الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعجب
للتعجب صيغ كثيرة تدل عليه، نحو:"لله دره" و "ويل أمه مسعر حربٍ" و"يا له رجلا"، و (سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس) و {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] و "مثلك يفعل كذا!! " و"أي رجلٍ فلان" و "ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأةٍ"، و"ما أحسن زيدا" و"أكرم بعمرو"، وهما المبوب عليهما.
(بـ"أفعل" انطق بعد "ما" تعجبا
…
أو جيء بـ"أفعل" قبل مجرور بـ"با")
من أمثلة الأول: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175] فـ"ما" نكرة تامة،
ومحلها رفع بالابتداء، وما بعدها في محل الخير، وسوغ الابتداء بها تضمنها معنى التعجب، كما سبق؛ و"أفعل" فعل للزوم نون الوقاية إياه، قبل ياء المتكلم، نحو:"ما أحوجني إلى عفو الله"، وتصغيره في نحو:
298 -
(يا ما أميلح غزلانًا شدن لنا
…
...
…
...)
شاذ، فلا يعارض ما اطرد، و"الهمزة" فيه للتعدية.
ومن أمثلة الثاني: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] ولا خلاف في فعليته، ولفظه وإن كان طلبا، فمعناه الخبر، واختلف في فاعله، فقيل: ضمير الحسن،
وقيل: ضمير المخاطب، وإنما لزم الإفراد لجريانه مجرى المثل، وقيل: فاعله المجرور، والياء زائدة، إذ أصله فعل ماض بصيغة "أفعل" أي: صار ذا كذا، كأعشب المكان، ثم غيرت الصيغة، فقبح إسناد صيغة الأمر إلى اسم ظاهر، فزيدت الباء في الفاعل ليصير على هيئة المفعول به، في "مررت بزيد" ولذلك لزمت، بخلاف في:{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] إلا أنها تحذف مع "أنْ" و"أنّ" كقوله:
299 -
(
…
...
…
... وأحبب إلينا أن تكون المقدما)
(وتلو "أفعل" انصبنه كـ"ما"
…
أوفى خليلينا و"أصدق بهما")
ما بعد "أفعل" في قولك: "ما أحسن زيدًا" ونحوه، منصوب، لأنه مفعول
به، والفاعل ضمير واجب الاستتار، يعود على "ما".
(وحذف ما منه تعجبت استبح
…
إن كان -عند الحذف- معناه يضح)
يجوز حذف المتعجب منه إذا علم، إما بدليل لفظي، نحو:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] وإما بدونه، وأكثر ما يكون في "ما أفعل" كقوله:
300 -
(جزى الله عنا بختريا ورهطه
…
بنى عبد عمروٍ ما أعف وأكرما)
ومنه في: "أفعل" قوله:
301 -
(فذلك إن يلق المنية يلقها
…
حميدًا، وإن يستغن يومًا فأجدر
(وفي كلا الفعلين قدما لزما
…
منع تصرف بحكم حتما)
كل من فعل التعجب ممنوع التصرف، فالأول -في الماضي- كتبارك، وعسى، والثاني -في الأمر- كتعلم، بمعنى: اعلم.
وقيل إن علة جمودهما تضمنهما معنى الحرف الذي كان حقه أن يوضع للتعجب.
(وصغهما من ذي ثلاثٍ صرفا
…
قابل فضلٍ، تم غير ذي انتفا)
(وغير ذي وصفٍ يضاهى أشهلا
…
وغير سالكٍ سبيل فعلا)
لا يبنى فعل التعجب إلا مما اجتمعت فيه ثمانية شروط:
أحدها: أن يكون فعلا، فلا يبنى من غير فعل، وقول العامة:"ما أحمره" -من لفظ الحمار- خطأ، إذ لا فعل له.
الثاني: أن يكون ثلاثيا، وقول الفقهاء:"ما اخصره" -من اختصر- لا يعرف له سماع.
الثالث: أن يكون متصرفا، فلا يبنى من "نعم، وبئس" وما جرى مجراهما في عدم التصرف.
الرابع: أن يكون معناه قابلا للتفاضل، فلا يبنى من نحو:"ذهب" و"مات"
العامة: "ما أموته! " خطأ.
الخامس: أن يكون تاما، فلا يبنى من نحو:"كان" و"صار" و"كاد" وقولهم: "ما أصبح أبردها! " و"ما أمسى أدفأها! " التعجب داخل على: "أبرد" و"أدفأ" و"أصبح" و"أمسى" زائدتان.
