلك عقوبة، وإليه أشار بقوله:(إِنْ لم يَكُنْ عُقُوبَةً) أي: وأما العقوبة فلا بد فيها من الرفع للحاكم، ومثلها الحدود، ونحوها، والثاني: أن يأمن فتنة أو نسبة إلى رذيلة، وهي السرقة والغصب ونحوهما، وهو معنى قوله:(وأَمِنَ فِتْنةً وَرَذِيلَةً).

قوله: (وإنْ قَالَ أَبْرأَنِي مُوَكِّلُكَ الْغَائِبُ أُنْظِرَ في الْقَرِيبَةِ وفي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بقَبْضِ مُوَكِّلِهِ ويُقْضَى لَهُ، فَإنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ واسْتَمَرَّ الْقَبْضُ، وإلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوَبُ واسْتُرْجعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ)(2)، أي: فإن ادعى وكيل رجل غائب على شخص بما لموكله (3) قبله، فقال له: قد أبرأني موكلك الغائب من ذلك، فإنه ينظر حتى يقدم الغائب. ابن القاسم: ولا يحلف الوكيل. ولابن كنانة: إن كان الغائب (4) قريبًا كاليومين، كتب (5) إلى الحاكم فيحلفه، وإن بعد حلف الوكيل (6) أنه لم يعلم بقبض موكله، ويقضى له، وحمل على الوفاق لابن القاسم، ولهذا قال في البيان: لا خلاف في

(1) قوله: (قبل رجل حق) يقابله في (ن): (له حق قبل غيره).

(2)

قوله: (في الْقَرِيبَةِ والْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ

أُخِذَ مِنْهُ) ساقط من (ن 3).

(3)

قوله: (بما لموكله) يقابله في (ن): (بمال موكله).

(4)

قوله: (الغائب) زيادة من (ن).

(5)

في (ن): (كتب).

(6)

قوله: (ولابن كنانة: إن كان قريبا كاليومين،

الوكيل) ساقط من (ن 3).

ص: 206

الغيبة القريبة أنه لا يقضي للوكيل إلا بعد يمين الموكل. وقال محمد: يقضي على المطلوب وترجى له اليمين على الموكل، فإذا لقيه حلف، وإن نكل حلف المطلوب، واسترجع ما دفع. قلت: وهو (1) قول محمد في الغيبة البعيدة، وإلا فالاتفاق منقوض، أو يكون قوله: لا خلاف بين ابن القاسم وابن كنانة.

قوله: (ومَنِ اسْتَمْهَلَ لِدَفْعِ بَيِّنةٍ، أُمهل) استمهل (2) أي: طلب المهلة حتى يأتي بما يدفع به بينة قامت عليه وطلب المدعي التنجيز (3) فإنه يمهل حتى لا تبقي له حجة، وكذلك يمهل له أيضًا (4) لإقامة البينة وشبهها مما (5) سيذكره.

قوله: (بِالاجْتِهَادِ) كذا قال غير واحد، وأنه ليس فيه حد محدود لا يتجاوز (6)، وإنما هو بحسب ما يقتضيه الحال، وفي المدونة: إن ادعي شهودًا حضورًا على حقه وقف الخمسة الأيام والجمعة. ابن عبد السلام: والمذهب عدم التحديد، وقد تقدم في الأقضية قدر مدة الإعذار والخلاف فيه (7).

قوله: (كَحِسَابٍ وشِبْهِهِ) أي: طلب التأخير لحاسب (8) بينه وبين الطالب أو غيره أو شبه ذلك مما يؤدي إلى تحقيق ما يجب عليه كالإقرار والإنكار (9).

قوله: (بِكَفِيلٍ بِالمَالِ) أي: إنما يمهل المطلوب بكفيل بما عليه من المال. المازري: وكذا لو أقام الطالب شاهدًا وطلب المهلة (10) ليقيم عليه شاهدًا آخر، وهو معنى قوله:(كأَنْ أَرَادَ إِقَامَةَ ثَانٍ) أي: شاهد ثان.

(1) قوله: (واسترجع ما دفع. قلت: وهو) في (ن): (واسترجعه ولعل).

(2)

قوله: (استمهل) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (قامت عليه وطلب المدعي التنجيز) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (صاحبه).

(4)

قوله: (وكذلك يمهل له أيضًا الطالب) يقابله في (ن): (وسواء في ذلك المطلوب أو الطالب).

(5)

في (ن): (كما).

(6)

في (ن 5): (يجوز).

(7)

قوله: (والخلاف فيه) زيادة من (ن 4).

(8)

في (ن 5): (يحاسب).

(9)

قوله: (مما يؤدي إلى تحقيق ما يجب عليه كالإقرار والإنكار) يقابله في (ن): اليحقق ما يجيب به من إقرار أو إنكار).

(10)

قوله: (المهلة) يقابله في (ن 3): (المدعي عليه ذلك)، وفي (ن) و (ن 5):(المدعي ذلك).

