الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الأوقات الخمسة
اختلف العلماء في عد هذه الأوقات أوقات نهي على أربعة أقوال:
الأول: أن الأوقات الخمسة كلها أوقات نهي وهي من بعد الفجر1 حتى تطلع الشمس، وعند طلوعها حتى ترتفع، وإذا استوت حتى تزول، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، ومن حين تتضيف للغروب حتى تغرب.
وبه قال الحنفية2، والحنابلة3، وكذا الشافعية إلا أنهم استثنوا وقت الزوال يوم الجمعة4، وروى الترخيص يوم الجمعة عن طاوس والحسن ومكحول والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق وأبي يوسف5، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية6، وقال ابن مفلح في الفروع:7 "وظاهر الجواز ولو لم يحضر الجامع ".
ومن هؤلاء من جعل الأوقات الخمسة ثلاثة حيث جعل من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح وقت ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس وقت، وهذا هو الذي حكاه ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد حيث قال: "اختلف أهل العلم في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فذهب أحمد رحمه الله تعالى إلى أنها من بعد الفجر حتى ترتفع
1 ويأتي في المبحث الثاني اختلاف العلماء في تعلق النهي هل هو بطلوع الفجر أو بصلاة الفجر.
2 مختصر الطحاوي ص 24، الهداية 1/ 40- ا 4، الاختيار لتعليل المختار 1/ 40- ا 4، اللباب في شرح الكتاب 1/88-89
3 انظر الهداية 1/ 1 4، المقنع ص 35، الفروع 1/572، الإنصاف 2/ 1 20-203، الإقناع 1 /157، شرح منتهى الإرادات 1/242
4 انظر المهذب 1/92-93، روضة الطالبين 1/194، كفاية الأخيار 1/130- ا 13، مغنى المحتاج 1/128.
5 انظر الأوسط 4/ 1 9، السنن الكبرى 2/ 465، معرفة السنن والآثار 3/ 439، المغني 2/ 536، بدائع الصنائع 1/ 296.
6 انظر الاختيارات الفقهية: ص 66، الإنصاف 2/ 2 20.
7 1 / 572.
الشمس قدر رمح وبعد العصر حتى تغرب الشمس وحال قيام الشمس حتى تزول، وعدها أصحابه خمسة أوقات من الفجر إلى طلوع الشمس وقت ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت وحال قيامها وقت ومن العصر إلى شروع الشمس في الغروب وقت وإلى تكامل الغروب وقت "1 أهـ.
وممن جزم بأن الأوقات ثلاثة من الحنابلة مرعي بن يوسف في دليل الطالب حيث قال: "فصل في أوقات النهي وهي من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح ومن العصر إلى غروب الشمس وعند قيامها حتى تزول "2.
ومن الشافعية النووي حيث قال: "وتكره الصلاة عند الاستواء إلا يوم الجمعة وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح والعصر حتى تغرب "3.
القول الثاني: أن الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أربعة، وهي الأوقات التي ذكرها أصحاب القول الأول عدا وقت الزوال مطلقا أي بدون فرق بين يوم الجمعة وغيره، وبه قال المالكية4.
الثالث: أنها أربعة أيضا وهي المذكورة في القول الأول كذلك، عدا بعد العصر
وبه قال بعض العلماء5. وممن رخص في الصلاة بعد صلاة العصر علي وعائشة والزبير وابنه وتميم الداري والنعمان بن بشير وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين6. الرابع: أنها ثلاثة فقط وهي المذكورة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وهي حين تطلع الشمس حتى ترتفع وعند استوائها حتى تزول وحين تتضيف للغروب حتى تغرب وبه قال ابن المنذر7.
1 المغنى 1/523.
2 دليل الطالب ص 41، وانظر أيضا منار السبيل 1/116.
3 انظر المنهاج مع مغني المحتاج 1/128.
4 انظر الكافي 1/165، بداية المجتهد 1/127، القوانين الفقهية ص 53، مختمر خليل ص 24.
5 حكى ذلك ولم ينسبه لأحد ابن عبد البر في الاستذكار 149/1، وابن رشد في بداية المجتهد 127/1.
6 انظر المغنى 2/527.
7 انظر الإقناع لابن المنذر 1/83، المغنى 2/ 524.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول على أن أوقات النهى خمسة:
بالأحاديث السابقة في حكم أوقات النهى حيث دلت على خمسة أوقات نهى عن الصلاة فيها.
واستدل الشافعية ومن معهم على استثناء يوم الجمعة بما يأتي:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة 1.
2-
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة 2.
3-
أن النعاس يغلب في هذا الوقت فيطرد بالتنفل خوفا من انتقاض الوضوء، لأن الخروج من المسجد فيه مشقة3.
4-
أن الناس ينتظرون الجمعة في هذا الوقت وليس عليهم قطع النوافل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحب التبكير إلى الجنة ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء4.
واستدل أصحاب القول الثاني على استثناء وقت الزوال: بعمل أهل
1 أخرجه الشافعي في مسنده ص 63، والبيهقي في السنن الكبرى 2/464، والبغوي في شرح السنة 3/ 329، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/188 "وإسحاق وإبراهيم ضعيفان.. ورواه الأثرم بسند فيه الواقدي وهو متروك ".
2 رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال1/653حديث 1583 وقال هو مرسل مجاهد أكبرمن أبي الخليل وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 189:"وفيه ليث بن أسلم وهو ضعيف "، ورواه أيضا البيهقي في السنن الكبرى 2/ 464 وقال: وله شواهد وإن كانت أسانيدها ضعيفة!.
