الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَتَقْوِيَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ لِكُلِّ خَلِيفَةٍ رَاشِدٍ لَا يَخُصُّ الشَّيْخَيْنِ
وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِخَلِيفَةٍ رَاشِدٍ أَنْ يُشَرِّعَ طَرِيقَةً غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
ثُمَّ هَذَا عُمَرُ رضي الله عنه نَفْسُهُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ سَمَّى مَا رَآهُ مِنْ تَجْمِيعِ صَلَاتِهِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا سُنَّةٌ فَتَأَمَّلْ
عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ خَالَفُوا الشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِعَ وَمَسَائِلَ فَدَلَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَا قَالُوهُ وَفَعَلُوهُ حُجَّةٌ
وَقَدْ حَقَّقَ الْبِرْمَاوِيُّ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى قَوْلٍ كَانَ حُجَّةً لَا إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَيْسَ هُوَ التَّقْلِيدُ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَافِلِ فِي بَحْثِ الْإِجْمَاعِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السُّبُلِ
فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ لَيْسَ المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لِطَرِيقَتِهِ صلى الله عليه وسلم لَاحَ لَكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى كَوْنِ الْأَذَانِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُجْتَهَدَاتِ عُثْمَانَ رضي الله عنه أمرا مسنونا ليس بتام ألا ترى أن بن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ تَامًّا وَكَانَ الْأَذَانُ الثَّالِثُ أَمْرًا مَسْنُونًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْبِدْعَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ غَيْرِ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمَسْنُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْبِدْعَةِ بِأَيِّ مَعْنًى كَانَ فَتَفَكَّرْ
1 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ مِنْ الْمِنْبَرِ)
[517]
قَوْلُهُ (يُكَلَّمُ بِالْحَاجَةِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ)
وَفِي الْمُنْتَقَى بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ مِنَ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ وَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى مُصَلَّاهُ فَيُصَلِّي وَعَزَاهُ إِلَى الْخَمْسَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَعْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ مِنَ الْمِنْبَرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِيهَا لِأَنَّ مُسْلِمًا قَدْ رَوَى أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمُسْتَجَابَةَ هِيَ مِنْ حِينِ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَتَجَرَّدَ لِلذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَمِمَّا يُرَجِّحُ تَرْكَ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْإِنْصَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بِلَفْظِ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ قَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْجَائِزَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ هُوَ كَلَامُ الْإِمَامِ لِحَاجَةٍ أَوْ كَلَامُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ لِحَاجَةٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهِمَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى إلخ) يَعْنِي وَهِمَ جَرِيرٌ فِي قَوْلِهِ يُكَلَّمُ بِالْحَاجَةِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَخَذَ رَجُلٌ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ فِيهِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِقَوْلِهِ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ كَمَا أَنَّ جَرِيرًا وَهِمَ فِي تَحْدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا الْحَدِيثَ
لِأَنَّ ثَابِتًا لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ أَنَسٍ وَإِنَّمَا كَانَ جَالِسًا عِنْدَ تَحْدِيثِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ السِّنْدِيِّ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ ثَابِتٍ وَهُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ انْتَهَى
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ انْتَهَى
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي مَا أَعَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ مِنْ أن الصحيح كلام الرجل له بعد ما أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بَلِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْدَ إِقَامَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ الْمِنْبَرِ فَلَيْسَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرًا كَيْفَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ فَلَا تَضُرُّ زِيَادَتُهُ فِي كَلَامِ الرَّجُلِ لَهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهِ عَنِ الْمِنْبَرِ انْتَهَى