ص: 207

قوله: (أَوْ لإِقَامَةِ بَيِّنةٍ) أي: وكذا يمهل إذا طلب ذلك لإقامة بينة (1) يدعيها أو ما أشبه ذلك، وقد تقدم (2).

قوله: (فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ) أي: فإذا طلب المدعي من (3) غريم (4) كفيلًا حتى يقيم البينة فلا يلزمه حميل بالمال اتفاقًا، ويلزمه الحميل (5) بالوجه، وفي المدونة خلاف في ذلك؛ ففيها هذا، وفيها نفيه، واختلف هل ذلك اختلاف من القول (6) أو وفاق، وقد أشار إلى ذلك بقوله (7)، (وفيها أيضًا: نفيه، وهل خلاف أو المراد وكيل يلازمه، وإن لم يعرف عينه تأويلات) (8)، أي: وفي المدونة أيضًا: أنه لا يلزمه حميل، وقاله في كتاب الحمالة منها، وفي الشهادة أن ذلك يلزمه، وقال بعض الأشياخ ما في الموضعين خلاف، وقال أبو عمران: المراد بالكفيل في الشهادة الوكيل، بمعنى أنه يوكل من يلازمه ويحرسه، لأن الوكيل قد يطلق عليه كفيل، وقال ابن يونس في الحمالة، يعني: عن ابن القاسم (9) إذا لم يكن المدعَى عليه معروفًا مشهورًا فللطالب عليه كفيل بوجهه ليوقع البينة على عينه. وأما لو كان معروفا فلا يلزمه كفيل، لأنا نسمع البينة عليه في غيبته.

قوله: (ويُجِيبُ عَنِ القُصَاصِ الْعَبْد وعن الأَرْشِ السيِدُ) أي: ويجيب العبد عن دعوى القصاص، والسيد عن دعوى الأرش، وإنما كان ذلك كذلك، لأن الذي يتكلف الجواب هو من توجهت عليه الحق، ويقع الحكم عليه، وقد علمت أن الطالب بالقصاص العبد، وما في معناه حد القذف، والمطالب بالأرش السيد، وهو واضح.

قوله: (والْيَمِينُ فِي كُلِّ الحُقوق بِاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُو) انظر هذا مع ما تقدم في اللعان أن اليمين فيه: أشهد بالله فقط على مذهب المدونة، وقد تقدم هناك في صفة

(1) قوله: (لإقامة بينة) يقابله في (ن): (بسبب إقامة).

(2)

قوله: (أو ما أشبه ذلك، وقد تقدم) ساقط من (ن) و (ن 5).

(3)

قوله: (يمهل إذا طلب ذلك لإقامة بينة يدعيها

فإذا طلب المدعي من) ساقط من (ن 3).

(4)

في (ن): (غريمه).

(5)

في (ن) و (ن 5): (ذلك).

(6)

قوله: (اختلاف من القول) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (خلاف).

(7)

قوله: (بقوله) ساقط من (ن 4).

(8)

في (ن): (تأويلان).

(9)

قوله: (ابن القاسم) في (ن 4): (غير ابن القاسم).

ص: 208

اليمين نحو من ستة أقوال، واختلف أيضا في صفتها في الأموال ونحوها، فقيل: بالله الذي لا إله إلا هو، وقيل: يزاد عالم الغيب والشهادة. ابن رشد (1): وهو الذي جرى به العمل عندهم، وقيل: يزاد على ذلك الرحمن الرحيم، وقيل: يزاد الذي أمات وأحيا.

قوله: (وَلَوْ كِتَابِيًّا) يريد: أن الكتابي أيضا يمينه بالله الذي لا إله إلا هو، وظاهر كلام مالك (2) أن المجوسي كذلك، وقيل: لا يلزمه إلا بالله، وفي المدونة: لا يحلف الكتابي إلا بالله، فحمله ابن شبلون على ظاهرها وأنهم لا يلزمهم تمام الشهادة إذ لا يعتقدونها فلا يتكلفون إلا ما (3) يتدينون به، وقال غيره: أن اليهود يلزمهم ذلك لقولهم بالتوحيد، بخلاف النصراني، وإلى هذا أشار بقوله:(وتُؤُولَتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ بِاللهِ فَقَطْ) وألزمهم بعض الأشياخ جميع ذلك، سواء اعتقدوه أم لا، رضوا به أو كرهوا ذلك، ولا يعد ذلك منهم إسلاما، بعض الأشياخ: لأن ذلك حكم يجري عليهم الإمام كالحكم بينهم وبين المسلمين (4)، عياض: وإليه ذهب المتقدمون من الأصحاب، والمشهور أنه لا يزاد على اليهودي الذي أنزل التوراة على موسى، ولا على النصراني الذي أنزل (5) الإنجيل على عيسى، وروى الواقدي عن مالك زيادة ذلك عليهم.

