الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ (اسْمُهُ نَافِذٌ) بِفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ
(بَاب مَا جاء في صدقة الزرع والثمر والحبوب)
[626]
قوله (ليس فيما دون خمسة ذَوْدٍ) أَيْ مِنَ الْإِبِلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَالذَّوْدُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الذَّوْدَ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ وَأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنَ الثِّنْتَيْنِ إِلَى الْعَشَرَةِ
وَقَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ الْقِيَاسُ في تمييز ثلاثة إلى عشر أن يكون جمع تكسير جَمْعَ قِلَّةٍ فَمَجِيئُهُ اسْمَ جَمْعٍ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَلِيلٌ
وَالذَّوْدُ يَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ فَلِذَا أَضَافَ خَمْسَ إِلَيْهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ) أَيْ مِنَ الْوَرِقِ كَمَا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ
قَالَ الْحَافِظُ أَوَاقٍ بِالتَّنْوِينِ وَبِإِثْبَاتِ التَّحْتَانِيَّةِ مُشَدَّدًا أَوْ مُخَفَّفًا جَمْعُ أُوقِيَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ
وَحَكَى الْجَيَّانِيُّ وَقِيَّةً بِحَذْفِ الْأَلْفِ وَفَتْحِ الْوَاوِ
وَمِقْدَارُ الْأُوقِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاو وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وجمعه حينئذ أو ساق كحمل وأحمال وقد وقع كذلك فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا بِالِاتِّفَاقِ وفي رواية لمسلم ليس فيما دون خمس أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ وَلَفْظُ دُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِمَعْنَى أَقَلَّ لَا أَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ غَيْرِ الْخَمْسِ الصَّدَقَةِ كَمَا زَعَمَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هريرة) أخرجه أحمد (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ
[627]
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) كَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ
قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِذَلِكَ إِلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ الْعُشْرُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إِنْ كَانَتْ تَشْرَبُ سَيْحًا أَوْ تَسْقِيهَا السَّمَاءُ وَإِنْ كَانَتْ تَشْرَبُ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَنِصْفُ عُشْرٍ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ انْتَهَى
كَلَامُ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ
أَخْرَجَهُ عبد الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ نَحْوَهُ
واستدل لهم بحديث بن عُمَرَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا فِيمَا سَقَتْهُ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ مُعَاذٍ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ وَمَا سقى بالدوالي نصف العشر أخرجه بن مَاجَهْ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُبْهَمَةٌ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ مُفَسَّرَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُ الْمُبْهَمِ عَلَى الْمُفَسَّرِ
وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ أَحَدُهُمَا عَامٌّ وَالْآخَرُ خَاصٌّ فَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ خُصَّ بِالْخَاصِّ وَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ الْخَاصِّ كَانَ الْعَامُّ نَاسِخًا لَهُ فِيمَا تَنَاوَلَاهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ يُجْعَلِ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا لِمَا فيه من الاحتياط وههنا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه وَمَا في معناه خاص وحديث بن عُمَرَ رضي الله عنه وَمَا فِي مَعْنَاهُ عَامٌّ وَلَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ فَيُجْعَلُ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا ويعمل به
قُلْتُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وما في معناه وبين حديث بن عُمَرَ رضي الله عنه وَمَا فِي مَعْنَاهُ أصلا فإن حديث بن عُمَرَ رضي الله عنه سِيقَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ مُسَاقٌ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُخْرَجِ منه وقدره
قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ رد السنة الصحيحة المحكمة في تقدير نِصَابِ الْمُعَشَّرَاتِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرْبٍ فَنِصْفُ الْعُشْرِ قَالُوا وَهَذَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَقَدْ عَارَضَهُ الْخَاصُّ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ قَطْعِيَّةٌ كَالْخَاصِّ وَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ الْأَحْوَطُ وَهُوَ الْوُجُوبُ فَيُقَالُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ وَلَا يَجُوزُ مُعَارَضَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِلْغَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ فَرْضٌ فِي هَذَا وَفِي هَذَا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَبَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُهُ فَذَكَرَ النَّوْعَيْنِ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مِقْدَارُ النِّصَابِ فَسَكَتَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَّنَهُ نَصًّا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنِ النَّصِّ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ إِلَى الْمُجْمَلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي غَايَتُهُ أَنْ يُتَعَلَّقَ فِيهِ بِعُمُومٍ لَمْ يُقْصَدْ وَبَيَانُهُ بِالْخَاصِّ الْمُحْكَمِ الْمُبَيَّنِ كَبَيَانِ سَائِرِ الْعُمُومَاتِ بِمَا يَخُصُّهَا مِنَ النُّصُوصِ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ إِذَا خَصَّصْتُمْ عُمُومَ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ بِالْقَصَبِ وَالْحَشِيشِ وَلَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي النَّصِّ فَهَلَّا خَصَّصْتُمُوهُ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَجْلَى الْقِيَاسِ وَأَصَحِّهُ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
