الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[672]
قَوْلُهُ (إِذَا أَعْطَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا) أَيْ أَنْفَقَتْ وَتَصَدَّقَتْ (غَيْرَ مُفْسِدَةٍ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ غَيْرَ مُسْرِفَةٍ فِي التَّصَدُّقِ
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِذْنِ الزَّوْجِ لَهَا بِذَلِكَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَقِيلَ هَذَا جَارٍ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فَإِنَّ عَادَاتِهِمْ أَنْ يَأْذَنُوا لَزَوْجَاتِهِمْ وَخَدَمِهِمْ بِأَنْ يُضَيِّفُوا الْأَضْيَافَ وَيُطْعِمُوا السَّائِلَ وَالْمِسْكِينَ وَالْجِيرَانَ فَحَرَّضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ الْحَسَنَةِ وَالْخَصْلَةِ الْمُسْتَحْسَنَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَإِنَّ لَهَا مِثْلَ أَجْرِهِ) أَيْ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ أَجْرِ الزَّوْجِ (لَهَا مَا نَوَتْ حَسَنًا) حَالٌ مِنَ الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ مَا نَوَتْ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ) أَيْ حَدِيثُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بِذِكْرِ مَسْرُوقٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بِدُونِ ذِكْرِ مَسْرُوقٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَابَعَ مَنْصُورًا الْأَعْمَشُ فِي ذِكْرِ مَسْرُوقٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ
5 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ)
أَيْ مِنْ رَمَضَانَ فَأُضِيفَتِ الصَّدَقَةُ لِلْفِطْرِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْهُ وَيُقَالُ لَهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ رَمَضَانَ وَزَكَاةُ الصَّوْمِ وَكَانَ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ قَالَهُ الْقَسْطَلَانِيُّ
[673]
قَوْلُهُ (صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) ظَاهِرُهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ هُنَا الْحِنْطَةُ وَأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لَهُ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ قَدْ كَانَتْ لَفْظَةُ الطَّعَامِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحِنْطَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَتَّى إِذَا قِيلَ اذْهَبْ إِلَى سُوقِ الطَّعَامِ فُهِمَ مِنْهُ سُوقُ الْقَمْحِ وَإِذَا غَلَبَ الْعُرْفُ نَزَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَقَدْ رَدَّ ذلك بن الْمُنْذِرِ وَقَالَ ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ صَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَجْمَلَ الطَّعَامَ ثُمَّ فَسَّرَهُ ثُمَّ أَوْرَدَ طَرِيقَ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَبَا سعيد قال
كنا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالَ
قَالَ الْحَافِظُ وَأَخْرَجَ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ قَالَ لَمْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ وَالشَّعِيرَ وَلَمْ تَكُنِ الْحِنْطَةَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كُنَّا نُخْرِجُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنِ الزَّبِيبِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِقِلَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرُ الحنطة انتهى
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ الْمَعْنَى الْعَامُّ فَيَكُونُ عَطْفُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ انْتَهَى (أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) أَيْ عِنَبٍ يَابِسٍ
قَالَ فِي الصُّرَاحِ زبيب مويز زبيبة يكي يُقَالُ زَبَّبَ فُلَانٌ عِنَبَهُ تَزْبِيبًا (أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ لَبَنٌ مُجَفَّفٌ يَابِسٌ مُسْتَحْجَرٌ يُطْبَخُ بِهِ (حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فكلم الناس على المنبر وفي رواية بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ خَلِيفَةٌ (مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ) أَيِ الْقَمْحِ الشَّامِيِّ (فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ) الْمُرَادُ بِالنَّاسِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَا أَزَالَ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ لَا أُخْرِجُ إِلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ صَاعًا) أَيْ مِنْ بُرٍّ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَالْبُرُّ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْبُرِّ إِنَّمَا هُوَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ فَلَا يُجْزِئُ دُونَ الصَّاعِ مِنْهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ثَبَتَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي مِقْدَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَعَ تَخَالُفِهَا فِي الْقِيمَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِخْرَاجُ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ أَيْ جِنْسٍ كَانَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا
قُلْتُ قَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الصَّاعَ صَاعَانِ حِجَازِيٌّ وَعِرَاقِيٌّ فَالصَّاعُ الْحِجَازِيُّ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَالْعِرَاقِيُّ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ الْعِرَاقِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ مِثْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّاعُ الْحَجَّاجِيُّ لِأَنَّهُ أَبْرَزَهُ الْحَجَّاجُ الْوَالِي وَأَمَّا الصَّاعُ الْحِجَازِيُّ فَكَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ كَانُوا يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْحَقُّ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِالصَّاعِ الْعِرَاقِيِّ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَنَاظَرَ الْإِمَامَ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا بَابَ صَدَقَةِ الزَّرْعِ وَالتَّمْرِ وَالْحُبُوبِ