قوله: (وغُلِّظَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ) أي: وغلظت اليمين في ربع دينار فصاعدا لا أقل من ذلك بجامع، أي: في حق المسلم، المازري: والمعروف أنه لا ينوب مناب الجامع الأعظم مسجد آخر، ولو كان مسجد جماعة وقبائل، واستقرأ (6) الباجي التحليف في سائر المساجد لما رواه سحنون (7) أن المرأة تحلف في أقرب مسجد إليها.

قوله: (كَالْكَنيسَةِ) في حق النصراني، ومثله البيعة في حق اليهودي.

(1) قوله: (ابن رشد) يقابله في (ن 3): (ابن يونس).

(2)

قوله: (مالك) ساقط من (ن 3).

(3)

قوله: (إلا ما) يقابله في (ن): (بما لا).

(4)

قوله: (بعض الأشياخ: لأن ذلك حكم يجري عليهم الإمام كالحكم بينهم وبين المسلمين) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(5)

قوله: (والذي أنزل) ساقط من (ن 4).

(6)

في (ن 3): (واستقر).

(7)

قوله: (سحنون) في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (ابن سحنون).

ص: 209

قوله: (وبَيْتِ النَّارِ) أي: في حق المجوسي، وقاله في المدونة.

قوله: (وبِالْقِيَامِ) أي: ومما تغلظ به اليمين أيضا القيام وهو قوله في الرسالة: ويحلف قائما، وروي عن مالك مثله في كتاب محمد (1)، ابن سحنون: وسماع ابن القاسم، وعن مالك أنه يحلف جالسا.

قوله: (لا بِالاسْتِقْبَالِ) أي: فلا تغلظ به، وهو مذهب المدونة، وقال مطرف وابن الماجشون: يحلف قائما مستقبلا، وبه قال أشهب في القسامة واللعان دون غيرهما.

قوله: (وبِمِنْبَرِهِ عليه السلام أي: وهكذا تغلظ اليمين بكونها عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه في المدونة، وظاهرها أنه لا (2) يحلف في غير مسجده صلى الله عليه وسلم عند المنبر، وإليه أشار بقوله (فقط)، وروى ابن وهب مثله (3)، وقال مطرف وعبد الملك: يحلف أيضا في غيره عند المنبر، انظر الكبير.

(المتن)

وَخَرَجَتِ الْمُخَدَّرَةُ فِيمَا ادَّعَتْ، أَوِ ادُّعِيَ عَلَيهَا، إِلَّا الَّتِي لا تَخْرُجُ نَهَارًا، وَإِنْ مُسْتَوْلَدَةً فَلَيْلًا، وَتُحَلَّفُ فِي أَقَلَّ بِبَيتهَا وَإِنِ ادَّعَى قَضَاءً على مَيِّتٍ لَمْ يَحْلِفْ إِلَّا مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَحَلَفَ فِي نَقْصٍ بَتًّا، وَغِشٍّ عِلْمًا، وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ على ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّ أَبِيهِ، أَوْ قَرِينَةٍ، ويمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا، وَلا شَيء مِنْهُ. وَنَفَى سَبَبًا إِنْ عُيِّنَ وَغَيْرَهُ، فَإِنْ قَضَى نَوَى سَلَفًا يَجِبُ رَدُّهُ، وَإِنْ قَالَ وَقْفٌ، أَوْ لِوَلَدِي لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ بَيِّنَتِهِ. وَإنْ قَالَ لِفُلانٍ، فَإِنْ حَضَرَ ادُّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ، وَإنْ نكَلَ حَلَفَ المدعَي عليه وَغَرِمَ المقر قيمة مَا فَوَّتَهُ عليه، أَوْ غَابَ لَزِمَتهُ اليَمِينُ أَوْ بَيِّنَة، وَانْتَقَلَتِ الْحُكُومَةُ لَهُ، فَإِنْ نكَلَ أَخَذَهُ بِلا يَمِينٍ، وَإنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ وَإنِ اسْتَحْلَفَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ.

(الشرح)

قوله: (وخَرَجَتِ الْمُخَدَّرَةُ) أي: المستترة في بيتها، والخدر الستر للجارية في ناحية

(1) قوله: (محمد) ساقط من (ن).

(2)

قوله: (لا) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (مثله) ساقط من (ن).

ص: 210

البيت، أو الهودج (1)، قاله الجوهري، ويريد أنها تخرج في ما لَهُ بَالٌ كربع دينار فصاعدا، ويدل عليه قوله بعده، وتحلف في أقل ببيتها، والمشهور ما ذكر، وهو قول مطرف وعبد الملك، وعن ابن القاسم أيضا: لا تخرج إلا في المال الكثير الذي لَهُ بَالٌ، قال اللخمي: كالدينار فصاعدا.

قوله: (فِيما ادَّعَتْ، أَوِ ادُّعِيَ عَلَيْهَا) يريد: انه لا فرق في ذلك بين أن تكون هي صاحبة حق أو مطلوبة بحق.