فَإِنَّ زَكَاةَ الْخَاصَّةِ لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ فِي مَالٍ إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ نِصَابًا كَالْمَوَاشِي وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَيُقَالُ أَيْضًا هَلَّا أَوْجَبْتُمُ الزَّكَاةَ فِي قَلِيلِ كُلِّ مَالٍ وَكَثِيرِهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أموالهم صدقة وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا بُطِحَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ وَبِقَوْلِهِ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا صُفِّحَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَفَائِحَ مِنْ نَارٍ وَهَلَّا كَانَ هَذَا الْعُمُومُ عِنْدَكُمْ مُقَدَّمًا عَلَى أَحَادِيثِ النُّصُبِ الْخَاصَّةِ وَهَلَّا قُلْتُمْ هُنَاكَ تَعَارَضَ مُسْقِطٌ وَمُوجِبٌ فَقَدَّمْنَا الْمُوجِبَ احْتِيَاطًا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ انْتَهَى كلام بن الْقِيَمِ
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا مَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الحجج مَا لَفْظُهُ وَلَسْنَا نَأْخُذُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَلَكِنَّنَا نَأْخُذُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ انْتَهَى كَلَامُهُ
(وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا
أَيْ مِنْ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحُجَجِ وَالْوَسْقُ عِنْدَنَا سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى (وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ) لِأَنَّك إِذَا ضَرَبْت الْخَمْسَةَ فِي السِّتِّينَ حَصَلَ هَذَا الْمِقْدَارُ
قَوْلُهُ (وَصَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمْسُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَصَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ قَالَ قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَمْ قَدْرُ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ أَنَا حَزَرْتُهُ فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خَالَفْتَ شَيْخَ الْقَوْمِ قَالَ مَنْ هُوَ قُلْتُ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ لِجُلَسَائِهِ يَا فُلَانُ هَاتِ صَاعَ جَدِّكَ يَا فُلَانُ هَاتِ صَاعَ جَدَّتِكَ قَالَ إِسْحَاقُ فَاجْتَمَعَتْ آصُعٌ فَقَالَ مَا تَحْفَظُونَ فِي هَذَا فَقَالَ هَذَا حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْآخَرُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا أَدَّتْ بِهَذَا الصَّاعِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَالِكٌ أَنَا حَزَرْتُ هَذِهِ فَوَجَدْتُهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا انْتَهَى
قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ هَذِهِ الْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ أَخْرَجَهَا أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
وقد أخرج بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الصَّاعِ وَقَدْرِهِ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ تَدْفَعُهُ هَذِهِ الْقِصَّةُ الْمُسْنَدَةُ إِلَى صِيعَانِ الصَّحَابَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَتَرَكَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قُلْتُ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ مَنْ أَثِقُ بِهِ صَاعًا وَقَالَ هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا قَالَ الطحاوي وسمعنا بن أبي عمران
يَقُولُ الَّذِي أَخْرَجَهُ لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ مَالِكٌ انْتَهَى
وَذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَةَ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ إِسْنَادُهُ مُظْلِمٌ وَبَعْضُ رِجَالِهِ غَيْرُ مَشْهُورِينَ وَالْمَشْهُورُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الوليد القرشي وهوثقة قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ رحمه الله مِنَ الْحَجِّ فَقَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي فَفَحَصْتُ عَنْهُ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنِ الصَّاعِ فَقَالَ صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لَهُمْ مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا نَأْتِيكَ بِالْحُجَّةِ غَدًا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ صَاعٌ تَحْتَ رِدَائِهِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ سَوَاءٌ قَالَ عَيَّرْتُهُ فَإِذَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ فَرَأَيْتُ أَمْرًا قَوِيًّا
فَتَرَكْتُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الصَّاعِ وَأَخَذْتُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَاظَرَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالصِّيعَانِ الَّتِي جَاءَ بها أولئك الرهط فرجع أبي يُوسُفَ إِلَى قَوْلِهِ
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ عَيَّرْتُ صَاعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رِطْلٍ بِالتَّمْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
قُلْتُ ظَهَرَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ صَاعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رطل وكان الصحابة رضي الله تعالى عَنْهُمْ بِهَذَا الصَّاعِ النَّبَوِيِّ يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم
وَأَمَّا صَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَهُوَ خِلَافُ صَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِصَاعِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَالصَّاعُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الصَّاعُ النَّبَوِيُّ دُونَ غَيْرِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ فضعيف وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَزْنِ وَكَذَا حَدِيثُهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَرَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ صَاعٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَفِي الْوُضُوءِ رطلان ضعيف وكذا حديث بن عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه بِمِثْلِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ ضَعِيفٌ صَرَّحَ الْحَافِظُ بِضَعْفِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الدِّرَايَةِ
وَأَمَّا مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَمُدُّهُ رِطْلَيْنِ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ الْحَجَّاجُ بن أرطأة قال الْحَافِظُ قَالَ وَأَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ البخاري