الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحسب ما يمليه عليه اجتهادهن وما يبلغه تفكيره الحر، وحسه المرهف، فيؤيد هذا ويضعّف ذاك، ويصحح هذا ويرد ما يخالفه من غير تحيز إلى مذهب معين لذاته، وإنما ينتصر لما تشهد بصحته الشواهد المعتبرة لديهن أو ماله نظير يمكن قياسه عليه.
وكون ابن مالك موافقا في كثير من آرائه النحوية لما عليه البصريون لا يعني تحيزه إلى هذا المذهب أو هذه المدرسة، وإنما لكون ذلك هو المترجح لديه بعد إعمال فكر وإجالة نظر، ولا يخفي تفوق المدرسة البصرية على غيرها من المدارس النحوية، ومع ذلك فإنك تجد ابن مالك ينتصر لقول الكسائي أو الفراء -أحياناً- لما تقدم.
ومصنفات ابن مالك مليئة بآراء النحويين المتقدمين والمتأخرين مما يدل دلالة واضحة على أنه لم يدخر وسعاً في تتبع الآراء النحوية عند عرضه للمسائل، فإنك واجد في كتبه أقوال سيبويه والكسائي والفراء، والأخفش، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، وثعلب، والجرمي، والزجاجي، والفارسي، والسيرافي، وابن كيسان، وابن برهان، وابن جنى، وابن الأنباري، والزمخشري، وابن مضاء، وابن خروف، والشلوبين، وابن عصفور، وابن الحاجب، ابن يعيش
…
وغيرهم. وفي هذا الخضم تجد ابن مالك يؤيد هذا ويرد ذاك وقد يضرب رأيا برأي ويبدي رأيا مستقلاً في المسألة، ولست-هنا- بصدد عرض النماذج للتدليل على ذلك، فقد كفاني ذلك من قاموا بدراسة مصنفات ابن مالك.
المبحث الثامن: منهجه
إن من يستقرئ كتب ابن مالك -ولاسيما الكافية الشافية وشرحها وخلاصتها، والتسهيل- استقراءاً يهدف إلى استخلاص منهجه، لا ريب
سيقف على كثير من السمات التي اتصف بها مصنفات هذا العلم، فمن أبرز تلك السمات ميل ابن مالك إلي الابتكار، فبينما نجد صاحب الكتاب رحمه الله قد قسم النحو إلى أبواب، والزمخشري قد قسمه إلى فصول في كتابه المفصل، وكذلك فعل ابن الحاجب في كافيته، وهذه الكتب الثلاثة من أهم كتب النحو السابقة لابن مالك، نجد ابن مالك يستعمل كلا المصطلحين جاعلاً "الباب" لرؤوس المسائل، و"الفصل" لما يندرج تحت تلك المسائل ويتفرع عنها.
وكذلك نجده ينهج في ترتيب أبوابه منهجاً تعليمياً يعتمد على المناسبة والارتباط.
كما نجده يسلك منهج النظم في ضبط العلوم إدراكاً منه لما للنظم من ميزة على النثر، فقد لجأ ابن مالك إلى هذه الوسيلة -أعني النظم- المشوقة المعينة على حفظ العلوم ونقلها ودرج على ذلك في معظم مؤلفاته، فقد استطاع -بما آتاه الله من قوة القريحة الشعرية- أن يسخر قوالب الشعر لخدمة القضايا العلمية، فكان ذلك دعماً لما يسمى بالشعر التعليمي.
أقول: دعماً، لا اختراعاً، لأن ابن مالك قد سُبق في هذا المجال، فقد نظم الشاطبي المتوفي سنة: 590 هـ قصيدة في القراءات سماها: "حرز الأماني ووجه التهاني"، كما نظم ابن معطي المتوفى سنة 628 هـ منظومته القيمة في النحو المسماة:"الدرر الألفية في علم اللغة العربية"، التي أفاد منها ابن مالك كثيراً، وأشار إليها في خلاصته المسماة:" ألفية ابن مالك"، وكذلك نظم ابن الحاجب