قوله: (إِلا التِي لا تَخْرُجُ نَهَارًا، وَإِنْ مُسْتَوْلَدَةَ قَلِيلًا) واختلف الأشياخ في التي لا تخرج نهارا، فقال الأندلسيون تخرج ليلا، كما قال هنا، قالوا: وإن امتنعت حكم عليها بحكم النكول، وقال ابن كنانة وغيره: تحلف في بيتها والمدونة محتملة للقولين، وهذا فيما تطلب به، وتجب عليها، وأما فيما تستحق به حقها، فقال ابن كنانة: تخرج إلى موضع اليمين، ولم يذكر (2) في ذلك خلافا، وحكم أم الولد في خروجها وعدمه في اليمين الواجبة عليها حكم المخدرة، ولهذا قال في المدونة: وأم الولد مثل الحرة في ذلك، وقال بعضهم هي كالرجل في الخروج واليمين (3).

قوله: (وَتُحَلَّفُ فِي أَقَل بِبَيْتهَا) أي: وإن كان الحق الذي توجه على المراة اليمين بسببه أقل من ربع دينار، فإنها تحلف في بيتها.

قوله: (وَإِنِ ادَّعَى قَضَاءً عَلَى مَيِّتٍ يَحْلِفْ إِلا مَنْ يُظَن بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ) يريد: أن من مات وله دين على غيره وطلب الورثة ذلك ممن هو عليه فادعي أنه قضاه للميت وأن الورثة عالمون بذلك فإنه يحلف من البالغين منهم من يظن بهم العلم كقريب القرابة المخالط له، وأما البعيد فلا يحلف كالصغير، ابن عبد السلام: وهو المذهب، ويحلف القريب (4) البالغ على نفي العلم فيقول ما علمت أنه قضاه شيئا، ولا يكلف البت، ثم يقضي لجميعهم.

قوله: (وحَلَفَ في نَقصٍ بَتًّا، وغِشٍّ عِلْمًا) يريد: أن من دفع لشخص دراهم أو دنانير

(1) قوله: (للجارية في ناحية البيت، أو الهودج) زيادة من (ن).

(2)

في (ن): (يذكروا).

(3)

قوله: (واليمين) في (ن 3) و (ن 5): (لليمين).

(4)

قوله: (القريب) ساقط من (ن).

ص: 211

فوجدها ناقصة أو مغشوشة فإنه يحلف في نفي النقص على البت، فيقول والله ما أعطيته إلا تماما (1)، لأن النقص يمكن فيه حصول العلم، وأما نفي الغش فيحلف على نفي العلم، فيقول: ما أعطيته إلا جيادا في علمي، وقيل: هذا في غير الصيرفي، وأما الصيرفي (2) فيحلف على البت مطلقا.

قوله: (وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّ أبِيهِ، أَوْ قَرِينة) يريد: أن الحالف على البت يكتفي في الإقدام على ذلك بالظن القوي كاعتماده على خطه أو خط أبيه أو قرينة من نكول (3) خصمه، ونحو ذلك، وقيل: لا بد من اعتماده في ذلك على العلم، ولا يكفي الظن، والقولان في ذلك لمالك.

قوله: (وَيمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا، ولا شَيْءٌ مِنْهُ) أي: كما إذا ادعى عليه بعشرة فأنكرها فإنه يحلف ما له عندي عشرة، ولا شيء منها.

قوله: (ونَفَى سَبَبًا، إِنْ عُيِّن وغيرَهُ) يريد: كما إذا قال أسلفته العشرة، فيقول في يمينه ما له عندي عشرة من سلف ولا غيره، فقوله:(وغَيْرَهُ) معطوف على سبب، فيكون معمولا لقوله:(ونَفَى سَبَبًا) أي: أن الحالف ينفي السبب الذي يذكره الطالب مع غيره، ونص عليه أشهب وسحنون (4). الباجي: والقياس الاكتفاء بما له عندي عشرة من سلف، أشهب: ولو لم يقل وغيره لم يجز اليمين، وقال مالك: يقبل ما له عندي حق وهو قول عبد الملك، ثم رجع مالك إلى القول الأول الذي ذكره الشيخ، وهو المشهور.

قوله: (فَإِنْ قَضى نَوَى سَلَفًا يَجِبُ رَدُّهُ) تفريع على المشهور المرجوع إليه من أنه لا بد من ذكره السبب في الشيء (5)، أي: فإن قضى الدين الذي كان عليه من السلف وأنكره القابض، وأراد تحليفه أنه ما تسلف منه شيئا (6)، فإنه يحلف ما تسلف منه شيئًا (7)، ابن

(1) زاد في (ن 3): (له).

(2)

قوله: (الصيرفي) في (ن): (هو).

(3)

قوله: (نكول) زيادة من (ن).

(4)

في (ن 4): (وغيره).

(5)

قوله: (تفريع على المشهور المرجوع إليه من أنه لا بد من ذكره السبب في الشيء) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(6)

قوله: (شيئا) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (شيئا) ساقط من (ن).