السادس: أن يكون غير منفي، فلو كان لازم الاستعمال في النفي، نحو:"ما عجت بالدواء" بمعنى: ما انتفعت به، أو عرض له النفي، نحو:"ما قام زيد" لم يبن منه فعل التعجب.
السابع: أن لا يكون الوصف منه على أفعل، فلا يبنى من نحو:
"عرج" و"عور" و"شهل" وقول العامة: "ما أشقره! " خطأ، وسمع:"ما أسمره! " -من السمر- و"ما أبيض الحمامة" -من البيض- و"ما أسود الرجل" -من السؤدد-.
الثامن: أن لا يكون مبنيا للمفعول، كـ"عُني بحاجتك" و"زُهي علينا" أو عرض له ذلك، كـ"ضرب زيد" لم يبن منه فعل التعجب، وقول العامة:"ما أزهاه" خطأ.
وقد سمع من العرب أشياء لم تستوف الشروط، فمما فات فيه شرط الفعلية قوله:
302 -
(أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته
…
...
…
...)
فلا يعرف له فعل، وإنما جاء منه الاسم، نحو:"هو خليق بكذا" ومما فات فيه الشرط الثاني قولهم: "ما أتقاه! " و"ما أملأ القربة" لأنهما من:
"اتقى" و"امتلأت"، وكثر ذلك في ما كان من الرباعي على "أفعل" نحو:"ما أظلم الليل" و"ما أقفر هذا المكان" و"ما أعطاه للدراهم" و"ما أولاه للمعروف" وزعم بعضهم أن "أفعل" -في بناء فعل التعجب منه- كالثلاثي، وقيل يختص الجواز فيه بما كانت همزته لغير النقل، فلا شذوذ في المثالين الأولين على هذا القول، بخلاف الآخرين، ومما فقد فيه الشرط الثالث "أعس به"[حكاه اللحياني].
(وأشدد أو أشد أو شبههما
…
يخلف ما بعض الشروط عدما)
(ومصدر العادم بعد ينتصب
…
وبعد "أفعل" جره بالبا يجب)
إذا أريد التعجب من فعل لم تكتمل شروط بناء فعل التعجب منه، أقيم مقامه "أشدد" قبل مجرور بـ"باء" أو "أشد" بعد "ما" أو ما أشبههما من "أكثر" و"أحسن" و"أعجب" ونحوها، ثم يؤتى بمصدر الفعل الذي امتنع بناء فعل التعجب منه مضافا إلى المتعجب منه منصوبا بعد "ما أفعل" ومجرورا بعد "أفعل" نحو:"ما أشد انطلاقه" و ["أشدد بانطلاقه"] و"ما أسرع فناءه"
و"أسرع بفنائه"، و"ما أكثر كونه منطلق" و"أكثر بكونه منطلقا".
فإن لم يكن للفعل مصدر أٌتي بفعله مع حرفٍ مصدري، نحو:"ما أكثر ما عُنيت بحاجتي" و "ما أكثر إن كاد زيدٌ يقوم".
(وبالندور أحكم لغير ما ذكر
…
ولا تقس على الذي منه أثر)
(وفعل هذا الباب لن يقدما
…
معموله، ووصله به الزما)
وفصله بظرفٍ أو بحرف جر
…
مستعمل، والخلف في ذاك استقر)
قد تقدم أن فعل التعجب غير متصرف في نفسه، فلذلك لا يتصرف في معموله، فلا يجوز تقديمه عليه، فلا تقول:"ما زيدًا أحسن!! " ولا "بزيدٍ أحسن" ووصله به لازم، فلا يفصل بينهما بغير الظرف والجار والمجرور، فلا يقال "ما أحسن -لولا البخل- زيدًا" ولا "أحسن -يا أخي- بزيدٍ"،
وأما الفصل بالظرف والجار والمجرور فمستعمل، فمن كلامهم:"ما أحسن بالرجل أن يصدق وما أقبح به أن يكذب"، ومنه:
303 -
(
…
...
…
... وأحر -إذا حالت- بأن أتحولا)
وقوله:
304 -
(
…
...
…
... وأحبب إلينا أن تكون المقدما
ولذلك صحح المصنف جوازه، موافقة للفراء، والفارسي مع مخالفة أكثر البصريين.
واعلم أن محل الخلاف ما إذا كان الظرف أو الجار والمجرور معمولين لفعل التعجب، فإن كانا متعلقين بمعمول الفعل امتنع الفصل بهما اتفاقا، فلا يقال:"ما أحسن في المسجد اعتكافك" ولا "أحسن عند زيد بجلوسك".