الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
الصلاة على الجنازة
اتفق العلماء على جواز الصلاة على الجنازة بعد الصبح وبعد العصر1، واختلفوا في حكم الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وهي: عند طلوع الشمس وعند زوالها وحين تتضيف للغروب على قولين:
الأول: عدم الجواز وبه قال أكثر أهل العلم روى ذلك عن جابر وابن عمر وبه قال الثوري والأوزاعي وإسحاق2 وأبو حنيفة3 وأحمد في المشهور4 ومالك5 فيما عدا الزوال6.
الثاني: أنها تجوز وبه قال الشافعي7 وأحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية8.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1-
عن عقبة بن عامر الجهني قال: " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين
1 انظر: الأم 1/ 49 1، المغني 18/2 5، المجموع 4/ 172، مجموع فتاوي شيخ الإسلام 23/ 191، المبدع2/ 36.
2 انظر: المغني 18/2 5، المجموع 4/ 172.
3 انظر: المبسوط 1/ 152، الهداية 1/ 40، ألاختيار 1/ 40.
4 انظر: المغني 518/2، الإنصاف 206/2، كشات القناع 452/1.
5 انظر: الكافي 238/1، مواهب الجليل 8/1 1 4.
6 لأن الزوال ليس وقت كراهة عنده كما سبق ذلك ص 227 وانظر أيضا التفريع 267/1.
7 انظر: المهذب 1/ 92، روضة الطالبين 193/1، كفاية الأخيار 1/ 131.
8 انظر: الهداية لأبي الخطاب 1/ 42، مجموع فتاوي شيخ الإسلام 12/ 191، الفروع 1/ 574، الإنصاف206/2.
يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب" 1.
ووجه الدلالة من الحديث أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة مقرونا بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة2.
2-
أنها صلاة من غير الصلوات الخمس فلم يجز فعلها في هذه الأوقات كالنوافل المطلقة3.
وأما أصحاب القول الثاني:
فإنني لم أقف على دليل من كتب الشافعية التي أطلعت عليها يخص صلاة الجنازة بالجواز في الأوقات المذكورة وإنما يذكرونها ضمن ذوات الأسباب التي يجوز فعلها في جميع الأوقات كقضاء الفوائت وسجود التلاوة وصلاة الكسوف ونحوها ويجملون الأدلة وليس فيها ما يخص صلاة الجنازة4.
ولكن ابن قدامة عند ذكره للرواية الثانية عن الإمام أحمد التي تجيز صلاة الجنازة في هذه الأوقات قال: "وهذا مذهب الشافعي لأنها صلاة تباح بعد الصبح والعصر فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض "5.
وأجيب عن ذلك بأنه لا يصح قياس الأوقات الثلاثة على الوقتين الآخرين وهما ما بعد الفجر وما بعد العصر، لأن الأوقات الثلاثة زمنها أقصر فلا يخاف على الميت فيها من التغير أما الوقتين الآخرين فإن مدتهما تطول وتأخير الصلاة على الميت إلى انتهائها يخاف منه على الجنازة من التغير فأبيحت الصلاة عليها فيهما، وكذا لا يصح قياس صلاة الجنازة على الفرائض التي تصح في جميع الأوقات، لأن الفرائض آكد6.
1 سبق تخريجه ص 179.
2 انظر: المغني 518/2.
3 المرجع السابق.
4 أما ما عداها فورد ما يخصها كما يتضح ذلك عند دراسة كل مسألة منها.
5 المغني 518/2.
6 المصدر السابق.
فمن ذلك يترجح والله أعلم: عدم جواز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة، وهو ما قال به أكثر أهل العلم، لقوة الدليل على ذلك، ولأنه لا ضرر في تأخيرها، أما إن تحقق الضرر فيصلى عليها. قال المرداوى:"محل الخلاف في الصلاة على الجنازة إذا لم يخف عليها أما إذا خيف عليها فإنه يصلى عليها في هذه الأوقات قولا واحدا"1.
فرع: في الصلاة على القبر والغائب في أوقات النهي:
الصحيح من مذهب الإمام أحمد وما عليه أكثر الأصحاب تحريم الصلاة على القبر والغائب في جميع أوقات النهي.
وصحح ابن الجوزي جواز الصلاة على القبر في الوقتين الطويلين وهما بعد العصر وبعد الفجر2.
ولم أقف على نص في المسألة لبقية المذاهب لكن الظاهر عدم الجواز عند الإمامين أبي حنيفة ومالك لأنه سبق قريبا عدم جواز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة عند أبي حنيفة وعدم جوازها أيضا عند مالك عند طلوع الشمس وعند غروبها، فعدم جواز الصلاة على القبر والغائب عندهما في هذه الأوقات من باب أولى.
كما أنه لا تجوز عندهما الصلاة على الغائب، ولا الصلاة على القبر إلا أن يكون دفن الميت قبل أن يصلى عليه3.
أما الشافعية فيحتمل عندهم صحة الصلاة على القبر والغائب في أوقات النهي قياسا على الجنازة التي تصح الصلاة عليها عندهم في كل وقت، ويحتمل عدم الجواز قياسا على الصلاة المتأخر سببها التي لا تصلى في أوقات النهي على الأصح عندهم4. وعلى تحية المسجد التي تكره إن كان دخوله للمسجد لقصد فعلها فقط5.
1 الإنصاف 2/ 6 0 2، وانظر أيضا التفريع 1/ 367.
2 انظر: الفروع 1/ 574، الإنصاف 2/ 206، كشاف القناع 1/452.
3 انظر: الهداية 1/92، اللباب في شرح الكتاب 1/ 130، القوانين الفقهية ص 93، رحمة الأمة ص 68.
4 كما سيأتي ذلك في ركعتي الإحرام وصلاة الاستخارة.
5 كما سيأتي في الصفحة التالية.
والذي أراه في المسألة والعلم عند الله هو عدم جواز الصلاة على القبر والغائب في جميع أوقات النهي، لأنه لا حاجة لاختيار هذه الأوقات للصلاة على القبر أو الغائب بل يسهل على الإنسان اختيار غيرها من الأوقات، بخلاف الجنازة إذا حضرت فإنه قد يضطر إلى الصلاة عليها خشية تغيرها.