الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القمر
سورة القمر مكية كلّها عند الجمهور، نزلت بعد الطارق. وقال مقاتل: هي مكيّة إلا ثلاث آيات من قوله: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)} إلى قوله: {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)} فمدنية.
وآيها خمس وخمسون، وكلماتها ثلاثمائة واثنتان وأربعون كلمة، وحروفها ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون حرفًا.
مناسبتها لما قبلها من وجوه (1):
1 -
حسن التناسق بين النجم والقمر.
2 -
مشاكلة آخر السورة السابقة لأوَّل هذه. فقد قال هناك: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)} ، وقال هنا:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} .
3 -
أنَّ هذه قد فصلت ما جاء في سابقتها. ففيها إيضاح أحوال الأمم التي كذبت رسلها، وتفصيل هلاكهم الذي أشار إليه في السابقة بقوله:{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)} ، فما أشبهها مع سابقتها بالأعراف بعد الأنعام، والشعراء بعد الفرقان.
وقال أبو حيان: مناسبة أوّل السورة لآخر ما قبلها ظاهرة، قال أوّلًا:{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)} ، وقال هنا:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} .
تسميتها: سمّيت سورة القمر لذكر انشقاق القمر فيها ، وتسمي أيضًا: سورة اقتربت. وكلها محكم، ليس فيها منسوخ إلا قوله:{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)} .
(1) المراغي.
فضلها: ومن فضائلها: ما أخرجه البيهقي في "الشعب" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اقتربت تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تبيض الوجوه. قال البيهقي: منكر.
وأخرج ابن الضريس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه: "من قرأ اقتربت الناس في كل ليلتين بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر".
وأخرج ابن الضريس نحوه عن ليث بن معن عن شيخ من همدان رفعه. وقد تقدم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بقاف واقتربت الساعة في الأضحى والفطر.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
نحو ما جاء في قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)} . روى أنس: أنّ النبى صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه ذات يوم، وقد كادت الشمس تغرب، ولم يبق منها إلا سف يسير، فقال:"والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه".
وروى أحمد عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بعثت أنا والساعة هكذا وأشار بأصبعيه السبّابة والوسطى". ثمّ ذكر أنّ الكافرين كلّما رأوا علامة من علامات نبوتك أعرضوا، وكذّبوا بها، وقالوا: إن هذا إلا سحر منك يتلو بعضه بعضًا. ثم أخبر أنّ أمرهم سينتهي بعد حين، ويستقر أمرك، وسينصرك الله عليهم نصرًا مؤززًا. ثم أعقب هذا بأن عبر الماضيين، وإهلاك الله لهم بعد تكذيبهم أنبياءهم كانت جد كافية لهم لو أن لهم عقولًا يفكرون بها فيما هم قادمون عليه، ولكن أنى تغني الآيات والنذر عن قوم قد أضلهم الله على علم، وختم على قلوبهم، وجعل على سمعهم وبصرهم غشاوة. ثم أمر رسوله بالإعراض عنهم، وسيخرجون عن قبورهم أذلاء ناكسي الرؤوس مسرعين إلى إجابة الداعي، يقول الكافرون منهم: هذا يوم شديد حسابه، عسر عقابه.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) فيما سلف أنه جاءهم من الأخبار ما فيه زاجر لهم لو تذكروا، لكن لم تغنهم تلك الزواجر شيئًا .. أردف هذا بذكر قصص من قبلهم من الأمم: كقوم نوح، وعاد، وثمود ليبين لرسوله أنهم ليسوا ببدع في الأمم، بل كثير منهم فعلوا فعلهم، بل كانوا أشد منهم عتوًا واستكبارًا، وأن الأنبياء قبله قد لاقوا منهم من البلاء ما لاقيت، فلا تأس على ما فرط منهم، ولا تبتئس بما كانوا يفعلون، كما جاء في قوله سبحانه:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} .
وفي هذا وعيد للمشركين من أهل مكة وغيرهم على تكذيبهم رسولهم، وأنهم إن لم ينيبوا إلى ربهم فسيحل بهم من العذاب مثل ما حل بمن قبلهم، وينجي نبيه والمؤمنين، كما نجى من قبله من الرسل، وأتباعهم من نقمه التي أحلها بأممهم.
(1) المراغي.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر قصص قوم نوح، وما فيه من العبرة لمن تدبر وفكر .. أعقبه بقصص عاد قوم هود ليبين للمكذّبين أنَّ عاقبة كلّ مكذب الهلاك والبوار، وإن تعددت أسبابه.
وَمنْ لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ
…
تَعدَّدَتِ الأَسْبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدُ
فقد أرسل الله عليهم ريحًا عاصفًا لصوتها صرير، حين هبوطها في يوم شؤم عليهم، واستمر بهم البلاء حتى حل بهم الدمار، وكانت الريح لشدتها تقتلع الناس من الأرض، وترفعهم إلى السماء، ثم ترمي بهم على رؤوسهم، فتندق رقابهم، وتبين من أجسامهم. فانظروا أيها المكذبون إلى ما حل بهم من العذاب جزاء تكذيبهم لرسولهم كما هي سنة الله في أمثالهم من المكذبين.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)
…
} الآيات، لما فرغ الله سبحانه من ذكر قصة عاد .. قص علينا قصص ثمود مع نبيها صالح إذ قالوا: أنحن العدد الجم والكثرة الساحقة، نتبع واحدًا منا لا امتياز له عنا، إنا إذا فعلنا ذلك لفي ضلال وبعد عن محجة الصواب، وإنه لكاذب فيما يدعيه من الوحي عن ربه، وما هو إلا بشر، وليس بملك. فقال لهم ربهم: ستعلمون بعد حين قريب من الكذاب البطر. وقد جعلنا ناقة فتنة واختبارًا لهم، فأمرناه أن يخبرهم بأن ماء البئر يقسم بينها وبينهم، فلها يوم ولهم يوم آخر. فما ارتضوا هذا، وقام فاسقهم قدار، وعقر الناقة، فخرت صريعة، فجازاهم الله تعالى، فأرسل عليهم العذاب فصاروا كالهشيم الذي يتفتت حين بناء حظيرة الماشبة.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
…
} الآيات، لما فرغ الله سبحانه من قصة ثمود .. ذكر هنا تكذيب قوم لوط لنبيهم، ومخالفتهم إيّاه، واجتراحهم من السيئات ما لم يسبقهم به أحد من العالمين بإتيانهم الذكران دون النساء، ثم أردف ذكر عذابهم بإرسال حجارة من سجيل عليهم إلا من آمن منهم، فقد نجاهم بسحر، وما أهلكهم إلا بعد أن أنذرهم عذابه على لسان رسوله، فكذبوه.