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار 3/438: "ورواية أبي هريرة وأبي سعيد في إسنادها من لا يحتج به ولكنها إذا انضمت إلى رواية أبي قتادة أخذت بعض القوة".
وضعف النووي في المجموع 175/4 حديث الرخصة في الصلاة يوم الجمعة عند الزوال.
3 انظر المهذب 1/93، كفاية الأخيار 1/ 131.
4 انظر السنن الكبرى 2/ 465، المغني 2/ 536، المجموع 4/ 175- 176.
المدينة، حيث لم يجد الإمام مالك العمل عندهم باعتبار وقت الزوال وقت نهى فاعتقد أن النهى منسوخ بعلمهم1.
واستدل أصحاب القول الثالث على استثناء ما بعد العصر بما يأتي:
ا- ما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط "2.
2-
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها 3.
3-
عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: " نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة"4.
واستدل أصحاب القول الرابع بما يأتي:
أ- حديث عقبة بن عامر الذي فيه: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا.. الحديث5.
2-
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها"6.
3-
حديث عائشة وعلي رضي الله عنهما السابقين قريبا في أدلة أصحاب القول الثالث.
1 انظر بداية المجتهد 1/128.
2 أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر 1/572 حديث 835.
3 أخرجه مسلم في الكتاب السابق باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها 1/571 حديث 833.
4 أخرجه أبو داود واللفظ له في كتاب الصلاة باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة 55/1 حديث 1274، والنسائي في كتاب المواقيت باب الرخصة في الصلاة بعد العصر 1/ 280. وقال النووي في المجموع4/174:"إسناده حسن " وصححه الألباني، انظر صحيح سنن أبي داود 1/237.
5 سبق تخريجه ص 225
6 سبق تخريجه ص 224.
الترجيح:
من دراسة الأقوال في المسألة وأدلتها يتبين أن الراجح والله أعلم القول الأول وهو أن الأوقات الخمسة كلها أوقات نهى لدلالة الأحاديث الصحيحة على ذلك، ويمكن جعلها ثلاثة لأن حال الطلوع إلى الارتفاع متصل بما بعد الفجر وحين تتضيف الشمس للغروب داخل في النهى بعد العصر إلى الغروب، فلعل الذين جعلوها خمسة نظروا إلى الأحاديث حيث ذكرتها كذلك.
وأما أدلة الشافعية ومن معهم على استثناء يوم الجمعة فيجاب عنها بما يأتي:
1-
حديثا أبى هريرة وأبي قتادة ضعيفان كما سبق ذلك في تخريجهما، وعلى فرض صحتهما فإنهما لا يقويان على معارضة حديث عقبة بن عامر الذي دل بعمومه على النهي عن الصلاة وقت الزوال بدون تفريق بين الجمعة وغيره.
2-
قولهم إن النعاس يغلب في هذا الوقت فيطرد بالتنفل، اجتهاد مع النص لاسيما أن هذا يصلح لمن حضر الجمعة، والأصح عندهم جواز التنفل في هذا الوقت مطلقا سواء حضر الجمعة أولا1.
3-
قولهم إن الناس ينتظرون الجمعة وليس عليهم قطع النوافل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رغب فيها إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء يمكن الجواب عنه بأنه اجتهاد مع النص، ويجب قطع النوافل، إذا حضر وقت النهي لأن ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم المقصود به الحث على فعل النوافل وعموم ذلك مخصوص بأحاديث النهى.
وأما استدلال أصحاب القول الثاني على استثناء وقت الزوال مطلقا بعمل أهل المدينة واحتمال أن النهى منسوخ بعلمهم فغير مسلم. لاسيما أنه روى عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم استثنوا من أوقات النهى ما بعد العصر حيث رخصوا
1 انظر روضة الطالبين 1/194، مغني المحتاج 1/128.
في الصلاة بعدها1، ولم ينقل عنهم الرخصة في غيرها فدل ذلك على أن النهى عند الزوال باق عندهم.
وأما أدلة أصحاب القول الثالث فأجيب عنها بما يأتي:
1-
فعل النبي صلى الله عليه وسلم للركعتين بعد العصر من خصائصه صلى الله عليه وسلم2، لأن ذكوان مولى عائشة روى أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال 3.
ولما روى أبو سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر ثم انه شغل عنهما أونسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها 4.
2-
رد عائشة خبر عمر رضي الله عنهما الدال على النهى عن الصلاة بعد العصر فيه نظر، لأن عمررضي الله عنه مثبت لروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه غيره من الصحابة أبو سعيد وعمرو بن عبسه وأبو هريرة وابن عمر والصنابحي وأم سلمة، وعائشة رضي الله عنها لعلها قالت برأيها5. وعلى القول بروايتها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها فإن أكثر ما فيه إثبات النهي في هذين الوقتين والنهي بعد العصر ثبت بالأحاديث الأخرى.
3-
حديث علي رضي الله عنه دل على جواز الصلاة بعد العصر إذا كانت الشمس مرتفعة بالمفهوم والأحاديث الأخرى دلت على المنع بمنطوقها والمنطوق مقدم على المفهوم.
1 كما سبق ذلك في القول الثالث.
2 انظر كشاف القناع 1/453.
3 أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة 1/59، حديث 1280 وضعفه الألباني. في ضعيف سنن أبي داود ص 125 وقال في إرواء الغليل 2/ 189:" ورجال إسناده ثقات ولكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه " اهـ. وأحاديث النهي عن الوصال في الصوم صحيحة. انظر صحيح مسلم بشرح النووي 7/ 211- 215.
4 أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب معرفة الركعتين كان يصليهما النبي ىسيم بعد العصر 1/572 حديث 835.
5 انظر المغني 2/ 525.