ص: 212

الحارث عن أحمد بن زياد عن محمد بن إبراهيم بن عبدوس: ينوي سلفًا يجب رده، ويبرأ من الإثم في ذلك (1).

قوله: (وَإِنْ قَالَ وَقْفٌ، أَوْ لِوَلَدِي لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ بَيِّنتِهِ) يريد: أن من ادعى شيئا معينا بيد غيره فأجاب من هو بيده (2) بأنه وقف أو بأنه لولدي، فإن ذلك لا يمنع المدعي من إقامة البينة، ويقال له: أقم البينة، فإن هذا لا ينازعك فتكون المنازعة بين المدعي وبين ناظر الوقف أو بينه وبين الولد إن كان كبيرا أو والده (3) إن كان صغيرا.

قوله: (وَإِنْ قَالَ لِفُلانٍ، فَإِنْ حَضَرَ ادُّعِيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ نكَلَ حَلَفَ المدعَى عليه وَغَرِمَ المقر قيمة مَا فَوَّتَهُ عليه (4)) أي فإن قال المدعى عليه المدعَى فيه (5) ليس هو لي بل هو لفلان، فإن حضر فلان ادعي عليه فإن حلف فللمدعي أن يحلف المقر هو وهو الذي بيده ذلك أنه ما أقر إلا بالحق، فإن حلف فلا كلام وإن نكل حلف المدعي وغرم المقر قيمة ما فوته عليه (6) يريد: إن كان مقوما وإلا غرم له مثله.

قوله: (أَوْ غَابَ لَزِمَتهُ اليَمِينُ أَوْ بَيِّنَةٌ) هذا قسيم قوله: (فَإِنْ حَضَرَ) أي: وإن غاب يريد غيبة بعيدة لزم المقر اليمين أن فلانا الغائب أودعه ذلك أو رهنه إياه أو قامت البينة على ذلك، وقاله أشهب، ومن الناس من قال: لا يمين عليه إذا لم يقل رهنه عندي أو وهبه لي، إذ لا يحلف أحد لإثبات ملك غيره، ونص عليه (7) بعض الشيوخ، فإن نكل حلف المدعي وأخذه حتى يقدم الغائب فيخاصمه، وإلى هذا أشار بقوله:(وَانْتَقَلَتِ الْحُكُومَةُ لَهُ).

قوله: (فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلا يَمِينٍ) أي: المقر أخذه، أي: المدعي بلا يمين، وهو ظاهر

(1) قوله: (في ذلك) ساقط من (ن).

(2)

قوله: (من هو بيده) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (أو والده) يقابله في (ن): (ووالده).

(4)

قوله: (المدعَى عليه وَعزِمَ المقر قيمة ما فوته عليه) يقابله في (ن): (ما فوته).

(5)

قوله: (المدعي فيه) زيادة من (ن).

(6)

قوله: (أي فإن قال المدعي عليه ليس

ما فوته عليه) ساقط من (ن 4).

(7)

قوله: (ونص عليه) ساقط من (ن).

ص: 213

قوله: (وَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ) أي: فإن قدم المقر له فصدق المقر أخذ ذلك، ابن سحنون: من ادعى دارا بيد غيره، فقال: هي لفلان الغائب، فإن حلف بقيت بيده، وإن نكل سلمها للمدعي (1) بلا يمين حتى يقدم الغائب فيأخذها بإقرار من كانت بيده.

المازري: فإن جاء المقر له (2) وكذب المقر فهل يكون ذلك لبيت المال، لأنه كمال لا مالك له، المازري، وهو ظاهر الرواية عندنا، أو يسلم (3) لمدعيه كما أخذ من السلابة (4) إذ لا منازع (5) له حينئذ فيه (6)، وقيل: يضرب الإمام عن ذلك، ويبقي بيد حائزه.

قوله: (وَإِنِ اسْتَحْلَفَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ) يريد (7): أن الطالب إذا كانت له بينة حاضرة بالبلد أو قريبة الغيبة كالجمعة، وهو عالم بها، وأراد أن يستحلف المطلوب فليس له بعد يمينه قيام بينة، ولا تسمع، فإن لم يعلم بها سمعت. سحنون: وهو مصدق في نفي العلم مع يمينه، وقال أشهب: له القيام بها مطلقا علم بها أو لا، قربت أو بعدت، غابت أو حضرت (8)، وصححه ابن القصار وغيره، لقول عمر رضي الله عنه: البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة.

(المتن)

وإنْ نكلَ فِي مَالٍ وَحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إِنْ حَقَّقَ ويمين تهمة بمجرد النكول، وَلْيُبَيِّنِ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ، وَلا يُمَكَّنُ مِنْهَا إِنْ نكلَ، بِخِلافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ، وَإِنْ رُدَّتْ على مُدَّعٍ وَسَكَتَ زَمَنًا فَلَهُ الْحَلِفُ. وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِي غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ، ثُمَّ ادَّعَى سَاكِتٌ حَاضِرٌ بِلا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَلا ببينة، إِلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ، كشَرِيكٍ أَجْنَبِيٍ حَازَ فِيهَا؛ إِنْ هَدَمَ وَبَنَى. وَفِي الشَّرِيكِ

(1) في (ن 3): (المدعي).

