الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع
التطوع في مكة وقت النهي
اختلف العلماء في حكم صلاة التطوع في مكة في أوقات النهي على قولين:
الأول: أنها لا تكره وهذا هو المشهور عند الشافعية1.
الثاني: أنها تكره ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، وبه قال أبو حنيفة، ومالك2، وأحمد فيما عدا ركعتي الطواف3، وهو وجه عند الشافعية4.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1-
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه أخذ بحلقة باب الكعبة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس إلا بمكة إلا بمكة"5.
2-
عن جبيربن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا
1 انظر: المهذب 1/93، المجموع 4/77ا-179، روضة الطالبين 1/ 194، حلية العلماء 2/182.
2 حيث سبق أنهما قالا بعدم جواز ركعتي الطواف في وقت النهي.
3 أما ركعتا الطواف فيجوز فعلهما في المشهور عنه كما سبق ذلك ص 267 وانظر قوله في منع الصلاة في مكة المغني 2/535، كشاف القناع 1/453.
4 انظر: روضة الطالبين 1/194، المجموع 4/179، حلية العلماء 2/182، مغني المحتاج 1/ 130.
5 رواه أحمد واللفظ له انظر الفتح الرباني 2/ 299، والدارقطني في كتاب الصلاة باب جواز النافلة عند البيت في جميع الأزمان 424/1-425، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 461 وضعفه، وضعفه أيضا ابن قدامة في المغني 2/ 535، والنووي في المجموع 4/178.
طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار" 1.
واستدل أصحاب القول الثاني على مساواة مكة بغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي بعموم النهي عن الصلاة في تلك الأوقات، وأنه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض2.
واستدل من استثنى ركعتي الطواف بحديث جبير بن مطعم وغيره مما سبق في تلك المسألة3.
والذي أراه في المسألة هو القول بأن مكة كغيرها من البلدان في المنع من التطوع في أوقات النهي ماعدا ركعتي الطواف فيجوز فعلهما فيها لما سبق بسطه في حكم ركعتي الطواف في أوقات النهي، ولأن القائلين باستثناء مكة وهم الشافعية أصرح أدلتهم هو حديث أبي ذر رضي الله عنه وهو ضعيف كما سبق قريبا في تخريجه.
وأما حديث جبير بن مطعم فالمقصود بالصلاة الواردة فيه ركعتا الطواف فيختص الحكم بهما4 ولأن القول بالمنع أحوط والله أعلم بالصواب.
1 سبق تخريجه ص 270.
2 انظر: المغني 2/ 535، كشاف القناع 2/453
3 أي مسألة حكم ركعتي الطواف في وقت النهي التي سبقت ص 267.
4 انظر: المغني 2/ 535.
الخاتمة
بعد أن من الله سبحانه وتعالى علىّ بإتمام هذا البحث أحب أن أختمه بذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلاله دراستي له وتتلخص في النقاط التالية:
1-
ثبوت النهي عن التطوع في بعض الأوقات وأن أحاديث النهي عن الصلاة في تلك الأوقات محكمة لم يدخلها النسخ.
2-
أن أوقات النهي التي اشتهر ذكرها في كتب الفقه خمسة هي من بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعند طلوعها حتى ترتفع، وإذا استوت حتى تزول، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، ومن حين تتضيّف للغروب حتى تغرب. ويمكن جعلها ثلاثة وذلك باعتبار ما بعد الفجر حتى ترتفع الشمس وقت واحد وما بعد العصر حتى تغرب الشمس وقت واحد أيضا ولعل هذا هو الأولى وأن من جعلها خمسة إنما نظر إلى ورود الأحاديث بذلك حيث ذكر حديث عقبة ثلاثة أوقات هي عند طلوع الشمس حتى ترتفع وحال استوائها حتى تزول وحين تتضيّف للغروب حتى تغرب وذكرت أحاديث أخرى وقتين هما بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
3-
إجماع العلماء على عدم جواز النفل المطلق في أوقات النهي وإجماعهم أيضا على جواز صلاة الجنازة بعد الصبح وبعد العصر.
4-
يجوز عند الحنفية قضاء الفرائض وسجدة التلاوة بعد الصبح وبعد العصر ولا يجوز في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة فعل شيء من الصلوات إلا عصر اليوم فيصلى عند الغروب.
أما المالكية فيجوز عندهم في أوقات النهي قضاء الفرائض، وإعادة الصلاة مع الجماعة لمن صلى وحده.
وأما الشافعية وأحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية فيرون جواز جميع الصلوات التي لها أسباب لا أوقات النهي.
وأما الحنابلة فيجيزون في أوقات النهي قضاء الفرائض وركعتي الطواف وإعادة الصلاة مع الجماعة.
5-
عدم جواز ركعتي الإحرام في أوقات النهي لدى المذاهب الأربعة.
6-
ترجح لدي جواز قضاء الفرائض، وركعتي الفجر بعد الصلاة وقضاء الوتر بعد طلوع الفجر وقبل الصلاة وجواز تحية المسجد، وركعتي الطواف، وصلاة الكسوف وإعادة الصلاة مع الجماعة، وعدم جواز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وعدم جواز الصلاة على القبر والغائب في جميع أوقات النهي، وعدم جواز ركعتي الإحرام والوضوء، وصلاة الاستسقاء، وعدم جواز السجود للتلاوة وسجود الشكر، وعدم جواز فعل المنذورة إلا إذا خشي عدم فعلها في غير أوقات النهي، وعدم جواز صلاة الاستخارة وأن مكة كغيرها من البلدان في المنع من التطوع في أوقات النهي إلا ركعتي الطواف.
7-
الذي ورد تعليل النهي عن الصلاة فيه من هذه الأوقات هو وقت طلوع الشمس ووقت غروبها حيث جاء في حديث عمرو بن عبسة "أنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار" وفي الغروب كذلك1.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من علل النهي عن النفل المطلق في بعض الأوقات ما فيه من اجمام النفوس من ثقل العبادة كما يجم بالنوم وغيره ومن تشويقها وتحبيب الصلاة إليها فإن العبادة إذا خصت ببعض الأوقات نشطت النفوس لها أعظم مما تنشط للشيء الدائم2.
1 وقد سبق تخرج الحديث ص 235.
2 انظر مجموع الفتاوى23/187.