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ صَاعٌ إِلَّا مِنَ الْبُرِّ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ وهو قول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ
وَمِنْهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ من طريق عبد العزيز أَبِي دَاوُدَ عَنْ
نَافِعٍ وَفِيهِ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَكَثُرَتِ الْحِنْطَةُ جَعَلَ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً
وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَفِيهِ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ
وَمِنْهُمْ عَلِيٌّ
ومنهم بن الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَفِيهِ مُدَّانِ مِنْ قمح
وعن بن عباس وجابر وبن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الباري قال بن الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ فِي الْقَمْحِ خَبَرًا ثَابِتًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنِ الْبُرُّ بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَلَمَّا كَثُرَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ رَأَوْا أَنَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَهُمُ الْأَئِمَّةُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُعْدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ إِلَّا إِلَى قَوْلِ مِثْلِهِمْ
ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عُثْمَانَ وعلي وأبي هريرة وجابر وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ انْتَهَى
وَاسْتُدِلَّ لِمَنْ قَالَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنَ الْبُرِّ بِأَحَادِيثَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ بَعْضًا مِنْهَا وَأَشَارَ إِلَى بَعْضِهَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْبُرَّ عَلَى تَسْلِيمِ دُخُولِهِ تَحْتَ لَفْظِ الطَّعَامِ مُخَصَّصٌ بِأَحَادِيثِ نِصْفِ الصَّاعِ مِنَ الْبُرِّ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَجْمُوعِهَا تَنْتَهِضُ لِلتَّخْصِيصِ
انْتَهَى مُحَصَّلًا
[674]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الْعَمِّيُّ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ) صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (فِي فِجَاجِ مَكَّةَ) جَمْعُ فَجٍّ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ
قَوْلُهُ (مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ) أَيْ هِيَ مُدَّانِ مِنْ حِنْطَةٍ فَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوف (أو سواه) أي سوى القمح وأو لِلتَّخْيِيرِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ (مِنْ طَعَامٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ سِوَاهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) قَالَ الزيلعي في نصب الراية وأعله بن الجوزي في
التحقيق بسالم بن نوح قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فَقَالَ هُوَ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
وقال أبو زرعة صدوق ثقة ووثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فيه شيء وقال بن عدي
عنده غريب وأفراد وأحاديثه مُقَارِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَمْرٍو فَقِيلَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ عَنْهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى
[675]
قَوْلُهُ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنَ الفرائض
وقد نقل الحافظ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ بِالْوُجُوبِ دُونَ الْفَرِيضَةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ قَالُوا إِذْ لَا دَلِيلَ قَاطِعٌ تَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ
قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بن عُلَيَّةَ وَأَبَا بَكْرٍ بْنَ كَيْسَانَ الْأَصَمَّ قَالَا إِنَّ وُجُوبَهَا نُسِخَ
وَنَقَلَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الظاهر وبن اللَّبَّانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الناس في معنى فرض ها هنا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا في عموم قوله تعالى (وآتوا الزكاة) وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ
وقال إسحاق بن رَاهْوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (قَالَ فَعَدَلَ النَّاسُ إِلَى نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) قِيلَ الْمُرَادُ مِنَ النَّاسِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فَيَكُونُ إِجْمَاعًا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ دَالٌّ عَلَى أنه لم يوافق على ذلك وكذلك بن عُمَرَ فَلَا إِجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأخرجه الترمذي في أول الباب (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كبير وهو من رواية الحسن عن بن عباس والحسن لم يسمع عن
بن عَبَّاسٍ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَدْ ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ بن حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِهِمَا لِلْهِدَايَةِ (وَجَدِّ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ وَفِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ اخْتِلَافٌ قَدْ بَسَطَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
[676]
قَوْلُهُ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) قَالَ النَّوَوِيُّ
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي فِي الشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي
قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ
قَالَ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَا أُجِيبَ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعَبْدِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تُخْرَجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ
تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُ دُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى