الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعم وبئس وما جرى مجراهما
الأصل في "نعم" و"بئس": [نعم وبئس،]-بفتح الفاء، وكسر العين- ثم نقلت حركة العين إلى الفاء، بعد إلقاء حركتها، وقد يأتيان على الأصل، وقد تحذف حركة العين، وتترك حركة الفاء على حالها، وقد تتبع حركة الفاء لحركة العين، واللغات الأربع جاريات في كل ثلاثي أوله مفتوح، وثانيه حلقي مكسور، كـ"شهد" في الأفعال، و"فخذ" في الأسماء:
(فعلان غير متصرفين
…
"نعم" و"بئس" رافعان اسمين)
(مقارني "أل" أو مضافين لما
…
قارنها، كـ"نعم عقبى الكرما")
الدليل على فعلية "نعم" و"بئس" دخول تاء التأنيث عليهما في نحو:
"فبها ونعمت" ونحوه مشهور في اللسان، ولا دليل للكوفيين على اسميتهما باتصالهما بحرف الجر في نحو:"بئس السير على بئس العير" و "ما هي بنعم الولد" لتأوله بدخول حرف الجر على موصوف محذوف، تقديره:"على عير بئس العير" و "بمولود نعم الولد" ويلزمهما عدم التصرف، ويعمل كل منهما الرفع في اسم يكون فاعلا لهما، وشرطه -إن كان ظاهرا- أن يكون مقترنا بالألف واللام الجنسية، نحو:{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] أو مضافا إلى مقترن بها، كـ "نعم عقبى الكرماء" وقوله:{فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 72] وقد يقع مضافا إلى مضاف إلى المقترن بها، كقوله:
305 -
(فنعم ابن أخت القوم غير مكذب
…
...
…
...)
(ويرفعان مضمرا يفسره
…
مميز، كـ "نعم قوما معشره")
كما يكون فاعلهما اسما ظاهرا يكون ضميرا مستترا، واجب الاستتار، يفسره اسم بعد، منصوب على التمييز، كقوله:{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] تقديره: بئس هو، أي: البدل.
(وجمع تمييزٍ وفاعلٍ ظهر
…
فيه خلاف عنهم قد اشتهر)
اختلف النحاة في جواز إظهار فاعلهما مع التمييز، فمنعه سيبويه،
وأكثر أصحابه، وأجازه المبرد والفارسي، وهو الحق، لورود السماع به في نحو:
306 -
(
…
...
…
... فنعم الزاد زاد أبيك زادا)
وفي قوله:
307 -
(نعم الفتاة فتاةً هند لو بذلت
…
رد التحية نطقا أو بإيماء)
(و"ما" مميزٌ وقيل فاعل
…
في نحو: نعم ما يقول الفاضل)
تتصل "ما" بهذين الفعلين، نحو:{فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58]، وفي الحديث:"بئس ما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا" ومحلها النصب على التمييز، والفاعل مستتر، والتقدير: نعم الشيء شيئا، هذا اختيار الفارسي، وقيل: بل هي معرفة تامة، في محل الرفع، لأنها فاعل، وهو مذهب السيرافي والأكثرين، وهو ظاهر كلام سيبويه.
(ويذكر المخصوص بعد مبتدا
…
أو خبر اسم ليس يبدوا أبدا)
يذكر المخصوص بالمدح أو بالذم بعد فاعل "نعم" و"بئس" مرفوعا، نحو:"نعم الرجل زيد" و "بئس الرجل عمرو" ورفعه بالابتداء، والجملة قبله خبره، وليس بواجب التأخير، بل يجوز "زيد نعم الرجل" وقيل ارتفاعه لأنه خبر مبتدأ لازم الحذف، والتقدير:"هو زيد" والضمير عائد على الممدوح بعد "نعم" وعلى المذموم بعد "بئس".
(وإن يقدم مشعر به كفى
…
كـ"العلم نعم المقتنى والمقتفى)
يحذف المخصوص بالمدح كثيرا لتقدم ما يدل عليه، نحو:{نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 30] بعد قوله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [ص: 41] و {بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف: 29] بعد قوله تعالى: {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: 29] وليس منه ما مثل به المصنف من قوله: "العلم
نعم المقتنى" لأنه من باب تقديم المخصوص -كما سبق تمثيله- لا من باب حذفه.