(2)

قوله: (المازري: فإن جاء المقر له) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (واختُلف إذا قدم).

(3)

قوله: (أو يسلم) يقابله في (ن 3): (ويسلم).

(4)

قوله: (كما أخذ من السلابة) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(5)

في (ن): (نازع).

(6)

قوله: (فيه) زيادة من (ن).

(7)

قوله: (يريد) في (ن): (يعني بذلك).

(8)

قوله: (غابت أو حفرت) يقابله في (ن): (أو كانت حاضرة).

ص: 214

الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلانِ، لا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ إِلَّا بِهِبَةٍ، إِلَّا أَنْ يَطُولَ مَعَهُمَا مَا تَهْلِكُ الْبَيِّنَاتُ، وَيَنْقَطِعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَإنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيرِهَا فِي الأَجْنَبِي فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ، وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرْضٍ.

(الشرح)

قوله: (وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إِنْ حَقَّقَ ويمين تهمة بمجرد النكول) احترز بالمال من الحقوق التي لا تثبت بالنكول واليمين فقوله إن حقق من (1) يمين التهمة فإن الحق يثبت فيها بمجرد النكول على المشهور قاله ابن رشد، والضمير في به عائد على النكول، والباء فيه بمعنى مع، والمعني أن المدعي عليه إذا توجهت عليه اليمين فنكل عنها، فإن الطالب يستحق المال مع النكول بيمين إن حقق عليه الدعوى وإن لم يحققها لم يمكن المدعي عليه من رد اليمين إذ يصير الحلف على شيء مجهول لا يعلم له أصل.

قوله: (ولْيُبَيِّن الحْاكِمُ حُكْمَهُ) أي: حكم النكول، والمعني: أن القاضي إذا عرض على المطلوب اليمين فإنه يشرح له حكم النكول بأن يقول له إن نكلت عن اليمين حلف المدعي، واستحق ما ادعاه عليك.

قوله: (ولا يُمَكَّنُ مِنْهَا إِنْ نَكَلَ) يريد: أن المدعي عليه إذا نكل عن اليمين ثم قال بعد ذلك (2): أنا أحلف، فإنه لا يمكن منها ثانية (3)، لأن نكوله أولا دليل على صدق ما ادعاه عليه، ابن شاس: ويتم نكوله بأن يقول: لا أحلف أو أنا ناكل، أو يقول للمدعي: احلف أنت، أو تمادى على الامتناع من اليمين.

قوله: (بِخِلافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ) قال في المدونة: ومن قام له شاهد بحق فرد اليمين على المدعي عليه فإنه لا رجوع له في ذلك، أبو عمران: بلا خلاف، قال: وأما المدعي عليه يلتزم اليمين، ثم يريد الرجوع عنها إلى حلف المدعي، فإنه يمكن من ذلك، لأن التزامه لا يكون أشد من إلزام الله تعالى له (4)، ثم قال: ولقد خالفني في ذلك

(1) قوله: (فقوله إن حقق) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 4).

(2)

قوله: (بعد ذلك) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (ثانية) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (له) ساقط من (ن).

ص: 215

ابن الكاتب ورأى أن ذلك يلزمه وليس له رد اليمين والصواب ما قدمته، وعلى هذا فكلام الشيخ رحمه الله أن يقول (1) بخلاف مدعى عليه التزمها ولم أر بخطه إلا ما ذكرته، وما أظنه إلا تحريفا (2) في الكتابة بإسقاط لفظة عليه والله أعلم.

قوله: (وَإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وسَكَتَ زَمَنًا فَلَهُ الحْلْفُ) أي: وإن قال الراد: أنا أحلف فليس له ذلك، وحلف المدعي الذي ردت عليه (3)، ابن عتاب، وسواء طال زمان السكوت أو قصر، وهو قول مالك وأصحابه.

قوله: (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِي غَيْرُ شَرِيكٍ وتَصَرَّفَ، ثُمَّ ادَّعَى سَاكِتٌ حَاضِرٌ بِلا مَانِعٍ عَشْرَ سِنينَ، لَمْ تُسْمَعْ) ذكر رحمه الله أن حيازة الأجنبي غير الشريك عشر سنين تنقل الملك بشروط أربعة (4)، الأول: أن يكون متصرفا في ذلك المال (5) بالبناء والهدم أو غيرهما وهو قول ابن القاسم (6)، قال في (7) البيان: والمشهور أن الحيازة عشر سنين بين الأجانب غير الشركاء، تنقل الملك وإن لم تكن بالبناء والهدم، وعن ابن القاسم: لا تكفي العشرة إلا فيها فقط، وأجمل الشيخ في التصرف ليشمل الإتلاف كبيع العبد وعتقه، ووطء الأمة، إلا أن هذا لا يحتاج معه إلى وطء المدة (8) إذا علم المدعي ولم ينكر للشرط (9) الثاني: أن يكون المدعي حاضرا مع الحائز، فإن كان غائبا عنه (10) فله القيام

(1) في (ن): (يقرأ).

