الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث تحية المسجد
اختلف العلماء في حكم تحية المسجد لمن دخله في أوقات النهي على قولين:
الأول: جوازها وبه قال الشافعية1 وأحمد في رواية اختارها أبو الخطاب في الهداية وشيخ الإسلام ابن تيمية وحكى المرداوي اختيارها عن ابن عقيل وابن الجوزي والسامرى وصاحب الفائق ومجمع البحرين2.
الثاني: أنها لا تصلى في أوقات النهي وبه قال الحنفية3 والمالكية4، وهو المشهور
من مذهب الإمام أحمد وما عليه أكثر الأصحاب فيما عدا حال خطبة الجمعة5.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأولى بما يأتي:
1-
عن أبي قتادة السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس "6.
وفي لفظ لمسلم7: "فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين".
1 هذا إن كان دخوله لغرض كاعتكاف أو درس علم أو انتظار صلاة أو نحو ذلك، أما إن كان دخوله لا لحاجة بل ليصلى التحية فقط فوجهان أرجحهما الكراهة كما لو تعمد تأخير الفائتة ليقضيها في أوقات النهي.
انظر: روضة الطالبين 193/1، المجموع 4/ 175، كفاية الأخيار 1/ 132.
2 انظر: الهداية لأبي الخطاب 1/ 42، المغني 533/2، مجموع الفتاوى 23/ 1 19، الإنصاف 208/2.
3 انظر: مختصر الطحاوي ص 24، رؤوس المسائل ص 161، الهداية 1/ 40.
4 أنظر: الكافي 1/ 165، بداية المجتهد 1/ 29 1، تنوير المقالة 197/2، مواهب الجليل 17/1 4
5 أما في حالة الخطبة فإنها تصلى. انظر لعدم الجواز: المغني 533/2، مجموع الفتاوى 23/ 1 9 1، الإنصاف2/ 209، وانظر لاستثناء حال الخطبة: المغني 192/3، الفروع 123/2، الإنصاف 2/ 209.
6 أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين 114/1، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقمرها باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنها مشروعة في جميع الأوقات 495/1 حديث 714.
7 في الموضع السابق.
وجه الدلالة من الحديث: أن فيه الأمر بركعتين قبل أن يجلس الداخل للمسجد، والنهي عن أن يجلس حتى يركعهما، وهو عام في كل وقت عموما محفوظا لم يخص منه صورة بنص ولا إجماع1.
2-
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال له النبيصلى الله عليه وسلم: "أصليت يا فلان ". قال: لا. قال: "قم فاركع ".
وفي لفظ: "ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما"2.
وجه الدلالة من الحديث: أنه فيه الأمر بصلاة تحية المسجد أثناء الخطبة وهو وقت نهي، بل إن هذا الوقت أشد نهيا من غيره لأنه منهي فيه عن كل ما يشغل عن الاستماع إلى الخطبة حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا قلت لصاحبك انصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت " 3، فإذا كان قد أمر بتحية المسجد في هذا الوقت فهو في سائر الأوقات أولى4.
واستدل أصحاب القول الثاني:
بعموم النهي عن الصلاة في تلك الأوقات ومن ذلك:
أ- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس"5.
ب- حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه الذي فيه: "ثلاث ساعات كان رسول الله جميع ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا
…
" الحديث6.
1 انظر: مجموع الفتاوى 23/ 192، المجموع 4/ 173 -174.
2 أخرج الحديث بعدة ألفاظ الإمام مسلم في كتاب الجمعة باب التحية والإمام يخطب 1/ 596-597 حديث 875.
3 سبق تخريجه ص 197.
4 انظر: مجموع الفتاوى 23/ 193، المجموع 4/ 174.
5 هذا اللفظ للإمام مسلم وقد سبق تخريجه ص 176.
6 سبق تخريجه ص 179.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن النهي فيها عن الصلاة في تلك الأوقات للتحريم والأمر بتحية المسجد للندب وترك المحرم أولى من فعل المندوب1.
قلت: وأحاديث النهي عن الصلاة في بعض الأوقات وأحاديث الأمر بالصلاة
عند دخول المسجد كلها صحيحة وبينها عموم وخصوص حيث أن أحاديث النهي عامة في الصلوات خاصة في بعض الأوقات وأحاديث الأمر بالصلاة عند دخول المسجد عامة في الأوقات خاصة في بعض الصلوات مما جعل بعض العلماء يتوقف في الترجيح في المسألة كالشوكاني الذي قال: "وما كان بينه وبين أحاديث الباب- أي باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها- عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت
…
فلاشك أنه أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص منها من وجه وليس أحد العمومين أولى من الآخر يجعله خاصا لما في ذلك من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج " 2 اهـ.
ورجح النووي الجواز حيث قال: "فإن قيل حديث النهي عام في الصلوات خاص في بعض الأوقات وحديث التحية عام في الأوقات خاص في بعض الصلوات فلم رجحتم تخصيص حديث النهي دون تخصيص التحية؟ قلنا حديث النهي دخله التخصيص بالأحاديث التي ذكرناها في صلاة العصر وصلاة الصبح وبالإجماع الذي نقلناه في صلاة الجنازة وأما حديث تحية المسجد فهو على عمومه لم يأت له مخصص، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة بالتحية"(3) اهـ.
ووافقه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث ذكر عدة مرجحات للجواز منها:
1-
أن حديث تحية المسجد عام محفوظ لا خصوص فيه وأحاديث النهي ليس فيها حديث واحد عام بل كلها مخصوصة فوجب تقديم العام الذي لا خصوص فيه.
1 انظر: المغني 2/ 534، كشاف القناع 1/453.
2 نيل الأوطار 3/ 89، وأنظر أيضا بلوغ الأماني 2/ 279، العدة على إحكام الأحكام 2/ 471-472.
3 المجموع 4/73ا-174، وانظر أيضا مغني المحتاج 1/ 130
2-
"أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصلاة تحية المسجد للداخل عند الخطبة والنهي عن الصلاة في هذا الوقت أشد بلا ريب، لأنه منهي عن كل ما يشغل عن الاستماع وفى الحديث: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت " فإذا كان قد أمر بتحية المسجد في وقت الخطبة فهي في سائر الأوقات أولى "1.
فمن ذلك يظهر والله أعلم بالصواب أن القول بجواز تحية المسجد في كل وقت هو الأولى.
1 انظر: مجموع الفتاوى 23/ 92 ا-199، 0 21- ا 22.