(واجعل كبئس "ساء" واجعل "فعلا"
…
من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلا)
"ساء" بمنزلة بئس في دلالتها على الذم، وعدم تصرفها، واقتضائها فاعلا كفاعلها، ومخصوصًا، ومن استعمالها قوله تعالى:{سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 66] ففاعلها مستتر، مفسر بالتمييز، والمخصوص محذوف للعلم به.
ويستعمل من كل فعل ثلاثي "فعل" -بضم العين- سواء كان مبنيا على ذلك كـ"ظرف" و"شرف" أو محولا إليه كـ"فهم" و"فقه" استعمال نعم، في الدلالة على المدح، واقتضاء فاعل كفاعلها، ومخصوص بالمدح، نحو:"فقه الرجل زيد"{وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] ولا يختص ذلك بالمدح كما يقتضيه كلام المصنف، بل يستعمل في الذم أيضا، كـ "خبث الرجل زيد" ويجوز مجيء فاعله مضمرا كفاعل نعم، نحو:"مررت برجل فهم رجلا" وبعضهم يسكن عينه فيقول: "حسن"، وبعضهم ينقل حركتها مع التسكين إلى "الفاء" فيقول:"حسن"
ويختص بجواز جر فاعله بالباء، كقوله:
308 -
(حب بالزور الذي لا يُرى
…
...
…
...)
ومن كلامهم: "مررت بأبيات جاد بهن أبياتا" أصل الأول: "حبب" فأريد تسكين أول المثلين للإدغام، فنقلت حركته إلى "الحاء" وأصل الثاني:"جود" قلبت واوه ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها.
(ومثل نعم "حبذا" الفاعل "ذا"
…
وإن ترد ذمًا فقل: لا حبذا)
قد اجتمعت دلالته على المدح والذم في قوله:
309 -
(ألا حبذا عاذرى في الهوى
…
ولا حبذا الجاهل العاذل)
والفعل منهما "حب" و"ذا" هو الفاعل، وقيل الجميع فعلٌ، والفاعل ما بعده.
وقيل الجميع اسم مبتدأ، وما بعده خبره.
(وأول ذا المخصوص أيًا كان لا
…
تعدل بذا فهو يضاهي المثلا)
قد تقدم أن "ذا" هو فاعل "حب" فالمرفوع بعده هو المخصوص، ولا
يتغير "ذا" عن هيئة الإفراد، والتذكير، ولو اختلف أحوال المخصوص، بل يقال:"حبذا هند" و"حبذا الزيدان" و"حبذا الزيدون" لأنه جرى في كلامهم مجرى المثل كما يخاطبون بقولهم: "الصيف ضيعت اللبن" -بكسر التاء- كل أحد.
ويختص "حبذا" بعدم جواز تقدم المخصوص عليه، لما ذكر من أنه جارٍ مجرى المثل.
(وما سوى ذا ارفع بـ"حب" أو فجر
…
بالبا، ودون ذا انضمام الحا كثر)
إذا قيل: "حب الرجل زيد" -دون ذا- فلك أن تأتي بالرجل مرفوعا، لأنه الفاعل، ولك أن تجره بالباء، فلك أن تجره فتقول:"حب بالرجل"، ولك في أوله وهو "الحاء" الفتح، والضم، وهذه المسألة لا تختص بـ"حب" بل هي من جملة ما بُني على "فعل" للدلالة على المدح أو الذم، وقد سبق أن في صيغته ثلاث لغات، وأن في الاسم الذي بعده وجهين، فإفراد المصنف لها بالذكر يوهم اختصاص الحكمين بها، وليس كذلك.
وكذلك إفراده "ساء" بالذكر ليس بشيء، فإنها من جملة هذا القسم، فإن أصلها "سوء" قلبت واوها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فهي كـ "جاد الرجل زيدٌ" و "فاق الرجل زيدٌ".