(2)

في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (سهوا).

(3)

قوله: (المدعي الذي ردت عليه) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (الساكت).

(4)

قوله: (أربعة) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (المال) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (وهو قول ابن القاسم) ساقط من (ن 4).

(7)

قوله: (قال في) في (ن): (وفي).

(8)

قوله: (والمشهور أن الحيازة عشر سنين بين الأجانب غير الشركاء،

وطء المدة) في (ن 3) و (ن 5): (أن العشر سنين يحتاج معها إلى هدم ولا بناء ولا غيرهما، قال وهو المشهور رحمه الله في التصرف ليشمل الخلاف كبيع العبد ووطء الأمة إلى أن هذا لا يحتاج معها إلى طول المدة)، وفي (ن):(أن العشر سنين لا يحتاج معها إلى هدم أو بناء أو غيرهما قال وهو المشهور وأجمل رحمه الله في التصرف ليشمل الإتلاف كبيع العبد وعتقه ووطء الأمة إلا أن هذا لا يحتاج معه إلى طول المدة).

(9)

قوله: (للشرط) ساقط من (ن).

(10)

قوله: (عنه) ساقط من (ن).

ص: 216

إن بعدت غيبته كالسبعة الأيام، وإن كانت قريبة كالأربعة الأيام ونحوها أو ثبت عذره من القدوم من عجز أو غيره، وعن التنكيل، علم بذلك فلا حجة عليه (1)، وإن أشكل أمره، فقال ابن القاسم: لا يسقط حقه خلافا لابن حبيب، الثالث: أن يكون ساكتا احترازا مما إذا تكلم ونازع الحائز (2) في تلك المدة أو في بعضها فله القيام ويشترط مع ذلك (3) في الحاضر أن يعلم أن ذلك ملكه، فلو كان وارثا وادعى أنه لم يعلم قضي له بذلك، قاله في الوثائق المجموعة، الرابع: ألا يكون للمدعي مانع من خوف أو مصاهرة أو نحوهما عشر سنين، و [لو] كان له مانع يمنعه من القيام فله ذلك، وكذلك له القيام إذا لم تستوف المدة عشر سنين، وفي الواضحة (4) فلو كانت الحيازة ثمان سنين فإنها تنقل الملك كما تنقل العشرة (5).

قوله: (لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنتُهُ) جوابا عن قوله: وإن حاز أجنبي إلى آخره، ابن رشد ولا بد مع ذلك من يمين الحائز.

قوله: (ولا ببينة إلا بإسكان ونحوه) يريد (6) أن المدعي لو أقام بينة على نفي ما ادعى (7) من الحيازة المعتبرة لم تسمع (8) إلا أن تشهد له، بأنه أسكن الحائز أو أعمره أو ساقاه أو زارعه وشبه ذلك، وهو مراده بنحو الإسكان، فإذا قامت له بذلك بينة حلف على رد دعوى الحائز نقل الملك (9)، وقضي له به، وإن لم يدع الحائز إلا مجرد الحيازة فلا

(1) قوله: (من القدوم من عجز أو غيره، وعن التنكيل، علم بذلك فلا حجة عليه) في (ن): (عن القدوم لعجز ونحوه، أو عن التوكيل فلا حجة عليه بالحيازة وإن علم بها).

(2)

قوله: (الحائز) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (فله القيام ويشترط مع ذلك) يقابله في (ن): (ويشترط).

(4)

قوله: (عشر سنين، وكان له مانع يمنعه من القيام

وفي الواضحة) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(5)

قوله: (فإنها تنقل الملك كما تنقل العشرة) يقابله في (ن 3) و (ن 5): (لم تنقل خلافا لما في الواضحة)، وفي (ن):(لم تبقي خلافا لما في الواضحة).

(6)

في (ن 4): (يريدان).

(7)

قوله: (نفي ما ادعى) في (ن): (ما ادعاه).

(8)

قوله: (جوابا عن قوله وإن حاز أجنبي

من الحيازة المعتبرة لم تسمع) ساقط من (ن 4).

(9)

قوله: (نقل الملك) ساقط من (ن).

ص: 217

يمين عليه (1).

قوله: (كَشَرِيكٍ أَجْنَبِي حَازَ فِيهَا إِنْ هَدَمَ وبَنَى) أي: فإن كان الأجنبي شريكا وحاز (2) فيها أي في العشر سنين فإن الحيازة تثبت له (3) إن هدم وبنى.

ابن رشد: ولم يختلف فيه قول ابن القاسم، فإن لم يكن هدم ولا بناء فيها (4) لم تثبت له (5) الحيازة، وعلى هذا فلا فرق بين الأجنبي الشريك (6) وغيره إذا بنى أو هدم إلا على ما تقدم لابن رشد في غير الشريك.

قوله: (وفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُما، قَوْلانِ) أي: مع البناء والهدم، والقولان لابن القاسم، قال مرة: العشر سنين معهما حيازة، وقال مرة: ليست بحيازة إلا أن يطول كالأربعين سنة، انظر الكبير.

قوله: (لا بَيْنَ أَبٍ وابْنِهِ، إِلا بِهِبَةٍ (7)) قال في البيان: ولا خلاف أن الحيازة لا تكون بين الأب وابنه بالسكنى، والازدراع، ولا خلاف أنها تكون بالتفويت بالهبة والصدقة والعتق والتدبير (8) والكتابة والوطء وغير ذلك مما يفوت، ثم (9) قال: واختلف في الهدم والبناء والغرس، فالمشهور أنه لا يكون حوزا قام (10) أحدهما على الآخر في حياته أو بعد وفاته، إلا أن يطول الأمر (11) جدا إلى (مَا تَهْلِكُ فيه الْبَيِّنةُ، وَينْقَطِعُ به (12) الْعِلْمُ) وإليه أشار بقوله: (إِلا أَنْ يَطُولَ مَعَهُما) أي: مع الهدم والبناء ما تهلك فيه البينة (13)،

(1) قوله: (وإن لم يدع الحائز إلا مجرد الحيازة فلا يمين عليه) ساقط من (ن) و (ن 3) و (ن 5).

(2)

في (ن): (وحال).

(3)

قوله: (فإن الحيازة تثبت له) في (ن): (ثبتت).

(4)

قوله: (فيها) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (فيها لم تثبت له) يقابله في (ن): (لم تثبت).

(6)

قوله: (الأجنبي الشريك) في (ن): (في الأجنبي بين الشريك).

(7)

في (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (كبهبة).

(8)

قوله: (والتدبير) ساقط من (ن).

(9)

قوله: (وغير ذلك مما يفوت، ثم) ساقط من (ن).

(10)

في (ن 3): (أقام).

(11)

في (ن): (الأمد).

(12)

في (ن): (فيه).

(13)

قوله: (فيه البينة) في (ن): (البينات).

ص: 218

وينقطع به العلم، ابن رشد: والشاذ أنه يجوز له بذلك قام عليه (1) في حياته أو على سائر ورثته بعد وفاته، وهو قول مطرف وابن دينار.

قوله: (وإِنَّما تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غيرِهَا فِي الأَجْنَبِيِّ، فَفِي الدَّابَّةِ وأَمَةِ الخدْمَةِ، السَّنَتَانِ، ويُزَادُ في عَبْدٍ وعَرْضٍ) أشار بهذا إلى ما ذكره ابن رشد عن أصبغ أنه بعد أن حكي أنه لا فرق في حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض، قال: وإنما يفترق ذلك (2) في الأجنبي، فقال أصبغ: السنة والسنتان في الدواب حيازة إذا كانت تركب وفي الإماء إذا كن يستخدمن، وفي العبيد والعروض إذا كان فوق ذلك، ولا ينبغي بشيء من ذلك عشرة أعوام كما في الأول (3)، ابن رشد: واختلف في حيازة الأقرباء غير الشركاء والأصهار والموالي غير الشركاء (4) على ثلاثة أقوال (5)، فقيل: كالأجانب حيازتهم بالسكنى والازدراع والهدم في العشر سنين حيازة، وقيل: ليس ذلك كله في العشر سنين حيازة إلا أن تطول المدة، وقيل: الهدم والبناء حيازة فيها بخلاف غيرهما، فلا بد من طول المدة جدًّا (6).

* * *

(1) قوله: (عليه) ساقط من (ن).

(2)

في (ن): (الدار).

(3)

قوله: (ولا ينبغي بشيء من ذلك عشرة أعوام كما في الأول) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (والموالي غير الشركاء) في (ن): (والموالي الشركاء).

(5)

قوله: (على ثلاثة أقوال) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (إذا حصل الهدم والبناء).

(6)

قوله: (حيازتهم بالسكنى والازدراع والهدم في العشر سنين حيازة، وقيل: ليس ذلك كله في العشر سنين حيازة إلا أن تطول المدة، وقيل: الهدم والبناء حيازة فيها بخلاف غيرهما، فلا بد من طول المدة جدا) يقابله في (ن): (وقيل لا إلا أن يطول وقيل حيازة في الأقارب فقط وأما الموالي والأصهار غير الشركاء فقيل حيازتهم بالسكنى والازدراع في العشر سنين حيازة وقيل لا إلا مع الهدم والبناء وقيل لا ولو مع الهدم والبناء إلا أن تطول المدة).

ص: 219